المنتقى شرح
الموطإ [وُقُوتُ الصَّلَاةِ] 1
ِ: جَمْعُ وَقْتٍ كَضَرْبٍ وَضُرُوبٍ وَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ
وَوَجْهٍ وَوُجُوهٍ فَوَقْتُ الصَّلَاةِ يَتَّسِعُ
لِتَكْرَارِ فِعْلِهَا مِرَارًا وَجَمِيعُهُ وَقْتٌ
لِجَوَازِ فِعْلِهَا وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَقْتِ
الْوُجُوبِ مِنْهُ فَذَهَبَ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا مِنْ
الْمَالِكِيِّينَ إلَى أَنَّ جَمِيعَهُ وَقْتٌ لِلْوُجُوبِ
وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ آخِرَهُ
وَقْتٌ لِلْوُجُوبِ وَذَهَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إلَى
أَنَّ أَوَّلَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا ضُرِبَ
آخِرُهُ فَصْلًا بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَذَهَبَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ مِنْهُ
وَقْتٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ لِلْمُكَلَّفِ
تَعْيِينَهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا
أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَجْرَى عَلَى أُصُولِ الْمَالِكِيَّةِ
لِأَنَّ مُعْظَمَهُمْ قَالُوا إنَّ الْأَفْعَالَ
الْمُخَيَّرَ بَيْنَهَا كَالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ
وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبُ مِنْهَا
وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلِلْمُكَلَّفِ تَعْيِينُ
وُجُوبِهِ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ
مِنْ أَصْحَابِنَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ خُوَيْزِ
مَنْدَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ جَمِيعَهَا وَاجِبٌ
فَإِذَا فَعَلَ الْمُكَلَّفُ أَحَدَهَا سَقَطَ وُجُوبُ
سَائِرِهَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ
اللَّهُ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْوَاجِبَ جَمِيعُهَا لَا
يَسْقُطُ وُجُوبُ بَعْضِهَا بِفِعْلِ غَيْرِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ
تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذَهَبَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَصْرٍ
إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا لِبَدَلٍ وَهُوَ
الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ
يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ إلَى أَنْ يَبْقَى
مِنْ وَقْتِهَا مَا يُفْعَلُ فِيهِ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ
أَصْحَابِنَا إنَّ الْعَزْمَ وَاجِبٌ وَلَا أُسَمِّيهِ
بَدَلًا وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْمُكَلَّفِ تَرْكُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا مَتَى
تَذَكَّرَهَا فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى
تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
وَالزَّجَّاجِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ
الْأَنْبَارِيِّ إنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
الدُّعَاءُ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا
وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمِنْ
(1/3)
(ص) : (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ
الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ
فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ
فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ
أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ بِهَذَا أُمِرْتُ فَقَالَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْلَمُ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا
عُرْوَةُ أَوْ إنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقْتَ الصَّلَاةِ قَالَ عُرْوَةُ وَكَذَلِكَ كَانَ
بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يُحَدِّثُ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُرْوَةُ وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي
عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ
وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
ذَلِكَ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْجَنَائِزِ صَلَاةً وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلَوَيْنِ
وَهُمَا عِرْقَانِ فِي الرِّدْفِ يَنْحَنِيَانِ فِي
الصَّلَاةِ وَحُكِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ الْمُبَرِّدِ.
وَقَالَ ابْنُ عَزِيزٍ الصَّلَاةُ الرَّحْمَةُ وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ فَذَهَبَ الْقَاضِي
أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّ هَذَا
اللَّفْظَ وَاقِعٌ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
وَسَائِرِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ
الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ
خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إلَى أَنَّهَا لَفْظَةٌ عَامَّةٌ
لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ مِنْهَا خَاصَّةً
وَأَنَّ سَائِرَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ شُرُوطٌ
فِيهَا وَمَعَانٍ تَقْتَرِنُ بِهَا.
(فَصْلٌ) :
وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بِذِكْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فِي كِتَابِهِ لِأَنَّهُ
أَوَّلُ مَا يُرَاعَى مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ
حِينَئِذٍ يَجِبُ فِعْلُ الطَّهَارَةِ بِحَسَبِ وُجُوبِ
الصَّلَاةِ فَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ أَوْقَاتِ
الصَّلَاةِ أَوْلَى فِي الرُّتْبَةِ.
(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ
أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ
فَأَخْبَرَهُ بِالْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ
أَخَّرَهَا عَنْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إلَى آخِرِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهَا عَنْ جَمِيعِهِ إلَى
وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَالْأَشْبَهُ بِفَضْلِ عُمَرَ
وَحَالِهِ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ وَقْتَ الْإِسْفَارِ
فَيَكُونَ عُرْوَةُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَأْخِيرَهَا
بِالْجَمَاعَةِ الَّتِي مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تُقَامَ
صَلَاتُهَا فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ
عَلَيْهِ السَّهْوُ عَنْ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ
وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - بَعْضُ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ وَلِذَلِكَ لَمْ
يَعْتَذِرْ لِعُرْوَةِ بِمَانِعٍ مَنَعَهُ مِنْ تَقْدِيمِ
الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَإِنَّمَا رَاجَعَهُ
مُرَاجَعَةَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ
مِنْ أَمْرِ الْوَقْتِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُرْوَةَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ
أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ وَمَا
قَالَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ سُنَّةٌ فِي
مُلَاطَفَةِ الْإِنْكَارِ لِمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ لَا
سِيَّمَا لِمَنْ عُلِمَ انْقِيَادُهُ لِلْحَقِّ وَحِرْصُهُ
عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لَهُ إلَى
الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ وَأَسْلَمُ لِنَفْسِهِ مِنْ
الْغَضَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِنَادِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ
لِمَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أَنْ
يَرْفُقَ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى} [طه: 44] وَفِي فِعْلِ الْمُغِيرَةِ تَأْنِيسٌ
لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأَنَّهُ لَمْ
يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْأَمْرِ بَلْ قَدْ سَهَا عَنْ
عِلْمِهِ كَبِيرٌ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ
مِمَّا يُخَفِّفُ عَلَى عُمَرَ سَهْوَهُ وَاحْتَجَّ
عُرْوَةُ عَلَى قَوْلِهِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَصِحَّ قَوْلُهُ
وَتَثْبُتَ حُجَّتُهُ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَسُوغُ لَهُمْ
الِاجْتِهَادُ فَلَيْسَ لِعُرْوَةِ أَنْ يَرُدَّهُ عَنْ
رَأْيِهِ وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ إلَّا
بِخَبَرٍ يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ الْمُؤَدِّيَ إلَى مَا
يُخَالِفُهُ وَأَرْسَلَ عُرْوَةُ الْخَبَرَ فَلَمْ
يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُمَرُ إرْسَالَهُ وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَرَاسِيلِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ أَبِي مَسْعُودٍ مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ
أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
(1/4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ
الْإِنْكَارِ لِفِعْلِهِ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ
صَلَاةِ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَتَبْيِينِ الْأَوْقَاتِ لَهُ مَا عَلِمَ
هُوَ وَاسْتِبْعَادِ أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَصُحْبَةِ الْمُغِيرَةِ لَهُ وَإِخْبَارُهُ أَنَّ
جِبْرِيلَ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَاحْتِجَاجُهُ
بِهِ عَلَى الْمُغِيرَةِ فِي مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ غَيْرُ
بَيِّنٍ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا فِيهِ مِنْ
التَّعَلُّقِ بِذَلِكَ أَنَّ هَاهُنَا وَقْتًا مَأْمُورًا
بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَأَمَّا تَعْيِينُ الْوَقْتِ فَلَيْسَ
فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ
وَلَا يُحْتَمَلُ مُخَالَفَةُ مِثْلِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ
مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُغِيرَةُ عَلِمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَظَنَّ
أَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَى اجْتِهَادِهِ وَنَظَرِهِ
وَأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ
وَالْفَضِيلَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ
وَالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ
الْأَوْقَاتِ فَأَخْبَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ
جِبْرِيلَ أَقَامَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ
مَأْمُورٌ بِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ تَأْخِيرَهَا عَنْ هَذَا
الْوَقْتِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ الْفَاءَ
هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ائْتَمَّ بِجِبْرِيلَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا
مَعَهُ وَإِذَا حُمِلَتْ الْفَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهَا
وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا بَعْدَهُ قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ
عِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ عَلَى بَابِهَا لِلتَّعْقِيبِ
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ كُلَّمَا فَعَلَ
جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ وَهَذِهِ سُنَّةُ
الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ
فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ يَفْعَلُهَا بَعْدَهُ وَلَا
يَفْعَلُهَا مَعَهُ فَإِنْ فَعَلَهَا مَعَهُ فَإِنَّهُ
عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمَا مَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ
وَمِنْهُمَا مَا لَا تَفْسُدُ بِهِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ
هَذَا مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا
يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ صَلَّى زَيْدٌ فَصَلَّى عَمْرٌو
إذَا افْتَتَحَ زَيْدٌ الصَّلَاةَ قَبْلَ عَمْرٍو
وَفَعَلَا سَائِرَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عَلَى ذَلِكَ
أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ سَافَرَ زَيْدٌ فَسَافَرَ
عَمْرٌو إذَا شَرَعَ زَيْدٌ فِي السَّفَرِ وَخَرَجَ لَهُ
قَبْلَ عَمْرٍو وَإِنْ كَانَ عَمْرٌو قَدْ شَرَعَ فِيهِ
قَبْلَ تَمَامِ زَيْدٍ وَهَذَا أَوْضَحُ فِي ائْتِمَامِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِجِبْرِيلَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ بِمَعْنَى
الْوَاوِ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَلَّى قَبْلَ جِبْرِيلَ وَالْفَاءُ لَا تَحْتَمِلُ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ وُجُوهِ
الِاحْتِمَالِ وَأَبْلَعُ فِي الْبَيَانِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَاحْتِجَاجُ أَبِي مَسْعُودٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ
وَعُرْوَةُ عَلَى عُمَرَ بِهَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَا
أَخَّرَا الصَّلَاةَ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا
الْمُسْتَحَبِّ بَيِّنٌ وَإِنْ كَانَا إنَّمَا أَخَّرَاهَا
إلَى آخِرِهِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ
بِفَوَاتِهَا وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ
بِتَأَكُّدِ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ فِي
ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّرَ عِنْدَ الْمُغِيرَةِ
وَعُمَرَ مِنْ خَبَرِ أَبِي مَسْعُودٍ وَعُرْوَةَ وَقْتُ
صَلَاةِ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إمَّا بِإِشَارَةٍ أَوْ بِزِيَادَةِ لَفْظٍ
فِي الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِمَا صَلَّى
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَيَانُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْمُغِيرَةَ وَعُمَرَ أَخَّرَا الصَّلَاةَ
عَنْهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ بِهَذَا أُمِرْتُ وَأُمِرْتَ رِوَايَتَانِ
فَأَمَّا أُمِرْتُ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ أُمِرْتُ أَنْ
أُبَلِّغَهُ إلَيْك وَأُبَيِّنَهُ لَك وَمَعْنَى أُمِرْتَ
بِالْفَتْحِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَضَّاحٍ أُمِرْتَ
أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَتُشَرِّعَ فِيهِ الصَّلَاةَ
لِأُمَّتِكَ وَقَوْلُهُ هَذَا إنْ كَانَ صَلَّى فِي
أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْأَمْرِ الْوُجُوبُ
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَلَّى بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَهُوَ
إشَارَةٌ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ
لِلْأَئِمَّةِ إقَامَةُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُمَرَ لِعُرْوَةِ أَعْلَمُ مَا تُحَدِّثُ بِهِ
يَا عُرْوَةُ أَوْ أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا لِمَعْنَى الِائْتِمَامِ لَهُ
وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ لَهُ
(1/5)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ
إلَى رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ فَسَكَتَ
عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى
الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ
مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ
السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ»
) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
عَلَى زِيَادَةِ التَّثَبُّتِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى
إعَادَةِ النَّظَرِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ
مِثْلُ هَذَا مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا رَأْسُ
هَذَا الدِّينِ وَأَهَمُّ أُمُورِهِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ
عِلْمُهُ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ
وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرِيعَةِ لَا سِيَّمَا
الصَّلَاةَ الَّتِي إلَيْهِ إقَامَتُهَا وَهُوَ الْإِمَامُ
فِيهَا فَعَظُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ذَهَبَ
عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ شَأْنِهَا وَمَعْرِفَةِ سَبَبِ
إقَامَةِ أَوْقَاتِهَا وَمَنْ الَّذِي أَقَامَهَا فَقَالَ
عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ إتْمَامًا لِحُجَّتِهِ وَإِقَامَةً
لَهَا بِإِسْنَادِ الْحَدِيثِ وَالْإِعْلَامِ بِاسْمِ مَنْ
حَدَّثَهُ بِهِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ عُرْوَةُ وَاسْتَشْهَدَ
عَلَيْهِ بِمَا حَدَّثَتْهُ بِهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ
وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
أَكَّدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ عَدَالَةِ عَائِشَةَ عَلَى
عَدَالَةِ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ الْأَمْرِ فِي نَفْسِ
عُمَرَ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ وَالنَّاقِلِينَ لِمَعْنَاهُ
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ عُرْوَةَ إنَّمَا أَنْكَرَ
تَأْخِيرَ فِعْلِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ
وَوَصَفَ الْوَقْتَ الَّذِي حَضَّ فِيهِ عَلَى الصَّلَاةِ
وَهُوَ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي الْحُجْرَةِ
وَقَوْلُهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ قِيلَ مَعْنَاهُ
تَذْهَبُ وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ
وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا
أَيْ ذَاهِبٌ وَقِيلَ مَعْنَى تَظْهَرُ تَعْلُو وَتَصِيرُ
عَلَى ظَهْرِ الْحُجْرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَا
اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] الْآيَةَ
وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ وَرَوَى حَبِيبٌ عَنْ
مَالِكٍ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْأَرْضِ
لَمْ تَبْلُغْ الْجِدَارَ أَيْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ.
(ش) : هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا
مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَسْنَدَهُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا
أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَنَازِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ
سُفْيَانَ أَسْنَدَهُ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَرَاهُ وَهِمَ وَقَوْلُهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ
عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ
طَارِئًا أَوْ قَاطِنًا قَدْ عَلِمَ أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ
مِنْ آكِدِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ
الْوَقْتِ فَسَأَلَهُ عَنْ تَحْدِيدِهِ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُهُ «فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ
الْغَدِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ تَعْجِيلَ الْقَوْلِ
فِي ذَلِكَ حَتَّى بَيَّنَهُ بِالْفِعْلِ قَصْدًا إلَى
الْمُبَالَغَةِ فِي الْبَيَانِ وَأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
الْمُتَعَلِّمِ وَأَسْهَلُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يُرِيدَ بِذَلِكَ الْبَيَانَ لِلْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ
أَخْبَرَ السَّائِلَ لَانْفَرَدَ بِعِلْمِ ذَلِكَ
وَالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ يَحْضُرُهَا مَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِجَمِيعِهِمْ
إذَا كَانَ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ
وَسُكُوتُهُ عَنْهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ
قَاطِنٌ مَعَهُ مُلَازِمٌ لَهُ كَأَبِي هُرَيْرَةَ
وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَكَفَاهُ عِلْمُهُ
بِعَادَتِهِ الْمَاضِيَةِ وَمَعْرِفَتُهُ بِحَالِهِ فِي
مُلَازَمَةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ عَنْ أَمْرِهِ لَهُ
بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَارِئًا قَدْ عَلِمَ
مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْحَلُ إلَّا بَعْدَ
انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْلِيمِ إمَّا بِوَحْيٍ عَلَى مَا
حَكَاهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِي أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى
أَنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بُرَيْدَةَ بْنُ
حَصِيبٍ الْأَسْلَمِيُّ وَذَكَرَ فِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ صَلِّ
مَعَنَا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي
صَحِيحِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لِحَدِيثِ
عَطَاءٍ لَمْ يَسْمَعْ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّائِلَ بِأَنْ يُشَاهِدَ مَعَهُ
الصَّلَاةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ وَأَرَادَ
بِقَوْلِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ سُكُوتَهُ عَنْ جَوَابِ
مَسْأَلَتِهِ وَتَأْخِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابَ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ
الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
ثَبَتَ عِنْدَهُ هَذَا فَأَخَّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ
يَعْلَمَ الْحُكْمَ بِوَحْيٍ أَوْ بِنَظَرٍ وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ إمَّا
(1/6)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ
مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي عَلِمَهَا النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ هَذَا مِنْ
تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الَّذِي تَكَلَّمَ شُيُوخُنَا فِي
جَوَازِ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ
بِالْعِبَادَةِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَمَنَعَ ذَلِكَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا
وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجُمْهُورُ
أَصْحَابِنَا.
