سبل السلام [سبل السلام]
[كِتَابُ الزَّكَاةِ]
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ
عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ
أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ) كَانَ بَعْثُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ إلَى
الْيَمَنِ سَنَةَ عَشْرٍ قَبْلَ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَقِيلَ: كَانَ
آخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ عِنْدَ مُنْصَرَفَةِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقِيلَ:
سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ وَبَقِيَ فِيهِ إلَى
خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ
وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى
الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إنَّك تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ
كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ
عِبَادَةَ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ
خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا
فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ
عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ
أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا
أَطَاعُوك فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ
النَّاسِ» وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: تُؤْخَذُ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى
قَبْضَ الزَّكَاةِ وَصَرْفَهَا إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ
بِنَائِبِهِ فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهَا أُخِذَتْ مِنْهُ
قَهْرًا وَقَدْ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِبَعْثِهِ
السُّعَاةَ.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: تُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ
أَنَّهُ يَكْفِي إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ
وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَصَّ الْفُقَرَاءَ
لِكَوْنِهِمْ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ فَلَا دَلِيلَ عَلَى
مَا ذُكِرَ وَلَعَلَّهُ أُرِيدَ بِالْفَقِيرِ مَنْ يَحِلُّ
إلَيْهِ الصَّرْفُ فَيَدْخُلُ الْمِسْكِينُ عِنْدَ مَنْ
يَقُولُ: إنَّ الْمِسْكِينَ أَعْلَى حَالًا مِنْ
الْفَقِيرِ وَمَنْ قَالَ بِالْعَكْسِ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ.
(1/512)
فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ
يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي
سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا
زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا
ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ
فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ
الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً
وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ
رَبُّهَا، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا
يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا
كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ
بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُخْرَجُ فِي
الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ
إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ، وَفِي الرِّقَةِ: فِي
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ رُبُعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا
أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ
الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ
جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ،
وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ،
أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ
صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ،
وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ
الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ
دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[كِتَاب أَبِي بكر إلَى أَنْسَ فِي الزَّكَاة]
(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ لَهُ) لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى
الْبَحْرَيْنِ عَامِلًا (هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ)
أَيْ نُسْخَةُ الصَّدَقَةِ حَذَفَ الْمُضَافَ لِلْعِلْمِ
بِهِ وَفِيهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الصَّدَقَةِ عَلَى
الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ
أَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ تَصْدِيرَ الْكِتَابِ هَذَا
بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (الَّتِي
فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّ الْحَدِيثَ مَرْفُوعٌ وَالْمُرَادُ بِفَرْضِهَا
قَدْرُهَا؛؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَابِتٌ بِنَصِّ
الْقُرْآنِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: (وَاَلَّتِي
أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ) أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى
أَمَرَهُ بِتَقْدِيرِ أَنْوَاعِهَا وَأَجْنَاسِهَا
وَالْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهَا كَمَا بَيَّنَهُ
التَّفْصِيلُ بِقَوْلِهِ: «فِي كُلِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ» وَهُوَ
مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ فِي كُلِّ
أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ إلَى فَمَا دُونَهَا «فِي كُلِّ
خَمْسٍ شَاةٌ» فِيهَا تَعْيِينُ إخْرَاجِ الْغَنَمِ فِي
مِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَلَوْ
أَخْرَجَ بَعِيرًا لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ:
يُجْزِيهِ قَالُوا: لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ مِنْ
جِنْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ رِفْقًا
بِالْمَالِكِ فَإِذَا رَجَعَ بِاخْتِيَارِهِ إلَى
الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الَّذِي
يُخْرِجُهُ دُونَ قِيمَةِ الْأَرْبَعِ الشِّيَاهِ فَفِيهِ
خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ
الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا
يُجْزِئَ «فَإِذَا بَلَغَتْ أَيْ الْإِبِلُ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ
مَخَاضٍ أُنْثَى» زَادَهُ تَأْكِيدًا وَإِلَّا فَقَدْ
عُلِمَتْ
(1/513)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَالْمَخَاضُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ
آخِرُهُ مُعْجَمَةٌ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ
السَّنَةَ الْأُولَى وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ إلَى
آخِرِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛
لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ الْمَخَاضِ أَيْ الْحَوَامِلِ لَا
وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
وَالْمَخَاضُ الْحَامِلُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُ حَمْلِهَا
وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ وَضَمِيرُ فِيهَا لِلْإِبِلِ الَّتِي
بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا
بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ حِينِ تَبْلُغُ عِدَّتُهَا خَمْسًا
وَعِشْرِينَ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى خَمْسٍ
وَثَلَاثِينَ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَجِبُ فِي
الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ لِحَدِيثٍ
مَرْفُوعٍ وَرَدَ بِذَلِكَ وَحَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَنْ
عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَكِنَّ الْمَرْفُوعَ
ضَعِيفٌ وَالْمَوْقُوفُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِذَا لَمْ
يَقُلْ بِهِ الْجُمْهُورُ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ
تُوجَدْ (فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ) هُوَ مِنْ الْإِبِلِ مَا
اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ وَدَخَلَ فِي
الثَّالِثَةِ إلَى تَمَامِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ
أُمَّهُ ذَاتُ لَبَنٍ وَيُقَالُ: بِنْتُ اللَّبُونِ
لِلْأُنْثَى وَإِنَّمَا زَادَ قَوْلُهُ: " ذَكَرٌ " مَعَ
قَوْلِهِ: ابْنُ لَبُونٍ، لِلتَّأْكِيدِ كَمَا عَرَفْت
«فَإِذَا بَلَغَتْ أَيْ الْإِبِلُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ
إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ
أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى
سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ» بِكَسْرِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ
مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَ فِي
الرَّابِعَةِ إلَى تَمَامِهَا وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ: حِقٌّ
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يُحْمَلَ
عَلَيْهَا وَيَرْكَبَهَا الْفَحْلُ وَلِذَلِكَ قَالَ:
(طَرُوقُ الْجَمَلِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ
مَطْرُوقَتُهُ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ
وَالْمُرَادُ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ وَإِنْ
لَمْ يَطْرُقْهَا (فَإِذَا بَلَغَتْ) الْإِبِلُ وَاحِدَةً
وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ
بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ
الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي
الْخَامِسَةِ «فَإِذَا بَلَغَتْ أَيْ الْإِبِلُ سِتًّا
وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ»
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ «فَإِذَا بَلَغَتْ أَيْ الْإِبِلُ
إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا
حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ» تَقَدَّمَ بَيَانُهُ
(فَإِذَا زَادَتْ) أَيْ الْإِبِلُ (عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ) أَيْ وَاحِدَةٍ فَصَاعِدًا كَمَا هُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ لَهُ كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - " فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ
وَمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى
تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً " وَمُقْتَضَاهُ
أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ زَكَاتَهُ
بِالْإِبِلِ وَإِذَا كَانَتْ بِالْإِبِلِ فَلَا تَجِبُ
زَكَاتُهَا إلَّا إذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ
فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ
فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ
لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ رَجَعَتْ إلَى فَرِيضَةِ الْغَنَمِ فَيَكُونُ
فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ
لَبُونٍ وَشَاةٌ (قُلْت) : وَالْحَدِيثُ إنَّمَا ذُكِرَ
فِيهِ حُكْمُ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَخَمْسِينَ فَمَعَ
بُلُوغِهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَلْزَمُ ثَلَاثُ
بَنَاتِ لَبُونٍ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ
وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ الْحُكْمَ فِي الْخَمْسِ
وَالْعِشْرِينَ وَنَحْوِهَا فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا
(1/514)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَقَصٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «فَفِي كُلِّ
أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ
فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا»
أَيْ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا نَفْلًا مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا
وَاجِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ذُكِرَ
لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَيْسَ فِيهَا
صَدَقَةٌ إنَّ الْمَنْفِيَّ مُطْلَقُ الصَّدَقَةِ
لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
مَقْصُودٍ فَهَذِهِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةُ
فُصِّلَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجَلِيلِ وَظَاهِرُهُ
وُجُوبُ أَعْيَانِ مَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّهُ سَيَأْتِي
قَرِيبًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْعَيْنَ الْوَاجِبَةَ
أَجْزَأَهُ غَيْرُهَا. وَأَمَّا زَكَاةُ الْغَنَمِ فَقَدْ
بَيَّنَهَا قَوْلُهُ: «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي
سَائِمَتِهَا» بَدَلٌ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ بِإِعَادَةِ
الْعَامِلِ وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالسَّائِمَةُ مِنْ
الْغَنَمِ الرَّاعِيَةُ غَيْرُ الْمَعْلُوفَةِ. وَاعْلَمْ
أَنَّهُ أَفَادَ مَفْهُومُ السَّوْمِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي
وُجُوبِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ: لَا يُشْتَرَطُ وَقَالَ
دَاوُد: يُشْتَرَطُ فِي الْغَنَمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ
قُلْنَا: وَفِي الْإِبِلِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ
بِلَفْظِ «فِي كُلِّ سَائِمَةٍ إبِلٌ»
وَسَيَأْتِي نَعَمْ الْبَقَرُ لَمْ يَأْتِ فِيهَا ذِكْرُ
السَّوْمِ وَإِنَّمَا قَاسُوهَا عَلَى الْإِبِلِ
وَالْغَنَمِ (وَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةِ شَاةٍ) بِالْجَرِّ تَمْيِيزُ مِائَةٍ وَالشَّاةُ
تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالضَّأْنَ وَالْمَعْزَ
(شَاةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ
فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فَإِنَّ فِي الْأَرْبَعِينَ شَاةً
إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى
عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ،
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ
فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى
ثَلَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) ظَاهِرُهُ
أَنَّهَا لَا تَجِبُ الشَّاةُ الرَّابِعَةُ حَتَّى تَفِيَ
أَرْبَعُمِائَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي
رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ إذَا
زَادَتْ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَاحِدَةٌ وَجَبَتْ
الْأَرْبَعُ «فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ
نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً
فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ» وَاجِبَةٌ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ
رَبُّهَا) إخْرَاجَ صَدَقَةٍ نَفْلًا كَمَا سَلَفَ (وَلَا
يُجْمَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ
وَلَا يُفَرَّقُ) مِثْلُهُ مُشَدَّدُ الرَّاءِ (بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) مَفْعُولٌ لَهُ
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مَثَلًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ
شَاةً وَقَدْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
الصَّدَقَةُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمَا الْمُصَّدِّقُ
جَمَعُوهَا لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ
فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَصُورَةُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ؛ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا
ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ الْمُصَّدِّقُ
فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا سِوَى شَاةٍ وَاحِدَةٍ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هَذَا الَّذِي سَمِعْته فِي
ذَلِكَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ
الْخِطَابُ فِي هَذَا لِلْمُصَّدِّقِ وَلِرَبِّ الْمَالِ
قَالَ: وَالْخَشْيَةُ خَشْيَتَانِ: خَشْيَةُ السَّاعِي
أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ
يَقِلَّ مَالُهُ فَأُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ
لَا يُحْدِثَ فِي الْمَالِ شَيْئًا مِنْ الْجَمْعِ
وَالتَّفْرِيقِ
(1/515)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ
فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا» وَالتَّرَاجُعُ
بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَحَدِهِمَا
مَثَلًا أَرْبَعُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ ثَلَاثُونَ
بَقَرَةً وَمَالُهُمَا مُشْتَرَكٌ فَيَأْخُذُ السَّاعِي
عَنْ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَعَنْ الثَّلَاثِينَ
تَبِيعًا فَيَرْجِعُ بَاذِلُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ
أَسْبَاعِهَا عَلَى خَلِيطِهِ وَبَاذِلُ التَّبِيعِ
بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ عَلَى خَلِيطِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْ السِّنِينَ وَاجِبٌ عَلَى الشُّيُوعِ كَأَنَّ
الْمَالَ مِلْكُ وَاحِدٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: (بِالسَّوِيَّةِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
السَّاعِيَ إذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا فَأَخَذَ مِنْهُ
زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا
عَلَى شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا
يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَذَا فِي
الشَّرْحِ وَلَوْ قِيلَ مَثَلًا: إنَّهُ يَدُلُّ
أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْحَقِّ وَالظُّلْمِ لِمَا
بَعْدَ الْحَدِيثِ عَنْ إفَادَةِ ذَلِكَ (وَلَا يُخْرَجُ)
مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ فِي الصَّدَقَةِ (هَرِمَةٌ)
بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْكَبِيرَةُ الَّتِي
سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ
الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ
مَعِيبَةُ الْعَيْنِ وَبِالضَّمِّ عَوْرَاءُ الْعَيْنِ
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضُ، وَالْأَوْلَى أَنْ
تَكُونَ مَفْتُوحَةً لِتَشْمَلَ ذَاتَ الْعَيْبِ
فَيَدْخُلَ مَا أَفَادَهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «وَلَا
يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلَا الدَّرِنَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ
وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ
أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ
وَلَا أَمَرَكُمْ بِشَرِّهِ» انْتَهَى.
وَالدَّرَنَةُ الْجَرْبَاءُ مِنْ الدَّرَنِ الْوَسَخِ
وَالشَّرَطُ اللَّئِيمَةُ هِيَ أَرْذَلُ الْمَالِ وَقِيلَ:
صِغَارُهُ وَشِرَارُهُ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلَا
تَيْسٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ) اُخْتُلِفَ فِي
ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ
وَأَصْلُهُ الْمُتَصَدِّقُ أُدْغِمَتْ التَّاءُ بَعْدَ
قَلْبِهَا صَادًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالِكُ
وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْآخَرِ وَهُوَ التَّيْسُ
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلْإِنْزَاءِ
فَهُوَ مِنْ الْخِيَارِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ
وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ إلَى الْجَمِيعِ، وَيُفِيدُ أَنَّ
لِلْمَالِكِ إخْرَاجَ الْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعَوَارِ إذَا
كَانَتْ سَمِينَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ الْوَسَطِ
الْوَاجِبِ وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ
الْمُفَرِّعِينَ، وَقِيلَ: إنَّ ضَبْطَهُ بِالتَّخْفِيفِ
وَالْمُرَادُ بِهِ السَّاعِي فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ
الِاجْتِهَادَ فِي نَظَرِ الْأَصْلَحِ لِلْفُقَرَاءِ
وَأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَتُقَيَّدُ مَشِيئَتُهُ
بِالْمَصْلَحَةِ فَيَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى
الْجَمِيعِ عَلَى هَذَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ
مُخْتَلِفَةً فَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً كُلَّهَا أَوْ
تُيُوسًا أَجْزَأَهُ إخْرَاجُ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ
الْمَالِكِيَّةِ يَشْتَرِي شَاةً مُجْزِئَةً عَمَلًا
بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ زَكَاةُ الْغَنَمِ
وَتَقَدَّمَتْ زَكَاةُ الْإِبِلِ وَتَأْتِي زَكَاةُ
الْبَقَرِ.
وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَقَدْ أَفَادَ الْوَاجِبُ مِنْهَا
قَوْلُهُ (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ
الْقَافِ وَهِيَ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ فِي مِائَتَيْ
دِرْهَمٍ (رُبُعُ الْعُشْرِ) أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُ رُبُعُ
عُشْرِهَا زَكَاةً وَيَأْتِي النَّصُّ عَلَى الذَّهَبِ
(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْفِضَّةُ (إلَّا تِسْعِينَ)
دِرْهَمًا (وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ
يَشَاءَ رَبُّهَا) كَمَا عَرَفْت وَفِي قَوْلِهِ تِسْعِينَ
وَمِائَةً مَا يُوهِمُ أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى
التِّسْعِينَ
(1/516)
(562) - «وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ،
فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً
تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ
مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ
مَعَافِرِيًّا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاللَّفْظُ؛
لِأَحْمَدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَشَارَ إلَى
اخْتِلَافٍ فِي وَصْلِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَالْمِائَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الْمِائَتَيْنِ: أَنَّ فِيهَا
صَدَقَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ؛
لِأَنَّهُ آخِرُ عَقْدٍ قَبْلَ الْمِائَةِ وَالْحِسَابُ
إذَا جَاوَزَ الْآحَادَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْعُقُودِ
كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينَ وَالْأُلُوفِ فَذَكَرَ
التِّسْعِينَ لِذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمًا مِنْ
أَحْكَامِ زَكَاةِ الْإِبِلِ قَدْ أَشَرْنَا إلَى أَنَّهُ
يَأْتِي بِقَوْلِهِ (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ
الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ) وَقَدْ عَرَفْت فِي
صَدْرِ الْحَدِيثِ الْعِدَّةَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا
الْجَذَعَةُ (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ) أَيْ فِي مِلْكِهِ
(وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ) عِوَضًا
مِنْ الْجَذَعَةِ (وَيَجْعَلُ مَعَهَا) أَيْ تَوْفِيَةً
لَهَا (شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ
دِرْهَمًا) إذَا لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الشَّاتَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ
جَبْرُ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ
(وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ) الَّتِي
عَرَفْت قَدْرَهَا (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ
وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ
الْجَذَعَةُ) وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى مَا
يَلْزَمُهُ فَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ
(وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ) مُقَابِلَ مَا زَادَ عِنْدَهُ
(شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) كَمَا سَلَفَ فِي
عَكْسِهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ التَّفَاوُتِ فِي سَائِرِ
الْأَسْنَانِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ
التَّفَاوُتَ بَيْنَ كُلِّ سِنَّيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي
الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ
الْوَاجِبَ هُوَ زِيَادَةُ فَضْلِ الْقِيمَةِ مِنْ رَبِّ
الْمَالِ أَوْ رَدُّ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَّدِّقِ
وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى التَّقْوِيمِ قَالُوا
بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ عَشَرَةُ
دَرَاهِمَ أَوْ شَاةٌ وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ
التَّقْوِيمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى التَّقْوِيمِ.
وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ
أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَابِ أَخْذِ
الْعُرُوضِ مِنْ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ
مُعَاذٍ؛ لِأَهْلِ الْيَمَنِ " ائْتُونِي بِعَرْضِ
ثِيَابِكُمْ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ
الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ؛
لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ " وَيَأْتِي اسْتِيفَاءُ
ذَلِكَ.
(1/517)
(563) - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
مِيَاهِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلِأَبِي دَاوُد أَيْضًا: «لَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ
إلَّا فِي دُورِهِمْ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[زَكَاة الْإِبِل ومقاديرها وَأَسْنَانهَا]
«وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ
كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً» فِيهِ
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَالتَّبِيعُ ذُو
الْحَوْلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَمِنْ كُلِّ
أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً) وَهِيَ ذَاتُ حَوْلَيْنِ (وَمِنْ
كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا) . أَيْ مُحْتَلِمٍ. وَقَدْ
أَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد وَالْمُرَادُ
بِهِ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ (أَوْ عَدْلَهُ)
بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ (مَعَافِرِيًّا) نِسْبَةً إلَى مَعَافِرَ
زِنَةَ مَسَاجِدَ حَيٌّ فِي الْيَمَنِ إلَيْهِمْ تُنْسَبُ
الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ يُقَالُ: ثَوْبٌ
مَعَافِرِيٌّ (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَاللَّفْظُ؛
لِأَحْمَدَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَشَارَ إلَى
اخْتِلَافٍ فِي وَصْلِهِ) لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ
إخْرَاجِهِ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ " أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ
مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ "
قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ أَيْ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ) وَإِنَّمَا رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ
الرِّوَايَةَ الْمُرْسَلَةَ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ
الِاتِّصَالِ اُعْتُرِضَتْ بِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ
مُعَاذًا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَسْرُوقًا
هَمْدَانِيُّ النَّسَبِ مِنْ وَادِعَةَ يَمَانِيُّ
الدَّارِ وَقَدْ كَانَ فِي أَيَّامِ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ
فَاللِّقَاءُ مُمْكِنٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَحْكُومٌ
بِاتِّصَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ (قُلْت) :
وَكَانَ رَأْيُ التِّرْمِذِيِّ رَأْيَ الْبُخَارِيِّ
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ اللِّقَاءِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي
الْبَقَرِ وَأَنَّ نِصَابَهَا مَا ذُكِرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
السُّنَّةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ وَأَنَّهُ النِّصَابُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ
الثَّلَاثِينَ شَيْءٌ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلزُّهْرِيِّ
فَقَالَ: يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ قِيَاسًا عَلَى
الْإِبِلِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النِّصَابَ لَا يَثْبُتُ
بِالْقِيَاسِ وَبِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ «لَيْسَ فِيمَا
دُونَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ» وَهُوَ وَإِنْ
كَانَ مَجْهُولَ الْإِسْنَادِ فَمَفْهُومُ مُعَاذٍ
يُؤَيِّدُهُ.
[تُؤْخَذ صَدَقَات الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ مِيَاههمْ]
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «تُؤْخَذُ
(1/518)
(564) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ
فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ
صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِيَاهِهِمْ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ. وَلِأَبِي دَاوُد) مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ أَيْضًا «لَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إلَّا فِي
دُورِهِمْ» وَعِنْدَ النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد فِي
لَفْظٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو أَيْضًا «لَا جَلَبَ وَلَا
جَنَبَ وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إلَّا فِي دُورِهِمْ»
أَيْ لَا تُجْلَبُ الْمَاشِيَةُ إلَى الْمُصَّدِّقِ بَلْ
هُوَ الَّذِي يَأْتِي إلَى رَبِّ الْمَالِ وَمَعْنَى لَا
جَنَبَ أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ الْمُصَّدِّقُ بِأَقْصَى
مَوَاضِعِ أَصْحَابِ الصَّدَقَةِ فَتُجْنَبُ إلَيْهِ
فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَفِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ يُخْرِجُهُ
عَنْ هَذَا الْبَابِ.
وَالْأَحَادِيثُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُصَّدِّقَ هُوَ
الَّذِي يَأْتِي إلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَأْخُذُ
الصَّدَقَةَ وَلَفْظُ أَحْمَدَ خَاصٌّ بِزَكَاةِ
الْمَاشِيَةِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد عَامٌّ لِكُلِّ
صَدَقَةٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ
مَرْفُوعًا «سَيَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبْغَضُونَ فَإِذَا
أَتَوْكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ فَإِنْ عَدَلُوا
فَلِأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا
وَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ»
فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ بِأَهْلِ
الْأَمْوَالِ وَأَنَّهُمْ يُرْضُونَهُمْ وَإِنْ
ظَلَمُوهُمْ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ:
«أَتَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إذَا أَدَّيْت الزَّكَاةَ إلَى رَسُولِك فَقَدْ
بَرِئْت مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: نَعَمْ
وَلَك أَجْرُهَا وَإِنَّمَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا» .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «أَرْضُوا
مُصَّدِّقَكُمْ فِي جَوَابِ نَاسٍ مِنْ الْأَعْرَابِ
أَتَوْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالُوا: إنَّ نَاسًا مِنْ الْمُصَّدِّقِينَ
يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا» إلَّا أَنَّ فِي
الْبُخَارِيِّ أَنَّ «مَنْ سُئِلَ أَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ
عَلَيْهِ فَلَا يُعْطِيه الْمُصَّدِّقَ» .
وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ
ذَلِكَ حَيْثُ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوَاجِبِ
مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ حَيْثُ
طَلَبَهَا مُتَأَوِّلًا وَإِنْ رَآهُ صَاحِبُ الْمَالِ
ظَالِمًا.
[زَكَاة الْعَبِيد]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى
الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ
أَبِي هُرَيْرَةَ «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إلَّا
صَدَقَةُ الْفِطْرِ»
الْحَدِيثُ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي
الْعَبِيدِ وَلَا الْخَيْلِ وَهُوَ إجْمَاعٌ فِيمَا كَانَ
لِلْخِدْمَةِ وَالرُّكُوبِ وَأَمَّا الْخَيْلُ
الْمُعَدَّةُ لِلنِّتَاجِ فَفِيهَا خِلَافٌ
لِلْحَنَفِيَّةِ وَتَفَاصِيلُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ «فِي
(1/519)
(565) - وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إبِلٍ: فِي أَرْبَعِينَ
بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا،
مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهَا،
وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ،
عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ
مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَعَلَّقَ
الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى ثُبُوتِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ»
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَضَعَّفَاهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ النَّفْيِ
الصَّحِيحَ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فِي زَمَنِ
مَرْوَانَ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ فَرَوَى
أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي
عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَقَالَ مَرْوَانُ
لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ
أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: مَا تَقُولُ يَا
أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَرَادَ بِهِ
الْفَرَسَ الْغَازِيَ فَأَمَّا تَاجِرٌ يَطْلُبُ نَسْلَهَا
فَفِيهَا الصَّدَقَةُ فَقَالَ: كَمْ قَالَ: فِي كُلِّ
فَرَسٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ " وَقَالَتْ
الظَّاهِرِيَّةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْخَيْلِ
وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ زَكَاةَ
التِّجَارَةِ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ (قُلْت) : كَيْفَ الْإِجْمَاعُ وَهَذَا
خِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ.
[أَخَذَ الْإِمَام الزَّكَاة قَهْرًا وَمُعَاقَبَة
الْمَانِع]
(وَعَنْ بَهْزٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
وَسُكُونِ الْهَاءِ وَبِالزَّايِ ابْنِ حَكِيمِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنُ حَيْدَةَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ
الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ الْقُشَيْرِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ، وَبَهْزٌ تَابِعِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِي
الِاحْتِجَاجِ بِهِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: فِي
هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مِنْ
دُونِ بَهْزٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ شَيْخٌ
يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ:
مَا تَرَكَهُ عَالِمٌ قَطُّ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ)
وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ صَحَابِيٌّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«فِي كُلِّ سَائِمَةِ إبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ
لَبُونٍ» تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ بِنْتَ
اللَّبُونِ تَجِبُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ
وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي
الْأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ
هُنَا مُطْرَحٌ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا؛ لِأَنَّهُ
عَارَضَهُ الْمَنْطُوقُ الصَّرِيحُ وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ
(لَا تُفَرَّقُ إبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا) مَعْنَاهُ أَنَّ
الْمَالِكَ
(1/520)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لَا يُفَرَّقُ مِلْكُهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ حَيْثُ
كَانَا خَلِيطَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (مَنْ أَعْطَاهَا
مُؤْتَجِرًا بِهَا) أَيْ قَاصِدًا لِلْأَجْرِ
بِإِعْطَائِهَا (فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا
فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً) يَجُوزُ
رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ
وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ وَهُوَ مَصْدَرٌ
مُؤَكِّدٌ لِنَفْسِهِ، مِثْلُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ
دِرْهَمٍ اعْتِرَافًا وَالنَّاصِبُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ
عَلَيْهِ جُمْلَةُ فَإِنَّا آخِذُوهَا وَالْعَزْمَةُ
الْجِدُّ فِي الْأَمْرِ يَعْنِي أَنَّ أَخْذَ ذَلِكَ
بِجِدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ «مِنْ
عَزَمَاتِ رَبِّنَا لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا
شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ
بِهِ عَلَى ثُبُوتِهِ) فَإِنْ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا
يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَلَوْ ثَبَتَ
لَقُلْنَا بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ - يَعْنِي
بَهْزًا - يُخْطِئُ كَثِيرًا وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ
لَأَدْخَلْته فِي الثِّقَاتِ وَهُوَ مَنْ أَسْتَخِيرُ
اللَّهَ فِيهِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ الْإِمَامُ
الزَّكَاةَ قَهْرًا مِمَّنْ مَنَعَهَا وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ
كَافِيَةٌ وَأَنَّهَا تُجْزِئُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ
فَاتَهُ الْأَجْرُ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ
وَقَوْلُهُ: وَشَطْرَ مَالِهِ هُوَ عَطْفٌ عَلَى
الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي آخِذُوهَا وَالْمُرَادُ مِنْ
الشَّطْرِ الْبَعْضُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ
بِأَخْذِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ عَلَى مَنْعِهِ إخْرَاجَ
الزَّكَاةِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَلَمْ
يُقَدِّمْ مُدَّعِي النَّسْخِ دَلِيلًا عَلَى النَّسْخِ
بَلْ دَلَّ عَلَى عَدَمِهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ ذَكَرَهَا
فِي الشَّرْحِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي
حَدِيثِ بَهْزٍ عَلَى جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ؛
لِأَنَّ الرِّوَايَةَ " وَشُطِرَ مَالُهُ " بِضَمِّ
الشِّينِ فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ جُعِلَ
مَالُهُ شَطْرَيْنِ وَيَتَخَيَّرُ عَلَيْهِ الْمُصَّدِّقُ
وَيَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ خَيْرِ الشَّطْرَيْنِ
عُقُوبَةً لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ - (قُلْت) : وَفِي
النِّهَايَةِ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْحَرْبِيُّ: غَلِطَ
الرَّاوِي فِي لَفْظِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هِيَ وَشُطِرَ
مَالُهُ أَيْ يُجْعَلُ مَالُهُ شَطْرَيْنِ إلَى آخِرِ مَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَى مِثْلِهِ جَنَحَ صَاحِبُ
ضَوْءِ النَّهَارِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ رَسَائِلِهِ
وَذَكَرْنَا فِي حَوَاشِيهِ أَنَّهُ عَلَى هَذِهِ
الرِّوَايَةِ أَيْضًا دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الْعُقُوبَةِ
بِالْمَالِ إذْ الْأَخْذُ مِنْ خَيْرِ الشَّطْرَيْنِ
عُقُوبَةً بِأَخْذِ زِيَادَةٍ عَلَى الْوَاجِبِ، إذْ
الْوَاجِبُ الْوَسَطُ غَيْرُ الْخِيَارِ ثُمَّ رَأَيْت
الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي
حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى
كَلَامِهِ ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيَّ بَعْدَ مُدَّةٍ
طَوِيلَةٍ ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ بِعَيْنِهِ رَدًّا عَلَى
مَنْ قَالَ: إنَّهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا دَلِيلَ
فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ، وَلَفْظُهُ:
إذَا تَخَيَّرَ الْمُصَّدِّقُ وَأَخَذَ مِنْ خَيْرِ
الشَّطْرَيْنِ فَقَدْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ
وَهِيَ عُقُوبَةٌ بِالْمَالِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ بَهْزٍ
هَذَا لَوْ صَحَّ فَلَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى هَذِهِ
الْعُقُوبَةِ بِخُصُوصِهَا فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ لَا
غَيْرُ، وَهَذَا الشَّطْرُ الْمَأْخُوذُ يَكُونُ زَكَاةً
كُلَّهُ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُهَا أَخْذًا وَمَصْرِفًا
وَلَا يَلْحَقُ بِالزَّكَاةِ غَيْرُهَا فِي ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ
(1/521)
(566) - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا
دِرْهَمٍ - وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ - فَفِيهَا
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ حَتَّى
يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا
الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ
فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى
يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،
وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
إلْحَاقٌ بِالْقِيَاسِ وَلَا نَصَّ عَلَى عِلَّتِهِ
وَغَيْرُ النَّصِّ مِنْ أَدِلَّةِ الْعِلَّةِ لَا يُفِيدُ
ظَنًّا يُعْمَلُ بِهِ سِيَّمَا وَقَدْ تَقَرَّرَتْ
حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ
كَحُرْمَةِ دَمِهِ فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ
إلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَلَا دَلِيلَ بَلْ هَذَا
الْوَارِدُ فِي حَدِيثِ بَهْزٍ آحَادِيٌّ لَا يُفِيدُ
إلَّا الظَّنَّ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ بِهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى
الْقَطْعِيِّ.
