شرح ابن ماجه
لمغلطاي 107 - باب وقت صلاة
العشاء
[477/ب]
/حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
لولا أن أشق على أمّتي لأمرتهم بتأخير العشاء " (1) ، وفي
حديث سعيد بن أبي سعيد عنه قال عليه الصلاة والسلام: "
لولا أن أشق على أمتي لأخّرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل،
أو نصف الليل" (2) . هذا حديث قال فيه أبو عيسى وأبو علي
الطوسي وخرجاه من حديث سعيد عنه: " لأخّرت العشاء إلى ثلث
الليل (3) ، ولفظ أحمد بن حنبل: لعجلت العشاء الآخرة إلى
ثلث الليل الأوّل "، ورجّحه ابن أبي حاتم بقوله: سمعت أبي،
وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن
مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة
العشاء إلى ثلث الليل " (4) .
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/690) ، والنسائي (1/266) ،
وأحمد (2/245) 0، البيهقي (1/35، 37) ، والشفع (62)
والشافعي (13) ، والمشكاة (376) ، وتلخيص (64) ، وتغليق
(666) ، وشرح السنة (1/392) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/691) ، وأحمد (4/6،114/150) ،
وابن أبى شيبة (1/331) ، والكنز (19484) ، وإتحافات (264)
. وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " لولا أن أشق على أمتي " أي: لولا مخافة أو كراهة
أن أشق على أمتي.
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/167) . وقال: هذا حديث حسن
صحيح. ورواه أحمد (رقم 9590،9589،7406ج 2 ص. 25، 433) من
طريق عبيد الله عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبى هريرة.
ورواه أحمد أيضا لإسناد آخر (رقم 10626ج 2 ص 509) ، قال:
حدثنا ابن أبى عدي عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن عطاء مولى أم صفية- قال أحمد: وقال يعقوب:
صبية، وهو الصواب- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله علي: "
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت
صلاة العشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأول، فأنه إذا مضى ثلث
الليل الأول هبط الرب إلى السماء الدنيا إلى طلوع الفجر،
يقول قائل: ألا داع يجاب، ألا سائل يعطيه، ألا مذنب يستغفر
فيغفر له ".
(4) راجع الحاشية السابقة، وتعليق الترمذي (1/312)
(1/1030)
قال أبي: إنَما هو عن أبي هريرة عن النبي-
عليه السلام-، ومع ذلك ففي
كتاب أبي جعفر الطبري المسمى بالتهذيب ما يشعر بانقطاع
حديث سعيد وأنه
لم يأخذه عن أبي هريرة، إنَما أخذه عن عطاء عنه، وأنه رواه
بسند صحيح عن أحمد بن منصور. ثنا يعقوب بن إبراهيم عن محمد
بن إسحاق،حدثني
سعيد بن سعيد عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " لولا أن أشقَ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
صلاة، ولأخَّرت العشاء إلى ثلث الليل الأول، فإذا مضى ثلث
الليل الأول مضى ثلث هبط الرب جل ثناؤه إلى سماء الدنيا
فلم يزل هنالك حتى تطلع الفجر/يقول: قائل، ألا سائل يعطى
ألا داع [478/أ] يستجاب له، ألا سقيم يستشفي فيشفي، ألا
مذنب يستغفر فيغفر له " (1)
وخرج ابن حبان في صحيحه (2) قطعة منه، ورواه أبو القاسم في
الأوسط من حديث إسحاق بن أبي فروة عن صفوان بن سليم عن
حميد عن عبد الرحمن عنه، وقال: لم يروه عن صفوان إلا
إسحاق، وذكره الدارقطني في كتاب التصحيف: أنَ عطاء هذا هو
مولى أم حبيب - يعنى الموثق عند ابن حبان-، حدثنا محمد بن
المثنى نا خالد بن الحارث ثنا حميد قال: سئل أنس بن مالك:
" هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما؟ قال: نعم، آخر
ليلة صلاة العشاء إلى قريب من شطر الليل، فلما صلى أقبل
علينا بوجهه فقال: إنَ الناس قد صلوا وناموا وإنكم لن
تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، قال أنس: كأني أنظر إلى
بياض خاتمه صلى الله عليه وسلم ". هذا حديث خرَجاه في
الصحيح (3) ، ولفظ أبي القاسم في الأوسط، وخرجه من حديث
إبراهيم من ذي حمابه عن حميد: فلما فرغ خطنا فقال: " إن
الناس قد صلوا ورقدوا وأنتم في صلاة ما انتظرتم الصلاة "،
ثم قال: لم يروه عن إبراهيم إَلا الجراح بن مليح. تفرد به
محمد بن عبيدة. حدثنا عمران بن موسى الليثي ثنا عبد الوارث
ابن سعيد ثنا داود بن أبي هند
__________
(1) تقدم.
(2) صحيح. ورواه ابن حبان: (3/40) من رواية هريرة.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/155، 214) ، ومسلم
في (المساجد، ح/221) ، والنسائي (1/268) ، وأبو داود
(ح/422) من حديث أبي سعيد الخدري، والقرطبي (12/139) ،
وآمالي الشجري (1/57) . ورواه ابن ماجة (ح/693) .
(1/1031)
عن أبي ذر عن أبي سعيد قال: " صلى بنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم لم يخرج حتى ذهب شطر
الليل، فخرج فصلَى بهم، ثم قال: إن الناس قد صلوا وناموا
وأنتم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا الضعيف
والسقيم لأحببت أن أؤخَر هذه الصلاة إلى شطر الليل " هذا.
هذا حديث خرجه أبو [478/ب] ، داود (1) عن مسدد، نا/بشر بن
المفضل ثنا داود بلفظ: (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل، فقال:
خذوا مقاعدكم فأخذنا مقاعدنا " (2) ، فقال ... الحديث،
ولفظ ابن خزيمة (3) في صحيحه-: وخرجه من حديث بندار- ثنا
ابن أبي عدي عن داود حدثنا
عمران بن موسى نا عبد الوارث نا داود ح وثنا إسحاق إبراهيم
بن حبيب بن الشهير نا عبد الأعلى عن داود:) خذوا مقاعدكم
فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم، فإنكم لن تزالوا في صلاة منذ
انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة
لأخَرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ". هذا حديث بندار، وفي
الباب حديث أم أنس الأنصارية وليست بأم أنسى بن مالك-:
قلت: يا رسول الله إنَ عيني تغلبني عن عشاء الآخرة، فقال-
عليه الصلاة والسلام-: " عجليها يا أم أنس إذا ملأ الليل
بطن كل واد فقد جاء وقت الصلاة فصلى ولا إثم عليك " (4) .
ذكره أبو موسى في معرفة الصحابة، وحديث النعمان بن بشير
أنه قال: (أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة،
العشاء الآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها
لسقوط القمر الثالثة ". رواه
الحاكم (5) من حديث هيثم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عنه،
ثم قال:
تابعه رقية عن أبي بشر بن حبيب زاد الدارقطني وسفيان بن
حسين، قال
__________
(1) انظر: رواية أبى داود في الحاشية السابقة.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/422) ، وأحمد (3/5) ، والكنز
(21851) .
(3) صحيح. رواه ابن خزيمة: (345) .
(4) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/314)
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه عنبسة بن عبد
الرحمن، وهو متروك الحديث.
(5) صحيح. رواه الترمذي (ح/165) ، وأبو داود (ح/419) ،
والنسائي (1/265،264) وأحمد (4/274) ، والدارقطني (1/270)
،
والتمهيد (8/94،93) .
(1/1032)
الحاكم: وهو إسناد صحيح، وخالفهما شعبة
وأبو عوانة، فقالا: عن أبي بشر بن ثابت عن حبيب بن سالم،
ولما ذكر الترمذي حديث أبي عوانة أتبعه: نا محمد بن أبان
نا ابن مهدى عن أبي عوانة بهذا الإِسناد نحوه، وحديث أبي
عوانة أصح من حديث/هشيم؛ لأنّ يزيد بن هارون روى عن شعبة
عن أبي [479/أ] بشر نحو روايته عن أبي عوانة، وفي كتاب
الطوسي: ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا يزيد بن هارون أنبأ
شعبة عن أبي بشر عن بشير عن حبيب عنه قال بلفظ: " كان
يصليها بمقدار ما يغيب القمر الليلة الرابعة " (1) . قال
يزيد: فقلت له: إن هيثمًا يقول ليلة الثالثة فشكّك شعبة،
فقال: رابعة أو ثالثة، وهذا حديث حسن، وصحح أبو محمد
الإشبيلي حديث أبي عوانة في أحكامه الكبرى، وقال مهنأ: قال
لي أحدكم بخبر شعبة يرد على هيثم، فسألت أحمد: من أخطأ في
الحديث؟ قال: شعبة حين يقول ليلة رابعة، وقال أحمد أيضا
فيما ذكره الخلال في علله: فيضعضع لها شعبة، ولما سئل أبو
زرعة عنه قال: حديث بضير صححه ابن أبي حاتم في علله ووثقه
أبو زرعة لما قال: وحكم لمسددنا أتى ما أتى عن أبي عوانة
بزيادة رجل في الإسناد، وزعم بعضهم: أنه معارض لما ذكره
ابن أبي حاتم في موضع آخر. سمَعت أبي ... وذكر حديثا: ثنا
المعبري عن يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان عن أبي يعفور عن
أبيه عن النعمان بن بشير، أنه يصلى مع النبي- صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم- المغرب، ثم لا يلبث إلا يسيرا حتى
يصلي العشاء، وقال: أخطأ فيه المقدمي ليس فيه النبي- عليه
السلام- إنما هو: وكنا نصلى مع النعمان بن بشير ". والله
تعالى أعلم.
وحديث جابر بن عبد الله، قال: خرج النبي- عليه الصلاة
والسلام-
ذات ليلة وأصحابه ينتظرونه لصلاة العشاء فقال: نام النّاس
ورقدوا وأنتم
تنتظرون الصلاة أما إنَّكم في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا
ضعف الضعيف وكبر الكبير لأخّرت هذه الصلاة إلى شطر الّليل
"، قال أبو زرعة: وسأله ابن [479/ب] أبي حاتم عنه،/فقال:
هذا حديث وهم فيه ابن معاوية - يعني: إذ رواه عن
__________
(1) رواه أحمد: (4/272) .
(1/1033)
داود عن نضرة عن جابر- قلت: لم يبين الصحيح
ما هو، والذي عندي أن الصحيح ما رواه وهب وخالد الواسطي عن
داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي- عليه الصلاة
والسلام-.
وحديث عبد الله بن عمر قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول
الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا
حتى ذهب ثلث الليل أو بعده فلا ندرى شيء شغله في أهله أو
غير ذلك، فقال حين خرج: " إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها
أهل دين غيركم، ولولا أن أثقل على أمتي لصليت لهم هذه
الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى " رواه (1) مسلم،
وروى المحاربي نحوه وليس فيه: " لصليت بهم هذه الساعة "،
وفي معجم ابن جميع: " أخّر صلاة العشاء حين نام النائم
واستيقظ وتهجد المتهّجد، ثم خرج فأقيمت الصلاة فصلاها،
وقال: لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هذا الوقت
وهذا الحين " (2) . ولفظ أبي القاسم في الأوسط: " حين صلى
المصلى، واستيقظ المستيقظ ونام القائمون وتهجد المتهجدون
"، وحديث ابن عباس قال:) اهتم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالعشاء، حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا
فقام عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فقال: (الصلاة فخرج
رسول الله كأني أنظر أبيه يقطر رأسه ماء واضعَا يده على
رأسه فقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها ... "
(3) هكذا رواه أيضا، وحديث عائشة قالت:) اهتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر [480/أ] الصلاة،
نام النساء والصبيان، فخرج فقال: ما ينتظرها من
أهل/الإِسلام أحد
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/220) ، وابن خزيمة
(344) ، والمشكاة (616) ومعاني (1/157) .
(2) قوله: " ولفظ "، غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. رواه البخاري (1/150) ، والترمذي (167) ،
والنسائي (1/266) ، وأحمد (1/221،336،28،2/28) ، والبيهقي
(1/449) ، وابن خزيمة (342) ، والطبراني (11/185) ، وعبد
الرزاق (2112) ، وشرح السنة (2/219) ، وإتحاف (2/350) ،
والمشكاة (611) ، والمنثور (1/114) ، والكنز (19464،
19466، 21847) .
(1/1034)
غيركم ". ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة قال:
(وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثْلث الليل
الأول ". رواه البخاري (2) وهذا لفظه، وفي لفظ له: " اهتم
النبي صلى الله عليه وسلم حتى نام أهل المسجد ثم خرج، فصلى
فقال: إنه لوقتها لولا أن أشقْ على أمتي ولم يذكر مسلم،
وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول
" (3) . وروى النسائي (4) الحديث، وعنده بعد قوله بالمدينة
ثم قال: " صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل "،
وفي لفظ: اهتم النبي عليه الصلاة والسلام ليلة حين ذهب
عامة الليل وحين نام أهل المسجد ثم خرج يصلي ثم قال: " أنه
لوقتها لولا أن أشق على أمتي "، وفي الأوسط من حديث محمد
بن عمرو عن عبد الرحمن بن حاطب عنها قال: سئل- عليه
السلام- عن وقت العشاء قال: " إذا ملأ الليل بطن كل " (5)
، وقال: لم يروه عن محمد بن عمرو إّلا جعفر بن سليمان
الضبعي.
وحديث جابر بن سمرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يؤخر عشاء الآخرة ". رواه مسلم (6) ، وفي مسند مسدد:
" كان- عليه السلام- يصلى الصلوات نحوَا من صلاتكم، وكان
يؤخر صلاة العتمة بعد صلاتكم شيئا، وكان يخفف الصلاة " (7)
، وفي لفظ: " كان- عليه السلام- يؤخر صلاة
__________
(1) صحيح. رواه عبد الرزاق (ح/2116) ، وابن خزيمة (343) ،
والمجمع (1/313) ، وعزاه إلى " البزار"، ورجاله ثقات.
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/569) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/219) ، والنسائي
(1/267) ، وأحمد (6/150) ، والبيهقي (1/367،450) ، وأبو
عوانة (1/362) ، وعبد الرزاق (2114) ، والكنز (21865) .
(4) انظر: الحاشية السابقة.
(5) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (1/331) ، والكنز
(19476،218571857) ، وأحمد (5/365) ، والمجمع (1/313) ،
وعزاه أبيه، ورجاله موثقون.
(6) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب "39"، ح/226) ،
والبيهقي (1/451، 6612) (7) صحيح رواه مسلم في (المساجد،
باب "39"، ح/227) ، وأحمد (5/89) ، والكنز (22842) ،
والقرطبي (12/307)
(1/1035)
العشاء الآخرة " (1) ، وحديث علي بن أبي
طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخّرت العشاء إلى ثلث
الليل الأوّل " (2) . رواه أبو جعفر في تهذيب الآثار بسند
صحيح عن أحمد بن منصور نا يعقوب بن إبراهيم عن محمد بن
إسحاق، حدثني عمى عبد الرحمن بن يسار عن عبيد الله بن أبي
رافع عن أبيه عنه ولما رواه البزار (3) من [480/ب] حديث
ابن إسحاق، قال:/وهذا الحديث قد روى عن النبي- عليه
السلام- من وجوه ولا نعلمه يروى عن على عن النبي إلّا من
هذا الوجه بهذا الإِسناد، قال الطبري: وروى شعبة عن قتادة
عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال:" وقت العشاء إلى نصف الليل " (4) ،
وفي كتاب النسائي: أنبأ عمرو بن علي ثنا أبو داود نا شعبة
عن قتادة، سمعت أبا أيوب الأزدي يحدّث عن ابن عمرو فذكره
مطولا، وبه قال شعبة: كان قتادة يرفعه أحيانا، وأحيانا لا
يرفعه.
وحديث معاذ: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة،
فتأخر حتى ظن الظان أنه بخارج، والقائل يقول ما القول:
صلّى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي- عليه السلام-، فقالوا له
كما قالوا فقال:" أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضّلتم بها
على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم ". رواه أبو داود (5)
ْ من حديث حريز عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السلولي
عنه وسكت عنه الإشبيلي مصححًا له، وعاب ذلك عليه ابن
القطان، وزعم: أنّ عاصما
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (1/266) ، وأحمد (4/424،5/94) ،
وابن أبي شيبة (1/330) وتغليق (259) ، والمجمع (1/314) ،
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال الصحيح.
(2) تقدم في الباب الأول من الجزء الأول من كتاب الطهارة.
وانظر الحاشية رقم (2) ، القادمة. (3) صحيح. أورده الهيثمي
في " مجمع الزوائد " (2/97) وعزاه إلى " البزار "، ورجاله
ثقات، ولكنه في المسند عن ابن إسحاق عن عبيد الله بن أبى
رافع معنعن.
تقام في الباب الأول من الجزء الأول من كتاب الطهارة.
وانظر: الحاشية رقم (2) ، القادمة. (4) أرواه البيهقي
(1/167) وأبو عوانة (1/350) وتلخيص (1/64) ومعاني
(1/156،159) ، (5) حسن. رضا أبو داو) خ/421) .
(1/1036)
لا يعرف أنه ثقة، قال: وروى عن معاذ حديثين
أو ثلاثة وعن عوف بن مالك وعائشة، روى عند راشد وعمرو بن
قيس وأزهر بن سعد. انتهى كلامه. وفيه نظر في موضعين:
الأول: تعداده الرواة عنه وإغفاله مالك بن زياد والحسن بن
حاتم الطائي وابن دريد.
الثاني: تجهيله إياه وليس كذلك؛ فأنه ممن وثقة البستي وخرج
له حديثَا في صحيحه وأبو الحسن الدارقطني، وأمّا قول
البزار: روى عن معاذ ولا أعلمه سمع منه، ولم يكن له من
الحديث ما يعتبر به حديثه على استقامة حديثه، فيشبه أن
يكون وهماً؛ لأن أبا داود صرح بسماعه منه هذا الحديث/في
[481/أ] رواية ابن العبد واللؤلؤي وابن داسة، وحكى جماعة:
أنه سمع من عمر خطبة بالحاسر- والله تعالى أعلم-. ووصفه
ابن سعد بصحبة ابن حيل، وتقدّم حديث أبي برزة كان لا يبالي
بعض تأخيرها، قال: يعني العشاء إلى نصف الليل، وحديث محمد
بن سرقة عن محمد بن المقلّد عن أبيه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أنه خرج ذات ليلة، وقد أخّر صلاة العشاء حتى
ذهب من الليل هنيهة أو ساعة، والناس ينتظرونه في المسجد،
فقال: "ما تنتظرون ... " الحديث. رواه أبو القاسم في
الأوسط (1) ، وقال: لم يروه عن محمد بن سوقة إلّا عبد الله
بن عمرو بن مرة. تفرد به الغنم بن الحكم المقري، وحديث زيد
بن خالد الجهني. ذكره الترمذي- رحمه الله تعالى- واختلف
العلماء في وقت العشاء المستحب، وغيره، فروى عن عمر بن
الخطاب وأبي هريرة: أن آخّر وقتها إلى ثلث الليل كأنه يعني
الفاضل، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب مالك لغير
أصحاب الضرورات، واستحب لمساجد الجماعات أن لا يتعجلوها في
أوّل وقتها إذا كان ذلك غير مضر بالناس، وذهب أبو حنيفة:
إلى أنّ آخر وقتها ما لم يطلع الفجر الثانى، قال ابن راشد:
وهو قول داود أخذًا بحديث أبي قتادة إنما التفريط على من
لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى،
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/312) ،
وعزاه إلى الطبراني في " الثلاثة "، ورجاله ثقات.
(1/1037)
قالوا: وهو عام ومتأخَر عن حديث إمامة
جبرائيل، فهو ناسخ ولو لم يكن ناسخًا لحصل التعارض، قال في
المبسوط وهو إجماع لم يخالف فيه غير الإصطخري؛ فإنه قال:
آخر وقتها إلى الثلث، وفي النصف يخرج الوقت وتكون الصلاة
بعده قضاء، وقال ابن حبيب: آخر وقتها النصف الأوَل، ومشهور
مذهب مالك: أنه أخَر الثلث الأول، وفي رواية ابن وهب عنه
مذهب [418/ب] أبي حنيفة وهو المروي/عن ابن عباس، وذهب
النخعي إلى أنه أخَر الربع الأوَل، وأنكر القرطبي أن يكون
له مستندا في ذلك، وفي كتاب الأشراف لأبي بكر: وكان النخعي
يقول: آخر وقتها إلى نصف الليل، وبه قال الثوري وابن
المبارك وإسحاق وأصحاب الرأي وأبو ثور، قال: واختلفوا في
التعجيل بها، فروينا عن ابن عباس أنه قال: " تأخيرها أفضل
ويقرؤون زلفًا من الليل "، وعن ابن مسعود:) أنه كان يؤخر
العشاء "، وهو قول ابن جبير وعمر في رواية وعمر بن عبد
العزيز، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشَافعي، وقال قائلون:
تعجيلها أفضل استدلالا بالأجناس التي فيها تعجيل الصلاة في
أوائل وقتها، وممن قال بذلك؛ عمر بن الخطاب، ورواه أبو
نعيم في كتاب الصلاة عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن
سويد بن غفلة عنه قال: دخلت أنا وابن عمر المسجد حين تعشى،
فقال: ما منعه أن يأمر مؤذنه أن يقيم الصلاة؟ قلت: الساعة
الآن؟ قال: نعم. كان إذا تعشى صلى ". وثنا سفيان عن ثور عن
مكحول قال: كان عبادة بن الصامت وشدَاد بن أوس إذا غابت
الحمرة ببيت المقدس صلَيا العشاء والله- سبحانه وتعالى-
أعلم.
* * *
(1/1038)
108- باب ميقات
الصلاة في الغيم
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ومحمد بن الصباح، قالا: ثنا
الوليد بن
مسلم ثنا الأوزاعي، حدثنى يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة
عن أبي المهاجر
عن بريدة الأسلمة قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة. فقال: بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من
فاته صلاة العصر حبط عمله ". هذا حديث أخرجه البخاري (1)
في صحيحه/عن مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا يحيي بن [428/أ]
أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المليح قال: " كنا مع بريدة
في غزوة في يوم غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر ... "
الحديث، وكذا قاله النسائي عن
عبيد الله بن سعيد عن يحيي بن سعيد عن هشام وأحمد عن يحيى
بن سعيد الإسماعيلي عن ابن ناجية عن الفلاس وعن القاسم بن
زكريا عن ابن مثنى،
كَلاهما عن يحيى وعن المسعر وابن ناجية عن أبي الأشعث عن
يزيد بن
زريع، قال يحيى وابن أبي عدي ويزيد: ثنا هشام عن يحيى وأبو
مسلم بن
الكجي بن إبراهيم نا هشام به، وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة
نا أبو داود نا
هشام، وثنا الحسين من حديث أبو عمار ثنا النضر بن شميل عن
هشام
فذكره، قال ابن عساكر: كذا قال الأوزاعي عن أبي المهاجر-
يعني: أنّ
المحفوظ في هذا هو أبو المهلب -، كذا نصّ عليه غير واحد من
الأئمة حين
قال البستي: وهم الأوزاعي في تصحيفه عن يحيى، فقال عن أبي
المهاجر:
وإنّما أبو المهلب عم أبي قلابة الحربي، وذكر الحافظ ضياء
الدين المعري أنّ ابن حبان وهم أيضا في هذا، وقال:
والصواب: أبو المليح عن بريدة- والله تعالى أعلم-، قال
المهلب بن أبي صفرة: معنى هذا من فاتته فوات مضيع منها
وكان معضل وقتها مع قدرته على أدائها فحبط عمله في الصلاة
خاصة، أي: لا يحصل له أجر المصلي في وقتها، ولا يكون له
عمل ترفعه الملائكة، وقال
__________
(1) صحيح. أورده الألباني في الإرواء، (1/277،276) ، وعزاه
إلى البخاري وابن ماجه (ح/694) ، وأحمد (5/361) ، والبيهقي
(1/441) ، وابن حبان (256) ، والترغيب (1/277،276) ، وابن
أبى شيبة (2/237) ، وابن عدي في " الكامل، (3/1038)
(1/1039)
غيره: معناه تركها جاحداً، فإذا فعل ذلك،
قد كفر وحبط عمله، ورد: بأن
ذلك يقال في سائر الصلوات فلا مزية لها إذَا، وقال ابن
بريدة: هذا على وجه التغليظ، وقال ابن التيمي: معناه: كاد
أن يحبط، وترك المشار إليه محمول
[4821/ب] ، على التأخير، ويجوز أن يراد به: لا يصليها
مطلقَا تهاونًا بها، والله/تعالى أعلم بالصواب.
* * *
(1/1040)
109- باب من نام عن
الصلاة أو نسيها
حدثنا نصر بن عاصم الجهضمي، ثنا يزيد بن زريع ثنا حجاج ثنا
صاده
عن أنس بن مالك قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن
الرجل يغفل عن الصلاة أو يرقد عنها، قال: يصليها إذا ذكرها
" (1) ، ثم علاه درجة من طريق غير صحيحة فقال: ثنا جبارة
بن المفلس ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ومن نسى صلاة فليصليها إذا ذكرها ".
هذا حديث خرجه الأئمة الستة (2) في كتبهم، زاد الشيخان: "
لا كفارة لها إلا ذلك أقم الصلاة لذكرى "، وفي لفظ لمسلم
(3) : " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصليها إذا
ذكرها. فإن الله تعالى يقول: أقم الصلاة لذكرى "، ولفظ أبي
داود (4) " للذكرى "، وفي لفظ للنسائي (5) " أو يغفل عنها
فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ". وفي حديث محمد بن جعفر
بن الحسن بن المستفاض أبي الحسن الزباني زيادة، أو إذا
استيقظ، رواها عن محمد بن أحمد بن الخير ثنا عبد الله يعنى
بن يزيد المقري لا أبو عوانة وأبو جري نصر بن طريف وحمّاد
بن سلمة وهمّام بن يحيى في آخرين عن قتادة إذا ذكرها أو
إذا استيقظ، نبأ بذلك المسند المعمر أمن الدين أبو الفضل
عبد المحسن بن أحمد بن محمد قرأه عليه، وأنا أسمع أنبأ
الإِمام أبو خالد أنبأ القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن
محمد بن الفضل أنبأ أبو الحسن علي بن المسلم السلمي ثنا
أبو
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 2- كتاب الصلاة، 10- باب من
نام عن الصلاة أو نسيها، (ح/695) . وصححه الشيخ الألباني.
(2-3-4- هـ (صحيح. متفق عليه. أورده الألباني في " الإرواء
" (1/291) ، وعزاه إلى البخاري ومسلم في (المساجد، ح/315)
، وأبو داود (ح/442) ، والنسائي (1/296،293) ، وابن ماجة
(ح/696، 297) ، والترمذي (ح/178) ، وصححه. وأحمد (3/243،
269) ، والبيهقي (2/218، 03،456330،4) ، وأبو عوانة
(1/385) ، وابن خزيمة (993) ، والطبراني (18/180) ، وعبد
الرزاق (2244) ، وشرح السنة (2/241، 305) ، والمشكاة (484)
، ومثال (1/187) ، والنبوة (4/273) ، والتمهيد (6/388،297)
.
