سبل السلام [بَابُ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ
وَالْكَفَّارَةِ]
الْإِيلَاءُ لُغَةً الْحَلِفُ. وَشَرْعًا الِامْتِنَاعُ
بِالْيَمِينِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ.
(وَالظِّهَارُ) بِكَسْرِ الظَّاءِ مُشْتَقٌّ مِنْ
الظَّهْرِ لِقَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ
أُمِّي.
(وَالْكَفَّارَةُ) وَهِيَ مِنْ التَّكْفِيرِ
التَّغْطِيَةُ.
(عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «آلَى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ وَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا
وَجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ) وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إرْسَالَهُ
عَلَى وَصْلِهِ.
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ حَلِفِ الرَّجُلِ مِنْ
زَوْجَتِهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْإِيلَاءِ
الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَهُوَ
الْحَلِفُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهَا
اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي سَبَبِ إيلَائِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي الشَّيْءِ الَّذِي
حَرَّمَهُ عَلَى رِوَايَاتٍ: (أَحَدُهَا) : أَنَّهُ
بِسَبَبِ إفْشَاءِ حَفْصَةَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَسَرَّهُ
إلَيْهَا وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَسَرَّهُ
إلَيْهَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَأُجْمِلَ فِي رِوَايَةِ
الْبُخَارِيِّ هَذِهِ وَفَسَّرَهُ فِي رِوَايَةٍ
(2/268)
(1023) - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ
أَشْهُرٍ وَقَفَ الْمُولِي حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلَا يَقَعُ
عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَخْرَجَهَا الشَّيْخَانِ بِأَنَّهُ تَحْرِيمُهُ
لِمَارِيَةَ، وَأَنَّهُ أَسَرَّهُ إلَى حَفْصَةَ
فَأَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةَ، أَوْ تَحْرِيمُهُ لِلْعَسَلِ
وَقِيلَ: بَلْ أَسَرَّ إلَى حَفْصَةَ أَنَّ أَبَاهَا يَلِي
أَمْرَ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ لَا
تُخْبِرِي عَائِشَةَ بِتَحْرِيمِي مَارِيَةَ.
(وَثَانِيهَا) : السَّبَبُ فِي إيلَائِهِ «أَنْ فَرَّقَ
هَدِيَّةً جَاءَتْ لَهُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَلَمْ تَرْضَ
زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ بِنَصِيبِهَا فَزَادَهَا مَرَّةً
أُخْرَى فَلَمْ تَرْضَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ
أَقْمَتْ وَجْهَك تَرُدُّ عَلَيْك الْهَدِيَّةَ، فَقَالَ:
لَأَنْتُنَّ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَغُمَّنِي
لَا أَدْخُلُ عَلَيْكُمْ شَهْرًا» أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ
عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ،
وَقَالَ ذَبَحَ ذَبْحًا.
(ثَالِثُهَا) : أَنَّهُ بِسَبَبِ طَلَبِهِنَّ النَّفَقَةَ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَهَذِهِ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ إمَّا لِإِفْشَاءِ بَعْضِ
نِسَائِهِ السِّرَّ وَهِيَ حَفْصَةُ وَالسِّرُّ أَحَدُ
ثَلَاثَةٍ إمَّا تَحْرِيمُهُ مَارِيَةَ، أَوْ الْعَسَلَ،
أَوْ بِتَحْرِيجِ صَدْرِهِ مِنْ قِبَلِ مَا فَرَّقَهُ
بَيْنَهُنَّ مِنْ الْهَدِيَّةِ، أَوْ تَضْيِيقِهِنَّ فِي
طَلَبِ النَّفَقَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاللَّائِقُ
بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَسَعَةِ صَدْرِهِ وَكَثْرَةِ صَفْحِهِ أَنْ
يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَبَبًا
لِاعْتِزَالِهِنَّ. وَقَوْلُهَا وَحَرَّمَ أَيْ حَرَّمَ
مَارِيَةَ أَوْ الْعَسَلَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ التَّحْرِيمَ لِلْجِمَاعِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَابِ
الْإِيلَاءِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا وَجْهَ لِجَزْمِ ابْنِ
بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - امْتَنَعَ مِنْ جِمَاعِ نِسَائِهِ ذَلِكَ
الشَّهْرَ إنْ أَخَذَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا
مُسْتَنَدَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ
لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ
لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا
تَدْخُلَ إحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي
اعْتَزَلَ فِيهِ إلَّا إنْ كَانَ الْمَكَانُ الْمَذْكُورُ
مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَتِمُّ اسْتِلْزَامَ عَدَمِ
الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْإِقَامَةِ
فِي الْمَسْجِدِ الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ
لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ فِي الْمَسْجِدِ.
