المتواري على
أبواب البخاري (42 - كتاب اللّقطَة)
(234 - (1) بَاب إِذا جَاءَ صَاحب اللّقطَة [بعد سنة]
ردّها عَلَيْهِ لِأَنَّهَا وَدِيعَة.)
فِيهِ زيد: إِن رجلا سَأَلَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- عَن اللّقطَة فَقَالَ: عرّفها سنة. ثمَّ اعرف
وكاءها وعفاصها ثمَّ استنفق فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فأدّها
إِلَيْهِ. الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! فِي بعض طرقه أَنَّهَا وَدِيعَة من
رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال. وَلَكِن شكّ يحيى بن سعيد
عَن يزِيد: هَل الزِّيَادَة من الرَّاوِي، أَو من النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-؟ فأسقطها البُخَارِيّ من
التَّرْجَمَة لفظا. وضمّنها معنى فِي صِيغَة التَّعْلِيل
بقوله: " لِأَنَّهَا وَدِيعَة " إِذْ ردّها إِلَى صَاحبهَا
أَو عرفهَا لَهُ. إِن استنفقها يدل على بَقَاء ملكه،
خلافًا لمن أَبَاحَهَا بعد الْحول، بِلَا ضَمَان.
(225 - (2) بَاب هَل يَأْخُذ اللّقطَة وَلَا يَدعهَا تضيع
حَتَّى يَأْخُذهَا من لَا يسْتَحق؟)
فِيهِ سُوَيْد بن غَفلَة: كنت مَعَ سُلَيْمَان بن ربيعَة
وَزيد بن صوحان فِي
(1/273)
غزَاة. فَوجدت سَوْطًا فَقَالَا لي: ألقه،
قلت: لَا، وَلَكِنِّي إِن وجدت صَاحبه، وَإِلَّا استمتعت
بِهِ. فَلَمَّا رَجعْنَا حجَجنَا. فمررت بِالْمَدِينَةِ
فَسَأَلت أبي بن كَعْب، فَقَالَ: وجدت صرة على عهد
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-. فَقَالَ: عرفهَا
حولا. ثمَّ أَتَيْته الرَّابِعَة، فَقَالَ: اعرف عدتهَا
ووكاءها ووعاءها. فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا استمتع
بهَا.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الْحجَّة مِنْهُ ترك
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْإِنْكَار على
أَبى فِي أَخذهَا، دلّ على أَنه خَال من الْمفْسدَة شرعا
وَيلْزم اشتماله على الْمصلحَة وإلاّ كَانَ تَصرفا فِي ملك
الْغَيْر. وَتلك الْمصلحَة تتَعَيَّن أَن يكون الْحِفْظ
لَهَا وصيانتها عَن أَيدي الخونة. فَمن هَاهُنَا أَخذ
التَّرْجَمَة.
(226 - (3) بَاب)
فِيهِ أَبُو بكر: انْطَلَقت فَإذْ براعي غنم يَسُوق غنمه
فَقُلْنَا: لمن أَنْت؟ فَقَالَ: لرجل من قُرَيْش -
فَسَماهُ فعرفته -.
فَقلت لَهُ: هَل فِي غنمك من لبن؟ قَالَ: نعم.
قلت: فَهَل أَنْت حالب لنا؟ قَالَ: نعم.
فَأَمَرته فاعتقل شَاة من غنمه، ثمَّ أَمرته أَن ينفض
ضرْعهَا من الْغُبَار. ثمَّ أَمرته أَن ينفض إِحْدَى كفيه
بِالْأُخْرَى. فَحلبَ كثبةً من لبن. وَقد جعلت
(1/274)
لرَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إداوةً، على
فِيهَا خرقَة. فَصَبَبْت على اللَّبن حَتَّى برد أَسْفَله
فانتهيت إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
فَقلت: اشرب يَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
فَشرب حَتَّى رضيت.
قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل البُخَارِيّ متن هَذَا
الحَدِيث فِي أَبْوَاب اللّقطَة، تَنْبِيها على أَن
الْمُبِيح للبن فِي حق النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- وَالْحَالة هَذِه - أَن اللَّبن فِي حكم الضائع
الْمُسْتَهْلك، لِأَن الْغنم فِي الصَّحرَاء وَلَيْسَ
مَعهَا سوى رَاع وَمَا عَسى هَذَا الرَّاعِي يشرب من
لَبنهَا. فالفاضل عَن شربه مستهلك، لَا مَالِيَّة فِيهِ
لصَاحبه. فَهُوَ كالسوط الَّذِي اغتفر الْتِقَاطه،
وكالتمرة وَأَعْلَى أَحْوَاله أَن يكون كالشاة اللّقطَة
فِي المضيعة. وَقد قَالَ فِيهَا: هِيَ لَك، أَو لأخيك أَو
للذئب.
وَكَذَلِكَ هَذَا اللَّبن هُوَ إِن لم يحتلب مستهلك على كل
حَال. فَلهَذَا استباحه، لَا لِأَنَّهُ مَال حربىّ إِذْ
الْغَنَائِم لم تكن أحلّت بعدٌ. وَلَا لِأَنَّهُ
بِالْعَادَةِ مسموح فِيهِ، لِأَن هَذَا لَيْسَ على
إِطْلَاقه عَادَة. وَالله أعلم. |