وَلَقَدْ اسْتَرْسَلَ أَهْلُ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ
الْأَعْصَارِ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ فِي الْعُقُوبَةِ
اسْتِرْسَالًا يُنْكِرُهُ الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ وَصَارَتْ
تُنَاطُ الْوِلَايَاتُ بِجُهَّالٍ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ
الشَّرْعِ شَيْئًا وَلَا مِنْ الدِّينِ أَمْرًا فَلَيْسَ
هَمُّهُمْ إلَّا قَبْضُ الْمَالِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَهُمْ
عَلَيْهِ وِلَايَةٌ يُسَمُّونَهُ أَدَبًا وَتَأْدِيبًا
وَيَصْرِفُونَهُ فِي حَاجَاتِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ
وَكَسْبِ الْأَطْيَانِ وَعِمَارَةِ الْمَسَاكِنِ
وَالْأَوْطَانِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ
رَاجِعُونَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُضَيِّعُ حَدَّ السَّرِقَةِ أَوْ شُرْبَ
الْمُسْكِرِ وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ مَالًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيُقِيمُ الْحَدَّ
وَيَقْبِضُ الْمَالَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ ضَرُورَةً
دِينِيَّةً لَكِنَّهُ شَابَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ وَشَبَّ
عَلَيْهِ الصَّغِيرُ وَتَرَكَ الْعُلَمَاءُ النَّكِيرَ
فَزَادَ الشَّرُّ فِي الْأَمْرِ الْخَطِيرِ وَقَوْلُهُ: "
لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ " يَأْتِي الْكَلَامُ فِي
هَذَا الْحُكْمِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[نصاب الزَّكَاة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة]
(وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا
الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ رُبُعُ عُشْرِهَا
وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ أَيْ فِي الذَّهَبِ حَتَّى
يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا
الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ
فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى
يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ
حَسَنٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ) أَخْرَجَ
الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ
الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ إلَّا قَوْلَهُ: " فَمَا زَادَ
فَبِحِسَابِ ذَلِكَ " قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ
يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ أَوْ يَرْفَعُهُ إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَإِلَّا قَوْلَهُ: " لَيْسَ فِي الْمَالِ زَكَاةٌ إلَى
آخِرِهِ " انْتَهَى فَأَفَادَ كَلَامُ أَبِي دَاوُد أَنَّ
فِي رَفْعِهِ بِجُمْلَتِهِ اخْتِلَافًا وَنَبَّهَ
الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ
وَبَيَّنَ عِلَّتَهُ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ
الدَّارَقُطْنِيُّ الْجُمْلَةَ
(1/522)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ
«لَا زَكَاةَ فِي مَالِ امْرِئٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا
«لَيْسَ فِي الْمَالِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ» وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهَا.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ
مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهُوَ إجْمَاعٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ
فِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا كَثِيرًا
سَرَدَهُ فِي الشَّرْحِ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يَشْفِي
وَتَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ فِي قَدْرِهِ وَفِي شَرْحِ
الدَّمِيرِيِّ أَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ
وَكُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ
وَالْمِثْقَالُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا
إسْلَامٍ قَالَ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا
وَقُرِّرَ فِي الْمَنَارِ بَعْدَ بَحْثٍ طَوِيلٍ أَنَّ
نِصَابَ الْفِضَّةِ مِنْ الْقُرُوشِ الْمَوْجُودَةِ عَلَى
رَأْيِ الْهَادَوِيَّةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِرْشًا، وَعَلَى
رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَعَلَى رَأْيِ
الْحَنَفِيَّةِ عِشْرُونَ وَتَزِيدُ قَلِيلًا وَأَنَّ
نِصَابَ الذَّهَبِ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ
أَحْمَرَ وَعِشْرُونَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ:
وَهَذَا تَقْرِيبٌ.
وَفِيهِ أَنَّ قَدْرَ زَكَاةِ الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ
رُبُعُ الْعُشْرِ وَهُوَ إجْمَاعٌ وَقَوْلُهُ: " فَمَا
زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ " قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي
رَفْعِهِ خِلَافًا وَعَلَى ثُبُوتِهِ فَيَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ يَجِبُ فِي الزَّائِدِ، وَقَالَ بِذَلِكَ
جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا
قَالَا: مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ مِنْ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ فَفِيهِ أَيْ الزَّائِدِ رُبُعُ الْعُشْرِ
فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَأَنَّهُ لَا وَقَصَ فِيهِمَا
وَلَعَلَّهُمْ يَحْمِلُونَ حَدِيثَ جَابِرٍ الْآتِي
بِلَفْظِ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ
صَدَقَةٌ» عَلَى مَا إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ نِصَابٍ
مِنْهُمَا لَا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى نِصَابٍ
مِنْهُمَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
وَأَمَّا الْحُبُوبُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ: إنَّهُمْ أَجْمَعُوا فِيمَا زَادَ عَلَى
خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّهَا تَجِبُ زَكَاتُهُ لِحِسَابِهِ
وَأَنَّهُ لَا أَوْقَاصَ فِيهَا انْتَهَى.
وَحَمَلُوا مَا يَأْتِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
بِلَفْظِ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ
تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» عَلَى مَا لَمْ يَنْضَمَّ
إلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا أَوْثَقُ وَهَذَا يُقَوِّي
مَذْهَبَ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي النَّقْدَيْنِ
وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَك
عِشْرُونَ دِينَارًا) فِيهِ حُكْمُ نِصَابِ الذَّهَبِ
وَقَدْرُ زَكَاتِهِ وَأَنَّهُ عِشْرُونَ دِينَارًا
وَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ وَهُوَ أَيْضًا رُبُعُ عُشْرِهَا
وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ مَضْرُوبَيْنِ
أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ: «وَلَا يَحِلُّ بِالْوَرِقِ
زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقٍ» وَأَخْرَجَ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِيمَا
دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» وَأَمَّا
الذَّهَبُ فَفِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ
عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَرِقِ
صَدَقَةً فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ فِي الذَّهَبِ
صَدَقَةً إمَّا بِخَبَرٍ لَمْ يَبْلُغْنَا وَإِمَّا
قِيَاسًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَثْبُتْ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْآحَادِ
الثِّقَاتِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (قُلْت) :
لَكِنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ} [التوبة: 34] الْآيَةَ مُنَبِّهٌ عَلَى أَنَّ فِي
الذَّهَبِ حَقًّا لِلَّهِ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
(1/523)
(567) - وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَنْ اسْتَفَادَ
مَالًا، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ. وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ
(568) - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ
أَيْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا
يُؤَدِّي حَقَّهُمَا إلَّا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ وَأُحْمِيَ عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ
فَحَقُّهَا هُوَ زَكَاتُهَا وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ
أَحَادِيثَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا سَرَدَهَا فِي
الدُّرِّ الْمَنْثُورِ.
وَلَا بُدَّ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ أَنْ
يَكُونَا خَالِصَيْنِ مِنْ الْغِشِّ وَفِي شَرْحِ
الدَّمِيرِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ إذَا كَانَ
الْغِشُّ يُمَاثِلُ أُجْرَةَ الضَّرْبِ وَالتَّخْلِيصِ
فَيُتَسَامَحُ بِهِ وَبِهِ عَمِلَ النَّاسُ عَلَى
الْإِخْرَاجِ مِنْهَا.
وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي
الْمَالِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ قَوْلُ
الْجَمَاهِيرِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِجَمَاعَةٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبَعْضِ الْآلِ وَدَاوُد
فَقَالُوا: إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ لِإِطْلَاقِ
حَدِيثِ «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا عَضَّدَهُ
مِنْ الشَّوَاهِدِ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ أَيْضًا.
[لَا زَكَاة فِي مَال حتي يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل]
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ اسْتَفَادَ
مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ» . رَوَاهُ مَرْفُوعًا (وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ)
إلَّا أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ إذْ لَا مُسَرِّحَ
لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَتُؤَيِّدُهُ آثَارٌ صَحِيحَةٌ عَنْ
الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا حَالَ
عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَيَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ
بِإِخْرَاجِهِمَا فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ
وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
مَرْفُوعًا «مَا خَالَطَتْ الصَّدَقَةُ مَالًا قَطُّ إلَّا
أَهْلَكَتْهُ» وَأَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَزَادَ
«يَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْك فِي مَالِك صَدَقَةٌ فَلَا
تُخْرِجُهَا فَيُهْلِكُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» قَالَ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: قَدْ احْتَجَّ بِهِ
مَنْ يَرْوِي تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ.
(وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَيْسَ
فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ) قَالَ
الْمُصَنِّفُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ
النُّفَيْلِيُّ عَنْ زُهَيْرٍ بِالشَّكِّ فِي وَقْفِهِ
وَرَفْعِهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ
«لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ
بِلَفْظِ
(1/524)
(569) - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَلِيَ
يَتِيمًا لَهُ مَالٌ، فَلْيَتَّجِرْ لَهُ وَلَا يَتْرُكْهُ
حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَهُ
شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْكِتَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَسَبَهُ
لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَفِيهِ مَتْرُوكٌ وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إلَّا
أَنَّهُ بِلَفْظِ «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْمُثِيرَةِ
صَدَقَةٌ» وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادَهُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي
الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ شَيْءٌ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ
كَانَتْ سَائِمَةً أَوْ مَعْلُوفَةً وَقَدْ ثَبَتَتْ
شَرْطِيَّةُ السَّوْمِ فِي الْغَنَمِ فِي الْبُخَارِيِّ
وَفِي الْإِبِلِ فِي حَدِيثِ بَهْزٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأُلْحِقَتْ
الْبَقَرُ بِهِمَا.
[الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِيّ]
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَلِيَ
يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ وَلَا يَتْرُكْهُ
حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ) ؛ لِأَنَّ
فِيهِ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ وَفِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ وَالْمُثَنَّى ضَعِيفٌ وَرِوَايَةُ
الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهَا مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ ضَعِيفٌ
وَالْعَزْرَمِيُّ مَتْرُوكٌ وَلَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ:
(وَلَهُ) : أَيْ لِحَدِيثِ عَمْرٍو (شَاهِدٌ مُرْسَلٌ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ
الْأَيْتَامِ لَا تَأْكُلُهُ الزَّكَاةُ» أَخْرَجَهُ مِنْ
رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَاهَكَ
مُرْسَلًا وَأَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ لِعُمُومِ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ
مُطْلَقًا.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ حَدِيثِ عَمْرٍو أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَتْ لِآلِ بَنِي رَافِعٍ
أَمْوَالٌ عِنْدَ عَلِيٍّ فَلَمَّا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ
وَجَدُوهَا تَنْقُصُ فَحَسِبُوهَا مَعَ الزَّكَاةِ
فَوَجَدُوهَا تَامَّةً فَأَتَوْا عَلِيًّا فَقَالَ:
كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي مَالٌ لَا
أُزَكِّيهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ
أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ زَكَاةَ أَيْتَامٍ كَانُوا فِي
حِجْرِهَا فَفِي الْكُلِّ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ
الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالْمُكَلَّفِ وَيَجِبُ
عَلَى وَلِيِّهِ الْإِخْرَاجُ وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ
الصَّبِيُّ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْعُشْرِ
مِنْ مَالِهِ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهِ لَا غَيْرِهِ
لِحَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ " (قُلْت) : وَلَا يَخْفَى
أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَأَنَّ الْعُمُومَ فِي
الْعُشْرِ أَيْضًا حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِ كَحَدِيثِ «فِي
الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَنَحْوُهُ.
(1/525)
(570) - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ
قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(571) - وَعَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ
فِي ذَلِكَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[الدُّعَاء لمخرج الزَّكَاة]
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَيْهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) هَذَا مِنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتِثَالًا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
[التوبة: 103]- إلَى قَوْلِهِ - {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}
[التوبة: 103] فَإِنَّهُ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ
عَلَيْهِمْ فَفَعَلَهَا بِلَفْظِهَا حَيْثُ قَالَ:
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي فُلَانٍ» وَقَدْ وَرَدَ
أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيّ «أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ بَعَثَ
بِالزَّكَاةِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي أَهْلِهِ»
وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى
الْإِمَامِ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْأَمْرِ فِي
الْآيَةِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَعَلِمَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّعَاةُ وَلَمْ
يُنْقَلْ فَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ فِي الْآيَةِ عَلَى
أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَإِنَّهُ الَّذِي صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ.
وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى
غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ يَدْعُو الْمُصَّدِّقُ
بِهَذَا الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى بِصَدَقَتِهِ وَكَرِهَهُ
مَالِكٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْلُ الصَّلَاةِ
الدُّعَاءُ إلَّا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ
الْمَدْعُوِّ لَهُ فَصَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْتَعْ دُعَاءٍ لَهُمْ
بِالْمَغْفِرَةِ وَصَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ دُعَاءٌ لَهُ
بِزِيَادَةِ الْقُرْبَةِ وَالزُّلْفَى وَلِذَلِكَ كَانَ
لَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ.
[تَعْجِيل الزَّكَاة قَبْل مجيئ وَقْتهَا]
(وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّ
الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ
صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ فِي
ذَلِكَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ) قَالَ
التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَعْجِيلِ
الزَّكَاةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا وَرَأَى طَائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُعَجِّلَهَا وَبِهِ يَقُولُ
سُفْيَانُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنْ
عَجَّلَهَا قَبْلَ مَحَلِّهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ انْتَهَى.
وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ
وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ
صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ» وَلَا
أَدْرِي أَثَبَتَ أَمْ لَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَنَى
بِذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ مُعْتَضَدٌ بِحَدِيثِ
أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «إنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَأَسْلَفَنَا
الْعَبَّاسُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ» رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إلَّا
أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ
(1/526)
(572) - وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْرَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ
صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ
الْإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(573) - وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مَجْمُوعُهَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تَقَدَّمَ مِنْ الْعَبَّاسِ زَكَاةُ
عَامَيْنِ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ هَلْ هُوَ اسْتَلَفَ ذَلِكَ
أَوْ تَقَدَّمَهُ وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَانِ مَعًا وَهُوَ
دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ جَوَازُهُ بِالْمَالِكِ
وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُتَصَرِّفِ بِالْوِصَايَةِ
وَالْوِلَايَةِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ التَّعْجِيلَ مُطْلَقًا
بِحَدِيثِ «إنَّهُ لَا زَكَاةَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ»
كَمَا دَلَّتْ لَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ وَهَذَا لَا يَنْفِي جَوَازَ التَّعْجِيلِ
وَبِأَنَّهُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ.
(وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ) وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ أَوَاقِيَّ بِالْيَاءِ وَفِي
غَيْرِهِ بِحَذْفِهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَإِنَّهُ
جَمْعُ أُوقِيَّةٍ وَيَجُوزُ فِي جَمْعِهَا الْوَجْهَانِ
كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ (مِنْ الْوَرِقِ)
بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَكَسْرِ الرَّاءِ
وَإِسْكَانِهَا الْفِضَّةُ مُطْلَقًا (صَدَقَةٌ وَلَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ) بِفَتْحِ الذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ مَا
بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشْرِ (مِنْ الْإِبِلِ) لَا
وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ (صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا
دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ الثَّمَرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ
مَفْتُوحَةً وَالْمِيمِ (صَدَقَةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
الْحَدِيثُ صَرَّحَ بِمَفَاهِيمِ الْأَعْدَادِ الَّتِي
سَلَفَتْ فِي بَيَانِ الْأَنْصِبَاءِ إذْ قَدْ عَرَفْت
أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ نِصَابَ الْإِبِلِ خَمْسٌ
وَنِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهِيَ خَمْسُ
أَوَاقٍ وَأَمَّا نِصَابُ الطَّعَامِ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ
وَإِنَّمَا عُرِفَ هَذَا بِنَفْيِ الْوَاجِبِ فِيمَا دُونَ
خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسَةِ
بِمَفْهُومِ النَّفْيِ (وَلَهُ) أَيْ لِمُسْلِمٍ وَهُوَ.
(573) - وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» وَأَصْلُ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ
بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ»
وَأَصْلُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
الْحَدِيثُ تَصْرِيحٌ
(1/527)
(574) - وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ
عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ
الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَبِي دَاوُد:
«إذَا كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ
بِالسَّوَانِي أَوْ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَيْضًا بِمَا سَلَفَ مِنْ مَفَاهِيمِ الْأَحَادِيثِ إلَّا
التَّمْرُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ شَيْءٌ وَالْأَوْسَاقُ
جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْوَسْقُ
سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ
فَالْخَمْسَةُ الْأَوْسَاقُ ثَلَثُمِائَةِ صَاعٍ
وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ قَالَ الدَّاوُدِيُّ:
مِعْيَارُهُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ
بِكَفَّيْ الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ
الْكَفَّيْنِ وَلَا صَغِيرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ
الْقَامُوسِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ
وَجَرَّبْت ذَلِكَ فَوَجَدْته صَحِيحًا انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا لَمْ
يَبْلُغْ هَذِهِ الْمَقَادِيرَ مِنْ الْوَرِقِ وَالْإِبِلِ
وَالثَّمَرِ وَالتَّمْرِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِعِبَادِهِ
وَتَخْفِيفًا وَهُوَ اتِّفَاقٌ فِي الْأَوَّلِينَ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِيهِ خِلَافٌ بِسَبَبِ مَا
عَارَضَهُ مِنْ: (574) - وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ
عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ
الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَبِي دَاوُد:
«إذَا كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ
بِالسَّوَانِي أَوْ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» .