(1/1041)
نصر الحسين ابن محمد بن أحمد بن الحسين بن
طلاب أنبأ أبو الحسين
محمد بن أحمد بن جميع الساني، وزعم بعض من يتكلم في
العلل/من المتأخرين: أن قتادة مدلس ولم يصرح هنا بالسماع،
وذلك غير مقبول منه إلا
إذا صرح، قال: ولا الثقات إلى قول من قال: إذا كانت
العنعنة من مدلس في الصحيح، قلت: لاحتمال اتصالها من طريق
أخرى، ويجاب عن ذلك، بأنه
قد صرح بسماعه إياه من طريق صحيحة ذكرها الإِسماعيلي في
صحيحه عن
محمد بن عمران وأبي عبد الله الصوفي، ثنا على بن الجعد
وأخبرني همام نا
قتادة ثنا أنس نحوه وقال الحافظ أبو العباس الطرمي: إسناد
الآية عن قتادة فيما ذكره هدبة عنه، وفي حديث الشعبي عنه
قال: من يكلأنا الليلة، فقلت: أنا،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام الناس ونمت فلم
استيقظ إلا بحر الشمس، فقال عليه السلام: " يا أيها الناس
إن هذه الأرواح غارية في أجساد العباد يقبضها الله إذا شاء
ويرسلها إذا شاء فاتصف أجرَا يحكم على رسلكم، فقضينا
حوائجنا على رسلنا وتوضأنا وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم
ثم صلى ركعتي الفجر قبل الصلاة ثم صلى بنا " أنبأ به
المسند شرف الذين يحيى بن المقدس قراءة عليه عن الإِمام
بهاء الدين الشافعي أنبأ شهدة قراءة عليه أنبأ أبو منصور
بن حريسة أنبأ الرقاني أنبأ الإِسماعيلي أنبأ محمد بن
الحسن المحاس أنبأ أبي ثنا عقبة عنه
فذكر ما حدثنا حرملة بن يحيى نا عبد الله بن وهب ويونس عن
ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: " أن رسول الله حين فعل
من
غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركه الكراء عرس، وقال
لبلال: أَكْلأ لنا الليل
فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه فلم يقارب الفجر،
واستند بلال إلى راحلة مواجبة الفجر، فغلبت بلالاً عيناه
وهو مستند إلى [483/ب] راحلة فلم يستيقظ بلال، ولا أحد من
أصحابه حتى/ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أولهم استيقاظَا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: أي بلال؟ فقال
بلال أخذ بنفسي الذي بنفسك بأبي أًنت وأمي يا رسول الله،
قال: اقتادوا
فاقتادوا رواحلهم شيئَا، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة
فصلى بهم الصبح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة
قال: من نسى صلاة
(1/1042)
فليصليها إذا ذكرها فإن الله تعالى، قال:
أقم الصلاة لذكري، قال. وكان ابن
شهاب يقرؤها للذكرى ". هذا حديث خرجه مسلم (1) ، بزيادة "
ليأخذ كل
رجل منكم برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان
فنعلنا، ثم دعا
بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتن ثم أقيمت الصلاة فصلى بهم
الغداة "؛ وفي
لفظ لأبي داود (2) عن موسى بن إسماعيل ثنا إبان نا معمر عن
الزهري في هذا الخبر قال: فقال- عليه الصلاة والسلام -:
تحولوا من مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة قال: فأمر بلالا
فأذّن فأقام وصلى ". قال أبو داود رواه مالك وابن عيينة
والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر وابن إسحاق لم يذكر أحد
منهم الأذان في حديث الزهري هذا، ولم يسنده منهم أحد إَلا
الأوزاعي
وأبان العطار عن معمر، وزاد في رواية أبي الطيب الأسناني
ثنا موصل ثنا الوليد عن الأوزاعي يعني عن الزهري به، ولما
رواه أبو عيسى (3) عن محمود بن غيلان عن النضر بن شميل عن
صالح بن أبي الأخضر عن الزهري
بلفظ: " فأقام الصلاة ثم صلى على صلاته للوقت ثم مكث ثم
قال: أقم
الصلاة لزكري ". قال هذا حديث غير محفوظ رواه غير واحد من
الحفاظ
عن الزهري عن سعيد أنَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم
يذكروا فيه عن أبي هريرة،/وذكر [1/484) أبو الحسن في علله
أنَ الأوزاعي رواه مرفوعا من رواية هشام بن خالد عن
الزبير بن مسلم، وكذلك ابن عيينة في رواية عبد الجبار بن
العلاء عنه عن
الزهري، ومالك الإِمام فيما رواه القدامى وابن أخي بن وهب
عن عمه عنه
قال: والمحفوظ هو المرسل وبنحوه، وذكره في غرائب مالك
والله تعالى أعلم،
وأمَا قول أبي داود لم يسنده أحد منهم يعني المسلمين إلا
الأوزاعي وإبان
فمردود بقول ابن عمرو قد وصله محمد بن إسحاق، وفي قول
الدارقطني:
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/309) . غريبه: قوله:"
أكلأ لنا " أي ارقبه
واحفظه واحرسه. ومصدره الكلاء. و" اقتادوا "، أي قورواء
واحلكم لأنفسكم آخذين
بمقاصدها.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/436)
(3) قوله " عيسى " وردت " بالأصل " " غيلان "، وهو تصحيف،
والصحيح ما أثبتناه
(1/1043)
وابن أخي ابن وهب عن عمه إشعار اًنه منفرد
بذلك، وهو وإن كان حديثه في صحيح البخاري فقد تكلم فيه غير
واحد بكلام فيه إقراع، فقد قدمنا إسناده من حديث حرملة
عنه، وخرجه مسلم من حديث أحمد بن صالح عنه أيضًا، فهذا كما
ترى غير واحد من الثقات وصله فترجح لذلك قول مسلم والله
تعالى أعلم، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق لا بأس به،
يشهد لمن وصله لا وله فيها للزهري ولا لسعيد أنبأ بها
المسند المعمر محمد بن أبي بكر رحمه الله تعالى قراءة عليه
أنبأ سيدة قراءة عليها عن الإِمام أبي سعيد بن الصغار
وزينب ابنة عبد الرحمن الشعرية أنبأ وجه بن طاهر قراءة
عليه أنبأ الأستاذ أبو القاسم القشيري قراءة عليه أما أبو
الحسين أحمد بن محمد الحفان أنبأ أبو العباس محمد بن إسحاق
بن مهران السراج أنبأ جعفر بن عبد الله بن عمر الحلواني نا
مروان عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:
عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى
طلعت الشمس. فقال رسول [484/ب] الله صلى الله عليه وسلم: "
ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته، فإن هذا/مكان حضر فيه
الشيطان فسار غير بعيد " (1) ، ثم نزل، قال أبو العباس:
وثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي ثنا يزيد به، وزاد
قال: فسرنا ساعة ثم دعا بماء فتوضأ ثم ركع ركعتين ثم أقيمت
الصلاة فصلى الغداة، وفي كتاب المعرفة للبيهقي: فوتها الله
أو كرها، وضعف هذه الزيادة بحفص بن العطان وابن أبي العطان
يشبه أن يكون غير المذكور عند السراج؛ لأني لم أر أحدا
نسبه كما نسبه هو ولا جمع بين النسبتين والله تعالى أعلم.
حدثنا أحمد بن عبدة ابن أنبأ حماد بن زيد عن ثابت عن عبيد
الله بن رباح عن أبي قتادة قال: ذكروا تفريطهم في النوم
فقال: ناموا حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا
نسى أحدكم صلاة أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من
الغد " (1) . قال عبد الله بن رباح فسمعني
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب "555" رقم 310) ،
وأحمد (2/429) ، والبيهقي (2/218،484) ، وابن أبى شيبة
(2/64) ، والكنز (20151، 22688)
(2) صحيح رواه في (المساجد، ح/311) ، وأبو داود (ح/437) ،
والنسائي (1/394) ،=
(1/1044)
عمران بن الحصين، وأما الحديث فقال: يا فتى
انظر كيف تحدث فإنى شاهد للحديث مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: فما أنكر من حديثه شيئا، هذا حديث خرجه
أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن هارون بن إسحاق نا ابن فضيل
عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه،
وعن محمد بن أبي صفوان الثقفي نا نمير يعني ابن أسد، نا
حماد بن سلمة أنبأ ثابت الطامي به ورواه مسلم (1) عن شيبان
ابن فروح ثنا سليمان يعنى بن المغيرة نا ثابت بلفظ: خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تسيرون عشيتكم
وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله تعالى غدًا فانطلق الناس
لا يلوى أحد على أحد قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلى
الله عليه وسلم/يسير حتى إبهار الفيل، وأما ابن جنبة، قال:
[458/أ] فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال عن راحلته
فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته إذا
كان من آخر السحر، مال ميلة هي أشد من الميلتين حتى كاد
ينحضل فأتيته فدعمته فرفع رأسه قال: من هذا قلت أبو قتادة.
قال: متى كان هذا مسيرك منى قال: قلت: مازال هذا مسيري منذ
الليلة قال: حفظك الله بما حفظت نبيك ثم قال: هل ترانا
نخفي على الناس ثم قال هل ترى من أحد قلت: هذا راكب آخر ثم
قلت: هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب- قال: فمال
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال:
احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول الله والشمس
في ظهره. قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا فركبنا فسرنا
حتى إذا ارتفعت الشمس، فنزل ثم دعا بميضأة كانت معى فيها
شيء من ماء ثم قال لأبي قتادة احفظ علينا ميضأتك فسيكون
لها بناء ثم أذن بلال بالصلاة
__________
= وابن ماجة (ح/698) ، البيهقي (1/376، 2/216) ، وابن
خزيمة (989) ، والمشكاة
(604) ، والتمهيد (8/75) ، وتلخيص (1/177) ، والدارقطني
(1/386) ، والكنز (20149) ، والقرطبي (10/29) ، غريبه.
قوله "جامين رواء"، أي مسترحين قد رووا من الماء والرواء
ضد العِطاش جمع ريان وريا، مثل عطشان وعطشى " فأدلجنا " أي
سرنا الليل كله "مزادتين"، المزادة أكبر من القربة "موتمة"
أي. ذات أيتام "تنضرج من الماء" أي تنشق
(1) صحيح رواه مسلم في المساجد (ح/311)
(1/1045)
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين
ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم، وقال: وركب رسول
الله صلى الله عليه وسلم " وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا
يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا. قال:
ما لكم في أسوة ثم قال: أنه ليس في النوم تفريط، إنّما
التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيئ وقت الصلاة الأخرى
فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها
عند وقتها، ثم قال ما ترون الناس صنعوا. قال ثم قال: أصبح
الناس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعدكم لم يكن [485/ب] ليخلفكم وقال
الناس:/إن رسول صلى الله عليه وسلم الله بين أيديكم، فإن
تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا. قال: فانتهينا إلى النّاس حتى
امتدّ النهار وحمى كلّ شيء وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا
عطشَا. فقال لأهلك عليكم. ثم قال: أطلقوا إلي غمري. قال:
ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو
قتادة يسقيهم فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا
عليه، فقال عليه السلام: أحسنوا الملأ كلهم ستروا قال:
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقى
غيري، وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم صبّ
ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اشرب فقلت لا حتى
تشرب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ساقى القوم
آخرهم. قال: فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأتى الناس الماء مّن جامين روآءَ قال: فقال عبد
الله: إنى لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران
بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث، فإنّى أحد الركب تلك
الليلة. قال: فقلت فأيّنا علم بالحديث قال: ممن أنت قلت:
من الأنصار قال: حدّث فأنت أعلم بحديثكم قال: فحدّثت
القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أنّ
أحدَا أحفظه كما حفظته، وخرج البخاري (1) قطعة منه في كتاب
التوحيد عن ابن سلام ثنا عن هشيم عن حصين عن عبد الله بن
أبي قتادة عن أبيه وعن عمران بن ميسرة ثنا محمد بن فضيل
ثنا حصين بلفظ: (فقال بعض القوم: لو عرست ثنا يا رسول الله
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/154) ، وشرح السنة (2/307) ،
ونصب الراية (1/283)
(1/1046)
قال أخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال:
أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسنده ظهره إلى راحلته فغلبه عيناه
فنام/فاستيقظ النبي وقد طلع حاجب، الشمس، [486/أ] فقال: يا
بلال أين ما قلت قال ما ألقيت على نومة مثلها قط قال: "إنّ
الله قبض أرواحكم حين شاء ورّدها عليكم حين شاء، قم يا
بلال فأذّن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس قام
فصلى " (1) . وفي سنن الكجي، فقال عمران: أي من احفظ فإني
شاهد القوم، وفي لفظ لأبي داود: ثنا على بن نصر ثنا وهب بن
جرر ثنا الأسود بن شيبان ثنا خالد بن شُمير قال: قدم علينا
عبد الله بن رباح فحدثنا قال ثنا أبو قتادة قال: بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء بهذه القصة يعني حديث
حماد عن ثابت قال: فلم يوقظنا إلا الشَّمس طالعة، فقمنا
وهلين لصلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:) رويدَا
رويدَا (يعني إذا تعالت الشمس قال: " من كان منكم يركع
ركعتي الفجر فليركعهما "، فقام من كان يركعهما ومن لم يكن
يركعهما فركعهما ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى
بالصلاة فنودي بها، فصلى بنا فلما انصرف قال:) ألا إنا
نحمد الله ألا لم يكن في شيء من أمور الدنيا شغلنا عن
صلاتنا ولكن أرواحنا كانت بيد الله، فأرسلها متى شاء فمن
أدرك منكم صلاة الغداة من غد صبحا فليقض معهما مثلها " (2)
. ثنا عمرو بن عوف نبا خالد عن حصين عن أبي قتادة عن أبيه
في هذا الخبر، قال: فقال: " إن الله تعالى قبض
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/154، 9/170) ، وأبو داود (439)
، والنسائي (2/106) ، وأحمد (5/307) ، البيهقي
(1/2،216/404) ، وشرح السنة (2/307) ، والجوامع (4897) ،
والمنثور (5/329) ، وابن أبي شيبة (2/66) ، والكنز
(20152،22686) ، ونصب الراية (1/283) ، وصفة (142)
(2) حسن. رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة، 10- في من نام
عن الصلاة أو نسيها، (ح/437) .
قلت: خالد بن شمير- بالشين المعجمة مصغرا- وفي بعض النسخ "
ابن سمير" بالإهمال، وهو تحريف، ولم يرو عن خالد إلا
الأسود بن شيبان كما قاله الخزرجي.
غريبه: قوله: " وهلين " في فزعين، وتقول: وهل الرجل يوهل -
من باب علم- إذا فزع لشيء يصيبه.
(1/1047)
أرواحكم حيث شاء قم فأذّن بالصلاة فقاموا
وتطهروا حتى إذا ارتفعت
الشَمس نام صلي الله عليه وسلم ثنا هناد ثنا سُبر عن حصين
عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه
وسلم بمعناه قال: " فتوضأ حين ارتفعت الشمس فصلى [486/ب]
بهم "./ثنا العباس العنبري ثنا سليمان بن داود نا سليمان
يعني ابن المغيرة عن ثابت عن ابن رباح عن أبي قتادة قال
عليه السلام: "ليس في النوم تفريط إنَما التفريط في أليقظة
أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى " (1) ، وفي حديث يزيد بن
هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن رباح زيادة،
فقلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء، فقال: "فأتني بها فأتيته
بها فقال
سواهبها " فتوضأ القوم، وبقى في الميضأة جرعة وفيه فقال
النبي: " ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمرد
دنا بي " (2) ، وفيه فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها،
وفيه وبقى من الميضأة نحو ممَا كان فيها وهم يومئذ ثلاث
مائة، قال حماد: وثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن رباح
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد فيه
قال: " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا عرس وعليه
ليل توسد يمينه، وإذا عرس قرب الصباح وضع رأسه على كفه
أليمين وأقام ساعدة" (3) . أنبأ بذلك الإِمام الدوامة
المسند شمس الدين
محمد بن الحسن بن علي بن محمد الشافعي- رحمه الله- قراء
عليه، وثنا
أسمع ثنا المسند أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم قراءة عليه
عن أي محمد
المبارك بن الطباخ أنبأ الشيخ السديد أبو الحسن عبد الله
بن محمد بن أحمد قراءة عليه أنبأ جدي الإِمام الحافظ أبو
بكر أحمد بن الحسن البيهقي قراءة عليه أنبأ عليَ بن محمد
بن عبد الله العدل ببغداد أنبأ أبو جعفر محمد بن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/311) ، وأبو داود
(ح/441) ، والنسائي (1/294) ، وابن ماجه (ح/698) ، البيهقي
(1/376، 6/212) ، وابن خزيمة (989) ، والمشكاة (604) ، وا
لتمهيد (8/75) ، وتلخيص (1/177) ، والدارقطني (1/386) ،
والقرطبي (10/29) ،
والكنز (20149) .
(2) رواه أحمد (5/298) والكنز (32178) .
(3) صحيح. رواه أحمد (5/298) ، والإتحاف (4/331) ، والكنز
(18151) ، وبداية (6/115)
(1/1048)
عمرو بن البحتري الدرداء؛ ثنا محمد بن عبد
الله بن يزيد ثنا يزيد ابن هارون فذكره، وفي مسند السراج:
" إذا عرس بليل توسد يمنيه، وإذا عرس بعد الصبح نصب
ساعده/وصيا وعمد بها إلى الأرض ووضع رأسه على كفه " (1) .
[487/أ] ولما أخرجه أبو عبد الله في مستدركه، قال: صحيح
على شرطهما ولم يخرجاه وفيه نظر؛ لأن أم سلمة ليس على شرط
البخاري، وفي إثبات حديث عمران بن حصين المخرج في الصحيحين
(2) قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأدلجنا ليلتنا
حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا، فقلنا: أعيننا حتى بزغت
الشمس. قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر، وكنّا لا
نوقظ النبي عليه السلام من منامه إذا نام حتى يستيقظ ثم
استيقظ عمر فقام عند نبي الله فجعل يكبر ويرفع صوته حتى
استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه فرأى
الشمس قد بزغت. قال: " ارتحلوا "، فسار بنا حتى ابيضت
الشمس فنزل فصلَى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل
معنا، فلمّا انصرف قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا
فلان ما منعك أن تصلى معنا "، قال: يا نبي الله أصابتني
جنابة فأمره بالتيمم فصلى، ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب
الماء فذكر قصة المرأة التي معها مزادتان، وفي المستدرك
(3) من حديث الحسن عنه: " نمنا عن صلاة الفجر حين طلعت
الشمس فأمر المؤذن فأذن الفجر حين طلعت الشمس فأمر المؤذن
فأذّن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام المؤذَن فصلى
الفجر". وقال صحيح على ما قدمنا ذكره، وصح سماع الحسن
وعمران، وأفاد به الركعتين ولم يخرجاه وله شاهده بإسناد
صحيح فذكر حديث جدَ يحيى بن سعيد حين صلى ركعتين الفجر بعد
الصلاة وإقراره عليه السلام على
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/96، 4/232) ، ومسلم)
ص/475) ، والطبراني (18/138) ، والنبوة (6/.3)
غريبه: قوله: " المزادتان "، المزادة أكبر من القربة.
والمزادتان حمل بعير. سميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد
آخر من غبرها.
(3) صحيح. رواه الحاكم: (1/274) . وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه ".
(1/1049)
ذلك، وفي لفظ للدارقطني (1) من حديث الحسن:
" فصلى ركعتي الفجر حتى إذا أمكنا الصلاة صلينا "، وفي لفظ
لأحمد (2) : " سرنا مع النبي عليه [487/ب] السلام فلما كان
في آخر الليل عرس فلم يستيقظ/حتى أيقظتنا الشمس فجعل الرجل
يقوم دمثا إلى طهوره. قال: فأمرهم النبي عليه الصلاة
والسلام أن يسكنوا ثم ارتحلوا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس
توضأ ثم أمر بلالا فأذّن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم
أقام فصلينا، فقالوا يا رسول الله ألا يفدها في وقتها من
الغد؟ قال: أينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم "، وخرجه
ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى ثنا يزيد بن هارون
أنبأ هشام عن الحسن عنه بزيادة: " إنّما التفريط في اليقظة
" (3) ، وفي هذا دليل لما قاله البخاري فيما حكاه عنه
الترمذي لا يتابع ابن رباح على هذا يعني قوله فليقض معها
مثلها، لأنّ عمران كان حاضرا ولم يذكرها، قال ابن رباح عن
أبي قتادة في إعادة الصلاة، وفي تاريخ البخاري الصغير: لا
يتابع ابن رباح في قوله ولوقتها من الغد، قال: وخالف فيه
سليمان بن المغيرة عن ثابت، فقال: ليس التفريط لمن لم يصل
الصلاة حتى يجيء وقت صلاة أخرى، ولا يصح هذا الخبر عند أهل
البصرة، ورواه حميد ومبارك عن بكر عن ابن رباح عن أبي
قتادة: " ليس في النوم تفريط "، كما قدمناه من عند ابن
ماجه (4) وإن كان ابن عساكر ومن بعده أغفلاه فغير صواب،
وزعم البيهقي في المعرفة: أن هذه اللفظة تفرد بها الأسود
بن شيبان عن خالد بن سمير عن ابن رباح، قال: ولم يتابعه
على هذه الرواية ثقة، والصواب حديث سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن ابن رباح يعني المتقدم، فحمله خالد: على الوهم،
وقد صرّح في حديث
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/383) .
(2) صحيح. رواه أحمد: (1/259) .
(3) ضعيف. رواه أحمد (5/298، 305) ، وكنز (20154، 20161،
22682) واستذكار (1/39) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة في: 2- كتاب الصلاة، 10- باب من
نام عن الصلاة أو نسيها، (ح/698) . وصححه الشيخ الألباني
(1/1050)
عمران بذلك، وفي حديث ابن رباح وسوقه له
عند عمران دلالة على كون
القضيتين واحدة والله تعالى أعلم، وقال أبو عمر: وقول
خالد/في هذا حبيش [1/488] الأمر وهم عند الجميع؛ لأنه كان
في موته وهي سريه لم يشهدها للنبي- عليه
الصلاة والسلام-، وقال ابن حزم: وقد خالف خالداً من هو
أحفظ منه،
وحديث عتبة بن عامر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة تبوك،
فاسترقد لما كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس
قدر رمح
فقال: " ألم أقل لك يا بلال " وفي آخره: " فانتقل رسول
الله عليه من ذلك
المنزل غير بعيد ثم صلى ثم سار بقية يومه وليلة، فأصبح
بتبوك " (1) ، رواه
البيهقي في الدلائل من حديث عبد الله بن مصعب بن مسطور عن
أبيه عنه،
وحديث ابن مسعودي قال: " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من
الحديبية ليلا، فنزلنا دهاشَا
من الأرض فقال: من يكلؤنا؟ قال بلال: ثنا. قال: إذا تنام
قال: لا تنام حتى
طلعت الشمس، فاستيقظ فلان وفلان منهم عمر. فقال: امضوا.
فاستيقظ
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون
فلما فعلوا. قال: هكذا افعلوا
لمن نام أو نسى ". رواه أبو داود (2) بسند صحيح عن ابن
مثنى عن ابن جعفر
عن جامع بن شدَاد (3) قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي القمة
قال: سمعت
ابن مسعود به، وخرجه الكيش عن عمرو بن مرزوق ابن المسعودي
عن جامع
بلفظ: لما رجع من الحديبية، فقال عبد الله أنا: قال إنك
تنام مرتين أو ثلاثة.
قال: بت فحرست حتى كان في وجهي الصبح فأدركني ما قال النبي
فقمت الحديث، وحديث عمر بن أمية الضمري (4) قال:) كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها
في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: تنحوا عن هذا/المكان
قال: ثم أمر بلالًا فأذن ثم توضئوا (488/ب)
__________
(1) بنحوه. الدر المنثور: (2/225، 5/13) .
(2) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/447) .
(3) قوله: " شدْاد " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(4) قولهم " الضمري " وردت " بالأصل " " الغتري " وهو
تصحيف، والصحيح ما أثبتناه
(1/1051)
وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلال فأقام
الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح ". خرجه أبو داود (1) بسند
صحيح من حديث عبد بن يزيد عن حيوة بن شريح عن عباس بن عباس
أن كليب بن صبح حدثه أن الزبرقان حدّثه عن عمّه عمرو
فذكره، قال: حدثنا إبراهيم ابن الحسن ثنا حجاج يعنى بن
محمد نا حريز وثنا عبيد بن أبي الوزير هنا مشير الحلبي هنا
حريز بن عثمان حدثني يزيد بن صليح عن ذي مجز، وكان يخدم
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر قال: " فتوضأ يعني
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر وضوحا لم يَلِثْ
منه التراب، ثم أمر بلالًا فأذّن ثم قام النبي صلى الله
عليه وسلم فركع ركعتين عجّل، ثم قال لبلال أقم الصلاة ثم
صلى وهو غير عجل " (2) . قال عن حجاج عن يزيد بن صليح
حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة، وقال: عبيد يزيد بن صبح ثنا
مؤمل بن الفضل الحراني ثني الوليد ثنا حريز بن عثمان عن
يزيد بن صالح عن ذي مخبر بن أخي النجاشي في هذا الخبر قال:
فأذّن وهو عجل وهو إسناد صحيح لتوثيق يزيد بن صبيح، قال
ابن عساكر: والنضر يفتى وهو الصواب عند أبى حاتم البستي
رحمه الله تعالى، ولفظ الطبراني في الأوسط: " كنا مع النبي
في في سرية فتقدم الناس فقال: هل لكم أن نهجع هجعة فقالوا
نعم. فقال: من يكلؤنا الليلة قال: ذو مخبر، فأعطاه خطام
ناقة، وقال: لا يكن لكع قال: فانطلق غير بعيد فأرسلتها مع
ناقتي مرعيان فغلبتني عيني، فما أيقظني ألا حر الشمس على
وجهي، فنظرت يمينا وشمالاً فزعًا، وإذا أنا بالراحلين غير
بعيد فأخذتهما، ثم جئت أدنا القوم فأيقظته ثم سألته
أصليتم؟ /فقال: لا، وأيقظ الناس بعضهم بعضاً حتى استيقظ
النبي عليه السلام " (3) . رواه عن أبي سرعة
__________
(1) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/444) .
(2) حسن. رواه أبو داود (خ/445) .
قلت: يزيد بن صالح أو يزيد بن صليح مصغر صلح وفي بعض النسخ
" يزيد بن صبح " وهو تحريف، وعبيد بن أبي الوزير يقال فيه
عبيد الله أيضا.
(3) صحيح. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/319) من
حديث ذي مخبر. وقال الهيثمي: " روى أبو داود طرفا منه "
وعزاه إلى أحمد والطبراني في " الأوسط "، ورجال أحمد ثقات.
قلت: ورواه أبو داود في: سننه بإسناد حسن. (ح/445) .
