المتواري على
أبواب البخاري ( [كتاب الْأَدَب] )
(305 - (1) بَاب من تركَ صبيةَ غَيره حَتَّى تلعب بِهِ،
أَو قَبَّلها أَو مازحها.)
فِيهِ أم خَالِد بنت خَالِد: أتيت النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- مَعَ أبي، وعلىّ قَمِيص أصفر. قَالَ
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: سَنه سَنَه. فذهبتُ
أَلعَب بِخَاتم النبوّة، فزبرني أبي. فَقَالَ النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: دعها، ثمَّ قَالَ النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: أبلي وأخلقي، ثمَّ أبلي
(1/355)
وأخلقي - ثَلَاثَة مَرَّات -. فَبَقيت
حَتَّى ذكر.
قلت: رَضِي الله عَنْك! جعل تَمْكِين النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- لَهَا من ذَلِك يتنزّل منزلَة ابتدائية
يَتَنَاوَلهَا لتلعب، وقاس قبْلَة الصَّغِيرَة على
المماسّة.
(306 - (2) بَاب رَحْمَة النَّاس والبهائم)
فِيهِ مَالك بن الْحُوَيْرِث: أَتَيْنَا النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَنحن شبيبة متقاربون. فَأَقَمْنَا
عِنْده عشْرين لَيْلَة. فظنّ أَنا اشتقنا أهلنا.
وَسَأَلنَا عَمَّن تركنَا فِي أَهْلينَا، وَكَانَ رَقِيقا
رحِيما. فَقَالَ: ارْجعُوا إِلَى أهليكم فعلمّوهم ومروهم.
وصلّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلّى. وَإِذا حضرت الصَّلَاة
فليؤذن لكم أحدكُم. ثمّ ليؤمّكم أكبركم. "
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَامَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- فِي صَلَاة وقمنا مَعَه، فَقَالَ
أَعْرَابِي وَهُوَ فِي الصَّلَاة،: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
ومحّمداً، وَلَا ترحم مَعنا أحدا. فلمّا سلّم النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ للأعرابي: لقد حجّرت
وَاسِعًا - يُرِيد رَحْمَة الله -.
وَفِيه النُّعْمَان بن بشير: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- ترى الْمُؤمنِينَ فِي تراحمهم وتوادّهم
وتعاطفهم كَمثل الْجَسَد. إِذا اشْتَكَى عُضْو تداعى لَهُ
سَائِر جسده بالسهر والحمى.
وَفِيه أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-:
مَا من مُسلم غرس غرساً فَأكل مِنْهُ إِنْسَان أَو دابّة
إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة.
(1/356)
وَفِيه جرير. قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- من لَا يرحم لَا يرحم.
قلت: رَضِي الله عَنْك {الْأَحَادِيث كلهَا ظَاهِرَة
الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، إِلَّا حَدِيث الْغَرْس.
وَلكنه أدخلهُ، لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ الصَّدَقَة على
النَّاس والبهائم بِمَا عساه يتَنَاوَل من ثمره. وَفِي
هَذَا حثّ على شُمُول الرَّحْمَة حَتَّى للبهائم، وترغيب
فِي ذَلِك.
(307 - (3) بَاب مَا يجوز من ذكر النَّاس نَحْو قَوْلهم:
الطَّوِيل والقصير)
وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: " مَا
يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ ".؟ وَمَا لَا يُرَاد بِهِ شين
الرجل.
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: صلّى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- الظّهْر رَكْعَتَيْنِ ثمّ سلّم - الحَدِيث -
وَكَانَ فِي الْقَوْم رجل كَانَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- يَدعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ. فَقَالَ: أصدق
ذُو الْيَدَيْنِ؟ .
قلت: رَضِي الله عَنْك} أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى أَن ذكر
مثل هَذَا إِن كَانَ للْبَيَان والتمييز، كَمَا ورد فِي
الحَدِيث، فَهُوَ الْجَائِز.
وَإِن كَانَ فِي غير هَذَا السِّيَاق كالتنقيص والتغييب
فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز. وَإِشَارَة عَائِشَة فِي بعض
الحَدِيث إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي دخلت عَلَيْهَا، ثمَّ
خرجت فَأَشَارَتْ عَائِشَة بِيَدِهَا أَنَّهَا قَصِيرَة.
فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: اغتبتها،
لِأَن عَائِشَة لم تفعل هَذَا بَيَانا. وَإِنَّمَا قصدت
إِلَى الْإِخْبَار عَن صفتهَا خاصّة ففهم التغييب، فنهيت.
(1/357)
(308 - (4) بَاب الْغَيْبَة. وَقَوله
تَعَالَى: {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12] .)
فِيهِ ابْن عَبَّاس: مرّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- على قبرين، فَقَالَ: إنَّهُمَا ليعذّبان. وَمَا
يعذبّان فِي كَبِير.
أما هَذَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من بَوْله. وأمّا هَذَا
فَكَانَ يمشي بالنميمة. الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك {بوّب على الْغَيْبَة، وَذكر
النميمة تَنْبِيها على اجْتِمَاعهمَا فِي الْمَعْنى.
وَهُوَ الذّكر بِظهْر الْغَيْب بِمَا يكره الْإِنْسَان أَن
يذكر عَنهُ. وَألْحق الْغَيْبَة بالنميمة بطرِيق الأولى،
إِذْ النميمة لَا يكون فِيهَا تنقيص. والغيبة لَا تَخْلُو
مِنْهُ، فهى أحرم.
(309 - (5) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- خير دور الْأَنْصَار.)
فِيهِ أَبُو أسيد: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- خير الْأَنْصَار بَنو النجار.
قلت: رضى الله عَنْك} ترْجم على خير دور الْأَنْصَار،
وَفِي الحَدِيث خير الْأَنْصَار، لينبّه على أنّ المُرَاد
بالدور أَهلهَا على حذف الْمُضَاف. وَقد ورد فِي حَدِيث: "
خير دور الْأَنْصَار " لم يذكرهُ البُخَارِيّ، لئلاّ يتخيل
ظَاهره، وَهُوَ التَّفْضِيل بَين الدّور، لَا بَين
الْأَهْل. وَالله أعلم.
(1/358)
(310 - (6) بَاب من أخبر صَاحبه بِمَا
يُقَال فِيهِ.)
فِيهِ ابْن مَسْعُود: قسم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- قومة، فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَالله مَا
أَرَادَ مُحَمَّد بِهَذَا وَجه الله. فَأتيت النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأَخْبَرته، فتمعّر وَجهه.
فَقَالَ: رحم الله مُوسَى {لقد أوذى أَكثر من هَذَا
فَصَبر.
قلت: رَضِي الله عَنْك} لما ترْجم على النميمة اسْتثْنى
هَذَا النَّحْو. وَترْجم عَلَيْهِ بِمَا يفهم مِنْهُ
إِلْحَاقه بِالنَّصِيحَةِ الْجَائِزَة. وَلِهَذَا لم يُنكر
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على النَّاقِل.
(311 - (7) بَاب من أثنى على أَخِيه بِمَا يعلم.)
وَقَالَ سعد: مَا سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- يَقُول لأحد يمشى على الأَرْض: إِنَّه من أهل
الجنّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام.
فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
حِين ذكر فِي الْإِزَار مَا ذكر. قَالَ أَبُو بكر: يَا
رَسُول الله! إِن إزَارِي يسْقط من أحد شقيه. قَالَ:
إِنَّك لست مِنْهُم.
(1/359)
قلت: رضى الله عَنْك {بيّن بِهَذِهِ
التَّرْجَمَة وَبِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ أَن الحَدِيث
الأول وَهُوَ قَوْله: " قطعْتُمْ ظهر الرجل " إِنَّمَا
كَانَ لأَنهم جازفوا فِي الثَّنَاء، أَو لأنّ الممدوح
كَانَ مِمَّن يفتتن، لِأَنَّهُ -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- هَهُنَا أثنى على أبي بكر بسلامته من الْخُيَلَاء
لِأَنَّهُ علم مِنْهُ ذَلِك، وَأَبُو بكر لَا يفتتن. وَمَا
لأحد بعد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْجَزْم.
(312 - (8) بَاب مَا يجوز من الظَّن على شرار الْخلق.)
فِيهِ عَائِشَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-: " مَا أَظن فلَانا وَفُلَانًا يعرفان من ديننَا
شَيْئا ".
قَالَ اللَّيْث: وَكَانَا رجلَيْنِ من الْمُنَافِقين.