وَهُوَ قَوْلُهُ (وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
" فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ) بِمَطَرٍ أَوْ ثَلْجٍ أَوْ
بَرَدٍ أَوْ طَلٍّ (وَالْعُيُونُ) الْأَنْهَارُ
الْجَارِيَةُ الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا بِإِسَاحَةِ
الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ اغْتِرَافٍ لَهُ (أَوْ كَانَ
عَثَرِيًّا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ
الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ
الَّذِي يُشْرَبُ بِعُرُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ عَثَرَ عَلَى
الْمَاءِ وَذَلِكَ حَيْثُ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْ وَجْهِ
الْأَرْضِ فَيَغْرِسُ عَلَيْهِ فَيَصِلُ الْمَاءُ إلَى
الْعُرُوقِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ
وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقْرَبُهَا.
(الْعُشْرِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتْ أَوْ أَنَّهُ فَاعِلُ مَحْذُوفٍ
أَيْ فِيمَا ذُكِرَ يَجِبُ (وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ)
النَّضْحُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الضَّادِ فَحَاءٌ
مُهْمَلَةٌ السَّانِيَةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَغَيْرِهَا مِنْ الرِّجَالِ (نِصْفُ الْعُشْرِ " رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَلِأَبِي دَاوُد) مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ
(إذَا كَانَ بَعْلًا) عِوَضًا عَنْ قَوْلِهِ عَثَرِيًّا
وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَفِي الْقَامُوسِ
أَنَّهُ سَاكِنُ الْعَيْنِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ كُلُّ
نَخْلٍ وَشَجَرٍ وَزَرْعٍ لَا يُسْقَى أَوْ مَا سَقَتْهُ
السَّمَاءُ وَهُوَ النَّخْلُ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ
(الْعُشْرُ وَفِيمَ سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوْ النَّضْحِ)
دَلَّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ عَلَى التَّغَايُرِ وَأَنَّ
السَّوَانِيَ الْمُرَادُ بِهَا الدَّوَابُّ وَالنَّضْحَ
مَا كَانَ بِغَيْرِهَا كَنَضْحِ الرِّجَالِ بِالْآلَةِ،
وَالْمُرَادُ مِنْ الْكُلِّ مَا كَانَ سَقْيُهُ بِتَعَبٍ
وَعَنَاءٍ (نِصْفُ الْعُشْرِ) وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلَّ
عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي
(1/528)
(575) - «وَعَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ لَهُمَا: لَا تَأْخُذُوا فِي الصَّدَقَةِ إلَّا مِنْ
هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرُ،
وَالْحِنْطَةُ، وَالزَّبِيبُ، وَالتَّمْرُ» رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَبَيْنَ مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ
وَحِكْمَتُهُ وَاضِحَةٌ وَهُوَ زِيَادَةُ التَّعَبِ
وَالْعَنَاءِ فَنَقَصَ بَعْضُ مَا يَجِبُ رِفْقًا مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ
يَجِبُ فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ
الزَّكَاةُ وَهَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحُكْمِ فِي
ذَلِكَ.
فَالْجُمْهُورُ أَنَّ حَدِيثَ الْأَوْسَاقِ مُخَصِّصٌ
لِحَدِيثِ سَالِمٍ وَأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا لَمْ
يَبْلُغْ الْخَمْسَةَ الْأَوْسَاقِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ
مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى
أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بَلْ يُعْمَلُ بِعُمُومِهِ فَيَجِبُ
فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ
وَالْحَقُّ مَعَ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ
حَدِيثَ الْأَوْسَاقِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَدَ لِبَيَانِ
الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا وَرَدَ
حَدِيثُ مِائَتَيْ الدِّرْهَمِ لِبَيَانِ ذَلِكَ مَعَ
وُرُودِ «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَلَمْ يَقُلْ
أَحَدٌ: إنَّهُ يَجِبُ فِي قَلِيلِ الْفِضَّةِ
وَكَثِيرِهَا الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ
يَجِبُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ
النِّصَابُ كَمَا عَرَفْت وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ
حَدِيثٌ «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» إلَّا لِبَيَانِ
أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَمَّا
قَدْرُ مَا يَجِبُ فِيهِ فَمَوْكُولٌ إلَى حَدِيثِ
التَّبَيُّنِ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَكَذَا هُنَا
قَوْلُهُ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» أَيْ فِي
هَذَا الْجِنْسِ يَجِبُ الْعُشْرُ وَأَمَّا بَيَانُ مَا
يَجِبُ فِيهِ فَمَوْكُولٌ إلَى حَدِيثِ الْأَوْسَاقِ
وَزَادَهُ إيضَاحًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» كَأَنَّهُ مَا
وَرَدَ إلَّا لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عُمُومِ
«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ رُبُعُ الْعُشْرِ» كَمَا وَرَدَ
ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» ثُمَّ إذَا تَعَارَضَ
الْعَامُّ وَالْخَاصُّ كَانَ الْعَمَلُ بِالْخَاصِّ عِنْدَ
جَهْلِ التَّارِيخِ كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ أَظْهَرُ
الْأَقْوَالِ فِي الْأُصُولِ.
[أصناف الْحُبُوب الَّتِي تُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة]
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
لَهُمَا) حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ
النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ «لَا تَأْخُذَا فِي الصَّدَقَةِ
إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرُ
وَالْحِنْطَةُ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ» رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ) وَالدَّارَقُطْنِيّ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ
طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ «إنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فِي
هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَذَكَرَهَا» قَالَ أَبُو زُرْعَةَ:
إنَّهُ مُرْسَلٌ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا
تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ
لَا غَيْرُ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالثَّوْرِيُّ
(1/529)
(576) - وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ، عَنْ
مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «فَأَمَّا
الْقِثَّاءُ، وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَصَبُ،
فَقَدْ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ
وَلَا يَجِبُ عِنْدَهُمْ فِي الذُّرَةِ وَنَحْوِهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ وَفِيهِ زِيَادَةُ
الذُّرَةِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْ دُونِ ذِكْرِ
الذُّرَةِ وَابْنُ مَاجَهْ بِذِكْرِهَا فَقَدْ قَالَ
الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ حَدِيثٌ وَاهٍ وَفِي الْبَابِ
مَرَاسِيلُ فِيهَا ذِكْرُ الذُّرَةِ، قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. كَذَا
قَالَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ
الْكِتَابِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْحَصْرِ وَقَدْ أَلْحَقَ
الشَّافِعِيُّ الذُّرَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ
الْمَذْكُورَةِ بِجَامِعِ الِاقْتِيَاتِ فِي الِاخْتِيَارِ
وَاحْتَرَزَ بِالِاخْتِيَارِ عَمَّا يُقْتَاتُ فِي
الْمَجَاعَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ فَمَنْ كَانَ
رَأْيُهُ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ لَزِمَهُ هَذَا إنْ قَامَ
الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَمَنْ
لَا يَرَاهُ دَلِيلًا لَمْ يَقُلْ بِهِ.
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تَجِبُ فِي
كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ
نَحْوُ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» إلَّا
الْحَشِيشَ وَالْحَطَبَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ»
وَقَاسُوا الْحَطَبَ عَلَى الْحَشِيشِ، قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ مُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى وَارِدٌ
عَلَى الْجَمِيعِ وَالظَّاهِرُ مَعَ مَنْ قَالَ بِهِ
(قُلْت) :؛ لِأَنَّهُ حَصْرٌ لَا يُقَاوِمُهُ الْعُمُومُ
وَلَا الْقِيَاسُ وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا يُقَاوِمُهُ
حَدِيثُ «خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبِّ» الْحَدِيثُ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ فَالْأَوْضَحُ
دَلِيلًا مَعَ الْحَاصِرِينَ لِلْوُجُوبِ فِي
الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ فِي الْمَنَارِ: إنَّ مَا عَدَا
الْأَرْبَعَةَ مَحَلُّ احْتِيَاطٍ أَخْذًا وَتَرْكًا
وَاَلَّذِي يُقَوِّي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهَا
(قُلْت) : الْأَصْلُ الْمَقْطُوعُ بِهِ حُرْمَةُ مَالِ
الْمُسْلِمِ وَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ
قَاطِعٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ
الْأَصْلَ وَأَيْضًا فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ
وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ لَمْ يَرْفَعْهُمَا دَلِيلٌ
يُقَاوِمُهُمَا فَلَيْسَ مَحَلُّ الِاحْتِيَاطِ إلَّا
تَرْكَ الْأَخْذِ مِنْ الذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ
يَأْتِ بِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْعُمُومِ الَّذِي قَدْ
ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ.
[زَكَاة الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ
وَالْقَصَبُ]
(وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: فَأَمَّا
الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَصَبُ)
بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ مَعًا (لَقَدْ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ) ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْعَزْرَمِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كَذَا فِي حَوَاشِي
بُلُوغِ الْمَرَامِ بِخَطِّ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُفَضَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَاَلَّذِي فِي الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " سُئِلَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ
الْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي
الْبُقُولِ زَكَاةٌ " فَهَذَا الَّذِي مِنْ رِوَايَةِ
(1/530)
(577) - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا
خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ
تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيِّ وَأَمَّا
رِوَايَةُ مُعَاذٍ الَّتِي فِي الْكِتَابِ فَقَالَ
الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ: فِيهَا ضَعْفٌ
وَانْقِطَاعٌ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ أَفَادَ
الْحَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ
فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ «لَيْسَ فِي
الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ وَمُعَاذٍ
وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ إنَّمَا
هُوَ مُرْسَلٌ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ تَابِعِيٌّ عَدْلٌ يَلْزَمُ مَنْ
يَقْبَلُ الْمَرَاسِيلَ قَبُولُ مَا أَرْسَلَهُ وَقَدْ
ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ مَوْقُوفًا وَلَهُ حُكْمُ
الرَّفْعِ وَالْخَضْرَاوَاتُ مَا لَا يُكَالُ وَلَا
يُقْتَاتُ
[خرص الزَّرْع والثمر قَبْل نُضُوجه لِيَعْلَم قَدْره]
(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ: «أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ» ؛ لِأَهْلِ
الْمَالِ (فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا
الرُّبُعَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) وَفِي
إسْنَادِهِ مَجْهُولُ الْحَالِ كَمَا قَالَ ابْنُ
الْقَطَّانِ لَكِنْ قَالَ الْحَاكِمُ: لَهُ شَاهِدٌ
مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ " أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِهِ "
كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ
" أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: دَعْ لَهُمْ قَدْرَ مَا
يَأْكُلُونَ وَقَدْرَ مَا يَقَعُ " وَأَخْرَجَهُ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «خَفِّفُوا فِي
الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ
وَالْوَطِيَّةَ وَالْأُكَلَةَ» الْحَدِيثَ وَقَدْ
اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) : أَنْ يُتْرَكَ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ
مِنْ الْعُشْرِ.
(وَثَانِيهِمَا) : أَنْ يُتْرَكَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ
الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُعْشَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
مَعْنَاهُ أَنْ يَدَعَ ثُلُثَ الزَّكَاةِ أَوْ رُبُعَهَا
لِيُفَرِّقَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ
وَجِيرَانِهِ وَقِيلَ: يَدَعُ لَهُ وَلِأَهْلِهِ قَدْرَ
مَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُصُ قَالَ فِي الشَّرْحِ:
وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ إلَى مَا صَرَّحَتْ بِهِ
رِوَايَةُ جَابِرٍ وَهُوَ التَّخْفِيفُ فِي الْخَرْصِ
وَيُتْرَكُ مِنْ الْعُشْرِ قَدْرُ الرُّبُعِ أَوْ
الثُّلُثِ فَإِنَّ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ قَدْ لَا
تُدْرِكُ الْحَصَادَ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إنَّ الْحَدِيثَ جَارٍ عَلَى
قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَمَحَاسِنِهَا مُوَافِقٌ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِرَبِّ الْمَالِ
بَعْدَ كَمَالِ الصَّلَاحِ أَنْ يَأْكُلَ
(1/531)
(578) - وَعَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ يُخْرَصَ
الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ
زَبِيبًا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
هُوَ وَعِيَالُهُ وَيُطْعِمُ النَّاسَ مَا لَا يُدَّخَرُ
وَلَا يَبْقَى فَكَانَ مَا جَرَى الْعُرْفُ بِإِطْعَامِهِ
وَأَكْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَضْرَاوَاتِ الَّتِي لَا
تُدَّخَرُ يُوَضِّحُ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ
الْجَارِي بِمَنْزِلِهِ مَا لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ
فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنُّفُوسِ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ
الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الطَّعَامِ
بِحَيْثُ يَكُونُ تَرْكُ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهَا وَشَاقًّا
عَلَيْهَا انْتَهَى
(وَعَنْ عَتَّابٍ - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ - ابْنِ
أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ
(قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا
يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا» .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ) ؛ لِأَنَّهُ
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابٍ وَقَدْ
قَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمَرَ عَتَّابًا (مُرْسَلٌ)
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ
يُعْتَضَدُ بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ
عَلَى وُجُوبِ خَرْصِ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ؛ لِأَنَّ
قَوْلَ الرَّاوِي أَمْرٌ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَتَى -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيغَةٍ تُفِيدُ
الْأَمْرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْوُجُوبُ، وَبِالْوُجُوبِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: إنَّهُ
مَنْدُوبٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ مُحَرَّمٌ؛
لِأَنَّهُ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالظَّنِّ وَرَدَ بِهِ
أَمْرُ الشَّارِعِ وَيَكْفِي فِيهِ خَارِصٌ وَاحِدٌ
عَدْلٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ
عَارِفٌ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
رَوَاحَةَ وَحْدَهُ يَخْرُصُ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ»
وَلِأَنَّهُ كَالْحَاكِمِ يَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ، فَإِنْ
أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ الْخَرْصِ فَقَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ
الْعِلْمُ أَنَّ الْمَخْرُوصَ إذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ
قَبْلَ الْجِدَادِ فَلَا ضَمَانَ.
وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ أَمْنُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَبِّ
الْمَالِ وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي
دَعْوَى النَّقْصِ بَعْدَ الْخَرْصِ وَضَبْطُ حَقِّ
الْفُقَرَاءِ عَلَى الْمَالِكِ وَمُطَالَبَةُ
الْمُصَّدِّقِ بِقَدْرِ مَا خَرَصَهُ، وَانْتِفَاعُ
الْمَالِكِ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخَرْصِ النَّخْلِ
وَالْعِنَبِ قِيلَ: وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّا
يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَإِحَاطَةُ النَّظَرِ بِهِ وَقِيلَ:
يَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ
لِعَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ وَعِنْدَ
الْهَادَوِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا خَرْصَ فِي
الزَّرْعِ لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ لِاسْتِتَارِهِ
بِالْقِشْرِ، وَإِذَا ادَّعَى الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ
النَّقْصَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ
عَلَيْهِ وَجَبَ إقَامَتُهَا
(1/532)
(579) - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:
«أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي
يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا:
أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ:
أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ فَأَلْقَتْهُمَا»
رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ، وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
وَصِفَةُ الْخَرْصِ أَنْ يَطُوفَ بِالشَّجَرَةِ وَيَرَى
جَمِيعَ ثَمَرَتِهَا وَيَقُولُ: خَرْصُهَا كَذَا وَكَذَا
رَطْبًا وَيَجِيءُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا يَابِسًا
[الزَّكَاة فِي حلي النِّسَاء وَهَلْ يَقْدِر بنصاب]
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
أَنَّ امْرَأَةً) هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ
السَّكَنِ (أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ
ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفَتْحِ
السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، الْوَاحِدَةُ مَسَكَةٌ وَهِيَ
الْإِسْوَرَةُ وَالْخَلَاخِيلُ «مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ
لَهَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ: لَا، قَالَ
أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَأَلْقَتْهُمَا» .
رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ وَهُوَ
ثِقَةٌ فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ
إلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ؛ غَيْرُ صَحِيحٍ.
(وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ)
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ
وَلَفْظُهُ «أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي يَدِهَا
فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ
فَقَالَتْ: صُغْتُهُنَّ؛ لِأَتَزَيَّنَ لَك بِهِنَّ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؛ فَقَالَ: أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟
قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُنَّ حَسْبُك مِنْ النَّارِ» قَالَ
الْحَاكِمُ إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي
الْحِلْيَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا نِصَابَ لَهَا؛
لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِتَزْكِيَةِ هَذِهِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا تَكُونُ خَمْسَ
أَوَاقٍ فِي الْأَغْلَبِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ
أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَهُوَ
مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ
وَأَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِهَذِهِ
الْأَحَادِيثِ.
(وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِلْيَةِ
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي
أَحَدِ أَقْوَالِهِ لِآثَارٍ وَرَدَتْ عَنْ السَّلَفِ
قَاضِيَةٍ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الْحِلْيَةِ وَلَكِنْ
بَعْدَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ لَا أَثَرَ لِلْآثَارِ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ زَكَاةَ الْحِلْيَةِ عَارِيَّتُهَا
كَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ.
(الرَّابِعُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مَرَّةً
وَاحِدَةً رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَظْهَرُ
الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وُجُوبُهَا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ
وَقُوَّتِهِ وَأَمَّا نِصَابُهَا فَعِنْدَ الْمُوجِبِينَ
نِصَابَ النَّقْدَيْنِ، وَظَاهِرُ حَدِيثِهَا الْإِطْلَاقُ
وَكَأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِأَحَادِيثِ النَّقْدَيْنِ
وَيُقَوِّي الْوُجُوبَ قَوْلُهُ.
(1/533)
(580) - «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ أَوْضَاحًا،
مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَنْزٌ
هُوَ؟ قَالَ: إذَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ
(581) - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ
الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد، وَإِسْنَادُهُ لَيِّنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
«وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ أَوْضَاحًا، مِنْ ذَهَبٍ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ قَالَ:
إذَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ أَوْضَاحًا) فِي النِّهَايَةِ
هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْحُلِيِّ يُعْمَلُ مِنْ الْفِضَّةِ
سُمِّيَتْ بِهَا لِبَيَاضِهَا، وَاحِدُهَا وَضَحٌ.
انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ (مِنْ ذَهَبٍ) يَدُلُّ أَنَّهَا تُسَمَّى إذَا
كَانَتْ مِنْ الذَّهَبِ أَوْضَاحًا (فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟) أَيْ فَيَدْخُلُ تَحْتَ
آيَةِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ} [التوبة: 34]
الْآيَةَ (قَالَ: «إذَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ
بِكَنْزٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) فِيهِ دَلِيلٌ كَمَا فِي الَّذِي
قَبْلَهُ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْحِلْيَةِ وَأَنَّ كُلَّ
مَالٍ أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ فَلَا
يَشْمَلُهُ الْوَعِيدُ فِي الْآيَةِ
[الزَّكَاة فِي مَال التِّجَارَة]
(وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ
الَّذِي نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَإِسْنَادُهُ لَيِّنٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ
سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ
التِّجَارَةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى
{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:
267] الْآيَةَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي
التِّجَارَةِ.
وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا
وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ» .
وَالْبَزُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ
الْمُعْجَمَةِ مَا يَبِيعُهُ الْبَزَّازُونَ، وَكَذَا
ضَبَطَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى وُجُوبِ
الزَّكَاةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ وَمِمَّنْ قَالَ
بِوُجُوبِهَا الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ قَالَ: لَكِنْ لَا
يَكْفُرُ جَاحِدُهَا لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا
(1/534)
(582) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(583) - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ -
فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خَرِبَةٍ - إنْ وَجَدْته
فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ فَعَرِّفْهُ. وَإِنْ وَجَدْته
فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ
الْخُمُسُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[أَقْوَال الْعُلَمَاء فِي زَكَاة الرِّكَاز]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: " وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ آخِرُهُ
زَايٌ الْمَالُ الْمَدْفُونُ - يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يُطْلَبَ بِكَثِيرِ عَمَلٍ (الْخُمُسُ " مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) .
لِلْعُلَمَاءِ فِي حَقِيقَةِ الرِّكَازِ قَوْلَانِ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ
مِنْ كُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ.
(الثَّانِي) أَنَّهُ الْمَعَادِنُ. قَالَ مَالِكٌ
بِالْأَوَّلِ قَالَ: وَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَتُؤْخَذُ
فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ
وَمِثْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِلَى الثَّانِي
ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ
وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَعْدِنِ.
وَخَصَّ الشَّافِعِيُّ الْمَعْدِنَ بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُمْ
قَالُوا: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الَّتِي خُلِقَتْ فِي الْأَرْضِ
يَوْمَ خُلِقَتْ» إلَّا أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذَا
التَّفْسِيرَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ.
وَاعْتَبَرَ النِّصَابَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ
وَأَحْمَدُ عَمَلًا بِحَدِيثِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَإِلَى أَنَّهُ يَجِبُ رُبُعُ الْعُشْرِ بِحَدِيثِ «وَفِي
الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» بِخِلَافِ الرِّكَازِ
فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ
النِّصَابُ.
وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي التَّفْرِقَةِ أَنَّ أَخْذَ
الرِّكَازِ بِسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ بِخِلَافِ
الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ
فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ.
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْخُمُسُ
فِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ
لَهُمَا بِالنِّصَابِ بَلْ يَجِبُ فِي الْقَلِيلِ
وَالْكَثِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ مَا
اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ مِنْ ظَاهِرِهِمَا
أَوْ بَاطِنِهِمَا فَيَشْمَلُ الرَّصَاصَ وَالنُّحَاسَ
وَالْحَدِيدَ وَالنِّفْطَ وَالْمِلْحَ وَالْحَطَبَ
وَالْحَشِيشَ وَالْمُتَيَقَّنُ بِالنَّصِّ الذَّهَبُ
وَالْفِضَّةُ وَمَا عَدَاهُمَا الْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ
الْوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ، وَقَدْ كَانَتْ
هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَوْجُودَةً فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ
وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ أَخَذَ فِيهَا خُمُسًا وَلَمْ
يَرِدْ إلَّا حَدِيثُ الرِّكَازِ وَهُوَ فِي الْأَظْهَرِ
فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَآيَةُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] وَهِيَ فِي
غَنَائِمِ الْحَرْبِ
(1/535)
(584) - وَعَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ
الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ
أَيْ الْإِفْطَارُ وَأُضِيفَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
سَبَبُهَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ
الْبُخَارِيِّ:
زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي
خَرِبَةٍ إنْ وَجَدْته فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ
فَعَرِّفْهُ وَإِنْ وَجَدْته فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ
مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ) فِي
قَوْلِهِ: " فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ " بَيَانُ أَنَّهُ
قَدْ صَارَ مِلْكًا لِوَاجِدِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
إخْرَاجُ خُمُسِهِ وَهَذَا الَّذِي يَجِدُهُ فِي قَرْيَةٍ
لَمْ يُسَمِّهِ الشَّارِعُ رِكَازًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَسْتَخْرِجْهُ مِنْ بَاطِنِ الْأَرْضِ بَلْ ظَاهِرُهُ
أَنَّهُ وُجِدَ فِي ظَاهِرِ الْقَرْيَةِ وَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ
فِي الرِّكَازِ أَمْرَانِ: كَوْنُهُ جَاهِلِيًّا،
وَكَوْنُهُ فِي مَوَاتٍ، فَإِنْ وُجِدَ فِي شَارِعٍ أَوْ
مَسْجِدٍ فَلُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ
عَلَيْهِ وَقَدْ جَهِلَ مَالِكَهُ فَيَكُونُ لُقَطَةً
وَإِنْ وُجِدَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلِلشَّخْصِ إنْ لَمْ
يَنْفِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ نَفَاهُ عَنْ مِلْكِهِ
فَلِمَنْ مَلَكَهُ عَنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ
إلَى الْمُحْيِي لِلْأَرْضِ، وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ بِلَفْظِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ
فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ: إنْ وَجَدْته فِي قَرْيَةٍ
مَسْكُونَةٍ أَوْ طَرِيقٍ مَيِّتٍ فَعَرِّفْهُ وَإِنْ
وَجَدْته فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ غَيْرِ
مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» .
(وَعَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- هُوَ الْمُزَنِيّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ خَمْسٍ وَسَكَنَ
الْمَدِينَةَ وَكَانَ أَحَدَ مَنْ يَحْمِلُ أَلْوِيَةَ
مُزَيْنَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ
الْحَارِثُ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ ثَمَانُونَ
سَنَةً (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ)
بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ
اللَّامِ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ
بِنَاحِيَةِ الْفُرُوعِ (الصَّدَقَةَ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد)
وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ
مِنْ عُلَمَائِهِمْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ
الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ وَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ
دُونَ الْخُمُسِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَى
حَدِيثَ مَالِكٍ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ
الْحَدِيثِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إقْطَاعُهُ.
وَأَمَّا الزَّكَاةُ فِي الْمَعَادِنِ دُونَ الْخُمُسِ
فَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ كَمَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَالْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَعَادِنِ،
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْخُمُسُ وَقَدْ
ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقَ وَذَهَبَ
غَيْرُهُمْ إلَى الثَّانِي وَهُوَ وُجُوبُ الْخُمُسِ
لِقَوْلِهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ
احْتِمَالٌ كَمَا سَلَفَ
(1/536)
(585) - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ،
صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ: عَلَى
الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى،
وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ،
وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ
إلَى الصَّلَاةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[بَاب صَدَقَة الْفِطْر]
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:
«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا» نُصِبَ عَلَى
التَّمْيِيزِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ زَكَاةٍ، بَيَانٌ لَهَا
«مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ
وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ
تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ
لِقَوْلِهِ: " فَرَضَ " فَإِنَّهُ بِمَعْنَى أَلْزَمَ
وَأَوْجَبَ.
قَالَ إِسْحَاقُ هِيَ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ
وَكَأَنَّهُ مَا عُلِمَ فِيهَا الْخِلَافُ لِدَاوُدَ
وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ: إنَّهَا
سُنَّةٌ وَتَأَوَّلُوا فَرَضَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَدْ
وَرَدَ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ
نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ؛ لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ
«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ
الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا
وَلَمْ يَنْهَنَا» فَهُوَ قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ
الْحَدِيثَ فِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ وَلَوْ سَلِمَ صِحَّتُهُ
فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ
أَمْرِهِ لَهُمْ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ ثَانِيًا لَا
يُشْعِرُ بِأَنَّهَا نُسِخَتْ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْأَمْرُ
الْأَوَّلُ وَلَا يَرْفَعُهُ عَدَمُ الْأَمْرِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عُمُومِ وُجُوبِهَا عَلَى
الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ
صَغِيرًا وَكَبِيرًا غَنِيًّا وَفَقِيرًا وَقَدْ أَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
مَرْفُوعًا «أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ
إنْسَانٍ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا
غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَمْلُوكًا. أَمَّا
الْغَنِيُّ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ وَأَمَّا الْفَقِيرُ
فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى»
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: فِي
إسْنَادِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ لَا يُحْتَجُّ
بِحَدِيثِهِ (نَعَمْ) الْعَبْدُ تَلْزَمُ مَوْلَاهُ عِنْدَ
مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ
يَمْلِكُ تَلْزَمُهُ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ
(1/537)
(586) - وَلِابْنِ عَدِيٍّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
يَلْزَمُ زَوْجَهَا وَالْخَادِمُ مَخْدُومَهُ وَالْقَرِيبَ
مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِحَدِيثِ «أَدُّوا صَدَقَةَ
الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا
هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَتَلْزَمُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ
لَهُ مَالٌ كَمَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَزِمَتْ مُنْفِقَهُ كَمَا
يَقُولُ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: تَلْزَمُ الْأَبَ
مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ أَصْلًا؛
لِأَنَّهَا شُرِعَتْ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ
وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ كَمَا يَأْتِي.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خُرِّجَ عَلَى الْأَغْلَبِ فَلَا
يُقَاوِمُهُ تَصْرِيحُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِإِيجَابِهَا
عَلَى الصَّغِيرِ: وَهُوَ أَيْضًا دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ
يَجِبُ صَاعٌ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ التَّمْرِ
وَالشَّعِيرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَرَدَ
صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ (مِنْ
الْمُسْلِمِينَ) لِأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَلَامٌ طَوِيلٌ
فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ
عَلَيْهَا الرُّوَاةُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهَا
عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ زِيَادَةٌ مِنْ عَدْلٍ فَتُقْبَلُ
وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي وُجُوبِ
صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى
الْكَافِرِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَهَلْ يُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ؟
فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ
وَغَيْرُهُمْ: تَجِبُ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ «لَيْسَ
عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ
الْفِطْرِ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ خَاصٌّ
وَالْخَاصُّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ فَعُمُومُ
قَوْلِهِ: " عَبْدُهُ " مُخَصِّصٌ بِقَوْلِهِ: " مِنْ
الْمُسْلِمِينَ " وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: " إنَّ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ " صِفَةٌ لِلْمُخْرِجِينَ لَا
لِلْمُخْرَجِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ يَأْبَاهُ ظَاهِرُ
الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ الْعَبْدَ وَكَذَا الصَّغِيرُ
وَهُمْ مِمَّنْ يُخْرَجُ عَنْهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
صِفَةَ الْإِسْلَامِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُخْرِجِينَ
يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ «عَلَى كُلِّ
نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ» وَقَوْلُهُ
«وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ
إلَى الصَّلَاةِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُبَادَرَةَ
بِهَا هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا فَلَوْ أَخْرَجَهَا عَنْ
الصَّلَاةِ أَثِمَ وَخَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا صَدَقَةَ
فِطْرٍ وَصَارَتْ صَدَقَةً مِنْ الصَّدَقَاتِ وَيُؤَكِّدُ
ذَلِكَ قَوْلُهُ.
(586) - وَلِابْنِ عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ
ضَعِيفٍ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا
الْيَوْمِ» .
(وَلِابْنِ عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ (بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ
مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ الْوَاقِدِيَّ
(أَغْنُوهُمْ) أَيْ الْفُقَرَاءَ (عَنْ الطَّوَافِ) فِي
الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ لِطَلَبِ الْمَعَاشِ (فِي
هَذَا الْيَوْمِ) أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ وَإِغْنَاؤُهُمْ
يَكُونُ بِإِعْطَائِهِمْ صَدَقَتَهُ أَوَّلَ الْيَوْمِ.
(1/538)
(587) - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي
زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَوْ صَاعًا مِنْ
أَقِطٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[مِقْدَار مَا يَخْرُجُ فِي صَدَقَة الْفِطْر مِنْ كُلّ
نَوْع]
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ
أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلِأَبِي دَاوُد: لَا أُخْرِجُ أَبَدًا إلَّا صَاعًا.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
كُنَّا نُعْطِيهَا) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ (فِي زَمَانِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا
مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَهُوَ لَبَنٌ مُجَفَّفٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجَرٌ
يُطْبَخُ بِهِ، كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
وَلَا خِلَافَ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ صَاعٌ
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ
صَاعِ بُرٍّ بِصَاعِ شَعِيرٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
نَصٌّ فِي الْحِنْطَةِ أَنَّهُ يُخْرَجُ فِيهَا صَاعٌ
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَرَادَ بِالطَّعَامِ
الْحِنْطَةَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا
حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْبَارِي.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ فِي الْقَمْحِ
خَبَرًا ثَابِتًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ
الْبُرُّ فِي الْمَدِينَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا
الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْهُ فَلَمَّا كَثُرَ فِي زَمَنِ
الصَّحَابَةِ رَأَوْا أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ يَقُومُ
مَقَامَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَهُمْ الْأَئِمَّةُ فَغَيْرُ
جَائِزٍ أَنْ يُعْدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ إلَّا إلَى قَوْلِ
مِثْلِهِمْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ أَبُو
سَعِيدٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ قَالَ الرَّاوِي (قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ)
أَيْ الصَّاعَ (كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ فِي زَمَانِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَلِأَبِي دَاوُد) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (لَا أُخْرِجُ
أَبَدًا إلَّا صَاعًا) أَيْ مِنْ أَيِّ قُوتٍ أَخْرَجَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ
وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَ صَدَقَةِ رَمَضَانَ فَقَالَ: لَا
أُخْرِجُ إلَّا مَا كُنْت أُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ
مِنْ الْقَوْمِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟ قَالَ: لَا،
تِلْكَ فِعْلُ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْبَلُهَا وَلَا أَعْمَلُ
بِهَا ".