[أَحْكَام الْإِيلَاء]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا
مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَ الْمُولِي حَتَّى
يُطَلِّقَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى
يُطَلِّقَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ) الْحَدِيثُ
كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:
226] ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلَ مِنْ
الْإِيلَاءِ: (الْأُولَى) فِي الْيَمِينِ، فَإِنَّهُمْ
اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَنْعَقِدُ
الْإِيلَاءُ بِكُلِّ يَمِينٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ
الْوَطْءِ سَوَاءٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ،
وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا
بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ
يَمِينًا إلَّا مَا كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَا
تَشْمَلُ الْآيَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِهِ.
(قُلْت) : وَهُوَ الْحَقُّ.
(الثَّانِيَةُ) فِي الْأَمْرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ
الْإِيلَاءُ، وَهُوَ تَرْكُ الْجِمَاعِ صَرِيحًا، أَوْ
كِنَايَةً، أَوْ تَرْكُ الْكَلَامِ عِنْدَ الْبَعْضِ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ
التَّصْرِيحِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ لَا
مُجَرَّدَ الِامْتِنَاعِ
(2/269)
(1024) - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَدْرَكْت بِضْعَةَ
عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ يَقِفُونَ
الْمُولَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
عَنْ الزَّوْجَةِ، وَلَا كَلَامَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي
الْإِيلَاءِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226]
الْآيَةَ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لِإِبْطَالِ مَا كَانَ
عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إطَالَةِ مُدَّةِ
الْإِيلَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يُولِي مِنْ
امْرَأَتِهِ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ فَأَبْطَلَ اللَّهُ
تَعَالَى ذَلِكَ وَأُنْظِرَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، أَوْ يُطَلِّقَ.
(الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ
فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ
أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ
الْحَسَنُ وَآخَرُونَ يَنْعَقِدُ بِقَلِيلِ الزَّمَانِ
وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ
فِي الْآيَةِ إذْ قَدْ قَدَّرَ اللَّهُ الْمُدَّةَ فِيهَا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226]
فَالْأَرْبَعَةُ قَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ مُدَّةَ
الْإِمْهَالِ وَهِيَ كَأَجَلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ
تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] بِفَاءِ
التَّعْقِيبِ، وَهُوَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ فَلَوْ كَانَتْ
الْمُدَّةُ أَرْبَعَةً أَوْ أَقَلَّ لَكَانَتْ قَدْ
انْقَضَتْ، فَلَا يُطَالَبُ بَعْدَهَا وَالتَّعْقِيبُ
لِلْمُدَّةِ لَا لِلْإِيلَاءِ لِبُعْدِهِ.
(وَالرَّابِعَةُ) : أَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ لَا يَكُونُ
طَلَاقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
بَلْ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ طَلُقَتْ
الْمَرْأَةُ. قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَكُونُ بِمُضِيِّهَا طَلَاقًا أَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ
فِي الْآيَةِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى
الطَّلَاقِ فَيَكُونَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ
بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ
يَقَعُ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ وَالْفَيْئَةُ بَعْدَهَا
لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُخَيَّرِ
فِيهِمَا أَنْ يَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي
يَصِحُّ فِيهِ الْآخَرُ كَالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُ
تَعَالَى أَضَافَ عَزْمَ الطَّلَاقِ إلَى الرَّجُلِ
وَلَيْسَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ فِعْلِ الرَّجُلِ،
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِي
سِيَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا، فَهُوَ مُقَوٍّ
لِلْأَدِلَّةِ.
(الْخَامِسَةُ) : الْفَيْئَةُ هِيَ الرُّجُوعُ ثُمَّ
اخْتَلَفُوا بِمَاذَا تَكُونُ فَقِيلَ: تَكُونُ
بِالْوَطْءِ عَلَى الْقَادِرِ وَالْمَعْذُورِ يُبَيِّنُ
عُذْرَهُ بِقَوْلِهِ لَوْ قَدَرْت لَفِئْت؛ لِأَنَّهُ
الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]
وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ رَجَعْت عَنْ يَمِينِي، وَهَذَا
لِلْهَادَوِيَّةِ كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمُرَادُ
رُجُوعُهُ عَنْ يَمِينِهِ لَا إيقَاعُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ
وَقِيلَ: تَكُونُ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ بِالنِّيَّةِ؛
لِأَنَّهَا تَوْبَةٌ يَكْفِي فِيهَا الْعَزْمُ وَرُدَّ
بِأَنَّهَا تَوْبَةٌ عَنْ حَقِّ مَخْلُوقٍ، فَلَا بُدَّ
مِنْ إفْهَامِهِ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَمْرِ الَّذِي عَزَمَ
عَلَيْهِ.
