سبل السلام [كِتَابُ الْجِهَادِ]
ِ الْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدْت جِهَادًا أَيْ بَلَغْت
الْمَشَقَّةَ، هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً وَفِي الشَّرْعِ
بَذْلُ الْجَهْدِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ أَوْ
الْبُغَاةِ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ
نَفْسَهُ بِهِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْعَزْمِ
عَلَى الْجِهَادِ وَأَلْحَقُوا بِهِ فِعْلَ كُلِّ وَاجِبٍ،
قَالُوا: فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُطْلَقَةِ
كَالْجِهَادِ وَجَبَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ
إمْكَانِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ
الْمُؤَقَّتَةِ وَجَبَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ
دُخُولِ وَقْتِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ
مَعْرُوفٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ
هُنَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَغْزُ بِالْفِعْلِ وَلَمْ
يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْ
خِصَالِ النِّفَاقِ فَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ
لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزْمِ الَّذِي مَعْنَاهُ عَقْدُ
النِّيَّةِ عَلَى الْفِعْلِ بَلْ مَعْنَاهُ هُنَا: لَمْ
يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنْ يَغْزُوَ وَلَا حَدَّثَ بِهِ
نَفْسَهُ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ وَلَوْ حَدَّثَهَا
بِهِ وَأَخْطَرَ الْخُرُوجَ لِلْغَزْوِ بِبَالِهِ حِينًا
مِنْ الْأَحْيَانِ خَرَجَ مِنْ الِاتِّصَافِ بِخَصْلَةٍ
مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ " أَيْ لَمْ يَخْطِرْ
بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ
غَيْرُ الْعَزْمِ وَعَقْدِ النِّيَّةِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ
مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِفِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ
ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهَا أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ
عَلَيْهِ عُقُوبَةُ مَنْ لَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهَا
أَصْلًا.
(2/459)
(1178) - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاهِدُوا
الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَأَلْسِنَتِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(1179) - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى النِّسَاءِ
جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، هُوَ
الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ،
وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
(وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَأَلْسِنَتِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ] الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ
الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ بِالْخُرُوجِ
وَالْمُبَاشَرَةِ لِلْكُفَّارِ، وَالْمَالِ وَهُوَ
بَذْلُهُ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ النَّفَقَةِ فِي
الْجِهَادِ وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا هُوَ
الْمُفَادُ مِنْ عِدَّةِ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ
{وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة:
41] وَالْجِهَادُ بِاللِّسَانِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ
عَلَيْهِمْ وَدُعَائِهِمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَبِالْأَصْوَاتِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالزَّجْرِ
وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ
{وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ
بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] «وَقَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ إنَّ هَجْوَ
الْكُفَّارِ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ» .
[جِهَاد النِّسَاءِ]
(وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ:
«قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ» ؟)
هُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَفِي رِوَايَةٍ
أَعَلَى النِّسَاءِ (قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ
فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ) بِلَفْظِ «قَالَتْ
عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ فَقَالَ جِهَادُكُنَّ
الْحَجُّ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ آخَرَ «فَسَأَلَهُ نِسَاؤُهُ
عَنْ الْجِهَادِ فَقَالَ: نَعَمْ الْجِهَادُ الْحَجُّ»
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «جِهَادُ
الْكَبِيرِ أَيْ الْعَاجِزِ وَالْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ
الْحَجُّ» دَلَّ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ
الْجِهَادُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَنَّ الثَّوَابَ
الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ ثَوَابِ جِهَادِ الرِّجَالِ حَجُّ
الْمَرْأَةِ وَعُمْرَتُهَا، ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ
مَأْمُورَاتٌ بِالسَّتْرِ وَالسُّكُونِ، وَالْجِهَادُ
يُنَافِي ذَلِكَ، إذْ فِيهِ مُخَالَطَةُ الْأَقْرَانِ
وَالْمُبَارَزَةُ وَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ، وَأَمَّا جَوَازُ
الْجِهَادِ لَهُنَّ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى
عَدَمِ الْجَوَازِ، وَقَدْ أَرْدَفَ الْبُخَارِيُّ هَذَا
الْبَابَ بِبَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِلْغَزْوِ
وَقِتَالِهِنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ أُمَّ
سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ خِنْجَرًا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَالَتْ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
بَقَرْت
(2/460)
(1180) - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ
إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَسْتَأْذِنُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاك؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
(1181) - وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ نَحْوُهُ، وَزَادَ " ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا،
فَإِنْ أَذِنَا لَك، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
بَطْنَهُ» فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ وَإِنْ
كَانَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقَاتِلُ
إلَّا مُدَافَعَةً وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا تَقْصِدُ
الْعَدُوَّ إلَى صَفِّهِ وَطَلَبَ مُبَارَزَتِهِ، وَفِي
الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِهَادَهُنَّ إذَا
حَضَرْنَ مَوَاقِفَ الْجِهَادِ سَقْيُ الْمَاءِ
وَمُدَاوَاةُ الْمَرْضَى وَمُنَاوَلَةُ السِّهَامِ.
[الْجِهَاد مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَأْذِنُ فِي
الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ
قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
سَمَّى إتْعَابَ النَّفْسِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ
الْأَبَوَيْنِ وَإِزْعَاجِهَا فِي طَلَبِ مَا يُرْضِيهِمَا
وَبَذْلَ الْمَالِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمَا جِهَادًا
مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي
الْجِهَادِ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً بِعَلَاقَةِ الضِّدِّيَّةِ
لِأَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ إنْزَالُ الضَّرَرِ
بِالْأَعْدَاءِ وَاسْتُعْمِلَ فِي إنْزَالِ النَّفْعِ
بِالْوَالِدَيْنِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُ
الْجِهَادِ مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا
لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ أَنَّ أَبَاهُ «جَاهِمَةَ
جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْت
الْغَزْوَ وَجِئْت لِأَسْتَشِيرَك فَقَالَ هَلْ لَك مِنْ
أُمٍّ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الْزَمْهَا» وَظَاهِرُهُ
سَوَاءٌ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ فَرْضَ
كِفَايَةٍ وَسَوَاءٌ تَضَرَّرَ الْأَبَوَانِ بِخُرُوجِهِ
أَوْ لَا. وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى
أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجِهَادُ عَلَى الْوَلَدِ إذَا
مَنَعَهُ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ
يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ
وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا تَعَيَّنَ
الْجِهَادُ فَلَا (فَإِنْ قِيلَ) بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
فَرْضُ عَيْنٍ أَيْضًا وَالْجِهَادُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ
فَرْضُ عَيْنٍ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَمَا وَجْهُ
تَقْدِيمِ الْجِهَادِ (قُلْت) لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ
أَعَمُّ إذْ هِيَ لِحِفْظِ الدِّينِ وَالدِّفَاعِ عَنْ
الْمُسْلِمِينَ فَمَصْلَحَتُهُ عَامَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
غَيْرِهَا وَهُوَ يُقَدَّمُ عَلَى مَصْلَحَةِ حِفْظِ
الْبَدَنِ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ بِرِّ
الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ،
وَأَنَّ الْمُسْتَشَارَ يُشِيرُ بِالنَّصِيحَةِ
الْمَحْضَةِ؛ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَ
مِنْ مُسْتَشِيرِهِ لِيُدِلَّهُ عَلَى مَا هُوَ
الْأَفْضَلُ. [وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ] فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
(2/461)
(1182) - وَعَنْ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ
يُقِيمُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ» رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ،
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ
إرْسَالَهُ.
(1183) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ
الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْجِهَادُ وَوَالِدَاهُ فِي الْحَيَاةِ إلَّا
بِإِذْنِهِمَا كَمَا دَلَّ لَهُ قَوْلُهُ (وَزَادَ) أَيْ
أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَةٍ (ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا
فَإِنْ أَذِنَا لَك) بِالْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ (وَإِلَّا
فَبِرَّهُمَا) بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ
وَطَاعَتِهِمَا.
[الْهِجْرَة مِنْ دَار الْكُفْر]
(وَعَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ
بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ» : رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ
إرْسَالَهُ) وَكَذَا رَجَّحَ أَيْضًا أَبُو حَاتِمٍ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ
إرْسَالَهُ إلَى قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ. وَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ مَوْصُولًا. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى
وُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ
غَيْرِ مَكَّةَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِحَدِيثِ
جَرِيرٍ وَلِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ
بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا
«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا بَعْدَمَا
أَسْلَمَ أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ» وَلِعُمُومِ
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]
الْآيَةَ وَذَهَبَ الْأَقَلُّ إلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ
الْهِجْرَةُ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ مَنْسُوخَةٌ
لِلْحَدِيثِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ
جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالُوا
فَإِنَّهُ عَامٌّ نَاسِخٌ لِوُجُودِ الْهِجْرَةِ الدَّالُّ
عَلَيْهِ مَا سَبَقَ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ
الْعَرَبِ بِالْمُهَاجَرَةِ إلَيْهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ
عَلَيْهِمْ مَقَامَهُمْ بِبَلَدِهِمْ «وَلِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ
سَرِيَّةً قَالَ لِأَمِيرِهِمْ: إذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ
الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِلَالٍ،
فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ
عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ عَنْ
دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَعْلِمْهُمْ
أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا
لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ،
فَإِنْ أَبَوْا وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ فَأَعْلِمْهُمْ
أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي
عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي يَجْرِي عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ» الْحَدِيثُ سَيَأْتِي بِطُولِهِ فَلَمْ
يُوجِبْ عَلَيْهِمْ الْهِجْرَةَ
(2/462)
(1184) - وَعَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ
كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَالْأَحَادِيثُ غَيْرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ عَلَى دِينِهِ
قَالُوا: وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَ الْهِجْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ لَا
هِجْرَةَ يُرَادُ بِهِ نَفْيُهَا عَنْ مَكَّةَ كَمَا
يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِنَّ
الْهِجْرَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ مَكَّةَ قَبْلَهُ
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ
مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ
فَرْضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ
خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَاَلَّتِي انْقَطَعَتْ
بِالْأَصَالَةِ هِيَ الْقَصْدُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ كَانَ وَقَوْلُهُ
(وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ
وَغَيْرُهُ: هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ
حُكْمِ مَا بَعْدَهُ لِمَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ
الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي
كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إلَى الْمَدِينَةِ
قَدْ انْقَطَعَتْ إلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ
الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ
نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ
وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفِرَارِ مِنْ
الْفِتَنِ وَالنِّيَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ،
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي
انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ
بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَجِهَادٌ
مَعْطُوفٌ بِالرَّفْعِ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ لَا:.