وَوَقْتُ الْخِطَابِ بِالصَّلَاةِ وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا
وَأَوْقَاتِهَا قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ سُؤَالِ هَذَا
السَّائِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ إلَّا عَنْ عِبَادَةٍ
ثَابِتَةٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ جَوَابَ السَّائِلِ لَهُ عَنْ
وَقْتِ السُّؤَالِ وَلَا يُجِيبَهُ أَصْلًا وَقَدْ فَعَلَ
ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَأَنْكَرَ عَلَى
السَّائِلِ مَسْأَلَةَ اللِّعَانِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ
الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ وَقَدْ تَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ
شُيُوخِنَا فِي وَجْهِ تَأْخِيرِ جَوَابِ السَّائِلِ وَمَا
فِي ذَلِكَ مِنْ التَّغْرِيرِ بِفَوَاتِ الْعِلْمِ
لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ السَّائِلُ قَبْلَ وَقْتِ
التَّعْلِيمِ الَّذِي أُخِّرَ إلَيْهِ الْجَوَابُ
فَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَحْيُ قَدْ نَزَلَ
عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ
ذَلِكَ لَا يَكُونُ وَهَذَا الْوَجْهُ إنْ كَانَ سَائِغًا
فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ
لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ حُكْمُهُ فِي إجْرَاءِ الْأُمُورِ عَلَى
ظَوَاهِرِهَا وَجَعْلِهَا عَلَى عَادَتِهَا حُكْمَ
أُمَّتِهِ وَلِذَلِكَ كَانَ يُرْسِلُ أُمَرَاءَهُ عَلَى
الْجُيُوشِ وَرُسُلَهُ إلَى الْبُلْدَانِ مَعَ تَجْوِيزِهِ
عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ ذَلِكَ
عَلَى الْعَادَةِ وَاسْتِصْحَابِ السَّلَامَةِ وَلَا
خِلَافَ أَنَّ سَائِلًا لَوْ سَأَلَ عَالِمًا عَنْ حُكْمِ
مَسْأَلَةٍ لَجَازَ لَهُ تَأْخِيرُ الْجَوَابِ عَنْهَا مَا
لَمْ يَخَفْ فَوَاتَهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي
تَأْخِيرِ الْجَوَابِ تَقْرِيبٌ عَلَى السَّائِلِ
وَزِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا طَرِيقَ
لَهُ إلَى الْمَعْرِفَةِ بِبَقَائِهِ إلَى وَقْتِ
جَوَابِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّهُ سَأَلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ
مِنْ يَوْمِ سُؤَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِتَعْلِيمِهِ
مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ فَلَمْ يَتَخَلَّلْ
بَيْنَ وَقْتِ السُّؤَالِ وَوَقْتِ التَّعْلِيمِ وَقْتُ
صَلَاةٍ يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهَا الْجَهْلَ بِالْوَقْتِ
وَعَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ تَحْدِيدِ
الْوَقْتِ فَالْأَمْرُ أَسْهَلُ وَوَجْهُ جَوَازِ
التَّأْخِيرِ أَبْيَنُ وَلَوْ مَاتَ السَّائِلُ قَبْلَ
وَقْتِ التَّعْلِيمِ لَكَانَ قَدْ أُثِيبَ عَلَى بَحْثِهِ
وَسُؤَالِهِ عَنْ الْعِلْمِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ
تَفْرِيطٌ بِتَأْخِيرِهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى
الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ» تَحْقِيقُ هَذَا
اللَّفْظِ عَلَى أَصْلِ مَوْضُوعِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
يَقْتَضِي أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ هُوَ كَانَ وَقْتَ
فِعْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا بُدَّ
أَنْ يَتَقَدَّمَ طُلُوعُ الْفَجْرِ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ
إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي
كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ تَقُولُ
جَلَسْت حِينَ جَلَسَ زَيْدٌ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ
جُلُوسَهُمَا كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ غَيْرَ أَنَّ
ابْتِدَاءَ جُلُوسِ زَيْدٍ تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا
يَصِحُّ قَوْلُهُ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ
وَالْفَجْرُ هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَنْفَجِرُ مِنْ
الْمَشْرِقِ يُشَبَّهُ بِانْفِجَارِ الْمَاءِ وَهُمَا
فَجْرَانِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا كَذَنَبِ سِرْحَانٍ
وَالسِّرْحَانُ الذِّئْبُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ
صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ
وَالثَّانِي هُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ
تَحْرِيمُ الْأَكْلِ عَلَى الصَّائِمِ وَوُجُوبُ
الصَّلَاةِ عَلَى الْمُصَلِّي وَرَوَى ابْنُ ثَوْبَانَ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا
يُعْتَمَدُ عَلَى مَا رُوِيَ بِمِثْلِ إسْنَادِهِ إلَّا
أَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّةِ
مَعْنَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ
أَسْفَرَ» يُرِيدُ بِذَلِكَ بَعْدَ بَدْءِ الْإِسْفَارِ
ثُمَّ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ فِي بَقِيَّةِ الْإِسْفَارِ
وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ جَمِيعِ الْإِسْفَارِ
لَكَانَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ
وَقْتِهَا وَإِنَّمَا قَصَدَ الْمُحَدِّثُ بِذَلِكَ إلَى
الْإِخْبَارِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ مَا
يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ مِنْ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرِهَا
إلَى آخِرِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ مِنْ الْوَقْتِ
فَأَتَى فِي ذَلِكَ بِأَلْفَاظِ الْمُبَالَغَةِ فِيمَا
قَصَدَ بِهِ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنْ لَيْسَ لِصَلَاةِ
الصُّبْحِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَأَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ
لَهَا مُتَّصِلٌ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلِمَالِكٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
قَوْلَهُ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ
لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ.
وَقَالَ مَرَّةً
(1/7)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِي أَنَّ
جَمِيعَ وَقْتِهَا وَقْتُ اخْتِيَارٍ فَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ
مَنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ الْمَاءَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ لَمْ يَتَيَمَّمْ فَلَوْ كَانَ وَقْتُ
الِاخْتِيَارِ إلَى الْإِسْفَارِ لَرَاعَى الْإِسْفَارَ
فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ كَمَا يُرَاعَى مَغِيبُ
الشَّفَقِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ
سَائِرُ الصَّلَوَاتِ.
وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي مِنْ قَوْلِهِ إنَّ لَهَا وَقْتَ
ضَرُورَةٍ فَهُوَ مَا رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ
فِي الْمُسَافِرِينَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ لِسِنِّهِ
يُصَلِّي بِهِمْ فَيُسْفِرُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنْ
يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ
مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى
أَنَّ وَقْتَ الْإِسْفَارِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لِصَلَاةِ
الصُّبْحِ لَا وَقْتَ اخْتِيَارٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ
جُمْلَةِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَكَانَتْ صَلَاةُ
الْجَمَاعَةِ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهَا وَفَضِيلَةَ أَوَّلِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ عَلَى
آخِرِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ الْخَبَرُ
الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَوَّلَ
وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَقْتُ
ضَرُورَةٍ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ
الْمَفْرُوضَةِ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَقْتُ
ضَرُورَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ
فِي أَوَّلِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا وَقْتَ
ضَرُورَةٍ لَهَا وَلِمَا شَارَكَهَا فِي وَقْتِهَا مِنْ
الصَّلَوَاتِ فَلِذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَقْتُ
ضَرُورَةٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذِهِ
إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَكَانَ لَهَا وَقْتُ
اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ»
يَقْتَضِي اهْتِمَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِتَعْلِيمِ السَّائِلِ وَإِرَادَتَهُ
لِإِتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَيَدُلُّ
ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اعْتَقَدَ مُقَامَهُ عِنْدَهُ إلَى
أَنْ يُتِمَّ تَعْلِيمَهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ الْجَمِيعَ إلَّا
أَنَّهُ خَصَّ السَّائِلَ لِفَضْلِ اجْتِهَادِهِ
وَبَحْثِهِ عَنْ الْعِلْمِ وَقَوْلُهُ «مَا بَيْنَ
هَذَيْنِ وَقْتٌ» إخْبَارٌ أَنَّ مَا بَيْنَ وَقْتَيْ
صَلَاتَيْهِ وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ فِي
ذَلِكَ إخْبَارٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتٌ
لِلصَّلَاةِ إنْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَيْنِ إلَى
وَقْتَيْ الصَّلَاتَيْنِ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ يُفْهَمُ
مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا
بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَيْضًا
مِنْ الْوَقْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ
الْخِطَابِ أَنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ قِنْطَارًا مِنْ
الْخَيْرِ يَرَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ
«مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» إنَّمَا يَتَنَاوَلُ
الْخَبَرُ أَنَّ مَا بَيْنَ وَقْتَيْ صَلَاتَيْهِ وَقْتٌ
لِلصَّلَاةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَلَمْ يَتَنَاوَلْ
الْخَبَرُ وَقْتَيْ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي
ذَكَرَهُ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْدٌ مَا بَيْنَ دَارَيَّ
هَاتَيْنِ لِعَمْرٍو لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنَّهُ أَقَرَّ
بِدَارَيْهِ لِعَمْرٍو.
وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ إقْرَارُهُ مَا بَيْنَ
الدَّارَيْنِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا بَيْنَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتٌ لِصَلَاةِ
الصُّبْحِ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنَّ وَقْتَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ وَوَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتٌ لِلصُّبْحِ
أَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] فَهَذَا يُفْهَمُ
مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِثْقَالَ قِنْطَارٍ مِنْ
الْخَيْرِ يَرَهُ لِأَنَّ الْقِنْطَارَ كُلَّهُ مَثَاقِيلُ
ذَرٍّ فَلَوْ كَانَ مَنْ عَمِلَ مِثْقَالَ قِنْطَارٍ مِنْ
الْخَيْرِ لَمْ يَرَهُ لَمَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ مَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ صِدْقًا
لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ قِنْطَارَ خَيْرٍ فَقَدْ عَمِلَ
مَثَاقِيلَ ذَرٍّ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ فِي
تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» أَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا
ثَبَتَ بِهِ أَنَّ مَا بَيْنَ وَقْتَيْ مَا أَشَارَ
إلَيْهِ وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ كَانَ أَشَارَ
إلَى الصَّلَاتَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ أَنَّ مَا
بَيْنَهُمَا وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَثَبَتَ
بِفِعْلِهِ أَنَّ وَقْتَيْ صَلَاتَيْهِ وَقْتٌ لَهَا
فَثَبَتَ بَعْضُ الْوَقْتِ بِالْقَوْلِ وَبَعْضُهُ
بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ أَشَارَ إلَى ابْتِدَاءِ
صَلَاتِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَإِلَى انْتِهَائِهَا فِي
الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ ثَبَتَ جَمِيعُ الْوَقْتِ
بِالْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ قَدْ ثَبَتَ
أَيْضًا بِالْفِعْلِ.
وَقَوْلُهُ وَقْتٌ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً وَلَمْ يُضَفْ
إلَى شَيْءٍ يَكُونُ وَقْتًا لَهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ
وَقْتُ الصَّلَاةِ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهَا بِمَا
تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ
الصَّلَاةِ.
(1/8)
النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ
مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
(ش) : قَوْلُهُ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ عَلَى
مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ
الثَّقِيلَةِ وَرَوَى يَحْيَى مُتَلَفِّفَاتٍ وَتَابَعَهُ
عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَالْأَكْثَرُ
عَلَى مُتَلَفِّعَاتٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ إلَّا
أَنَّ التَّلَفُّعَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ تَغْطِيَةِ
الرَّأْسِ وَالْمُرُوطُ أَكْسِيَةٌ مُرَبَّعَةٌ سَدَاهَا
شَعْرٌ وَقَوْلُهُ «مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ»
يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: لَا يُعْرَفُ أَرِجَالٌ هُنَّ أَمْ نِسَاءٌ
مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ إنَّمَا يَظْهَرُ إلَى الرَّائِي
أَشْخَاصُهُنَّ خَاصَّةً قَالَ ذَلِكَ الرَّاوِي.
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ لَا يُعْرَفْنَ مَنْ
هُنَّ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ وَإِنْ
عُرِفَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ
يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ سَافِرَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ وَلَوْ
كُنَّ غَيْرَ سَافِرَاتٍ لَمَنَعَ النِّقَابُ.
وَتَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا
الْغَلَسُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبِيحَ لَهُنَّ
كَشْفَ وُجُوهِهِنَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ أَوْ يَكُونَ بَعْدَهُ
لَكِنَّهُنَّ أَمِنَّ أَنْ تُدْرَكَ صُوَرُهُنَّ مِنْ
شِدَّةِ الْغَلَسِ فَأُبِيحَ لَهُنَّ كَشْفُ وُجُوهِهِنَّ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبَاحَةُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى
الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَيَنْصَرِفُ
النِّسَاءُ اللَّوَاتِي صَلَّيْنَ مَعَهُ الصُّبْحَ وَلَوْ
لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادًا بِاللَّفْظِ لَمَا كَانَ
ذَكَرَ انْصِرَافَهُنَّ تَبْيِينًا لِلْوَقْتِ وَعَلَى
هَذَا جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ
مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى
مُبَادَرَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا
يُزَاحِمْنَ الرِّجَالَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ عِنْدِي
ظَاهِرُ اللَّفْظِ اتِّصَالُ خُرُوجِهِنَّ بِانْقِضَاءِ
الصَّلَاةِ لِقَوْلِهَا لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ
النِّسَاءُ وَالْفَاءُ فِي الْعَطْفِ تَقْتَضِي
التَّعْقِيبَ وَيَصِحُّ أَنْ يُبَادِرْنَ بِالْخُرُوجِ
لِمَا ذَكَرَ هَذَا الْمُفَسِّرُ مِنْ أَنْ يَسْلَمْنَ
مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ أَنْ يَفْعَلْنَ
ذَلِكَ اغْتِنَامًا لِسَتْرِ الظَّلَامِ لَهُنَّ وَيَصِحُّ
أَنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ مُبَادَرَةً إلَى مُرَاعَاتِ
بُيُوتِهِنَّ وَفِعْلِ مَا يَلْزَمُهُنَّ فِعْلُهُ مِنْ
أُمُورِ دُنْيَاهُنَّ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ
فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهَا «إنْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ» وَهَذَا اللَّفْظُ لَا
يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُثَابَرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَدَاءَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا
أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي سَائِرِهِ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا
يُثَابِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِلْفَضِيلَةِ وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ إلَى أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ
قِيلَ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَفْعَلُ
الْفِعْلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُثَابِرُ عَلَيْهِ
وَلَا يُفَضِّلُهُ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كَانَ الشَّافِعِيُّ
يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ وَكَانَ مَالِكٌ
يَقْضِي بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا يَدُلُّ
ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يُثَابِرُ عَلَى
مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ وَيَرَاهُ أَفْضَلَ مِنْ مَسْحِ
جَمِيعِهِ وَلَا عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَرَى
الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْلَى مِنْ
الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِثْلَ
هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا
فِيمَا يَلْزَمُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ
وَلِذَلِكَ يُقَالُ كَانَ فُلَانٌ يَلْبَسُ الْخُضْرَةَ
إذَا كَانَتْ غَالِبَ لِبَاسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ
يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا
وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً
لَبِسَ فُلَانٌ الْخُضْرَةَ وَخَضَّبَ زَيْدٌ
بِالصُّفْرَةِ وَأَتَى عَمْرٌو الْكُوفَةَ هَذَا هُوَ
الْمَعْهُودُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَعْرُوفُ فِي
خِطَابِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَمْسَحُ
بَعْضَ رَأْسِهِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقْضِي بِالْيَمِينِ
مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
عِنْدَهُمَا أَفْضَلَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ
قَوْلِهِمَا بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِهِ أَفْضَلُ
عِنْدَهُمَا مِنْ الْقَوْلِ بِغَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ
أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ثَبَتَ
أَنَّهُ هُوَ الْأَفْضَلُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ
لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَا يُكَرِّرُ وَلَا يُثَابِرُ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ
وَاسْتِدْلَالِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ
الْمُبَادَرَةَ بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا احْتِيَاطٌ
لِلشَّرِيعَةِ وَإِبْرَاءٌ لِلذِّمَّةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ
عَلَى الْمُكَلَّفِ مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ فِي آخِرِ
الْوَقْتِ مِنْ النِّسْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الْأَعْذَارِ وَفِي التَّأْخِيرِ تَعْرِيضٌ لِلتَّغْرِيرِ
وَتَسَبُّبٌ لِلْفَوَاتِ.
(1/9)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ
وَعَنْ الْأَعْرَجِ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ
الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ
أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
(ش) : قَوْلُهُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ
قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ
الصُّبْحَ» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: مَنْ كَانَ بِصِفَةِ الْمُكَلَّفِينَ
وَأَدْرَكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ
تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ وُجُوبَ الصُّبْحِ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - إنَّمَا ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْأَعْذَارِ؛
الْحَائِضِ تَطْهُرُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ،
وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ، وَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ.
وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَنْ
يُصَلِّيَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَكُنْ
قَاضِيًا لَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فِعْلُ
بَعْضِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَنْ حُكْمِ
الْأَدَاءِ كَمَا أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي
جَمِيعِهَا حُكْمُ الْمَأْمُومِ وَلَيْسَ فِعْلُهُ
لِبَعْضِهَا وَحْدَهُ بِمُخْرِجٍ لَهُ عَنْ حُكْمِ
الْجَمَاعَةِ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ
إدْرَاكُ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَنْ
أَدْرَكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ إبَاحَةٌ لِتَأْخِيرِ
الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى لَا يُدْرِكَ
إلَّا بَعْضَهَا فِيهِ وَإِنَّمَا بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ
أَخَّرَهَا كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَ
زَيْدٍ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ
مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبِحْ الْقَتْلَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ
أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» يَحْتَمِلُ مِنْ
الْوُجُوهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَنَّ آخِرَ
وَقْتِ الْعَصْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ
هَذَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي تَفْسِيرِ خَبَرِ عُمَرَ فِي
أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَنَّ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ
وَقْتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَاسْتِحْبَابٍ.:
وَالْآخَرُ: وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَكَرَاهِيَةٍ وَيَجْرِي
مَجْرَى الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَسَنُبَيِّنُ الْأَوْقَاتَ
بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً
مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ
أَدْرَكَ الْعَصْرَ» يَقْتَضِي أَنَّهُ أَقَلُّ مَا
يَكُونُ بِهِ الْمُدْرِكُ مُدْرِكًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا مَنْ
أَدْرَكَ تَكْبِيرَةً مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ
تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا أَدْرَكَ مَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةً
قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
أَدْرَكَ الْعَصْرَ خَاصَّةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَدْرَكَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ
فَإِنْ قَالُوا لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ أَدْرَكَ رَكْعَةً
مِنْ الْعَصْرِ أَنَّهُ مُدْرِكٌ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ
أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا
إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَأَنْتُمْ لَا
تَقُولُونَ بِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ
أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ كَالْقَاضِي
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي أَبِي
مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَ
مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِنَا كَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ
فَعَلَى هَذَا يُحْتَجُّ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنْ
سَلَّمْتُمْ وَإِلَّا نَقَلْنَا الْكَلَامَ إلَيْهِ إنْ
تَرَكْنَا الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ عَلَى
اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ
أَصْحَابِنَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِي مَوْضِعِ
الْخِلَافِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إنَّمَا قَصَدَ إلَى بَيَانِ آخِرِ الْوَقْتِ وَمَا
يَكُونُ الْمُدْرِكُ بِهِ مُدْرِكًا مِنْ أَفْعَالِ
الصَّلَاةِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى
إعَادَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِحُكْمِهَا كَمَا لَوْ
لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا رُوِيَ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ سَجْدَةً
قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنْ الصُّبْحِ
قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» فَالْجَوَابُ
أَنَّ السَّجْدَةَ هَاهُنَا تَقَعُ عَلَى الرَّكْعَةِ
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - رَوَتْ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَتْ
فِي آخِرِهِ وَالسَّجْدَةُ إنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ
وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنَّهُ قَدْ شَرَطَ إدْرَاكَ السَّجْدَةِ
وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ فَلَمْ يُدْرِكْ
السَّجْدَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهَا مِنْ
صَلَاتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ
مُدْرِكًا
(1/10)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ: إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي
الصَّلَاةُ مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ
دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ
ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا كَانَ الْفَيْءُ
ذِرَاعًا إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ
وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ
قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ
ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إذَا
غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ
إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ
عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ
نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ
بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
بِإِدْرَاكِهَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ
مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرَّكْعَةَ الَّتِي يُدْرِكُ
بِهَا مُدْرِكُهَا الْوَقْتَ إنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ
بِسَجْدَتَيْهَا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ
الرَّكْعَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِسَجْدَتَيْهَا وَقَدْ
يَطْرَأُ عَلَيْهَا الْفَسَادُ مَعَ سَلَامَةِ الصَّلَاةِ
مَا لَمْ تَكْمُلْ بِسَجْدَتَيْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ
لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَنَسِيَ مِنْهَا سَجْدَةً ثُمَّ
رَكَعَ رَكْعَةً ثَانِيَةً بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ الْأُولَى
مَعَ سَلَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ أَكْمَلَ الرَّكْعَةَ
بِسَجْدَتَيْهَا لَمْ يُفْسِدْهَا شَيْءٌ بِوَجْهٍ مَعَ
سَلَامَةِ الصَّلَاةِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ إدْرَاكَ وَقْتِ الْعَصْرِ
يَكُونُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا قَبْلَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ فَإِذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِالْعَصْرِ
قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا كَانَتْ فِي آخِرِ
رَكْعَةٍ مِنْهَا وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَاضَتْ
فَإِنَّهَا تَقْضِي الْعَصْرَ لِأَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ
خُرُوجِ وَقْتِهَا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ
وَقَدْ رَأَيْت لِأَصْبَغَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي
الصَّلَاةُ يَقْتَضِي أَنَّ أُمُورَهُمْ مُهِمَّةٌ
وَلَكِنْ لِلصَّلَاةِ مَزِيَّةٌ لِأَنَّهَا عِمَادُ
الدِّينِ وَعَلَامَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ أُمِرَ
بِإِقَامَتِهَا جَمِيعُ النَّاسِ وَقَوْلُهُ مَنْ
حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ يُقَالُ
حَفِظْت الشَّيْءَ إذَا قُمْت بِرِعَايَتِهِ وَلَمْ
تُضَيِّعْهُ وَمِنْ رِعَايَةِ الصَّلَاةِ أَنْ تُقَامَ
بِشُرُوطِهَا مِنْ طَهَارَتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا
وَأَوْقَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَوْ حَافَظَ
عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمُرَادُ بِهِ
مُرَاعَاةُ أَوْقَاتِهَا وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْله
تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا
لِمُرَاعَاةِ الْوَقْتِ مَعَ دُخُولِهِ فِي وَقْتِهَا مِنْ
حِفْظِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا
لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ
وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ
حَافَظَ عَلَيْهَا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مَنْ حَفِظَهَا
وَبِمَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَبْيَنُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ
يَكُونَ بِمَعْنَى أَدَامَ الْحِفْظَ لَهَا يُقَالُ
حَافَظَ فُلَانٌ عَلَى الصَّلَاةِ أَدَامَ الْحِفْظَ لَهَا
وَيُقَالُ حَافَظَ فُلَانٌ عَلَى أَمْرِ كَذَا وَكَذَا
أَدَامَ الرِّعَايَةَ لَهُ وَالِاهْتِمَامَ بِهِ وَلَا
يُقَالُ حَافَظَ عَلَيْهِ إذَا رَاعَاهُ مَرَّةً وَاحِدَةً
كَمَا يُقَالُ حَفِظَهُ فَمَعْنَى ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهَا
وَأَدَامَ الْحِفْظَ لَهَا حَفِظَ دِينَهُ وَقَالَ
الدَّاوُدِيُّ يُرْوَى مَنْ حَفِظَهَا أَوْ حَافَظَ
عَلَيْهَا وَإِنَّ ذَاكَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(فَصْلٌ) :
حَفِظَ دِينَهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ حَفِظَ مُعْظَمَ دِينِهِ وَعِمَادَهُ
كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» يَعْنِي
مُعْظَمُهُ وَعِمَادُهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ هُنَا بِهِ حِفْظَ سَائِرِ
دِينِهِ فَإِنَّ مُوَاظَبَةَ الصَّلَوَاتِ فِي
الْجَمَاعَاتِ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صَلَاحِ
الْمَرْءِ وَخَيْرِهِ لِتَكَرُّرِهَا وَظُهُورِهَا دُونَ
سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا
أَضْيَعُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِلصَّلَاةِ
ظُنَّ بِهِ التَّضْيِيعُ لِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي
تَخْفَى.
وَالثَّانِيَ: أَنَّهُ إذَا ضَيَّعَ الصَّلَاةَ فَقَدْ
ضَيَّعَ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ عَمِلَهَا لِمَا
رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي
أَنَّ «أَوَّلَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ
الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ
مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ لَمْ يُنْظَرْ
فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ» .
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَضْيَعُ عَلَى مِثَالِ أَفْعَلَ فِي
الْمُفَاضَلَةِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَهُوَ قَلِيلٌ
وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لِمَا
سِوَاهَا أَشَدُّ تَضْيِيعًا وَحَكَى السِّيرَافِيُّ أَنَّ
بَعْضَ النُّحَاةِ قَالَ إنَّ سِيبَوَيْهِ يَرَى الْبَابَ
فِي الرُّبَاعِيِّ
(1/11)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّعَجُّبُ وَالْمُفَاضَلَةُ
بِأَفْعَلَ فَيُقَالُ مَا أَيْسَرَ زَيْدًا مِنْ
الْيَسَارِ وَمَا أَعْدَمَهُ مِنْ الْعَدَمِ وَمَا
أَسْرَفَهُ مِنْ السَّرَفِ وَمَا أَفْرَطَ جَهْلَهُ
وَزَيْدٌ أَفْلَسُ مِنْ عَمْرٍو.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي أَضْيَعَ
وَمَاشِيَةٍ خَرْقَاءَ وَاهِيَةِ الْكَلَا ... سَقَى
بِهِمَا سَاقٍ وَلَمَّا تُبَلَّلَا
بِأَضْيَعَ مِنْ عَيْنَيْكَ لِلْمَاءِ كُلَّمَا ...
تَعَرَّفْتَ رَبْعًا أَوْ تَذَكَّرْتَ مَنْزِلَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمَا
سِوَاهَا أَضْيَعُ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [التغابن: 9]
مَعْنَاهُ فِي يَوْمِ الْجَمْعِ حَكَاهُ ابْنُ النَّحَّاسِ
وَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ضَائِعٌ فِي تَرْكِهِ
لِلصَّلَاةِ وَأَنَّهُ أَضْيَعُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ
لَا يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا
فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا الْفَيْءُ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي
تَفِيءُ عَنْهُ الشَّمْسُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ تَرْجِعَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ تَرْجِعَ فَمَا كَانَ قَبْلَ
الزَّوَالِ مِنْ الظِّلِّ فَلَيْسَ بِفَيْءٍ وَقَوْلُهُ
ذِرَاعًا يَعْنِي رُبُعَ الْقَامَةِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ
عَلَيْهِ اسْمَ الذِّرَاعِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا
يُقَدَّرُ بِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْدَمُ
التَّقْدِيرَ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَمَارَةٍ
فِي الْعَمَلِ وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ
قَائِمٌ عَلَى أَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَيُدَارَ حَوْلَهُ
دَوَائِرُ يَكُونُ مَرْكَزَهَا كُلَّهُ مَوْضِعَ قِيَامِ
الْقَائِمِ ثُمَّ تُرْقَبَ الشَّمْسُ فَمَا دَامَ الظِّلُّ
يَنْقُصُ فَهُوَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَلَمْ يَدْخُلُ
بَعْدُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَفَ الظِّلُّ
فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ
وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى
زِيَادَةِ الظِّلِّ فِي تِلْكَ الدَّوَائِرِ فَإِذَا زَادَ
بِمِقْدَارِ رُبُعِ الْقَائِمِ عَلَى الظِّلِّ الَّذِي
وَقَعَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فَقَدْ فَاءَ الْفَيْءُ
ذِرَاعًا وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ تُقَامَ فِيهِ
صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ
يَعْنِي إلَى أَنْ يَتِمَّ الْفَيْءُ مِثْلَ كُلِّ قَائِمٍ
أَوْ إلَى أَنْ يَتِمَّ الظِّلُّ الَّذِي زَادَ
بِعِدَّتِنَا فِي نُقْصَانِ الظِّلِّ مِثْلَ كُلِّ قَائِمٍ
وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْدَمُ
التَّقْدِيرُ بِهِ وَإِذَا صَارَ فَيْءُ كُلِّ إنْسَانٍ
مِثْلَهُ فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ وَهُوَ
بِعَيْنِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِذَا زَادَ عَلَى
ذَلِكَ زِيَادَةً بَيِّنَةً فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ
الظُّهْرِ وَانْفَرَدَ وَقْتُ الْعَصْرِ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُهُ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ
لَمْ يَذْكُرْ الْقَعْنَبِيُّ وَلَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ
وَلَا أَبُو مُصْعَبٍ مُرْتَفِعَةٌ، وَنَقَاؤُهَا أَنْ لَا
يَشُوبَ بَيَاضَهَا صُفْرَةٌ وَبَيَاضُهَا وَصُفْرَتُهَا
إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي الْأَرْضِ وَالْجِدَارِ لَا فِي
عَيْنِ الشَّمْسِ، حَكَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ
عَنْ مَالِكٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا حُدُودٌ لِلْوَقْتِ
يَقْرُبُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَفِي قَوْلِهِ
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ إخْبَارٌ
بِجَمِيعِ الْوَقْتِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ
لِلْبَطِيءِ وَثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ لِلْجَادِّ السَّرِيعِ
وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَاكَ شَكٌّ مِنْ الْمُحَدِّثِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَرْسَخَيْنِ فِي الشِّتَاءِ
وَثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ فِي الصَّيْفِ لِطُولِ النَّهَارِ
وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْحَزْرِ
وَالتَّقْدِيرِ كَمَا يُقَالُ هَذَا الْوِعَاءُ يَسَعُ
إرْدَبَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَيْ أَنَّ تَقْدِيرَهُ
يَتَرَجَّحُ بَيْنَ الْإِرْدَبَّيْنِ وَالثَّلَاثَةِ
وَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَسَعَ أَقَلَّ
مِنْ إرْدَبَّيْنِ وَلَا يَسَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ
وَكَذَلِكَ تَقُولُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ إلَى دَارِ فُلَانٍ
أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ
يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ
أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ
وَتَقْدِيرُهُ يَتَرَجَّحُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ
وَالْخَمْسَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ عَشْرُ
غِلَاءٍ وَالْغَلْوَةُ مِائَتَا ذِرَاعٍ فَفِي الْمِيلِ
أَلْفُ بَاعٍ وَهِيَ أَلْفُ ذِرَاعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَبْوَاعُ الدَّوَابِّ
وَأَمَّا بَاعُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ طُولُ ذِرَاعَيْهِ
وَعَرْضُ صَدْرِهِ فَأَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَهُوَ
الْقَامَةُ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُطَرِّفٌ مِنْ
رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ
(1/12)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا ابْنُ
بُكَيْر وَلَا سُوَيْد وَلَا أَبُو مُصْعَبٍ وَاخْتَلَفَ
أَصْحَابُنَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَمْشِي الرَّاكِبُ
قَبْلَهُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ سَحْنُونٌ
إنَّ ذَلِكَ إلَى الِاصْفِرَارِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ
الْأَظْهَرُ لِمُوَافَقَتِهِ لِرِوَايَةِ يَحْيَى
وَمُطَرِّفٍ لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَتَّسِعُ
لِمَشْيِ الرَّاكِبِ مِنْ أَوَّلِهِ فَرْسَخَيْنِ أَوْ
ثَلَاثَةً إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَعْنِي
بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَ
الشَّفَقُ يَعْنِي الْحُمْرَةَ فِي أُفُقِ الْمَغْرِبِ
فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَوْلُهُ إلَى ثُلُثِ
اللَّيْلِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ
الْمُخْتَارِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ
فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ
يُرِيدَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ صَلَاةِ
الْعِشَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يُرِيدَ فَمَنْ غَفَلَ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي
وَقْتِهِ مَعَ سَعَتِهِ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ دُعَاءٌ
عَلَيْهِ بِمَا يُسْهِرُهُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّوْمِ
وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ مِثْلَ هَذَا فِي أَلْفَاظِهَا
تَقُولُ نَامَتْ عَيْنُك إذَا دَعَتْ لَك بِالسَّعَةِ
وَالرَّفَاهِيَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ وَخُلُوِّ الْبَالِ،
وَتَكْرَارُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ
إذَا قَالَ شَيْئًا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ وَالْإِبْلَاغَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ
مُشْتَبِكَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ آخِرَ مَا تَكُونُ
بَادِيَةً مُشْتَبِكَةً لِأَنَّ هَذِهِ حَالُهَا مِنْ
أَوَّلِ اللَّيْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وَالنُّجُومُ
بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ مَعَ الْإِصْبَاحِ بَعْدُ لَمْ
يُغَيِّرْهَا عَنْ حَالِهَا فِي لَيْلِهَا مِنْ الظُّهُورِ
وَالِاشْتِبَاكِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ
بِقَوْلِهِ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ
ذِرَاعًا إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ
أَرْبَعُ مَسَائِلَ.
(إحْدَاهَا) أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقْتُ الزَّوَالِ
وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.
1 -
(الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ
الظُّهْرِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ إلَى أَنْ يَفِيءَ
الْفَيْءُ ذِرَاعًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ فِي
مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ
نَفْسِهِ فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَحَكَى الْقَاضِي
أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلْفَذِّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ أَدَاءَهَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ
أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ
آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَالدَّلِيلُ لَنَا عَلَى
الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ
صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا
وَإِنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ عُمَّالَهُ وَأُمَرَاءَهُ
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي مَسَاجِدِ
الْجَمَاعَةِ وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ
يَتَعَدَّوْا بِالصَّلَاةِ أَفْضَلَ أَوْقَاتِهَا وَمِنْ
جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا
يُؤَذَّنُ لَهَا إلَّا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهِيَ
صَلَاةٌ تَرِدُ عَلَى النَّاسِ غَيْرَ مُتَأَهِّبِينَ بَلْ
تَجِدُهُمْ نِيَامًا غَافِلِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ
فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ عَقِيبَ الْأَذَانِ لَفَاتَتْ
أَكْثَرَ النَّاسِ فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ
يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا فَيُدْرِكَ مَنْ يَحْتَاجُ
الْغُسْلَ الصَّلَاةَ وَيُدْرِكُهَا مَنْ كَانَ نَائِمًا
بَعْدَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَتَوَضَّأَ وَيَرُوحَ
إلَيْهَا.
1 -
(الثَّالِثَةُ) أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَصِيرَ
ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ
يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى
صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا كَتَبَ بِهِ
عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ
الْفَيْءُ ذِرَاعًا إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ
مِثْلَهُ وَهَذَا مِمَّا كَتَبَ بِهِ إلَى الْأَمْصَارِ
وَأَخَذَ بِهِ عُمَّالُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ
أَحَدٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ.
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا
كَمَلَتْ الْقَامَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ
بِنَفْسِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَقَعُ
الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ مَا دَامَ ظِلُّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا تَبَيَّنَتْ الزِّيَادَةُ خَرَجَ
وَقْتُ الظُّهْرِ وَانْفَرَدَ وَقْتُ الْعَصْرِ هَذَا
الَّذِي حَكَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي
الْمَجْمُوعَةِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ نَصْرٍ وَهُوَ الصَّوَابُ
إنْ شَاءَ اللَّهُ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي
الِاشْتِرَاكِ وَخَالَفَنَا فِي وَقْتِهِ فَعِنْدَهُ أَنَّ
وَقْتَ الِاشْتِرَاكِ إذَا كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلَيْهِ وَنَفَى الشَّافِعِيُّ الِاشْتِرَاكَ جُمْلَةً
فَقَالَ إنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا كَانَ ظِلُّ
كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَأَنَّهُ يَلِيهِ وَقْتُ الْعَصْرِ
بِغَيْرِ فَصْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِقْدَارُ
مَا يُصَلِّي الظُّهْرَ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ
(1/13)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ
تَمَامُ الْقَامَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا
خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالدَّلِيلُ
عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ
زُهَيْرٍ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَاجِّ أَنْبَأَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ
يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ فَصَلَّى لَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ
حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى لَهُ الظُّهْرَ حِينَ
زَاغَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى لَهُ الْعَصْرَ حِينَ
كَانَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ ثُمَّ صَلَّى لَهُ
الْمَغْرِبَ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ
وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ
ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ قَالَ لَهُ
الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ صَلَاتِك بِالْأَمْسِ وَصَلَاتِك
الْيَوْمَ» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ
قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ
ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ
أَيْضًا أَرْبَعُ مَسَائِلَ.