(السَّادِسَةُ) اخْتَلَفُوا هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ
عَلَى مَنْ فَاءَ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ تَجِبُ؛
لِأَنَّهَا يَمِينٌ قَدْ حَنِثَ فِيهَا فَتَجِبُ
الْكَفَّارَةُ لِحَدِيثِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ
فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ
يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَقِيلَ: لَا
تَجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الْغُفْرَانَ يَخْتَصُّ بِالذَّنْبِ لَا بِالْكَفَّارَةِ
وَيَدُلُّ لِلْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ.
(1024) - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ يَقِفُونَ الْمُولَى
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ
فَسِينٌ مُهْمَلَةٌ مُخَفَّفَةٌ بَعْدَ الْأَلِفِ رَاءٌ
هُوَ
(2/270)
(1025) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ
فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ
أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى
مَيْمُونَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ أَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ
كَانَ سُلَيْمَانُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَكِبَارِ
التَّابِعِينَ ثِقَةً فَاضِلًا وَرَعًا حُجَّةً، هُوَ
أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ رَوَى عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مَاتَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسَبْعِينَ سَنَةً (قَالَ أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ يَقِفُونَ الْمُولَى.
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ) . وَفِي الْإِرْشَادِ لِابْنِ
كَثِيرٍ أَنَّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ
الْحَدِيثِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ اهـ.
يُرِيدُ أَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ بِضْعَةَ
عَشَرَ. وَقَوْلُهُ: يَقِفُونَ بِمَعْنَى يَقِفُونَهُ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ إسْمَاعِيلُ هُوَ
ابْن أَبِي إدْرِيس عَنْ سُلَيْمَانَ أَيْضًا أَنَّهُ
قَالَ أَدْرَكْنَا النَّاسَ يَقِفُونَ الْإِيلَاءَ إذَا
مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ فَإِطْلَاقُ رِوَايَةِ الْكِتَابِ
مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ،
وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ
بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت
اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ الرَّجُلِ
يُولِي، فَقَالُوا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ
أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيُوقَفُ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا
طَلَّقَ وَأَخْرَجَ إسْمَاعِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ
أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلَا يَقَعُ
عَلَيْهَا الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ " وَأَخْرَجَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ " أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ،
فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى
يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ
إذَا مَضَتْ حَتَّى يُوقَفَ ".
وَفِي الْبَابِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنْ السَّلَفِ كُلُّهَا
قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدَ مُضِيِّ
الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ إيقَافِ الْمُولِي
وَمَعْنَى إيقَافِهِ هُوَ أَنْ يُطَالَبَ إمَّا
بِالْفَيْءِ وَإِمَّا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يَقَعُ
الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ وَعَلَيْهِ دَلَّ ظَاهِرُ الْآيَةِ
إذْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] يَدُلُّ قَوْلُهُ
سَمِيعٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِقَوْلٍ
يَتَعَلَّقُ بِهِ السَّمْعُ، وَلَوْ كَانَ يَقَعُ
بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَكَفَى قَوْلُهُ عَلِيمٌ لِمَا
عُرِفَ مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ فَوَاصِلَ
الْآيَاتِ تُشِيرُ إلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ
السَّابِقَةُ، فَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، فَإِنَّهُ
يَكُونُ رَجْعِيًّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ
الظَّاهِرُ وَلِغَيْرِهِمْ تَفَاصِيلُ لَا يَقُومُ
عَلَيْهَا دَلِيلٌ.
[إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ]
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ
وَالسَّنَتَيْنِ فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ،
فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ
بِإِيلَاءٍ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ) وَأَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْلِفُ
بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. وَفِي لَفْظٍ " كَانُوا
يُطَلِّقُونَ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَالْإِيلَاءَ
فَنَقَلَ تَعَالَى الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ عَمَّا كَانَ
عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إيقَاعِ
(2/271)
(1026) - وَعَنْهُ «- رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ
وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إنِّي وَقَعْت عَلَيْهَا
قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى
تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ
الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَجَّحَ
النَّسَائِيّ إرْسَالَهُ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَزَادَ فِيهِ " كَفِّرْ، وَلَا
تَعُدْ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ إلَى مَا اسْتَقَرَّ
عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي الشَّرْعِ وَبَقِيَ حُكْمُ
الطَّلَاقِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ " وَالْحَدِيثُ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ
الْإِيلَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.
[الظِّهَار وبما يَكُون]
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
«أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ وَقَعَ
عَلَيْهَا فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فَقَالَ إنِّي وَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ
أُكَفِّرَ قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا
أَمَرَك اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَرَجَّحَ النَّسَائِيّ إرْسَالَهُ
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ «كَفِّرْ، وَلَا تَعُدْ» . هَذَا
مِنْ بَابِ الظِّهَارِ وَالْحَدِيثُ لَا يَضُرُّ
إرْسَالُهُ كَمَا كَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ إتْيَانَهُ مِنْ
طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ وَطَرِيقٍ مَوْصُولَةٍ لَا يَكُونُ
عِلَّةً بَلْ يَزِيدُهُ قُوَّةً.