لَكِنَّهُ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: ذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي
خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَلَا أَدْرِي
مِمَّنْ الْوَهْمُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَمَسَّكَ
بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ مَنْ قَالَ بِالْمُدَّيْنِ مِنْ
الْحِنْطَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ
وَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ
(1/539)
(588) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ
طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ، وَالرَّفَثِ،
وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ
الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا
بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ
أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَرَّحَ
مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ
مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " أَنَّهُ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ
حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنَّهُ
قَالَ: إنِّي أَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ
تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ بِذَلِكَ النَّاسُ
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ
أُخْرِجُهُ " الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ؛
فَهَذَا صَرِيحٌ أَنَّهُ رَأَى مُعَاوِيَةَ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ إيرَادِ أَحَادِيثَ فِي الْبَابِ
مَا لَفْظُهُ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ عَنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَاعٍ مِنْ
بُرٍّ وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي نِصْفِ صَاعٍ وَلَا
يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنْت عِلَّةَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ انْتَهَى.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ
«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ
اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» الْوَاقِعِ مِنْهُ فِي صَوْمِهِ
(وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ
الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (فَهِيَ زَكَاةٌ
مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ
صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا لِقَوْلِهِ: " فَرَضَ "
كَمَا سَلَفَ.
وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ تُكَفِّرُ
السَّيِّئَاتِ.
وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ إخْرَاجِهَا قَبْلَ صَلَاةِ
الْعِيدِ وَأَنَّ وُجُوبَهَا مُؤَقَّتٌ فَقِيلَ: تَجِبُ
مِنْ فَجْرِ أَوَّلِ شَوَّالٍ لِقَوْلِهِ «أَغْنُوهُمْ
عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَقِيلَ: تَجِبُ
مِنْ غُرُوبِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِقَوْلِهِ "
طُهْرَةً لِلصَّائِمِ " وَقِيلَ: تَجِبُ بِمُضِيِّ
الْوَقْتَيْنِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ.
وَفِي جَوَازِ تَقْدِيمِهَا أَقْوَالٌ مِنْهُمْ مَنْ
أَلْحَقَهَا بِالزَّكَاةِ؛ فَقَالَ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا
وَلَوْ إلَى عَامَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ
فِي رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهَا سَبَبَيْنِ:
الصَّوْمَ وَالْإِفْطَارَ، فَلَا تَتَقَدَّمُهُمَا
كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ، وَقِيلَ: لَا تُقَدَّمُ عَلَى
وَقْتِ وُجُوبِهَا إلَّا مَا يُغْتَفَرُ كَالْيَوْمِ
وَالْيَوْمَيْنِ وَأَدِلَّةُ الْأَقْوَالِ كَمَا تَرَى.
وَفِي قَوْلِهِ " طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ " دَلِيلٌ عَلَى
اخْتِصَاصِهِمْ بِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ
الْآلِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهَا كَالزَّكَاةِ
تُصْرَفُ فِي الثَّمَانِيَةِ الْأَصْنَافِ وَاسْتَقْوَاهُ
الْمَهْدِيُّ لِعُمُومِ
(1/540)
(589) - بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَيْ
النَّفْلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا
ظِلُّهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: وَرَجُلٌ
تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ
شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] وَالتَّنْصِيصُ
عَلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ
التَّخْصِيصُ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَخْصِيصِ مَصْرِفِهَا فَفِي
حَدِيثِ مُعَاذٍ «أُمِرْت أَنْ آخُذَهَا مِنْ
أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ»
[بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ
اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ» -
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ -) فِي تَعْدَادِ السَّبْعَةِ وَهُمْ
«الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ
رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ
وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى
ذَلِكَ وَافْتَرَقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ
ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ،
وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»
(وَفِيهِ «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا
حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قِيلَ: الْمُرَادُ بِالظِّلِّ الْحِمَايَةُ وَالْكَنَفُ،
كَمَا يُقَالُ: أَنَا فِي ظِلِّ فُلَانٍ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ ظِلُّ عَرْشِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ
سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ «سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ» وَبِهِ جَزَمَ
الْقُرْطُبِيُّ وَقَوْلُهُ (أَخْفَى) بِلَفْظِ الْفِعْلِ
الْمَاضِي حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَا
تَعْلَمَ شِمَالُهُ) مُبَالَغَةٌ فِي الْإِخْفَاءِ
وَتَبْعِيدُ الصَّدَقَةِ عَنْ مَظَانِّ الرِّيَاءِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَنْ
شِمَالِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ إخْفَاءِ
الصَّدَقَةِ عَلَى إبْدَائِهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
فِي إظْهَارِهَا تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ
وَأَنَّهُ يَحْرُسُ سِرَّهُ عَنْ دَاعِيَةِ الرِّيَاءِ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ
فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الْآيَةَ، وَالصَّدَقَةُ
فِي الْحَدِيثِ عَامَّةٌ لِلْوَاجِبَةِ وَالنَّافِلَةِ
فَلَا يُظَنُّ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالنَّافِلَةِ حَيْثُ
جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ يُعْمَلُ بِهِ فِي
قَوْلِهِ: " وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ " فَإِنَّ الْمَرْأَةَ
كَذَلِكَ إلَّا فِي الْإِمَامَةِ، وَلَا مَفْهُومَ أَيْضًا
لِلْعَدَدِ فَقَدْ وَرَدَتْ خِصَالٌ أُخْرَى تَقْتَضِي
الظِّلَّ وَأَبْلَغَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ إلَى
ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ خَصْلَةً وَزَادَ عَلَيْهَا
الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ حَتَّى أَبْلَغَهَا إلَى
(1/541)
(590) - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ
امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ
النَّاسِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(591) - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا
مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ
خُضْرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ
مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ
الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى
ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
سَبْعِينَ وَأَفْرَدَهَا بِالتَّأْلِيفِ ثُمَّ لَخَصَّهَا
فِي كُرَّاسَةٍ سَمَّاهَا.
بِزَوْغِ الْهِلَالِ فِي الْخِصَالِ الْمُقْتَضِيَةِ
لِلظِّلَالِ
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
«كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ» أَيْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعَمُّ مِنْ صَدَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ
وَالنَّافِلَةِ (حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ".
رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ)
فِيهِ حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي
ظِلِّهَا فَيُحْتَمَلُ الْحَقِيقَةَ وَأَنَّهَا تَأْتِي
أَعْيَانُ الصَّدَقَةِ فَتَدْفَعُ عَنْهُ حَرَّ الشَّمْسِ
أَوْ الْمُرَادُ فِي كَنَفِهَا وَحِمَايَتِهَا.
وَمِنْ فَوَائِدِ صَدَقَةِ النَّفْلِ أَنَّهَا تَكُونُ
تَوْفِيَةً لِصَدَقَةِ الْفَرْضِ إنْ وُجِدَتْ فِي
الْآخِرَةِ نَاقِصَةً كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي
الْكُنَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ «وَانْظُرُوا
فِي زَكَاةِ عَبْدِي فَإِنْ كَانَ ضَيَّعَ مِنْهَا شَيْئًا
فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي نَافِلَةً مِنْ
صَدَقَةٍ لِتُتِمُّوا بِهَا مَا نَقَصَ مِنْ الزَّكَاةِ»
فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَذَلِكَ
بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا
ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ
الْجَنَّةِ» أَيْ مِنْ ثِيَابِهَا الْخُضْرِ (وَأَيُّمَا
مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا) مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ
(عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ
وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا) مُتَّصِفًا
بِكَوْنِهِ (عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ
الرَّحِيقِ) هُوَ الْخَالِصُ مِنْ الشَّرَابِ الَّذِي لَا
غِشَّ فِيهِ (الْمَخْتُومِ) الَّذِي تُخْتَمُ أَوَانِيهِ
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاسَتِهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ)
(1/542)
(592) - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ
مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ،
وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ
يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ
يُغْنِهِ اللَّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ
لِلْبُخَارِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لَمْ يُبَيِّنْ الشَّارِحُ وَجْهَهُ وَفِي مُخْتَصَرِ
السُّنَنِ لِلْمُنْذِرِيِّ فِي إسْنَادِهِ أَبُو خَالِدٍ
يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ
بِالدَّالَانِيِّ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي الْحَدِيثِ
الْحَثُّ عَلَى أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَإِعْطَاؤُهَا مَنْ
هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَيْهَا وَكَوْنُ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا
مِنْ جِنْسِ الْفِعْلِ
[الْبُدَاءَةُ فِي الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ]
(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ
السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ
مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ
يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ) أَكْثَرُ
التَّفَاسِيرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ الْيَدَ
الْعُلْيَا يَدُ الْمُعْطِي وَالسُّفْلَى يَدُ السَّائِلِ
وَقِيلَ: يَدُ الْمُتَعَفِّفِ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ يَمُدَّ
إلَيْهِ الْمُعْطِي وَعُلُوُّهَا مَعْنَوِيٌّ، وَقِيلَ:
يَدُ الْآخِذِ لِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَقِيلَ: الْعُلْيَا
الْمُعْطِيَةُ وَالسُّفْلَى الْمَانِعَةُ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ: الْيَدُ الْآخِذَةُ
أَفْضَلُ مِنْ الْمُعْطِيَةِ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إلَّا قَوْمًا
اسْتَطَابُوا السُّؤَالَ فَهُمْ يَحْتَجُّونَ
لِلدَّنَاءَةِ وَنِعْمَ مَا قَالَ.
وَقَدْ وَرَدَ التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ بِأَنَّ الْيَدَ
الْعُلْيَا الَّتِي تُعْطِي وَلَا تَأْخُذُ أَخْرَجَهُ
إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْيَدُ الْعُلْيَا»
فَذَكَرَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِنَفْسِهِ
وَعِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُمْ الْأَهَمُّ.
وَفِيهِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ
إخْرَاجِهَا صَاحِبُهَا مُسْتَغْنِيًا إذْ مَعْنَى "
أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ " مَا أَبْقَى الْمُتَصَدِّقُ مِنْ
مَالِهِ مَا يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى حَوَائِجِهِ
وَمَصَالِحِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ
يَنْدَمُ غَالِبًا وَيُحِبُّ إذَا احْتَاجَ أَنَّهُ لَمْ
يَتَصَدَّقْ، وَلَفْظُ الظَّهْرِ كَمَا قَالَ
الْخَطَّابِيُّ يُورَدُ فِي مِثْلِ هَذَا اتِّسَاعًا فِي
الْكَلَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صَدَقَةِ الرَّجُلِ
بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّهُ
جَوَّزَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ. قَالَ
الطَّبَرَانِيُّ وَمَعَ جَوَازِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ
لَا يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثُّلُثِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ
كُلِّهِ وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْفَاقَةِ وَلَا عِيَالَ
لَهُ أَوْ لَهُ عِيَالٌ يَصْبِرُونَ فَلَا كَلَامَ فِي
حُسْنِ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] الْآيَةَ
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8]
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كُرِهَ لَهُ
ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) أَيْ عَنْ
الْمَسْأَلَةِ (يُعِفَّهُ اللَّهُ) أَيْ يُعِينُهُ اللَّهُ
عَلَى الْعِفَّةِ (وَمَنْ يَسْتَغْنِ) بِمَا عِنْدَهُ
وَإِنْ قَلَّ (يُغْنِهِ اللَّهُ) بِإِلْقَاءِ الْقَنَاعَةِ
فِي قَلْبِهِ وَالْقَنُوعِ بِمَا عِنْدَهُ.
(1/543)
(593) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ:
أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدُ الْمُقِلِّ،
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(594) - وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي
دِينَارٌ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك قَالَ:
عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى
زَوْجَتِك قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ
عَلَى خَادِمِك قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ
أَبْصَرُ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[أَفْضَل الصَّدَقَة جَهْد الْمُقِلّ]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ
قَالَ: جُهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ) الْجُهْدُ
بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْوُسْعُ
وَالطَّاقَةُ وَبِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ، وَقِيلَ:
الْمُبَالَغَةُ وَالْغَايَةُ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ
بِمَعْنًى، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ قَدْرُ مَا
يَحْتَمِلُهُ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَالِ وَهَذَا بِمَعْنَى
حَدِيثِ «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، رَجُلٌ
لَهُ دِرْهَمَانِ أَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ
وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عَرْضِهِ
مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا» أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي
قَبْلَهُ مَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُهُ:
وَالْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ
غِنًى» وَقَوْلُهُ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ
الْمُقِلِّ» أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ
النَّاسِ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْفَاقَةِ وَالشِّدَّةِ
وَالِاكْتِفَاءِ بِأَقَلِّ الْكِفَايَةِ وَسَاقَ
أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
(وَعَنْهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: «قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي
دِينَارٌ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك قَالَ:
عِنْدِي آخَرُ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك قَالَ:
عِنْدِي آخَرُ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ الزَّوْجَةَ وَقَدْ وَرَدَتْ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَلَدِ
(1/544)
(595) - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ
طَعَامِ بَيْتِهَا، غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا
أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا
اكْتَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ
بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَفِيهِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى النَّفْسِ صَدَقَةٌ
وَأَنَّهُ يَبْدَأُ بِهَا ثُمَّ عَلَى الزَّوْجَةِ ثُمَّ
عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ عَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ أَوْ
مُطْلَقُ مَنْ يَخْدُمُهُ ثُمَّ حَيْثُ شَاءَ وَيَأْتِي
فِي النَّفَقَاتِ تَحْقِيقُ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ تَجِبُ
لَهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا
[نَفَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَال زَوْجهَا مِنْ غَيْر
إسْرَاف]
(وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ
بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ
مُسْرِفَةٍ فِي الْإِنْفَاقِ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا
أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا اكْتَسَبَ
وَلِلْخَادِمِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ
أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى جَوَازِ تَصَدُّقِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ
زَوْجِهَا وَالْمُرَادُ إنْفَاقُهَا مِنْ الطَّعَامِ
الَّذِي لَهَا فِيهِ تَصَرُّفٌ بِصِفَتِهِ لِلزَّوْجِ
وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
بِغَيْرِ إضْرَارٍ وَأَنْ لَا يُخِلَّ بِنَفَقَتِهِمْ،
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي
ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ
الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ
النُّقْصَانُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا
أَذِنَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ
اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا
تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا
بِإِذْنِهِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامُ
قَالَ: ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» .
إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُ مَا أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ
«إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ
غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ» وَلَعَلَّهُ
يُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّ إنْفَاقَهَا مَعَ
إذْنِهِ تَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ كَامِلًا وَمَعَ
عَدَمِ الْإِذْنِ نِصْفَ الْأَجْرِ، وَإِنَّ النَّهْيَ
عَنْ إنْفَاقِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ إذَا عَرَفَتْ
مِنْهُ الْفَقْرَ أَوْ الْبُخْلَ فَلَا يَحِلُّ لَهَا
الْإِنْفَاقُ إلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا
عَرَفَتْ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ جَازَ لَهَا الْإِنْفَاقُ
مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ
وَالْعَبْدِ وَالْخَادِمِ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِ
صَاحِبِ الْمَالِ فِي مَصَالِحِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ
لَفْظِ الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ
فَقَالَ: الْمَرْأَةُ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِ الزَّوْجِ
وَالتَّصَرُّفُ فِي بَيْتِهِ فَجَازَ لَهَا أَنْ
تَتَصَدَّقَ بِخِلَافِ الْخَادِمِ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ
فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِيهِ.