[الإخلاص فِي الْجِهَاد]
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ
قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي
الْحَدِيثِ هُنَا اخْتِصَارٌ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى
أَنَّهُ «قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ
وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ
لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ:
مَنْ قَاتَلَ» الْحَدِيثَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يُكْتَبُ أَجْرُهُ لِمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ
كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّ
مَنْ خَلَا عَنْ هَذِهِ الْخَصْلَةِ فَلَيْسَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَيَبْقَى
الْكَلَامُ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا قَصْدُ
غَيْرِهَا وَهُوَ الْمَغْنَمُ مَثَلًا هَلْ هُوَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لَا.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُ الْمَقْصِدِ
إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّ مَا
حَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ ضِمْنًا، وَبِذَلِكَ قَالَ
الْجُمْهُورُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا
يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ قَصْدِ
التَّشْرِيكِ لِأَنَّهُ قَدْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ
اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فَإِنَّ ذَلِكَ لَا
يُنَافِي فَضِيلَةَ الْحَجِّ فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ؛
فَعَلَى هَذَا الْعُمْدَةُ الْبَاعِثُ عَلَى الْفِعْلِ،
فَإِنْ كَانَ هُوَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ
يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إلَيْهِ ضِمْنًا؛ وَبَقِيَ
الْكَلَامُ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْقَصْدَانِ فَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرَّ إلَّا أَنَّهُ
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
أُمَامَةَ
(2/463)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ
«جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت
رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا
لَهُ؟ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، كُلُّ
ذَلِكَ يَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا
كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» (قُلْت)
فَيَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَوَى
الْبَاعِثَانِ الْأَجْرُ وَالذِّكْرُ مَثَلًا بَطَلَ
الْأَجْرُ وَلَعَلَّ بُطْلَانَهُ هُنَا لِخُصُوصِيَّةِ
طَلَبِ الذِّكْرِ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَمَلُهُ
لِلرِّيَاءِ وَالرِّيَاءُ مُبْطِلٌ لِمَا يُشَارِكُهُ
بِخِلَافِ طَلَبِ الْمَغْنَمِ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي
الْجِهَادَ بَلْ إذَا قَصَدَ بِأَخْذِ الْمَغْنَمِ
إغَاظَةَ الْمُشْرِكِينَ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى
الطَّاعَةِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
{وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ
بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] وَالْمُرَادُ
النَّيْلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا وَفِي قَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ
قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» قَبْلَ الْقِتَالِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي قَصْدُ الْمَغْنَمِ الْقِتَالَ
بَلْ مَا قَالَهُ إلَّا لِيَجْتَهِدَ السَّامِعُ فِي
قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ
خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا إيمَانٌ بِي
وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ
أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» وَلَا
يَخْفَى أَنَّ الْأَخْبَارَ هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
تَشْرِيكِ النِّيَّةِ إذْ الْإِخْبَارُ بِهِ يَقْتَضِي
ذَلِكَ غَالِبًا؛ ثُمَّ إنَّهُ يَقْصِدُ الْمُشْرِكِينَ
لِمُجَرَّدِ نَهْبِ أَمْوَالِهِمْ كَمَا «خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ
مَعَهُ فِي غُزَاةِ بَدْرٍ لِأَخْذِ عِيرِ الْمُشْرِكِينَ»
، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ
هِيَ الْعُلْيَا بَلْ ذَلِكَ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ
اللَّهِ تَعَالَى؛ وَأَقَرَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
ذَلِكَ بَلْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ
ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7] وَلَمْ
يَذُمَّهُمْ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ
إخْبَارًا لَهُمْ بِمَحَبَّتِهِمْ لِلْمَالِ دُونَ
الْقِتَالِ فَإِعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ
إخَافَةُ الْمُشْرِكِينَ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَقَطْعُ
أَشْجَارِهِمْ وَنَحْوِهِ؛ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا
فَقَالَ: لَا أَجْرَ لَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا
كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا أَجْرَ لَهُ» فَكَأَنَّهُ فَهِمَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحَامِلَ
هُوَ الْعَرَضُ مِنْ الدُّنْيَا فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَ
وَإِلَّا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَشْرِيكُ الْجِهَادِ
بِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ أَمْرًا مَعْرُوفًا فِي
الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: اللَّهُمَّ
اُرْزُقْنِي رَجُلًا شَدِيدًا أُقَاتِلُهُ وَيُقَاتِلُنِي،
ثُمَّ اُرْزُقْنِي عَلَيْهِ الصَّبْرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ
وَآخُذَ سَلَبَهُ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْعَرَضِ مِنْ
الدُّنْيَا مَعَ الْجِهَادِ كَانَ أَمْرًا مَعْلُومًا
جَوَازُهُ لِلصَّحَابَةِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ بِنَيْلِهِ.
(2/464)
(1185) - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
السَّعْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَنْقَطِعُ
الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(1186) - وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: «أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي
الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، فَقَتَلَ
مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ» : حَدَّثَنِي
بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،
وَفِيهِ: وَأَصَابَ يَوْمئِذٍ جُوَيْرِيَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ السَّعْدِيِّ وَفِي اسْمِ السَّعْدِيِّ أَقْوَالٌ
وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ السَّعْدِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ
مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ سَكَنَ عَبْدُ اللَّهِ
الْأُرْدُنَّ وَمَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى
قَوْلٍ. لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ قَالَهُ ابْنُ
الْأَثِيرِ وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ السُّدِّيُّ نِسْبَةٌ
إلَى جَدِّهِ وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ السَّاعِدِيِّ كَمَا
فِي أَبِي دَاوُد (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ
مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى
ثُبُوتِ حُكْمِ الْهِجْرَةِ وَأَنَّهُ بَاقٍ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَإِنَّ قِتَالَ الْعَدُوِّ مُسْتَمِرٌّ إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى
وُجُوبِهَا وَلَا كَلَامَ فِي ثَوَابِهَا مَعَ حُصُولِ
مُقْتَضِيهَا وَأَمَّا وُجُوبُهَا فَفِيهِ مَا عَرَفْت.
[الإغارة بِلَا إنذار وسبى العرب]
(وَعَنْ نَافِعٍ) هُوَ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُقَالُ لَهُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَافِعُ بْنُ سَرْجِسَ بِفَتْحِ
السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، كَانَ
مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة،
سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ
الثِّقَاتِ الْمَشْهُورِينَ بِالْحَدِيثِ الْمَأْخُوذِ
عَنْهُمْ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ
عِشْرِينَ (قَالَ «أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ»
بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
الطَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ بَطْنٌ
شَهِيرٌ مِنْ خُزَاعَةَ (وَهُمْ غَارُّونَ) بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَمْعُ غَارٍّ أَيْ
غَافِلُونَ فَأَخَذَهُمْ عَلَى غِرَّةٍ (فَقَتَلَ
مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ. حَدَّثَنِي
بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَفِيهِ وَأَصَابَ يَوْمئِذٍ جُوَيْرِيَةَ) فِيهِ
مَسْأَلَتَانِ (الْأُولَى) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى
جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ إلَى
الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَدْ
بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ وَهَذَا
أَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ
وَهِيَ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِنْذَارِ مُطْلَقًا، وَيَرُدُّ
عَلَيْهِ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْآتِي؛ وَالثَّانِي
وُجُوبُهُ مُطْلَقًا، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ هَذَا
الْحَدِيثُ،
(2/465)
(1187) - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى
جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ
بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
خَيْرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ،
اُغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا
تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيت
عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ
خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ
مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ
فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ
إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ
الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ
بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا
يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا
أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ
أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك
فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ
عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا
حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوا أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ
ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَفْعَلْ
وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك، فَإِنَّكُمْ إنْ
تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا
ذِمَّةَ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ
عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِك
فَإِنَّك لَا تَدْرِي: أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ
تَعَالَى أَمْ لَا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَالثَّالِثُ يَجِبُ إنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ
وَلَا يَجِبُ إنْ بَلَغَتْهُمْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ،
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ وَعَلَى مَعْنَاهُ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ وَهَذَا أَحَدُهَا وَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ وَقَتْلِ ابْنُ أَبِي الْحَقِيقِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى
وُجُوبِ دَعْوَةِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ
الْإِسْلَامِ (وَالثَّانِيَةُ) فِي قَوْلِهِ (فَسَبَى
ذَرَارِيَّهُمْ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ
الْعَرَبِ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَرَبٌ مِنْ
خُزَاعَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ
وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ نَاهِضٌ وَمَنْ طَالَعَ كُتُبَ
السِّيَرِ وَالْمَغَازِي عَلِمَ يَقِينًا اسْتِرْقَاقَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَرَبِ غَيْرَ
الْكِتَابِيِّينَ كَهَوَازِنَ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَقَالَ لِأَهْلِ مَكَّة اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ
الطُّلَقَاءُ وَفَادَى أَهْلَ بَدْر وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالْقَتْلِ
وَالِاسْتِرْقَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي غَيْرِ الْعَرَبِ
مُطْلَقًا وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِمْ وَلَمْ يَصِحَّ تَخْصِيصٌ
وَلَا نَسْخٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَذْهَبُ
إلَى قَوْلِ عُمَرَ لَيْسَ عَلَى عَرَبِيٍّ مَلَكٌ وَقَدْ
«سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ الْعَرَبِ» كَمَا وَرَدَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَأَبُو
بَكْرٍ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَبَيَا
بَنِي نَاجِيَّةَ وَيَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الْآتِي:.
(2/466)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[وصايا رَسُول اللَّه لأمراء الجيوش وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ
مِنْ مشركي العرب]
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ)
هُمْ الْجُنْدُ أَوْ السَّائِرُونَ إلَى الْحَرْبِ أَوْ
غَيْرُهُمْ - فِي نُسْخَةٍ لَا غَيْرِهَا - (أَوْ
سَرِيَّةٍ) هِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَيْشِ تَخْرُجُ
مِنْهُ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ وَتَرْجِعُ إلَيْهِ
«أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ
مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ:
اُغْزُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا
وَلَا تَغُلُّوا» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْغُلُولُ
الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ مُطْلَقًا (وَلَا
تَغْدِرُوا) الْغَدْرُ ضِدُّ الْوَفَاءِ (وَلَا
تُمَثِّلُوا) مِنْ الْمُثْلَةِ، يُقَالُ مَثَّلَ
بِالْقَتِيلِ إذَا قَطَعَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ
مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ (وَلَا
تَقْتُلُوا وَلِيدًا) الْمُرَادُ غَيْرُ الْبَالِغِ سِنَّ
التَّكْلِيفِ «وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ
الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ» أَيْ
إلَى إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ (فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوك
إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ) أَيْ
الْقِتَالَ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ «اُدْعُهُمْ إلَى
الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ثُمَّ
اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ
الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ
بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ»
وَبَيَانُ حُكْمِ أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ تَضَمَّنَهُ
قَوْلُهُ (وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ)
الْغَنِيمَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ
وَأَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ
وَالرِّكَابِ (وَالْفَيْءِ) هُوَ مَا حَصَلَ
لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ
حَرْبٍ وَلَا جِهَادٍ (شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ
الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا) أَيْ الْإِسْلَامَ
(فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ) وَهِيَ الْخَصْلَةُ
الثَّانِيَةُ مِنْ الثَّلَاثِ (فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك
فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ
عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ) وَهَذِهِ
الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ «وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ
فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ
وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ اجْعَلْ
لَهُمْ ذِمَّتَك» عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ
(فَإِنَّكُمْ إنْ تُخْفِرُوا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
وَالْفَاءِ وَالرَّاءِ مِنْ أَخْفَرْتُ الرَّجُلَ إذَا
نَقَضْت عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ «ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ
أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ. وَإِذَا أَرَادُوك أَنْ
تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ بَلْ
عَلَى حُكْمِك» عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّك
لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى
أَمْ لَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) فِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ
(الْأُولَى) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَعَثَ الْأَمِيرُ
مَنْ يَغْزُو أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ
يَصْحَبُهُ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ خَيْرًا ثُمَّ يُخْبِرُهُ
بِتَحْرِيمِ الْغُلُولِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَحْرِيمِ
الْغَدْرِ وَتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ وَتَحْرِيمِ قَتْلِ
صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ
بِالْإِجْمَاعِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَدْعُو الْأَمِيرُ
الْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ
وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ
لَكِنَّهُ مَعَ بُلُوغِهَا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ
كَمَا دَلَّ لَهُ إغَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ
وَإِلَّا وَجَبَ دُعَاؤُهُمْ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى دُعَائِهِمْ إلَى الْهِجْرَةِ
بَعْدَ إسْلَامِهِمْ وَهُوَ مَشْرُوعٌ نَدْبًا بِدَلِيلِ
مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْإِذْنِ لَهُمْ فِي الْبَقَاءِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالْفَيْءَ لَا
يَسْتَحِقُّهُمَا إلَّا الْمُهَاجِرُونَ،
(2/467)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَأَنَّ الْأَعْرَابَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا إلَّا أَنْ
يَحْضُرُوا الْجِهَادَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى خِلَافِهِ وَادَّعَوْا نَسْخَ
الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتُوا بِبُرْهَانٍ عَلَى نَسْخِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ
كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِ عَرَبِيٍّ
لِقَوْلِهِ (عَدُوَّك) وَهُوَ عَامٌّ، وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس عَرَبًا كَانُوا أَوْ
عَجَمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»
وَمَا عَدَاهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:
193] وَقَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَاعْتَذَرُوا عَنْ
الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ وَارِدٌ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ
بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ وَالْهِجْرَةِ
وَالْآيَاتِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ
مَنْسُوخٌ أَوْ مُتَأَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدُوِّك
مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (قُلْت) وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ عُمُومُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ
لِعُمُومِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَأَمَّا الْآيَةُ
فَأَفَادَتْ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِأَخْذِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا
لِعَدَمِ أَخْذِهَا وَالْحَدِيثُ بَيَّنَ أَخْذَهَا مِنْ
غَيْرِهِمْ، وَحَمْلُ عَدُوِّك عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ
فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي
الْإِرْشَادِ إنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ إنَّمَا نَزَلَتْ
بَعْدَ انْقِضَاءِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ
الْأَوْثَانِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُزُولِهَا إلَّا
أَهْلَ الْكِتَابِ، قَالَهُ تَقْوِيَةً لِمَذْهَبِ
إمَامِهِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُ دَعْوَاهُ
بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ
إلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ بَلْ بَقِيَ عُبَّادُ النِّيرَانِ
مِنْ أَهْلِ فَارِسٍ وَغَيْرِهِمْ وَعُبَّادُ الْأَصْنَامِ
مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ.