وَقَالَ مرّة: مَا أَظن فلَانا وَفُلَانًا يعرفان من
ديننَا الَّذِي نَحن عَلَيْهِ.
قلت: رَضِي الله عَنْك} التَّرْجَمَة على الظَّن،
والْحَدِيث صيغته بِنَفْي الظَّن. وَلَكِن نفي الظنّ فِيهِ
وَفِي أَمْثَاله مَوْضُوع لظنّ النفى عرفا. وَإِنَّمَا عدل
عَن الْحَقِيقَة الْأَصْلِيَّة فِي الْإِطْلَاق تَحْقِيقا
للنصفة، وَأَن صَاحبه برِئ من المجازفة حرىّ
(1/360)
بالمناصفة. وَلِهَذَا قبل مَالك فِي
الشَّهَادَة صِيغَة " لَا أعلم لَهُ وَارِثا سوى وَلَده "
وَهَذِه الصِّيغَة وضعا لنفى الْعلم بزائد على الْوَلَد.
وَقد يكون شاكاً فِيهِ. لكنهما عرفا للبتّ بِالنَّفْيِ
تَغْلِيبًا.
(313 (9) بَاب ستر الْمُؤمن على نَفسه.)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- كل أمتى معافى إِلَّا المجاهرون. وَإِن
من المجاهرة أَن يعْمل الرجل عملا بِاللَّيْلِ ثمّ يصبح
وَقد ستره الله. فَيَقُول: يَا فلَان {عملت البارحة كَذَا
وَكَذَا. وَقد بَات يستره ربّه، وَيُصْبِح فَيكْشف ستر
الله عَنهُ.
وَفِيه ابْن عمر: إِن رجلا سَأَلَهُ، كَيفَ سَمِعت
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول فِي
النَّجْوَى؟ قَالَ: يدنو أحدكُم من ربه حَتَّى يضع كنفه
عَلَيْهِ فَيَقُول: عملت كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُول: نعم.
فيقرّره ثمَّ يَقُول: سترت عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا
أغفرها لَك الْيَوْم.
قلت: رَضِي الله عَنْك} ترْجم على ستر الْمُؤمن على نَفسه،
ثمَّ ذكر حَدِيث النَّجْوَى. وَمَا فِيهِ " سترت على نَفسك
"، " بل سترت عَلَيْك "، لِأَن ستر العَبْد
(1/361)
على نَفسه هُوَ ستر الله عَلَيْهِ إِذا
هُوَ خَالق عبيده وأفعالهم.
(314 - (10) بَاب من كفّر أَخَاهُ بِغَيْر تَأْوِيل فَهُوَ
كَمَا قَالَ.)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: إِذا قَالَ الرجل لِأَخِيهِ:
يَا كَافِر، فقد بَاء بِهِ أَحدهمَا.
وَفِيه ثَابت بن الضَّحَّاك: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- من حلف بملّة غير الْإِسْلَام كَاذِبًا
فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ فِي
نَار جَهَنَّم. وَلعن الْمُؤمن كقتله. وَمن رمى مُؤمنا
بِكفْر فَهُوَ كقتله.
قلت: رَضِي الله عَنْك! حمل البُخَارِيّ قَوْله: " فقد
بَاء بِهِ أَحدهمَا " على تَحْقِيق الْكفْر على أَحدهمَا
لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فالمرمى كَافِر وَإِن كَانَ
كَاذِبًا فقد جعل الرَّامِي الْإِيمَان كفرا. وَمن جعل
الْإِيمَان كفرا فقد كفر، وَلأَجل هَذَا ترْجم عَلَيْهِ
مقيّداً بِغَيْر تَأْوِيل.
(1/362)
(315 - (11) بَاب من لم ير إكفار من قَالَ
ذَلِك متأولاً أَو جَاهِلا)
قَالَ عمر لحاطب: إِنَّه نَافق. فَقَالَ النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]-: وَمَا يدْريك لعلّ الله قد أطلع
على أهل بدر فَقَالَ: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُم قد غفرت لكم
".
فِيهِ جَابر: إِن معَاذ بن جبل كَانَ يصلّى مَعَ النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-، ثمَّ يأتى قومه فيصلّى بهم
صَلَاة، فَيقْرَأ بهم الْبَقَرَة. فتجوّز رجل فصلّى صَلَاة
خَفِيفَة، فَبلغ ذَلِك معَاذًا، فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق.