وَالظِّهَارُ مُشْتَقٌّ مِنْ الظَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ
الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
فَأُخِذَ اسْمُهُ مِنْ لَفْظِهِ وَكَنَّوْا بِالظَّهْرِ
عَمَّا يُسْتَهْجَنُ ذِكْرُهُ وَأَضَافُوهُ إلَى الْأُمِّ؛
لِأَنَّهَا أُمُّ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الظِّهَارِ وَإِثْمِ
فَاعِلِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ
مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] .
وَأَمَّا حُكْمُهُ بَعْدَ إيقَاعِهِ فَيَأْتِي، وَقَدْ
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ بِتَشْبِيهِ
الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ
فِي مَسَائِلَ: (الْأُولَى) إذَا شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ
مِنْهَا غَيْرِهِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ
يَكُونُ ظِهَارًا أَيْضًا وَقِيلَ: يَكُونُ ظِهَارًا إذَا
شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَقَدْ
عَرَفْت أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الظَّهْرِ.
(الثَّانِيَةُ) : أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا
إذَا شَبَّهَهَا بِغَيْرِ الْأُمِّ مِنْ الْمَحَارِمِ،
فَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ لَا يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ
النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأُمِّ وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ
مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ
يَكُونُ ظِهَارًا، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِمُحَرَّمٍ مِنْ
الرَّضَاعِ وَدَلِيلُهُمْ الْقِيَاسُ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ
التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي
الْمَحَارِمِ كَثُبُوتِهِ فِي الْأُمِّ، وَقَالَ مَالِكٌ
وَأَحْمَدُ إنَّهُ يَنْعَقِدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
الْمُشَبَّهُ بِهِ مُؤَبَّدَ التَّحْرِيمِ
كَالْأَجْنَبِيَّةِ بَلْ قَالَ أَحْمَدُ حَتَّى فِي
الْبَهِيمَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ
إلَّا فِي الْأُمِّ وَمَا ذُكِرَ مِنْ إلْحَاقِ غَيْرِهَا
فَبِالْقِيَاسِ وَمُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى، وَلَا
يَنْتَهِضُ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ.
(الثَّالِثَةُ) : أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ
يَنْعَقِدُ الظِّهَارُ مِنْ الْكَافِرِ فَقِيلَ: نَعَمْ
لِعُمُومِ الْخِطَابِ فِي الْآيَةِ وَقِيلَ: لَا
يَنْعَقِدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِهِ
الْكَفَّارَةَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَمَنْ
قَالَ يَنْعَقِدُ مِنْهُ قَالَ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ أَوْ
(2/272)
(1027) - وَعَنْ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَخِفْت
أَنْ أُصِيبَ امْرَأَتِي، فَظَاهَرْت مِنْهَا فَانْكَشَفَ
لِي شَيْءٌ مِنْهَا لَيْلَةً فَوَقَعْت عَلَيْهَا، فَقَالَ
لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: حَرِّرْ رَقَبَةً فَقُلْت: مَا أَمْلِكُ إلَّا
رَقَبَتِي. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
قُلْت: وَهَلْ أَصَبْت الَّذِي أَصَبْت إلَّا مِنْ
الصِّيَامِ؟ قَالَ: أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ
مِسْكِينًا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ
الْجَارُودِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْإِطْعَامِ لَا بِالصَّوْمِ لِتَعَذُّرِهِ فِي حَقِّهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِتْقَ وَالْإِطْعَامَ إذَا فُعِلَا
لِأَجْلِ الْكَفَّارَةِ كَانَا قُرْبَةً، وَلَا قُرْبَةَ
لِكَافِرٍ.
(الرَّابِعَةُ) : أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي
الظِّهَارِ مِنْ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ فَذَهَبَتْ
الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ قَوْله
تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] لَا
يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَةَ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ
لِلِاتِّفَاقِ فِي الْإِيلَاءِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ
دَاخِلَةٍ فِي عُمُومِ النِّسَاءِ وَقِيَاسًا عَلَى
الطَّلَاقِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ
يَصِحُّ مِنْ الْأَمَةِ لِعُمُومِ لَفْظِ النِّسَاءِ إلَّا
أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِصِحَّتِهِ مِنْهَا فِي
الْكَفَّارَةِ فَقِيلَ: لَا تَجِبُ إلَّا نِصْفُ
الْكَفَّارَةِ فَكَأَنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الطَّلَاقِ
عِنْدَهُ.