وَأَمَّا عَدَمُ أَخْذِهَا مِنْ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهَا
لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بَعْدَ الْفَتْحِ وَقَدْ دَخَلَ
الْعَرَبُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ
مُحَارِبٌ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ بَعْدَ الْفَتْحِ مَنْ
يُسْبَى وَلَا مَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ بَلْ
مَنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ
فَلَيْسَ إلَّا السَّيْفُ أَوْ الْإِسْلَامُ كَمَا كَانَ
ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَدْ سَبَى -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ
الْعَرَبِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ، وَهَلْ
حَدِيثُ الِاسْتِبْرَاءِ إلَّا فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ،
وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَ عَصْرِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَتَحَتْ الصَّحَابَةُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَادَ فَارِسَ وَالرُّومِ
وَفِي رَعَايَاهُمْ الْعَرَبُ خُصُوصًا الشَّامُ
وَالْعِرَاقُ وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ عَرَبِيٍّ مِنْ
عَجَمِيٍّ بَلْ عَمَّمُوا حُكْمَ السَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ
عَلَى جَمِيعِ مَنْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ.
وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ كَانَ بَعْدَ
نُزُولِ فَرْضِ الْجِزْيَةِ وَفَرْضُهَا كَانَ بَعْدَ
الْفَتْحِ فَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ
عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَلِذَا نَهَى فِيهِ
عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ النَّهْيُ عَنْهَا إلَّا
بَعْدَ أُحُدٍ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَنَحَ ابْنُ
الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ وَلَا يَخْفَى قُوَّتُهُ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ عَنْ
إجَابَةِ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ
(2/468)
(1188) - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً
وَرَّى بِغَيْرِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1189) - وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ
مُقَرِّنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «شَهِدْت
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ
الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَتَهُبَّ
الرِّيَاحُ، وَيَنْزِلَ النَّصْرُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَأَصْلُهُ فِي
الْبُخَارِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لَهُمْ الْأَمِيرُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ
بَلْ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّتَهُ وَقَدْ عَلَّلَهُ
بِأَنَّ الْأَمِيرَ وَمَنْ مَعَهُ إذَا أَخْفَرُوا
ذِمَّتَهُمْ أَيْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَهُوَ أَهْوَنُ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَخْفِرُوا ذِمَّتَهُ تَعَالَى
وَإِنْ كَانَ نَقْضُ الذِّمَّةِ مُحَرَّمًا مُطْلَقًا.
قِيلَ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ
وَلَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَدَعْوَى
الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ لَا تَتِمُّ،
وَكَذَلِكَ تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ إنْزَالِهِمْ عَلَى
حُكْمِ اللَّهِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي
أَيُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لَا فَلَا
يُنْزِلُهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَا يَدْرِي أَيَقَعُ أَمْ لَا
بَلْ يُنْزِلُهُمْ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ مَعَ وَاحِدٍ
وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا لِلْحَقِّ، وَقَدْ
أَقَمْنَا أَدِلَّةَ أَحَقِّيَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فِي
مَحَلٍّ آخَرَ.
[التورية عِنْد الْغَزْو]
(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً
وَرَّى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ
سَتَرَهَا بِغَيْرِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَقَدْ
جَاءَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ذَلِكَ بِلَفْظِ «إلَّا فِي
غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ أَظْهَرَ لَهُمْ مُرَادَهُ»
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ فِيهِ: وَيَقُولُ
«الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَكَانَتْ تَوْرِيَتُهُ أَنَّهُ إذَا
أَرَادَ قَصْدَ جِهَةٍ سَأَلَ عَنْ طَرِيقِ جِهَةٍ أُخْرَى
إيهَامًا أَنَّهُ يُرِيدُهَا وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ أَتَمُّ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْ إصَابَةِ
الْعَدُوِّ وَإِتْيَانِهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ غَيْرِ
تَأَهُّبِهِمْ لَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ
هَذَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» .
[القتال أَوَّل النهار وآخره]
(وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ)
بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ
فَنُونٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْأَثِيرِ مَعْقِلَ بْنَ
مُقَرِّنٍ فِي الصَّحَابَةِ إنَّمَا ذَكَرَ النُّعْمَانُ
بْنُ مُقَرِّنٍ وَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ إلَيْهِ،
وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
أَخْرَجُوهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ فَيُنْظَرُ
فَمَا
(2/469)
(1190) - وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ
الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيِّتُونَ، فَيُصِيبُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: هُمْ
مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَظُنُّ لَفْظَ مَعْقِلٍ إلَّا سَبْقَ قَلَمٍ وَالشَّارِحُ
وَقَعَ لَهُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ مَعْقِلُ بْنُ
النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيّ وَلَا يَخْفَى
أَنَّ النُّعْمَانَ هُوَ ابْنُ مُقَرِّنٍ فَإِذَا كَانَ
لَهُ أَخٌ فَهُوَ مَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ لَا ابْنُ
النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إنَّ النُّعْمَانَ
هَاجَرَ وَلَهُ سَبْعَةُ إخْوَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ
هَاجَرُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ فَرَاجَعْت التَّقْرِيبَ
لِلْمُصَنِّفِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ صَحَابِيًّا يُقَالُ
لَهُ مَعْقِلُ بْنُ النُّعْمَانِ وَلَا بْنُ مُقَرِّنٍ
بَلْ فِيهِ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّ
لَفْظَ مَعْقِلٍ فِي نُسَخِ بُلُوغِ الْمَرَامِ سَبْقُ
قَلَمٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِهِ
(قَالَ «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ
النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ
وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ النَّصْرُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ) فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِلَفْظِ «إذَا لَمْ
يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى
تَهُبَّ الْأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَاةُ» قَالُوا
وَالْحِكْمَةُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ
مَظِنَّةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَأَمَّا هُبُوبُ
الرِّيَاحِ فَقَدْ وَقَعَ بِهِ النَّصْرُ فِي الْأَحْزَابِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] فَكَانَ تَوَخِّي
هُبُوبِهَا مَظِنَّةً لِلنَّصْرِ، وَقَدْ عَلَّلَ بِأَنَّ
الرِّيَاحَ تَهُبُّ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَحْصُلَ
بِهَا تَبْرِيدُ حَدِّ السِّلَاحِ لِلْحَرْبِ
وَالزِّيَادَةُ لِلنَّشَاطِ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا
وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- كَانَ يُغِيرُ صَبَاحًا لِأَنَّ هَذَا فِي الْإِغَارَةِ
وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُصَافَّةِ لِلْقِتَالِ.
[النَّهْي عَنْ قَتْلَ النِّسَاء والصبيان فِي الْحَرْب]
(وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا
فِي الْحَجِّ (قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْن
حِبَّانَ السَّائِلُ هُوَ الصَّعْبُ وَلَفْظُهُ سَأَلْت
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَسَاقَهُ بِمَعْنَاهُ (عَنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
يُبَيِّتُونَ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ مِنْ بَيَّتَهُ
مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ هُمْ مِنْهُمْ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَهْلِ
الدَّارِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ
وَالتَّبْيِيتُ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ
عَلَى غَفْلَةٍ مَعَ اخْتِلَاطِهِمْ بِصِبْيَانِهِمْ
وَنِسَائِهِمْ فَيُصَابُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ
غَيْرِ قَصْدٍ لِقَتْلِهِمْ ابْتِدَاءً وَهَذَا الْحَدِيثُ
أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ وَزَادَ
فِيهِ. ثُمَّ نَهَى عَنْهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهِيَ
مُدْرَجَةٌ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ وَفِي سُنَنِ أَبِي
دَاوُد زِيَادَةٌ فِي آخِرِهِ: قَالَ سُفْيَانُ. قَالَ
الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ
(2/470)
(1191) - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ تَبِعَهُ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ: ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ
ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ،
وَيُؤَيِّدُ أَنَّ النَّهْيَ فِي حُنَيْنٍ مَا فِي
الْبُخَارِيِّ: «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِهِمْ أَلْحِقْ خَالِدًا
فَقُلْ لَهُ. لَا تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا»
وَأَوَّلُ مَشَاهِدِ خَالِدٍ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةُ حُنَيْنٍ كَذَا قِيلَ وَلَا
يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتْحَ مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ
مَقْتُولَةٍ فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ
وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» وَقَدْ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَانِ عَمَلًا بِرِوَايَةِ
الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ: هُمْ مِنْهُمْ أَيْ فِي
إبَاحَةِ الْقَتْلِ تَبَعًا لَا قَصْدًا إذَا لَمْ
يُمْكِنْ انْفِصَالُهُمْ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِحَالٍ حَتَّى
إذَا تَتَرَّسَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالنِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ أَوْ تَحَصَّنُوا بِحِصْنٍ أَوْ سَفِينَةٍ
هُمَا فِيهِمَا مَعَهُمْ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ وَلَا
تَحْرِيقُهُمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَّا
أَنَّهُمْ قَالُوا فِي التَّتَرُّسِ: يَجُوزُ قَتْلُ
النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ حَيْثُ جُعِلُوا تُرْسًا وَلَا
يَجُوزُ إذَا تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ إلَّا مَعَ خَشْيَةِ
اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ
وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْجَمِيعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ
الْقَصْدِ إلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي قَوْلِهِ هُمْ مِنْهُمْ دَلِيلٌ بِإِطْلَاقِهِ
لِمَنْ قَالَ هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ ثَالِثُ
الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي
الصِّبْيَانِ وَالْأَوْلَى الْوَقْفُ.
[لَا يستعان بمشرك فِي الْحَرْب]
(وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
لِرَجُلٍ أَيْ مُشْرِكٍ تَبِعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: ارْجِعْ
فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
وَلَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ
بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ
رَجُلٌ قَدْ كَانَ تُذْكَرُ فِيهِ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ
فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ
قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - جِئْت لِأَتْبَعَك وَأُصِيبَ مَعَك قَالَ:
أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ
فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ أَذِنَ
لَهُ» وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ مَنْ قَالَ: لَا
يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ
وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَذَهَبَ
الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى
جَوَازِ ذَلِكَ قَالُوا «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِصَفْوَانَ بْنِ
أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَاسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي
قَيْنُقَاعَ وَرَضَخَ لَهُمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي
الْمَرَاسِيلِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ
الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَمَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ
ضَعِيفَةٌ. قَالَ الذَّهَبِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ خَطَّاءً
فَفِي إرْسَالِهِ شُبْهَةُ تَدْلِيسٍ وَصَحَّحَ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ
أَنَّهُ رَدَّهُمْ
(2/471)
(1192) - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى
امْرَأَةً مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَأَنْكَرَ
قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1193) - وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُقْتُلُوا شُيُوخَ
الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
بِأَنَّ الَّذِي رَدَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ تَفَرَّسَ فِيهِ
الرَّغْبَةَ فِي الْإِسْلَامِ فَرَدَّهُ رَجَاءَ أَنْ
يُسْلِمَ فَصَدَقَ ظَنُّهُ أَوْ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ
كَانَتْ مَمْنُوعَةً فَرَخَّصَ فِيهَا وَهَذَا أَقْرَبُ،
وَقَدْ اسْتَعَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِجَمَاعَةٍ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ تَأَلَّفَهُمْ بِالْغَنَائِمِ، وَقَدْ
اشْتَرَطَ الْهَادَوِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ
مُسْلِمُونَ يَسْتَقِلُّ بِهِمْ فِي إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ
وَفِي شَرْحِ مُسْلِم أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنْ
كَانَ الْكَافِرُ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ
وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ اُسْتُعِينَ
بِهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ.
وَيَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْمُنَافِقِ إجْمَاعًا
لِاسْتِعَانَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ.
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى
امْرَأَةً مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَأَنْكَرَ
قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ
أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فَقَالَ: مَا كَانَتْ
هَذِهِ تُقَاتِلُ» أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا هَذِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي
الْمَرَاسِيلِ عَنْ عِكْرِمَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً
بِالطَّائِفِ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَ عَنْ قَتْلِ
النِّسَاءِ. مَنْ صَاحِبُهَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَرْدَفْتهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَصْرَعَنِي
فَتَقْتُلَنِي، فَقَتَلْتهَا فَأَمَرَ بِهَا أَنْ
تَوَارَى» وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " تُقَاتِلُ "
وَتَقْرِيرُهُ لِهَذَا الْقَاتِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا
إذَا قَاتَلَتْ قُتِلَتْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ رَبَاحِ
بْنِ رَبِيعٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمَعِينَ فَرَأَى
امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ
لِتُقَاتِلَ» .
[قَتْلَ شيوخ الْمُشْرِكِينَ وَتَرَك شبابهم]
(وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا شُيُوخَ
الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ» بِالشِّينِ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ هُمْ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ يُدْرِكُوا
ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ] وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ
(2/472)
(1194) - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، أَنَّهُمْ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مُطَوَّلًا.
(1195) - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا
مَعْشَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَفِيهَا مَا
قَدَّمْنَاهُ.