فَبلغ ذَلِك الرجل، فَأتى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِنَّا قوم نعمل
بِأَيْدِينَا، ونستقى بنواضحنا، وَإِن معَاذًا صّلى بِنَا
البارحة، فَقَرَأَ الْبَقَرَة فتجوّزت، فَزعم أَنى
مُنَافِق.
فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَا معَاذ}
أفتّان أَنْت - ثَلَاثًا - اقْرَأ {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا}
، و {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَنَحْوهمَا.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-: من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه: "
بِاللات والعزّى، فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمن
قَالَ لصَاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق ".
(1/363)
وَفِيه ابْن عمر: إِنَّه أدْرك عمر، وَهُوَ
فِي ركب وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ. فناداهم النَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] : أَلا إنّ الله يَنْهَاكُم أَن
تحلفُوا بِآبَائِكُمْ. فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه،
أَو ليصمت.
قلت: رضى الله عَنْك! الْأَحَادِيث مُطَابقَة للتَّرْجَمَة
إِلَّا حَدِيث عمر - رضى الله عَنهُ -. وَلَكِن لما كَانَ
الْحلف تَعْظِيمًا للمحلوف بِهِ. وَلم يكن الخطّاب مُؤمنا
كَانَ الْحلف تَعْظِيمًا للْكَافِرِ، وَلَكِن عذر
بالتأويل.
(316 - (12) بَاب مَا لَا يستحى من الْحق لأجل التفقه فِي
الدّين)
فِيهِ أم سَلمَة: إِن أم سليم قَالَت: يَا رَسُول الله
[إِن الله] لَا يستحي من الْحق. هَل على الْمَرْأَة من غسل
إِذا هِيَ احتملت؟ قَالَ: نعم، إِذا رَأَتْ المَاء.
وَفِيه ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- قَالَ: مثل الْمُؤمن مثل شَجَرَة خضر لَا يسْقط
وَرقهَا، وَلَا يتحات. فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ
النَّخْلَة وَأَنا غُلَام شَاب - فَاسْتَحْيَيْت، فَقَالَ:
هِيَ النَّخْلَة.
فَقَالَ عمر: لَو كنت قلتهَا كَانَ أحبّ إلىّ من كَذَا
وَكَذَا.
وَفِيه أنس: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- تعرض عَلَيْهِ نَفسهَا.
(1/364)
فَقَالَت: هَل لَك فِي حَاجَة؟ فَقَالَت
ابْنَته: مَا أقل حياءها فَقَالَ: هِيَ خير مِنْك عرضت على
رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- نَفسهَا.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة
لحَدِيث الَّتِي عرضت نَفسهَا، وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك
دينا، لَا لحظ نفس، وَلما ترتّب على تَزْوِيجه -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- بهَا من حملهَا للشريعة عَنهُ، وَلما بطن
وَرَاء الْحجب أُسْوَة نِسَائِهِ - رَضِي الله عَنْهُن -
فطلبها لذَلِك دَاخل فِي طلب التفقّه فِي الدّين وَالْعلم.
(317 - (13) بَاب هجاء الْمُشْركين.)
فِيهِ عَائِشَة: رَضِي الله عَنْهَا -: اسْتَأْذن حسان
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي هجاء
الْمُشْركين، فَقَالَ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: فَكيف
بنسبي؟
فَقَالَ حسان: لأسلنك مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من
الْعَجِين.
وَفِيه عُرْوَة: ذهبت أسبّ حسان عِنْد عَائِشَة، فَقَالَت:
لَا تسبّه فَإِنَّهُ كَانَ ينافح رَسُول الله -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: فِي قصصه يذكر للنَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: إِن أَخا لكم - يَعْنِي
ابْن رَوَاحَة -. قَالَ:
(وَفينَا رَسُول الله يَتْلُو كِتَابه ... إِذا أنشق
مَعْرُوف من الْفجْر سَاطِع)
(1/365)
(يبيت يجافى جنبه عَن فرَاشه ... إِذا
استثقلت بالكافرين الْمضَاجِع)
وَفِيه أَبُو سَلمَة: إِنَّه سمع حسان بن ثَابت يستشهد
أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: أناشدنّك الله، هَل سَمِعت رَسُول
الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: يَا حسّان اجب
عَن رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اللَّهُمَّ
أيد بِروح الْقُدس؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: نعم ".
وَفِيه الْبَراء: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- لحسّان: اهجهم - أَو هاجمهم - وَجِبْرِيل مَعَك.
قلت: رَضِي الله عَنْك! كل هَذِه الْأَحَادِيث مُطَابقَة،
وَشعر ابْن رَوَاحَة أَيْضا لقَوْله: " إِذا استثقلت
بالكافرين الْمضَاجِع ".
(318 - (14) بَاب مَا يكره أَن يكون الْغَالِب على
الْإِنْسَان الشّعْر حَتَّى يصدّه عَن ذكر الله،
وَالْقُرْآن، وَالْعلم.)
فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-: لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه،
خير لَهُ عَن أَن يمتلئ شعرًا.
(1/366)
قلت: رَضِي الله عَنْك {يُطَابق الحَدِيث
التَّرْجَمَة بِالْمَفْهُومِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذمّ
الامتلاء الَّذِي لَا متّسع مَعَه لغيره. فدلّ أنّ مَا دون
ذَلِك لَا يدْخلهُ الذَّم.
(319 - (15) بَاب عَلامَة الحبّ فِي الله لقَوْله
تَعَالَى: {إِن كُنْتُم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله}
[آل عمرَان: 31] .
فِيهِ عبد الله: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-: الْمَرْء مَعَ من أحب.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود مرّة: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: مَتى السَّاعَة يَا
رَسُول الله؟ قَالَ: مَا أَعدَدْت لَهَا؟ [قَالَ: مَا
أَعدَدْت لَهَا] منكثير صَلَاة، وَلَا صَوْم، وَلَا
صَدَقَة. وَلَكِنِّي أحبّ الله وَرَسُوله.
قَالَ: أَنْت مَعَ من أَحْبَبْت.
قلت: رَضِي الله عَنْك} الْآيَة مُطَابقَة للتَّرْجَمَة،
لِأَن اتِّبَاع الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
(1/367)
قد جعله الله عَلامَة لحبّه إِذْ وعد
المحبّة عَلَيْهِ. ومطابقة التَّرْجَمَة للأحاديث عسيرٌ
فَتَأَمّله.
(320 - (16) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-: إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن)
وَقَالَ: " إِنَّمَا الْمُفلس الَّذِي يفلس يَوْم
الْقِيَامَة " كَقَوْلِه: " إِنَّمَا الصرعة الَّذِي يملك
نَفسه عِنْد الْغَضَب ". وَكَقَوْلِه: " لَا ملك إِلَّا
الله " فوصفه بانتهاء الْملك، ثمَّ ذكر الْمُلُوك أَيْضا
فَقَالَ: {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة افسدوها}
[النَّمْل: 34] .
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-: " وَيَقُولُونَ الْكَرم، إِنَّمَا
الْكَرم قلب الْمُؤمن ".
قَالَ: الْمُبَالغَة بِجَمِيعِ هَذِه الْأَحَادِيث من
الْجِهَة الْعَامَّة. وَهَهُنَا وقف الشَّارِح) .
قلت: رضى الله عَنْك! والجهة الْخَاصَّة الَّتِي اجْتمعت
فِيهَا الْأَخْبَار وُقُوع الْكَلَام على الْمجَاز، وَعكس
الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة والوضعية. وَفَائِدَة الْمجَاز
تَحْقِيق الْمَعْنى وتأكيده فِي النَّفس. وَلَا يعدّ ذَلِك
خلفا، وَإِنَّمَا هُوَ وضع بَان اللَّفْظ. وَالله أعلم.
(1/368)
(321 - (17) بَاب [قَول الرجل لصَاحبه: يَا
أَبَا فلَان و] أحبّ الْأَسْمَاء إِلَى الله عزّ وجلّ)
فِيهِ جَابر: ولد لرجل منّا غُلَام، فَسَماهُ الْقَاسِم،
فَقُلْنَا: لَا نكنيك أَبَا الْقَاسِم وَلَا كَرَامَة،
فَأخْبر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-، فَقَالَ:
سمّ ابْنك عبد الرَّحْمَن.
قلت: رضى الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة أَنهم
أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَن كناه بكنية النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- لَا أصل الكنية، وَأَن النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَشَارَ عَلَيْهِ بِعَبْد
الرَّحْمَن. إِنَّمَا يُشِير بِمَا هُوَ خير عِنْد الله.
وَقد ورد حَدِيث على لفظ التَّرْجَمَة فِي عبد الرَّحْمَن
وعبد الله ".
(322 - (18) بَاب الكنية للصبى، وَقبل أَن يُولد للرجل.)
فِيهِ أنس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
أحسن النَّاس خلقا. وَكَانَ لي أَخ يُقَال لَهُ
(1/369)
أَبُو عُمَيْر قَالَ: أَحْسبهُ - فطيم
قَالَ: وَكَانَ إِذا جَاءَ قَالَ: أَبَا عُمَيْر مَا فعل
النغير؟ نغر كَانَ يلْعَب بِهِ فَرُبمَا حضر صلَاته وَهُوَ
فِي بيتنا، فيأمرنا بالبساط الَّذِي تَحْتَهُ فيكنس،
وينضح، ثمَّ يقوم ونقوم خَلفه، ثمَّ يصلى بِنَا.
[قلت: رضى الله عَنْك!] يُرِيد أَن الكنية اسْم جامد مرتجل
مركب، لَا على حَقِيقَة الْإِضَافَة الَّتِي يتَوَقَّف
صدقهَا على أَن للمكنىّ ولدا، وَهُوَ أَبوهُ.
20323 - (19) بَاب المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب)
وَقَالَ أنس: مَاتَ ابْن لأبي طَلْحَة فَقَالَ: كَيفَ
الْغُلَام؟ قَالَ [أم سليم] هدأ نَفسه، وَأَرْجُو أَن يكون
قد استراح، فظنّ أَنَّهَا صَادِقَة.
فِيهِ أنس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
فِي مسير لَهُ، فحدا الْحَادِي، فَقَالَ النَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] : ارْفُقْ يَا أَنْجَشَة - وَيحك -
بِالْقَوَارِيرِ ".
قَالَ أَبُو قلَابَة: يعْنى النِّسَاء. وَقَالَ أنس مرّة:
لَا تكسر الْقَوَارِير.
قَالَ قَتَادَة: يعْنى ضعفة النِّسَاء.
قَالَ أنس: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فزع، فَركب النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فرسا لأبي طَلْحَة،
(1/370)
فَقَالَ مَا رَأينَا من شَيْء. وَإِن
وَجَدْنَاهُ لبحراً.
[ذكر الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عمر بن الْخطاب -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن
الْكَذِب.
وَعَن ابْن عَبَّاس - رضى الله عَنهُ - قَالَ: مَا أحبّ
أَن لى بمعاريض الْكَلَام كَذَا وَكَذَا. وَمعنى مندوحة،
أَي متّسع. وَيُقَال: مِنْهُ انتدح فلَان بِكَذَا، ينتدح
انتداحاً إِذا اتّسع بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال: ندحت الشَّيْء إِذا
وسّعته.
قَالَ الطَّبَرِيّ: انتدحت الْغنم فِي مرابضها، إِذا
تبدّدت واتّسعت عَن البطنة. واندح بطن فلَان، واندحى يعْنى
استرخى واتّسع] .
قلت: رضى الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث
الأول بيّنة، وَأما مَا بعده فَلَيْسَ من المعاريض الَّتِي
يفزع إِلَيْهَا عَن الْكَذِب. وَإِنَّمَا هُوَ تَشْبِيه
ومبالغة. لَكِن وَجه دُخُوله أَن التَّشْبِيه إِذا جَازَ
ذكره بِصِيغَة الْإِجَازَة بِلَا آلَة تَشْبِيه، وَلم يعدّ
حلفا وَلَا دعت إِلَيْهِ حَاجَة. فالمعاريض عِنْد الْحَاجة
أولى.
(1/371)
(324 - (20) بَاب تشميت الْعَاطِس إِذا حمد الله)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة، وَفِيه الْبَراء: أمرنَا رَسُول
الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بتشميت الْعَاطِس.
الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! التَّرْجَمَة مُطلقَة بِالْحَمْد،
والْحَدِيث مُطلق. فنبّه البُخَارِيّ على أَن الحَدِيث
لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل هُوَ مُقَيّد بالأحاديث الَّتِي
أوردهَا قبل هَذِه التَّرْجَمَة، وَقد تضمنّت اشْتِرَاط
الْحَمد. |