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا
التَّصَرُّفُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ
وَإِذَا تَصَدَّقَتْ مِنْهُ اخْتَصَّتْ بِأَجْرِهِ، ثُمَّ
ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْأَجْرِ وَيُحْتَمَلُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ حُصُولُ الْأَجْرِ
(1/545)
(596) - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَتْ زَيْنَبُ
امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إنَّك أَمَرْت الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ
عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ،
فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ
أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ،
زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت بِهِ
عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ أَجْرُ الْمُكْتَسِبِ
أَوْفَرَ إلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "
وَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ " فَهُوَ يُشْعِرُ
بِالْمُسَاوَاةِ
[الصَّدَقَة عَلَيَّ الزَّوْج وَالْأَقَارِب]
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك أَمَرْت الْيَوْمَ
بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْت أَنْ
أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ
وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ؛
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ
تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) فِيهِ
دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى مَنْ كَانَ
أَقْرَبَ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى.
وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي صَدَقَةِ الْوَاجِبِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّطَوُّعُ
وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ «عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُجْزِي عَنَّا
أَنْ نَجْعَلَ الصَّدَقَةَ فِي زَوْجٍ فَقِيرٍ وَأَبْنَاءِ
أَخٍ أَيْتَامٍ فِي حُجُورِنَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَك
أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» وَأَخْرَجَهُ
أَيْضًا مُسْلِمٌ وَهُوَ أَوْضَحُ فِي صَدَقَةِ الْوَاجِبِ
لِقَوْلِهَا: " أَيُجْزِي " وَلِقَوْلِهِ: " صَدَقَةٌ
وَصِلَةٌ " إذْ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
تَتَبَادَرُ فِي الْوَاجِبَةِ وَبِهَذَا جَزَمَ
الْمَازِنِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَرْفِ
زَكَاةِ الْمَرْأَةِ فِي زَوْجِهَا وَهُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا
دَلِيلَ لَهُ يُقَاوِمُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ.
وَمَنْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّهَا تَعُودُ إلَيْهَا
بِالنَّفَقَةِ فَكَأَنَّهَا مَا خَرَّجَتْ عَنْهَا فَقَدْ
أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَنْعُ صَرْفِهَا
صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِي زَوْجِهَا مَعَ أَنَّهَا
يَجُوزُ صَرْفُهَا فِيهِ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا الزَّوْجُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ فِي زَوْجَتِهِ
قَالُوا:؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ
فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الزَّكَاةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
فِي الْفَتْحِ وَعِنْدِي فِي هَذَا الْأَخِيرِ تَوَقُّفٌ؛
لِأَنَّ غِنَى الْمَرْأَةِ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى
زَوْجِهَا لَا يُصَيِّرُهَا غَنِيَّةً الْغِنَى الَّذِي
يَمْنَعُ مِنْ حِلِّ الزَّكَاةِ لَهَا.
وَفِي قَوْلِهِ (وَوَلَدُهُ) مَا يَدُلُّ عَلَى
إجْزَائِهَا فِي الْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُ ادَّعَى ابْنُ
الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ صَرْفِهَا
إلَى الْوَلَدِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ فِي
غَيْرِ الْوَاجِبَةِ أَوْ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الزَّوْجِ
وَهُوَ الْمُنْفِقُ عَلَى الْأَوْلَادِ أَوْ أَنَّ
الْأَوْلَادَ
(1/546)
(597) - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ
الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(598) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ
تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ
أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لِلزَّوْجِ وَلَمْ يَكُونُوا مِنْهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ
مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " عَلَى زَوْجِهَا
وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا " وَلَعَلَّهُمْ أَوْلَادُ
زَوْجِهَا وَسُمُّوا أَيْتَامًا بِاعْتِبَارِ الْيُتْمِ
مِنْ الْأُمِّ
[النَّهْي عَنْ كَثْرَة الْمَسْأَلَة]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " لَا يَزَالُ الرَّجُلُ) وَالْمَرْأَةُ
(يَسْأَلُ النَّاسَ) أَمْوَالَهُمْ (حَتَّى يَأْتِيَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ)
بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ
(لَحْمٍ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى قُبْحِ كَثْرَةِ السُّؤَالِ
وَأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ تُذْهِبُ مِنْ وَجْهِهِ قِطْعَةَ
لَحْمٍ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ؛ لِقَوْلِهِ لَا
يَزَالُ وَلَفْظُ النَّاسِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ
بِالسُّلْطَانِ كَمَا يَأْتِي.
وَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فِي قُبْحِ السُّؤَالِ مُطْلَقًا
وَقَيَّدَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَنْ يَسْأَلُ تَكَثُّرًا
كَمَا يَأْتِي يَعْنِي مَنْ سَأَلَ وَهُوَ غَنِيٌّ
فَإِنَّهُ تَرْجَمَ لَهُ: بِبَابِ مَنْ سَأَلَ تَكَثُّرًا
لَا مَنْ سَأَلَ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ
وَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُ الْغِنَى الَّذِي يَمْنَعُ
مِنْ السُّؤَالِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ: "
وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ " يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يَأْتِي سَاقِطًا لَا قَدْرَ لَهُ
وَلَا جَاهٍ أَوْ يُعَذَّبُ فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَسْقُطَ
لَحْمُهُ عُقُوبَةً لَهُ فِي مَوْضِعِ الْجِنَايَةِ
لِكَوْنِهِ أَذَلَّ وَجْهَهُ بِالسُّؤَالِ أَوْ أَنَّهُ
يُبْعَثُ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لِيَكُونَ ذَلِكَ شِعَارَهُ
الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ
مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَسْأَلُ
وَهُوَ غَنِيٌّ حَتَّى يُخْلَقَ وَجْهُهُ فَلَا يَكُونُ
لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَجْهٌ» وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ.
(598) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ
تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ
أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ
تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ
أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ ابْنُ
الْعَرَبِيِّ: إنَّ قَوْلَهُ " فَإِنَّمَا يَسْأَلُ
جَمْرًا " مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَيْ أَنَّهُ يَصِيرُ
مَا يَأْخُذُهُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا فِي مَانِعِ
الزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ " فَلْيَسْتَقِلَّ " أَمْرٌ
لِلتَّهَكُّمِ وَمِثْلُهُ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَوْ
لِلتَّهْدِيدِ مِنْ بَابِ {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت:
40] وَهُوَ مُشْعِرٌ بِتَحْرِيمِ السُّؤَالِ
لِلِاسْتِكْثَارِ.
(1/547)
(599) - وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ
يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنْ
الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ بِهَا
وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ
أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(600) - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَسْأَلَةُ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا
الرَّجُلُ وَجْهَهُ، إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ
سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ» رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
بَابُ قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ أَيْ قِسْمَةُ اللَّهِ
لِلصَّدَقَاتِ بَيْنَ مَصَارِفِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ
فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنْ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ،
فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ
فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنْ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ
فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ بِهَا أَيْ بِقِيمَتِهَا وَجْهَهُ
خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ
مَنَعُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى
مَا دَلَّ قَبْلَهُ عَلَيْهِ مِنْ قُبْحِ السُّؤَالِ مَعَ
الْحَاجَةِ وَزَادَ بِالْحَثِّ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَلَوْ
أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ وَذَلِكَ لِمَا
يُدْخِلُ السَّائِلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ
وَذِلَّةِ الرَّدِّ إنْ لَمْ يُعْطِهِ الْمَسْئُولُ
وَلِمَا يُدْخِلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ الضِّيقِ فِي
مَالِهِ إنْ أَعْطَى كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي سُؤَالِ مَنْ لَهُ
قُدْرَةٌ عَلَى التَّكَسُّبِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَرَامٌ
لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ مَكْرُوهٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ
أَنَّهُ لَا يُذِلُّ نَفْسَهُ وَلَا يُلِحُّ فِي
السُّؤَالِ وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُولَ فَإِنْ فُقِدَ
أَحَدُهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ
[سُؤَالُ الرَّجُلِ أَمْوَالَ النَّاسِ كَدٌّ أَيْ خَدْشٌ]
(وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الْمَسْأَلَةُ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا
الرَّجُلُ وَجْهَهُ إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ
سُلْطَانًا أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ» رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) أَيْ سُؤَالُ الرَّجُلِ
أَمْوَالَ النَّاسِ كَدٌّ أَيْ خَدْشٌ وَهُوَ الْأَثَرُ
وَفِي رِوَايَةٍ كُدُوحٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَأَمَّا
سُؤَالُهُ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنَّهُ لَا مَذَمَّةَ
فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْأَلُ مِمَّا هُوَ حَقٌّ لَهُ
فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا مِنَّةَ لِلسُّلْطَانِ عَلَى
السَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فَهُوَ كَسُؤَالِ
الْإِنْسَانِ وَكِيلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ حَقِّهِ
الَّذِي لَدَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَإِنْ سَأَلَ
السُّلْطَانَ تَكَثُّرًا فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ فِيهِ وَلَا
إثْمَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْأَمْرِ الَّذِي
لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا
بُدَّ مِنْهُ حَدِيثَ قَبِيصَةَ وَفِيهِ «لَا يَحِلُّ
السُّؤَالُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ ذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ
دَمٍ مُوجِعٍ أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ
(أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ لَا يَتِمُّ لَهُ
حُصُولُهُ مَعَ ضَرُورَتِهِ إلَّا بِسُؤَالٍ وَيَأْتِي
حَدِيثُ قَبِيصَةَ قَرِيبًا وَهُوَ مُبَيِّنٌ وَمُفَسِّرٌ
لِلْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ
(1/548)
(601) - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ
الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ
عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ
غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ
تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ،
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[بَابُ قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا
لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا
بِمَالِهِ أَوْ غَارِمٍ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَوْ مِسْكِينٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى
لِغَنِيٍّ مِنْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأُعِلَّ
بِالْإِرْسَالِ) ظَاهِرُهُ إعْلَالُ مَا أَخْرَجَهُ
الْمَذْكُورُونَ جَمِيعًا.
وَفِي الشَّرْحِ أَنَّ الَّتِي أُعِلَّتْ بِالْإِرْسَالِ
رِوَايَةُ الْحَاكِمِ الَّتِي حَكَمَ بِصِحَّتِهَا.
وَقَوْلُهُ: " لِغَنِيٍّ " قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَقْوَالُ
فِي حَدِّ الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ قَبْضُ
الصَّدَقَةِ عَلَى أَقْوَالٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا مَا
تَسْكُنُ لَهُ النَّفْسُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ
الْمَبْحَثَ لَيْسَ لُغَوِيًّا حَتَّى يُرْجَعَ فِيهِ إلَى
تَفْسِيرِ لُغَةٍ وَلِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَمْرٌ
نِسْبِيٌّ لَا يَتَعَيَّنُ فِي قَدْرٍ وَوَرَدَتْ
أَحَادِيثُ مُعَيَّنَةٌ لِقَدْرِ الْغِنَى الَّذِي
يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ
النَّسَائِيّ «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ
أَلْحَفَ» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ
وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ
إلْحَافًا» وَأَخْرَجَ أَيْضًا «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا
يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ قَالُوا:
وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُعَشِّيهِ
وَيُغَدِّيهِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَهَذَا قَدْرُ
الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ السُّؤَالُ.
وَأَمَّا الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ قَبْضُ
الزَّكَاةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ
الزَّكَاةُ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«أُمِرْت أَنْ آخُذَهَا مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا
فِي فُقَرَائِكُمْ» فَقَابَلَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَأَفَادَ
أَنَّهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَبَيْنَ
الْفَقِيرِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ تَرِدُ فِيهِ
الصَّدَقَةُ هَذَا أَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ وَقَدْ
بَيَّنَّاهُ فِي رِسَالَةِ جَوَابِ سُؤَالٍ وَأَفَادَ
حَدِيثُ الْبَابِ حِلَّهَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا وَإِنْ
كَانَ غَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَجْرَهُ عَلَى
عَمَلِهِ لَا لِفَقْرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَاهَا
بِمَالِهِ فَإِنَّهَا قَدْ وَافَقَتْ مَصْرِفَهَا
وَصَارَتْ مِلْكًا لَهُ فَإِذَا بَاعَهَا فَقَدْ بَاعَ مَا
لَيْسَ بِزَكَاةٍ حِينَ الْبَيْعِ بَلْ
(1/549)
(602) - وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ
رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلَانِهِ مِنْ
الصَّدَقَةِ. فَقَلَّبَ فِيهِمَا النَّظَرَ، فَرَآهُمَا
جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا،
وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ
مُكْتَسِبٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَوَّاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ وَكَذَلِكَ الْغَارِمُ تَحِلُّ لَهُ
وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَكَذَلِكَ الْغَازِي يَحِلُّ لَهُ
أَنْ يَتَجَهَّزَ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا؛
لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ الشَّارِحُ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ كَانَ قَائِمًا
بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
كَالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَإِنْ كَانَ
غَنِيًّا.
وَأَدْخَلَ أَبُو عُبَيْدٍ مَنْ كَانَ فِي مَصْلَحَةٍ
عَامَّةٍ فِي الْعَامِلِينَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ
الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ (بَابُ رِزْقِ الْحَاكِمِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) وَأَرَادَ بِالرِّزْقِ مَا
يَرْزُقُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ
يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْقَضَاءِ
وَالْفُتْيَا وَالتَّدْرِيسِ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ
الزَّكَاةِ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مُدَّةَ الْقِيَامِ
بِالْمَصْلَحَةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.
قَالَ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى
جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْحُكْمِ؛
لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ الْحُكْمُ عَنْ الْقِيَامِ
بِمَصَالِحِهِ غَيْرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ السَّلَفِ
كَرِهُوا ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ
إنْ كَانَتْ جِهَةُ الْأَخْذِ مِنْ الْحَلَالِ كَانَ
جَائِزًا إجْمَاعًا وَمَنْ تَرَكَهُ فَإِنَّمَا تَرَكَهُ
تَوَرُّعًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ
فَالْأَوْلَى التَّرْكُ وَيَحْرُمُ إذَا كَانَ الْمَالُ
يُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ
وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْغَالِبُ حَرَامًا.
وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ الْمُتَحَاكِمَيْنِ فَفِي
جَوَازِهِ خِلَافٌ وَمَنْ جَوَّزَهُ فَقَدْ شَرَطَ لَهُ
شَرَائِطَ وَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ
وَإِنَّمَا لَمَّا تَعَرَّضَ لَهُ الشَّارِحُ هُنَا
تَعَرَّضْنَا لَهُ
[مِنْ تَجُوز لَهُ الزَّكَاة مِنْ الْأَغْنِيَاء]
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ)
بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ
آخِرُهُ رَاءٌ وَعَبْدُ اللَّهِ يُقَالُ: إنَّهُ وُلِدَ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ
أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلَانِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ
فَقَلَّبَ فِيهِمَا النَّظَرَ» فَسَّرَتْ ذَلِكَ
الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِلَفْظِ فَرَفَعَ فِينَا
النَّظَرَ وَخَفَضَهُ «فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: إنْ
شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ
وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَوَّاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ مَا أَجْوَدُهُ مِنْ حَدِيثٍ وَقَوْلُهُ إنْ
شِئْتُمَا أَيْ أَنَّ أَخْذَ الصَّدَقَةِ ذِلَّةٌ فَإِنْ
رَضِيتُمَا بِهَا أَعْطَيْتُكُمَا أَوْ أَنَّهَا حَرَامٌ
عَلَى الْجَلْدِ فَإِنْ شِئْتُمَا تَنَاوُلَ الْحَرَامِ
أَعْطَيْتُكُمَا قَالَهُ تَوْبِيخًا وَتَغْلِيظًا.
وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى
الْغَنِيِّ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَإِنْ
اُخْتُلِفَ
(1/550)
(603) - وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ
الْهِلَالِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ
ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ
الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٍ
أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ
الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ،
وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ
مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ، لَقَدْ أَصَابَتْ
فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى
يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ
الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ
سُحْتًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
فِي تَحْقِيقِ الْغَنِيِّ كَمَا سَلَفَ وَعَلَى الْقَوِيِّ
الْمُكْتَسِبِ؛ لِأَنَّ حِرْفَتَهُ صَيَّرَتْهُ فِي حُكْمِ
الْغَنِيِّ وَمَنْ أَجَازَ لَهُ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ
بِمَا لَا يُقْبَلُ.
[الْمَسْأَلَةُ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ]
(وَعَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ فَمُوَحَّدَةٌ
مَكْسُورَةٌ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ فَصَادٌ مُهْمَلَةٌ
(ابْنِ مُخَارِقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ
فَرَاءٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ فَقَافٍ
(الْهِلَالِيِّ) وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ عِدَادَهُ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ،
رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ قَطَنٌ وَغَيْرُهُ (قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ
ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ» بِالْكَسْرِ بَدَلًا مِنْ ثَلَاثَةٍ
وَيَصِحُّ رَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ أَحَدُهُمْ (تَحَمَّلَ
حَمَالَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ
الْمَالُ يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ
(فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ
يُمْسِكُ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ) أَيْ آفَةٌ
(اجْتَاحَتْ) أَيْ أَهْلَكَتْ (مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ
الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا) بِكَسْرِ الْقَافِ
مَا يَقُومُ بِحَاجَتِهِ وَسَدِّ خُلَّتِهِ (مِنْ عَيْشٍ،
وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ) أَيْ حَاجَةٌ (حَتَّى
يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا) بِكَسْرِ
الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ مَقْصُورُ الْعَقْلِ (مِنْ
قَوْمِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُ بِحَالِهِ يَقُولُونَ
أَوْ قَائِلِينَ (لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ
فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا)
بِكَسْرِ الْقَافِ (مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ
الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ) بِضَمِّ السِّينِ
الْمُهْمَلَةِ (يَأْكُلُهَا) أَيْ الصَّدَقَةَ أَنَّثَ؛
لِأَنَّهُ جَعَلَ السُّحْتَ عِبَارَةً عَنْهَا وَإِلَّا
فَالضَّمِيرُ لَهُ (سُحْتًا) السُّحْتُ الْحَرَامُ الَّذِي
لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْحِتُ الْبَرَكَةَ
أَيْ يُذْهِبُهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ:
(الْأَوَّلُ) لِمَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً وَذَلِكَ أَنْ
يَتَحَمَّلَ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا أَوْ
دِيَةً أَوْ يُصَالِحَ بِمَالٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ
فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ
كَانَ غَنِيًّا
(1/551)
(604) - وَعَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الصَّدَقَةَ
لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ
النَّاسِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ
لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ مِنْ مَالِهِ
وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ يَحِلُّ لَهُمْ
أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ كَمَا
سَلَفَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
(وَالثَّانِي) مَنْ أَصَابَ مَالَهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ
أَوْ أَرْضِيَّةٌ كَالْبَرْدِ وَالْغَرَقِ وَنَحْوِهِ
بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يَقُومُ بِعَيْشِهِ حَلَّتْ
لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مَا يَقُومُ
بِحَالِهِ وَيَسُدَّ خُلَّتَهُ.
(وَالثَّالِثُ) مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ وَلَكِنْ لَا
تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ
لَهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُ
بِحَالِهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ لَا مَنْ
غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَبَاوَةُ وَالتَّغْفِيلُ وَإِلَى
كَوْنِهِمْ ثَلَاثَةً ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ لِلنَّصِّ
فَقَالُوا: لَا يُقْبَلُ فِي الْإِعْسَارِ أَقَلُّ مِنْ
ثَلَاثَةٍ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى كِفَايَةِ الِاثْنَيْنِ قِيَاسًا
عَلَى سَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى
النَّدْبِ.
ثُمَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا
بِالْغِنَى ثُمَّ افْتَقَرَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ
كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ وَإِنْ لَمْ
يَشْهَدُوا لَهُ بِالْفَاقَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَقَدْ
ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ السُّؤَالِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى
وَأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهِ الْعَدَالَةُ وَالظَّاهِرُ مِنْ
الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ السُّؤَالِ إلَّا لِلثَّلَاثَةِ
الْمَذْكُورِينَ أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ
السُّلْطَانَ كَمَا سَلَفَ.
[الصَّدَقَة لَا تَحِلُّ لِلنَّبِيِّ وَلَا لآله]
(وَعَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ
الْحَارِثِ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ سَكَنَ
الْمَدِينَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى دِمَشْقَ
وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَكَانَ قَدْ
أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَامِلًا
عَلَى بَعْضِ الزَّكَاةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ وَفِيهِ
قِصَّةٌ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي
لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» هُوَ
بَيَانٌ لِعِلَّةِ التَّحْرِيمِ (وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ
لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ «وَإِنَّهَا لَا
تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) فَأَفَادَ أَنَّ لَفْظَ لَا تَنْبَغِي أَرَادَ
بِهِ لَا تَحِلُّ فَيُفِيدُ التَّحْرِيمَ أَيْضًا وَلَيْسَ
لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَذْكُورِ فِي الْكُتُبِ
السِّتَّةِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى
تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ، فَأَمَّا عَلَيْهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ
وَكَذَا ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَى
آلِهِ أَبُو طَالِبٍ وَابْنُ قُدَامَةَ وَنُقِلَ جَوَازٌ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: إنْ مُنِعُوا خُمُسَ
الْخُمُسِ وَالتَّحْرِيمُ هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ
الْأَحَادِيثُ وَمَنْ قَالَ بِخِلَافِهَا قَالَ
مُتَأَوِّلًا لَهَا وَلَا حَاجَةَ لِلتَّأْوِيلِ،
وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّأْوِيلُ إذَا قَامَ عَلَى
الْحَاجَةِ إلَيْهِ دَلِيلٌ وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا
أَوْسَاخُ النَّاسِ قَاضٍ بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ
(1/552)
(605) - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْت
بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتنَا،
وَنَحْنُ وَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا
بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ لَا النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّهَا
هِيَ الَّتِي يَطْهُرُ بِهَا مَنْ يُخْرِجُهَا كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] إلَّا
أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي صَدَقَةِ النَّفْلِ كَمَا
هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى تَحْرِيمِ صَدَقَةِ
النَّفْلِ أَيْضًا عَلَى الْآلِ وَاخْتَرْنَاهُ فِي
حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ
وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَرَّمَ آلَهُ عَنْ أَنْ يَكُونُوا مَحَلًّا لِلْغُسَالَةِ
وَشَرَّفَهُمْ عَنْهَا وَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ
الْمَنْصُوصَةُ وَقَدْ وَرَدَ التَّعْلِيلُ عِنْدَ أَبِي
نُعَيْمٍ مَرْفُوعًا بِأَنَّ لَهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ
مَا يَكْفِيهِمْ وَيُغْنِيهِمْ فَهُمَا عِلَّتَانِ
مَنْصُوصَتَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِمْ عَنْ
الْخُمُسِ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ فَإِنَّ مَنْ مَنَعَ
الْإِنْسَانَ عَنْ مَالِهِ وَحَقِّهِ لَا يَكُونُ مَنْعُهُ
لَهُ مُحَلِّلًا مَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَقَدْ بَسَطْنَا
الْقَوْلَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ.
وَفِي الْمُرَادِ بِالْآلِ خِلَافٌ وَالْأَقْرَبُ مَا
فَسَرَّهُمْ بِهِ الرَّاوِي وَهُوَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ
بِأَنَّهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ الْعَبَّاسِ وَآلُ جَعْفَرٍ
وَآلُ عَقِيلٍ. انْتَهَى.
(قُلْت) وَيُرِيدُ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَهَذَا تَفْسِيرُ
الرَّاوِي وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ
فَالرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ آلِ مُحَمَّدٍ هُنَا
هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْآلِ مُشْتَرَكٌ
وَتَفْسِيرُ رَاوِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ
مَعَانِيهِ؛ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَسَرَّهُمْ بِهِ
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
وَإِنَّمَا تَفْسِيرُهُمْ هُنَا بِبَنِي هَاشِمٍ
اللَّازِمُ مِنْهُ دُخُولُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ
أَبِي لَهَبٍ وَنَحْوِهِمْ فَهُوَ تَفْسِيرُ الرَّاوِي
وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ
بَنُو الْمُطَّلِبِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ كَمَا يَدْخُلُونَ
مَعَهُمْ فِي قِسْمَةِ الْخُمُسِ كَمَا يُفِيدُهُ.
[مِنْ هُمْ الْ النَّبِيّ الَّذِينَ لَا تَحِلّ لَهُمْ
الصَّدَقَة]
وَهُوَ قَوْلُهُ (وَعَنْ جُبَيْرٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ
وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ
التَّحْتِيَّةِ (بْنِ مُطْعِمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ
وَسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
ابْنِ نَوْفَلٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيِّ أَسْلَمَ
قَبْلَ الْفَتْحِ وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ بِهَا
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ
(قَالَ: مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْت بَنِي
الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتنَا وَنَحْنُ
وَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّمَا بَنُو
الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ) الْمُرَادُ بِبَنِي هَاشِمٍ
آلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ
الْعَبَّاسِ وَآلُ الْحَارِثِ وَلَمْ
(1/553)
(606) - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ:
اصْحَبْنِي، فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا،
حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فَأَسْأَلَهُ. فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ،
فَقَالَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّهَا
لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالثَّلَاثَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
يُدْخِلْ آلَ أَبِي لَهَبٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يُسْلِمْ مِنْهَا فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَحَدٌ وَقِيلَ: بَلْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ
عُتْبَةُ وَمُعْتَبٌ ابْنَا أَبِي لَهَبٍ وَثَبَتَا مَعَهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ
(شَيْءٌ وَاحِدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ
يُشَارِكُونَ بَنِي هَاشِمٍ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى
وَتَحْرِيمِ الزَّكَاةِ أَيْضًا دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ
وَإِنْ كَانُوا فِي النَّسَبِ سَوَاءً، وَعَلَّلَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْتِمْرَارِهِمْ
عَلَى الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي لَفْظٍ آخَرَ تَعْلِيلُهُ
«بِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا
إسْلَامٍ» فَصَارُوا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي
الْأَحْكَامِ وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ وَذَهَبَ
إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ
وَقَالُوا: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَعْطَاهُمْ عَلَى جِهَةِ التَّفَضُّلِ لَا
الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، بَلْ
قَوْلُهُ: " شَيْءٌ وَاحِدٌ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ
يُشَارِكُونَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْخُمُسِ وَتَحْرِيمِ
الزَّكَاةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ هُمْ أَوْلَادُ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ مِنْ أَوْلَادِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ
وَعُثْمَانَ مِنْ أَوْلَادِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ فَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ
وَبَنُو نَوْفَلٍ أَوْلَادُ عَمٍّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ
فَلِذَا قَالَ عُثْمَانُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إنَّهُمْ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؛
لِأَنَّ الْكُلَّ أَبْنَاءُ عَمٍّ.
[حُكْم مَوْلَى الْ الرَّسُول فِي الْمَنْع مِنْ أَخَذَ
الصَّدَقَة]
(وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ) هُوَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قِيلَ: اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ، وَقِيلَ: هُرْمُزُ، وَقِيلَ:
كَانَ لِلْعَبَّاسِ فَوَهَبَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَسْلَمَ
الْعَبَّاسُ بَشَّرَ أَبُو رَافِعٍ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْلَامِهِ
فَأَعْتَقَهُ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ كَمَا قَالَهُ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ)
أَيْ عَلَى قَبْضِهَا (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) اسْمُهُ
الْأَرْقَمُ (فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي
فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا فَقَالَ: حَتَّى آتِيَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَسْأَلَهُ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «مَوْلَى
الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَنَا
الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ وَابْنُ
خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ) .
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَوْلَى آلِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حُكْمُهُمْ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ فِي عَدَمِ حِلِّ الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِبَنِي هَاشِمٍ
وَلِمَوَالِيهِمْ انْتَهَى. وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ إلَى
عَدَمِ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ
فِي النَّسَبِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ
(1/554)
(607) - وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ الْعَطَاءَ، فَيَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ
مِنِّي، فَيَقُولُ،: خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ
بِهِ، وَمَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ
مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا
تُتْبِعْهُ نَفْسَك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
فِي الْخُمُسِ سَهْمٌ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّصَّ لَا
تُقَدَّمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ
فَإِنَّهَا تَرْفَعُ النَّصَّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا خِلَافُ الثَّابِتِ
مِنْ النَّصِّ ثُمَّ هَذَا نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِ
الْعِمَالَةِ عَلَى الْمَوَالِي وَبِالْأَوْلَى عَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
لِأَنَّهُ أَرَادَ الرَّجُلَ الَّذِي عَرَضَ عَلَى أَبِي
رَافِعٍ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى بَعْضِ عَمَلِهِ الَّذِي
وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَيَنَالَ عِمَالَةً لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ
يُعْطِيَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَبِي
رَافِعٍ أَخْذُهُ إذْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخُمُسِ
الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَ ذَلِكَ
الرَّجُلَ أُجْرَتَهُ فَيُعْطِيهِ مِنْ مِلْكِهِ فَهُوَ
حَلَالٌ؛ لِأَبِي رَافِعٍ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِيمَا
سَلَفَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى
مِنْهَا.
. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ:
أَعْطِهِ أَفْقَرَ مِنِّي؛ فَيَقُولُ: خُذْهُ
فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ وَمَا جَاءَك مِنْ
هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ» بِالشِّينِ
الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ مِنْ الْإِشْرَافِ
وَهُوَ التَّعَرُّضُ لِلشَّيْءِ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ
(وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ
نَفْسَكَ ") أَيْ لَا تُعَلِّقْهَا بِطَلَبِهِ (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) الْحَدِيثُ أَفَادَ أَنَّ الْعَامِلَ يَنْبَغِي
لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعِمَالَةَ وَلَا يَرُدَّهَا فَإِنَّ
الْحَدِيثَ فِي الْعِمَالَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: "
فَخُذْهُ " لِلنَّدَبِ وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ قِيلَ: وَهُوَ
مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ عَطِيَّةٍ يُعْطَاهَا الْإِنْسَانُ
فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ قَبُولُهَا بِالشَّرْطَيْنِ
الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْحَدِيثِ. هَذَا إذَا كَانَ
الْمَالُ الَّذِي يُعْطِيهِ مِنْهُ حَلَالًا.
وَأَمَّا عَطِيَّةُ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ وَغَيْرِهِ
مِمَّنْ مَالُهُ حَلَالٌ وَحَرَامٌ. فَقَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ إنَّ أَخْذَهَا جَائِزٌ مُرَخَّصٌ فِيهِ
قَالَ: وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي
الْيَهُودِ {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ
لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وَقَدْ «رَهَنَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ
مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَكَذَا أَخَذَ الْجِزْيَةَ
مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ» . وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ مِنْ ثَمَنِ الْخِنْزِيرِ وَالْمُعَامَلَاتِ
الْبَاطِلَةِ. انْتَهَى.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَافِي أَنَّ عَطِيَّةَ السُّلْطَانِ
الْجَائِرِ لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ
ذَلِكَ عَيْنُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَجَبَ قَبُولُهُ
وَتَسْلِيمُهُ إلَى مَالِكِهِ وَإِنْ كَانَ
(1/555)
الصِّيَامُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ
مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ
فِي النَّهَارِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَيَتْبَعُ
ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ
وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ
وَالْمَكْرُوهِ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ بِالنَّهْيِ
عَنْهَا فِي الصَّوْمِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ فِي
وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ تُفَصِّلُهَا
الْأَحَادِيثُ الْآتِيَةُ.
وَكَانَ مَبْدَأُ فَرْضِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ
مِنْ الْهِجْرَةِ.
(608) - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ
وَلَا يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا
فَلْيَصُمْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مُلْتَبَسًا فَهُوَ مَظْلِمَةٌ يَصْرِفُهَا عَلَى
مُسْتَحِقِّهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنَ مَالِ
الْجَائِرِ فَفِيهِ تَقْلِيلٌ لِبَاطِلِهِ وَأَخْذُ مَا
يَسْتَعِينُ بِإِنْفَاقِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَهُوَ
كَلَامٌ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، إلَّا
أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمَنَ الْقَابِضُ
عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْمُحْسِنِ الَّذِي
جُبِلَتْ النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا
وَأَنْ لَا يُوهَمَ الْغَيْرُ أَنَّ السُّلْطَانَ عَلَى
الْحَقِّ حَيْثُ قَبَضَ مَا أَعْطَاهُ وَقَدْ بَسَطْنَا
فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مَا
هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا. |