وَالشَّيْخُ مَنْ اسْتَبَانَتْ فِيهِ السِّنُّ أَوْ مَنْ
بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ إحْدَى وَخَمْسِينَ كَمَا
فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرِّجَالُ
الْمَسَانُّ أَهْلِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ عَلَى
الْقِتَالِ وَلَمْ يُرِدْ الْهَرَمِيَّ، وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ أُرِيدَ بِالشُّيُوخِ مَنْ كَانُوا بَالِغِينَ
مُطْلَقًا فَيُقْتَلُ وَمَنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُقْتَلُ
فَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ
الصِّبْيَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالشَّرْخِ
مَنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّبَابِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ
عَلَيْهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ:
إنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ وَالشَّعْرِ الْأَسْوَدِ ... مَا
لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونًا
فَإِنَّهُ يُسْتَبْقَى رَجَاءَ إسْلَامِهِ كَمَا قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الشَّيْخُ لَا يَكَادُ يُسْلِمُ
وَالشَّبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ
الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا بِمَنْ يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ عَلَى
الْكُفْرِ بِالْجِزْيَةِ.
(وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُمْ
تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مُطَوَّلًا) وَفِي الْمَغَازِي
مِنْ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو
لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ قَيْسٌ:
وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي
رَبِّهِمْ} [الحج: 19] قَالَ هُمْ الَّذِينَ تَبَارَزُوا
فِي بَدْرٍ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ
الْحَارِثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَشَيْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ
عُتْبَةَ وَتَفْصِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ
أَنَّهُ بَرَزَ عُبَيْدَةُ لِعُتْبَةَ وَحَمْزَةَ
لِشَيْبَةَ وَعَلِيٍّ لِلْوَلِيدِ. وَعِنْدَ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ: فَقَتَلَ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ مَنْ بَارَزَهُمَا
وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَمَنْ بَارَزَهُ بِضَرْبَتَيْنِ
فَوَقَعَتْ الضَّرْبَةُ فِي رُكْبَةِ عُبَيْدَةَ فَمَاتَ
مِنْهَا لَمَّا رَجَعُوا بِالصَّفْرَاءِ. وَمَالَ عَلِيٌّ
وَحَمْزَةُ عَلَى مَنْ بَارَزَ عُبَيْدَةَ فَأَعَانَاهُ
عَلَى قَتْلِهِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الْمُبَارَزَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إلَى عَدَمِ جَوَازِهَا
وَشَرَطَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ إذْنَ الْأَمِيرِ كَمَا فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ.
(2/473)
الْأَنْصَارِ، يَعْنِي قَوْله تَعَالَى:
{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
[البقرة: 195] قَالَهُ رَدًّا عَلَى مَنْ حَمَلَ عَلَى
صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ. رَوَاهُ
الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
(1196) - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- قَالَ: «حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[الْحَمْل عَلَى صفوف الْكُفَّارِ]
(وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ يَعْنِي {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] قَالَهُ رَدًّا عَلَى مَنْ
أَنْكَرَ عَلَى مَنْ حَمَلَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى
دَخَلَ فِيهِمْ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ (وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) أَخْرَجَهُ الْمَذْكُورُونَ مِنْ
حَدِيثِ أَسْلَمَ بْنِ يَزِيدَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ "
كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَخَرَجَ صَفٌّ عَظِيمٌ
مِنْ الرُّومِ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
صَفِّ الرُّومِ حَتَّى حَصَلَ فِيهِمْ ثُمَّ رَجَعَ
مُقْبِلًا فَصَاحَ النَّاسُ، سُبْحَانَ اللَّهِ أَلْقَى
بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ
أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ
عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّا لَمَّا
أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ قُلْنَا
بَيْنَنَا سِرًّا إنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ فَلَوْ
أَنَّا قُمْنَا فِيهَا وَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَكَانَتْ
التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ الَّتِي أَرَدْنَا " وَصَحَّ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ نَحْوُ هَذَا فِي
تَأْوِيلِ الْآيَةِ قِيلَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
دُخُولِ الْوَاحِدِ فِي صَفِّ الْقِتَالِ وَلَوْ ظَنَّ
الْهَلَاكَ (قُلْت) أَمَّا ظَنُّ الْهَلَاكِ فَلَا دَلِيلَ
فِيهِ إذْ لَا يُعْرَفُ مَا كَانَ ظَنُّ مَنْ حَمَلَ هُنَا
وَكَأَنَّ الْقَائِلَ يَقُولُ إنَّ الْغَالِبَ فِي وَاحِدٍ
يَحْمِلُ عَلَى صَفٍّ كَبِيرٍ أَنَّهُ يَظُنُّ الْهَلَاكَ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الْوَاحِدِ
عَلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنْ الْعَدُوِّ.
إنَّهُ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِفَرْطِ
شَجَاعَتِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ يُرْهِبُ الْعَدُوَّ
بِذَلِكَ أَوْ يُجْزِئُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ أَوْ
نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ فَهُوَ
حَسَنٌ وَمَتَى كَانَ مُجَرَّدَ تَهَوُّدٍ فَمَمْنُوعٌ لَا
سِيَّمَا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وَهَنُ
الْمُسْلِمِينَ (قُلْت) وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد مِنْ
حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ - قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ
وَلَا بَأْسَ بِهِ - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فَرَجَعَ
رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى
أُهْرِيقَ دَمُهُ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَالْأَحَادِيثُ
وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ تَدُلُّ جَوَازُ
الْمُبَارَزَةِ لِمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ بَلَاءً فِي
الْحُرُوبِ وَشِدَّةً وَسَطْوَةً.
[إفْسَاد أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالتَّحْرِيقِ
وَالْقَطْعِ]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
«حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ.»
(2/474)
(1197) - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَغُلُّوا
فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إفْسَادِ
أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالتَّحْرِيقِ وَالْقَطْعِ
لِمَصْلَحَةٍ
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ الْآيَةُ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ} [الحشر: 5] الْآيَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّك
تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَمَا بَالُ قَطْعِ
الْأَشْجَارِ وَتَحْرِيقِهَا قَالَ فِي مَعَالِمِ
التَّنْزِيلِ: اللِّينَةُ فَعْلَةٌ مِنْ اللَّوْنِ
وَيُجْمَعُ عَلَى أَلْوَانٍ وَقِيلَ: مِنْ اللِّينِ
وَمَعْنَاهُ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ وَجَمْعُهَا لِينٌ
وَقَدْ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ
وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَرِهَهُ
الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ أَبَا
بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَّى جُيُوشَهُ أَنْ
لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَقَائِهَا
لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ،
فَأَرَادَ بَقَاءَهَا لَهُمْ وَذَلِكَ يَدُورُ عَلَى
مُلَاحَظَةِ الْمَصْلَحَةِ.
[النَّهْيُ عَنْ الْغُلُولِ]
(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ
بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ اللَّامِ نَارٌ
وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» :
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ
حِبَّانَ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْغُلُولَ الْخِيَانَةُ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ
صَاحِبَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ وَهُوَ
مِنْ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ
النَّوَوِيُّ وَالْعَارُ الْفَضِيحَةُ فَفِي الدُّنْيَا
أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ افْتَضَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَأَمَّا
فِي الْآخِرَةِ فَلَعَلَّ الْعَارَ مَا يُفِيدُهُ مَا
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَامَ فِينَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ
الْغُلُولَ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ فَقَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ
أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ
لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ
يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا
أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك» -
الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ الْبَعِيرَ وَغَيْرَهُ.
فَإِنَّهُ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي
الْغَالُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الشَّنِيعَةِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فَلَعَلَّ هَذَا
هُوَ الْعَارُ فِي الْآخِرَةِ لِلْغَالِّ، وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَا يُغْفَرُ
بِالشَّفَاعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا "
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي مَحَلِّ التَّغْلِيظِ
وَالتَّشْدِيدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ
بَعْدَ تَشْهِيرِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي سُقْنَاهُ وَرَدَ فِي خِطَابِ
الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
الْغُلُولَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ
وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْغَالِّ وَغَيْرِهِ
(2/475)
(1198) - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ
لِلْقَاتِلِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَصْلُهُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَجِبُ عَلَى الْغَالِّ رَدُّ مَا
أَخَذَ (قُلْت) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّهُمْ
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْغَالَّ يُعِيدُ مَا غَلَّ
قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ: يَدْفَعُ إلَى
الْإِمَامِ خُمُسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي وَكَانَ
الشَّافِعِيُّ لَا يَرَى ذَلِكَ، وَقَالَ: إنْ كَانَ
مَلَكَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ
كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ فَلَيْسَ
لَهُ التَّصَدُّقُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَالْوَاجِبُ أَنْ
يَدْفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ كَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ.
[مِنْ قَتْلَ قتيلا فَلَهُ سلبه]
(وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ
لِلْقَاتِلِ» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَصْلُهُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ الَّذِي
يُؤْخَذُ مِنْ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ يَسْتَحِقُّهُ
قَاتِلُهُ سَوَاءٌ قَالَ الْإِمَامُ قَبْلَ الْقِتَالِ:
مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ.
أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُقْبِلًا أَوْ
مُنْهَزِمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ
السَّهْمَ فِي الْمَغْنَمِ أَوْ لَا إذْ قَوْلُهُ «قَضَى
بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ» حُكْمٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ
مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ؛ قَالَ
الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ حُفِظَ هَذَا الْحُكْمُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا «يَوْمُ بَدْرٍ فَإِنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِسَلَبِ
أَبِي جَهْلٍ لِمُعَاذِ بْنِ الْجَمُوحِ لَمَّا كَانَ هُوَ
الْمُؤَثِّرَ فِي قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ؛ وَكَذَا فِي قَتْلِ
حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ لِرَجُلٍ يَوْمَ أُحُدٍ
أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- سَلَبَهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ.
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَثِيرَةٌ وَقَوْلُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ
حُنَيْنٍ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» بَعْدَ
الْقِتَالِ لَا يُنَافِي هَذَا بَلْ هُوَ مُقَرِّرٌ
لِلْحُكْمِ السَّابِقِ فَإِنَّ هَذَا كَانَ مَعْلُومًا
عِنْدَ الصَّحَابَةِ مِنْ قَبْلِ حُنَيْنٍ وَلِذَا قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي
رَجُلًا شَدِيدًا - إلَى قَوْلِهِ - أَقْتُلُهُ وَآخُذُ
سَلَبَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَأَمَّا قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةِ إنَّهُ لَا يَكُونُ
السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إلَّا إذَا قَالَ الْإِمَامُ قَبْلَ
الْقِتَالِ مَثَلًا: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ
وَإِلَّا كَانَ السَّلَبُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ
بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَإِنَّهُ قَوْلٌ لَا تُوَافِقُهُ
الْأَدِلَّةُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: ذَلِكَ مَوْكُولٌ
إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ
لِمُعَاذِ بْنِ الْجَمُوحِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ
وَلِمُشَارِكِهِ فِي قَتْلِهِ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ لَمَّا
أَرَيَاهُ سَيْفَيْهِمَا» .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَعْطَاهُ مُعَاذًا لِأَنَّهُ الَّذِي
أَثَّرَ فِي قَتْلِهِ لَمَّا رَأَى عُمْقَ الْجِنَايَةِ
فِي سَيْفِهِ؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ
فَإِنَّهُ قَالَهُ تَطْيِيبًا لِنَفْسِ صَاحِبِهِ.
وَأَمَّا تَخْمِيسُ السَّلَبِ الَّذِي يُعْطَاهُ
الْقَاتِلُ فَعُمُومُ الْأَدِلَّةِ مِنْ
(2/476)
(1199) - «وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي - قِصَّةِ
أَبِي جَهْلٍ - قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا
حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَاهُ،
فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ هَلْ مَسَحْتُمَا
سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا. قَالَ فَنَظَرَ فِيهِمَا،
فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ فَقَضَى - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْجَمُوحِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1200) - وَعَنْ مَكْحُولٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِف» .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَرِجَالُهُ
ثِقَاتٌ، وَوَصَلَهُ الْعُقَيْلِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْأَحَادِيثِ قَاضِيَةٌ بِعَدَمِ تَخْمِيسِهِ.
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ
جَرِيرٍ وَآخَرُونَ كَأَنَّهُمْ يُخَصِّصُونَ عُمُومَ
الْآيَةِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ بِزِيَادَةٍ «وَلَمْ
يُخَمِّسْ السَّلَبَ» وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَلْزَمُ الْقَاتِلَ الْبَيِّنَةُ
عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُرِيدُ أَخْذَ سَلَبِهِ
فَقَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
الْمَالِكِيَّةِ إنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا
بِالْبَيِّنَةِ لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
بِلَفْظِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ
فَلَهُ سَلَبُهُ» وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ:
يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، قَالُوا لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَبِلَ قَوْلَ
وَاحِدٍ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ بَلْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ؛
وَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُعَاذِ بْنِ الْجَمُوحِ وَغَيْرِهَا
فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِحَدِيثِ الدَّعْوَى
وَالْبَيِّنَةِ.