(الْخَامِسَةُ) : الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يَحْرُمُ وَطْءُ الزَّوْجَةِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا
قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]
فَلَوْ وَطِئَ لَمْ يَسْقُطْ التَّكْفِيرُ، وَلَا
يَتَضَاعَفْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ» قَالَ
الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ سَأَلْت عَشَرَةً مِنْ
الْفُقَهَاءِ عَنْ الْمُظَاهِرِ يُجَامِعُ قَبْلَ
التَّكْفِيرِ، فَقَالُوا " كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ "، وَهُوَ
قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِلظِّهَارِ
الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ الْعَوْدُ وَالثَّانِيَةُ
لِلْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ
نَهَارًا، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا تَسْقُطُ
الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَاتَ وَقْتُهَا، فَإِنَّهُ
قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَقَدْ فَاتَ.
(وَأُجِيبَ) بِأَنَّ فَوَاتَ وَقْتِ الْأَدَاءِ لَا
يُسْقِطُ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ كَالصَّلَاةِ
وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ الْمُقَدِّمَاتِ فَقِيلَ:
حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسِيسِ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ
شَبَّهَهَا بِمَنْ يَحْرُمُ فِي حَقِّهَا الْوَطْءُ
وَمُقَدِّمَاتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَعَنْ
الْأَقَلِّ لَا تَحْرُمُ الْمُقَدِّمَاتُ؛ لِأَنَّ
الْمَسِيسَ هُوَ الْوَطْءُ وَحْدَهُ، فَلَا يَشْمَلُ
الْمُقَدِّمَاتِ إلَّا مَجَازًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ
يُرَادَا؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ
وَالْمَجَازِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ يَحِلُّ لَهُ
الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ.
(2/273)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[أَحْكَام تَتَعَلَّق الظِّهَار]
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ) هُوَ الْبَيَاضِيُّ بِفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ
وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ كَانَ أَحَدَ
الْبَكَّائِينَ رَوَى عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ
وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ
حَدِيثُهُ يَعْنِي هَذَا الَّذِي فِي الظِّهَارِ (قَالَ
«دَخَلَ رَمَضَانُ فَخِفْت أَنْ أُصِيبَ امْرَأَتِي» .
وَفِي الْإِرْشَادِ قَالَ «إنِّي كُنْت امْرَأً أُصِيبُ
مِنْ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي فَظَاهَرْت
مِنْهَا فَانْكَشَفَ لِي شَيْءٌ مِنْهَا لَيْلَةً
فَوَقَعْت عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرِّرْ رَقَبَةً
فَقُلْت مَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي قَالَ فَصُمْ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قُلْت وَهَلْ أَصَبْت الَّذِي
أَصَبْت إلَّا مِنْ الصِّيَامِ قَالَ أَطْعِمْ فَرَقًا
مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَالْأَرْبَعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ) ، وَقَدْ أَعَلَّهُ
عَبْدُ الْحَقِّ بِالِانْقِطَاعِ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ وَسَلَمَةَ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يُدْرِكْ
سَلَمَةُ حَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ: (الْأُولَى) أَنَّهُ دَلَّ
عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ تَرْتِيبِ
خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَالتَّرْتِيبُ إجْمَاعٌ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ.
(الثَّانِيَةُ) أَنَّهَا أُطْلِقَتْ الرَّقَبَةُ فِي
الْآيَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا وَلَمْ تُقَيَّدْ
بِالْإِيمَانِ كَمَا قُيِّدَتْ بِهِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ
عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا إلَى عَدَمِ
التَّقْيِيدِ، وَأَنَّهَا تُجْزِئُ رَقَبَةٌ ذِمِّيَّةٌ،
وَقَالُوا لَا تُقَيَّدُ بِمَا فِي آيَةِ الْقَتْلِ
لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَقَدْ أَشَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ
إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ
فِي الْعِلَّةِ، فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَنَّهُ لَمَّا
أَخْرَجَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً مِنْ صِفَةِ الْحَيَاةِ إلَى
الْمَوْتِ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ إدْخَالَ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ فِي حَيَاةِ الْحُرِّيَّةِ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ
مَوْتِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّ الرِّقَّ يَقْتَضِي سَلْبَ
التَّصَرُّفِ عَنْ الْمَمْلُوكِ فَأَشْبَهَ الْمَوْتَ
الَّذِي يَقْتَضِي سَلْبَ التَّصَرُّفِ عَنْ الْمَيِّتِ
فَكَانَ فِي إعْتَاقِهِ إثْبَاتُ التَّصَرُّفِ فَأَشْبَهَ
الْإِحْيَاءَ الَّذِي يَقْتَضِي إثْبَاتَ التَّصَرُّفِ
لِلْحَيِّ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ
رَقَبَةٍ كَافِرَةٍ، وَقَالُوا تُقَيَّدُ آيَةُ الظِّهَارِ
كَمَا قُيِّدَتْ آيَةُ الْقَتْلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ
السَّبَبُ قَالُوا: وَقَدْ أَيَّدَتْ ذَلِكَ السُّنَّةُ،
فَإِنَّهُ «لَمَّا جَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - السَّائِلُ يَسْتَفْتِيهِ فِي عِتْقِ رَقَبَةٍ
كَانَتْ عَلَيْهِ سَأَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْجَارِيَةَ أَيْنَ اللَّهُ، فَقَالَتْ فِي
السَّمَاءِ، فَقَالَ مَنْ أَنَا، فَقَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ
اللَّهِ قَالَ فَأَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا فَسُؤَالُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا عَنْ
الْإِيمَانِ وَعَدَمُ سُؤَالِهِ عَنْ صِفَةِ الْكَفَّارَةِ
وَسَبَبِهَا دَالٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِيمَانِ فِي
كُلِّ رَقَبَةٍ تُعْتَقُ عَنْ سَبَبٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
تَقَرَّرَ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ مَعَ قِيَامِ
الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي
الْمَقَالِ كَمَا قَدْ تَكَرَّرَ قُلْت الشَّافِعِيُّ
قَائِلٌ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَإِنْ قَالَ بِهَا مَنْ
مَعَهُ مِنْ الْمُخَالِفِينَ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى
التَّقْيِيدِ هُوَ السُّنَّةُ لَا الْكِتَابُ؛ لِأَنَّهُمْ
قَرَّرُوا فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ
الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إلَّا مَعَ اتِّحَادِ
السَّبَبِ وَلَكِنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ عِنْدَ
(2/274)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَبِي دَاوُد مَا لَفْظُهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً. الْحَدِيثَ إلَى
آخِرِهِ قَالَ عِزُّ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ هَذَا
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا دَلِيلَ فِي
الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ الْإِيمَانِ
إلَّا لِأَنَّ السَّائِلَ قَالَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ
مُؤْمِنَةٌ.
(الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّقَبَةِ
الْمَعِيبَةِ بِأَيِّ عَيْبٍ، فَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ
وَدَاوُد تُجْزِئُ الْمَعِيبَةُ لِتَنَاوُلِ اسْمِ
الرَّقَبَةِ لَهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى عَدَمِ إجْزَاءِ
الْمَعِيبَةِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا
بِجَامِعِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ.
وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ
الْمَنْفَعَةِ كَالْأَعْوَرِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ نَقَصَتْ
مَنَافِعُهُ لَمْ تَجُزْ إذَا كَانَ ذَلِكَ يُنْقِصُهَا
نُقْصَانًا ظَاهِرًا كَالْأَقْطَعِ وَالْأَعْمَى إذْ
الْعِتْقُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ نَقَصَتْ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفَاصِيلُ فِي الْعَيْبِ يَطُولُ
تَعْدَادُهَا وَيَعِزُّ قِيَامُ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا.
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ دَالٌّ
عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ وَعَلَيْهِ دَلَّتْ الْآيَةُ
وَشُرِطَتْ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَوْ مَسَّ
فِيهِمَا اسْتَأْنَفَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ إذَا وَطِئَهَا
نَهَارًا مُتَعَمِّدًا.
وَكَذَا لَيْلًا عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَآخَرِينَ، وَلَوْ نَاسِيًا لِلْآيَةِ وَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ
وَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ إفْسَادُ الصَّوْمِ،
وَلَا إفْسَادَ بِوَطْءِ اللَّيْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الْآيَةَ عَامَّةٌ وَاخْتَلَفُوا إذَا وَطِئَ نَهَارًا
نَاسِيًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ لَا
يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ الصَّوْمَ، وَقَالَتْ
الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَلْ يَسْتَأْنِفُ
كَمَا إذَا وَطِئَ عَامِدًا لِعُمُومِ الْآيَةِ قَالُوا
وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ إفْسَادَ الصَّوْمِ بَلْ دَلَّ
عُمُومُ الدَّلِيلِ لِلْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهَا
لَا تَتِمُّ الْكَفَّارَةُ إلَّا بِوُقُوعِهَا قَبْلَ
الْمَسِيسِ.
(الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا إذَا عَرَضَ
لَهُ فِي أَثْنَاءِ صِيَامِهِ عُذْرٌ مَيْئُوسٌ ثُمَّ
زَالَ هَلْ يَبْنِي عَلَى صَوْمِهِ، أَوْ يَسْتَأْنِفُ،
فَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إنَّهُ
يَبْنِي عَلَى صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَهُ بِغَيْرِ
اخْتِيَارِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ
قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لِاخْتِيَارِهِ
التَّفْرِيقَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُذْرَ صَيَّرَهُ
كَغَيْرِ الْمُخْتَارِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُذْرُ مَرْجُوًّا فَقِيلَ:
يَبْنِي أَيْضًا وَقِيلَ: لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ رَجَاءَ
زَوَالِ الْعُذْرِ صَيَّرَهُ كَالْمُخْتَارِ وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ مَعَ الْعُذْرِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ.
(السَّادِسَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصُمْ عَلَى قَوْلِ السَّائِلِ مَا
أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي يَقْضِي بِمَا قَضَتْ بِهِ
الْآيَةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ
إلَّا لِعَدَمِ وِجْدَانِ الرَّقَبَةِ، فَإِنْ وَجَدَ
الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُهَا لِخِدْمَتِهِ
لِلْعَجْزِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ.
(فَإِنْ قِيلَ:) إنَّهُ قَدْ صَحَّ التَّيَمُّمُ لِوَاجِدِ
الْمَاءِ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَهَلَّا قِسْتُمْ
هَذَا عَلَيْهِ؟
(قُلْت) : لَا يُقَاسُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ شُرِعَ
مَعَ الْعُذْرِ فَكَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمَاءِ
كَالْعُذْرِ.
(فَإِنْ قِيلَ:) فَهَلْ يُجْعَلُ الشَّبَقُ إلَى
الْجِمَاعِ عُذْرًا يَكُونُ لَهُ مَعَهُ الْعُدُولُ إلَى
الْإِطْعَامِ وَيُعَدُّ صَاحِبُ الشَّبَقِ غَيْرَ
مُسْتَطِيعٍ لِلصَّوْمِ؟
(قُلْت) : هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ سَلَمَةَ. وَقَوْلُهُ فِي
الِاعْتِذَارِ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ:
(2/275)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَهَلْ أَصَبْت الَّذِي أَصَبْت إلَّا مِنْ الصِّيَامِ "
وَإِقْرَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَى عُذْرِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَطْعِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُذْرٌ
يُعْدَلُ مَعَهُ إلَى الْإِطْعَامِ.
(السَّابِعَةُ) أَنَّ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ
وَالنَّبَوِيَّ صَرِيحٌ فِي إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا
كَأَنَّهُ جَعَلَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ
إطْعَامَ مِسْكِينٍ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ إطْعَامِ
سِتِّينَ مِسْكِينًا، أَوْ يَكْفِي إطْعَامُ مِسْكِينٍ
وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ
وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ إلَى الْأَوَّلِ
لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ
أَحَدُ قَوْلَيْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ إلَى
الثَّانِي، وَأَنَّهُ يَكْفِي إطْعَامُ وَاحِدٍ سِتِّينَ
يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِقَدْرِ إطْعَامِ
سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالُوا: لِأَنَّهُ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي مُسْتَحِقٌّ كَقَبْلِ الدَّفْعِ إلَيْهِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ تُغَايِرُ
الْمَسَاكِينَ بِالذَّاتِ وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ
ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَالْقَوْلَيْنِ هَذَيْنِ
وَالثَّالِثُ إنْ وَجَدَ غَيْرَ الْمِسْكِينِ لَمْ يَجُزْ
الصَّرْفُ إلَيْهِ وَإِلَّا أَجْزَأَ إعَادَةُ الصَّرْفِ
إلَيْهِ.
(الثَّامِنَةُ) اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْإِطْعَامِ
لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ
وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ سِتُّونَ صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفُ
صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ
الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَالْمُدُّ رُبْعُ
الصَّاعِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ
«أَطْعِمْ عَرَقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا»
وَالْعَرَقُ مِكْتَلٌ يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي
حَدِيثِ سَلَمَةَ هَذَا وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ
بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
«اذْهَبْ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقُلْ
لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إلَيْك فَأَطْعِمْ عَنْك مِنْهَا
وَسْقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالُوا وَالْوَسْقُ
سِتُّونَ صَاعًا.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
«فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا»
وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْعَرَقِ أَنَّهُ سِتُّونَ صَاعًا.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّ الْعَرَقَ مِكْتَلٌ
يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد، وَهَذَا
أَصَحُّ الْحَدِيثَيْنِ وَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ
الْعَرَقِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَاضْطَرَبَتْ
الرِّوَايَاتُ فِيهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ إلَى
التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ
خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي
مَعَالِمِ السُّنَنِ الْعَرَقُ السَّفِيفَةُ الَّتِي مِنْ
الْخُوصِ فَيُتَّخَذُ مِنْهَا الْمَكَاتِلُ قَالَ وَجَاءَ
تَفْسِيرُهُ أَنَّهُ سِتُّونَ صَاعًا. وَفِي رِوَايَةٍ
لِأَبِي دَاوُد يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا. وَفِي رِوَايَةِ
سَلَمَةَ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا
فَذُكِرَ أَنَّ الْعَرَقَ يَخْتَلِفُ فِي السَّعَةِ
وَالضِّيقِ قَالَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى رِوَايَةِ
الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا.
(قُلْت) : يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ
الذِّمَّةِ عَنْ الزَّائِدِ، وَهُوَ وَجْهُ التَّرْجِيحِ.