(إحْدَاهَا) أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ
ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
فِيهِ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا
صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ.
(الثَّانِيَةُ) أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا مُشْتَرَكٌ وَقَدْ
تَقَدَّمَ.
(الثَّالِثَةُ) أَنَّ أَدَاءَهَا فِي مَسَاجِدِ
الْجَمَاعَاتِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ
هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى
الْقَامَةِ ذِرَاعٌ لَا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْدِيمِهَا فِي سَائِرِ
الْأَيَّامِ رِفْقًا بِالنَّاسِ بِتَعْجِيلِ إيَابِهِمْ
إلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
بِالتَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى
قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ وَقْتَهَا يَأْتِي عَلَى
النَّاسِ فِي الْأَغْلَبِ وَهُمْ مُتَأَهِّبُونَ
لِلصَّلَاةِ رَوَاهُ فِي الْمَبْسُوطِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
مَالِكٍ.
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إذَا صَارَ ظِلُّ
كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا
يُعْرَفُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَصْرَ تُصَلَّى مَا دَامَتْ
الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ يَدْخُلْهَا صُفْرَةٌ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ
الْقَاسِمِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَالَ «إنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ
الشَّمْسُ» وَهَذَا نَصٌّ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ
أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ
صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ
الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ حُدَّ أَوَّلُ وَقْتِهَا
بِالظِّلِّ فَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ آخِرُهَا بِهِ
كَالظُّهْرِ.
1 -
(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ
الشَّمْسُ يَتَعَلَّقُ بِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:.
(إحْدَاهَا) : أَنَّ اسْمَهَا الْمُخْتَصَّ بِهَا
الْمَغْرِبُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُزَنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ
عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ وَتَقُولُ
الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» .
(الثَّانِيَةُ) : أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ
غُرُوبُ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(الثَّالِثَةُ) : مَعْرِفَةُ آخِرِ وَقْتِهَا وَقَدْ
اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي
الْمُوَطَّأِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَ
الشَّفَقُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ إنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ
وَمَنْ شَاءَ تَأْخِيرَهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ
فَذَلِكَ لَهُ وَغَيْرُهُ أَحْسَنُ مِنْهُ وَاَلَّذِي
حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ
أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ
ابْنُ الْمَوَّازِ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى
أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ مَا رَوَى
مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» .
(الرَّابِعَةُ) : أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ هُوَ
أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِنْ اشْتَرَكَا كَاشْتِرَاكِ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلِذَلِكَ جَازَ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الْخَامِسَةُ) : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَدَاءُ الْمَغْرِبِ
فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ
أَهْلِ السُّنَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُصَادِفُ
النَّاسَ مُتَأَهِّبِينَ لَهَا مُنْتَظِرِينَ أَدَاءَهَا
كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي
ذَلِكَ رِفْقًا بِالصَّائِمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ
(1/14)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
تَعْجِيلُ فِطْرِهِ بَعْدَ أَدَاءِ صَلَاتِهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ: وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَ
الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ يَقْتَضِي أَرْبَعَ
مَسَائِلَ.
(إحْدَاهَا) أَنَّ اسْمَهَا فِي الشَّرْعِ الْعِشَاءُ
وَسَيَرِدُ بَيَانُ ذَلِكَ.
(الثَّانِيَةُ) بَيَانُ مَعْنَى الشَّفَقِ وَاَلَّذِي
حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ فِي
مُوَطَّئِهِ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ تَكُونُ فِي
الْمَغْرِبِ مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ ابْنَ
الْقَاسِمِ قَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّمَاعِ إنَّ
الْبَيَاضَ عِنْدِي أَبْيَنُ قَالَ وَكَأَنَّهُ فِي هَذَا
الْقَوْلِ يُرِيدُ الِاحْتِيَاطَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا
ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ
الشَّفَقَ الَّذِي حُدَّ بِهِ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ
الْعِشَاءِ هُوَ الْحُمْرَةُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ
أَبِي بِشْرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ
حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ «النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
قَالَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ
صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا
لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ» .
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا الْحَدِيثَ
وَضَعَّفَهُ قِيلَ لَهُ حَبِيبٌ هُوَ مُضْطَرِبٌ فَقَالَ
إنَّ شُعْبَةَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ قِيلَ لَهُ
لَعَلَّهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي بِشْرٍ أَوْ حَبِيبٍ فَقَالَ
أَبُو بِشْرٍ لَا عِلَّةَ فِيهِ وَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَ
حَبِيبٍ وَالنُّعْمَانِ رَجُلًا لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي احْتِجَاجِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ
ذَلِكَ فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ
قَالَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ
الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ» وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ مَغِيبِ
الْحُمْرَةِ وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَإِنَّهَا تَبْقَى
بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا
الْحَدِيثَ فِي مُصَنَّفِهِ جَعَلَهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ
مَنْ يَقُولُ إنَّ شَفَقَ الصَّلَاةِ هُوَ الْبَيَاضُ
لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ مِنْ الشَّهْرِ
إلَّا عِنْدَ مَغِيبِ الْبَيَاضِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ
الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحُمْرَةُ تُسَمَّى
شَفَقًا وَالْبَيَاضُ يُسَمَّى شَفَقًا وَعَلَى حُكْمٍ
مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِأَوَّلِهَا لِأَنَّهُ
قَدْ غَابَ مَا يُسَمَّى شَفَقًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ
الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَارٍ
مُتَتَابِعَةٌ مَارَّةٌ بِالْأُفُقِ فَوَجَبَ أَنْ
تَتَعَلَّقَ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ بِأَوْسَطِهَا
كَالطَّوَالِعِ.
(الثَّالِثَةُ) أَنَّ خُرُوجَ وَقْتِ الْعِشَاءِ
انْقِضَاءُ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ انْقِضَاءُ
النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا
رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «أَعْتَمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ الصَّلَاةَ نَامَ
النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ مَا
يَنْتَظِرُهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ قَالَ
وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إلَّا بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا
يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى
ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ» .
1 -
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ الْإِتْيَانَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ
فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَبَعْدَ
ذَلِكَ قَلِيلًا أَفْضَلُ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهَا إلَى
ثُلُثِ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى
الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ
تَأْخِيرَهَا أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ
هَذَا مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي
أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَيُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومِ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَعْتَمَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ذَهَبَ
عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ
خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ
رَأَى الْفَضْلَ فِي التَّخْفِيفِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ
تَأْخِيرُهَا فِي الشِّتَاءِ شَيْئًا وَهَذَا لِطُولِ
اللَّيْلِ وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي
ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَلَى الْأُمَّةِ وَيُسْتَحَبُّ
تَأْخِيرُهَا فِي رَمَضَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي إفْطَارِهِمْ وَهَذَا
أَيْضًا وَجْهٌ صَحِيحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ
بِالنَّاسِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ يُرِيدُ
مَنْ نَامَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِأَنَّ النَّوْمَ
قَبْلَهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ
(1/15)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي
سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ
صَلِّ الظُّهْرَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ
وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا
صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَخِّرْ
الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ
وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا
بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ
بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ
ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَك
وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرْت فَإِلَى شَطْرِ
اللَّيْلِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» .
(ش) : قَوْلُهُ أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا زَاغَتْ
الشَّمْسُ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كِتَابِهِ إلَى
عُمَّالِهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَنْ
صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ بِذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ
وَقْتِ إمَارَتِهِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْفَذِّ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ
الْجُمُعَةَ وَقَوْلُهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ
نَقِيَّةٌ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا صُفْرَةٌ تَحْدِيدٌ
لِآخِرِ وَقْتِهَا وَقَوْلُهُ وَأَخِّرْ الْعِشَاءَ مَا
لَمْ تَنَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ
فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ
فِي قَوْلِهِ إنَّ الْإِنْسَانَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ
يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا بَعْدَ وَقْتِ
الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ مَا لَمْ يَخَفْ النَّوْمَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ
الْمُبَادَرَةَ بِالنَّوْمِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ حِرْصًا
عَلَى التَّهَجُّدِ فِي آخِرِهِ فَأَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ
الْعِشَاءِ لِيُدْرِكَهَا مَعَهُ الْعُمَّالُ وَأَهْلُ
الْأَشْغَالِ مَا لَمْ يَنَمْ قَبْلَهَا فِي الْوَقْتِ
الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالنَّوْمِ فِيهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَاقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِسُورَتَيْنِ
طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ يُرِيدُ بَعْدَ قِرَاءَةِ
أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا لِمَا
عَلِمَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِي
صَلَاةً إلَّا بِهَا وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا
وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
بِسُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ لِأَنَّ صَلَاةَ
الصُّبْحِ أَطْوَلُ الصَّلَاةِ قِرَاءَةً وَطِوَالُ
الْمُفَصَّلِ فِيهَا عَدْلٌ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَخْذًا
بِحَظٍّ مِنْ التَّطْوِيلِ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ
الرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ
نَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ
الْمُفَصَّلَ لِكَثْرَةِ انْفِصَالِ سُوَرِهِ وَقِيلَ
سُمِّيَ بِذَلِكَ لِثُبُوتِ أَحْكَامِهِ وَقِلَّةِ
الْمَنْسُوخِ فِيهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمُحْكَمَ.
(ش) : قَوْلُهُ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ
بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ
ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا
تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ هَاهُنَا ثَلَاثَةَ
فَرَاسِخَ بِغَيْرِ شَكٍّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَحَدَ
أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لِهَذَا
الْحَدِيثِ لَمْ يَحْفَظْ الزِّيَادَةَ إذَا قُلْنَا إنَّ
أَوْ فِي الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الشَّكِّ مِنْ رَاوِيهِ
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ
يَشُكَّ وَتَيَقَّنَ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ
وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ
رَاوِيهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ
ثُلُثِ اللَّيْلِ كَلَامٌ مُجْمَلٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
وَوَجْهُهُ أَنْ تَقُولَ لَهُ افْعَلْ هَذَا مَا بَيْنَ
وَقْتِك هَذَا وَبَيْنَ انْقِضَاءِ وَقْتِ كَذَا لِمَا
عَلِمَ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ عَالِمٌ بِأَوَّلِ
الْوَقْتِ قَامَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَقَامَ كَوْنِهِ فِيهِ
مَقَامَ تَحْدِيدِ أَوَّلِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ
مَا بَيْنَك وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ مَا بَيْنَك إذَا
كُنْت فِي الْوَقْتِ وَمَا بَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرْت فَإِلَى شَطْرِ
اللَّيْلِ يَعْنِي أَخَّرْت لِضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ
الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ فَصَلَ مَا
بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ شَطْرِ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَتْ
أَفْضَلَ وَالضَّرُورَةُ لَا تُؤَقَّتُ إذْ لَيْسَتْ
بِاخْتِيَارِ الْفَاعِلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى
الْمُبَالَغَةِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْإِتْيَانِ
بِأَكْثَرِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا
تَقُولُ إنْ مَنَعَتْك الضَّرُورَةُ مِنْ الصَّلَاةِ
قَائِمًا فَصَلِّ قَاعِدًا وَقَدْ تَكُونُ الضَّرُورَةُ
تَمْنَعُهُ مِنْ الْقُعُودِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
أَنْ يَفْعَلَ مِمَّا كَلَّفَهُ اللَّهُ أَكْثَرَ مَا
يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ
عَرَفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ
وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَمَا
هُوَ مِمَّا
(1/16)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا أُخْبِرُك صَلِّ الظُّهْرَ
إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَك وَالْعَصْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك
مِثْلَيْك وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ
وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ
وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ يَعْنِي الْغَلَسَ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ
«كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ
إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ
الْعَصْرَ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - بِالصَّوَابِ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ
ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرْت عَنْ ذَلِكَ بِمَا تَعْتَقِدُهُ
مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ
رَأَيْت بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ حَكَى عَنْ أَبِي عُمَرَ
الْإِشْبِيلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ لَا
تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ نِصْفِ
اللَّيْلِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا
أَنْ يُرِيدَ وَلَا تَتَّخِذْ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى
شَطْرِ اللَّيْلِ عَادَةً فَتَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ
وَإِنْ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي النَّادِرِ إمَّا
لِضَرُورَةٍ وَإِمَّا لِحَالٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِمَّا
يَعْتَقِدُهُ مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ
الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ.
(ش) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ عَنْ آخِرِ
الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ أَجَابَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ
وَلَوْ سَأَلَهُ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَكَانَ
جَوَابُهُ بِتَحْدِيدِ جَمِيعِهِ وَقَوْلُ أَبِي
هُرَيْرَةَ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَك
وَالْعَصْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَيْك مَعْنَاهُ
فَتَكُونُ قَدْ أَدْرَكْت وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ
مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَمِيعِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا هُوَ
آخِرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ
اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَقْتِ
الصَّلَاتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ
يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا وَقْتَ
لِلْمَغْرِبِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْهُ
وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ بَعْدَهُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَصَلِّ
الصُّبْحَ بِغَبَشٍ الْغَبَشُ بَقَايَا ظُلْمَةِ اللَّيْلِ
وَهُوَ الْغَلَسُ وَهَذَا عَلَى مَعْنَى تَفْضِيلِ
الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُ.
(ش) : قَوْلُهُ «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ
الْإِنْسَانُ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ
يُصَلُّونَ الْعَصْرَ» يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاتَهُمْ
الْعَصْرَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ كَانَ
يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ إلَى بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَا
يُقَالُ هَذَا إلَّا فِيمَا يَكْثُرُ وَيَتَكَرَّرُ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ فِي بَنِي عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ يُصَلُّونَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ
وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي الْوَقْتِ
وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يُثَابِرُونَ عَلَى ذَلِكَ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا عُمَّالًا فِي الْحَوَائِطِ
فَيَتَأَهَّبُونَ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ
فَتَتَأَخَّرُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُمْ عَنْ أَوَّلِ
الْوَقْتِ إلَى وَسَطِهِ فَكَانَ مَنْ صَلَّى فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ يَأْتِيهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ صَلَاتِهِ
فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ
الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ
مُرْتَفِعَةٌ» ) .
(ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ
الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ
مُرْتَفِعَةٌ تَوْكِيدٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ
وَمُبَيِّنٌ أَنَّ صَلَاتَهُمْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ وَأَنَّ الذَّاهِبَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قُبَاءَ
وَهُوَ مِنْ أَدْنَى مِنْ الْعَوَالِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمَدِينَةِ نَحْوُ الْمِيلَيْنِ أَوْ دُونُ يَأْتِيهَا
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَحَكَى أَبُو الْمُطَرِّفِ
الْقَنَازِعِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ
لَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ
إلَى قُبَاءَ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ «ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى
الْعَوَالِي» وَالْعَوَالِي فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ
وَقُبَاءُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فَلِهَذَا
لَمْ يُتَابَعْ مَالِكٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْعَصْرَ كَانَتْ تُصَلَّى أَوَّلَ وَقْتِهَا
وَكَلَامُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ
أَنَّ اللَّيْثَ إذَا خَالَفَ مَالِكًا فِي الزُّهْرِيِّ
قُضِيَ لِمَالِكٍ لِأَنَّهُ أَوْثَقُ أَصْحَابِ
الزُّهْرِيِّ وَأَحْفَظُهُمْ وَلَيْسَ اللَّيْثُ مِنْ
مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ الْعَوَالِيَ فِي
(1/17)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
أَنَّهُ قَالَ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ
يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ) .
وَقْتُ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي
سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت
أَرَى طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ تُطْرَحُ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ
الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ
الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى
الْجُمُعَةَ قَالَ ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
طَرَفِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ قُبَاءَ مِنْ
الْعَوَالِي وَهِيَ مِنْ أَدْنَى الْعَوَالِي إلَى
الْمَدِينَةِ وَمَالِكٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا
لِأَنَّهَا بَلْدَتُهُ وَمُنْشَؤُهُ فَكَيْفَ يُقْرَنُ
بِهِ اللَّيْثُ فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ
مِصْرَ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ دُخُولَ
الْمُسَافِرِ وَلَمْ يَطُلْ فِيهَا مُقَامُهُ وَكَثِيرٌ
مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ كَمَا يَرْوِيهِ عَنْ عُقَيْلٍ
عَنْهُ.
وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْعَوَالِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ
إنَّ الْعَوَالِيَ فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ وَإِنَّ
قُبَاءَ أَبْعَدُ مِنْهَا.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ
أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ
إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ
وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ
أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا» .
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُتَابَعْ مَالِكٌ عَلَى
ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ تَقْتَضِي أَنَّ الْعَصْرَ
كَانَتْ تُصَلَّى قَبْلَ وَقْتِهَا كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ
لِأَنَّ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا
يَمْشِي الْفَرْسَخَ وَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ
الْوَقْتُ وَلَيْسَ الْوَقْتُ مِنْ الضِّيقِ عَلَى مَا
ذَكَرَهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ مَا يَسِيرُ
الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ.
وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ ذَلِكَ إلَى اصْفِرَارِ
الشَّمْسِ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِهِمْ عَلَى رِوَايَةِ
مَالِكٍ بِهَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
رِوَايَةِ اللَّيْثِ إلَّا اللَّفْظُ بَلْ رِوَايَةُ
مَالِكٍ أَشَدُّ تَحْقِيقًا وَقَوْلُهُمْ إنَّ هَذِهِ
الرِّوَايَةَ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ
رُوَاةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
مَرْوَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ «فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى
قُبَاءَ» كَمَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو
الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَنَا
بِذَلِكَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ
أَنْبَأَنَا بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(ش) : الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ
أَنَّهُ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْهُمْ
جَمَاعَةً وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَصَدَ الِاحْتِجَاجَ
بِفِعْلِهِمْ وَتَصْحِيحَ مَا ذُهِبَ إلَيْهِ بِنَقْلِ
مِثْلِهِ عَنْهُمْ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَهُمْ
يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى
مَعْنَى الْإِبْرَادِ فِي الصَّيْفِ وَوَقْتَ الْحَرِّ
وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ
الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ تَأْخِيرَهَا عَنْ
وَقْتِ الزَّوَالِ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ
أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ النَّاسَ إلَّا وَهُمْ
يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً بَعْدَ أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ
ذِرَاعًا وَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا فَهُوَ أَوَّلُ
الْعَشِيِّ.
[وَقْتُ الْجُمُعَةِ]
(ش) : قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ كُنْت أَرَى
طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ الطَّنَافِسُ هِيَ الْبُسُطُ كُلُّهَا
وَاحِدَتُهَا طِنْفِسَةٌ كَذَلِكَ رَوَيْنَا بِالْكَسْرِ
وَوَقَعَ فِي كِتَابِي مُقَيَّدًا طِنْفِسَةٌ بِالْكَسْرِ
وَطُنْفُسَةٌ بِالضَّمِّ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّنْفَسَةُ بِالْفَتْحِ وَعَرْضُ
الطِّنْفِسَةِ الْغَالِبُ مِنْهَا وَإِلَّا كَثُرَ مِنْ
جِنْسِهَا ذِرَاعَانِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تُطْرَحُ
يَجْلِسُ عَلَيْهَا عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَيُصَلِّي
عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
سُجُودُهُ عَلَى الْحَصَبِ وَجُلُوسُهُ وَقِيَامُهُ عَلَى
الطِّنْفِسَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ
رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ
يُصَلِّي عَلَى طِنْفِسَةٍ فِي الْمَسْجِدِ يَقُومُ
عَلَيْهَا وَيَسْجُدُ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْحَصَبِ
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الطَّنَافِسِ
مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَيْسَ
مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ بَاقِيًا عَلَى صِفَتِهِ
الْأَصْلِيَّةِ فَإِنَّهُ
(1/18)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى
الْمَازِنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ أَنَّ عُثْمَانَ
بْنَ عَفَّانَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى
الْعَصْرَ بِمَلَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ لِلتَّهْجِيرِ
وَسُرْعَةِ السَّيْرِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ
ضَرُورَةِ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَهَذَا الْجِدَارُ
وَإِنْ كَانَ غَرْبِيًّا فَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْغَرْبِ
لِأَنَّ قِبْلَةَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ إلَى وَسَطِ الْجَنُوبِ
وَانْحِرَافُهَا إلَى الْمَشْرِقِ كَثِيرٌ فَجِدَارُهُ
الْغَرْبِيُّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ الظِّلُّ قَبْلَ
الزَّوَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يَمْتَدُّ الذِّرَاعَيْنِ
وَنَحْوَهُمَا بِقَدْرِ الطِّنْفِسَةِ إلَّا بَعْدَ
الزَّوَالِ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّحْدِيدُ بِذَلِكَ
عِنْدَ مَنْ عَايَنَ الْمَوْضِعَ أَوْ عَرَفَ السَّعَةَ
وَمِقْدَارَ ارْتِفَاعِ الْحَائِطِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ
لِامْتِدَادِ الظِّلِّ وَانْحِرَافِ الْجِدَارِ فَيَكُونُ
لَهُ ظِلٌّ قَبْلَ الْفَيْءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
هَذَا الْحَائِطُ قَدْ غُيِّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي
زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِرَفْعٍ وَوَضْعِ رَفٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ زَادَ فِي
الْمَسْجِدِ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي
قَالَ حَدَّثَنَا إيَاسُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
الْأَكْوَعِ حَدَّثَنِي أَبِي وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّجَرَةِ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ
ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ
فِيهِ» فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْحِيطَانُ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ لَيْسَ لَهَا عُلُوٌّ وَلَا رَفٌّ تَقْتَضِي
الظِّلَّ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ أَوْ يَكُونُ خَبَرُ
ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ حِيطَانٍ مُعْتَدِلَةٍ إلَى
الْجَنُوبِ مِنْ دُورِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا.
وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَى ذَلِكَ
أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ
ظِلٌّ مَمْدُودٌ وَقَدْ زَاغَتْ الشَّمْسُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ
الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى
الْجُمُعَةَ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ خُرُوجِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هُوَ إذَا غَشِيَ
الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ عَلَى هَيْئَتِهِ
الَّتِي كَانَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ظِلُّهُ قَدْ
غَشِيَ بَعْضَهَا قَبْلَ خُرُوجِ عُمَرَ وَقِيلَ وَقْتُ
الصَّلَاةِ الزَّوَالُ وَقَوْلُهُ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ يُقَالُ الْجُمُعَةُ وَالْجُمُعَةُ
يُرِيدُ أَنَّهُ خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ
عَلَى عِلْمِ السَّامِعِ بِالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ
الْمَشْرُوعِ فِي ذَلِكَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا بَسْطُ الطِّنْفِسَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ
رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ
يُتَوَقَّى بَرْدُ الْأَرْضِ وَالْحَصْبَاءِ بِالْحُصْرِ
وَالْمُصَلَّيَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ يُرِيدُ
بِالْمُصَلَّيَاتِ الطَّنَافِسَ وَكُرِهَ أَنْ يَجْلِسَ
فِيهِ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ يَتَّكِئَ فِيهِ عَلَى وِسَادٍ
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْفِرَاشِ
وَالْإِتْكَاءَ عَلَى الْوِسَادِ يُنَافِي التَّوَاضُعَ
الْمَشْرُوعَ فِي الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ
بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمَدِّ حَرُّ الشَّمْسِ وَالضُّحَى
بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ ارْتِفَاعُهَا عِنْدَ طُلُوعِهَا
قَالَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْقَطَّانُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْمَمْدُودِ وَالْمَقْصُورِ
وَبَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ يَجْعَلُ الضُّحَى وَالضَّحَاءَ
مِثْلَ النَّعْمَاءِ وَالنُّعْمَى وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ
الضُّحَى مِنْ حِينِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ
يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَتَبْيَضَّ الشَّمْسُ جِدًّا ثُمَّ
يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّحَاءُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ
نِصْفِ النَّهَارِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الضُّحَى حِينَ
تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَالضَّحَاءَ إذَا ارْتَفَعَتْ
وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَرْجِعُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ
فَيُدْرِكُونَ مَا فَاتَهُمْ مِنْ رَاحَةِ قَائِلَةِ
الضَّحَاءِ بِالتَّهْجِيرِ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
لِأَنَّ سُنَّتَهَا أَنْ يُهَجَّرَ إلَيْهَا قَبْلَ
وَقْتِهَا وَأَنْ تُصَلَّى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّ
فِي تَعْجِيلِهَا إدْخَالُ الرَّاحَةِ عَلَى النَّاسِ
بِسُرْعَةِ رُجُوعِهِمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَوَّلُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَآخِرُ
وَقْتِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ
آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى حَسَبِ انْقِسَامِهِ فِي
الضَّرُورَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ
ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ
إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُمُعَةَ بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا كَوَقْتِهَا وَوَجْهُ مَا
قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ
شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى
الِاخْتِيَارِ وَالْفَضِيلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى
بِهَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهَا
عَنْ مَوْضِعِهَا.
(ش) : قَوْلُهُ
(1/19)
مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ
أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ إذَا فَاتَتْك
الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْك السَّجْدَةُ) .
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ
السَّجْدَةَ وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ
بِمَلَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي
أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ
عُثْمَانَ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا
الْمُخْتَارِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُفِدْ قَوْلُهُ
تَعْجِيلَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَعِيسَى
بْنُ دِينَارٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَلَلٍ ثَمَانِيَةَ
عَشَرَ مِيلًا وَفَسَّرَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ
وَذَلِكَ لِلتَّهْجِيرِ وَسُرْعَةِ السَّيْرِ يَعْنِي
إدْرَاكَهُ صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا بِمَلَلٍ.
[مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ]
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ
أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ جَمِيعَهَا بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا
الْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْرَكَ حُكْمَهَا مِثْلُ أَنْ
يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَكُونَ
مُدْرِكًا لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ صَلَّى مِنْ
صَلَاتِهِ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدْرِكًا
لِوَقْتِهَا وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بَعْدَ
وَقْتِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ أَنَّ فَضِيلَةَ
الْإِدْرَاكَيْنِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ
الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا أَتَمُّ
فَضِيلَةً مِنْ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ أَنْ
يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَكَذَلِكَ
مَنْ صَلَّى جَمِيعَ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا أَتَمُّ
فَضِيلَةً مِمَّنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهَا فِي
وَقْتِهَا إلَّا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي حُكْمِ
الْأَدَاءِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ
الْإِدْرَاكَ فِي الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ يَخْتَلِفُ
فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فِي الْوَقْتِ إلَّا
أَنْ يُدْرِكَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُكَبِّرُ فِيهِ
لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ ثُمَّ يَرْكَعُ فَيَطْمَئِنُّ رَاكِعًا ثُمَّ
يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَطْمَئِنُّ قَائِمًا ثُمَّ يَسْجُدُ
فَيَطْمَئِنُّ سَاجِدًا ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَطْمَئِنُّ
جَالِسًا ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَطْمَئِنُّ سَاجِدًا ثُمَّ
يَقُومُ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ مُدْرِكًا
لِحُكْمِ الْوَقْتِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الْوَهَّابِ.
وَأَمَّا إدْرَاكُهُ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَنْ
يُكَبِّرَ لِإِحْرَامِهِ قَائِمًا ثُمَّ يُمَكِّنَ
يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ
الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ
عَنْهُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ لَهَا وَلَا يَحْمِلُ
عَنْهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَلَا الْقِيَامَ
بِسَبَبِهَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّ
الْإِحْرَامَ عَقْدُ الصَّلَاةِ وَمَوْضِعُ النِّيَّةِ
فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا يَحْمِلُهُ
عَنْهُ الْإِمَامُ قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ
الَّذِي هُوَ تَمَامُ رُكُوعِهَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ
لَا خِلَافَ أَنَّ لِلْمَأْمُومِ الدُّخُولَ مَعَ
الْإِمَامِ مَا لَمْ يَرْفَعْ وَالِاعْتِدَادَ بِمَا
يَعْمَلُهُ مَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا
يَعْتَدُّ بِمَا يَعْمَلُهُ مَعَهُ إذَا دَخَلَ فِي
الصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ آخِرَ عَمَلِ الرُّكُوعِ وَلِذَلِكَ جَازَ
لِلْمَأْمُومِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَخَافَ
أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ أَنْ
يُدْرِكَ هُوَ الصَّفَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ
وَيَرْكَعَ وَيَدِبَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِلَ إلَى
الصَّفِّ فَثَبَتَ أَنَّ إدْرَاكَ الْإِمَامِ يَحْصُلُ
بِمَا يَخَافُ أَنْ يَفُوتَ بِهِ وَهُوَ رَفْعُ الرَّأْسِ
مِنْ الرُّكُوعِ.
(ش) : قَوْلُهُ إذَا فَاتَتْك الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْك
السَّجْدَةُ يَعْنِي أَنَّهُ يَفُوتُ الِاعْتِدَادُ بِهَا
لِأَنَّ إدْرَاكَهَا مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ مُشَاهَدٌ
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ
سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ
بِهَا وَإِنَّمَا يَعْتَدُّ بِهَا إذَا أَدْرَكَ
الرَّكْعَةَ.
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ مَنْ
أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ) ش
قَوْلُهُمَا مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ
السَّجْدَةَ يُرِيدُ أَنَّ بِإِدْرَاكِ السَّجْدَةِ
الِاعْتِدَادَ بِهَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي صَلَاةِ
الْجَمَاعَةِ فَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ صَلَاةِ
الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَعْتَدُّ بِالسَّجْدَةِ الَّتِي
بَعْدَهَا وَلَا يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا فِي الْوَقْتِ
فَإِنَّهُ قَدْ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ فِي الْوَقْتِ مَنْ
لَا يُدْرِكُ السَّجْدَةَ.
(1/20)
أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ
كَثِيرٌ) .
مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ (ص) :
(مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا) .
جَامِعُ الْوُقُوتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي
تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
(ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ
فَقَدْ أَدْرَكَ الِاعْتِدَادَ بِالسَّجْدَةِ وَلَيْسَتْ
فَضِيلَةُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ دُونَ قِرَاءَةٍ
كَفَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِهَا
وَأَشَارَ مِنْ ذَلِكَ إلَى فَضِيلَةِ حُضُورِ قِرَاءَةِ
أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ فَضِيلَةِ
قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَالدَّاوُدِيُّ إنَّ تِلْكَ
الْفَضِيلَةَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ آمِينَ عِنْدَ قَوْلِ
الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلْإِمَامِ لَا تَسْبِقْنِي بِ
آمِينَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ لِإِدْرَاكِ هَذَا
الْمَوْضِعِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ
إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ هَاهُنَا يَقْتَضِي أَنَّ
الْفَضِيلَةَ الَّتِي أَدْرَكَ إنَّمَا هِيَ بِجَمِيعِ
قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ حُضُورَ قِرَاءَةِ
جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ يَدْخُلُ فِيهَا فَضِيلَةُ إدْرَاكِ
آمِينَ وَغَيْرِهَا وَفِي هَذَا الْأَثَرِ مَعْنًى آخَرُ
وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَاءَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا
كَبَّرَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ
وَيَتْبَعُ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ
الرُّكُوعِ وَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ
قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ
أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَبْلَ اتِّبَاعِ
الْإِمَامِ لَمَا وُصِفَ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَمَا لَا
يُوصَفُ بِفَوَاتِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
[مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ]
(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ فِي
اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ مَعَ مَا
يَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ
وَصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ وَإِذَا كَانَ
يُحْتَجُّ بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَالنَّابِغَةِ فِي
اللُّغَةِ فَبِأَنْ يُحْتَجَّ بِقَوْلِهِ أَوْلَى
وَالْمَيْلُ بِتَسْكِينِ الْيَاءِ فِيمَا لَيْسَ
بِخِلْقَةٍ ثَابِتَةٍ يُقَالُ مَالَتْ الشَّمْسُ مَيْلًا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] وَأَمَّا
الْخَلْقُ وَالْأَجْسَامُ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ فِي
أَنْفِهِ مَيَلٌ وَفِي الْحَائِطِ مَيَلٌ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ
أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ
كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ
وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ) .
(ش) : دُلُوكُ الشَّمْسِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَيْلٍ لَهَا
فَابْتِدَاءُ دُلُوكِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ
أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ
ذِرَاعًا وَهُوَ دُلُوكٌ أَيْضًا وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ
وَقْتُ إقَامَةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ
وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ وَمَا بَعْدَ
ذَلِكَ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ
وَقْتُ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا دُلُوكٌ أَيْضًا
وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ دُلُوكٌ
أَيْضًا وَهُوَ حَدٌّ لِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ وَلِذَلِكَ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا
فَاسْمُ الدُّلُوكِ وَاقِعٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ
فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا
تَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهَا بَعْضُ ذَلِكَ إذَا
دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ
وَظُلْمَتُهُ وَصَفَ اللَّيْلَ بِالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا
هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَقْتُ وَلَا يُوصَفُ
بِالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ بِذَلِكَ ظَلَامُهُ
وَقَوْلُهُ وَظُلْمَتُهُ عَطْفٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ سَوَادُهُ.
[جَامِعُ الْوُقُوتِ]
(ش) : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى الْفَوَاتِ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّمَا ذَلِكَ
لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ
إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّك مِثْلَيْك وَاخْتَارَ هَذَا
الْقَوْلَ الدَّاوُدِيُّ وَذَكَرَ سَحْنُونٌ فِي تَفْسِيرِ
حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ
(1/21)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ
الْعَصْرِ فَلَقِيَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ
فَقَالَ لَهُ مَا حَبَسَك عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَذَكَرَ
الرَّجُلُ لَهُ عُذْرًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ طَفَّفْت
قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ
وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ
الْعَصْرَ» قَالَ يُرِيدُ فِيمَا تَرَى وَقْتَهَا فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ
الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ هُوَ
الَّذِي تَغْرُبُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَلَمْ يُدْرِكْ
مِنْهَا شَيْئًا وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ وَقَالَ الْفَوَاتُ هُوَ أَنْ
يُصَلِّيَ بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ النَّهَارُ كُلُّهُ
وَهَذَا أَشْبَهُ بِلَفْظِ الْفَوَاتِ.
وَقَدْ رُوِيَ التَّأْوِيلَانِ عَنْ نَافِعٍ فَرَوَى ابْنُ
جُرَيْجٍ بِإِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت لِنَافِعٍ
حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَرَوَى الْوَلِيدُ عَنْ
الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ
وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ
فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» وَمَعْنَى
الْفَوَاتِ أَنْ لَا يُمْكِنَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ
قَالَ ذَلِكَ فِي النَّاسِي.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ
يُرِيدَ بِهِ أَنَّ وَتْرَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَوَاتُ
ثَوَابٍ يُدَّخَرُ لَهُ فَيَكُونُ مَا فَاتَهُ مِنْ
ثَوَابِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا مِثْلَ مَا فَاتَ
الْمَوْتُورَ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ الَّذِي وَعَدَهُ
اللَّهُ عَلَى وَتْرِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا
فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عَلَى
ذَلِكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ
مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
مِنْ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وُتِرَ
أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِأَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاتِهِ
فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَسَفُ
وَالنَّدَمُ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةُ مِنْهَا وَهَذَا
الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ عَلَى
مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَامِدًا وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهَا
سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ
ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُ مِنْ
الثَّوَابِ مِثْلُ مَا فَاتَ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ دُونَ ثَوَابٍ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ
عِنْدَ مُعَايَنَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الثَّوَابِ مَا
يَلْحَقُ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَعَلَى أَنَّ
مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ
يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِرْجَاعُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ
عَلَيْهِ الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ وَإِنْ اسْتَرْجَعَ
مَعَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى
مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ اُنْتُزِعُوا مِنْهُ وَذُهِبَ بِهِمْ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : ذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَمْ
يَشْهَدْ الْعَصْرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ ابْنُ
حَدِيدَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ طَفَّفْت أَيْ نَقَصْت
نَفْسَك حَظَّهَا يُرِيدُ أَنَّهُ نَقَصَ حَظَّهَا مِنْ
فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي مَسْجِدِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ جَمَاعَةً
إذَا كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ قَدْ صَلَّى فِيهِ وَإِنْ
كَانَ هَذَا الْمُخَاطَبُ يُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْمَسْجِدِ
بِصَلَاةِ الْفَذِّ وَيُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فِي
غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ إنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا
فَاتَهُ وَقْتُهَا وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا
أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ) .
(ش) : قَالَ مَالِكٌ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَا
يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ وَوَسَطِهِ وَكُرِهَ التَّضْيِيقُ فِي ذَلِكَ
وَوَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ
ظَاهِرَهُ يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي
صِحَّتِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ
كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» فَجَعَلَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ
الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَجَعَلَ
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ فِي بَعْضِ
وَقْتِهَا وَلَمْ يَفُتْهُ الْوَقْتُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ
مِنْهُ بِفَوَاتِ أَوَّلِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ
أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَجَعَلَ فِي فَوَاتِ بَعْضِ الْوَقْتِ
أَعْظَمَ مِمَّا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَوَاتِ جَمِيعِهِ وَفِي ذَلِكَ
أَشَدُّ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ.
وَقَدْ ذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى قَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
فَقَالَ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي تَغَيُّرِ الشَّمْسِ
فَقَدْ فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ
وَمَالِهِ وَلَا أَقُولُ فَاتَهُ الْوَقْتُ كُلُّهُ حَتَّى
تَغْرُبَ
(1/22)
(ص) : (مَالِكٌ مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ
وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ
نَاسِيًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ
قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ
يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ
ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي
أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ
بِبَلَدِنَا) .
(ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي
الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ
صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَخَرَجَتْ عَنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
الشَّمْسُ فَجَعَلَ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَلَى
فَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَكَأَنَّ هَذَا يَنْحُو
إلَى تَأْوِيلِ ابْنِ وَهْبٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ فَأَخَّرَ
الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا السَّهْوُ الذُّهُولُ
عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ أَوْ لَمْ
يَتَقَدَّمْهُ وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا بُدَّ أَنْ
يَتَقَدَّمَهُ الذِّكْرُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا مَنْ
غَفَلَ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْوَقْتِ
جُمْلَةً أَوْ غَفَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا
فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَأْتِيَ
بِاللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِهِمَا وَإِنْ كَانَ
مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30]
وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ
الْحَضَرِ إذَا قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ فِي وَقْتِ
الصَّلَاةِ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا فِي الْحَضَرِ
وَقَدْ كَانَ الْمُصَلِّي مُخَيَّرًا بَيْنَ أَدَاءِ
الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي وَسَطِهِ
وَآخِرِهِ فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
وَلَا فِي وَسَطِهِ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي
آخِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ فَوَجَبَتْ
عَلَيْهِ حَضَرِيَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ
فِي الْحَضَرِ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا وَسَافَرَ فِي
بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا
سَفَرِيَّةً هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَرْضُهُ الْإِتْمَامُ وَالدَّلِيلُ
عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ
فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا
مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ
آخِرِ الْوَقْتِ وَأَوَّلِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى
أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَتِهَا بِوَقْتِ وُجُوبِهَا
وَوَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ
عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَهُ تَعْيِينُهُ فِي أَيِّ
جُزْءٍ شَاءَ مِنْهُ وَالتَّعْيِينُ إنَّمَا يَكُونُ
بِالْفِعْلِ دُونَ النِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فَإِذَا
أَخَّرَهَا حَتَّى سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ
عَيَّنَ وَقْتَ الْوُجُوبِ فِيهِ وَهُوَ فِي حَالِ
سَفَرِهِ فَلَزِمَتْهُ سَفَرِيَّةٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يُرَاعِي مَنْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ
فِي ذَلِكَ رَكْعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ
فَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ فَمِقْدَارُ رَكْعَةٍ وَإِنْ
كَانَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَمِقْدَارُ ثَلَاثِ
رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ
رَكْعَتَيْنِ وَتَبْقَى رَكْعَةُ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتْ
الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَمِقْدَارُ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرُ
وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَاخْتَلَفَ
أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْأَصْلِ إذَا خَرَجَ لِمِقْدَارِ
ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ
عَبْدِ الْحَكَمِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً وَعَلَى
قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ يُصَلِّيهَا
حَضَرِيَّةً.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ
صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ
الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِيهَا حَضَرِيَّةً
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ
مَقْضِيَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْضَى عَلَى حَسَبِ مَا
تُؤَدَّى عَلَيْهِ مِنْ قَصْرٍ أَوْ إتْمَامٍ أَصْلُهُ
إذَا نَسِيَهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي
السَّفَرِ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ
مَنْ نَسِيَ صَلَاةً سَفَرِيَّةً فَذَكَرَهَا فِي
الْحَضَرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَهَا سَفَرِيَّةً
فَإِنْ أَتَمَّهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ وَمَنْ
رَأَى مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَصْرَ فَرْضُ
الْمُسَافِرِ قَالَ يَجِبُ قَصْرُهَا وَأَمَّا إذَا
ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا سَفَرِيَّةً
فَجَعَلَ لِذِكْرِهَا فِي الْحَضَرِ تَأْثِيرًا وَهَذَا
فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ قَدْ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ
هَذَا إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَخْرُجُ بِمَغِيبِ
الشَّفَقِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ
مُمْتَدٌّ كَسَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهُ
يَنْتَهِي إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فِي
الْمُسَافِرِ الَّذِي يُجِدُّ بِهِ السَّيْرُ وَيُرِيدُ
الْجَمْعَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَهَذَا عُدُولٌ مِنْهُ
عَنْ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى
الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ
(1/23)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ
فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا
نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ ذَهَبَ
فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ
يُصَلِّي) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
الْمُخْتَارِ لَهُمَا وَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِذَلِكَ السَّبَبِ إلَّا عَلَى
الْوَجْهِ الْمُخْتَارِ لَهُمَا وَقَوْلُ مَالِكٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
أَنَّ وَقْتَ الِاشْتِرَاكِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
يَنْقَضِي بِمَغِيبِ الشَّفَقِ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ
يَخْتَصُّ بِالْعِشَاءِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ
أَشْهَبَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ مَغِيبِ
الشَّفَقِ هُوَ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ
يَخْتَصُّ بِالْمَغْرِبِ وَلَا يَتَّجِهُ حِينَئِذٍ عَلَى
الْقَوْلَيْنِ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ إلَّا بِمِقْدَارِ
فِعْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِيهِ بَدَلًا
مِنْ الْأُخْرَى وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ حَدِيثُ أَبِي
أَيُّوبَ الْمَرَاغِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ
نُورُ الشَّفَقِ» وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «وَصَلَّى
الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ» .
(1/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
(ش) : هَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مِنْ أَنَّ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ
حَتَّى انْقَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ
عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُغْمَ عَلَيْهِ إلَّا عَنْ صَلَاةٍ
وَاحِدَةٍ وَلِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِهَا
وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا
وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَضَى الصَّلَاةَ
وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ
يَقْضِ مِنْ الصَّلَاةِ مَا أُخِّرَ وَقْتُهَا
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى
يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَثِيرُهُ فَوَجَبَ أَنْ
يُسْقِطَ فَرْضَهَا قَلِيلُهُ كَالْحَيْضِ وَسَوَاءٌ
اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مَرَضٌ أَوْ عَرَا عَنْهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ
بَعْضُ الْوَقْتِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ
الَّتِي أَفَاقَ فِي وَقْتِهَا لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ
قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ
الْعَصْرَ» وَهَذَا قَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهَا قَبْلَ
أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدْرِكًا
لِجَمِيعِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْوَقْتُ الَّذِي يُدْرِكُ
الصَّلَاةَ بِهِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ وَالْحَائِضُ
تَطْهُرُ وَالصَّبِيُّ يَحْتَلِمُ وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ
هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وَقْتِ
الِاخْتِيَارِ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي وَقْتِ
الضَّرُورَةِ وَذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إلَى
غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَبْلَ
غُرُوبِ الشَّمْسِ مِقْدَارَ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فَقَدْ
أَدْرَكَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَهَذَا لِلْمُقِيمِ
وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الصَّلَاتَيْنِ
بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا
مِقْدَارَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ
وَفَاتَتْهُ الظُّهْرُ وَهَذَا حُكْمُ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ فَأَمَّا الْمُقِيمُ فَإِنْ أَدْرَكَ
مِقْدَارَ خَمْسِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ
أَدْرَكَ الصَّلَاتَيْنِ وَإِنْ أَدْرَكَ مِقْدَارَ
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى
الْمَغْرِبَ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ وَهَكَذَا
رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ
وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَرَوَى الْقَاضِي
أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ
دُونَ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ قَدْ خَرَجَ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ
مَالِكٌ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلَيْنِ
إلَيْهِمَا تَعَدَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَعَلَيْهِمَا
تَرَتَّبَتْ وَرُبَّمَا قِيلَ أَحَدُهُمَا أَصْلٌ
لِلْآخَرِ فَأَمَّا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّ
مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ
بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَأَرْبَعِ
رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ يَخْتَصُّ بِالْعَصْرِ لَا
مُشَارَكَةَ فِيهِ لِلظُّهْرِ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ
فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو
مُحَمَّدٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي
مَبْسُوطِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ جَمِيعَ
الْوَقْتِ مِنْ الزَّوَالِ وَالْعَصْرِ بِمَا قَبْلَ
الْغُرُوبِ لِلتَّرْتِيبِ فَإِذَا سَقَطَ فَرْضُ الْعَصْرِ
بِوَجْهٍ مَا وَبَقِيَ فَرْضُ الظُّهْرِ جَازَ أَنْ
يُؤَدَّى قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ
وَيَكُونُ الْمُصَلِّي لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ.
مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا بَعْدَ
الْغُرُوبِ بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يَخْتَصُّ
بِالْمَغْرِبِ وَمَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ
رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ
لِلْمُقِيمِ يَخْتَصُّ بِالْعِشَاءِ وَوَقْتِ
الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي
الِاشْتِرَاكُ مِنْ وَقْتِ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ
صَلَاةُ فَرْضٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ
يَخْتَصُّ بِهَا كَالصُّبْحِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ
إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا أَنَّ الْأُولَى تَسْقُطُ
فَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَوَجَبَ
أَنْ يَكُونَ الْمُدْرِكُ الرَّكْعَةَ مُدْرِكًا لَهُمَا
وَأَنْ تَسْقُطَ الْآخِرَةُ لِتَقَدُّمِ الْأُولَى فِي
الرُّتْبَةِ فَلَمَّا سَقَطَتْ الْأُولَى مَعَ
تَقَدُّمِهَا وَثَبَتَتْ الثَّانِيَةُ مَعَ تَأَخُّرِهَا
ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْتَ لِلثَّانِيَةِ خَاصَّةً دُونَ
الْأُولَى يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُشْتَرَكَ
بَيْنَهُمَا إذَا اجْتَمَعَتَا قُدِّمَتْ الْأُولَى عَلَى
كُلِّ حَالٍ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا وَقْتُ
الْعَصْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا مُشْتَرَكًا
بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ أَصْلُهُ إذَا صَارَ ظِلُّ
كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ
السَّفَرَ لَا يَنْقُلُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ
لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَ الظُّهْرَ إلَى مَا قَبْلَ
الزَّوَالِ وَلَا الْفَجْرَ إلَى مَا قَبْلَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ
بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ فِي
الْحَضَرِ لَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لَهُمَا فِي
السَّفَرِ وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا ضَاقَ
وَقْتُ الصَّلَاتَيْنِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ إدْرَاكُ
وَقْتِهَا بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا
أَوَّلًا أَوْ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْآخِرَةِ أَوَّلًا
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
يَبْدَأُ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُولَى
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْتَبِرُ أَوَّلًا بِإِدْرَاكِ
وَقْتِ الثَّانِيَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُفِيقَ مُغْمًى عَلَيْهِ لِمِقْدَارِ
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ قُلْنَا
بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُولَى فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ
لِوَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ ثَلَاثَ
رَكَعَاتٍ لِلْمَغْرِبِ ثُمَّ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ
وَإِنْ قُلْنَا يَبْدَأُ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُخْرَى
فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.
فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ النَّظَرَ فِي
وَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ
أَدَائِهَا مِنْ التَّرْتِيبِ فَيَكُونَ أَوَّلًا فِي
الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَنَاوَلُهَا قَبْلَ أَنْ
يَتَنَاوَلَ الْعِشَاءَ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ آخِرَ الصَّلَاتَيْنِ
أَحَقُّ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ
الْوَقْتُ عَنْهُمَا تَسْقُطُ الْأُولَى فَكَانَ
الِاعْتِبَارُ فِي الْوَقْتِ بِالثَّانِيَةِ مِنْهُمَا
عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهَا مِنْ
الْوَقْتِ شَيْءٌ كَانَ لِلْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ
شَيْءٌ سَقَطَتْ الْأُولَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي تُحَصِّلُ بِهِ الْحَائِضُ
مُدْرَكَةً لِلْوَقْتِ أَنْ تَكْمُلَ طَهَارَتُهَا
وَتَتَمَكَّنَ مِنْ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ
بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْهُ مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ
قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إنْ كَانَتْ مُقِيمَةً أَوْ
ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً وَلَا
يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِوَقْتِ انْقِطَاعِ الدَّمِ
وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ كَمَالِ شُرُوطِ
الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ فَأَمَّا
الْكَافِرُ يُسْلِمُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ
وَابْنُ حَبِيبٍ يُرَاعِي وَقْتَ إسْلَامِهِ دُونَ
فَرَاغِهِ مِنْ طَهُورِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْحَائِضِ أَنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِ الطَّهُورِ
وَالصَّلَاةِ وَلَا تَعْصِي بِذَلِكَ الْحَائِضُ وَأَمَّا
الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَأَجْرَاهُ مَالِكٌ مَجْرَى
الْحَائِضِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ غَيْرُ مَلُومٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ كَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ
قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حِينَ
يُفِيقُ مِنْ الصَّلَاةِ كَالْكَافِرِ وَإِنَّمَا هُوَ
كَالْمُحْدِثِ وَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ
الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَمَا قَالَهُ غَيْرُ
مُسَلَّمٍ وَلِمُنَازِعِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُغْمَى
عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ حَدَثَهُ
يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كَاَلَّتِي انْقَطَعَ عَنْهَا
دَمُهَا وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ يُسْلِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ
يُفِيقُ كَالْحَائِضِ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ غُسْلِهَا
وَكَذَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ
أَصْبَغَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ
الْقِيَاسُ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ»
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ
الْإِسْلَامِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ
قَبْلَ إسْلَامِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ أَنَّ مُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ
فَذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ
يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي نَسِيَ فَإِنْ بَقِيَ
بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقْتٌ لِلصَّلَاتَيْنِ أَوْ
أَحَدِهِمَا صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ وَإِنْ لَمْ
يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْوَقْتِ
(1/25)
النَّوْمُ عَنْ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى حَتَّى إذَا كَانَ
مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ، وَقَالَ لِبِلَالٍ اكْلَأْ
لَنَا الصُّبْحَ وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا
قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ
مُقَابِلُ الْفَجْرِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَلَمْ
يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الرَّكْبِ
حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِلَالٌ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ
بِنَفْسِك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَادُوا فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ
وَاقْتَادُوا شَيْئًا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ
الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ ثُمَّ قَالَ حِينَ
قَضَى الصَّلَاةَ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ
فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يُصَلِّي ظُهْرًا وَلَا عَصْرًا
وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُصَلِّي مَا أَفَاقَ فِي
وَقْتِهِ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ
الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ
نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَإِنَّ ذَلِكَ
وَقْتُهَا فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثَلَاثُ
صَلَوَاتٍ اسْتَوْعَبَ الصَّلَاةَ الْأُولَى لِلْوَقْتِ
وَسَقَطَ فَرْضُ مَا بَعْدَهَا لَمَّا كَانَتْ أَحَقَّ
مِنْهَا بِالْوَقْتِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ مُغْمًى
عَلَيْهِ أَدْرَكَ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ
عَلَيْهِمَا الْفَائِتَةُ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ
الْوَقْتَ مُخْتَصٌّ بِهَا وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ
الظُّهْرِ وَهَذَا حُكْمُ إفَاقَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
وَطُهْرِ الْحَائِضِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَأَمَّا مَا
يَطْرَأُ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ فِي آخِرِ
الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ إذَا
أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِهَا مِقْدَارَ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ
فَقَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُقِيمٌ لِمِقْدَارِ
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ لِمِقْدَارِ
رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ
الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمِقْدَارِ خَمْسِ
رَكَعَاتٍ فِي الْمُقِيمِ أَوْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي
الْمُسَافِرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمِقْدَارِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ
لِلْمُقِيمِ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ كَانَ لِمِقْدَارِ
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَعَلَى قَوْلِ
مَالِكٍ يَسْقُطُ فَرْضُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَلَى
رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يَسْقُطُ فَرْضُ
الْعِشَاءِ وَيَقْضِي الْمَغْرِبَ وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا
فَطَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ
قَبْلَ الْفَجْرِ فَعَلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمُحَمَّدٍ يَسْقُطُ
فَرْضُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ
جَمِيعَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَمِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ
الْمَغْرِبِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَسْقُطُ فَرْضُ
الْعِشَاءِ وَيَقْضِي الْمَغْرِبَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مُقِيمٍ لِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ
مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَهُوَ نَاسٍ لِلْعَصْرِ سَقَطَ
عَنْهُ فَرْضُهَا وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا الظُّهْرَ
مُصَلِّيًا لِلْعَصْرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ
رِوَايَةِ سَحْنُونٍ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا
يَقْضِي الظُّهْرَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَرَوَى
يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْضِي الظُّهْرَ
لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ
فَرِوَايَةُ عِيسَى وَسَحْنُونٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى
الِاشْتِرَاكِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ وَرِوَايَةُ يَحْيَى
مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ يَخْتَصُّ
بِالْعَصْرِ وَأَخَذَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ بِالِاحْتِيَاطِ فَإِذَا كَانَ
الِاحْتِيَاطُ فِي رِوَايَةِ عِيسَى وَسَحْنُونٍ أَخَذَ
بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ
وَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى أَخَذَ
بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ
وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَلَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ
الظُّهْرَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَالْعَصْرَ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ
ثُمَّ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ مِنْ
النَّهَارِ لَمْ تَقْضِ الظُّهْرَ فِي قَوْلِ ابْنِ
الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَضَتْهَا فِي
قَوْلِ الْآخَرِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ
لِلصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(1/26)
فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَأَقِمِ
الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
[النَّوْمُ عَنْ الصَّلَاةِ]
(ش) : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ قَوْلُ
الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «حِينَ قَفَلَ مِنْ
خَيْبَرَ» غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ حِينَ قَفَلَ مِنْ
حُنَيْنٍ وَلَمْ يَعْرِضْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً
حِينَ رَجَعَ مِنْ حُنَيْنٍ إلَى مَكَّةَ وَالصَّحِيحُ مَا
قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ نَوْمَهُ ذَلِكَ كَانَ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ فِي زَمَنِ خَيْبَرَ وَعَلَى
ذَلِكَ يَدُلُّ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ السِّيَرِ وَقَوْلُهُ أَسْرَى يَعْنِي سَارَ
لَيْلًا وَيُقَالُ أَسْرَى وَسَرَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَسَيْرُ اللَّيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَخَوْفٍ
أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ إلَّا أَنَّ
الْفَضْلَ مَعَ الْمُتَمَكِّنِ نَوْمُ اللَّيْلِ
وَسَيْرُهُ آخِرَهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
«عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى
بِاللَّيْلِ» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
عَرَّسَ» التَّعْرِيسُ نُزُولُ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَهُ
صَاحِبُ الْعَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعَرِّسِ
التَّنَحِّي عَنْ الطَّرِيقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَافَرْتُمْ فِي
الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَقَّهَا وَإِذَا
سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَأَسْرِعُوا السَّيْرَ وَإِذَا
أَرَدْتُمْ التَّعْرِيسَ فَتَنَكَّبُوا عَنْ الطَّرِيقِ» .
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ» دَلِيلٌ عَلَى
صِحَّةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ فِي وَقْتِ
الصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أَمْرِ الشَّرِيعَةِ
وَأَعْظَمِهَا شَأْنًا إلَى قَوْلِ بِلَالٍ وَحْدَهُ.
1 -
وَقَوْلُهُ «وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ» إرَادَةُ الرِّفْقِ
بِهِمْ وَالْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ لِمَا أَدْرَكَهُمْ مِنْ
نَصَبِ السَّفَرِ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ
النَّوْمَ قُرْبَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنْ جَازَ أَنْ
يَتَمَادَى بِهِ النَّوْمُ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ
الصَّلَاةِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّجْوِيزِ يَلْحَقُ
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ اللَّيْلَ وَأَفْرَدَ بِلَالًا
بِحِفْظِ الْوَقْتِ لِمَا تَوَهَّمَ فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ
عَلَى ذَلِكَ وَلِعِلْمِهِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ» إخْبَارٌ
مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ
فِعْلَ بِلَالٍ كَانَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى
وَتَكْذِيبٌ لِلْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَنْفُونَ ذَلِكَ
وَقَوْلُهُ «ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ
مُقَابِلُ الْفَجْرِ» إخْبَارٌ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ لَمْ
يَتْرُكْ حِفْظَ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى
رَاحِلَتِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى حِفْظِ الْفَجْرِ
وَكَذَلِكَ قَابَلَهُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «لَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ الرَّكْبِ
حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ» يُرِيدُ نَالَهُمْ
شُعَاعُهَا وَضَوْءُهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا فَفَزِعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ إنَّ فَزَعَهُ كَانَ
لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوِهِمْ
لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ وَيَطْلُبُوا أَثَرَهُ فَيَجِدُوهُ
وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ نِيَامًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو
الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَصِحُّ عِنْدِي
أَنْ يَكُونَ فَزَعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِمَا فَاتَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا يَجِبُ عَلَى
مَنْ نَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَفَزِعَ لَهُ وَهَذَا
أَشْبَهُ بِالْخَبَرِ فَلِذَلِكَ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ «قَالَ لِلنَّاسِ وَقَدْ
رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ
قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا»
فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ لَهُمْ بِأَنَّهُ
لَا إثْمَ وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ نَابَهُ مِثْلُ هَذَا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ
بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك» اعْتِذَارٌ مِنْهُ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ
لَمْ يَقُمْ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ يُرِيدُ غَلَبَ نَفْسِي
الَّذِي غَلَبَ عَلَى نَفْسِك وَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ
مُرَادِي مِنْهَا الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك وَهُوَ اللَّهُ
تَعَالَى الْفَعَّالُ لَمَا يُرِيدُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«اقْتَادُوا» يُرِيدُ أَنْ يَقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ
قَالَ فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ وَاقْتَادُوا شَيْئًا
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ أَمْرِهِ لَهُمْ
بِالِاقْتِيَادِ مَعَ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَى
الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بِإِثْرِ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ
النَّوْمِ وَتَرْكِ كُلِّ مَا مَنَعَ فَقَالَ عِيسَى بْنُ
دِينَارٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ هُوَ مَنْسُوخٌ
قَالَ عِيسَى نَسَخَهُ
(1/27)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
قَوْله تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
وَنَسَخَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا
إذَا ذَكَرَهَا» فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ النَّاسِخَ
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَلَيْسَ
بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَفِعْلُهُ هَذَا
بَعْدَ هِجْرَتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بِأَعْوَامٍ وَلَا
يُنْسَخُ الْحُكْمُ قَبْلَ وُرُودِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ
وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إنَّهُ مَنْسُوخٌ
بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ
نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا» أَقْرَبُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ يُتَوَجَّهُ
عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَجَعَلَ
ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْمَكِّيَّةِ
وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يُنْسَخُ بِهِ
فِعْلُهُ فِي الْمَدِينَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ نَظَرًا إلَّا
إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّاسِخِ
وَالْمَنْسُوخِ فَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
لَمْ يَجُزْ دَعْوَى النَّسْخِ فِيهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ
أَصْحَابُنَا مِمَّنْ مَنَعَ نَسْخَ هَذَا الْفِعْلِ فِي
ذَلِكَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَمَرَ بِالِاقْتِيَادِ لِئَلَّا يَبْقَى مِنْ
أَصْحَابِهِ نَائِمٌ وَقَدْ كَانُوا نَصِبُوا مِنْ طُولِ
السَّرْيِ فَأَشْفَقَ أَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ لَا
يَسْتَيْقِظُونَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالرَّحِيلُ
يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ وَيُوقِظُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَبْيَنُ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ وَجْهَ
الِاقْتِيَادِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ
الْوَادِي بِمَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ «أَنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» وَهَذِهِ
عِلَّةٌ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهَا فَلَا
يَلْزَمُنَا الْعَمَلُ بِهَا وَمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنَّا
لِصَلَاةٍ فِي بَطْنِ وَادٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا
لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ فِيهِ شَيْطَانٌ أَمْ لَا.
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ
نَحْوَ هَذَا وَلَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ الْوَادِيَ الَّذِي
أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَجَرَى لَنَا فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ
فَقَدْ ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ فِيهِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا
نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِيهِ
لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ بَقِيَ الشَّيْطَانُ فِيهِ أَمْ
لَا وَلَعَلَّهُ قَدْ ذَهَبَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا تَرْكُ
الْعِبَادَةِ إلَى صَلَاةٍ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا
وَتَعَيَّنَ فِعْلُهَا لِعِلَّةٍ لَا نَدْرِي هَلْ هِيَ
بَاقِيَةٌ أَمْ لَا وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ
تَأْخِيرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ وَأَمْرَهُ بِالِاقْتِيَادِ
إنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ انْتَبَهَ فِي حِينِ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ ذَلِكَ
الْوَقْتَ عِنْدَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِيَادِ إلَى
أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ عَنْ الْأُفُقِ وَيَتِمَّ
طُلُوعُهَا فَتَجُوزَ الصَّلَاةُ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ
إلَيْهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُ
الْحَدِيثِ لِأَنَّ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَوْنَهَا
فِي الْأُفُقِ لَا يَكُونُ لَهَا ضَوْءٌ يَضْرِبُ شَيْئًا
مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنَّمَا تَضْرِبُ النَّاسَ
الشَّمْسُ وَيَرْتَفِعُ ضَوْءُهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ
ارْتِفَاعِهَا مِنْ الْأُفُقِ يُؤَيِّدُ هَذَا
التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ «فَمَا أَيْقَظَنَا إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ» وَلَا
يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَمَكُّنِ ارْتِفَاعِهَا
وَمِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْلُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ هَذَا وَادٍ
بِهِ شَيْطَانٌ فَجَعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً فِي خُرُوجِهِمْ
عَنْ الْوَادِي وَاقْتِيَادِهِمْ رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا
وَلَوْ كَانَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ
وَمُوجِبًا لِلِاقْتِيَادِ لَعَلَّلَ بِهِ وَلَقَالَ
اقْتَادُوا فَإِنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ
أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ
لِأَنَّهُ يُجَوِّزُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَا
الْوَقْتِ صُبْحَ يَوْمِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَ أَنْ
يُصَلِّيَ فِيهِ غَيْرَهَا مِنْ الْفَوَائِتِ وَاَلَّذِي
امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مِنْ أَدَائِهَا فِي الْوَادِي هِيَ صُبْحُ ذَلِكَ
الْيَوْمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ مَوْضِعَ
الْخِلَافِ مَعَهُ.
1 -
(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ
الصَّلَاةَ بِهِمْ» رَوَاهُ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ
الْمُوَطَّأِ فَأَقَامَ عَلَى الْيَقِينِ رَوَاهُ ابْنُ
بُكَيْر «ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَأَقَامَ
الصَّلَاةَ» وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَصَحُّ
وَأَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَذَانِ
لِلْفَوَائِتِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَالشَّافِعِيُّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ أَوْ صَلَوَاتٌ
فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَيُقِيمُ
لِكُلِّ صَلَاةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤَذَّنُ لِلْفَوَائِتِ
وَيُقَامُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو
ثَوْرٍ وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا
يُقَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا
أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا
(1/28)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
هُوَ إعْلَامٌ لِلنَّاسِ بِالْوَقْتِ وَدُعَاءٌ لَهُمْ
إلَى الْجَمَاعَةِ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِوَقْتِ
إعْلَامِهِمْ وَلَا وَقْتِ دُعَائِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ
وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا
يَخْتَصُّ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ فِي
الْأَذَانِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهَا تَخْلِيطًا عَلَى
النَّاسِ وَإِذَا اخْتَصَّ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَمْ
يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي الْفَوَائِتِ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ
لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَالنَّوَافِلِ وَإِذَا ثَبَتَ
ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَذَانَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ
هُوَ الْإِعْلَامُ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْأَذَانِ
الْمَشْرُوعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ
مَشْرُوعَةٌ فِي الْفَوَائِتِ حَدِيثُ مَالِكٍ
الْمَذْكُورُ وَفِيهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ
الصَّلَاةَ بِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ
الْإِقَامَةَ ذِكْرٌ شُرِعَ فِي اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ
لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا فَكَانَ لَازِمًا
لِلْفَوَائِتِ وَغَيْرِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
(فَرْعٌ) وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً يَخَافُ فَوَاتَهَا إنْ
أُذِّنَ لَهَا وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ يَلْزَمُهُمْ
الْأَذَانُ فِي الْوَقْتِ فَلْيُقِيمُوا وَلْيُصَلُّوا
جَمَاعَةً وَيَتْرُكُوا الْأَذَانَ فَإِنْ خَافُوا
الْفَوَاتَ بِالْإِقَامَةِ صَلَّوْا بِغَيْرِ إقَامَةٍ
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مِنْ
فَضَائِلِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا وَالْوَقْتُ
مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ
لِلْفَضَائِلِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَهَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَنْ
فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ قَبْلَهَا أَمْ لَا رَوَى
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ وَقَالَ
أَشْهَبُ لَا يَرْكَعُ الْفَجْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ
الْفَرِيضَةَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَرْكَعُ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَبِهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَدَاوُد وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ قَوْلُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ
أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَهَذَا
يَنْفِي فِعْلَ صَلَاةٍ قَبْلَهَا وَمِنْ جِهَةِ
الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ يَتَعَيَّنُ
وَقْتُهَا بِالذِّكْرِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا تُفْعَلُ
فِيهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ غَيْرُهَا فِيهِ كَمَا
لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا الْمُعَيَّنُ بِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ
أَشْهَبَ مَا رُوِيَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ
عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ
رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ
شَيْطَانٌ قَالَ فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ
فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ
ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
فَصَلَّى الْغَدَاةَ» .
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ» بَيَانٌ أَنَّ
الْجَمَاعَةَ إذَا فَاتَتْ جَمِيعَهُمْ الصَّلَاةُ
صَلَّوْهَا جَمَاعَةً بَعْدَ وَقْتِهَا وَهَذَا فِي
جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْجُمُعَةَ وَسَيَأْتِي
ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ حِينَ
قَضَى الصَّلَاةَ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا
إذَا ذَكَرَهَا» تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى فِقْهِ مَا
فَعَلَهُ وَإِخْبَارٌ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالرَّحِيلِ
مِنْ الْوَادِي وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ
أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي
لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فَرْضَ
مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يَشْتَغِلَ
بِرَحِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ لَكِنَّ الرَّحِيلَ مِنْ ذَلِكَ
الْوَادِي كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى
الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ
يَذْكُرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَإِنَّ
عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » تَنْبِيهٌ
عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَأَخَذَهُ مِنْ الْآيَةِ الَّتِي
تَضَمَّنَتْ الْأَمْرَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
بِذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ
فِيهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى
قَوْلِهِ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَقَالَ
مُجَاهِدٌ مَعْنَاهُ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي فِيهَا
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَقِمْ الصَّلَاةَ لَأَنْ أَذْكُرَك
بِالْمَدْحِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَقِمْ الصَّلَاةَ إذَا
ذَكَرْتنِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَقِمْ حِينَ تَذْكُرُهَا
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- وَهَذَا أَبْيَنُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِهِ «مَنْ نَامَ
عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا» وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِذِكْرِي
غَيْرَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إذَا ذَكَرَهَا لَمَا صَحَّ
احْتِجَاجُهُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي
احْتَجَّ بِهِ وَقَدْ قُرِئَ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
وَوَجْهُ إضَافَةِ الذِّكْرِ إلَى الْبَارِئِ تَعَالَى
لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ لَهُ فَمَنْ ذَكَرَ
(1/29)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
أَنَّهُ قَالَ «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ
وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فَرَقَدَ
بِلَالٌ وَرَقَدُوا حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ
عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ
فَزِعُوا فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا
مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي وَقَالَ إنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ
شَيْطَانٌ فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ
الْوَادِي ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْزِلُوا وَأَنْ
يَتَوَضَّئُوا وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ
بِالصَّلَاةِ أَوْ يُقِيمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ ثُمَّ
انْصَرَفَ إلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ فَقَالَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا
وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا
فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا
ثُمَّ فَزِعَ إلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ
يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي
بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ
قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُهْدِئُهُ
كَمَا يُهْدَأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ ثُمَّ دَعَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِلَالًا فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَ
رَسُولُ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
الْعِبَادَةَ ذَكَرَ الْمَعْبُودَ وَبِاَللَّهِ
التَّوْفِيقُ.
(ش) : ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ حَدِيثَ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ
صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ مُتَقَارِبٌ
فِي أَكْثَرِ أَلْفَاظِهَا وَقَوْلُهُ «فَرَكِبُوا حَتَّى
خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي» لَيْسَ بِمُخَالِفٍ
لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ «فَاقْتَادُوا» إلَّا
أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ
عَلَى التَّخْيِيرِ فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ وَاقْتَادَ
بَعْضُهُمْ وَقَوْلُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا
وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ
الْأَذَانَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ وَقَوْلُهُ «وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ
أَوْ يُقِيمَ» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَلَيْسَ عَلَى
مَعْنَى التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ
النَّاسِ فِي نَفْيِ التَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ «إنَّ
اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا» فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا
عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهُمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَيْلَةً فَقَالَ أَلَا تُصَلِّيَانِ فَقُلْت يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ
يَبْعَثَهَا بَعَثَهَا فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْت ذَلِكَ
وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ سَمِعْته وَهُوَ
يُوَلِّي يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ وَكَانَ
الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» وَإِنَّمَا أَرَادَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنْ يَتَأَسَّفَ عَلَى مَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ وَيَشُقُّ
وَلَا يَخِفُّ عَلَيْهِ وَيَسْهُلُ فَوَاتُ مَا فَاتَهُ
مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْأَجْرَ الْجَزِيلَ يَحْصُلُ
لِلْمُتَأَسِّفِ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ الرُّوحَ فَقَالَ «إنَّ اللَّهَ قَبَضَ
أَرْوَاحَنَا» وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ النَّفْسَ.
وَقَالَ «أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك»
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّفْسُ وَالرُّوحُ
شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
وَالْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ السَّمْنَانِيُّ وَأَبُو
عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ
السُّنَّةِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ الْأَخْبَار
فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ
مَرَّةً بِاسْمِ النَّفْسِ وَمَرَّةً بِاسْمِ الرُّوحِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي
وَقْتِهَا» يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مِنْ تَمَامِ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَسَائِرِ
الْأَحْكَامِ وَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي وَقْتِهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ
إنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا» الْخَبَرَ إظْهَارٌ
لِنُبُوَّتِهِ وَإِنْبَاءٌ بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ غَيْبِهِ بِمَا يَنْفَرِدُ النَّاسُ
بِهِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ
إلَّا لِمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِلَالًا لِيُرِيَهُمْ تَحْقِيقَ مَا
أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِلَالٌ بِعِلْمِهِ
مِنْ حَالِ نَفْسِهِ فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ مَا
أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَقَوْلُهُ يُهْدِئُهُ مِنْ
أَهَدَأْت الصَّبِيَّ إذَا ضَرَبْت بِيَدِك
(1/30)
النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْهَاجِرَةِ
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ
فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا
بِالصَّلَاةِ وَقَالَ اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا
فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ
لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ
وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
عَلَيْهِ رُوَيْدًا لِيَنَامَ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ
«أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ» اسْتِدَامَةُ
الْإِيمَانِ وَإِظْهَارٌ لِمَا تَجَدَّدَ فِي نَفْسِهِ
مِنْ قُوَّتِهِ بِظُهُورِ الْآيَاتِ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْهَاجِرَةِ]
(ش) : الْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ فَأَخْبَرَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِجَهَنَّمَ فَيْحًا
وَأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْحِ وَأَمَرَ
بِالْإِبْرَادِ بِالصَّلَاةِ مِنْ عِنْدِ شِدَّةِ الْحَرِّ
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِعْلُهَا إلَى أَنْ
يَبْرُدَ وَقْتُهَا وَقَوْلُهُ «اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى
رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا»
يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
الْحَقِيقَةُ: وَهُوَ أَنْ يَخْلُقَ لَهَا حَيَاةً
وَكَلَامًا فَتَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ.
وَالثَّانِيَ: الْمَجَازُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
شَكَا إلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى
وَقَوْلُهُ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا يُرِيدُ بِذَلِكَ
كَثْرَةَ حَرِّهَا وَأَنَّهَا تَضِيقُ بِمَا فِيهَا وَلَا
تَجِدُ مَا تَأْكُلُهُ وَتَحْرُقُهُ حَتَّى يَعُودَ
بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ فَأَذِنَ لَهَا
بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ يُرِيدُ أَنَّهُ أَذِنَ
لَهَا أَنْ تَتَنَفَّسَ فَيَخْرُجَ عَنْهَا بَعْضُ مَا
تَضِيقُ بِهِ مِنْ أَنْفَاسِ حَرِّهَا وَزَمْهَرِيرِهَا
أَعَاذَنَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مِنْهَا وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ مِنْ مَعْنَى الْإِبْرَادِ مَسْأَلَةُ وَقْتِ
اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ أَنَّا حَدَّدْنَا
أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَبَيَّنَّا فَضِيلَةَ
أَوْقَاتِهَا بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهَا.
وَبَقِيَ عَلَيْنَا الْكَلَامُ فِي الْفَضَائِلِ الَّتِي
تَرِدُ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَتَكُونُ لَهَا
الْفَضِيلَةُ فِي نَوْعٍ مِنْ التَّأْخِيرِ
وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ أَقَاوِيلُ نَحْنُ نَذْكُرُ
مِنْهَا مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ثُمَّ نُخَلِّصُ
مَعَانِيَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ
الْقَاسِمِ رَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ
يُصَلِّيَ النَّاسُ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
وَالْفَيْءُ ذِرَاعًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوَّلُ الْوَقْتِ أَحَبُّ إلَيْنَا
فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا لِلْعَامَّةِ فِي ذَاتِ
أَنْفُسِهَا فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فِي الْمَسَاجِدِ
وَالْجَمَاعَاتِ فَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ
بِالنَّاسِ وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّيْفِ تَأْخِيرُ
الظُّهْرِ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ وَمَا بَعْدَهُ قَلِيلًا
لِأَنَّ النَّاسَ يَقِيلُونَ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا
فِي الشِّتَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ حِينَ تَمِيلُ
الشَّمْسُ عَنْ أُفُقِ الْمُوَاجِهِ لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّ
النَّاسَ لَا يَقِيلُونَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ كَرِهَ
تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ عَنْهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَكِنْ بَعْدَ مَا يَتَمَكَّنُ
وَيَذْهَبُ بَعْضُهُ فَمَعْنَى التَّأْخِيرِ الَّذِي
حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى
الْإِبْرَادِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ
اجْتِمَاعِ النَّاسِ فَحَصَلَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ
تَأْخِيرَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي
الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الْجَمَاعَاتِ دُونَ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي خَاصَّةِ
نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ
فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذْ هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ.
وَالتَّأْخِيرُ الثَّانِي: بِمَعْنَى الْإِبْرَادِ وَهُوَ
يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْحَرِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ
الْأَوْقَاتِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَالْفَذُّ
فَوَقْتُ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ إلَى أَنْ
يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَوَقْتُ التَّأْخِيرِ
لِأَجْلِ الْإِبْرَادِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَصِحُّ
أَنْ يَكُونَ إلَى نَحْوِ الذِّرَاعَيْنِ.
وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ
تَأْخِيرُ الصَّيْفِ الظُّهْرَ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ
إلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ
بِإِثْرِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَرِّ فَأَمَّا فِي
الْحَرِّ فَالْإِبْرَادُ بِهَا أَحَبُّ إلَيْنَا وَلَا
يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ
مِنْ الْإِبْرَادِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْأَمْرِ
بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ
مَنْدُوبٌ إلَى الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِكْمَالِ
لِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
أَفْعَالِهَا وَأَقْوَالِهَا وَشِدَّةُ الْحَرِّ تَمْنَعُ
مِنْ اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ
الْحَالِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْحَقْنِ
الَّذِي يَمْنَعُ الْخُشُوعَ وَإِتْمَامَ الْأَقْوَالِ
وَالْأَفْعَالِ وَكَمَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْعِشَاءِ
بِحَضْرَةِ الصَّلَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
1 -
(1/31)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا
اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ
شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) .
النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ (ص)
: (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا
بِرِيحِ الثُّومِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُبْرَدُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ
أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَزِيدَ
الْمُصَلِّي ذِرَاعًا عَلَى الْقَامَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي
الْحَرِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقْتُهَا وَاحِدٌ تُعَجَّلُ وَلَا
تُؤَخَّرُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُعَجَّلُ
بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَجْهُ مَا
قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ رُبَاعِيَّةٌ مِنْ
صَلَوَاتِ النَّهَارِ فَثَبَتَ فِيهَا الْإِبْرَادُ
وَانْتِظَارُ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ وَوَجْهُ قَوْلِ
ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْعَصْرَ يَكُونُ فِي وَقْتٍ يَخِفُّ
الْحَرُّ وَيَطْرَأُ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ مُتَأَهِّبُونَ
لِلصَّلَاةِ وَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمَهَا
كَالْمَغْرِبِ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَا خِلَافَ فِي
اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِهَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي
جَوَازِ تَأْخِيرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ
عَنْ مَالِكٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ مَغِيبِ
الشَّفَقِ قَلِيلًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَخَّرُ فِي الشِّتَاءِ قَلِيلًا
لِطُولِ اللَّيْلِ وَيُؤَخَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي
رَمَضَانَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي إفْطَارِهِمْ
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ
الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَفْضَلُ
وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لَمَعَانٍ تُوجِبُ
ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.
(ش) : أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِالْإِبْرَادِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ
شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَذَكَرَ أَنَّ
لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي
الصَّيْفِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي
شِدَّةِ الْبَرْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ
التَّأْخِيرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو
خَلْدَةَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ
بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ
بِالصَّلَاةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا
رِفْقَ بِتَأْخِيرِهَا بَلْ الرِّفْقُ فِي تَقْدِيمِهَا
لِأَنَّ بِتَأْخِيرِهَا يَزِيدُ الْمَانِعُ مِنْ
إتْمَامِهَا بِتَزَايُدِ الْبَرْدِ كَمَا تَمَكَّنَ
الْعَشِيُّ وَقَرُبَ اللَّيْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ]
(ش) : قَوْلُهُ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» لَا
يَقْتَضِي إبَاحَةً وَلَا حَظْرًا فَقَدْ يَرِدُ مِثْلُ
هَذَا اللَّفْظِ فِي الْحَظْرِ كَقَوْلِهِ مَنْ غَشَّنَا
فَلَيْسَ مِنَّا وَيَرِدُ مِثْلُهُ فِي الْإِبَاحَةِ
كَقَوْلِهِ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ
آمِنٌ» وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَرْطٌ يَتَنَوَّعُ مَعْنَاهُ
بِتَنَوُّعِ جَوَابِهِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَقْرُبْ
مَسَاجِدَنَا مَنْعٌ لِمَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ
مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إذَايَةِ
النَّاسِ بِرَائِحَتِهَا وَلِمَا يَجِبُ مِنْ تَنْزِيهِ
الْمَسَاجِدِ عَنْ كَرِيهِ الرَّائِحَةِ وَقَدْ بَيَّنَ
ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ
«يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» .
وَرُوِيَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَسَاجِدَنَا عَلَى
الْعُمُومِ وَرُوِيَ مَسْجِدَنَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَلَا
تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ
مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بِرِوَايَةِ مَنْ أَفْرَدَ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ
دُخُولِ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ بِرِوَايَةِ مَنْ عَمَّ
وَلَيْسَ يَتَنَاوَلُ نَهْيُهُ هَذَا دُخُولَ الْمَسَاجِدِ
وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ دُخُولَهَا بِرَائِحَةِ الثُّومِ
وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى
بِهِ فَيُقَالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْهُ «مَنْ أَكَلَ
الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَالثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ
مَسْجِدَنَا» فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا
يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْنَعُ دُخُولُهُ
بِرَائِحَةِ الثُّومِ.
وَالثَّانِيَةُ: بَيَانُ مَا يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَهُ
دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا اجْتِمَاعُ
النَّاسِ عَلَى ضَرْبَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا اُتُّخِذَ
لِلْعِبَادَاتِ كَالْجَامِعِ وَالْمَسْجِدِ فَهَذِهِ
يُكْرَهُ دُخُولُهَا بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَقَدْ نَصَّ
أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَعِنْدِي أَنَّ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ
كَذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَبْسُوطِ الَّذِي يَأْكُلُ
الثُّومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَجِبُ
عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ
فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي رِحَابِهِ.
(فَرْعٌ) وَهَلْ
(1/32)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ إذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ
وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا
شَدِيدًا حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
يَدْخُلُهَا مَنْ أَكَلَ الثُّومَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا
أَحَدٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى
مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ» .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاضِعِ مَا اُتُّخِذَ
لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ كَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ
قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا سَمِعْت
بِكَرَاهِيَةٍ فِي دُخُولِ الْأَسْوَاقِ مِمَّنْ أَكَلَ
الثُّومَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَوَاضِعَ
الْمُتَّخَذَةَ لِلْعِبَادَةِ لَهَا حُرْمَةٌ يَجِبُ أَنْ
يُتَنَزَّهَ بِهَا عَنْ كَرِيهِ الأرايح بِخِلَافِ
الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ لَا
حُرْمَةَ لَهَا فَلَوْ مُنِعَ دُخُولُ الْأَسْوَاقِ
بِرَائِحَةِ الثُّومِ لَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَكْلِهِ
جُمْلَةً لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ
الْمَوَاضِعِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الرَّوَائِحُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ الثُّومِ
كَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ فَقَدْ قَالَ
مَالِكٌ فِي الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ هُنَا مِثْلَ
الثُّومِ وَقَالَ إنْ كَانَ الْفُجْلُ يُؤْذِي وَيَظْهَرُ
فَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَكَلَهُ الْمَسْجِدَ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي
الْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ مَنْعًا وَمَا أُحِبُّ أَنْ
يُؤْذِيَ النَّاسَ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسُئِلَ
عَنْ الْكُرَّاثِ فَقَالَ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ كُلُّ مَا
يُؤْذِي النَّاسَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ الْخُضَرِ
الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَةِ فِي ذَلِكَ كَالثُّومِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَكَلَ
الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَالثُّومَ فَلَا يَقْرَبْ
مَسَاجِدَنَا فَإِنَّ «الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا
يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى
أَنَّ هَذِهِ رَائِحَةٌ يَتَأَذَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ
بِهَا فَأَشْبَهَتْ رَائِحَةَ الثُّومِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ النَّاسَ فِي
ذَلِكَ لَمُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ مَنْ لَا تُوجَدُ لَهُ
رَائِحَةٌ إنْ أَكَلَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ لَهُ
الرَّائِحَةُ إذَا أَكَلَهُ فَإِنْ أَكَلَهُ أَحَدٌ
وَأَتَى الْمَسْجِدَ أُخْرِجَ مِنْهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ إنَّكُمْ
أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ مَا
أَرَاهُمَا إلَّا خَبِيثَتَيْنِ لَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا
وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ
إلَى الْبَقِيعِ» ، مَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا
نُضْجًا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَيْسَ أَكْلُ ذَلِكَ بِحَرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ وَقَعَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ
جِيَاعٌ فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا ثُمَّ
رُحْنَا إلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّيحَ فَقَالَ
مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْخَبِيثَةَ فَلَا
يَغْشَنَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّاسُ حُرِّمَتْ
حُرِّمَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
لَيْسَ فِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَكِنَّهَا
شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» وَهَذَا فِيمَنْ أَكَلَ
ذَلِكَ نِيئًا فَأَمَّا مَنْ أَكَلَهُ بَعْدَ الْإِنْضَاجِ
بِالنَّارِ فَلَا مَنْعَ فِيهِ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلْيُتِمَّهَا
نُضْجًا وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ وَمِنْ جِهَةِ
الْمَعْنَى أَنَّ رَائِحَتَهُ تَذْهَبُ بِالْإِنْضَاجِ
فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الطَّعَامِ.
(ش) : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي
الْمَجْمُوعَةِ لَا يَلْتَثِمُ الْمُصَلِّي وَلَا يُغَطِّي
فَاهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْخُشُوعَ مَشْرُوعٌ فِي
الصَّلَاةِ وَاللِّثَامُ يُنَافِي الْخُشُوعَ لِأَنَّ
مَعْنَاهُ الْكِبْرُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَطُوفُ رَجُلٌ
مُلَثَّمًا وَلَا امْرَأَةٌ مُتَنَقِّبَةً قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو بَكْرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ الرَّجُلُ
وَالْمَرْأَةُ فِي الطَّوَافِ إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُمَا
أَنْ يَفْعَلَاهُ فِي الصَّلَاةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ فَمَه
وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَى
ابْنُ شَعْبَانَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْخِلَافَ فِي
تَغْطِيَةِ الذَّقَنِ عَنْ مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ مِنْ
اللِّثَامِ وَتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَالْفَمِ قَالَ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَوَجْهُ
الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الرِّوَايَةَ إذَا مَنَعَتْ
تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ لَمْ تَمْنَعْ تَغْطِيَةَ الذَّقَنِ
كَالْإِحْرَامِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ
تَغْطِيَةٌ لِبَعْضِ الْوَجْهِ كَاللِّثَامِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مُتَنَقِّبَةً رَوَاهُ ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا
مُتَلَثِّمَةً فَإِنْ فَعَلَتْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ
الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُعِيدُ وَوَجْهُهُ مَا
قَدَّمْنَاهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالتَّقَنُّعُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ
مَكْرُوهٌ لِلرَّجُلِ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ
لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ
(1/33)
الْعَمَلُ فِي الْوُضُوءِ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ عَمْرِو
بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ
عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ
عَاصِمٍ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ
فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ
وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا
ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إلَى
الْمَرْفِقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ
فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ
رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ
رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ
مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ
يَتَقَنَّعَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ وَأَمَّا لِغَيْرِ
ذَلِكَ فَلَا وَكَانَ أَبُو النَّضْرِ يَلْزَمُهُ لِحَرٍّ
يَجِدُهُ قَالَ وَرَأَتْ سُكَيْنَةُ أَوْ فَاطِمَةُ بِنْتُ
الْحُسَيْنِ بَعْضَ وَلَدِهَا مُقَنِّعًا رَأْسَهُ
فَقَالَتْ اكْشِفْ رَأْسَك فَإِنَّ الْقِنَاعَ رِيبَةٌ
بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ وَقَالَ مَالِكٌ
أَكْرَهُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَمَا عَلِمْته حَرَامًا
وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ خِيَارِ النَّاسِ. |