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فِي قِصَّةِ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ) يَوْمَ بَدْرٍ
(قَالَ فَابْتَدَرَاهُ) تَسَابَقَا إلَيْهِ
(بِسَيْفَيْهِمَا) أَيْ ابْنَيْ عَفْرَاءَ (حَتَّى
قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ:
أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟
قَالَا: لَا. قَالَ فَنَظَرَ فِيهِمَا) أَيْ فِي
سَيْفَيْهِمَا (فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ فَقَضَى -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَلْبِهِ لِمُعَاذِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ آخِرُهُ
حَاءٌ مُهْمَلَةٌ بِزِنَةِ فَعُولٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ
السَّلَبَ لِمَنْ شَاءَ وَأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ
أَنَّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ، ثُمَّ
جَعَلَ سَلَبَهُ لِغَيْرِهِمَا وَأُجِيبَ عَنْهُ أَنَّهُ
إنَّمَا حَكَمَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ لِأَنَّهُ رَأَى
أَثَرَ ضَرْبَتِهِ بِسَيْفِهِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي
قَتْلِهِ لِعُمْقِهَا فَأَعْطَاهُ السَّلَبَ وَطَيَّبَ
قَلْبَ ابْنَيْ عَفْرَاءَ بِقَوْلِهِ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ
وَإِلَّا فَالْجِنَايَةُ الْقَاتِلَةُ لَهُ ضَرْبَةُ
مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو وَنِسْبَةُ الْقَتْلِ إلَيْهِمَا
مَجَازٌ أَيْ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَرِينَةُ الْمَجَازِ
إعْطَاءُ سَلَبِ الْمَقْتُولِ لِغَيْرِهِمَا، وَقَدْ
يُقَالُ هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ.
[قَتْلُ الْكُفَّارِ بِالْمَنْجَنِيقِ إذَا تَحَصَّنُوا]
(وَعَنْ مَكْحُولٍ) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَكْحُولُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ كَانَ مِنْ سَبْيِ
كَابِلَ
(2/477)
(1201) - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ،
فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ
مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ:
اُقْتُلُوهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَكَانَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ قِيسَ وَكَانَ
سِنْدِيًّا لَا يُفْصِحُ، وَهُوَ عَالِمُ الشَّامِ وَلَمْ
يَكُنْ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالْفُتْيَا فِي زَمَانِهِ،
سَمِعَ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَوَاثِلَةَ
وَغَيْرِهِمَا، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ
وَرَبِيعَةُ الرَّأْيِ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، مَاتَ
سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ
الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِف» . أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ)
وَوَصَلَهُ الْعُقَيْلِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْرٍ رِوَايَةً عَنْ مَكْحُولٍ
وَلَمْ يَذْكُرْ مَكْحُولًا فَكَانَ مِنْ قِسْمِ
الْمُعْضَلِ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ ذَكَرَ الرَّمْيَ
بِالْمَنْجَنِيقِ الْوَاقِدِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ مَكْحُولٌ
وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ
الْفَارِسِيُّ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ وَمِنْ «حَدِيثِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ
لَيْلَةً» وَلَمْ يَذْكُرْ أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حَاصَرَ أَهْلَ
الطَّائِف شَهْرًا» . وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَفِي
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ
الْكُفَّارِ إذَا تَحَصَّنُوا بِالْمَنْجَنِيقِ وَيُقَاسُ
عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَدَافِعِ وَنَحْوِهَا.
[إقَامَة الْحُدُود بالحرم]
(وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ
مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ فَفَاءٌ، فِي الْقَامُوسِ الْمِغْفَرُ
كَمِنْبَرِ وَبِهَاءٍ وَكَكِتَابَةٍ زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ
يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ أَوْ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ
بِهَا الْمُسَلَّحُ «فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ جَاءَهُ
رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ
مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ:
اُقْتُلُوهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ
مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ يَوْمَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ
دَخَلَ مُقَاتِلًا وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ
فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ الْقِتَالُ فِيهَا كَمَا قَالَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا
أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ وَهُوَ أَحَدُ جَمَاعَةٍ تِسْعَةٍ
أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِقَتْلِهِمْ وَلَوْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ
فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَقُتِلَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ
ابْنُ خَطَلٍ «وَكَانَ ابْنُ خَطَلٍ قَدْ أَسْلَمَ
فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ
الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمُهُ مُسْلِمًا
فَنَزَلَ مَنْزِلًا وَأَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ
تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ
وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ
ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ
تُغَنِّيَانِهِ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ
فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا وَاسْتُؤْمِنَ لِلْأُخْرَى
فَأَمَّنَهَا» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَتْلُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَقِّ مَا جَنَاهُ فِي
الْإِسْلَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
(2/478)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُ مِنْ إقَامَةِ وَاجِبٍ وَلَا
يُؤَخِّرُهُ عَنْ وَقْتِهِ انْتَهَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ
النَّاسُ فِي هَذَا فَذَهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ إلَى
أَنَّهُ يُسْتَوْفَى الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ بِكُلِّ
مَكَان وَزَمَانٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذِهِ
الْقِصَّةِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْهَادَوِيَّةِ إلَى أَنَّهُ
لَا يُسْتَوْفَى فِيهَا حَدٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]
وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
لَا يُسْفَكُ بِهَا دَمٌ " وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ
بِهِ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْأَدِلَّةِ
فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بَلْ هِيَ مُطْلَقَاتٌ
مُقَيَّدَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ
مُتَأَخِّرٌ فَإِنَّهُ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ بَعْدَ
شَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ، وَأَمَّا قَتْلُ ابْنِ خَطَلٍ
وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّاعَةِ
الَّتِي أُحِلَّتْ فِيهَا مَكَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّتْ مِنْ
صَبِيحَةِ يَوْمِ الْفَتْحِ إلَى الْعَصْرِ وَقَدْ قُتِلَ
ابْنِ خَطَلٍ وَقْتَ الضُّحَى بَيْنَ زَمْزَمَ
وَالْمَقَامِ: وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَنْ ارْتَكَبَ
حَدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ
وَأَمَّا إذَا ارْتَكَبَ إنْسَانٌ فِي الْحَرَمِ مَا
يُوجِبُ الْحَدَّ فَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا
يُقَامُ فِيهِ حَدٌّ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْهَادَوِيَّةِ
أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ
الْحَدُّ وَهُوَ فِيهِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ:
مَنْ سَرَقَ أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ
فِي الْحَرَمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَيْضًا " مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ
عَلَيْهِ الْحَدُّ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ "
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ
فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191]
وَدَلَّ كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أَنَّهُ يُقَامُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهِ بِأَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ
هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ وَالْمُلْتَجِئُ مُعَظِّمٌ لَهَا
وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ عَلَى مَنْ جَنَى
فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ لَعَظُمَ الْفَسَادُ فِي الْحَرَمِ
وَأَدَّى إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْفَسَادَ قَصَدَ إلَى
الْحَرَمِ لِيَسْكُنَهُ وَفَعَلَ فِيهِ مَا تَتَقَاضَاهُ
شَهْوَتُهُ وَأَمَّا الْحَدُّ بِغَيْرِ الْقَتْلِ فِيمَا
دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا.
فَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسْتَوْفَى
لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ سَفَكَ
الدَّمَ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْقَتْلِ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ فِي الْحَرَمِ تَحْرِيمُ مَا
دُونَهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ
وَالِانْتِهَاكُ بِالْقَتْلِ أَشَدُّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ
فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَارٍ مَجْرَى تَأْدِيبِ
السَّيِّدِ عَبْدَهُ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ: وَعَنْهُ
رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ لِشَيْءٍ عَمَلًا
بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَخَصِّ حَيْثُ صَحَّ
أَنَّ سَفْكَ الدَّمِ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْقَتْلِ
(قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ خَاصٌّ
بِالْقَتْلِ وَالْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِهِ فِي الْحُدُودِ
فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْقَتْلِ إذْ حَدُّ
الزِّنَى غَيْرُ الرَّجْمِ وَحَدُّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ
يُقَامُ عَلَيْهِ.
(2/479)
(1202) - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ
ثَلَاثَةً صَبْرًا» ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي
الْمَرَاسِيلِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1203) - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مُشْرِكٍ» . أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
(1204) - وَعَنْ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ
الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَرِجَالُهُ
مُوَثَّقُونَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[قَتْلُ الصَّبْرِ]
(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -)
هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ الْجِيمِ
وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُثَنَّاةٌ فِرَاءٌ
الْأَسَدِيُّ مَوْلَى بَنِي وَالِبَةَ بَطْنٌ مِنْ بَنِي
أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ كُوفِيٌّ أَحَدُ عُلَمَاءِ
التَّابِعِينَ. سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسًا وَأَخَذَ
عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ. قَتَلَهُ
الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ فِي شَعْبَانَ
مِنْهَا وَمَاتَ الْحَجَّاجُ فِي رَمَضَانَ مِنْ السَّنَةِ
الْمَذْكُورَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً
صَبْرًا» فِي الْقَامُوسِ صَبْرُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ
عَلَى الْقَتْلِ أَنْ يُحْبَسَ وَيُرْمَى حَتَّى يَمُوتَ،
وَقَدْ قَتَلَهُ صَبْرًا وَصَبَرَهُ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ
صَبُورَةٌ مَصْبُورٌ لِلْقَتْلِ انْتَهَى (أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ)
وَالثَّلَاثَةُ هُمْ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَالنَّضْرُ
بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَمَنْ
قَالَ بَدَلُ طُعَيْمَةُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ
وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي
مُعَيْطٍ، فَقَدْ صَحَّفَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ،
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الصَّبْرِ إلَّا
أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ وَفِي بَعْضِهِمْ مَقَالٌ
«لَا يُقْتَلَن قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا صَبْرًا» قَالَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ
خَطَلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ.
[المن عَلَى الْأَسِير أَوْ افتداؤه]
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
بِرَجُلٍ مُشْرِكٍ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ) فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى جَوَازِ مُفَادَاةِ الْمُسْلِمِ الْأَسِيرِ
بِأَسِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ
الْمُفَادَاةُ وَيَتَعَيَّنُ إمَّا قَتْلُ الْأَسِيرِ أَوْ
اسْتِرْقَاقُهُ وَزَادَ مَالِكٌ أَوْ مُفَادَاتُهُ
بِأَسِيرٍ. وَقَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ
الْمُفَادَاةُ بِغَيْرِهِ أَوْ بِمَالٍ أَوْ قَتْلِ
الْأَسِيرِ أَوْ اسْتِرْقَاقِهِ، وَقَدْ «وَقَعَ مِنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلُ الْأَسِيرِ»
كَمَا فِي قِصَّةِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ،
وَفِدَاؤُهُ بِالْمَالِ كَمَا فِي أَسَارَى بَدْرٍ،
وَالْمَنُّ عَلَيْهِ كَمَا مَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ
يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَ فَعَادَ إلَى
الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَسَرَهُ وَقَتَلَهُ وَقَالَ
فِي حَقِّهِ «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ
مَرَّتَيْنِ» وَالِاسْتِرْقَاقُ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ مَكَّة ثُمَّ
أَعْتَقَهُمْ.
[مَا يَصْنَع بالأرض الَّتِي يفتحها الْمُسْلِمُونَ]
(وَعَنْ صَخْرٍ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَخَاءٌ
مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ فَرَاءٌ (ابْنِ الْعَيْلَةِ)
بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ
الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي
الْعَيْلَةِ
(2/480)
(1205) - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أَسَارَى بَدْر:
لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ
كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتهمْ لَهُ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَة وَحَدِيثُهُ عِنْدَهُمْ،
رَوَى عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَهُوَ ابْنُ
ابْنِهِ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا
أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» . أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ) وَفِي مَعْنَاهُ
الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
فَإِذَا قَالُوهَا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ» الْحَدِيثَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ حَرُمَ دَمُهُ
وَمَالُهُ وَلِلْعُلَمَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ، قَالُوا:
مَنْ أَسْلَمَ طَوْعًا مِنْ دُونِ قِتَالٍ مَلَكَ مَالَهُ
وَأَرْضَهُ وَذَلِكَ كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنْ
أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقِتَالِ فَالْإِسْلَامُ قَدْ عَصَمَ
دِمَاءَهُمْ وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَالْمَنْقُولُ
غَنِيمَةٌ وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ فَيْءٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي صَارَتْ
فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ)
لِمَالِكٍ وَنَصَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّهَا تَكُونُ
وَقْفًا يُقْسَمُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
وَأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ
وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ
إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ
أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قِسْمَتِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ،
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ
وَقَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِمْ الْأَرْضَ الَّتِي فَتَحُوهَا
فِي الشَّامِ. وَقَالُوا لَهُ: خُذْ خُمُسَهَا
وَاقْسِمْهَا. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا غَيْرُ الْمَالِ
وَلَكِنْ أَحْبِسُهُ فَيْئًا يَجْرِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى
الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ وَافَقَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عُمَرَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَكَذَلِكَ جَرَى فِي فُتُوحِ مِصْرَ وَأَرْضِ الْعِرَاقِ
وَأَرْضِ فَارِسَ وَسَائِرِ الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحُوهَا
عَنْوَةً فَلَمْ يَقْسِمْ مِنْهَا الْخُلَفَاءُ
الرَّاشِدُونَ قَرْيَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ
وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ
اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ بَقَائِهَا بِلَا قِسْمَةٍ
فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرُ
نُصُوصِهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا
تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ لَا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ، فَإِنْ
كَانَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ قِسْمَتُهَا قَسَمَهَا،
وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَقَفَهَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ
الْأَصْلَحُ قِسْمَةَ الْبَعْضِ وَوَقْفَ الْبَعْضِ
فَعَلَهُ. فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ
فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْضَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَتَرَكَ
قِسْمَةَ مَكَّةَ وَقَسَمَ بَعْضَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ
بَعْضَهَا لِمَا يَنُوبُهُ مِنْ
مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
. وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ
الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلَحِ
مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ إمَّا الْقَسْمُ بَيْنَ
الْغَانِمِينَ أَوْ يَتْرُكُهَا لِأَهْلِهَا عَلَى خَرَاجٍ
أَوْ يَتْرُكُهَا عَلَى مُعَامَلَةٍ مَنْ غَلَّتِهَا أَوْ
يَمُنُّ بِهَا عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ
ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَعَنْ جُبَيْرِ) بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ
مُصَغَّرُ (ابْنِ مُطْعِمٍ) بِزِنَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ
أَيْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَجُبَيْرٌ صَحَابِيٌّ عَارِفٌ
بِالْأَنْسَابِ. مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ
وَخَمْسِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ
(2/481)
(1206) - «وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَصَبْنَا
سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ.
فَتَحَرَّجُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]- الْآيَةَ» أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أَسَارَى
بَدْر: لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا هُوَ
وَالِدُ جُبَيْرٍ ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ
النَّتْنَى جَمْعُ نَتِنٍ بِالنُّونِ وَالْمُثَنَّاةِ
الْفَوْقِيَّةِ لَتَرَكْتهمْ لَهُ» . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) الْمُرَادُ لَهُمْ أَسَارَى بَدْرٍ
وَصَفَهُمْ بِالنَّتِنِ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ
الشِّرْكِ كَمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْرِكِينَ
بِالنَّجَسِ وَالْمُرَادُ لَوْ طَلَبَ مِنِّي تَرْكَهُمْ
وَإِطْلَاقَهُمْ مِنْ الْأَسْرِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ
لَفَعَلْت ذَلِكَ مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى يَدٍ كَانَتْ
لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ مِنْ الطَّائِفِ دَخَلَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِوَارِ
الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّ
الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ أَمَرَ أَوْلَادَهُ
الْأَرْبَعَةَ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ وَقَامَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ الرُّكْنِ مِنْ الْكَعْبَةِ
فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ
الرَّجُلُ الَّذِي لَا تُخْفَرُ ذِمَّتُك وَقِيلَ إنَّ
الْيَدَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ أَنَّهُ أَعْظَمُ مَنْ سَعَى
فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ كَتَبَتْهَا
قُرَيْشٌ فِي قَطِيعَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَمَنْ مَعَهُمْ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ حَصَرُوهُمْ فِي الشُّعَبِ
وَكَانَ الْمُطْعِمُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ
كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْ الْأَسِيرِ
وَالسَّمَاحَةُ بِهِ لِشَفَاعَةِ رَجُلٍ عَظِيمٍ وَأَنَّهُ
يُكَافَأُ الْمُحْسِنُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا.
[لَا تُوطَأُ مسبية حَتَّى تستبرأ أَوْ تضع]
«وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ
لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَتَحَرَّجُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] الْآيَةَ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ
أَوْطَاسٌ وَادٍ فِي دِيَارِ هَوَازِن. وَالْحَدِيثُ
دَلِيلٌ عَلَى انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّةِ
فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا مُتَّصِلٌ. وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ
الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ سُبِيَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا.
وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الْوَطْءِ وَلَوْ قَبْلَ
إسْلَامِ الْمَسْبِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً
أَوْ وَثَنِيَّةً إذْ الْآيَةُ عَامَّةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ
عَلَى سَبَايَا أَوْطَاسَ الْإِسْلَامَ وَلَا أَخْبَرَ
أَصْحَابَهُ أَنَّهَا لَا تُوطَأُ مَسْبِيَّةٌ حَتَّى
تُسْلِمَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ
عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حَرَّمَ وَطْءَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي
بُطُونِهِنَّ» فَجَعَلَ لِلتَّحْرِيمِ غَايَةً وَاحِدَةً
وَهِيَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ
وَمَا أَخْرَجَهُ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ
لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
(2/482)
(1207) - وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً وَأَنَا
فِيهِمْ، قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً،
فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا،
وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ
حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَيْضًا «مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا
يَنْكِحُ شَيْئًا مِنْ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ
حَيْضَةً» وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ وَلَا يُعْرَفُ
اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَسْبِيَّةِ فِي حَدِيثٍ
وَاحِدٍ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَسْبِيَّةِ بِالْمِلْكِ
حَتَّى تُسْلِمَ إذَا لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً،
وَسَبَايَا أَوْطَاسَ هُنَّ وَثَنِيَّاتٌ فَلَا بُدَّ
عِنْدَهُمْ مِنْ التَّأْوِيلِ بِأَنَّ حِلَّهُنَّ بَعْدَ
الْإِسْلَامِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا لِمُجَرَّدِ
الدَّعْوَى فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِشَرْطِيَّةِ الْإِسْلَامِ.
[تنفيل المجاهدين بَعْد قِسْمَة الفيء]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ
وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَأَنَا فِيهِمْ
قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ (نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا
كَثِيرَةً وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ) بِضَمِّ السِّينِ
الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَهْمٍ وَهُوَ النَّصِيبُ (اثْنَيْ
عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) السَّرِيَّةُ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ تَخْرُجُ
مِنْهُ وَتَعُودُ إلَيْهِ وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إلَى
خَمْسِمِائَةٍ، وَالسَّرِيَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ
بِاللَّيْلِ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي تَخْرُجُ
بِالنَّهَارِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ سُهْمَانُهُمْ
أَيْ أَنْصِبَاؤُهُمْ أَيْ أَنَّهُ بَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَدْرَ أَعْنِي اثْنَيْ عَشَرَ
بَعِيرًا وَالنَّفَلُ زِيَادَةٌ يُزَادُهَا الْغَازِي
عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ وَقَوْلُهُ (نُفِلُوا)
مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَفَّلَهُمْ
أَمِيرُهُمْ وَهُوَ أَبُو قَتَادَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَظَاهِرُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ أَنَّ الْقَسْمَ وَالتَّنْفِيلَ كَانَ مِنْ
أَمِيرِ الْجَيْشِ وَقَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَمْ
يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ أَيْضًا بِلَفْظِ «وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا بَعِيرًا»
فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: نُسِبَ إلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ
مُقَرِّرًا لِذَلِكَ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ أَبِي
دَاوُد بِلَفْظِ «فَأَصَبْنَا نِعَمًا كَثِيرًا
وَأَعْطَانَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ
إنْسَانٍ ثُمَّ قَدِمْنَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَسَمَ بَيْنَنَا
غَنِيمَتَنَا فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ اثْنَيْ عَشَرَ
بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
التَّنْفِيلَ مِنْ الْأَمِيرِ وَالْقِسْمَةَ مِنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ
الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ التَّنْفِيلَ كَانَ مِنْ الْأَمِيرِ
قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بَعْدَ الْوُصُولِ قَسَمَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ
الْجَيْشِ وَتَوَلَّى الْأَمِيرُ قَبْضَ مَا هُوَ
لِلسَّرِيَّةِ جُمْلَةً ثُمَّ قَسَمَ ذَلِكَ عَلَى
أَصْحَابِهِ، فَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ
(2/483)
(1208) - وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ
سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ - وَلِأَبِي دَاوُد: أَسْهَمَ
لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ
لِفَرَسِهِ، وَسَهْمًا لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِكَوْنِهِ
الَّذِي قَسَمَ أَوَّلًا، وَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى
الْأَمِيرِ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الَّذِي أَعْطَى ذَلِكَ
أَصْحَابَهُ آخِرًا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
جَوَازِ التَّنْفِيلِ لِلْجَيْشِ وَدَعْوَى أَنَّهُ
يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ تَنْفِيلُ
الْأَمِيرِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى
عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ يُكْرَهُ
أَنْ يَكُونَ التَّنْفِيلُ بِشَرْطٍ مِنْ الْأَمِيرِ
بِأَنْ يَقُولَ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا، قَالَ:
لِأَنَّهُ يَكُونُ الْقِتَالُ لِلدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ -
يَرُدُّهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» سَوَاءٌ قَالَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْقِتَالِ
أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا لُزُومُ كَوْنِ الْقِتَالِ
لِلدُّنْيَا فَالْعُمْدَةُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
لَا يَصِيرُ قَوْلُ الْإِمَامِ: مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ
كَذَا قِتَالُهُ لِلدُّنْيَا بَعْدَ الْإِعْلَامِ لَهُ
أَنَّ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ جَاهَدَ
لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا. فَمَنْ كَانَ
قَصْدُهُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ
يُرِيدَ مَعَ ذَلِكَ الْمَغْنَمَ وَالِاسْتِرْزَاقَ كَمَا
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَ
رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
هَلْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ
مِنْ الْخُمُسِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ؟ قَالَ
الْخَطَّابِيُّ: أَكْثَرُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ.
[سهم الفارس والفرس والراجل]
(وَعَنْهُ) أَيْ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ «قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ
خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ وَلِأَبِي
دَاوُد) أَيْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ
وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ
وَسَهْمًا لَهُ» الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يُسْهَمُ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةُ سِهَامٍ مِنْ
الْغَنِيمَةِ لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّاصِرُ وَالْقَاسِمُ وَمَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى
لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ إنْسَانٍ سَهْمًا فَكَانَ
لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ» وَلِمَا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ «الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ لَهُ
أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا لَهُ
وَسَهْمًا لِقَرَابَتِهِ» يَعْنِي مِنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَهَبَتْ
الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْفَرَسَ
لَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ لِمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي
دَاوُد بِلَفْظِ «فَأَعْطَى لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ
وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ مُجَمِّعِ
بْنِ جَارِيَةَ وَلَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ.
وَاخْتَلَفُوا إذَا حَضَرَ بِفَرَسَيْنِ فَقَالَ
الْجُمْهُورُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا
يُسْهَمُ لَهَا إلَّا إذَا حَضَرَ بِهَا الْقِتَالَ.
(2/484)
وَعَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: «لَا نَفَلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ.
(1210) - وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ الرُّبْعَ فِي
الْبَدْأَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[مِقْدَارُ التَّنْفِيلِ]
(وَعَنْ مَعْنٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ، هُوَ أَبُو يَزِيدَ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ
السُّلَمِيُّ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ. لَهُ
وَلِأَبِيهِ وَلِجَدِّهِ صُحْبَةٌ شَهِدُوا بَدْرًا كَمَا
قِيلَ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا هُوَ وَأَبُوهُ
وَجَدُّهُ غَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ شُهُودُهُ
بَدْرًا. يُعَدُّ فِي الْكُوفِيِّينَ (ابْنُ يَزِيدَ قَالَ
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا نَفَلَ بِفَتْحِ النُّونِ
وَفَتْحِ الْفَاءِ هُوَ الْغَنِيمَةُ إلَّا بَعْدَ
الْخُمُسِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ
الطَّحَاوِيُّ) الْمُرَادُ بِالنَّفَلِ هُوَ مَا يَزِيدُهُ
الْإِمَامُ لِأَحَدِ الْغَانِمِينَ عَلَى نَصِيبِهِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهِ،
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْقِسْمَةِ أَوْ
مِنْ الْخُمُسِ وَحَدِيثُ مَعْنٍ هَذَا لَيْسَ فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. بَلْ غَايَةُ مَا
دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُخَمَّسُ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ
التَّنْفِيلِ مِنْهَا. وَتَقَدَّمَ مَا قَالَهُ
الْخَطَّابِيُّ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَخْبَارِ دَالَّةٌ
عَلَى أَنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ التَّنْفِيلِ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفَّلَ أَكْثَرَ مِنْ
الثُّلُثِ أَوْ مِنْ الرُّبْعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ.
(وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ) بِالْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ
بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ، هُوَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقُرَشِيُّ
الْفِهْرِيُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ حَبِيبُ الرُّومِ
لِكَثْرَةِ مُجَاهِدَتِهِ لَهُمْ، وَلَّاهُ عُمَرُ
أَعْمَالَ الْجَزِيرَةِ وَضَمَّ إلَيْهِ أَرْمِينِيَةَ
وَأَذْرَبِيجَانَ وَكَانَ فَاضِلًا مُجَابَ الدَّعْوَةِ.
مَاتَ بِالشَّامِ أَوْ بِأَرْمِينِيَّةَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (قَالَ: «شَهِدْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ
الرُّبْعَ فِي الْبَدْأَةِ» بِفَتْحِ الْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
(وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ) دَلَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَ فِي
التَّنْفِيلِ وَقَالَ آخَرُونَ: لِإِمَامٍ أَنْ يُنَفِّلَ
السَّرِيَّةَ جَمِيعَ مَا غَنِمَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ
(2/485)
(1211) - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَفِّلُ بَعْضَ
مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً،
سِوَى قِسْمَةِ عَامَّةِ الْجَيْشِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1212) - وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ،
فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَلِأَبِي دَاوُد: فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْخُمُسُ.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] فَفَوَّضَهَا إلَيْهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَدِيثُ لَا دَلِيلَ
فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَفَّلُ أَكْثَرَ مِنْ
الثُّلُثِ. وَعُلِمَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ
الْحَدِيثِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ
الْمُنْذِرِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بَيْنَ الْبَدْأَةِ وَالْقُفُولِ حِينَ فَضَّلَ إحْدَى
الْعَطِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِقُوَّةِ الظَّهْرِ
عِنْدَ دُخُولِهِمْ وَضَعْفِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ
وَلِأَنَّهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ أَنْشَطُ وَأَشْهَى
لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَانِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ
وَأَجَمُّ وَهُمْ عِنْدَ الْقُفُولِ لِضَعْفِ دَوَابِّهِمْ
وَأَبْدَانِهِمْ وَهُمْ أَشْهَى لِلرُّجُوعِ إلَى
أَوْطَانِهِمْ وَأَهَالِيِهِمْ لِطُولِ عَهْدِهِمْ بِهِمْ
وَحُبِّهِمْ لِلرُّجُوعِ فَيَرَى أَنَّهُ زَادَهُمْ فِي
الْقُفُولِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَعْدَ
نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ الْمُنْذِرِ: هَذَا لَيْسَ
بِالْبَيِّنِ فَحْوَاهُ يُوهِمُ أَنَّ الرَّجْعَةَ هِيَ
الْقُفُولُ إلَى أَوْطَانِهِمْ وَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى
الْحَدِيثِ وَالْبَدْأَةُ إنَّمَا هِيَ ابْتِدَاءُ
السَّفَرِ لِلْغَزْوِ إذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ
جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ فَإِذَا وَقَعَتْ بِطَائِفَةٍ مِنْ
الْعَدُوِّ فَمَا غَنِمُوا كَانَ لَهُمْ فِيهِ الرُّبْعُ
وَيُشْرِكُهُمْ سَائِرُ الْعَسْكَرِ فِي ثَلَاثَةِ
أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَفَلُوا مِنْ الْغَزْوَةِ ثُمَّ
رَجَعُوا فَأَوْقَعُوا بِالْعَدُوِّ ثَانِيَةً كَانَ
لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوا الثُّلُثُ لِأَنَّ نُهُوضَهُمْ
بَعْدَ الْقُفُولِ أَشَدُّ لِكَوْنِ الْعَدُوِّ عَلَى
حَذَرٍ وَحَزْمٍ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ هُوَ الْأَقْرَبُ.
[تفويض مِقْدَار مَا يَتَنَفَّل بِهِ الْإِمَام]
(عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ
السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمَةِ
عَامَّةِ الْجَيْشِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ
يُنَفِّلُ كُلَّ مَنْ يَبْعَثُهُ بَلْ بِحَسَبِ مَا
يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي التَّنْفِيلِ.
[الْأَخذ مِنْ طَعَام الْعَدُوّ قَبْل الْقِسْمَة]
(وَعَنْهُ) أَيْ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: «كُنَّا نُصِيبُ فِي
مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا
نَرْفَعُهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَبِي دَاوُد)
أَيْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ
الْخُمُسُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (لَا نَرْفَعُهُ لَا
نَحْمِلُهُ عَلَى سَبِيلِ الِادِّخَارِ أَوْ لَا
نَرْفَعُهُ إلَى مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْغَنِيمَةِ
وَنَسْتَأْذِنُهُ فِي أَكْلِهِ اكْتِفَاءً بِمَا عُلِمَ
مِنْ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَانِمِينَ أَخْذُ الْقُوتِ وَمَا
يَصْلُحُ بِهِ وَكُلُّ طَعَامٍ اُعْتِيدَ أَكْلُهُ
عُمُومًا وَكَذَلِكَ عَلَفُ الدَّوَابِّ قَبْلَ
الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ
بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَلِيلُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ
(2/486)
(1213) - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَصَبْنَا
طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ
فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ، ثُمَّ
يَنْصَرِفُ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ
الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ.
(1214) - وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ
الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ،
وَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى
إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَالدَّارِمِيُّ، وَرِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
«ابْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ أَصَبْت جِرَابَ شَحْمٍ يَوْمَ
خَيْبَرَ فَقُلْت لَا أُعْطِي مِنْهُ أَحَدًا فَالْتَفَتُّ
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَبْتَسِمُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ
مُخَصِّصَةٌ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْغُلُولِ،
وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ الْآتِي، وَهُوَ
قَوْلُهُ:
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ
خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ
مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ» . أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ)
فَإِنَّهُ وَاضِحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَخْذِ
الطَّعَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ التَّخْمِيسِ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَمَّا سِلَاحُ الْعَدُوِّ
وَدَوَابُّهُمْ فَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
خِلَافًا فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا. فَأَمَّا إذَا
انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَالْوَاجِبُ رَدُّهَا فِي
الْمَغْنَمِ. وَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْحَرْثُ
وَالْأَدَوَاتُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ شَيْءٌ
مِنْهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّهُ إذَا احْتَاجَ
إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِحَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ كَانَ لَهُ
أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَدَّ الْبَرْدُ
فَيَسْتَدْفِئَ بِثَوْبٍ وَيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى
الْمَقَامِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ مُرْصِدًا لَهُ
لِقِتَالِهِمْ. وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الثَّوْبَ إلَّا أَنْ يَخَافَ
الْمَوْتَ (قُلْت) الْحَدِيثُ الْآتِي:
[المحافظة عَلَى الفيء]
(وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ
الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ
وَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا
(2/487)
(1215) - وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ»
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ، وَفِي
إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
(1216) - وَلِلطَّيَالِسيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» .
(1217) - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ
يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ «وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» .
(1218) - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ
«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ
رَدَّهُ فِيهِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارِمِيُّ
وَرِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ
الرُّكُوبِ وَلَيْسَ الثَّوْبُ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ
النَّهْيُ إلَى الْإِعْجَافِ وَالْإِخْلَاقِ لِلثَّوْبِ
فَلَوْ رَكِبَ مِنْ غَيْرِ إعْجَافٍ وَلَبِسَ مِنْ غَيْرِ
إخْلَاقٍ وَإِتْلَافٍ جَازَ.
[يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أدناهم]
(وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ) بِالْجِيمِ
وَالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ [قَالَ سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: يُجِيرُ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا
مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ وَهِيَ
الْأَمَانُ (عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ. أَخْرَجَهُ
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ)
لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ
وَلَكِنَّهُ يَجْبُرُ ضَعْفَهُ الْحَدِيثُ الْآتِي وَهُوَ
قَوْلُهُ: (وَلِلطَّيَالِسيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ»
وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ: (عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ
يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» . زَادَ ابْنُ مَاجَهْ) مِنْ
حَدِيثِ عَلِيٍّ أَيْضًا (مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: «وَيُجِيرُ
عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» كَالدَّفْعِ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ
لَا يُجِيرُ إلَّا أَدْنَاهُمْ فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي
جَوَازِ إجَارَتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَفَادَهُ
الْحَدِيثُ الْآتِي: (1218) - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت» .
(وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ) بِنْتِ
أَبِي طَالِبٍ، قِيلَ اسْمُهَا هِنْدُ، وَقِيلَ فَاطِمَةُ
(2/488)
(1219) - وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَهِيَ أُخْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت» وَذَلِكَ
أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِهَا
وَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تُخْبِرُهُ أَنَّ عَلِيًّا أَخَاهَا لَمْ
يُجِزْ إجَارَتهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (قَدْ أَجَرْنَا) الْحَدِيثَ. وَالْأَحَادِيثُ
دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْكَافِرِ مِنْ كُلِّ
مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَمْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ
أَمْ غَيْرِ مَأْذُونٍ لِقَوْلِهِ: " أَدْنَاهُمْ "
فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ وَضِيعٍ، وَتُعْلَمُ صِحَّةُ
أَمَانِ الشَّرِيفِ بِالْأَوْلَى وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ إلَّا عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَصِحُّ أَمَانُ
الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ
لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِأُمِّ هَانِئٍ «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ
أَجَرْت» عَلَى أَنَّهُ إجَارَةٌ مِنْهُ قَالُوا فَلَوْ
لَمْ يَجُزْ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهَا وَحَمَلَهُ
الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمْضَى مَا وَقَعَ مِنْهَا وَأَنَّهُ قَدْ
انْعَقَدَ أَمَانُهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا مُجِيرَةً وَلِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ
فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا
يَقُولُهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ أَوْ مِنْ بَابِ
التَّغْلِيبِ بِقَرِينَةِ الْحَدِيثِ الْآتِي.
[لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ]
(وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِزِيَادَةٍ: "
لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ " وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى
عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ «لَا
يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» قَالَ
مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَفَحَصَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ
حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَالَ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ» قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ أَجْلَى
يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ أَيْضًا: وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ
عَلَى وُجُوبِ إخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
وَالْمَجُوسِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ
«لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَهُوَ
عَامٌّ لِكُلِّ دِينٍ وَالْمَجُوسُ بِخُصُوصِهِمْ
حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا عَرَفْت.
وَأَمَّا حَقِيقَةُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَ مَجْدُ
الدِّينِ فِي الْقَامُوسِ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا
أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ
دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ، أَوْ مَا بَيْنَ عَدَنَ أَبْيَنُ
إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ طُولًا. وَمِنْ جُدَّةَ إلَى
أَطْرَافِ رِيفِ الْعِرَاقِ عَرْضًا انْتَهَى.
وَأُضِيفَتْ إلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا كَانَتْ
أَوْطَانَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَأَوْطَانَ
أَسْلَافِهِمْ وَهِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ. وَبِمَا
تَضَمَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ مِنْ وُجُوبِ إخْرَاجِ مَنْ
لَهُ دِينٌ غَيْرَ الْإِسْلَامِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، إلَّا أَنَّ
الشَّافِعِيَّ وَالْهَادَوِيَّةَ خَصُّوا ذَلِكَ
بِالْحِجَازِ
(2/489)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ سَأَلَ مَنْ يُعْطِي
الْجِزْيَةَ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عَلَيْهِ
الْحُكْمُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ لَمْ يَكُنْ
لَهُ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْحِجَازِ مَكَّةُ
وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا كُلُّهَا.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْحِجَازُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ
وَالطَّائِفُ وَمَخَالِيفُهَا فَإِنَّهَا حُجِزَتْ بَيْنَ
نَجْدٍ وَتِهَامَةَ أَوْ بَيْنَ نَجْدٍ وَالسَّرَاةِ أَوْ
لِأَنَّهَا اُحْتُجِزَتْ بِالْحِرَارِ الْخَمْسِ حَرَّةِ
بَنِي سُلَيْمٍ وَرَاقِمٍ وَلَيْلَى وَشُورَانَ وَالنَّارِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجْلَى
أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ وَقَدْ
كَانَتْ لَهَا ذِمَّةٌ وَلَيْسَ الْيَمَنُ بِحِجَازٍ فَلَا
يُجْلِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْيَمَنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ
يُصَالِحَهُمْ عَلَى مَقَامِهِمْ بِالْيَمَنِ (قُلْت) لَا
يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَاضِيَةَ فِيهَا
الْأَمْرُ بِإِخْرَاجِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ أَهْلِ
الْأَدْيَانِ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَزِيرَةِ
الْعَرَبِ. وَالْحِجَازُ بَعْضُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْأَمْرُ
بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ الْحِجَازِ وَهُوَ بَعْضُ مُسَمَّى
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالْحُكْمُ عَلَى بَعْضِ
مُسَمَّيَاتِهَا بِحُكْمٍ لَا يُعَارِضُ الْحُكْمَ
عَلَيْهَا كُلِّهَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا قُرِّرَ فِي
الْأُصُولِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ
الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ وَهَذَا نَظِيرُهُ
وَلَيْسَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ
كَمَا وَهَمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ،
وَغَايَةُ مَا أَفَادَهُ حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ
زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ فِي إخْرَاجِهِمْ مِنْ الْحِجَازِ
لِأَنَّهُ دَخَلَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْحِجَازِ تَحْتَ
الْأَمْرِ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ثُمَّ
أَفْرَدَ بِالْأَمْرِ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ لَا أَنَّهُ
تَخْصِيصٌ أَوْ نَسْخٌ وَكَيْفَ وَقَدْ كَانَ آخِرُ
كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»
كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ،.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ
بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ
مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «قَاتَلَ
اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَا يَبْقَيْنَ دِينَانِ
بِأَرْضِ الْعَرَبِ» وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ
لَا يَعْلَمُ أَحَدًا أَجْلَاهُمْ مِنْ الْيَمَنِ فَلَيْسَ
تَرْكُ إجْلَائِهِمْ بِدَلِيلٍ فَإِنَّ أَعْذَارَ مَنْ
تَرَكَ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إجْلَاءَ أَهْلِ الْحِجَاز مَعَ
الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ إجْلَائِهِمْ لِشَغْلِهِ
بِجِهَادِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُجْلَوْنَ بَلْ أَجْلَاهُمْ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ فِي الْيَمَنِ بِقَوْلِهِ
لِمُعَاذٍ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ
عَدْلَهُ مَعَافِرِيًّا» فَهَذَا كَانَ قَبْلَ أَمْرِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهِمْ
فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ وَفَاتِهِ كَمَا عَرَفْت.
فَالْحَقُّ وُجُوبُ إجْلَائِهِمْ مِنْ الْيَمَنِ لِوُضُوحِ
دَلِيلِهِ، وَكَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُمْ فِي
الْيَمَنِ قَدْ صَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا لَا يَنْهَضُ
عَلَى دَفْعِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَمْرٍ وَقَعَ مِنْ الْآحَادِ أَوْ
مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فِعْلِ مَحْظُورٍ أَوْ
تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا وَقَعَ،
وَلَا عَلَى جَوَازِ مَا تُرِكَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ
الْوَاقِعُ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا لِمُنْكَرٍ وَسَكَتُوا
وَلَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ
بِمُنْكَرٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَرَاتِبَ
الْإِنْكَارِ ثَلَاثٌ بِالْيَدِ أَوْ اللِّسَانِ أَوْ
الْقَلْبِ وَانْتِفَاءُ الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ
وَاللِّسَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ بِالْقَلْبِ
وَحِينَئِذٍ فَلَا
(2/490)
(1220) - وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ
عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ،
فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خَاصَّةً. فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ
نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ
وَالسِّلَاحِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
يَدُلُّ سُكُوتُهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ لِمَا وَقَعَ حَتَّى
يُقَالَ قَدْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا إذْ
لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ السَّاكِتُ إذَا
عُلِمَ رِضَاهُ حَتَّى يُقَالَ رِضَاهُ بِالْوَاقِعِ وَلَا
يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وَبِهَذَا يُعْرَفُ بُطْلَانُ الْقَوْلِ بِأَنَّ
الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حُجَّةٌ وَلَا أَعْلَمُ
أَحَدًا قَدْ حَرَّرَ هَذَا فِي رَدِّ الْإِجْمَاعِ
السُّكُوتِيِّ مَعَ وُضُوحِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ فَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي
رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ:
وَمِثْلُهُ قَدْ يُفِيدُ الْقَطْعَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ
قَالَ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ الْأَمْرِ
بِالْإِخْرَاجِ كَانَ عِنْدَ سُكُوتِهِمْ بِغَيْرِ
جِزْيَةٍ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِإِخْرَاجِهِمْ
عِنْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْجِزْيَةُ فُرِضَتْ فِي التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ
عِنْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ فَكَيْفَ يَتِمُّ هَذَا، ثُمَّ
إنَّ عُمَرَ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرَانَ وَقَدْ كَانَ
صَالَحَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
مَالٍ وَاسِعٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ جِزْيَةٌ.
وَالتَّكَلُّفُ لِتَقْوِيمِ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَرَدُّ
مَا وَرَدَ مِنْ النُّصُوصِ بِمِثْلِ هَذِهِ
التَّأْوِيلَاتِ مِمَّا يُطِيلُ تَعَجُّبَ النَّاظِرِ
الْمُنْصِفِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ
اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنْ
التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ إلَى الْحِجَازِ وَلَا
يَمْكُثُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ: إلَّا مَكَّةَ
وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ
دُخُولِهَا بِحَالٍ. فَإِنْ دَخَلَ فِي خُفْيَةٍ وَجَبَ
إخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهِ نُبِشَ وَأُخْرِجَ
مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَحُجَّتُهُ قَوْله تَعَالَى:
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] (قُلْت) وَلَا
يَخْفَى أَنَّ الْبَانِيَانِ هُمْ الْمَجُوسُ وَالْمَجُوسُ
حُكْمُهُمْ مِنْ حُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِحَدِيثِ
«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» فَيَجِبُ
إخْرَاجُهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ وَمِنْ كُلِّ مَحَلٍّ
مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُمْ
لَيْسُوا بِمَجُوسٍ فَالدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِهِمْ
دُخُولُهُمْ تَحْتَ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي أَرْضِ
الْعَرَبِ» . .
[إجلاء بَنِي النضير]
(وَعَنْهُ) أَيْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ
كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ) بِفَتْحِ النُّونِ
وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ
تَحْتِيَّةٌ (مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِمَّا لَمْ يُوجِفْ) الْإِيجَافُ مِنْ الْوَجْفِ وَهُوَ
السَّيْرُ السَّرِيعُ (عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ
وَلَا رِكَابٍ) الرِّكَابُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْإِبِلُ
(فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خَاصَّةً فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ
نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ)
بِالرَّاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بِزِنَةِ غُرَابٍ
اسْمٌ لِجَمِيعِ الْخَيْلِ (وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي
سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
(2/491)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَنُو النَّضِيرِ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ
مِنْ الْيَهُودِ وَادَعَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قُدُومِهِ إلَى الْمَدِينَةِ
عَلَى أَنْ لَا يُحَارِبُوهُ وَأَنْ لَا يُعِينُوا
عَلَيْهِ عَدُوَّهُ وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ وَنَخِيلُهُمْ
وَمَنَازِلُهُمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَنَكَثُوا
الْعَهْدَ وَسَارَ مَعَهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي
أَرْبَعِينَ رَاكِبًا إلَى قُرَيْشٍ فَحَالَفَهُمْ وَكَانَ
ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَاقِعَةِ
بَدْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ
إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ
قِصَّةِ أُحُدٍ وَبِئْرِ مَعُونَةَ " وَخَرَجَ إلَيْهِمْ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ رَجُلَيْنِ قَتَلَهُمَا
عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ مِنْ بَنِي عَامِر
فَجَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إلَى جَنْبِ جِدَارٍ لَهُمْ فَتَمَالَئُوا عَلَى
إلْقَاءِ صَخْرَةٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ الْجِدَارِ
وَقَامَ بِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جِحَاشِ بْنِ كَعْبٍ
فَأَتَاهُ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ فَقَامَ مُظْهِرًا
أَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ لَا
تَبْرَحُوا وَرَجَعَ مُسْرِعًا إلَى الْمَدِينَةِ
فَاسْتَبْطَأَهُ أَصْحَابُهُ فَأُخْبِرُوا أَنَّهُ رَجَعَ
إلَى الْمَدِينَةِ فَلَحِقُوا بِهِ فَأَمَرَ بِحَرْبِهِمْ
وَالْمَسِيرَ إلَيْهِمْ فَتَحَصَّنُوا فَأَمَرَ بِقَطْعِ
النَّخْلِ وَالتَّحْرِيقِ وَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ،
وَكَانَ نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ
أَنْ اُثْبُتُوا أَوْ تَمْنَعُوا فَإِنْ قُوتِلْتُمْ
قَاتَلْنَا مَعَكُمْ فَتَرَبَّصُوا فَقَذَفَ اللَّهُ
الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ،
فَسَأَلُوا أَنْ يُجْلَوْا مِنْ أَرْضِهِمْ عَلَى أَنَّ
لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ فَصُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ
إلَّا الْحَلَقَةَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَفَتْحِ اللَّامِ فَقَافٌ وَهِيَ السِّلَاحُ فَخَرَجُوا
إلَى أَذْرَعَاتَ وَأَرْيِحَاءَ مِنْ الشَّامِ وَآخَرُونَ
إلَى الْحِيرَةِ وَلَحِقَ آلَ أَبِي الْحَقِيق وَآلَ
حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بِخَيْبَرَ وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ
أُجْلِيَ مِنْ الْيَهُودِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] وَالْحَشْرُ الثَّانِي
مِنْ خَيْبَرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى
رَسُولِهِ} [الحشر: 6] الْفَيْءُ مَا أُخِذَ بِغَيْرِ
قِتَالٍ، قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: إنَّهُ لَا
خُمُسَ فِيهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَإِنَّمَا
لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لِأَنَّ
بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ
الْمَدِينَةِ فَمَشَوْا إلَيْهَا مُشَاةً غَيْرَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ
رَكِبَ جَمَلًا أَوْ حِمَارًا وَلَمْ تَنَلْ أَصْحَابَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَقَّةٌ فِي ذَلِكَ
وَقَوْلُهُ: (كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ أَيْ مِمَّا
اسْتَبَقَاهُ لِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْزِلُ
لَهُمْ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُهُ
قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَلَا
يَتِمُّ عَلَيْهِ السَّنَةُ وَلِهَذَا تُوُفِّيَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ
عَلَى شَعِيرٍ اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ
عَلَى جَوَازِ ادِّخَارِ قُوتِ سَنَةٍ وَأَنَّهُ لَا
يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
جَوَازِ الِادِّخَارِ مِمَّا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ
مِنْ أَرْضِهِ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ
مِنْ السُّوقِ وَيَدَّخِرَهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ
ضِيقِ الطَّعَامِ لَمْ يَجُزْ بَلْ يَشْتَرِي مَا لَا
يَحْصُلُ بِهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ
أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ
اشْتَرَى قُوتَ السَّنَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَقَلَهُ
الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
(2/492)
(1221) - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ،
فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا، فَقَسَمَ فِينَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةً،
وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد، وَرِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ.
(1222) - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَا أَخِيسُ
بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الرُّسُلَ» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(1223) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا
فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا
قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ خُمُسَهَا
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا
فَقَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةً وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي
الْمَغْنَمِ» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرِجَالُهُ لَا
بَأْسَ بِهِمْ) الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ التَّنْفِيلِ
وَقَدْ سَلَفَ الْكَلَامُ فِيهِ فَلَوْ ضَمَّهُ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَيْهَا لَكَانَ
أَوْلَى. .
[حِفْظُ الْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِهِ]
(وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إنِّي لَا أَخِيسُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ فَسِينٌ مُهْمَلَةٌ فِي
النِّهَايَةِ لَا أَنْقُضُهُ (بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ
الرُّسُلَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
حِفْظِ الْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِهِ وَلَوْ لِكَافِرٍ
وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ الرُّسُلُ بَلْ يَرُدُّ
جَوَابَهُ فَكَأَنَّ وُصُولَهُ أَمَانٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ
أَنْ يُحْبَسَ بَلْ يُرَدَّ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ
فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا. وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِم: يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ الْأُولَى
(2/493)
(1224) - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا - يَعْنِي الْجِزْيَةَ -
مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَهُ
طَرِيقٌ فِي الْمُوَطَّأِ فِيهَا انْقِطَاعٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
هِيَ الَّتِي لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ
بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ بَلْ أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا
وَصَالَحُوا فَيَكُونُ سَهْمُهُمْ فِيهَا أَيْ حَقُّهُمْ
مِنْ الْعَطَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْفَيْءِ وَيَكُونُ
الْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ مَا أُخِذَتْ عَنْوَةً
فَيَكُونُ غَنِيمَةً يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُمُسُ
وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "
هِيَ لَكُمْ " أَيْ بَاقِيهَا وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ
لَمْ يُوجِبْ الْخُمُسَ فِي الْفَيْءِ قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ
قَالَ بِالْخُمُسِ فِي الْفَيْءِ. |