(التَّاسِعَةُ) : وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا
بِالْعَجْزِ، وَفِيهِ خِلَافٌ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَحْمَدَ إلَى عَدَمِ سُقُوطِهَا بِالْعَجْزِ لِمَا فِي
حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ «خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ
بْنُ الصَّامِتِ إلَى أَنْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتِقُ رَقَبَةً
قَالَتْ لَا
(2/276)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
يَجِدُ قَالَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ
إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ
يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ
يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ»
الْحَدِيثَ فَلَوْ كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ
لَأَبَانَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ
يُعِنْهُ مِنْ عِنْدِهِ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ
وَطَائِفَةٌ إلَى سُقُوطِهَا بِالْعَجْزِ كَمَا تَسْقُطُ
الْوَاجِبَاتُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَعَنْ إبْدَالِهَا.
وَقِيلَ: إنَّهَا تَسْقُطُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي
رَمَضَانَ بِالْعَجْزِ عَنْهَا لَا غَيْرُهَا مِنْ
الْكَفَّارَاتِ قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُجَامِعَ فِي
نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَأْكُلَ الْكَفَّارَةَ هُوَ
وَعِيَالُهُ وَالرَّجُلُ لَا يَكُونُ مَصْرِفًا
لِكَفَّارَتِهِ، وَقَالَ الْأَوَّلُونَ إنَّمَا حَلَّتْ
لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ وَكَفَّرَ عَنْهُ الْغَيْرُ
جَازَ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ
فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَلَهُ فِي
غَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ قَوْلَانِ، وَهُوَ نَظِيرُ
مَا قَالَتْهُ الْهَادَوِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلْإِمَامِ إذَا قَبَضَ الزَّكَاةَ مِنْ شَخْصٍ أَنْ
يَرُدَّهَا إلَيْهِ.
(الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ دَلَّ الْحَدِيثُ
عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ الْمُقَيَّدَ كَالظِّهَارِ
الْمُطْلَقِ، وَهُوَ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ إلَى
مُدَّةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ تِلْكَ
الْمُدَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا بَرَّ وَلَمْ
يَحْنَثْ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا
قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَى
اللَّيْلِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ
يَقْرَبْهَا، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا
شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَقْرَبْهَا وَجَعَلَ
الشَّافِعِيُّ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ.
(فَائِدَةٌ) : قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ
آيَةِ الظِّهَارِ حَدِيثُ سَلَمَةَ هَذَا لِاتِّفَاقِ
الْحُكْمَيْنِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ أَوْسِ بْنِ
الصَّامِتِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ مِنْ
حَدِيثِ «خُوَيْلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ (فِي
وَاَللَّهِ وَفِي أَوْسٍ أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ
الْمُجَادَلَةِ قَالَتْ كُنْت عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا
كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ، وَقَدْ ضَحَّوْا قَالَتْ
فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْته بِشَيْءٍ فَغَضِبَ،
فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَتْ ثُمَّ
خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً ثُمَّ دَخَلَ
عَلَيَّ، فَإِذَا هُوَ يُرَاوِدُنِي عَنْ نَفْسِي قَالَتْ
قُلْت كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لَا
تَخْلُصُ إلَيَّ، وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت فَحَكَمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ فِيهِمَا» - الْحَدِيثَ) رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ مَشْهُورٌ وَأُخِذَ
مِنْهُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِلَفْظِ الظِّهَارِ
الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَكَانَ ظِهَارًا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ
وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَوْ ظَاهَرَ
يُرِيدُ بِهِ طَلَاقًا كَانَ ظِهَارًا، وَلَوْ طَلَّقَ
يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلَاقًا، وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا
قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَعَنَى بِهِ
الطَّلَاقَ كَانَ ظِهَارًا، وَلَا تَطْلُقُ وَعَلَّلَهُ
ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَادَ إلَى
الْأَمْرِ الْمَنْسُوخِ وَأَيْضًا فَأَوْسٌ إنَّمَا نَوَى
بِهِ الطَّلَاقَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ فَأَجْرَى عَلَيْهِ
حُكْمَ الظِّهَارِ دُونَ الطَّلَاقِ وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ
صَرِيحٌ فِي حُكْمِهِ فَلَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ كِنَايَةً
فِي الْحُكْمِ الَّذِي أَبْطَلَ اللَّهُ شَرْعَهُ
وَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَحُكْمُهُ أَوْجَبُ.
(2/277)
(1028) - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا - قَالَ: «سَأَلَ فُلَانٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَرَأَيْت أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا
امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ
تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ
سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا
كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي
سَأَلْتُك عَنْهُ قَدْ اُبْتُلِيت بِهِ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ، فَتَلَاهُنَّ
عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ
عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ.
قَالَ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا كَذَبْت
عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ،
قَالَتْ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ
لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ
شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ |