المنتقى شرح الموطإ

[المنتقى]
[كِتَابُ الرَّضَاعِ] [رَضَاعُ الصَّغِيرِ]
(ش) : قَوْلُهَا لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ مَعَ مُشَاهَدَةِ مَا أَبَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دُخُولِ عَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعِ عَلَيْهَا مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْحُكْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْإِنْسَانِ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ مَعْنًى يُعْتَبَرُ يَقْتَرِنُ بِكَوْنِهِ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ عَلِمَتْ عُمُومَ الْحُكْمِ وَاخْتِصَاصَهُ بِمَعْنَى الرَّضَاعِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إنَّ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا فَأَبَتْ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ حَتَّى تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ حَدِيثُ عَمْرَةَ هُوَ الْأَوَّلَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَمُّ الَّذِي سَأَلَتْ عَنْهُ وَأَخْبَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا دَخَلَ عَلَيْهَا أَوْكَدُ سَبَبًا مِنْ هَذَا الْعَمِّ الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ أَخًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ لِأَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَيَكُونَ الثَّانِي الَّذِي جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا أَخًا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَتَوَقَّعَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْعَمِّ الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونَ هَذَا الْعَمُّ أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيهِ وَزَوْجُهَا حَيٌّ وَالْعَمُّ الثَّانِي أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ فَتَوَقَّعَتْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْأَوَّلِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ هُمَا عَمَّانِ أَحَدُهُمَا أَخُو أَبِيهَا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالْعَمُّ الثَّانِي الَّذِي فِي حَدِيثِ هِشَامٍ هُوَ أَخُو أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بِمَعْنَى أَنَّ أَبَاهَا أَرْضَعَ امْرَأَةً بِلَبَنِ ذَلِكَ الْفَحْلِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ هِيَ امْرَأَةُ أَخِي الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عُرْوَةَ هُوَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهَا أَيْضًا إنَّمَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَمُّ حَفْصَةَ عَلَيْهَا لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الرُّتْبَةُ مِنْ الْعُمُومَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ عَمًّا لِحَفْصَةَ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ أَخًا لِأَبِيهَا عَمًّا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا رَأَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ سَأَلَتْهُ عَنْ عَمٍّ كَانَ لَهَا فِي مِثْلِ دَرَجَتِهِ وَقَعَدِهِ فَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَدَخَلَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضِعْنِي الرَّجُلُ عَلَى مَعْنَى التَّثَبُّتِ وَابَدَاءِ كُلِّ شُبْهَةٍ فِي النَّفْسِ يَعْرِضُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمَتْهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا

(4/149)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ لَمَّا كَانَ التَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقًا بِالرَّضَاعِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك تَحَقَّقَتْ أَنَّ مَا اعْتَرَضَ فِي نَفْسِهَا مِنْ الشُّبْهَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ يَتَعَلَّقُ بِجَنْبَةِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِجَنْبَةِ الْمُرْضِعَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ تُرِيدُ أَنَّ إبَاحَةَ دُخُولِ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَلَيْهَا كَانَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ الْحِجَابُ وَمُنِعَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ إلَّا ذُو مَحْرَمٍ، وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَلَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَجَانِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِسَبَبِ الرَّضَاعَةِ فَكَمَا أَنَّ الْوِلَادَةَ تُحَرِّمُ الْأَعْمَامَ وَالْإِخْوَةَ وَالْأَجْدَادَ فَكَذَلِكَ سَبَبُ الرَّضَاعِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ اللَّبَنُ بِالْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ كَاللَّبَنِ يُوجَدُ بِالْبِكْرِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ وِلَادَةٍ وَلَكِنْ يُحْمَلُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ سَبَبِهِ أَوْ خُصُوصِهِ، وَقَدْ وُجِدَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ بِغَيْرِ أَبٍ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِجَنْبَةِ الْأَبِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ بِجَنْبَةِ الْأُمِّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْفَحْلِ تَأْثِيرًا فِي اللَّبَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّأْثِيرَ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ وِلَادَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَاءُ يَعْمَلُ اللَّبَنَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَهِيَ تُرْضِعُ وَإِذَا كَانَ لِلْوَطْءِ تَأْثِيرٌ فِي اللَّبَنِ وَإِدْرَارٌ لَهُ دُونَ وِلَادَةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي التَّحْرِيمِ تَأْثِيرٌ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْهُ وِلَادَةٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ رَجُلٍ فَأَرْضَعَتْ الْمَوْلُودَ وَفَطَمَتْهُ، ثُمَّ أَرْضَعَتْ بَعْدَ الْفِصَالِ بِذَلِكَ اللَّبَنِ طِفْلًا آخَرَ لَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَبًا لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ اللَّبَنِ مِنْ وَطْئِهِ فَجَمِيعُهُ مُضَافٌ إلَيْهِ حَتَّى يَقْطَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَطْءٌ لِغَيْرِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْضَعَتْ طِفْلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ اللَّبَنُ لَهُمَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لَبَنُ الْأَوَّلِ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْشُرَ الْحُرْمَةَ فِي جَنْبَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْوَطْءُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ عَنْ وَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ فَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ كَمَا لَوْ حَدَثَ عَنْ وَطْءٍ حَلَالٍ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ كُلُّ وَطْءٍ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْفَحْلِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ يَحْرُمَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ حُرْمَةٌ حِينَ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ وَطْءُ زِنًى فَلَمْ تَتَعَدَّ حُرْمَتُهُ إلَى جَنْبَةِ الْأَبِ كَحُرْمَةِ النَّسَبِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ مَا يُدَرُّ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ لَبَنًا، فَإِنْ كَانَ مَاءً أَصْفَرَ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَحْرُمُ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ مُخْتَصٌّ بِاللَّبَنِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ دُونَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ بِغَيْرِ وَطْءٍ كَالْبِكْرِ يَمُصُّ ثَدْيَهَا الصَّبِيُّ فَتُدِرُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِهَا دُونَ سَبَبِ أَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ فِي الرَّضَاعِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْن الرَّضَاعِ بِلَبَنِ فَحْلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَسَوَاءٌ كَانَ لَبَنَ حَيَّةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَبَنٌ مُؤَثِّرٌ فِي التَّحْرِيمِ وَوَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ فِي الْحَوْلَيْنِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الِاغْتِذَاءِ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْشُرَ الْحُرْمَةَ كَلَبَنِ الْحَيَّةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا دَرَّ الرَّجُلُ عَلَى الطِّفْلِ فَأَرْضَعَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]

(4/150)


(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْته بِاَلَّذِي صَنَعْت فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ فَقَالَ لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَادَ رَضَاعُ النِّسَاءِ، وَهَذَا إنْ وَجَدْنَا فَنَادِرٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ فَأَشْبَهَ مَصَّ دَمِهِ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْته بِاَلَّذِي صَنَعْت فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ» ) .
(ش) : قَوْلُهَا إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَاسْمُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَائِلُ بْنُ أَفْلَحَ وَهُوَ عَمُّ عَائِشَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَقَوْلُهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ كَانَ أَبَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْتَسِبُ أَفْلَحُ إلَى أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُسِبَ إلَيْهِ لِشُهْرَتِهِ بِالْكُنْيَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ أَفْلَحُ بْنُ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ وَائِلِ بْنِ أَفْلَحَ، وَلَوْ كَانَ أَفْلَحُ أَخَا أَبِي بَكْرٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَنَسَبَتْهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا قَصَدَتْ إلَى أَنْ تُبَيِّنَ وَجْهَ عُمُومَتِهِ وَتَعَلُّقَ التَّحْرِيمِ الثَّابِتِ لَهُ بِالرَّضَاعَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَى مَرَّتَيْنِ تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْتِسَابِ الَّذِي ذَكَرَتْهُ مِنْ كَوْنِهِ عَمًّا لَهَا.

(ش) : قَوْلُهُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ مَصَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا تَوَالَى فِيهَا الرَّضَاعُ وَاتَّصَلَ، وَلَوْ فَطَمَتْهُ أُمُّهُ فَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ امْرَأَةٌ فِي الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ الرَّضَاعُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ يُحَرِّمُ إلَى انْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةٌ لِنِهَايَةِ الرَّضَاعِ وَإِكْمَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَعَلَّقَ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِطَامٌ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مَنْ يُرِيدُ إتْمَامَ الرَّضَاعَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لِلْحَوْلَيْنِ اخْتِصَاصًا بِالرَّضَاعِ فَإِذَا وُجِدَ فِيهَا مَاءٌ حَرُمَ كَمَا لَوْ اتَّصَلَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا فَصَلَ بَيْنَ الرَّضَاعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِطَامٌ كَامِلٌ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الرَّضَاعِ بِمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ فَأَمَّا فِطَامُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ الثَّانِيَ مِمَّا يُغَذِّيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ بَعْدُ عَنْ التَّغَذِّي قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : مَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ لِأَبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي دَرَّ اللَّبَنَ عَنْ وَطْئِهِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ اللِّقَاحُ وَاحِدٌ فَنَصَّ عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ وَلَمْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِالْحَوْلَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَرْجِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا يَنْقُصُ مِنْ الشُّهُورِ إذْ لَا يَتَّفِقُ أَنْ تَكُونَ الشُّهُورُ كَامِلَةً، وَقَدْ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] ، وَرَوَى إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الشُّهُورِ وَنُقْصَانِهَا، وَنَحْوُهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] .
فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ

(4/151)


(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضِعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ لِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ فَفَعَلَتْ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
الْحَوْلَيْنِ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فَدَلَّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا لَيْسَ بِمُدَّةِ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تَمَّتْ قَبْلَهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى تَدْرِيجٍ فَكَانَ مَا قَارَبَهُمَا وَتَمَّمَ حُكْمَهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فَكَمْ قَدْرُ ذَلِكَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالثَّلَاثَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ بَعْدَهُمَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ فُطِمَ قَبْلَهَا أَوْ لَمْ يُفْطَمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَ حَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُمَا تَمَامُ الرَّضَاعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لَهُمَا الْمُدَّةُ الْيَسِيرَةُ الَّتِي يَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا حُكْمُ الْفِطَامِ دُونَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي لَهَا حُكْمُ نَفْسِهَا فَلَا يَحْتَاجُ الْحَوْلَانِ إلَيْهَا فِي تَمَامِ حُكْمِهَا.

(ش) : قَوْلُهُ أَرْسَلَتْنِي إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ خَالَةً لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَيَحْرُمُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ بِهَذَا فَيُجْعَلَ الْمُرْضِعَةُ وَالِدَةً فَكُلُّ مَنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهَا لَوْ وَلَدَتْهُ يَجِبُ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ إذَا أَرْضَعَتْهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضْتُ يُرْوَى مَرِضْتُ بِإِضَافَةِ الْمَرَضِ إلَى سَالِمٍ وَيُرْوَى مَرِضَتْ بِإِضَافَةِ الْمَرَضِ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَرَضَ سَالِمٍ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ مَنَعَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مَكَانُهُ وَيَتَعَذَّرَ تَكْرَارُهُ عَلَيْهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَلَمْ أَدْخُلْ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ رَوَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ وَلَعَلَّ مَا اعْتَقَدَتْهُ مِنْ النَّسْخِ لَمْ يَظْهَرْ إلَيْهَا إلَّا مَا أَمَرَتْ بِهِ فِي قِصَّةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ تُتِمَّ الْخَمْسَ رَضَعَاتٍ النَّاسِخَةَ عِنْدَهَا فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ تُحَرِّمُ الْقَطْرَةُ الْوَاحِدَةُ إذَا وَصَلَتْ الْجَوْفَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَرَوَى عَنْ عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ، وَرُوِيَ عَنْهَا نَسَخَتْهَا خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رَضْعَةٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» فَمَعْنَاهُ عِنْدَ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَصَّةَ وَالْمَصَّتَانِ لَا تُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا اجْتِذَابُ شَيْءٍ مِنْ اللَّبَنِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْوِلَادَةُ وَالطُّهْرُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا أَوْ بَنَاتُ أَخِيهَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا) .
(ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا ظَاهِرُهُ خِلَافٌ لِمَا رَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الْوَهْمِ فِيمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهَا فَلَمْ تَكُنْ لِتُخَالِفَ مَا سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَأْوِيلٌ صَرَفَتْ بِهِ مَا سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ

(4/152)


(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُتْبَةَ، ثُمَّ سَأَلْت عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا يُحَرِّمُ وَالرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ تُحَرِّمُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إذَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ قَالَ فَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) .

مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمئِذٍ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
عُمُومِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا أَوْ بَنَاتُ أَخِيهَا فَأَيُّ وَجْهٍ وُجِدَ الرَّضَاعُ مِنْهُنَّ وَمِنْ أَيِّ زَوْجٍ كَانَ أَثْبَتَ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ فِي الدُّخُولِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا نِسَاءُ إخْوَتِهَا فَمَنْ أَرْضَعْنَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهُنَّ إخْوَتُهَا لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُتْبَةَ، ثُمَّ سَأَلْت عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ) .
(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَلَ ذَلِكَ مِنْ وُجُورٍ أَوْ لُدُودٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَأْكُولًا فِي طَعَامٍ أَوْ مَشْرُوبًا فِي شَرَابٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي، وَأَمَّا السَّعُوطُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَصَلَ السَّعُوطُ إلَى جَوْفِ الصَّبِيِّ حَرَّمَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُحَرِّمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَمَّا الْحُقْنَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِيهِ غِذَاءُ الصَّبِيِّ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُحَرِّمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَبْعُدُ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ مُزِجَ اللَّبَنُ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ فَتَنَاوَلَهُ صَبِيٌّ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهِ نَشَرَ الْحُرْمَةَ وَإِنْ غَابَتْ عَيْنُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ يُحَرِّمُ إذَا كَانَ الطَّعَامُ أَوْ الشَّرَابُ الْغَالِبَ، وَرَوَى عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَالَ يُحَرِّمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مُسْتَهْلَكًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اسْتِهْلَاكَهُ يُبْطِلُ حُكْمَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ اخْتِلَاطَ اللَّبَنِ بِغَيْرِهِ لَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُسْتَهْلَكْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغِذَاءَ يَحْصُلُ بِهِ لِلطِّفْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ.

(ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا يُحَرِّمُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ مِنْ أَنَّ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةٌ لِلرَّضَاعَةِ دُونَ مَا يُزَادُ عَلَيْهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبُو الْفَرْجِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَسَحْنُونٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحَوْلَيْنِ وَمَا فِي حُكْمِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ حُكْمُهُمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا.

(4/153)


الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] رُدَّ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ إلَى أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا» فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ لَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ لَا وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ وَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا فَقَالَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
[مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ]
(ش) : جَوَابُ ابْنِ شِهَابٍ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْخِلَافِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَجُّحِهِ فِي الْأَمْرِ وَتَوَقِّيهِ فِيهِ وَقَوْلُهَا وَأَنَا فَضْلٌ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لَا إزَارَ تَحْتَهُ وَقِيلَ عَنْ الْخَلِيلِ يُقَالُ رَجُلٌ مُتَفَضِّلٌ وَفَضْلٌ وَهُوَ الْمُتَوَشِّحُ بِثَوْبٍ عَلَى عَاتِقَيْهِ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَيُقَالُ امْرَأَةٌ فَضْلٌ وَثَوْبٌ فَضْلٌ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَبَعْضُ جَسَدِهَا مُتَكَشِّفٌ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ أُخِذَ بِهِ فِي الْحِجَابَةِ خَاصَّةً لَمْ أَعِبْهُ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا قَالَ وَمَا عَلِمْت مَنْ أَخَذَ بِهِ عَامًّا إلَّا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
وَقَدْ رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إنَّمَا هَذَا أَخِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُنْظُرِي مَنْ إخْوَتِك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» ، وَهَذَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ وَلَعَلَّهَا حَمَلَتْهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَمِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ إنْ كَانَ أَخُوهَا ذَلِكَ أَخَا رَضَاعَةٍ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَأْمُرُ بِإِرْضَاعِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا أُخْتَهَا وَبَنَاتِ أَخِيهَا وَلَا تَسْتَبِيحُ ذَلِكَ بِإِرْضَاعِ نِسَاءِ إخْوَتِهَا وَتَرَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ يَخْتَصُّ بِالصَّغِيرِ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ تَقُولُ بِهِ وَتَرَى التَّأْوِيلَ مَا تَأَوَّلَتْهُ وَتَأْخُذُ فِي فِعْلِهَا بِالْأَحْزَمِ وَمَا عُيِّنَ لَنَا أَحَدٌ دَخَلَ عَلَيْهَا بِرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَسْرُوقٌ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي قِصَّتِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَبِسَهْلَةِ بِنْتِ سُهَيْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ خَاصٌّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ نَفْيٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّضَاعَةِ فِي وَقْتٍ لَا يَقَعُ بِهِ الِاغْتِذَاءُ عَلَى عُمُومِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهُ بِحَدِيثِ سَالِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ وَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا فَقَالَتْ دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فَقَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إنِّي مَصَصْت عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) .

(4/154)


دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فَقَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إنِّي مَصَصْت عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) .

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسْدِيَةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْت أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ» قَالَ مَالِكٌ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ هُوَ أَبُو عَبْسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ سَأَلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ يَرْوِي حَدِيثًا وَعَمِلَ بِهِ اقْتَضَى عَمَلُهُ بِهِ الْأَخْذَ بِهِ وَتَصْدِيقَ رُوَاتِهِ وَتَقْلِيدَ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَوْ مُوَافَقَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ نَظَرٍ وَعِلْمٍ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُمَرَ لِلَّذِي أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ جَارِيَتَهُ أَوْجِعْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَذَاهَا لِمَا قَصَدَتْهُ مِنْ تَحْرِيمِ جَارِيَتِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا إيجَاعُ نَفْسِهَا بِاسْتِدَامَةِ وَطْءِ جَارِيَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ أَبِي مُوسَى لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ حُكْمِ مَا مُصَّ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَتِهِ مِنْ اللَّبَنِ مَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك لَعَلَّهُ مِمَّنْ رَأَى فِي ذَلِكَ أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَهُوَ مَذْهَبٌ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ رُجُوعِ أَبِي مُوسَى عَنْهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَإِبْدَاءِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «الرَّضَاعَةَ مِنْ الْمَجَاعَةِ» أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ مُصِيبًا، وَلَوْ اعْتَقَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ مُخَالِفَهُ مُصِيبٌ لَمَا سَاغَ لَهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ أَبِي مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رُجُوعٌ إلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْحَقِّ وَانْقِيَادٌ لِفَضْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِلْمِهِ وَتَقَدُّمِهِ وَقَصْرِ النَّاسِ عَلَى سُؤَالِهِ لِمَا اعْتَقَدَ مِنْ تَفَوُّقِهِ فِي الْعِلْمِ عَلَيْهِ.

[جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ]
(ش) : قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا وَقَعَ عِنْدِي فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ جُدَامَةَ بِالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَقَالَ لِي أَبُو ذَرٍّ حِينَ سَمَاعِي مِنْهُ مُوَطَّأَ أَبِي مُصْعَبٍ مِنْهُ: رِوَايَةُ جُذَامَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَكِنَّ رِوَايَتِي جُدَامَةُ بِالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَالِاسْمُ الْغَيْلُ، وَقَدْ أَغَالَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ إذَا فَعَلَ

(4/155)


(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ الْمُغِيلَةُ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ تُوطَأُ وَأَهْلُ الطِّبِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ دَاءٌ وَيُقَالُ قَدْ أُغِيلَتْ الْمَرْأَةُ إذَا سَقَتْهُ غَيْلًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ إنَّمَا حَقِيقَةُ الْغِيلَةِ الْوَطْءُ مَعَ الْإِنْزَالِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ أَنْزَلَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا يُغَيِّرُ اللَّبَنَ وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّ أَصْلَ الْغِيلَةِ هَاهُنَا الضَّرَرُ يُقَالُ خِفْت غَائِلَةَ كَذَا أَيْ خِفْت ضَرَرَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُغِيلُ اللَّبَنَ بِمَعْنَى يُكْثِرُهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ بِالتَّكْثِيرِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِالتَّغْيِيرِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْغِيلَةَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْضِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ دُونَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ هَمَّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ لَمَّا خَافَ مِنْ فَسَادِ أَجْسَادِ أُمَّتِهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِمْ مِنْ أَجَلِهَا حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ ضَرَرًا عَامًّا، وَإِنَّمَا يَضُرُّ فِي النَّادِرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ رِفْقًا بِالنَّاسِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَمْتَنِعُ مِنْ وَطْئِهَا مُدَّةً فَتَلْحَقُهُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ وَهَذِهِ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ فَكَانَتْ مُرَاعَاتُهَا أَرْفَقَ بِأُمَّتِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تَلْحَقُ إلَّا الْيَسِيرَ مِنْ الْأَطْفَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَرَبُ تَتَّقِي وَطْءَ الْمُرْضِعِ أَنْ يَعُودَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْوَلَدِ صَرِيحٌ فِي جِسْمٍ أَوْ عِلَّةٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا آجَرَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا فِي الرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَإِنَّ لِوَالِدِ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ أَوْ يَكْثُرُ ضَرَرُ الصَّبِيِّ بِهِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فَيُمْنَعُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ) .
(ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا أَخْبَرَتْ عَنْ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ لَا يَثْبُتُ قُرْآنًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ، وَهَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الدَّاخِلَةِ فِي جُمْلَةِ الْغَرَائِبِ فَلَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ قُرْآنٌ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِمِثْلِهِ قُرْآنٌ فَمِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى فِيهِ أَنَّهُ قُرْآنٌ وَتَضَمَّنَ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثُبُوتُهُ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ الْخَبَرِ قُرْآنًا، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ وَلَا يَدُلُّ أَنَّ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُحَرِّمْنَ إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّا لَا نَقُولُ بِهِ، وَلَوْ كُنَّا نَقُولُ بِهِ لَخَصَّصْنَاهُ وَعَدَلْنَا عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّتِنَا.
(فَصْلٌ) :
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا: ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُرِيدُ نُسِخَ اسْمُهَا وَتِلَاوَتُهَا دُونَ حُكْمِهَا بِأَنْ تُلِيَ مَكَانَ الْعَشْرِ الرَّضَعَاتِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ التِّلَاوَةِ فَقَالَتْ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مِمَّا يُقْرَأُ وَلَمْ تَقُلْ وَهِيَ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُحَرَّمُ بِمَا دُونَهُ وَلَا تُحْتَاجُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ يُرِيدُ لَيْسَ تَأْوِيلُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُعْمَلُ

(4/156)


(ص) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الْبُيُوعِ) (مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ) (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ» قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ أُعْطِيك دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنِّي إنْ أَخَذْت السِّلْعَةَ أَوْ رَكِبْت مَا تَكَارَيْتُ مِنْك فَاَلَّذِي أُعْطِيك هُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَإِنْ تَرَكْت ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَيْتُك لَك بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المنتقى]
بِأَقْوَالِهِمْ وَيُعْتَمَدُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِيهَا عَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ يُسْرِعْ النَّاسُ إلَى تَأْوِيلِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْههَا فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ يَفْهَمُ وَجْهَ التَّأْوِيلِ وَإِنْ كُرِّرَ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَتَعَقَّبُ بِالتَّأْوِيلِ وَالنَّظَرِ وَلَا سِيَّمَا فِي وَقْتِنَا مَنْ يَضْعُفُ فَهْمُهُ عَنْ تَحَقُّقِ الظَّوَاهِرِ فَاسْتَغْنَى عَنْ فَهْمِهِمْ بِقَوْلِهِ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.