(1/1052)
ثنا علي بن عباس قال: "أدلج رسول الله صلي
الله عليه وسلم ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها
فلم يصلى حتى ارتفعت الشمس فصلى "، وقد تقديم في ذكر
الصلاة الوسطى، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زمعة عن
حديث رواه عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن
سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال: خرج النبي في سفر فأعرب من
الليل من قدم، فلم يستيقظ إلا بالشمس فأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بلالاً فأذن ثم صلى الركعتين " (1) .
فقالا: هذا خطأ أخطأ فيه عبيدة، ورواه جماعة فقالوا عن
تميم بن سلمة عن مسروق قال: "كان النبي عليه الصلاة
والسلام " مرسل فقط قلت لهم: الوهم ممن هو؟ قالا: من
عبيدة، وحديث سمرة بن جندل: "أن رسول الله علي كان يأمرنا
إذا نام أحدنا عن الصلاة أو نسيها حش يذهب حينها الذي يصلي
فيه أن يصليها مع النبي صلي الله عليه وسلم يليها من
الصلاة
المكتوبة " (2) ، رواه أبو بكر البزار من حديث يوسف بن
خالد السمتي وهو ذاهب الحديث عن جعفر بن سعد بن سمرة عن
حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده، ومرسل عمرو بن
عليه الثقفي قال: "لما نام رسول الله علي عن صلاة الغداة،
استيقظ فقال: لنغيظن الشيطان كما أغاظنا فصلى يومئذ بسورة
المائدة في صلاة الفجر" (3) . وحديث أبي مريم مالك بن
ربيعة السلولي قال: وكنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في
سفر فنزلنا نزلاء فناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس، فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم/وأمر بلالاً فادن وتوضئوا
وصلوا [489/ب] الركعتين، ثم أقام بلال، فصلى بنا النبي-
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (1/321) وعزاه
إلى أحمد، و"أبي يعلى" وقال: "ما يسرني به الدنيا"
و"البزار" والطبراني عن يزيد بن سلط زياد عن تميم بن سلمة
عن مسروقة عن ابن عباس، ورجال ألف يعلى ثقات.
(2) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/321)
وعزاه إلى "البزار" والطبراني في "الكبير" وفيه يوسف بن
خالد السمني وهو كذاب.
(3) متصل رواه ابن المبارك في "الزهد": (12)
(1/1053)
ثم نبأ بما كائن إلى يوم القيامة، حفظه من
حفظه ونسيه من نسيه ". رواه الطبراني في الكبير (1) عن
طالب بن قرة الأزدي أبا محمد بن عيسى الطبّاع ثني أبو
الأحوص عن عطاء بن السائب عن يزيد بن أبي مريم عن أبيه به
ونبا محمد بن إسحاق بن إبراهيم ثنا به أبي وثنا الحسن بن
إسحاق التستري نبا عثمان بن أبي شيبة قالا: ثني جرير عن
عطاء به، وحديث جبير بن مطعم: " أنّ رسول الله صلي الله
عليه وسلم علي كان في سفر فقال: من يكلؤنا الليلة لا نرقد
عن صلاة الفجر فقال بلال ثنا فاستقبل مطلع الشمس فضرب على
أذانهم حتى أيقظهم حرّ الشمس ثم قاموا فنادوا ركابهم ثم
توضئوا وأذّن بلال ثم صلوا ركعتين الفجر ثم صلوا الفجر "
(2) . رواه أيضا عن علي بن عبد العزيز حجاج بن منهال وابن
عائشة، ونبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل نا هدية بن خالد
قالوا: ثني حماد بن سلمة عن عمرو بن منير عن نافع بن جبير
بن مطعم عن أبيه به، وحديث أبي جحيفة السوائل قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الذي ناموا فيه
وطلعت الشمس. فقال: إنكم كنتم أمواتا، فرد الله تعالى
أبيكم أرواحكم، فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ، ومن
نسى صلاة فليصلها إذا ذكر " (3) . رواه أبو بكر بن أبي
شيبة في مسنده عن الفضل بن لكن عن عبد الجبار بن أبي جحيفة
عن أبيه به، ومرسل زيد بن أسلم قال: "عرَس رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة ووكل بلالا أن يوقظهم آلاف
فرقد بلال ورقدوا
__________
(1) صحيح. رواه الطبراني: (12/288) .
(2) صحيح. رواه الطبراني (2/179) ، واستذكار (1/110) .
وباللفظ السابق وفيه " الصحيح" مكان " الفجر". ورواه
النسائي (1/298) ، وأحمد (1/494، 4/81، 90) ، والمنثور
(5/329) ، والتمهيد (5/252، 254) ، والكنز (2280) ، ونصب
الراية (2/159) ، ومعاني (465،1/401) .
(3) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (14/162،2/64) ، واستذكار
(1/109) ، والمنثور (4/294، 5/329) ، والتمهيد (5/258) ،
والكنز (20160، 22684) ، والعقيلة (2/347) ، ولسان
(3/1711) ، والمجمع (1/322) وعزاه إلى " أبو يعلى"
والطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات.
(1/1054)
حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس "
الحديث رواه مالك/في الموطأ (1) ومرسل عطاء بن أبي رباح: "
أن النبي عليه السلام لما نام ليلة التعريس واستيقظ صلى
ركعتين في معرسه ثم ساروا" (2) . رواه ابن أبي شيبة، وفي
كتاب عبد الرزاق عن ابن جريج، أخبرني سعد بن إبراهيم عن
عطاء بن يسار: أنّ التعريس كان في غزوة تبوك وأنّ النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- أمر بلالاً فأذّن في مضجعه ذلك
بالأول ثم مشوا قليلاً ثم أقاموا فصلوا الصبح" (3) ، وحديث
قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنام حتى
طلعت الشمس فأمر بلالاً فأذن ثم توضأ فصلوا ركعتين ثم صلوا
الغداة". رواه الدارقطني (4) في سننه عن الحسين بن إسماعيل
ثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم نا عبد الصمد بن النعمان
نا أبو جعفر الرازي عن يحيي بن سعيد عن سعيد بن المسيب
عنه، وفيه انقطاع بينهما، بين بلال وسعيد والله تعالى
أعلم، وحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم
في الذي ينسى الصلاة قال: "يصلى إذا ذكر" خرجه في الأوسط
(5) عن موسى بن هارون نا إسحاق بن راهوية أنبأ معاذ بن
هشام حدثنى أبي عن عامر الأحوص عن الحسن عنه، وقال: لم
يروه عن عامر إّلا هشام تفرد به معاذ، وحديث ميمونة بنت
سعد أنها قالت: يا رسول الله افتنا عن رجل نسى الصلاة حتى
طلعت الشمس أو غربت ما كفارتها قال: "إذا ذكرها فليصلها
وليحسن صلاته وليتوضأ وليحسن وضوءه فذلك كفارة ". رواه أبو
القاسم (6) من حديث عبد
__________
(1) مرسل. رواه مالك في: وقوت الصلاة، (ح/26) .
(2) تولى: "ساروا" وردت "بالأصل" "شاورهم" وهو تحريف،
والصحيح الأولى.
(3) ضعيف جدا. بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"
(32311) وعزاه إلى الطبراني في "الكبير" وفيه سهل بن فلان
الفزاري عن أبيه وهو مجهول.
(4) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/381) . قلت: إسناده منقطع.
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (32211) من
حديث عمران، وعزاه إلى الطبراني، وفيه محمد بن موسى بن أي
نعيم ضعفه ابن معين، ووثقه أبو حاتم وابن حبان، وقال حمد
بن عنان: ابن أبي نعيم صدوق.
(6) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/323) من
حديث ميمونة، =
(1/1055)
الحميد بن يزيد عن أمة بنت عمر بن عبد
العزيز عنها. غريبه: التعريس:
النزول في المعهد أي: حين كان من ليل أو نهار، وقال زهير:
وعرسوا ساعة في كتب اسمه ومنهم بالتسوميات معترك، ويروى
صبحوا قليلا ويعرس أي: [490/ب] ينزل أول الليل، قيل:
والتعريس النزول في آخر الليل،/وعرّس المسافر: نزل في وجه
السحر ذكره ابن سيّده، زاد في الصحاح: وأعرسوا لغة فيه
قليلة والموضع معرس ومعرس، والقفل يقال: قفل الجند من
الغزو إلى أوطأنهم قفلاً
وقفولًا، وهذا وقت القفل، ورأيت القفل أي: القفال. كما
يقال القفل للقاعدين عن الغزو وأقفلهم الأمير ذكره في باب
الحقيقة من كتاب الأساس، وفي الجامع: يقفلون ويقفلون منهم،
فقال جمع: قافل ولا يكون القافل إلا ليرجع إلى منزله ووطنه
وقول امرئ القيس:
نظرت إليها والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشت لقفال
إّنما وريد نظرت إلى نارها تشب لقفال والنجوم كأنها مصابيح
رهبان وذلك آخر الليل، فإذا كانت النار تشب في هذا الوقت
دلّ على كثرتها في أوّل الليل، وسموا القافلة من ذلك، أنهم
يرجعون إلى أوطأنهم ولا يسمون عند الذهاب قافلة، وإنّما
ذلك اسم عند الرجوع على ما ذكرنا، وفي شرح الفصيح لابن
هشام، وإن كانت خارجة فهي الصائبة سميت بذلك على وجه
القفال، وفي الاصطلاح: قفلوا هم قفولًا وقفلاً، وحكى مكي
عن الخليل: قفلت الجند بغير ألف، قال أبو عمرو بن عبد
البر: في هذه الأخبار ما يدلّ ا! عمومه كان مرة واحدة،
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ثلاث مرات وقال القاضي أبو
الفضل: حديث أبي قتادة غير حديث أبي هريرة وكذلك حديث
عمران، ومن الدليل على أنّ ذلك وقع مرتين؛ لأنه قد روى أنّ
ذلك كان، من الحديبية وفي رواية بطريق مكة، والحديبية كانت
في السنة السادسة، وإسلام عمران وأبي هريرة الراوي حديث،
قفوله من خيبر كأنَّ بها في السنة السابعة بعد الحديبية،
وهما كثنا حاضرين الواقعة، ولو احتج محتج لترجيح قول من
__________
= وعزاه إلى الطبراني في "الكبير" وفي إسناده مجاهيل.
(1/1056)
زاد على الثلاث لو قال به قائل لكان
مصيباً. لأنّ في حديث أبي هريرة/ [491/أ] حين قفل من غزوة
حنين بالحاء المهملة كذا نص عليه الأصيلي، وغلط من قاله
بالمعجمة، وحديث أبي قتادة قال أبو الوليد الباجي: يدلّ
أنه من خيبر، وصرح في حديث ابن مسعود بأنه كان بالحديبية،
وحديث عقبة وعطاء مصرّح بتبوك، وحديث ذى مخبر مصرح بأنه في
سرية مبهمة، وكذلك اختلاف أسماء الكالئين، والمستيقظين
فرأيت على المسند بقية المشايخ علي بن الحسن بن على بن
محمد بن عبد القوي الأنصاري- رحمه الله تعالى- أخبرنا شيخ
الإِسلام مفتى المسلمين أبو الحسن علي بن القدوة أبي
العباس أحمد بن علي، أنبأ أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير
عن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله التميمي أنبأ
القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض سماعًا، قال فإن
قلت فما نقول في نومه صلي الله عليه وسلم يوم الوادي وقد
قال: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" (1) فاعلم أنّ
للعلماء في ذلك أجوبة: منها: أنّ المراد بأن هذا حكم قلبه
عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك،
كما ندر من غيره بخلاف عادته، ويصحح هذا التأويل قوله- صلى
الله عليه وآله وسلم- في الحديث نفسه: "إن الله تعالى قبض
أرواحنا" (2) ، وقول بلال فيه: ما ألقيت على نومة مثلها
قط، ولكن مثل هذا إنّما يكون منه لأمر يريده الله؟ لإثبات
حكم، وتثبيت سنة، وإظهار شرع، وكما قال قال الحديث الآخر
لوَ شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم الثانى
أنّ قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه؛ لما
روى: " أنه كان محروساً (3) ، وأنه كان ينام حتى ينفخ،
وحتى يسمع خطيطه ثم
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (2/67) ، ومسلم في
(لصلاة المسافرين، ح/125) ، والترمذي (ح/439) . وقال: هذا
حديث حسن صحيح. والوسائط (3/234) ، وأحمد (6/104) ، وابن
خزيمة (49) ، وتلخيص (3/135) ، ومشكل (4/135) ، واستذكار
(1/99) ، والشمائل (144) ، والشفا (409،2/349،1/189) ،
والتمهيد (6،209،5/208/393،392) .
(2) صحيح. رواه القرطبي (15/262) ، والشفا (2/349، 351) ،
واستذكار (08/1181،1) . (3) قوله: "محروساً وردت "بالأصل"
"محروما"، وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
__________
(1/1057)
يصلى ولا يتوضأ" (1) ، وحديث ابن عباس
المذكور فيه وضوء منذ قيامه من [491/ب] النوم فيه مع نومه
مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على/مزيه بمجرّد النوم، إذ
أصل ذلك الملامسة للأهل أو بحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث
نفسه نام حتى سمعت خطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلَى ولم
يتوضأ، وقيل لا ينام قلبه من أجل الوحي، وأنه يوحى إليه في
النوم، وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس،
وليس هذا من قفل القلب، وقد قال- عليه السلام-: إن الله
قبض أرواحنا، ولو شاء ردها إلينا" (2) ، في حين غير هذا
فإن قيل: فلولا عادته من استغراق النوم؛ لما قال لبلال:
أكلأ لنا الصبح، فقيل في الجواب: أنه كان من شأنه- عليه
السلام- التقليس بالصبح، ومراعاة أوَل الفجر لا تصح ممن
نامت عينيه، إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة فوكل بلالاً
بمراعاة أوّله؛ ليعلمه بذلك كما لو شغل بشغل غير النوم عن
مراعاته، وزعم بعضهم أن قوله- عليه السلام-: "ارتحلوا" (3)
، أو أخَر الصلاة، معارض بقوله فكفارتها أن يصليها إذا
ذكرها، ويجاب بأنَ الارتحال إَنما كان بسبب الشيطان الذي
كان بذاك الوادي، وهذا من المغيبات التي لا يطلع عليها
إلها الأنبياء- عليهم السلام-، وقيل أنه الأمر بالارتحال
منسوخ بقوله: وأقم الصلاة لذكرى" كذا قاله ابن حزم، وهو
قول غير صحيح؟ لأنه الآية مكيّة فكيف يوجه النسخ بها هنا،
والنسخ لا يصح قبل وروده، وتعلَق الخفيون بهذا على أنه
الصلاة لا تقتضي عند طلوع الشمس، وأجيب بأجوبة أحدها قوله
فلم يوقظهم ألا حر الشمس، وهذا وقت مسوغ للصلاة إجماعًا.
الثاني: أنهما كان ارتحالهم، لأجل الشيطان أو لأجل الغفلة
كما أسلفناه كما نهى- عليه السلام- عن الوضوء من بئر ثمود،
وكنهيه عن الصلاة بأرض بابل.
الثالث: روى عطاء بن أبي رباح أن النبي- عليه الصلاة
والسلام-:
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/202) ، وأحمد (1/245) ،
والبيهقي (1/121، 122) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) قوله: "ارتحلوا" غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.
(1/1058)
"ركع ركعتين في معرسة/ثم صار " وبنحوه
ذكره، وبخبر فيما أسلفناه، [492/أ] والوقت الجائز فيه
الصلاة النافلة يجوز فيه الفريضة إجماعًا، وقال ابن حزم:
واستسكن بعضهم قوله فليقص معها وليصليها من الغد لوقتها أو
فلصلها إذا ذكرها، ومن الغد للوقت، وأنهم قالوا: يا رسول
الله، أنقضها لميقتها من الغد ونصلي كذا، وكذا صلاة. قال:
لا. وليس كذلك بل هو صحيح متفق المعنى، وإنما يشكل من هذه
الألفاظ قوله: مثلها، وإذا توصل فلا إشكال فيه؟ لأن الضمير
في لغة العرب راجع إلى أقرب مذكور ألا بدليل فالضمير في
معها راجع للغداة لا للصلاة، أي: فليقضى مع الغداة بمثل
هذه الصلاة، أي: تصلى بلا زيادة عليها، أي: فليؤد ما عليه
من الصلاة مثل ما يفعل كل يوم، فتتفق الألفاظ كفها على
معنى واحد انتهى، قال ابن عبد البر: قد اختلف العلماء في
النفس والروح هل هما شيء واحد أو شيئان؟ لأنه قد جاء في
الحديث:
"إن الله قبض أرواحنا" (1) ، وفي حديث سعيد قال بلال: "أخذ
بنفسي
الذي أخذ بنفسك " (2) ، فقال جماعة من العلماء: هما شيء
واحد، ومن
حجتهم قوله تعالى: {الله يتوفي الأنفس حين موتها} (3)
الآية، وذكر عن
ابن عباس، وسعيد بن جبير في هذه الآية أنهما قالا: بقبض
أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا يتعارف
ما شاء الله أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل
الأخرى إلى أجل مُسمى نفس الآية كما ترى، فقالا: بقبض
الأرواح، وقد جاءت بلفظ الأنفس، وقال آخرون: النفس غير
الروح، واحتجوا بان النفس مخاطبة منهية مأمورة، واستدلوا
بقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك} (4)
، وقوله: {أن تقول نفس يا حسرتى} (5) قالوا: والروح لا
تخاطب ولا تؤمر، ولم ينه في شيء من القرآن، وتأولوا: قول
بلال أخذ بنفسي أي أخذ بنفسي من النوم/ما أخذ [492/ب]
__________
(1) انظر: الحاشية رقم "1" السابقة.
(2) صحيح. وتقدم. رواه ابن ماجه (ح/697) . وصححه الشيخ
الألباني.
(3) سورة الزمر آية: 42.
(4) سورة الفجر آية: 27.
(5) سورة الزمر آية: 56
(1/1059)
بنفسك في التفسير سنية عن ابن جريج في قوله
تعالى: {الله يتوفي
الأنفس} قال: في جوف الإنسان، روح ونفس وبينهما في الجوف
مثل
شعاع الشمس فإذا توفي الله الَأنفس كانت الروح في جوف
الإِنسان، فإذا
أمسك الله نفسه أخرج الروح من جوفه، وإن لم يمته أرسل نفسه
أبيه فرجعت إلى مكانها قبل أن يستيقظ، قال ابن جريج:
وأخبرت عن ابن عباس نحو هذا الخبر، وقال وهب أنّ أنفس
الآدميين كأنفس الدواب التي تشتهي وتدعو إلى الشر، ومسكن
النفس البطن، إلا أنّ الإنسان فُضِّل بالروح، ومسكنه
الدماغ، فإذا انحدرت الروح إلى النّفس، والَتقيا بأمّ
الإنسان، فإذا استيقظ رجعت الروح إلى مكانها، ويعتبر ذلك
بانك إذا كنت نائَماً، فاستيقظت، كان كلّ شيء إلى رأسك،
وعن عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك: النفس جسد مجدّ طلق
الإنسان، والروح كالماء الجاري واحتج بقوله تعالى: {الله
يتوفي الأنفس} ، قَال: ألا ترى؟ أنّ النّائم قد توفي الله
نفسه وروحه صاعدة ونازلة أنفاسه قيام، والنفس تسرح في كل
وادي، وترى ما تراه من الرؤيا، فإذا أذن الله في ردها إلى
الجسد عادت واستيقظ بعودتها جميع أعضاء الجسد حرّك السمع
والبصر وغيرهما من الأعضاء، قال: والنفس غير الروح، والروح
كالماء الجاري في الجنان، وإذا أراد الله إفساد ذلك
البستان منع منه الماء الجاري
فيه فماتت حياته لذلك الإنسان، قال أبو عمرو والله أعلم
بالصحيح، وما
ذكرناه من الحجج فليس بحَجة واضحة، ولا هو ما يقطع بصحته،
لأنه ليس فيه خبر صحيح يقطع العدو، ويوجب الحجة، ولا هو
مما يدرك بقياس، ولا استنباط، بل العقول تعجز عن علم ذلك،
وقد يضع العرب النفس موضع [493/أ] الروح والروح
موضع/النفس، فيقولون: خرجت نفسه وفاضت نفسه، وخرجت روحه
إما لأنهما شيء واحد قوة لأنهما شيئان متصلان لا يقوم
أحدهما دون الآخر، وقد يسمون الجسد نفساً، ويسمون الدم
جسداً، قال النابغة: وما ارتد على الأنصاب من جسد يريد من
دم، وقال ذو الرمة:
فجعل الجسد نفسًا يقابل الروح من نفس إذا احتضرت؛ وغافر
الذنب
زحزحة ان عن النار، وقال آخر فجعل الدم نفسا يسيل على حدّ
انطباع نفوسنا
__________
(1) قوله: "زحزح" وردت "بالأصل" "زخر" وهو تحريف، والصحيح
ما أثبتاه.
(1/1060)
وليست على غير السيوف تسيل، ويقال للنفس
نسمة قال- عليه السلام- "إنّما المؤمن طائر" (1) يعني
روحه، وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة في
كتاب معرفة الروح، والنفس تأليفه، أنّ بعضهم قال: أرواح
الخلق كلّها مخلوقة، وهو مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجوا
بقوله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة " (2) ،
وقال بعضهم: الأرواح أمر من أمره تعالى أخفى (3) الله
حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجوا بقوله تعالى: {قل الروح
من أمر ربى} (4) ، وقال بعضهم الأرواح نور من نور الله
تعالى، وحياة من حياته، واحتجوا بقوله- عليه السلام-: "إن
الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم نورًا من نوره " (5)
، ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس
أولًا تموت؟ فقالت طائفة: الأرواح لا تموت ولا تبلى واحتجت
بقوله عليه السلام: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر. وقال
بعضهم: الأرواح تموت ولا تبلى وتبلى الأبدان، واحتجوا
بحديث: الصور، وقالت جماعة: الأرواح على صور الخلق لها أيد
وأرجل وأعين وسمع، وقال بعضهم: الأرواح تعذب كما تعذب
الأجسام، واحتجوا بقوله تعالى: {إنّ
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (08/14) ، وابن ماجة (ح/4271) ،
وأحمد (3/455، 456) ، ومنحة (740) ، وابن كثير (8/27) ،
والحلية (19/56) ، والإتحاف (5/23، 1/3870) ، والبخاري في
"التاريخ الكبير" (4/305) ، وتجريد (467) ، وبداية
(14/225) ، وحبيب (2/305) ، وتجريد (467) ، وبداية
(1/2254) ، وحبيب (2/68) ، وتمهيد (5/248) ، والكنز
(42691) . وصححه الشيخ الألباني. (2) صحيح. متفق عليه.
رواه البخاري (4/162) ، ومسلم في (البر والصلة، ح/159،
160) ، وأبو داود صح/4834) ، وأحمد (2/295، 527، 539) ،
والطبراني (6/323، 10/283) ، وشرح السنة (13/57) ،
والمشكاة (5003، 5004) ، والخطب في " تاريخه " (3/329،
4/351) ، والحلية (1/198، 4/67، 110) ، وأصفهان (1/238،
2/94) ، وصفة (365) ، وابن كثير (2/5/370،77،1/303،302) ،
والمغنى عن حمل الأسفار (2/159) ، والدور (13) ومسند
الشهاب (274) .
(3) قوله: "أخفى" وردت "بالأصل" "أحين" وهو تحريف والصحيح
ما أثبتناه.
(4) سورة الإسراء آية: 85.
(5) صحيح. رواه أحمد (2/176، 197) ، والحاكم (3011) .
وقال: "صحيح" وافقه الذهبي. وابن حبان (1812) ، والمنحة
(57) ، وجري (175) ، وإتحاف (521110، 491111) ، وعاصم
(1/107، 308،111، 2/633) ، والمشكاة (101) ، والجوامع
(4816) . وصححه الشيخ الألباني.
(1/1061)
كتاب الفجار} (1) ، قالت طائفة: تعذب
الأرواح والأبدان جميعًا، وكذلك
تنعم، وقالت طائفة: تبعث الأرواح؟ لأنها من حكم السماء ولا
تبحث
[493/ب] الأبدان/لأنها من حكم الأرض، وهذا كلام مستحيل،
وقال بعضهم: تبعث الأرواح ونفس لله لها أجساماً من الجنة،
وهو مثل الذي قبله، وقالت طائفة:
للمؤمن ثلاثة أرواح، وللكافر والمنافق روح واحدة، وقال
بعضهم: للصديقين
خمسة أرواح، وقال بعضهم: الروح روحانية خلقت من الملكوت،
فإذا صفَّت
رجعت إلى الملكوت وقال بعضهم!: الروح روحان روح اللاهوتية،
وروح الناسوتية، وقال بعضهم: الأرواح لاهوتية، والنفس
أرضية طينية نارية، وقال
بعضهم: الأرواح تتناسخ، وتنتقل من جسم إلى جسم، وهذا شر
الأقاويل
وأبعدها من الأثر، وقالت طائفة: وهم أهل الأثر: الروح غير
النفس، وقوام
النفس بالروح ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه، لا تريد ألا
الدنيا، والروح عكسها، وقد جعل الهوى تبغا للنفس، والشيطان
مع النفس والهوى والملك
مع العقل والروح، وذكر ابن الحباب في كتاب معرفة الروح عن
ابن عباس
مرفوعا: واستغربه أن للبهائم، والكفار ثلاثة أرواح: روح
الشهوة، وروح القوة،
وروح البدن، والمؤمن يزيد عليهم بروح الإِيمان، قال ابن
المنذر: من نام عن
صلاة أو نسيها، صلاها متى استيقظ أو ذكر، روى ذلك عن علي
وروى
معنى ذلك عن غير واحدة من الصحابة، وبه قال: النخعي، وأبو
العالية،
والشعبي، والحكم، وحماد بن مالك، والأوزاعي، ومحمد بن
إدريس الشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور- رضي الله عنهم أجمعين-، قال
القرطبي: في
الحديث دليل على وجوب القضاء على النائم والناسي كثرت
الصلاة أو قلت،
وهذا مذهب العلماء كافة، وقد حكى خلاف شاذ عن بعضهم فيمن
زاد
[494/أ] على خمس صلوات أنه لا يلزم قضاء/وأما من تركها
عامداً، فالجمهور وجوب القضاء وفيه خلاف عن داود أبي عبد
الرحمن الأشعري، وقال
الثوري: وهو قول شذ به بعض أهل الظاهر، وفي كلامه نظر؛ لأن
داود فمن
بعده قالوا به، الثاني: ان أبا محمد بن حزم ذكر أنه أيضا
قول عمر بن
__________
(1) سورة المطففين آية: 7
(1/1062)
الخطاب، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص،
وسلمان، وعبد الله بن مسعود، والقاسم بن محمد، وبديل
العقيلي، ومحمد بن بشير، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد
العزيز، وغيرهم فأيّ شذوذ مع هؤلاء؟ وفي صحيح ابن خزيمة
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة تلك الصلاة التي قد
نيم عنها أو نسيها من الغداة لوقتها بعد قضائها عند
الاستيقاظ أو عند ذكرها أمر فضيلة لا أمر عزيمة، وفريضة إذ
النبي- عليه السلام- قد أعلم أنّ كفارة نسيان الصلاة أو
النوم عنها أن يصليها النائم عند الاستيقاظ، وأمر النسيان
إذا ذكرها، واعلم ان لا كفارة لها إّلا ذلك، وأما الحديث
الذي ذكره الجوزقاني من طريق أبي عاصم عن الأوزاعي عن يحيى
عن أبي سلمة عن أم سلمة قال: دخل شاب من أهل الطائف على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أضعت
صلاتي فما جبلتي؟ قال: "من صلى ليلة الجمعة ثمان ركعات،
قرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، مرة قل هو الله أحد فإذا
سلمت صلى على النبي الأمي ألف مرة فإن الله يجعل ذلك كفارة
لصلاتك، ولو تركت صلاة ما بنى سنة وضر الله لك الذنوب
كلها" (1) ، الحديث بطوله فحديث باطل نصت عليه الموضوعات
وهو مخالف لقوله: "لا كفارة إّلا ذلك "، ولحديث جابر بن
عبد الله: أن رجلًا قال يا رسول الله: إنى تركت صلاة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقضي ما تركت " فقال/كيف
أقضى؟ قال: "صل مع كل صلاة صلاة مثلها "، [494/ب] قال يا
رسول الله قبل أم بعد؟ قال: "لا بل قبل " (2) هذا حديث
كريب لم يكتبه ألا بهذا الإِسناد يعني قوله: ثنا أحمد بن
نصر ثنا عبيد الله بن أبي عبد الله بن مندة أنبأ أبو
الميموني محمد بن عبد الله بن أحمد بن مطرف المديني تريد
عسقلان، ثنا أبو ذهل عبد الله بن محمد العازي بعسقلان ابنا
محمد بن سلم بن عبد الله الزاهد بعسقلان، أنبأ القاسم بن
معين ثنا ابن المسيب، ثنا عطاء بن أبي رباح فذكره، وذكر
الدبوسي عن محمد بن الحسن في الأصل أن النبي- عليه السلام-
أذَّن للفجر وأقام ليلة التدريس قال: ومن روى خلافه
__________
(1) باطل. كما ذكر المصنف.
(2) موضوع. اللآلئ المصنوعة (2/13) والموضوعات (2/102) .
(1/1063)
يحمل على أنّ الراوي لم يحضر الأذان، وروى
أبو يوسف سنده ان النبي- عليه السلام- أذّن وأقام لقضاء ما
فاته يوم، وفي حديث مالك بن الحويرث أنه قال له: ولصاحب
له:! إذا سافرتما فأذنا وأقيما " (1) ، والمسافر مستغنى عن
أعلام الناس ودعائهم في موضع لا قوم به، والله تعالى أعلم،
وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
* * *
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/255،2/64)
، من حديث أبي هريرة، وعزاه إلى "البزار" وإسناده حسن.
ولفظه: "إذا سافرتم فيؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم وإذا
أمكم فهو أميركم".
(1/1064)
110- باب الصلاة في
العذر والضرورة
حدثنا محمد بن الصباح، ثنا عبد العزيز عن محمد الدراوردي،
أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بشر بن سعيد عن
الأعرج يحدّثونه عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس
فقد أدركها، ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد
أدركها "، هذا حديث خرجه الشيخان (1) في صحيحهما، حدثنا
أحمد ابن عمرو بن السرج وحرملة بن يحيى المصريان قالا: ثنا
عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن
عائشة/أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك من
الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من
العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " هذا حديث خرجه
مسلم (2) - رحمه الله تعالى- بزيادة والسجدة إنّما هي
الركعة، حدثنا أحمد بن الحسن ابنا عبد الأعلى، ثنا يعمر عن
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: يعني فذكر نحوه هذا قطعة من الحديث الأوّل،
يدل على ذلك أنّ أبا العباس الطرقي ذكرهما في ترجمة واحدة،
وأما البخاري ففرّق بينهما كما فعل ابن ماجه، وزعم ابن
عساكر أنّ ابن ماجة خرّجه عن جميل عن عبد الأعلى عن معمر
وعن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمّار عن سفيان عن
الزهري به، وأقره على ذلك المزي، ويشبه أن يكون وهمًا،
فإنّ ابن ماجة ليس فيه إلا ما رأيت، واستظهرت بنسخة أخرى،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. أورده الألباني في "الإرواء" (1/272)
، وعزاه إلى البخاري ومسلم في (المساجد، ح/165) ، وأبو
داود (ح/412) ، وابن ماجة (ح/699، 700) ، وأحمد (2/254،
282) ، البيهقي (1/368) ، وعبد الرزاق (2224) ، وأبو عوانة
(1/371) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في
(المساجد، ح/164) ، والترمذي (ح/186) ، وصححه. وابن ماجه
صح/699، 700) ، والبيهقي (1/378، 379) ، وأبو عوانة
(1/372) ، ونصب الراية (1/228) ، وحبيب (1/45) .
(1/1065)
والله تعالى أعلم، ولفظ البخاري: (1) : "من
أدرك من الصبح ركعة"، وفي لفظ لمسلم (2) : "من أدرك ركعة
من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة كلها"، ولفظ النسائي
(3) : " فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته"، وفي
لفظ لأبي داود: "إذا أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر"
(4) ، وفي مسند السراج من حديث أبي غسان عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار: "من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب
الشمس، ثم صلى ما بقى بعد غروب الشمس، فلم يفته العصر، ومن
صلى سجدة واحدة من الصبح قبل طلوع الشمس، ثم صلى ما بقى
بعد طلوع الشمس لم يفته الصبح "، وفي لفظ: " من أدرك ركعة
من الفجر قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعد ما تطلع فقد أدرك"
(5) ، وفي لفظ: " من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس
فليتم صلاته" (6) ، وفي لفظ: "من أدرك ركعة
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) صحيح. رواه مسلم (423) ، وأبو داود في (الجمعة، باب
345،) ، البيهقي (02/3،03387،22) ، وموطأ (105) ، وشفع
(942،411) ، وشرح السنة (2/249) ، وعبد الرزاق (3369) ،
والتمهيد (7/63، 65، 71) ، ومشكل (3/105) ، والفتح (2/57)
، والعقيلي (4/398) .
(3) صحيح. رواه النسائي (1/274) ، والترمذي (ح/524) .
وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو عوانة (2/80) وابن ماجه
(1122) وأحمد (265،2/241، 375،280) والبيهقي (3/203) وابن
خزيمة (1849) ، ومشكل (3/105) ، والخطيب (3/39) ، والتمهيد
(7/63) ، وابن عساكر في "التاريخ" (5/203) .
(4) صحيح. رواه النسائي (21/57) ، والبيهقي (1/378) ،
وصححه الشيخ الألباني. الصحيحة (5/258) .
(5) صحيح. رواه الترمذي (ح/186) ، والنسائي (1/273) ، وابن
ماجة صح/699، 700) ، وابن حبان (283) ، والخطيب (8/455) ،
والحديث نسبه المجد في المنتقى لأحمد وأصحاب الكتب الستة.
وانظر نيل الأوطار (1/22- 23) ورواية محمد بن الحسن) ص
128) .
قال الحافظ في الفتح (2/46) : "نقل بعضهم الاتفاق على أنه
لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا
هذا القدر".
(6) بنحوه. رواه النسائي (1/257) ، وأحمد (2/348، 459) ،
والتمهيد (3/273) ، ومعاني (1/150) .
(1/1066)
من/الجمعة فليصل معها أخرى" (1) ، وفي لفظ:
" من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس، ثم صلى ما
بقى بعد غروب الشمس فلم يفته العصر " (2) ، وفي لفظ: " من
أدرك قبل طلوع الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة ومن أدرك قبل
غروب الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة (3) ، وفي حديث محمد بن
عمرو عن أبي سلمة: " من أدرك ركعة أو ركعتين من صلاة العصر
قبل أن تغرب الشمس فقد أدركهما " (4) ، نا يوسف بن موسى،
نا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوف قال: "
من أدرك ركعتين "، هكذا قال: " من العصر قبل أن تغرب
الشّمس فقد أدرك الصلاة "، وعند أبي عمر من حديث إسماعيل
بن عياش عن زيد بن أسلم عن الأعرج: " من أدرك ركعة من
الصبح قبل أن تطلع الشمس، وصلى الأخرى بعد طلوع الشمس فقد،
أدرك ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، وصلى
أخرى بعدما غربت الشمس فقد أدرك " (5) ، ولفظ: " من أدرك
ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " (6) ، وفي
كتاب ابن خزيمة من
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني (2/11) ، وأورده الهيثمي في
"مجمع الزوائد" (2/192) وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط"
وفيه إبراهيم بن سليمان الدماس ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في الثقات. ورواه ابن
ماجة (ح/1123) ، وليس فيه قوله "ألا أن يقضى ما فاته".
وصححه الشيخ الألباني. الارواء (3/84) .
(2) صحيح. رواه أبو عوانة (1/358) ، ونصب الراية (1/228) .
(3) صحيح. رواه أحمد: (2/399) .
(4) صحيح. رواه أحمد: (2/462) ، والبخاري في "التاريخ
الكبير" (1/202) ، والخطيب (7/401) ، وابن خزيمة (984) ،
والنسائي (1/257) ، والكنز (19272) ، ومعاني (1/150) . (5)
صحيح. رواه مسلم في "المساجد" ح/163) والموطأ (6) والشفع
(143) وشرح السنة (2/248) والتمهيد (3/270، 5/214، 6/402،
7/66) واستذكار (1/92) والبيهقي (1/368، 376، 386) . وصححه
الشيخ الألباني. الارواء (1/273) .
(6) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في
(المساجد، ح/163) ، وأحمد (42/62) ، والبيهقي
(386،379،1/368) ، وابن أي شيبة (11/874) ، وابن حبان
(283) ، والشافعي (27) ، وأبو عوانة (1/358، 373) ،
واستذكار (1/41، 54، 78، 102) ، ونصب الراية (1/228) ،
والتمهيد (4/5،3/270،296/7/651،21! 7/8) .
(1/1067)
حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس
عن أبي هريرة: "من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب
الشمس أو ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك "
(1) ، وخرجه أيضاً من حديث سهيل عن أبيه، وفي لفظ للنسائي
(2) : " من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها " وفي لفظ: "من
أدرك من الجمعة أو من غيرها فقد تمت صلاته " (3) ، وفي
لفظ: "إذا أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر قبل أن
تغرب الشمس فليتم صلاته، وإن أدرك أوّل السجدة من صلاة
الصبح قبل أن تطلع/الشمس فليتم صلاته العصر قبل أن تغرب
الشمس فليتم صلاته " (4) ، ولفظ الدارقطني (5) : "من أدرك
ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإِمام صلبه فقد أدركها "،
وروي سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أنّ
النبي- عليه السلام- قال: " من أدرك ركعة من صلاة من
الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضى ما فاته " (6) . وفي كتاب
ابن عدى من حديث نوح بن مريم عن الزهري: "من أدرك الإمام
جالسًا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة وفضلها " (7) ، ورواه
بكر بن بكَار عن ياسين الزيات عن الزهري عن سعيد، وأبي
سلمة عنه يرفعه: "من
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (984) ، والتاريخ الكبير (2/201)
، والخطيب (8/455) ، والنسائي (1/257) ، والكنز (19272) ،
ومعاني (1/150) .
(2) صحيح. رواه النسائي (1/274) ، وأبو عوانة (2/80) وابن
عدي في "الكامل" (4/1593) ، والتمهيد (7/63) ، وابن عساكر
في "التاريخ" (5/203) .
(3) صحيح. رواه الحاكم (1/291) ، والمطالب (632،631) ،
والكنز (129108،21128،2121) ، والبيهقي (3/203) ، والخطيب
(1/2571) .
(4) صحيح. رواه النسائي (21/57) ، والبيهقي (1/378) ،
والصحيحة (25/58) .
(5) صحيح. رواه الدارقطني (1/374) ، البيهقي
(3،2/89/0302،22) ، ونصب الراية (1/228، 229) ، وابن خزيمة
(1595) ، واستذكار (1/80) ، وأبو عوانة (2/.! 81) ،
والإرواء (2/261) .
(6) صحيح. رواه النسائي (1/275) ، والإرواء (3/89) .
(7) صحيح. رواه الدارقطني (2/12) ، والكنز (10697) قلت:
وله شواهد صحيحة.
(1/1068)
أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى، فإن
أدركهم جلوسَا صلى الظهر أربعاً" (1) . وفي رواية قال-
عليه السلام- " من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى
ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً أو قال الظهر"، وفي لفظ
لعلي بن ظبيان: " ومن نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها" (2)
، ولفظ يحيى بن حميد البصري عن قرّة بن عبد الرحمن عن ابن
شهاب عن أبي سلمة عنه: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها
قبل أن يقيم الإِمام صلاته" (3) ، ثم قال: وهذا زاد في
متنه صلاته، وهذه الزيادة يقولها يحيي ولا أعرف له غيره،
وروى يزيد بن عياض، وهو متروك عن أبي حازم عن ابن المسيب:
" من أدرك سجدة فقد أدرك الركعة "، وفي حديث عبد الرحمن بن
ثابت بن ثوبان عن أبيه عن الزهري؛ ومكحول عن أبي سلمة عنه
" فقد أدرك الفضيلة ويتم ما بقى ". قال: وابن ثوبان ضعيف،
وفي الاستذكار: وروي عبيد الله بن عبد المجيد أبو عليه
الحنفي عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عنه مرفوعا: " من
أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل " (4) ، وهذا ولا أعلم
أحدَا قاله عن مالك غيره، وروى/عمار بن مطر عن مالك عن
الزهري [496/ب] عن أبي سلمة عنه لذلك، من أدرك ركعة من
الصلاة فقد أدرك الصلاة ووقتها، وهذا أيضَا لم يقله عن
مالك غيره، وهو مجهول لا يحتج به، وروي نافع عن يزيد عن
سرين بن الهاد عن عبد الوهاب عن أبي بكر عن ابن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/1121) في الزوائد: في إسناده
عمر بن حبيب متفق على ضعفه. والمشكاة (1419) وابن عدي في
"الكامل" (7،6/2190،2/646،1/28/245،682642، 2741) . وصححه
الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (2/64) ، واستذكار (1/115) ،
والتمهيد (248،5/214، 6/403) ، والمسانيد (2/633) .
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في
(المساجد، ح/161، 162) ، والموطأ (10) ، والبيهقي (03/23)
، وأبو عوانة (1/372، 2/8، 79، 80) ، والشافعي (69) ،
والمشكاة (1412) ، واستذكار (1/77، 78) ، والإرواء (3/90)
، والصحيحة (3/186) .
(4) رواه ابن عبد البر في "التمهيد " (7/64) ، واستذكار
(1/77) . رواه النسائي (1/275) ، والإرواء (3/89) ، وليس
فيه "الفضيلة".
(1/1069)
4961/بن
شهاب عن أبي سلمة عنه مرفوعا: " من أدرك ركعة من الصلاة
فقد أدرك
الصلاة وفضلها " (1) ، وهذا أيضا لم يقله أحد عن ابن شهاب
غيره، وليس
ممن يحتج به على أصحاب بن شهاب، وقد روى هذا الحديث الليث
بن سعد
عن ابن الهاد عن ابن شهاب فلم يذكر في الإِسناد عبد
الوهاب، ولا جاء
بهذه اللفظة أعنى قوله وفضلها، ولما ذكر الأشبيلي هذا في
الأحكام الكبرى
وثق رواته عن نافع، وهو النَّصر بن عبد الجبار، وفي المشكل
للطحاوي، وأكثر
الرواة لا يذكرون هذه اللفظة، وهو الأظهر، وفي سنن الكجي:
" من أدرك
من صلاة ركعة فقد أدركها " (2) ، وفي مسند البزار من حديث
أبي بكر بن
أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن
سعيد
وأبي سلمة عنه قال: " من أدرك ركعة من الصلاة كلها فقد
أدركها كلها
إّلا أنه يقضى ما فاته" (3) ، وفي حديث هشام بن سعد الذي
قرأته على المسند
المعمر عبيد الله بن على بن شبل- رحمه الله تعالى- أخبركم
الإمام أبو عبد
الله محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمران الأنصاري قراءة
عَليه عن أبي
جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني أنبأ أبو منصور محمد بن
إسماعيل الصيرفي
قراءة عليه، وأنا حاضر، أنبأ أبو بكر محمد بن عبد الله، بن
شاذان أنبأ أبو بكر
عبد الله بن محمد بن فورك، أنبأ أبو بكر عبد الله بن محمد
بن عبد السلام التميمي أنبأ الإمام أبو نعيم الفضل بن دكين
بجميع كتاب الصلاة عن
[497/أ] هشام بن سعد، َ نا/زيد بن أسلم قال: قال أبو
هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من أدرك ركعتين
قبل أن تغرب الشمس، وركعتين بعدما غابت الشمس فلم يفته
العصر " (4) ، قال أبو نعيم: نا شيبان عن يحيي بن أبي كثير
عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " إذا أدرك أحدكم أوَّل سجدة من صلاة
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) تقدم ص 1068.
(3) تقدم ص.1068
(4) صحيح. رواه النسائي (1/257) ، وأحمد (2/462) ،
والبخاري في "التاريخ الكبير"
(02/21) ، والخطيب (7/8/4/45501) ، وابن خزيمة (984) ،
ومعاني (1/150) ، والكنز
(1/1070)
العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا
أدرك أوَّل سجدة من صلاة
الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " (1) ، وفي المستدرك
على شرط الشيخين: "من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت
الشمس فليتم
صلاته " (2) ، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا اللفظ
فقلت له: ما حال هذا
الحديث؟ فقال فقد روى هذا الحديث معاذ بن هشام عن أبيه عن
قتادة عن
فروة ابن تميم عن أبي هريرة، ورواه همام بن يحيى عن قتادة
عن النضر بن
أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال: إنى أحسب الثلاثة
كلها صحاح،
وقتادة كان واسع الحديث، وأحفظهم سعيد بن أبي عروبة قبل أن
يختلط ثم
هشام ثم همام، وقال في موضع آخر: سألت أبي عن حديث رواه
عثبر
وجرير عن الأعمى عن أبي صالح عن أبي هريرة: " من أدرك من
العصر
ركعة قبل أن تغيب الشّمس" (3) 0 الحديث لا يرفعه، قال لي:
ورواه شعيب بن
خالد ومحمد بن عباس العامري، وعمر بن أبي قيس، وسفيان
الثوري من
رواية السلمان بن عبد السلام عنه فقالوا كلّهم عن النبي
صلي الله عليه وسلم، قال أبي: والصحيح عندي موقوت، وفي
موضع آخر رواه الثوري، وجرير بن عبد
الحميد، وأبو بكر بن عياش عن الأعمى فوقفوه، وفي الباب
حديث عمر بن
الخطاب، وأبي سعيد الخدري المذكورين عند البخاري (4) ،
وحديث رواه أبو
داود (5) عن ابن شدّاد، ثنا/أبو عوانة عن يعلي بن عطاء عن
معبد بن هرمز [497/ب] عن سعيد بن المسيب قال: حضر رجلاً من
الأنصار الموت فقال: (إنّى
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/146) ، وشرح السنة (2/250) ،
والمشكاة (602) ، ونصب الراية (1/228) ، والكنز (20662) .
(2) صحيح. رواه النسائي (1/273) ، والدارقطني (2/84) ،
والكنز (19270) . ورواه الحاكم وصححه. على شرط الشيخين.
(3) صحيح. مسند ابن حبيب: (1/45) قلت: الحاشية رقم (3،2)
شاهدان لهذا الحديث.
(4، 5) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في
(المساجد، ح/163) ، وأبو داود (ح/412) ، وأحمد (2/462) ،
البيهقي (1/368، 379، 386) ، وابن أبي شيبة (11/874) ،
وابن حبان (283) ، والشافعي (27) ، وأبو عوانة (1/358،
373) ، واستذكار (1/41، 54، 78، 102) ، ونصب
الراية (1/288) ، والتمهيد (1/296، 3/270، 5/214! 7/65!
8/77!.
(1/1071)
محدثكم حديثَا ما أحدثكموه إلا احتسابا
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديثا فيه:
فان أتى المسجد وقد صلوا بعضاً، وبقى بعض خلى ما أدرك،
وأتم ما بقى"، قال عبد الحق في الكبرى: معبد لا أعلم روى
عنه إّلا يعلى بن عطاء، وحديث جابر قال رسول الله صلي الله
عليه وسلم "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة"
(1) ، "ومن أدرك الإِمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل
الجماعة" (2) ، ذكره أبو أحمد من حديث كثير بن شنطير
القائل فيه أحمد صالح، وابن معين ثقة عن عطاء عنه، وحديث
عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها " (3) ، ذكره أيضا في
ترجمة يعيش بن الجهم عن عبد الله بن نمير عن يحيي بن سعيد
عن نافع عنه، وقال: هذا بهذا لا أعلمه إّلا من هذا الوجه،
والحديث غير محفوظ، وذكره في باب إبراهيم بن عطاء الثقفي
الواسطي عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن سالم عن أبيه، وقال:
وهذا عن يحيي عن الزهري غير محفوظ، وإنّما يعرف من حديث
بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: وإبراهيم هذا
ضعيف، وقال في باب بقية: خولف بقية في سنده ومتنه، فأمّا
الإِسناد قبله عن سالم، وإنما هو عن الزهري عن سعيد عن أبي
هريرة، والمتن بقوله: " من صلى الجمعة"، والثقات رووه عنه
فلم يذكروا الجمعة، ولما سئل أبو حاتم الرازي عن هذا
الحديث، قال: هذا حديث منكر، ورواه النسائي بسند صحيح عن
أبي سلمة قال- عليه السلام-: "من أدرك ركعة من صلاة من
الصلوات فقد أدرك إلا أنه يقضى ما فاته" (4) ، وزعم أنّ
الأثر/في شرح المسند أنّ النسائي رواه عن ابن عمر مرفوعاً،
ويشبه أن يكون وهمَا، قال الشّافعي: إذا أدرك المصلى من
وقت الصلاة ركعة أتمّ ما بقى منها وإن خرج الوقت، وأبيه
ذهب مالك وأحمد وإسحاق، وكان أبو ثور يقول: إنّما
__________
(1) صحيح. رواه ابن عبد البر في "التمهيد" (7/63) ،
واستذكار (1/77) .
(2) صحيح. رواه الدارقطني (2/12) ، والكنز (10697) .
(3) ضعيف. رواه النسائي (1/274) ، وأبو عوانة (2/80) ،
وابن عدي في "الكامل" (4/1593) ، والتمهيد (7/63) ، وابن
عساكر في "التاريخ" (05/23) .
(4) صحيح. رواه النسائي (1/275) ، والإرواء (3/89) .
(1/1072)
ذلك لمن نام أو سها ولو تعمّد ذلك أحد كان
مخطئا (1) مذمومًا بتفريط، وقد
روى ذلك عن الشافعي، وقال أبو حنيفة يصح ذلك في العصر دون
الصبح،
وأما الركعة التي يكون بها مدركا، فعند أبي حنيفة،
والشّافعي، والأوزاعي،
ومالك وأحمد وإسحاق إذا أدرك الإِمام راكعَا فكبر وركع قبل
أن يرفع الإِمام
رأسه فقد أدرك، وهو قول علي، وابن مسعود، وزيد، وابن عمر
الأشهب فأنه
قال: لا يكون مدركا ألا أن يجزم قبل ركوع الإِمام وقبل
تمَكُّن يديه من
ركبتيه، وإن أدركه راكعَا فاتته الركعة، ولا يعتد بها سواء
كبر قبل أن يرفع
رأسه أم لا، وهو قول أبي هريرة، وقال الليث بن سعيد: إذا
جاء والناس
ركوع أجْزأه وإن لم يدرك الركوع، إذا كبَّر قبل أن يرفع
الإمام رأسه ويركع
بعد ذلك كيف ما أمكنه، وتبع الإِمام ويعتد بالركعة، وقال
الَشعبي إذا انتهيت
إلى الصف المؤخر ولم يرفع رأسه وقد رفع الإمام رأسه لْقد
أدركته؟ لأن
بعضهم أئمة بعض، وذكر ابن هريرة أن ابن أبي ليلى، والثوري،
وزفر قالوا: إذا
كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الصلاة، وليركع قبل
أن رفع الإمام
رأسه، وقال قتادة، وحميد إذا رفع يديه على رأسه قبل أن
يرفع الإِمام رَأسه
فقد أدرك، وإن رفع الإِمام رأسه قبل أن يضع يديه عل ركبتيه
فأنه لا يعتد
بها، وقال ابن سيرين: إذا أدركت تكبيرة يدخل بها في
الصلاة، وتكبيرة
للركوع فقد أدركت تلك الركعة، وتأوّل أبو حنيفة هذا الحديث
على من
صار/أهلاً للوجوب كالصبي إذا بلغ وشبهه أو أنه منسوخ
بالنهي عن الصلاة [498/ب] في هذين القضيتين، قال: لأنّ
النهي أبداً يطرأ على الأصل الثابت، قال أبو حنيفة في
المشكل: ومن الحجة لأهل العراق الذين يوجبون بإدراك تكبيرة
الإِحرام ما فوق ذلك من الوقت ما روى عن النبي- عليه
السلام-: "أنَ
المسلم إذا توضأ ثم عمد إلى المسجد قال: فإن أدرك الجماعة
غفر له ما تقدّم
من ذنبه، وإن أدرك منها بعضها، وسبق ببعض يقضى ما فاته
فأحسن ركوعه وسجوده وكان كذلك، فإن جاء القوم قعود كان
كذلك "، وهذا الذي
ذكرناه هو وجه النصفة في هذا الباب، وإذا لم يعلم المتأخّر
من الحديث
__________
(1) قوله: "مخطئا، غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.
(1/1073)
فيجعل ناسخًا للآخر كان الأولى أن يجعل هذا
الحديث الذي احتج به العراقيون ناسخًا للحديث الآخر، لأن
فيه زيادة فضل فلا يصح أن يكون هو المنسوخ؛ لأن الله تعالى
إذا تفضل على عباده بثواب يبنيه على عمل يعملونه لم ينسخه
بقطع ذلك الثواب عنهم ولا ينقصه منه ألا بذنب يستحقُّونه
كما قال تعالى: {فبظُلم مَن الذينَ هادُوا حرمنا عَلَيهِم
طَيبات أُحلت لَهُم} (1) ، والله تعالى أعلم، قالً أبو
محمد بن حزم: هذا الحديث متأخر عن خبر المنهي؛ لأن أبا
هريرة متأخر الصحبة، وأخبار النهى رواها عمر بن الخطاب
وعمر بن عنبسة وإسلامهما قديم، انتهى كلامه. وفيه نظر، من
حيث ان الغالب ورود النهى على الإباحة، وأيضًا فقد أسلم
هذين، وتأخر إسلام أبي هريرة، ولا يثبت نسخه لاحتمال أن
يكون قال ذلك قبل موته بشهر أو سبعة، فلما نقدوا التاريخ
طلبنا شيئًا ليس يسرى به في أحد الجانبين فوجدنا عمر بن
الخطاب، وإن كان قديم الصحبة فأصحبه إلى وفاته، فيحتمل أن
يكون/سمعه بآخرة وعمرو بن عبسة كذلك في قدم الإِسلام لكنه
سار إلى بلاد قومه قبل فرض الصلاة فكان يقول: ثنا رابع
الإِسلام ثم قدم قبل فتح مكة فتبيّن أن رواية للنهى كانت
بعد صحبة ثانيا، فإذا كان كذلك كان متأخّرا عن إسلام أبي
هريرة يقيناً، ثم إنّ جماعة من السلف قالوا به منهم: كعب
بن شجرة، ونام ابن له عن الفجر حتى طلعت الشمس، قال: فقمت
أصلى فدعاني كعب فأجلسني حتى ارتفعت الشمس، وابيضَّت ثم
قال: قم فصل ذكره أبو محمد بن حزم من جهة الثوري عن سعيد
بن إسحاق بن كعب عن عشرة عنه وأبو بكرة بضع بن الحارث فيما
حكاه ابن المنذر، وأمّا قوله: وأحاديث النبي رواها هاتان
فغير صحيح؟ لأن جماعة غيرهم رووها، ويأتي ذكرهم إن شاء
الله تعالى عن الموضع اللائق بهذا الكتاب.
__________
(1) سورة النساء آية: 160.
(1/1074)
111- باب النهى عن
النوم قبل صلاة العشاء
وعن الحديث بعدها
حدثنا محمد بن بشار يعني، فذكر حديث أبي برزة المتقدّم
الذكر في الصحيح قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو
نعيم وثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر قالا: ثنا عبد الله
بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة قالت: " ما نام رسول الله صلى الله عليه
وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها " (1) . هذا حديث إسناده
صحيح عبد الله بن عبد الرحمن قال فيه ابن معين: صالح،
ووثقه ابن حبان، وخرج مسلم حديثه في المتابعات وخرجه ابن
حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن مسعدة عن جعفر
بن سليمان عن هشام عن أبيه قال: " سمعتني عائشة وثنا
أتكلّم بعد العشاء فقالت: يا عروة ألا تريح كاتبيك فإن
رسول الله صلي الله عليه وسلم لم [499/ب] يكن ينام قبلها
ولا بالحديث بعدها" (2) ، وخرجه ابن وهب في مسنده بسند
صحيح عن ابن بكير عن بكير عنها: سئل عليه السلام عن
الإنسان يرقد عن العشاء قبل أن يصل قال: " لا نامت عينيه
لا نامت عينيه " (3) . وفي فوائد الإِمام إسماعيل بن عبد
الله ميمونة: ثنا عبد الله بن الزبير ثنا ابن وهب عن معوية
عن أبي عبد الله عنها مرفوعا: " لا سمر إلا الثلاثة مصل أو
مسافر أو عروس" (4) . ويشبه أن يكون اللفظ الذي حدّث به
ابن ماجه لفظ بندار لا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/702) . غريبه: قوله: "السمر"
الحديث بالليل. وروى بسكون الميم على أنه مصدر. وأصل السمر
ضوء القمر. سمّي به حديث الليل لأنهم كانوا يتحدثون فيه.
(2) انظر: سنن الترمذي (4/311) بعد الحديث رقم: "168".
(3) صحيح. رواه مالك في: الصلاة، (ح/2) .
(4) ضعيف. رواه الترمذي (ح/2730) ، وقال الترمذي: هذا حديث
غريب. والطبراني (1/2680) ، وأحمد (1/444) ، وشرح السنة
(2/194) ، والكنز (21479) ، والفتح (1/213) ، والحلية
(14/98) .
(1/1075)
لفظ أبي نعيم؛ لأنّ أبا نعيم ذكر هذا
الحديث في كتاب الصلاة تأليفه بهذا الإِسناد، ولفظه: "ما
نام قبل العشاء" والله تعالى أعلم. حدثنا عبد الله بن سعيد
وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب وعلى بن المنذر قالوا: ثنا محمد
بن الفضل ثنا عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله، قال:
حدّث لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "السمر بعد
العشاء". هذا حديث خرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ثنا
هدية ثنا همام عن عطاء وذكره ابن خزيمة في صحيحه أيضًا عن
إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ثنا محمد بن فضيل وثنا
يوسف بن موسى ثنا محرز كلاهما عن عطاء به، قال: وسمعت محمد
بن معمر يقول: قال عبد الصمد يعني بالحديث الذي ذكره
الطوسي في باب الرخصة في السمر بعد العشاء ويشبه أن يكون
وهمًا، وفي كتاب الكجي من حديث خيثمة عن رجل عن ابن مسعود
قال عليه السلام: " لا سمر إلا لمصلى أو مسافر " (1) ،
ولفظ ابن أبي حاتم في كتاب العلل: " نهى عن السمر والحديث
بعد العشاء " (2) ، وفي الباب حديث أبي هريرة رفعه "أنه
كره النوم قبل العتمة ". رواه السراج في مسنده بسند صحيح
عن أبي الأحوص محمد بن الهيثم ثنا نعيم بن حمّاد ثنا
إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عنه،/ومرسل
مجاهد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نامت عين رجل
نام قبل أن يصلى العشاء " (3) . رواه أبو نعيم في كتاب
الصلاة عن إسماعيل بن عبد الملك البصري عنه، وحديث ابن
عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن النوم
قبلها والحديث بعدها " (4) . رواه أبو الطاهر محمد بن عبد
الله الدهلي في الثالث والعشرين من أبناء (5) الدارقطني
عليه عن محمد بن
__________
(1) انظر: الحاشية رقم "2" السابقة.
(2) انظر: كتاب العلل لابن أبي حاتم.
(3) مرسل. انظر: كتاب الصلاة لأبي نعيم.
(4) ضعيف. رواه أحمد (4/423) ، وابن أي شيبة (2/280) ،
والطبراني (11/96) ، والخطب (9/193) ، والمجمع (1/315)
وفيه أبو سعيد بن عود المكي ولم أجد من ذكره.
(5) كذا "بالأصل".
(1/1076)
عبدوس عن حجاج بن يوسف وإبراهيم بن سعد عن
أبي أحمد الدسري عن أبي سعيد بن عوف عن مجاهد عنه، وحديث
أنس بن مالك عوضني الله تعالى عنه قال: " كنا نجتنب الفرش
من قبل صلاة العشاء ". ذكره ابن بطال قال: وكان ابن عمر
يسب الذي ينام قبل العشاء، وفي كتاب أبي نعيم الفضل: ثنا
أبو عاصم الثقفي حدثني يزيد العصر قال: جاء رجل إلى ابن
عمر فقال إنى أقوم فإذا انصرفت من المغرب عدت إلى أهلي
فنمت حتى أقوم إلى صلاة العشاء فقال: لا قال يا أبا عبد
الرحمن، أُوكِلُ رجلاً يكون في المسجد، فإذا أذّن المؤذّن
جاءا فأعلمني فتوضأت ثم شهدت الصلاة قال ويلك تأمرني، إن
آمرك أن تنام قبل أن تصلّى فلا. ثنا عيسى بن قرطاس سمعت
مجاهدًا يقول مثل ذلك، وزاد فيه إذا كنت لا بُدّ فصلّه قبل
أن تنام وثنا معشر قال: سألت يزيد العصر أسمعت ابن عمر كره
النوم قبل العشاء؟ قال: نعم، قال ابن بطال: وكتب عمر بن
الخطاب لا ينام أحد قبل أن يصليها، فمن نام فلا نامت عينه،
وكره ذلك أبو هريرة وابن عباس وعطاء وإبراهيم ومجاهد وطاوس
ومالك والكوفيون، وحكى الترمذي عن ابن المبارك أكثر
الأحاديث على الكراهة، وسيأتي ما يخالفه لاسيّما قول أبي
عيسى بعد قليل، وأكثر أهل الحديث على/الرخصة، قال أبو جعفر
الطحاوي: إنّما كره النوم [500/ب] قبلها لمن خيف عليه فوات
وقتها وفوات الجماعة، وأمّا من وكّل بنفسه من يوقظه لوقتها
فمباح له النوم، واحتجوا بفعل ابن عمر، وأنه كان يرقد
قبلها ليس ينهى تحريم بفعل الصحابة لكن الأخذ بظاهر الحديث
أنجى وأحوط، وقال الليث: قول عمر: فمن رقد بعد المغرب فلا
نامت عينه، إن ذلك بعد ثلث الليل الأول، قال أبو جعفر:
يحمل الكراهة على أنها بعد دخول وقت العشاء والإِباحة قبل
دخول وقتها انتهى كلامه، وفيه نظرة لما أسلفناه عن ابن عمر
من سعة النوم، وإن وكّل من يوقظه، ولو احتج بحديث عائشة
قالت: " اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء حتى
ناداه عمر الصلاة نام النساء والصبيان " (1) ، وبحديث عبد
الله بن عمر بن الخطاب: "أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في (المواقيت، باب "225" ح/566
والأذان، باب "16، 162،) والتمني، باب "9"، والنسائي في
(الصلاة باب "19"، والمواقيت، باب 21،=
(1/1077)
شغل عنها ليلة فأخّرها حتى رقدنا، فأتى
المسجد ثم استيقظا فخرج علينا عليه السلام وفيه وكان ابن
عمر لا يبالى قدّمها أم أخّرها إن كان لا يخشى أن يغلبه
النوم عن وقتها، وقد كان يرقد قبلها" (1) ، وبحديث ابن
عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
العشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا" (2) 0
الحديث ذكر ذلك البخاري وبحديث أنس بن مالك قال: "كان
الصحابة ينتظرون الصلاة مع الرسول فيصفون صفوفهم ثم يقومون
فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ فيصلون " (3) ، وقد
تقدّم ذكره في باب الطهارة، وبحديث أبي بكر الحنفي عن
سفيان عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عبد الله عن جدّه عن
على: " أنه كان يتعشى ثم يلتف في ثيابه فينام قبل [501/أ]
أن يصلي العشاء". سأل أين/فعله صلى الله عليه وسلم؟ على أن
كراهية الحديث بعد العشاء إنّما لا ينفعه فيه دنيا ودينَا،
ويخطر ببالي أن كراهية- صلى الله عليه وآله وسلم-
بالاشتغال بالسمر، لأنّ ذلك يثبط عن قيام الليل إذا اشتغل
أوّل الليل بالسمر ثقل عليه النوم آخر الليل فلم يستيقظ
وإن استيقظ لم ينشط للقيام، وحديث أوس بن حذيفة قال: "كان
النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا ويحدّثنا يعني بعد العشاء
وكان أكثر حديثه تسكيه قريش " (4) . ذكره ابن أبي حاتم في
كتاب العلل، وزعم أنّ أباه قال: حديث أبي برزة أصح منه،
وروى ابن بطال بسند يبلغ به أبا موسى قال: أتيت عمرا
كُلِّمه في حاجة بعد العشاء فقال: هذه الساعة؟ قلت له: شيء
من النفقة، قال: نعم، فكلّمته ثم ذهبت لأقوم. فقال: اجلس
فقلت الصلاة. فقال: أنا في صلاة فلم نزل جلوسا حتى طلع
الفجر، وفي صحيح مسلم (5) عنه قال:) كنت أنا وأصحابي الذين
قدموا معى في السفينة نزولا
__________
= والدارمي (خ/1213) وأحمد (6/34) .
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المواقيت، باب
"24") ، ومسلم في والمساجد، ح/221) ، وأبو داود (ح/199) ،
وأحمد (2/88) .
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (ح/566) ومسلم في
(المساجد ح/638) والنسائي في (المواقيت، باب 205، والدارمي
(ح/1213) .
(3) تقدم في باب الطهارة.
(4) إسناده ضعيف. جامع المسانيد: (2/291) .
(5) صحيح. متفق عليه. رواه مسلم في والمساجد، ح/224) ،
والبخاري
(1/1078)
في بقيع بطحان، ورسول الله صلى الله عليه
وسلم بالمدينة، فكان يتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم. قال أبو موسى. فرافقنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنا وأصحابي، وله بعض الشغل في
أمره حتى اهتم بالصلاة حتى انتهى الليل، ثم خرج فصلى بهم
فلما قضى صلاته، قال لمن حضره: على رسلكم أعلمكم، وأبشروا
أنّ من نعمة الله تعالى عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلى
هذه الساعة غيركم، أو قال ما صلى هذه الصلاة الساعة
غيركم"، وحديث أنس بن مالك: "أخر النبي عليه السلام العشاء
ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم جاء فصلى لنا ثم خطبنا، فقال:
إلا أن الناس قد صلوا/وناموا وإنكم لن [501/ب] تزالوا في
صلاة ما انتظرتم الصلاة ". ذكره البخاري (1) ، وحديث عبد
الرحمن ابن أبي بكر الصديق: " ان أباه تعشى عند النبي- صلى
الله عليه وآله وسلم- ثم لبث حتى صُلِّيت العشاء ثم رجع
فلبث حتى تعشَّى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فجاء
بعدما مضى من الليل ما شاء الله. فقالت له امرأته: ما حبسك
عن أَضيافك. قال: أو ما عشَّيتهم. قالت: أبوا حتى تجيء،
فاحتلت فقال: يا غنثر فجدَّع وسبَّ- وقال: كلوا لا هنيئا
فوالله لا أطعمه أبدا " (2) 0 الحديث بطوله.
* * *
__________
= وابن سعد في "الطبقات" (1/4/79) .
قوله: انزولا في بقيع بطحان، نزولاً منصوب على أنه خبر
كان. أي كنا نازلين في بقيع بطبحان. والبقيع من الأرض
المكان المتسع. قال ابن الأثير: ولا يسمى بقيعا إلا وفيه
شجر أو أصولها. وبطحان مواضع معينة، واد بالمدينة.
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (214،1/155) ، ومسلم في
(المساجد، ح/222) ، والنسائي (1/268) ، وأبو داود في
(الصلاة، باب (17) ، والقرطبي (12/139) ، وأمالي الشجري
(1/57) ، وأحمد (3/182، 348) ، وابن خزيمة (353) ،
والجوامع (5980) ، وابن أبي شيبة (1/403) ، والكنز (19462،
21730) .
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/602) والفتح (2/90) .
(1/1079)
112- باب النهى أن
يقال صلاة العتمة
حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح، ثنا سفيان عن عبد
الله بن أبي
لبيد (1) عن أبي سلمة عن ابن عمر سمعت رسول الله- صلى الله
عليه وآله
وسلم- يقول: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فأنها
العشاء وأنهم
يعتمون بالإبل". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (2) ، وفي
لفظ: " فأنها
في كتابَ الله العشاء وأنها تعتم محلاب الإبل " (3) . وفي
كتاب النسائي: (4)
"على اسم صلاتكم هذه فأنهم يعتمون عَلى الإبل "، وفي رواية
سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " على المنبر فذكره "،
وَلفظ ابن خزيمة: " أنهم يعتمون على الإبل أنها صلاة (5)
العشاء ". حدثنا يعقوب بن حميد بن
كاسب، ثنا المغيرَة بن عبد الرحمن عن محمد بن عجلان عن
المقبري عن أبي
هريرة وثنا يعقوب بن حميد ثنا ابن أبي حازم عن عبد الرحمن
بن حرملة عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنّ النبي- صلى الله عليه
وآله وسلم- قال:
"لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم " (6) ، زاد ابن حرملة
"فأنها هي
[502/أ] العشاء/وإنما يقولون: العتمة لاعتمامهم بالإِبل "
(7) . هذا حديث إسناده
__________
(1) قوله: "لبيد" وردت "بالأصل " "لبيث" وهو تحريف،
والصحيح ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه مسلم في "المساجد، ح/228) ، وأبو داود
(4984) ، وابن ماجة (704، 705) ،
وأحمد (2/10، 19) ، والشفع (138) ، والشافعي (28) ،
والمنثور (5/75) ، وإتحاف (3/352) ،
والمطالب (276) ، والكنز (19468، 19469، 19507) ، والفتح
(2/43، 44، 45) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/229) .
(4) صحيح. رواه النسائي: (1/270) .
غريبة: قوله: "لا تغلبنكم الأعراب" معناه: ان الأعراب
يسمونها العتمة، لكونهم يعتمون بجلاب الإبل، أي: يؤخرونه
إلى شدة الظلام، وإنما اسمها في كتاب الله العشاء. وقوله:
"وهم يعتمون بالإبل" أي:
يدخلون في العتمة، وهى ظلمة الليل، بالإِبل أي بسبب الإِبل
وحلبها.
(5) صحيح. رواه ابن خزيمة (349) ، ورواه البخاري في
"التاريخ الكبير" (1/147) ، وأحمد
(5/55) ، وأذكار (333) ، وفيه: "لا تغلبنكم الأعراب على
اسم صلاتكم".
(6) انظر: الحاشية رقم "1" السابقة.
(7) إسناده صحيح. رواه أبو عوانة: (1/369) .
(1/1080)
صحيح، ولفظ الطبراني في الأوسط وخرجه من
حديث محمد بن إبان نا عمار بن خالد نا على بن عمران عن ابن
عجلان: "لا تغلبنكم أهل البادية على اسم صلاتكم سماها الله
العشاء ويسمونها العتمة " (1) ، وفي الباب حديث ابن بريدة
عن عبد الله المزني يعني: ابن المغفل أنّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم
المغرب " (2) . ويقول الأعراب أنبأ العشاء ذكره البخاري،
وفي كتاب الإِسماعيلي، وذكره من حديث أبي مسعود أنبأ عبد
الصمد ثنا أبي عن حسين المعلم عنه حديث أبي مسعود يدل على
أنه في صلاة العشاء الآخرة، وكذلك روى عن ابن عمر في
العشاء الآخرة قال المهلب: إنّما كره ذلك؟ لأنّ التسمية من
الله ورسوله، قال الله تعالى: "وعلّم آدم الأسماء كلها"
(3) وقال تعالى: "ومن بعد صلاة العشاء" (4) . قال القرطبي:
فكأنه إرشاد إلى ما هو الأولى وليس على جهة التحريم، ولا
على أنّ تسميتها بالعتمة لا تجوز لما ثبت أنه عليه السلام
أطلق عليها ذلك يعني قوله: "ولو تعلمون ما في العتمة
والصبح " (5) . وغير ذلك من الأحاديث، قال البخاري:
والاختيار أن يقول العشاء، وقد ورد تسميتها بذلك في آثار
عنه- صلى الله عليه وآله وسلم- في غير ما حديث صحيح، وقد
أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عباس وعمر بن الخطاب
وعائشة وأبو موسى الأشعري وغيرهم، وقال: وكانت الأعراب
تحلب عند شدّة الظلمة حلبة، وتسميتها العتمة نصار بشير
كابني حسين، وهى الحلبة وهي الصلاة فنهى عن ذلك ليرتفع
الاشتراك وحيث أمن الاشتراك جاز الإِطلاق، وزعم
__________
(1) صحيح. مسند الحميدي: (638) .
(2) انظر: الجاثية رقم (4) السابقة.
(3) سورة البقرة آية: 31.
(4) سورة النور آية: 58.
(5) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب (9،
93،32!، والمواقيت، باب ة 20،، والشهادات باب "30") ،
ومسلم في (الصلاة، ح/129) ، والنسائي في والمواقيت، باب
"22"،، والأذان، باب "31" (، ومالك في (الجماعة، ح/6،،
والنداء، باب "3" (، وأحمد (3،002/6/278،533،375،83) .
(1/1081)
[502/ب] بعض العلماء: ان النبي عليه السلام
خاطب بالعتمة/من لا يعرف العشاء أو استعمل لفظة العتمة؛
لأنه أشهر عندهم، ولأنهم على المغرب وفي المحكم عتمت الإبل
تعتم وتعتم واعتمت واستمعت: غلبت عشاء بّنما كانوا يطلقون
العشاء، وَهو من الإبطاء والتأخير، قال أبو محمد الحدلمي:
فيها ضوى قد رّد من اعتامها، والعتَمة: ثلث الليل الأوّل
بعد غيبوبة الشفق، واعتم القوم وعتموا: ساروا في ذلك
الوقت، أو أورادُّوا أو أمدُّوا، أو عملوا أي عمل كان،
وقيل: العتمة، وقيل: صلاة العشاء الآخرة سمّيت بذلك
لاستعمالهم لعتمها، والعتمة بقية الليل يضيق به تلك
الساعة، وعتمة الليل: إظلامه، وقوله: طيف ألم بذى سلم لسرى
عتم بين الخيم، يجوز أن يكون على حذف الهاء، كقولهم: هو
أبو عذرها: فقوله:
ألا ليت شعري هل ينظر خلّة ... عبادي على الهجران أم هو
يائس
وقد يكون من البطء أي: يسرى ببطأ، وقد عتم الليل يعتم
عتمًا واعتم أظلم وعتمة الإِبل: رجوعها من المرض بعدما
مسي، وقيل: ما ضمن أربع فقيل عتمة ربع أين قدر ما يحتبس في
عشائه، وقول الأعشى: نجوم الشتاء العاتمات الغوامض، يعني:
بالعاتمات التي تظلم من الغبرة التي في السماء وذلك في
الحدب؛ لأن نجوم السماء أشد ثمة إضاءة لنفاء السماء والله
تعالى أعلم.
* * *
(1/1082)
113- أبواب الأذان
والسنة فيه
باب بدء الأذان
حدثنا أبو عبيد محمد بن عبيد بن ميمون المدني، ثنا محمد بن
سلمة الحداني ثنا محمد بن إسحاق نا محمد بن إبراهيم التيمي
عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد هم بالبوق وأمر بالناقوس فتحت قارى
عبد الله/بن زيد في المنام قال: رأيت رجلا عليه ثوبان
أخضران [503/أ] يحمل ناقوسًا، فقلت له يا عبد الله تبيع
الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ فقلت: أنادي به إلى الصلاة قال:
أفلا أدلك على خير من ذلك، قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله
أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول
الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على
الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله
أكبر، لا إله إلا الله، فخرج عبد الله بن زيد حتى أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى، قال: يا رسول
الله، رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا فقص عليه
الخبر، فقال عليه السلام: إن صاحبكم قد رأى رؤيا، فأخرج مع
بلال إلى المسجد فألقها عليه ولينادى بلال فأنه أندى صوتًا
منك، قال: فخرجت مع بلال إلى المسجد فجعلت ألقيها عليه،
وهو ينادى بها فسمع عمر بن الخطاب بالصوت فخرج فقال: يا
رسول الله، والله لقد رأيت مثل الذي رأى". قال أبو عبيد:
فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال
في ذلك: أحمد الله ذا الجلال وذا الإكرام حمدا على الأذان
كثيرًا إذا أتاني به البشير من الله فأكرم به لدىَّ بشيراً
في ليال ولا بهن ثلاثاً كلما جاء زادني توقيرًا " (1) .
هذا حديث خرجه ابن خزيمة (2) في صحيحه عن محمد بن عيسى ثنا
سلمة يعني: ابن الفضل عن محمد بن إسحاق، قال: وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس أليه
__________
(1) صحيحه. رواه ابن ماجه (ح/706) . وصححه الشيخ الألباني.
غريبة: قوله: "البوق" قرن ينفخ فيه فيخرج منه صوت.
و"الناقوس" خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها. و"أندى" أفعل
تفضيل من النداء. أي: أرفع.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة: (373) .
(1/1083)
[503/ب] للصلاة الحديث، وفي آخره، فقال
عليه السلام: "فلله الحمد فذلك أثبت"./قال محمد بن إسحاق:
حدثنى بهذا الحديث محمد بن إبراهيم عن الحارث التيمي عن
محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه بهذا الحديث،
ثنا محمد بن يحيي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن
محمد بن إسحاق قال: حدثنى محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد
الله بن زيد بن عبد ربه حدثنى أبو عبد الله بن زيد، قال:
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس فعمل ليضرب
به للناس في الجمع للصلاة فذكر الحديث بطوله، بمثل حديث
سلمة بن الفضل سمعت محمد بن يحيى يقول: ليس في أخبار عبد
الله بن زيد في قصة الآذان خبر أصح من هذا؟ لأن محمد بن
عبد الله بن زيد سمعه من أبيه وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم
يسمع من عبد الله بن زيد ثنا محمد بن يحيي في عقب حديثه
ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن ابن إسحاق قال:
فذكر محمد بن مسلم الزهري عن ابن المسيب عن عبد الله بن
زيد بن عبد ربه بهذا الخبر، قال: فقال رسول الله صلي الله
عليه وسلم: "إن هذه لرؤيا حق إن شاء تعالى ثم أمر بالبادين
فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك " (1) ، وفي موضع آخر
قال: هذا صحيح من جهة، ومحمد بن عبيد الله بن زيد سمعه من
أبيه، ومحمد بن إسحاق قد سمعه من التيمي وليس هو محاولة
ابن إسحاق، وخرج أحمد حديث سعيد عنه في مسنده، وفيه كما
ترى انقطاعان، الأوّل: تباين الزهري وابن إسحاق، والثاني:
فيما بين سعيد وعبد نصّ على الثانى البيهقي، وذكر الأخرم
عنه أنه قال: أنا أذهب في الأذان إلى حديث محمد بن إسحاق
عن محمد بن إبراهيم، وخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى
ثنا الناقد ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن/ابن إسحاق
فذكره، وفي آخره ثم استأخر غيره بعبد قال: تقول إذا أقيمت
الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن لا اله الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن
محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت
الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله الا
الله، وذكر أبو عيسى (2) مختصرا بلفظه: "فأنه أندى وأمدّ
صوتًا منك فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك". وعن سعيد بن
يحيي الأموي، ثنا أبي ثنا
__________
(1) انظر: الحاشية السابقة.
(2) صحيح. رواه الترمذي: (ح/189) . وقال: هذا حديث حسن
صحيح.
(1/1084)
ابن إسحاق، ثم قال: حدثنا عبد الله بن زيد
حديث صحيح، وقد روي هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن ابن
إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول (1) ، فذكر فيه قصة الأذان
مثنى مثنى والإِقامة مرة، وعبد الله بن زيد هو ابن عبد
ربه، ويقال: ابن عبد ربّ، ولا يعرف له عن النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم- شيئا يصح اّلا هذا الحديث الواحد في
الأذان، وفي كتاب المعرفة عنه سألت محمدًا عن هذا الحديث
فقال: هو عندي حديث صحيح، ولما ذكر الخطابي حديث ابن إسحاق
عن محمد بن إبراهيم، قال: وروى هذا الحديث والقصة بأسانيد
مختلفة وهذا الإسناد أصحها، وقال أبو على الطوسي الحافظ
وخرجه في أحكامه عن الذهليَ ثنا يعقوب ثنا أبي به مطولاً،
وفي آخره فكان بلال يؤذّن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الصلاة قال: فجاء مدعاة ذات غداة إلى صلاة
الفجر فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تمّ
قال: فصرّح بلال بأعلا صوته: "الصلاة خير من النوم" (2) .
قال ابن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين في صلاة
الفجر، فقال: حديث عبد الله بن زيد حسن صحيح، وذكره ابن
الجارود في منتقاه، وقال البيهقي: هذا خبر موصول،/وقال أبو
محمد الإشبيلي: هو خبر صحيح. وقال أبو الخطاب: هو خبر
متواتر الطرق، ولفظ أبي داود وخرجه من حديث أبي بشر عن أبي
عمير عن أنس عن عموتة له من الأنصار قال: " اهتم النبي-
عليه الصلاة والسلام- للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له:
انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا أرادها أذّن بعضهم بعضاً
فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع
__________
(1) صحيح. قال الترمذي: وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى
والإِقامة مرة مرّة. وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه،
ويقال ابن عبد ربه، ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه
وسلم شيئا يصح ألا هذا الحديث الواحد في الأذان.
نقل ابن حجر في الإِصابة (4/72) كلام الترمذي هذا، ثم قال:
"وقال ابن عدي: ولا نعرف له شيئا يصح غيره. وأطلق غير واحد
ليس له غيره. وهو خطأ، فقد جاءت عنه عدة أحاديث، ستة أو
سبعة، جمعتها في جزء". ثم نقل أن له في سنن النسائي حديثا،
وهو في المستدرك للحاكم (3/336) . وذكر حديثا آخر عن
التاريخ الكبير للبخاري، وهو في طبقات ابن سعد) ج 3 ق 2 ص
87) ، والمسند (4/42) .
(2) صحيح. رواه أحمد (3/458، 409) والبيهقي (1/422) ،
والمجمع (1/330) ، والكنز (490957،2312، 231888) ، وشرح
السنة (2/262) ، والتاريخ الكبير للبخاري (1/194) ، وأسرار
(231) .
(1/1085)
يعني: الشيور فلم يعجبه، وقال: هو من أمر
اليهود، قال: فوصف له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى،
فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد الله بن ربه وهو مهتم لهم
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فأرى الأذان في منامه قال
قعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: يا رسول
الله، إنى كبير نائم ويقظان إذ أتاني آت ناداني الأذان
قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين
يومَا. قال: ثم أخبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال له: ما
منعك أن تخبرنا، فقال سبقني عبد الله، فاستجيب فقال عليه
السلام: يا بلال، قم فانظرنا يأمرك به عبد الله بن زيد
فافعله قال: "فأذن بلال" (1) قال أبو بشر: فحدثني أبو عمير
أن الأنصار تزعم أنّ عبد الله لولا أنه كان مريضًا يومئذ
لجعله النبي عليه السلام مؤذّنَا، قال ابن عبد البر: روي
عن النبي عليه السلام، في قصة عبد الله بن زيد في بدأ
الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة متقاربة، وكلها
متفق على أمره، والأسانيد في ذلك متواترة من وجوه صحاح،
وفي موضع آخر حسان، ونحن نذكر أحسنها، فذكر حديث أبي عمر
هذا، قال أبو داود: رواية الزهري عن سعيد عن عبد الله قال
فيها ابن إسحاق: الله أكبر مرتين، وقال معمر: و/يونس عن
الزهري الله أكبر لم يثنى. ونا عمرو بن مرزوق نا شعبة عن
عمرو بن مرة قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة
ثلاثة أحوال، قال: وثنا أصحابنا أن رسول الله صلي الله
عليه وسلم قال: " لقد أعجبني أن يكون صلاة المسلمين أو
المؤمنين واحدة حتى لقد هممت أن أبثّ رجالا في الدور
ينادون الناس لحين الصلاة، وحتى هممت أن آمر رجالَا لها
يقومون على الآطام ينادون المسلمين لحين الصلاة حتى نقسوا
أو كادوا أن ينقسوا " قال: فجاء رجل من الأنصار فقال: يا
رسول، إنى لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كان
عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم
نام فقال مثلها إّلا أنه يقول: قد قامت الصلاة، ولولا أن
يقولوا: لقلت أنى كنت يقظان غير نائم فقال عليه السلام:
"أراك الله خيراً "، وقال ابن مثنى: "لقد أراك الله خيرا"
(2) ، وثنا ابن مثنى عن أبي داود وثنا نصر بن المهاجر ثنا
يزيد بن هارون عن المسعودي عن عمرو بن مرّة عن ابن أبي
ليلى
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/498) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/506) .
(1/1086)
عن معاذ بن جبل قال: "أحيلت الصلاة ثلاثة
أحوال، وفيه قال نصر: فجاء عبد الله بن زيد رجل من
الأنصار، فقال فيه: واستقبل القبلة فذكر التأذين
والإقامة". قال أبو عيسى: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع
من معاذ، وكَذا قاله ابن المديني في العلل الكبير
والبيهقي، وتبعهم على ذلك أبو محمد الإشبيلي وأبو الحسن
ابن القطان، وقول عبد الرحمن ثنا أصحابنا، قال المنذري: إن
كان أراد الصحابة فهو قد سمع من جماعة منهم، فيكون الحديث
مسندًا وإّلا فهو مرسل وما يدرى رحمه الله أن الطحاوي قال
في شرح الآثار: ثنا علي بن شيبة ثنا يحيى بن يحيى
النيسابوري ثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو عنه قال: حدثني
أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم أنَ عبد الله بن
زيد/الأنصاري رأى الأذان في المنام فذكره، وكذا ذكره ابن
خزيمة في صحيحه، وكذا هو في كتاب أبي الشيخ عبد الله بن
محمد بن جمر بن حبان الحافظ عن عبدان ثنا أبو بكر بن أبي
شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو، وعن عبد الرحمن
قال: ثنا أصحاب محمد أنّ عبد الله بن زيد به، فصحّ إسناده
على هذا والله تعالى أعلم.
ولما ذكره ابن جرير من عند ابن وضّاح موسى بن معاوية، قال
وكيع: هذا إسناد في غاية الصحة من أسانيد الكوفيين، وابن
أبي ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة وأدرك بلالا وعمر
رضى الله عنهما، وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن إبراهيم بن
محمد عن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب عنه أنه بينا
هو نائم إذ رأى رجلًا معه خشبتان قال: فقلت له في المنام
إن النبي- عليه السلام- يريد أن يشترى هذا من العودين
يجعلهما ناقوسًا يضرب به للصلاة، قال: فالتفت إلى صاحب
العودين برأسه، وقال: أفلا أدلكم على ما هو خير من هذا،
فبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالتأذين، قال
أبو عمر: لا أحفظ ذكر الخشبتين إلا في حديث أبي جابر يعني
هذا، ومرسل مالك عن يحيى بن سعيد قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد أراد أن يتخذ خشبتين لجمع الناس للصلاة،
ولفظ أبي قرة في سننه وخرجه من حديث أبي جابر يا رسول
الله، إني قطيع الصوت فقال: علم بلال ... الحديث، ولفظ
الدارقطني في سننه من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ: قال ابن
زيد يا رسول الله، رأيت في المنام كأنّ رجلا نزل من السماء
على جزم الحائط، فأذّن مثنى مثنى"،
(1/1087)
وفي كتاب أبي الشيخ: فلما كان قبل الفجر
غشيني النعاس فرأيت رجلاً قام على [506/أ] سطح المسجد وأتى
بين النائم و/اليقظان، فجعل إصبعيه في أذنيه وفي المعجم
الكبير لابن مطير: من حديث ابن أبي ليلى غشية ولم يسمع
منه، فجاء المسلمون سراعا يرون أنه فزع ثم جاء عمر فقال:
"والله إنه لطائف طاف بي". وذكر أبو نعيم الحافظ ان محمد
بن إسحاق رواه أيضا عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن محمد بن
زيد، ورواه زيد بن حباب عن محمد بن عمرو بن سهل عن عبد
الله بن محمد بن زيد عن أبيه أو عمه عن عبد الله، ورواه
إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن شعيب بن
عبادة الأنصاري عن ابن عبد الله بن زيد عن أبيه، ولفظ
العسكري في كتاب الصحابة: "أمر رجالاً يقومون على الأطام
فيرفعون المسرح ويبشرون الناس بالصلاة حتى رأيت". الحديث،
وذكر أبو حامد الغزالي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
قال: "القه على بلال قال عبد الله: يا رسول الله، ائذن لي
مرة واحدة فأذنت بإذنه، فلمًا سمع عمر صوتي خرج يجر"، رواه
زياد الغوراني فأذنت الظهر ولم أر له في كتب الحديث ذكر
ألا من أسلفناه من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله فبلغه
النبي، فأمره بالتأذين وهو شاهد له والله تعالى أعلم،
حدثني محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي نا أبي عن عبد
الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه: " أن النبي
صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم للصلاة فذكروا
البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل
النصارى، فأرى النداء تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له
عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله
صلى الله عليه وسلم بلال فأتى به. قال الزهري: وزاد بلال
في نداء صلاة الغداة،/الصلاة خير من النوم فأقرها النبي
صلى الله عليه وسلم. قال عمر: يا رسول الله، قد رأيت مثل
الذي رأى ولكنه سبقني، (1) . هذا حديث قال فيه ابن شاهين:
حديث غريب إن كان
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/707) . في الزوائد: في إسناده
محمد بن خالد: ضعفه محمد وابن معين وأبو زرعة وغيرهم.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه (ح/148) وقال: "بعضه
صحيح ".
قوله: "يهمهم" همه الأمر وأهمه، إذا أوقعه في الهم. أي
يوقعهم في التعب والشدة.
(1/1088)
عبد الرحمن حفظه، وقد خالفه أصحاب الزهري
يونس وشعيب ومعمر ومحمد بن إسحاق وابن جريح، فرووه عن
الزهري عن سعيد أن الناس كانوا في عهد النبي- عليه الصلاة
والسلام- يجتمعون إلى الصلاة قبل أن يؤمروا بالتأذين فذكر
حديث ابن زيد، وقد خرج أهله من حديث ابن جريج أخبرني نافع
ان ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة
يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادى بها أحد، فتكلموا
يومًا في ذلك فقال بعضهم: اضربوا ناقوسًا مثل ناقوس
النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل بوق اليهود، فقال عمر:
أو لا تبعثون رجلًا ينادى بالصلاة! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "يا بلال قم فناد بالصلاة" (1) . ولما
خرجه أبو عيسى قال فيه: حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر،
قال ابن مندة: هذا إسناد مجمع على صحته، وفي لفظ لأبي
عوانة (2) في صحيحه: "فأذن بالصلاة "، ولما خرجه ابن خزيمة
(3) في صحيحه اتبعه ثنا بندار بخبر غريب، قال: ثنا أبو بكر
الحنفي ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: "إن
بلالا كان يقول: أشهد أن لا إلى إلا الله، حي على الصلاة،
فقال له عمر: قل في أثرها أشهد ان محمدًا رسول الله، فقال
صلى الله عليه وسلم: "قل كما أمرك عمر". ورواه أبو الشيخ
في كتاب الأذان عن محمد بن يحيي نا بندار بلفظ: كان يقول
أول ما يأذن: أشهد أن لا إلى إلا الله، حي على الصلاة "،
وقد ورد عنده/بلفظ آخر ذكره الطبراني [507/أ] في الأوسط
(4) من حديث طلحة بن زيد عن يونس بن يزيد عن الزهري عن
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الصلاة، (ح/190) . وقال:
"هذا حديث حسن صحيح غريب، من حديث ابن عمر".
وحديث ابن عمر رواه أيضا البخاري (2/65-66) ومسلم في
(الصلاة، ح/1) والنسائي (1/02 1-103) ، وأحمد في المسند)
رقم 6357 ج 2 ص 148) . ويظهر ان القاضي أبا بكر بن العربي
نسي انّ هذا الحديث في الصحيحين، فاعترض على تصحيح الترمذي
إياه، فقال (1/307) : "وعجب لأبي عيسى يقول: حديث ابن عمر
صحيح! وفيه: ان النبي صلي الله عليه وسلم أمر بالأذان لقول
عمر، وإنما أمر به لقول عبد الله بن زيد، وإنما جاء عمر
بعد ذلك سمعه! ". (2) صحيح. رواه أبو عوادة: (26/326) .
(3) ضعيف. رواه ابن خزيمة (362) والكنز (23150) .
(4) ضعيفة جدا. أورده الهيثم في "مجمع الزوائد " (1/329)
وعزاه إلى الطبراني=
(1/1089)
سالم عن أبيه: "لما أسرى بالنبي صلى الله
عليه وسلم أوحى الله أبيه الأذان فنزل به فعلمه بلالا".
وقال: لا يروى هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به
طلحة
تفرد به محمد بن ماهان الواسطي عنه، وفي الباب حديث أنس بن
مالك
قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد رسول الله صلي الله
عليه وسلم سعى رجل في الطريق فنادى الصلاة الصلاة، فاشتد
ذلك على الناس فقالوا: لو اتخذنا
ناقوسًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك
للنصارى"، فقالوا: لو اتخذنا بوقاً. فقال عليه السلام:
"ذاك لليهود، فأمر بلالا أن يشفع الأذان وأن يوتر
الإِقامة" (1) . ورواه الطبراني عن أبي الأطهراني ثنا عبد
الله بن يوسف الجبيري
ثنا روح عن عطاء ابن أبي ميمونة عن خالد عن أبي قلابة عنه،
وأصله في الصحيحين وسيأتي، وحديث أبي عمير عن عمومة من
الأنصاري المذكور
قبل من كتاب أبي داود رحمه الله تعالى، وكذا حديث معاذ بن
جبل
وحديث ابن جرير الهذيلي عن أبي حنيفة عن علقمة بن يزيد عن
ابن بريدة
عن أبيه: ان رجلا من الأنصار مر بالنبي صلى الله عليه وسلم
وهو حزين وكان الرجل ذا طعام يجتمع أبيه، ودخل مسجده يصلى
فبينما هو كذلك إذ نعس، فذكر
قصة الأذان، فقال النبي عليه السلام لما أخبره: قد أخبرنا
بمثل ذلك أبو بكر
فأمر بلالَا أن يؤذِّن بمثل ذلك، وقال الطبراني (2) : لم
يروه عن علقمة إّلا أبو
حنيفة، وحديث عبيد الله بن زيد بن عبد ربه أخي عبد الله
قال: " أراد النبي
[507/ب] صلي الله عليه وسلم أن يُحدِّث في الأذان، فجاء
عبد الله فقال: إنّى رأيت/الأذان فقال: فقم فألقه على
بلال، فقال يا رسول الله، إني أريتهما وأنا كنت أريد أن
أذن قال. أقم أنت ". رواه المديني في معرفة الصحابة (3) من
حديث سهل بن
__________
= في "الأوسط" وفيه طلحة بن زيد ونسب إلى الوضع.
(1) صحيح. رواه البخاري (ح/605) . وذكر مسلم إسناده في
حديث داود في كتاب الصلاة، باب في الإِقامة، (ح/508) ورواه
الدارمي (ح/1195) .
(2) صحيح. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/329) ، وعزاه
إلى الطبراني في "الأوسط" وفيه من تكلم فيه وهو ثقة. وتتمة
لفظه: "فأتاه آت في النوم، فقال: قد علمت ما حزنت له، قال:
فذكر قصة الأذان".
(3) قوله: "الصحابة" غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.
(1/1090)
الديلمي نا عبد السلام بن مطهر، نا أبو
سلمة الأنصاري عن عبد الله بن محمد بن زيد عنه. وقد ورد في
بدأ الأذان حديث يدل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رآه في
الإسراء، أنبا به المسند المعمر الرحلة أبو التقي صالح
الأشعري- رحمه الله تعالىَ- قراءة عليه وثنا أسمع أن مسند
عصره أبو العباس ابن عبد الدايم قراءة عليه أنبأ يحيي بن
محمود الثقفي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل
بن محمد الحافظ، بجميع كتاب الترغيب والترهيب أنبأ أبو
عثمان بن حمدان حدثنى أبو عبد الله محمد بن الحسين ثنا
محمد بن عبد الله بن الحسن نا سلمة بن شبيب نا يونس بن
موسى الشّامي البصري ثنا الحسن بن حماد الكوفي عن زياد بن
المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن
أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب، قال: " لما أراد الله
تبارك وتعالى أن يعلّم رسوله الآذان أتاه جبريل- عليه
السلام- بدابة يقال لها: البراق فاستصعب عليه، فقال يا
جبريل أئتي بدابة الين من هذه، فآتاه بدابة يقال لها برقة،
فذهب يركبها، فاستصعب عليه أيضا، فقال لها جبريل: اسكني
برقة فما ركبك عبد أكرم على الله من محمد صلى الله عليه
وسلم. قال: فانتهت به إلى الحجاب الذي يلي الرحمن، فخرج من
وراء الحجاب ملك، فقال عليه السلام لجبريل: من هذا؟ فقال:
جبرائيل والذي بعثك بالحق إنّى لأقرب الخلق مكانا وما رأيت
هذا الملك منذ خلقت قبل ساعتي هذه، فقال الملك الله أكبر
فسمعت من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر./فقال
الملك: أشهد أن لا إله إلا الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق
عبدي؟ إذ لا إله إلّا أنا، ثم قال الملك: أشهد أن محمدًا
رسول الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت
محمدًا، ثم قال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح قد
قامت الصلاة فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي ودعي إلى
عبادتي ثم قال الملك: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
فقيل من وراء الحجاب: لا إله إلا أنا ثمّ أخذ الملك بيدي
فأقمت أهل السماء فيهم آدم ونوح" (1) . قال ان بو جعفر
محمد بن
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثم في "مجمع الزوائد" (1/328- 329)
وعزاه إلى البزار،=
(1/1091)
علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد صلي الله عليه
وسلم الشرف على أهل السماء والأرض، قال أبو القاسم الجوزي:
هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أبو بكر
البزار في مسنده عن محمد بن عثمان بن مخلد ثنا أبي وذكره
أبو الشيخ في كتاب الأذان عن زياد بن المنذر فذكره، قال
البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي إّلا
بهذا الإسناد، وزياد بن المنذر به شعبة، وقد روي عنه مروان
بن معاوية وغيره، وقالَ أبو علي الجياني: واختلف في هذا
الحديث أن يكون صحيحَا لما يعضده ويشاكله من أحاديث
الإسراء، بنحوه ذكره الحافظ أبو زيد السهيلي، وزاد تخصيص
عنها تحصل أنّ معاني الصلاة كلّها أو أكثرها قد جمعها حديث
الإِسراء، ورواه ابن شاهين عن أحمد بن محمد بن هارون ثنا
موسى بن سنان بن عبد الرحمن نا يونس بن موسى عن الحسن بن
حماد عن زياد عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي
رافع عن على بلفظ: قال عليه السلام: " يا علي إن الله
تعالى علمني الصلاة وعلمني الأذان". فذكره بطوله وأشار إلى
ضعفه.
[508/ب] قال: وثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا يعقوب بن يوسف
ثنا/حصين عن منده بن أبي طريف عن محمد بن بشير عن محمد بن
الحنفية عن على قال: "كان أذان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليلة أسرى به لما كان في السماء حضرت الصلاة فأذّن
جبرائيل" (1) 0 الحديث وثنا أحمد بن يونس بن أرقم ثنا سعيد
بن دينار عن زياد بن المنذر حدثنى العلاء قال: قلت لابن
الحنفية: كنا نتحدّث أنَّ الأذان رؤيا رآها رجل من الأنصار
ففزع وقال: وقد عمدتم إلى أحسن دينكم، فزعمتم أنه كان رؤيا
هذا والله الباطل، ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما
عرج انتهى إلى مكان من السماء وقف وبعث الله عز وجل ملكًا
ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم، فعلّمه الأذان وذكر
ما في الحديث، ففي هذا ردّ لما ذكره البزار وأبو القاسم،
وحديث عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال
__________
= وفيه زياد بن المنذر وهو مجمع على ضعفه.
(1) ضعيف جدا. بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"
(1/329) وعزاه إلى الطبراني "الأوسط" وفيه طلحة بن زيد
ونسب إلى الوضع.
(1/1092)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسرى
بي إلى السماء الدنيا أذن جبرائيل عليه السلام وظنت
الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت بهم" (1) . ذكره أبو
جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ عن جعفر بن محمد بن نمير ثنا
على بن أحمد السواق ثنا محمد بن حماد بن زيد الحازمي ثنا
عابد بن حبيب الهروي عن هشام عن أبيه عنها، وحديث ابن عباس
قال: "علم النبي صلى الله عليه وسلم الأذان حين أسرى به
ورآه رجل من الأنصار في منامه". رواه أيضًا عن أحمد بن
محمد بن سعيد ثنا يعقوب بن يوسف الضبي ثنا أبو جنادة (2)
عصين بن المخارق ثنا عبد الصمد بن علي عن أبيه عنه، وفي
كتاب أبي الشيخ: كتب أبينا على بن الحسن بن سلم الرازي ثنا
مسروق ثنا إبراهيم ابن المنذر، حدثني عبد العز-نر بن عمران
عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين/عن عكرمة عنه
قال: [509/أ] الأذان نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع فرض الصلاة: {يأيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إذَا نودي
للصلاة مِن يَومِ الجُمُعةِ فاسْعَوا إلَى ذِكْرِ الله}
(3) انتهى، وفيه إشكال؟ لأنّ فرض الصلاة كان بمكة، وسورة
الجمعة مدنية إجماعًا، حكاه أبو العباس المفسر الضرير في
كتاب التنزيل وغيره، اللهم إّلا أن يريد صلاة الجمعة ما
مطلق الصلوات؛ لأنّ فريضة الجمعة إنما كانت بالمدينة والله
تعالى أعلم، وحديث سالم عن أبيه "لما أسرى بالنبي- صلى
الله عليه وآله وسلم- إلى السماء أوحى إليه الأذان فنزل
فعلمه بلالا" (4) . رواه أيضًا عن محمد بن محمود الأنباري
ثنا محمد بن ماهان، حدثنى عثمان نا أبي ثنا طلحة بن زيد عن
يونس بن يزيد عن الزهري عنه، وهو مردود؛ بأنّ الإِسراء
الذي فرضت فيه الصلاة كان بمكة والبادين بالمدينة إجماعا،
وحديث عبيد بن عمير الليثي قال: "ائتمر النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم وأصحابه- للاجتماع للصلاة، فبينا عمر بن
الخطاب يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام
__________
(1) 1لحاوي: (2/259) .
(2) قوله: "جنادة" وردت "بالأصل" "الجنازة" وهو تحريف،
والصحيح ما أثبتناه.
(3) سورة الجمعة آية: 9.
(4) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/329) من
حديث ابن عمر، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" وفيه طلحة
بن زيد ونسب إلى الوضع.
(1/1093)
أن لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا بالصلاة
فذهب عمر إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- ليخبره بالذي
رأى، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما رأى
عمر الا بلال يؤذن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله
وسلم- حين أخبره بذلك: "قد سبق بذلك الوحي" (1) . ذكره ابن
إسحاق في سيره عن ابن
جريج قال لي عطاء: سمدت عبيدا به، قال السهيلي: وقد عرفت
رؤيا ابن
زيد ولم تعرف رؤيا عمر- رضي الله تعالى عنه-، وفي مسند
الحارث ابن
[509/ب] أبي أسامة: "أوّل من أذّن بالصلاة جبرائيل في
السماء/الدنيا، فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وأخبره بها، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لبلال سبقك لها عمر" (2) . وحديث عبد الله بن الزبير
قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم عليه السلام في الحج:
"وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر" (3) .
قال: فأذّن رسول الله صلي الله عليه وسلم رواه أبو الشيخ
عن كتاب على بن مسلم نا مسروق نا إبراهيم بن المنذر نا عبد
العزيز بن عمران عن ابن المؤمل عن ابن الرهين عنه، قال
السهيلي: الحكمة بتخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؛
فلأن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قد أريه ليلة
الإسراء فوق سبع سماوات، وهذا أقوى من الوحي، فلما تأخّر
فرض الأذان إلىَ المدينة وأراد أعلام النّاس لوقت الصلاة
يلبث الوحي حتى رأى عبد الله الرؤيا فواخت ما رآه عليه
السلام، فلذلك قال: أنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، وعلم
حينئذ أنّ مراد الله تعالى بما أراه في السماء أن يكون سنة
في
الأرض، وقوى ذلك موافقة، رؤيا عمر مع أنّ السكينة تنطلق
على لسان عمر،
واقتضت الحكمة الإِلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي
صلى الله عليه وسلم لما فيه من التنويه بعده والرفع لذكره،
فلأن يكون ذلك على لسان غيره أنوه وأفخم
لشأنه وهو معنى قوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} . وهو معنى
ما ذكره
القاضي أبو بكر بن العربي والشيخ أبو العباس القرطبي، زاد:
ويحتمل ألهم لماّ
__________
(1) ضعيف. رواه عبد الرزاق (1775) والمنثور (2/294)
والبداية (3/233) .
(2) الفتح: (2/78) .
(3) صورة الجمعة آية: 27
(1/1094)
تفاوضوا في الأذان كان عبد الله وعمر
غائبين فلمّا قدما وجد المفاوضة، فقال
عبد الله ما قال، وتلاه عمر، ولما رأى عمر قبول الرؤيا
وصحتها قال: لا
تنادون إلى الصلاة/فقال عليه السلام لبلال: "قم" وقال
عياض: ظاهر قول [510/أ] عمر أولا يبعثون رجلاً ينادى
بالصلاة ليس على صفة الأذان الشرعي، بل إخبار بحضور وقتها،
قال النووي: وهذا الذي قاله أبو الفضل محتمل ومتعيّن، فقد
صحّ في حديث ابن زيد أنه رأى الأذان في المنام، فجاء إلى
النبي
عليه السلام يخبره فجاء عمر فقال: "والذي بعثك بالحق لقد
رأيت مثل
الذي رأى ". فهذا ظاهر أنه كان في مجلس آخر، فيكون الرافع
الإعلام أولاً
ثم رأى ابن زيد الأذان فشرعه النبي عليه السلام بعد ذلك
إمّا بوحي، وإمّا
باجتهاده على مذهب الجمهور، وليس هو عملا بمجرد المنام،
هذا ما لا شك
فيه انتهى، وفي هذا كله ذهول عن قول عمر: لقد رأيت مثل ما
رأى ولكنه
سبقني ويحمل قوله أّلا تناودن إلى الصلاة على الأذان
الشرعي؛ لأنه قال مثل
ما رأى عبد الله، وعبد الله رأى الأذان مفصلا وأخبر به
كذلك، ولأنه قد
وافقهما على رؤياهما سبعة من الصحابة في تلك الليلة أيضًا
حكاه صاحب
المبسوط، وفي كتاب الغزالي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
بضعة عشر رجلاً من الصحابة قد رأى كلّهم مثل ذلك، ولأنا
قدمنا في صحيح أبي عوانة فأذّن بالصلاة؛ ولأنه لا خلاف
أنهم كانوا قبل ذلك يؤذّن بها، بقولهم: الصلاة جامعة، ذكره
ابن سعد عن ابن المسيب أو بقولهم الصلاة الصلاة كما
قدّمنا، وفي قوله: قم
يا بلال حجّه لمشروعية الأذان قائمًا، وأنه لا يجوز الأذان
قاعدًا وهو مذهب
العلماء كافة إلا أبا ثور، فأنه جوّزه، ووافقه أبو الفرح
فيما ذكره أبو الفضل،
واستضعفه النووي لوجهين: أحدهما: المراد بالنداء هنا
الإِعلام، الثاني: المراد قم
واذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة/، وليس فيه غرض
للقيام في حال [510/ب] الأذان، قال: ومذهبنا المشهور أنه
سنة فلو أذّن قاعدًا بغير عذر صحّ أذانه لكن فاتته
الفضيلة، ولم يثبت في اشتراط القيام شيء، وفي كتاب
الإِشراف: أجمع مملّ من يحفظ عنه المعلم: أنّ من السنة أن
يؤذّن المؤذن قائماً، وروينا عن أبي زيد الصحابي، وكانت
رجله أصيبت في سبيل الله أنه أذّن وهو قاعد، وفي
كتاب أبي الشيخ عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه قال:
حق وسنة
(1/1095)
مسنونة أّلا يؤذّن إلا وهو قائم طاهر، وقول
الصحابي: وهو من السنة يدخل في المسند، وأمّا قول أبي
عمير: لولا أنّ ابن زيد كان مريضا لأمره النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم- بالأذان ومردّه ما ذكره الدارقطني، قال
عبد الله: أنا رأيته أريده، قال له أنس: فأقم أنت وسيأتي
ذكره أيضَا، وفي كتاب المحيط: وإن أذّن لنفسه فلا بأس بأن
يؤذن قاعدَا من غير الناس، فإن أذّن قاعدا لغير عذر صح
أذانه وفاتته الفضيلة، وكذا لو أذّن قاعداً مع قدرته على
القيام صحّ أذانه، فأمّا إذا أذّن على غير وضوء، فقد جوّزه
إبراهيم قال: لا بأس أن يؤذّن على غير وضوء ثم ينزل
فيتوضأ، وعن قتادة أنه كان لا يرى بأسَا أن يؤذّن الرجل
وهو على غير وضوء، فإذا أراد أن يقيم توضأ، وعن عبد الرحمن
بن الأسود: أنه كان يؤذّن على غير وضوء، وعن الحسن: لا بأس
أن يؤذّن غير طاهر ويقيم وهو طاهر، وعن حماد: أنه كان لا
يرى بأسَا أن يؤذّن الرجل وهو على غير وضوء، وكره ذلك
جماعة، قال عطاء: الوضوء فرض وسنة، وفي حديث الزهري قال
أبو هريرة: " لا يؤذّن إلا متوضئ " (1) ، ولما رواه
الترمذي عن يونس عن الزهري مرسلا قال هذا أصح ورواه
البيهقي (2) من حديث الزهري) * (.
[511/أ] /ما من يوم يمضى ... منا إلا أمضى منا قَرنًا
قال أبو زكريا: وهذا البحر يسمى الغريب، والمشتق، وركض
الخيل، وقطر الميزاب.
وفي رواية:
إن الدنيا قد غرتنا ... واستهوتنا واستلهتنا
يا بن الدنيا مهلًا مهلَا ... زن ما يأتي وزنًا وزنًا
__________
(1، 2) ضعيف. رواه الترمذي (ح/200) ، والبيهقي (1/397) ،
وتلخيص (3/46) ، والكنز (20965) ، وضعفه الشيخ الألباني.
(ضعيف الجامع: ص 911، ح/6317) . راجع الإرواء
(*) سقط بالأصل.
(1/1096)
وعبد الله بن يزيد لم أر أحدَا ذكره في
الشعر، ولا ألم بذكره، والله تعالى أعلم.
تم الجزء بحمد الله وعونه،
يتلوه- إن شاء الله تعالى- في الجزء الذي بعده
قوله- رحمه الله تعالى- ونفع بعلمه: باب الترجيع في
الأذان، وصلى الله- تعالى- على سيدنا محمد النبي الأمي
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً،
وحسبنا الله ونعم الوكيل،
ولا حولي ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
آمين
* * *
(1/1097)
/بسم الله الرحمن الرحيم
[512/أ] الترجيع في الأذان
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن يحيى، ثنا أبو عاصم، أنبأ ابن
جريج
قال: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة عن عبد
الله بن محيرز
وكان يتيمَا في حجر أبي محذورة بن معين حتى جهّزه إلى
الشام، فقلت لأبي محذورة: أي عم أبي خارج إلى الّشام،
وإنّى أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن
أبا محذورة قال: خرجت في نفر فكنّا ببعض الطريق، فأذّن
مؤذن رسول الله
صلي الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله- صلى الله عليه
وآله وسلم- فسمعنا صوت المؤذّن، ونحن عنده متنكَبُون،
فصرخنا نحكيه نهزأ به، فسمع رسول الله
فأرسل إلى قومنا فأقعدونا بين يديه، فقال: "أيكم الذي سمعت
صوته
قد ارتفع؟ فأشار إليَ القوم كلهم، وصدقوا فأرسل كلّهم
وحبسني وقال لي:
" قم فأذّن "، فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأبقى على [512/ب] رسول الله صلي الله عليه
وسلم/التأذين هو نفسه فقال: قل: الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
لا إله إلا الله، أشهد أن محمدَا رسول الله، أشهد أن
محمدَا رسول الله، ثم قال لي: ارجع فمد من صوتك أشهد أن لا
إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدَا
رسول الله، أشهد أن محمدَا رسول الله، حي على الصلاة، حي
على الصلاة، حي على
الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا
الله، ثم دعاني حين
قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على
ناصية
أبي محذورة ثم أمرّها على وجهه من بين يديه على كبده، ثم
بلغت يد
رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- سرة أبي محذورة ثم
قال رسول
الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " بارك الله لك وبارك
عليك " فقلت: يا
رسول الله، أمرتني بالتأمين بمكة؟ قال: " نعم قد أمرتك "،
فذهبت كل شيء
كان لرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- من كراهية، وعاد
ذلك كله
محبة لرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، فقدمت على
عتاب بن أسيد
(1/1098)
عامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بمكة فأذنت معه بالصلاة على أمر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم. قال وأخبرني ذلك من أدرك أبا محذورة على ما
أخبرني عبد الله بن محيرز" (1) . ثنا أبو بكر بن أبي شيبة
نا عفان ثنا همام بن يحيى عن عامر الأحوص ثنا مكحولَا
حدّثه أن ابن محيرز حدّثه أن أبا محذورة حدّثه قال: "
علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأذان تسع عشرة
كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة فذكره" (2) ، هذا حديث خرجه
مسلم (3) مختصراً من حديث عن أبي محيرز فذكر: الله أكبر/
[513/أ] في أوله مثنى مثنى، وأبو عوانة من حديث ابن
المديني عن معاذ بن هشام عن أبيه وابن مندة من حديث عبيد
الله بن عمر عنه، وأما تخريج الحاكم (4) له من جهة عبد
الله بن سعيد عن معاذ ففيه نظرة لكونه في مسلم، وقال ابن
القطان: والصحيح عن عامر في هذا الحديث إنما هو تربيع
البكر في أوله، كذلك رواه عن عامر جماعة منهم: عفان بن
سعيد بن عامر وحجاج. ورواه عن هؤلاء الحسن بن علي. ذكر ذلك
أبو داود عنه فكذلك يصحّ؛ فيكون الأذان تسع عشرة كلمة، وقد
قيده بذلك في نفس الحديث كما قيد الإِقامة ليبلغ سبع عشرة
كلمة، وقد وقع في بعض روايات مسلم لهذا الحديث مربعَا وهى
التي ينبغي أن نستفيد من صحته وذكره البيهقي في كتابه.
انتهى كلامه وفيه نظر، وذلك أنه يسقط منه هكذا رجل، وبيانه
هو أن أبا داود إنما رواه عن الحسن بن على عن عفان بن سعيد
بن عامر وحجاج عن همام عن عامر،
__________
(1) صحيح. رواه أبن ماجة (ح/708) والبيهقي (3/11) والحاكم
(1/310) وصححه ابن خزيمة (1161) وابن حبان (656) .
وصححه الشيخ الألباني. غريبه: قوله: "متنكبون" من تنكّب
عنه، أي: عدل عنه، أي: معرضون متجنيون.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/502) والترمذي (ح/192) . وقال:
هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (الأذان، باب " 4 " (وابن
ماجة (ح/708) وأحمد (3/409، 6/401) والدارمي (ح/1197) كلهم
من طريق عامر الأحول. وفي كثير من هذه الروايات ذكر ألفاظ
الأذان والإِقامة تفصيلا.
(3) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/6) .
(4) انظر: الحاشية رقم (1) السابقة.
(1/1099)
وكذا رواه أبو عيسى- وسيأتي- ورواه ابن سعد
في كتاب الطبقات عن
سعيد بن عامر وعفان عن همام بن يحيى عن عامر- والله تعالى
أعلم-،
ولهذا إنّ أبا عمر حكى عن ابن السكن تفرد همام بروايته،
ورواه أبو عيسى (1)
من حديث إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي
محذورة، قال:
أخبرني أبي وجدي جميعَا عن أبي محذورة، وعن أبي موسى عن
عفان عن همّام عن مكحول به مختصرَا وقال: حسن صحيح، وكذا
قاله في العلل حين ذكره بكماله، ولفظ ابن خزيمة (2) ،
وخرجه من حديث مكحول أن رسول الله صلي الله عليه وسلم "أمر
نحواً من عشرين رجلا فأذنوا وعجبة صوت أبي محذورة، فعلمه
فعلمه [513/ب] الأذان وعلمه الإقامة مثنى مثنى "./وعن
إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك مؤذن المسجد الَحرام
قال: حدثني أبي وجدي جميعا عن أبي محذورة: " أن النبي-
عليه السلام- أقعده فألقى عليه الأذان حرفا حرفا " قال بشر
بن معاذ قال لي إبراهيم هو مثل أذاننا هذا، فقلت له: أعد
علي قال أبو بكر بن خزيمة بن عبد العزيز لم يسمع هذا الخبر
من أبي محذورة وإّنما رواه عن ابن محيرز عن أبي محذورة،
وقال الدورقي في أوّل الأذان: الله أكبر الله أكبر، ويأتي
حديثه مثل لفظ حديث بندار عن أبي عاصم، وهكذا رواه روح عن
ابن جرير عن عثمان بن السائب عن أم عبد الملك ابن أبي
محذورة عنه قال في أول الأذان الله أكبر الله أكبر ثم نقله
أربعاً، ورواه أبو عاصم وعبد الرزاق
عن ابن جريج وقال في أول الأذان: الله أكبر أربعَا، قال
الحافظ أبو بكر: خبر أبي محذورة ثابت صحيح من جهة النقل،
وفي سؤالات الأثرم: قيل لأبي عبد الله: حديث أبي محذورة
صحيح؟ قال: أما ثنا فلا أدفعه، وذكره ابن الجارود في
منتقاة وحكى أبو عمر عن الشّافعي: أنه يقول في أوّل
الأذان: الله أكبر
__________
(1) انظر: الحاشية رقم (1) السابقة ص 1099.
(2) الحاشية المذكورة السابقة، والتلخيص (1524) . قلت: وفي
المدونة (1/57-58) حكى ابن القاسم ألفاظ الأذان والإِقامة
عن مالك ثم قال: "قال ابن وهب: قال ابن جريج: قال عطاء: ما
علمت تأذين من مضى يخالف تأذينهم اليوم، وما علمت تأذين
أبي محذورة يخالف تأذينهم اليوم، وكان أبو محذورة يؤذن في
عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى أدركه عطاء وهو
يؤذن".
(1/1100)
أربعًا، وزعم أن ذلك محفوظ من رواية الحفاظ
الثقات في حديث ابن زيد وأبي محذورة وهذه ريادة يجب (1)
قبولها، والعمل بها عندهم في آل أبي محذورة إلى وفاته، وفي
كتاب الإقناع لابن المنذر: والأذان الذي علّم النبي- صلى
الله عليه وآله وسلم- أبا محَذورة ولم يزل عليه الحرمين
قديمًا وحديثًا إلى يومنا هذا: التربيع، وقال الحافظ أبو
عليا الطوسي في كتاب الأحكام، وذكره يقال: هذا حديث حسن
صحيح، وقال أحمد بن سنان: هذا الحديث أصل في هذا الباب
فأمّا الإقامة فلا يختلف على واحدة واحدة إذ علّمها
النبي-/صلى الله عليه وآله وسلم- أبا محذورة وأمر بها
بلالا، وقد روى حديث أبي محذورة من غير وجه، وعليه العمل
بمكة، قال البغوي في شرح السنة: هذا حديث صحيح، ولفظ
النسائي (2) : " خرجت عاشر عشرة، فسمعناهم يؤذنون للصلاة،
فأرسل أبينا فأذّنا رجلاً رجلاً فكنت آخرهم " زاد الكجي:
وكان ذلك في الحجرة"، وقد تقدّم من عند ابن خزيمة ما
يردّه- والله تعالى أعلم- ورواه أبو حاتم في صحيحه بلفظ:
فكنا في بعض طريق حنين وفي آخره، قال ابن جريج: وأخبرني
غير واحد من أهلي خبر أبي محذورة هذا، وفي كتاب النسائي
وابن خزيمة قال ابن جريج: أخبرني هذا الخبر كله عثمان بن
السائب عن أبيه، وعن أم عبد المالك آنفا سمعنا ذلك من أبي
محذورة، وزعم ابن القطان أن عثمان وأباه وأمه مجهولون، وهو
مردود بما ذكرنا، قال ابن حبان (3) أنبأ الفضل ابن الحباب
ثنا مسدد ثنا الحارث ابن عبيد بن محمد بن عبد الملك ابن
أبي محذورة عن أنه عن جدّه قال: قلت يا رسول الله:) علمني
سنة الأذان (قال: فمسح مقدّم رأسي وقال: "تقول فذكره
مرجعًا، ثم قال: فإن كانت صلاة الصبح. قلت. " الصلاة خير
من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا
إله إلا الله لما واعترض أبو محمد الإشبيلي على هذا الحديث
بقوله: هذا يرويه الحارث بن عمير عن محمد بن عبد الملك عن
أبيه عن جدّه، ولا يحتج بهذا الإِسناد، وقال في
__________
(1) قوله: 5 يجب، وردت "بالأصل" و"عيب" وهو تحريف، والصحيح
ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه النسائي في: 7- كتاب الأذان، باب "5"
(3) صحيح رواه ابن حبان (3/96، خ/1680)
(1/1101)
البكري: الحارث بن عبيد يضعف، وقد روى عنه
ابن محمد، وقال: هو من شيوخنا وهو كلام جيّد واعترض ابن
القطّان على الأوّل، وهؤلاء عن الثاني وأصاب؛ لأنّ كلامه
على الوسطى لا الكبرى ولكنه غالبا بين الصواب/وعدمه منها،
قال: لأنه لم يبين عليه قال: وهي الجهل بحال محمد بن عبد
الملك ولا يُعلم وروى عنه أبي الحارث، وهو أيضا ضعيف. قاله
ابن معين، وقال فيه أيضًا: مضطرب الحديث، وكذا قاله ابن
حنبل، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال عمرو
بن علي: سمعت ابن مهدى يحدث عنه، وقال: كان من شيوخنا، وما
رأيت خيرا، فأمّا عبد الملك ابن أبي محذورة فقد روى عنه
جماعة منهم: ابنه محمد والنعمان بن راشد وابنا ابنيه:
إبراهيم بن عبد العزيز عن عبد الملك، وإبراهيم بن إسماعيل
بن عبد الملك. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث أنّ الحارث
خرّج له مسلم في صحيحه على طريق الاحتجاج، وقال الساجي:
كان صدوقا، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، واستشهد به
البخاري في موضعين من كتابه، وأمّا ما ذكره عن أحمد فقد
جاء عنه خلافه، قال أحمد بن حميد: سألت أبا عبد الله عنه
فقال: لا أعرفه، قلت: يروى عن هود بن شهاب؟ قال: لا أعرفه،
قلت: روى عن هود عن ابن عباد عن أبيه عن جدّه عن عمر على
أبيات بعرفات؟ فقال: نعم، هذا يروى عن عباد من غير هذا
الوجه، وقد جاء هذا الحديث بهذا اللفظ من حديث غيره رواه
ابن خزيمة في صحيحه عن يزيد بن سنان، نا أبو عاصم وأشار
الطحاوي في المشكل إلى بيوته، ورواه أبو داود (1) عن الحسن
بن علي، نا أبو عاصم وعبد الرزاق عن ابن جريج، أخبرني
عثمان بن السائب، أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة
عن النبي- عليه السلام- بنحو هذا الحديث- يعني حديث الحارث
بن عبيد- وفيه: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير/من النوم
في الأول من الصحيح، قال أبو داود: ثنا النفيلي ثنا
إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة، سمعت جدّي
عبد الملك يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: ألقى على النبي -
صلى الله عليه وآله وسلم- الأذان فذكره، وفيه: فكان يقول
في الفجر: فالصلاة خير من النوم وهو أيضا إسناد
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/500) .
(1/1102)
صحيح، قال: وثنا محمد بن داود ثنا زياد-
يعني ابن يونس- عن نافع بن عمر الجرحى عن عبد الملك بن أبي
محذورة عن عبد ألله بن محيرز عنه فذكر مثل حديث ابن جرير
عن عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه، ورواه النسائي عن عمرو
بن علي ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان عن أبي جعفر
عن أبي سليمان عن أبي محذورة قال: "كنت أؤذن لرسول ألله
صلي الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فأقول إذا وليت في
ألآذان الأول حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة
خير من النوم" ثني عمرو بن علي ثنا يحيي وعبد الرحمن قالا:
ثنا سفيان بهذا الإسناد بحق، وقال عبد الرحمن بن مهدي:
وليس بأبي جعفر الفراء، وأمّا ابن حزم فذكره في كتابه
مصححا له، وقال: عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان كذا
رأيته بأبياء بعد اللام وكأنه تصحيف من النسخة، وصوابه:
سلمان، واسمه همام، وزعم المزي أن أبا جعفر هذا هو الفراء،
وأنت ترى ابن مهدى نص على أنه ليس به، ولو كان الفراء لكان
سندا صحيحا- والله تعالى أعلم-، ورواه أبو الشيخ عن
إبراهيم بن محمد بن الحارث ومحمود بن أحمد بن الفرح ومحمد
قالوا: ابنا إسماعيل بن عمرو البجلي، أنبأ الثوري، وفي
آخره: " فدعاني عليه السلام فمسح يده على رأسي" ثنا
إبراهيم/بن محمد بن الحسن ثنا كلمة بن الخليل الكلاعي ثنا
مروان ثنا النعمان عن عبد الملك بن أبي محذورة عن ابن
محيرز الشّافعي عن أبي محذورة: "أن النبي- صلى الله عليه
وآله وسلم- علمه ألآذان وأمره أن يقول في الآذان الأول من
الصبح: الصلاة خير من النوم، مرتين" (1) وثنا الوليد بن
أبان ثنا يعقوب بن سفيان نا موسى بن إسماعيل ثنا محمد بن
راشد عن عبد الملك عن بن محيرز عن أبي محذورة: "أن النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- أمره أن يؤذِّن لأهل مكة وأن
يدخل في أذانه في الغداة الصلاة خير من النوم" (2) ، وفي
هذا أيضا ردّ لما تقدّم من قول البيهقي في المعرفة: حديث
أبي محذورة منقطع، ولما يفهم أيضا من قول أبي الشيخ في
موضع
__________
(1) قوله: 9 "وثنا" أي "وحدثنا" سقطت من "الأصل" وكذا
أثبتناه.
(2) تقدم- انظر سنن ابن ماجه (ح/8، 7) والحديث صحيح كما
أقر الشيخان محمد فؤاد عبد الباقي والألباني ص1099.
(1/1103)
آخر أن الحق شيء سأل ابن أبي محذورة عن
التثويب فقال كان في أذان بلال، وفي سنن الدارقطني (1)
بسند صحيح، ثنا أحمد بن العباس ثنا عباد بن الوليد أبو بدر
ثنا الحماني ثنا أبو بكر بن عياش عبد العزيز بن رفيع قال:
سمعت أبا محذورة يقول: كنت غلاما صبيها فأذنت بين يدي رسول
الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يوم حنين الفجر فلما بلغت
"حي على الفلاح" قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحق
فيها: الصلاة خير من النوم"، وقال ابن المنذر جاء الحديث
عن أبي محذورة أنه قال: قال لي النبي صلي الله عليه وسلم
"إذا أذنت الصبح فقل: الصلاة خير من النوم" (2) وأمّا قول
الشيخ في المهذَب: لم يحك أبو محذورة الترجيع، فمردود بما
قدّمناه- والله تعالى أعلم-، وفي كتاب النسائي بسند صحيح
آخر "أذان أبي محذورة لا إله إلا الله" (3) ، ولما ذكره في
الأوسط قال/: لم يروه عن هشام إلا ابنه. تفرد به ابن
راهويه، قال ابن عبد البر: والتثويب في أذان أبي محذورة
محفوظ معروف مشهور عند العلماء، وذهب مالك وأصحابه إلى أنّ
التكبير في أوّل الأذان مرتين، قال: وقد روى ذلك من وجوه
صحاح في أذان أبي محذورة وفي أذان عبد الله بن زيد، والعمل
عندهم بالمدينة على ذلك في آل سعد القرظ أي: زمانه،
ويؤيّده ما أسلفناه من عند الترمذي وأبي داود، وروى أبو
بكر بن الجهم المالكي من طريق عماد بن سعد القرظ عن أبيه
أنه سمعه يقول: أنّ هذا الأذان أذان بلال، فذكره مثنى،
قال: والإقامة واحدة واحدة ويقول: قد قامت الصلاة، وكذا
حديث أبي أمامة وسهلَ قال: سمعت معاوية يقول: "إذا كبرَ
المؤذن اثنين كبّر اثنين، وإذا تشهّد اثنين تشهد اثنين، ثم
التفت فقال: هكذا سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله
وسلم- يقول عند الأذان" (4) ، وسيأتي له مزيد بيان- إن شاء
الله تعالى- قال ابن المنذر في الأَشراف: لم
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني (1/237) والطبراني (7/209)
والحلية (8/310) والكنز (20973) .
(2) جامع المسانيد: (2/493) .
(3) بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"، (1/331) من
حديث سويد بن غفلة، وفيه "آخر أذان بلال، وعزاه إلى
الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات.
(4) صحيح. رواه الخطب في وتاريخه،: (2/188) .
(1/1104)
يختلف مالك والشافعي إلا في أوّل الأذان،
وقال سفيان وأصحاب الرأي: الأذان على حديثا عبد الله بن
زيد مربعا، وقالت طائفة: الاختلاف في هذا من جهة المباح،
وقال أحمد بن حنبل: إن رجع فلا بأس، وإن لم يرجع فلا بأس،
وكذلك قال إسحاق غريبه: قوله الله أكبر ذكر، فثبت أنّ أهل
العربية اختلفوا في معنى أكبر فقال أهل اللغة: معناه كبروا
واحتجوا بقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعز وأطولُ
أراد دعائمه عزيزة طويلة/واحتجوا بقول الآخر بمعنى رجال أن
أموت وإن أمت، فذلك سبيل لست فيها بأوحد أراد لست فيها
بواحد، واحتجوا بقول معن بن أوس:
لعمرك ما أدرى وإنى لأرجل ... على أينا تعدوا المنية أؤل
أرادوني لوصل واحتجوا بقول الأحوص عنه:
يا بيت هالكة التي أتغزل ... حذوا لعدى وبه الفؤاد صوكل
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما أبيك مع الصدود لأميل
أراد لمائل واحتجوا بقول تعالى: {وهو أهون عليه}
قالوا: فمعناه وهو هين عليه، قال ابن الأنباري في الكتاب
الزاهر قال أبو العباس، وقال النحويون- يعني الكسائي
والفراء وهشامَا- الله أكبر معناه: أكبر من كل شيء، فحذفت
من؛ لأن أفعل خبر كما يقول: أبوك أفضل، وأخوك أعقل، فمعناه
أفضل وأعقل من غيره، واحتجوا بقول الشاعر:
إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن ... سراح لنا ألا ووجهك
أنور
أراد: أنور من غيره، وقال معن بن أوس:
فما بلغت كف امرء متناول بها ... المجد إلا حيث ما نلت
أطول
ولا بلغ المهدون نحوك مدحة ... ولو صدقوا لها الذي فيك
أفضل
(1/1105)
أراد أفضل من قولهم قال: وأجاز أبو العباس:
الله أكبر، الله أكبر، واحتج بأن الأذان سمع وقفاً لا
إعراب فيه لقولهم: حي على الصلاة حي على الفلاح، ولم يسمع
على الصلاة والفلاح فكان الأصل فيه: الله أكبر بتسكين
الراء فألقوا على الراء فتحة الألف من اسم الله تعالى،
وانفتحت الراء وسقطت الألف، كما قال تعالى: {آلم * الله لا
إلى إلا هو}
أن الأصل فيه- والله أعلم- {آلم * الله} بتسكين الميم،
فألقيت فتحة الألف على الميم، وسقطت إلا أن قال/: سمعت أبا
العباس يقول: من يحذف في مواضع الأخبار، ولا يحذف في مواضع
الأسماء من قال: أخوك أفضل لم يقل: إن أفضل أخوك، وإنما
حدثت في مواضع الأخبار لأن الخبر يدل على أشياء غير موجودة
في اللفظ، واعترض أبو إسحاق الزجاجي على أبي بكر؛ فإن هذا
الذي حكاه عن ثعلب غير صحيح، واعتلاله غير مستقيم، وذكر
كلاما طويلا أهمل فيه التنبيه عن البيتين الآخرين، وأنهما
ليسا في ديوان معن وإنما هما ثابتان في ديوان الخنساء تمدح
أخًا لها، حتى لقد استشهد العلماء بذلك في كلامهم، قال ابن
محيط في كتاب البديع المنظوم تصنيفه: براعة الاستهلال أن
يبتدي بما يدل على المقصود بالنظم الأول، كما قالت الخنساء
تطري أخا لها: ولا مدحه إلا وذا المد أجمل، وما بلغت نف
(1) إمرء ... البيتين، وقوله: أشهد أن لا أله ألا الله قال
أبو بكر: معناه عند أهل العربية أعلم أنه وأبين أن لا أله
إلا الله، الدليل على هذا قوله تعالى: {ما كان للمُشركين
أن يَعمُرُوا مَسَاجد الله شَاهِدينَ عَلَى أنفُسِهم
بِالكفر} (2) وذلك أنهم لما جحدوا نبوة النبي- صلى الله
عليه واله وسلم- كانوا قد بينوا على أنفسهم الضلالة
والكفر، قال حسان- رضى الله تعالى عنه-: نشهد أنك عبد
المليك أرْسلت، ومن ذلك لهم: شهد الشاهد عند الحاكم معناه:
قد بين له وأعلمه الخبر الذي عنده، وقال أبو عبيدة: معناه:
قضى الله تعالى، قال ابن الأنباري: وقول ابن العباس أحسن
مشاكله، لكلام العربي قال الزجاجي: ليس
__________
(1) كذا في " الأصل": "نف"، كما أثبتناه.
(2) سورة التوبة آية: 17
(1/1106)
حقيقة الشهادة ما ذكره، ولو كان معنى
الشهادة البيان والإعلام لما كذب الله تعالى المنافقين في
قوله {وقالوا نشهد/إنك لرسول الله} لأن البيان والإعلام
إنما هو باللسان لا بالقلب، فقد قالوا بلسانهم وأعلموا،
فكذبهم الله تعالى لأنّ الشهادة في هذا الموضع إنّما هي
تحقق الشيء وتيقّنه، وكذّبهم الله تعالى؛ لأنهم أبينوا
خلاف ما أظهروا، فقد تكون الشهادة على ضروب وأصلها تحقق
الشيء وتيقّنه من شهادة الشيء أي: حضوره؛ لأن من شاهد شيئا
فقد تيقّنه علما، واستعملت في موضعين آخرين أحدهما:
الإقرار بالشيء، والآخر البيان والإظهار، فمن البيان
والإظهار: ما ذكر في قوله تعالى: {شاهدين على أنفسهما
بالكفر} (1) فأما شَهادة الشاهد في الحقوق فإنّما هي أخبار
منه عما شاهده وتيقنه وأحضر للوقوف معاينة وسماعا، وأمّا
الإقرار فما كان يؤخذ به المشركون في صدر الإسلام عن
الدعاء أبيه، وهو أنهم كانوا يقاتلون حتى يستشهدوا فيحصن
مالَه وتحقن دمه، فإنّما كان يراد منهم الإقرار بهذا، ألا
ترى أن المنافقين كانوا على عهد رسول الله- عليه السلام-
يقولون هذا، ويقرون به في الظاهر تبصيرهم حكم المسلمين
ويبطنون خلافه، وأما الرسول، فمعناه في اللغة: الذي يتابع
أخبار الذي بعثه، أخذ من قول العرب: قد جاءت الإِبل رسلا
إذا جاءت متابعة، قال الأعشى:
عريسقي ديار الناقد أصبحت غرضا وزورا أعنف عنها القود،
والرسل القود: الخيل، والرسل: الإِبل المتابعة، ويقال في
تثنيته رسولان وفي جمعه: رسل، ومن العرب من يوجد في موضع
التثنية والجمع فيقول: الرجلان رسولك والرجال رسولك، قال
الله تعالى: {إنا رسولا ربك} (2) وفي موضع آخر: {إنا رسول
رب العالمين} (3) والأول خرج الكلام فيه على الظاهر، لأنه
أخبار عن موسى وهارون- عليهما السلام- والثاني قال
يونس/وأبو عبيدة
__________
(1) الآية السابقة.
(2) سورة طه آية: 47.
(3) سورة الشعراء آية: 16
(1/1107)
وحده لأنه في معنى الرسالة، كأنه قال: "أنا
رسالة رب العالمين" واحتج يونس بقول الشاعر:
فأبلغ أبا بكر رسولا شريعة ... فمالك بابن الحضرمي وماليا
ويقول الآخر:
ألا من يبلغ عنى حقاقا رسولا ... يثبت اهلك منتهاها
أراد رسالة شريعة، واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر:
لقد كذب أبو أشوذ ما بحث ... عندهم برسولا أرسلتهم
وقال الفراء: إنما وجد لابنه اكتفي بالرسول من الرسولين
واحتج بقول الشاعر الليثي:
* وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخير
أرادوا خير الرسل فاكتفي بالواحد من الجمع.
قال أبو بكر: وفصحاء العرب أهل الحجاز ومن والاهم يقولون:
أشهد أن محمدا رسول الله، وجماعة من العرب يقولون: من
الألف عينا فيقولون أشهد أنّ محمدا رسول الله، قال أبو
بكر: ان نشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الزبير بن بشار قال:
أبو شاء لهند عن تصارحنا ... ولست أنسى هوى هند وتنساني
وقال قيس بن الملوح المجنون:
أبا شبه (1) ليلى لا تراعى ... فإنني لك أبيوم من وحشية
تصديق
فعيناك عيناها وحيدك حيدها ... سوى عن عظم الساق منك دقيق
أراد سوى أن فأبدل من الهاء يمينا، وقال أيضا: فما هجرتك
النفس يا ليلى عن قلى فلتزولا عن قل منك نصيبها أتضرب ليلى
عن ألم بأرضها. وما ذنب ليلى عن طوى الأرض ذنبها، أراد أن،
قال أبو بكر وفي قولهم:
__________
(1) كذا ورد هذا السياق "بالأصل".
(1/1108)
أشهد أنّ محمدا رسول الله ثلاثة أوجه،
الوجه المجتمع عليه: أن محمد يجوز أن محمد رسول الله، وأن
محمدًا رسول الله، على أنني (1) أقول: ولا يجوز أن تبدّل
عن الألف أو انكسرت عينًا إنّما يفعل ذلك بها إذا
انفتحت/قال أبو إسحاق الزجاجي ليس ما ذكره في إثبات الرسول
صحيحًا، ولو كان كذلك ما جاز لهم في أول مجيئه أبيهم أن
يقول: إنّي رسول الله أبيكم ولابنه لم يتابع أبيهم بعد
بأخبار، ولا يدري إلى ما يكون تعديل كان لا يقع عليه في
الحال الأولى اسم رسول، ولا تجب له حجة على تأويله هذا،
ولكان من أرسل إنسانًا في حاجة واحدة إلى آخر لم ينفذه قط،
وفي غيرها لم يجز للمرسل أن يقول لصاحبه المنفذ أبيه أنى
رسول فلان أبيك، وهذا غلط بيّن يدفعه استعمال الكتابة ذلك
غير منكرين له، وإنّما الرسول بمعنى المرسل المنفذ من
أرسلت أي: أنفذت وبعثت ولذلك قال تعالى: {هو الذي أرسل
رسوله بالهدى} (2) وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان
قومه} (3) ، ولذلك قيل في معناه: مبعوث، وإنّما غلط أبو
بكر؟ لأنه رآه على مقول فتوهمه فما جاء على مقول، ولا يكون
ذلك إلا لتكرار الفعل: نحو ضروب وشبهة من الأسماء المبنية
من الأفعال للمبالغة، وليس كذلك وإنما هو اسم بغير تكثير
الفعل بمنزلة عمود، وعنود، وعجوز، فهو وإن كان مشتقًا،
فأنه يجرى مجرى الأسماء المختصة في الاستعمال، والدليل على
صحة ما قلنا، قول سيبويه: أجمع النحويون من البصريين: أزيد
أنت أبيه رسول؟ قالوا: برفع زيد لأن رسولا اسم لا يجرى
مجرى الفعل، فكأنك قلت: أزيد أنت له عجوز؟ ولو كان من تلك
الأسماء الجارية مجرى الفعل للمبالغة لنصبت أزيد أنت له
ضروب، وأزيد أنت له شكور، وكذلك ما أشبهه، وهذا بيّن واضح.
انتهى. أنشد المبرد في كامله: وحبيب في حماسة الوسطى
لبعضهم:
وما هجرتك النفس بأمي أنها قلتك ولا إن قل منك نصيبها
__________
(1) قوله: {أنني} وردت "بالأصل" "يعنى" وهو تحريف، والصحيح
ما أثبتناه.
(2) سورة الفتح آية: 28.
(3) سورة إبراهيم آية: 4.
(1/1109)
ولكنهم يا أملح الناس أولعوا يقول إذا ما
جئت هذا حبيبها
وقرأهما السّمّري لنصيب، قال: ويقال هما لمعاد، وأما قوله
حي على
الصلاة فذكر الفراء: ان حي في كلام العرب معناها: هلم
وأقبل، وفتحت أبياء من حي بسكونها وسكون أبياء التي قبلها،
كما قالوا: البيت، ولعل أبو بكر ومنه قول ابن مسعود:) إذا
ذكر الصالحون فحي هلا بعمر ((1) معناه: اقبلوا على ذكر
عمر، وفيه ست لغات: حي هلا بالتنوين، الثاني: فتح اللام
بغير تنوين الثالث: تسكين الهاء وفتح اللام بغير تنوين،
الرابع: فتح الهاء وسكن اللام، الخامس: حي هلا السادس: حي
هلا على عمر، قال الزجاجي: أما الوجه الخامس بالنون فهو
الأول بعينه. لأن التنوين والنون سواء، إما الفلاح
فذكر جماعة من أهل اللغة: هلموا إلى الفوز، قال أبو بكر:
وقالوا: يقال قد
أفلح الرجل إذا فاز وأصاب خيرا، من ذلك الحديث الذي يروى)
واستفلحي
برأيك (أي: فوزي برأيك قال لبيد: أعقلي إن كنت لما تعقلي:
ولقد أفلح
من كان عقل، وقال تعالى: {وأولئك هم المفلحون} (2) وقال
آخرون
حي على الفلاح معناه: هلموا إلى البقاء أي: أقبلوا إلى سبب
البقاء في الجنة، قالوا: والفلح والفلاح عند العرب البقاء
أنشدنا أبو العباس:
لكل هم عن الهموم سعة ... والمشي والصبح والفلاح سعة
قال لبيد: لو كان حي مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح، وقال
عبيد
الحج ما شئت فقد يدرك بالضعف، وقد يخدع الأرنب فهذا من
الفوز، وقال أصحاب البقاء: معنى قوله تعالى:) وأولئك هم
المفلحون} يعني الباقون في الجنة والفتح/، والفلاح عند
العرب: السحور انتهى كلامه ولم يتبع عليه الزجاجي شيئا،
ومما ينبغي أن يتبع عليه أمور: الأول: إطلاقه الفلاح
البقاء، وأهل اللغة يقيدونه بالبقاء في النعيم، والخير
قاله ابن سيده، وقال في التنزيل: {وقد أفلح المؤمنون} أي:
نالوا البقاء الدائم في الخير، والفلاح، والفوز بما يغبط
به وفيه صلاح الحال، الثاني: قوله من ذلك الحديث الذي يروى
إلى
__________
(1) كشف الخفاء: (1/90)
(2) سورة البقرة آية: 5
(1/1110)
آخره وليس وهو بحديث (1) إنّما هو من ألفاظ
الطلاق من أيام الجاهلية، قال ابن سيده والنجرمي: وأمّا
قول الهروي في الغريبين: وفي حديث ابن مسعود إذا قال الرجل
لامرأته استفلحي برأيك، فليس حديثا مرفوعا للنبي عليه
السلام هل هو أثر هذا هو الاصطلاح، وأيضا فيجوز أن يكون
قاله حاكيا عن العرب في الجاهلية؟ إذ ليست هذه اللفظة
موضوعة للكناية عن الطلاق إجماعا الثالث: ولئن سلّمنا له
قوله فليست هذه اللفظة بالحاء، وإن كان غيره سبقه إلى ذلك،
وإنما هي الجيم كذا ذكره الزمخشري في الأساس، وأمّا قوله
أنشدنا أبو العباس فذكر البيت وفيه لا فلاح معه فليس كذلك
أنشده أبو العباس بن محمد بن- يزيد، وأحمد بن يحي فيما
رأيت من مالية إنّما فيهما ألا يتابعه، وكذا أنشده أبو
الفرح، وأبو علي العافي، وغيره، وذكر الحافظ أبو القاسم
الجوزي فيما رويناه عنه في كتاب الترغيب والترهيب: أنَّ
قول المؤذِّن الله أكبر أي: الله أعظم، وعمله أوجب،
فاستعملوا بعمله واتركوا غيره، وقوله أشهد أن لا إله إلا
الله أي: أشهد أنه واحد لا شريك له، ومعناه أنّ الله
يأمركم بأمر فاتبعوه (2) فأنه لا ينفعكم أحد إلا الله، ولا
ينجيكم أحد من عذابه/إن لم تؤدوا أمره، وقوله أشهد أن
محمدا رسول الله أي: أشهد أنّ محمدا أرسله أبيكم لتؤمنوا
به وتصدقوه، ومعناه: قد أمركم بالصلاة والجماعة فاتبعوا ما
أمركم به، وقوله حي على الصلاة أي: أسرعوا إلى أداء
الصلاة، ومعناه: حان وقت الصلاة فلا تؤخّروها عن وقتها،
وقوله حي على الفلاح أي: أسرعوا إلى النجاة والسعادة،
ومعناه أن الله تعالى قال وقوله: الله أكبر أي: الله أعظم
وأجلّ، وعمله أوجب فلا تؤخِّروا عمله، وقوله لا إله إلا
الله أي: اعلموا أنه واحد لا شريك له، ومعناه أخلصوا أو
ابتغوا بصلاتكم وجه الله تعالى.
__________
(1) قلت: وكذا لم أجده حديثا.
(2) قوله: "فاتبعوه" وردت "بالأصل" "فاتبعني" وهو تحريف،
والصحيح ما أثبتناه.
(1/1111)
114- باب السنة في
الأذان
حدثنا هشام بن عمار نا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد
مؤذن رسول الله صلي الله عليه وسلم علي قال: حدثني أبي عن
أبيه عن جدّه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أمر
بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه، وقال له: أنه أرفع لصوتك
(1) هذا حديث أشار أبيه البخاري (2) في صحيحه بقوله:
{ويذكر عن بلال أنه جعل أصبعيه في أذنيه} ولما ذكر
الإشبيلي. حدثنا بهذا الإِسناد من عند أبي أحمد أتبعه
بقوله: حديث أبي داود (3) والترمذي (4) أصح- يعني الذين في
معنى ذلك الحديث- وهو حديث الاستدارة في الأذان، وسيأتي إن
شاء الله تعالى قال أبو الحسن فإن كان هذا الكلام منه
تضعيفا- وهو الظّن- فاعلم أن علّته هي أن عبد الرحمن
المذكور وأباه وجدّه كلّهم لا يعرف له حال، وفي باب عبد
الرحمن ذكره أبو أحمد/وعنده مجهولة كما قلناه. انتهى
كلامه، وفيه نظر في موضعين، الأول: أبو محمد نفسه بيّن ضعف
هذا الإسناد في موضع آخر من هذا الباب بعينه، فلا حاجة إلى
تحرص أبي الحسن وظَنّه، وذلك أنه لما ذكر حديث أمر بلال أن
يجعل أصبعيه في أذنيه: واتبعه ولم يذكر أبو أحمد في عبد
الرحمن هذا جرحًا ولا تعديلا، وأما ابن حاتم فذكر تضعيفه
عن ابن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/710) . في الزوائد: رواه
الترمذي بإسناد صححه. وإسناد المصنف ضعيف لضعف أولاد سعد.
والطبراني في الصغير (2/142) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف
ابن ماجه (ح/149) انظر: الإرواء (231) ، والمشكاة (653) ،
والروض (333) ، والثمر المستكاب.
(2) رواه البخاري "تعليقا" في: الأذان، باب (19)
(3) حسن. رواه أبو داود: (ح/520) . ولفظه: "عن عون بن أبي
جحيفة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم بمكة
وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج بلال فأذن فكنت أتتبع فمه
ههنا وههنا، قال: ثم خرج رسول صلي الله عليه وسلم وعليه
حلفة حمراء بُرُوى يمانية قِطري، وقال موسى قال: رأيت
بلالا خرج إلى الأبطح فأذّن، فلما بلغ حي على الصلاة، حي
على الفلاح، لَوَى عُنقه يمينا وشمالا ولم يستدر، ثم دخل
فأخرج العنزة، وصدق حديثه.
(4) رواه الترمذي: (ح/197) . وقال: (وهذا حديث حسن صحيح)
وعليه العمل عند أهل العلم: يستحبون أن يُدخل المؤذن
أصبعيه في أذنيه في الأذان.
(1/1112)
معين، فهذا كما ترى أبو محمد بينّا حاله
عندها، وذهل عنها أبو الحسن، وفي قول ابن معين في عبد
الرحمن: ضعيف يعني: بالنسبة إلى غيره لأنه ليس جرحا مفسدا
لا سيما وقد عارضه من نصّ على عدالته وهو أبو حاتم بن
حبّان، وزعم أبو إسحاق الصيرفي أنّ أبا عبد الله الحاكم
ذكر له في مستدركه حديثا صحّح إسناده، وروى عنه جماعة،
منهم معن بن عيسى وعبد الله بن الزبير الحميدي ومعلي بن
منصور وإبراهيم بن موسى وعبد الرحمن المديني ويعقوب بن
حميد بن كاسب وإسماعيل بن أبي عويس ومحمد بن الحسن
المخزومي في آخرين، فيما ذكره أبو نعيم وغيره فذال عنه
بحمد الله تعالى جهالة الحال والعين كما ترى، الثاني: عمار
بن سعد ذكره ابن منده في كتاب الصحابة، وزعم أنّ له رؤية،
وأبي ذلك أبو نعيم بقوله: إذ ذكره في كتاب الصحابة له رؤية
فيما ذكره بعض المتأخرين وأخرج له هذا الحديث من حديث عبد
الرحمن بن سعد، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن
سفيان، ثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الرحمن، حدثني أبي عن
جدّي أن رسول الله كله: " كان إذا خرج إلى العيد سلك على
دار سعد بن أبي وقاص، ثم على أصحاب الفساطيط (1) قال
الحافظ: وجدّه هو/سعد، وليس لعمار صحبة ولا رواية، إلا عن
أبيه سعد، وحدّث به عن ابن كاسب مجودّا غير واحد، منه ما،
ثنا سليمان، ثنا عليه بن سعيد، ثنا يعقوب بن كاسب، ثنا عبد
الرحمن بن سعد عن عمّار بن سعد عن عبد الله بن محمد بن
عمار بن سعد وعن عمار وعمر بن سعد أبنى حفص بن عمر بن سعد
عن آبائهم عن أجدادهم عن سعد القرط أن النبي- عليه
السلام-: ما كان يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في المطر
لما (2) انتهى، ولقائل أن يقول: الذي قاله ابن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/1298) . في الزوائد: هذا
الإسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن وأبيه، كما نبه عليه في
الزوائد. والطبراني في الصغير، (2/142) . وضعفه الشيخ
الألباني. ضعيفة ابن ماجه (ح/266) انظر: الروض/335.
غريبه: قوله: "الفساطيط" هي الخيام الكبيرة، ويظهر أنها-
هنا- كانت لعرض البضائع، والسلع على الناس.
(2) رواه مالك في: السفر، (ح/5) .
(1/1113)
مندة لا يدفعه ما ذكره أبو نعيم لأنا عهدنا
الصحابة المشهورين بالصحبة رووا عن التابعين، لهذا فلمّ
يقل ابن مندة أن له صحبة، إنما قال: له رؤية وبينهما فرق
معلوم، وإن كانت اسم الصحبة شاملة لهما فيما ذكره أبو عمر
وغيره، فيجوز أن يروى حديثَا واحداَ مرفوعاَ عن النبي وآخر
عن التابعين، ولا سيما والحديث المستشهد به على صحبة ليس
هو المستشهد به على نفيها- والله تعالى أعلم-، ولئن سلمنا
لأبي نعيم قوله: لا صحبة له، وأنه في عداد التابعين الذين
ينظر في حالهم، فنظرنا في ذلك فوجدنا الحافظ أبا حاتم
البستي ذكره في كتاب الثقات ووصفه برواية ابنه سعد عنه،
وزاد ابن سرور عمر بن حفص أيضَا، وزاد ابن أبي حاتم: عمر
بن عبد الرحمن بن أسيد بن زيد بن الخطاب، وزاد البخاري في
الكبير: محمد بن عمار بن حفص، وقد وقع لنا هذا الحديث من
طريق صحيحة على شرط البستي رواها أبو الشيخ عن محمد بن عبد
الله بن رستة وابن أبي عاصم قالا: ثنا ابن كاسب ثنا عبد
الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد وعمر وعمار بن حفص عن
آبائهم/عن أجدادهم عن بلال أن النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- قال له: {إذا أذنت فاجعل إصبعيك في أذنيك فأنه أرفع
لصوتك} (1) عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرط وثقة وأباه ابن
حبان، وذكر البيهقي في كتاب المعرفة حديثَا لعمر بن حفص
وحسنه، ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث هشام بن
عمار ثنا عبد الرحمن بن سعد حدثني أبي عن جدّه بلفظ: {أنّ
رسول الله صلي الله عليه وسلم} أمر بلالا أن يدخل أصبعيه
في أذنيه قال: فأنه أرفع لصوتك " (2) " وأن بلالا كان يؤذن
مثنى مثنى " وتشهّده مضعف وإقامته مفردة (3) ، و"قد قامت
الصلاة" مرة واحدة وأنه: " كان يؤذن للجمعة على عهد رسول
الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا كان الفيء مثل الشراك
" (4)
__________
(1) تقدم. ص 1112 الحاشية رقم (1) (2) الحاشية السابقة.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/731) . في الزوائد: إسناده
ضعيف، لضعف أولاد سعد. ومعناه في صحيح البخاري
ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/1101) .
(4) ضعيف. أورده الهيتمي في ومجمع الزوائد، (2/183) وعزاه
إلى الطبراني في (الكبير) وفيه.
(1/1114)
وأن النبي صلي الله عليه وسلم: "كان إذا
خرج إلى العيد سلك على دار سعد بن أبي وقاص، ثم على أصحاب
الفساطيط ثم يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم يكبر في الأولى
سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة، ثم خطب
على الناس، ثم انصرف من الطريق الآخر من طريق بنى زريق،
وذبح ضحية عند طرف الزماق بيده بشفرة، ثم يخرج إلى دار
عمار بن ياسر ودار أبي هريرة إلى البلاط (1) وكان عليه
السلام يذهب ماشيا ويرجع ماشيا " (2) وكان عليه السلام
يكبر بين أصفاف الخطبة، ويكثر التكبير بين أصفاف الخطبة،
ويكثر في خطبة العيدين (3) {وكان عليه السلام إذا خطب في
الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا} (4) ،
ووجدنا الحديث شاهدا صحيحا رواه أبو عبد الله/في مستدركه
من حديث أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق عن سفيان عن عون بن
أبي جحيفة عن أبيه قال: "رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه
هاهنا وهاهنا وإصبعيه في أذنيه، ورسول الله- صلى الله عليه
وآله وسلم- في قبة حمراء من أَدَم " الحديث قال وهو صحيح
على
__________
= عبد الرحمن بن سعد بن عمار وهو ضعيف. وضعفه الشيخ
الألباني. "ضعيف ابن ماجة" (ح/227) .
غريبة: قوله: " الشراك" أحد سيور النّعل التي تكون على
وجهها، ويخرج من جانبها الإِبهام.
1) تقدم ص 1113 الحاشية رقم (1) ، قوله: "البلاط" بالفتح،
الحجارة المفروشة في الدار غيرها. واسم لموضع بالمدينة.
(2) رواه الطبراني (10/357) وإتحاف (3/389) .
(3) صحيح. رواه أبن ماجة (ح/1287) والحاكم (3/607) وصححه.
وصححه الشيخ الألباني.
(4) ضعيف. رواه أبن ماجة (ح/1107) والبيهقي 6/31، 2)
والقرطبي 115/181) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة
(ح / 228) ، والضعيفة 9681) ، والروض النضير 3361) .
(5) صحيح. رواه الترمذي (ح/197) . وقال: هذا حديث حسن
صحيح. ورواه الحاكم من حديث أبي حنيفة بألفاظ زائدة، وقال:
قد أن أخرجاه إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الآن سبعين في
الأذنين والاستدارة، وهو صحيح على شرطهما.
غريبه: يمينا وشمالا. و" الأدم" لما بالهمزة والدّال
المهملة المفتوحتين، وهو جمع " أديم "، وقيل: اسم جمع،
والأديم: الجلد ما كان، وقيل: الأحمر، وقيل: هو المدبوغ.
(1/1115)
شرطهما جميعًا، وهما سنتان مسنونتان، وقال
الترمذي: وخرجه من حديث
سفيان عن عون: هذا حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل
العلم، يستحبون أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان،
وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا يدخل أصبعيه في
أذنيه، وهو قول الأوزاعي عن عون عن أبيه قالَ:) رأيت بلالا
يؤذن وقد جعل أصبعيه في أذنيه،. قال: باب إدخال الإصبعين
في الأذنين عند الأذان: إن صح الخبر فإن هذه اللفظة لست
أحفظهما ألا عن حجاج بن أرطأة، ولست أفهم اسمع الحجاج هذا
الخبر من عون أم لا! فأنا أشك في صحة هذا الخبر لهذه
العلة، ورواه أبو عوانة الإسفراييني عن عمر بن شيبة ثنا
عمر بن علي بن مقدم عن الحجاج بن أرطأة عن عون، وكذا أخرجه
أبو بكر البزار في مسنده من حديث أبي عوانة عن حجاج، ورواه
الطوسي من حديث الدرقي ثنا هشيم عن حجاج بن أرطأة عن عون
وقال: يقال حديث أبي جحيفة حسن صحيح. انتهى ليس هذا منه
تصحيحا لحديث (1) حجاج وإنّما أراد تصحيح حديث أبي جحيفة
في نفس الأمر، وكذلك هو صحيح الأصل، وخرجه ابن ماجه عن
أيوب بن محمد ثنا عبد الواحد بن زياد عن حجاج، وقال
البيهقي في الكبير: الاستدارة ليست في حديث أبي جحيفة/من
الطرق الصحيحة، وسفيان الثوري إنّما روى الاستدارة في هذا
الحديث عن رجل عن عون، ونحن نتوهمه سمعه من الحجاج عن عون،
والحجاج غير محتج به، ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن عون
مدرجا، وعبد الرزاق وهم في إدراجه ثم من جهة عبد الله بن
محمد بن الوليد عن سفيان حدّثني عون عن أبيه، فذكره من غير
ذكر الاستدارة ثم قال: عقبة، وبالإِسناد ثنا سفيان حدثني
من سمعه من عون: أنه كان يدور ويضع يديه في أذنيه، قال
العدني يعني بلالا قال البيهقي: وهذه رواية ابن أرطأة عن
عون قال وقد روينا من حديث قيس بن الربيع عن عون:
الاستدارة، ووضع الإِصبعين في الأذان، ورواه حماد بن سلمي
عن عون مرسلا لم يذكر أباه. انتهى، ولقائل أن يقول: أنها
ليست في الطرق الصحيحة فليس
__________
(1) قوله: "حديث" غير واضحة "بالأصل"، وكذا أثبتناه.
(1/1116)
صحيحا لما أسلفناه من عند الحاكم والترمذي
وغيرهما، ولأن أبا نعيم رواه في مستخرجه عن أبي أحمد ثنا
المطرز ثنا بندار ويعقوب ثنا ابن مهدى يا سفيان عن عون،
فذكر استدارته وجعل الإصبعين في أذنيه، ورواه أبو عوانة في
صحيحه عن يوسف القاضي عن محمد بن أبي بكر ثنا مؤمل عن
سفيان عن عون به، وفي هذا ردّ لما قاله البيهقي أيضا: وهم
عبد الرزاق في إدراجه لمتابعة مؤمل وابن مهدى (1) ، فلو
كان اعترض معترض: ما رواه أبو عوانة أيضا، نا أبو أمية ثنا
القواريري عن ابن مهدي، فلم يذكر هذه الزيادة، قلنا له:
بندار لا يقاس بغيره، لا سيما وقد تابعه يعقوب كما
قدّمناه، وقد وجدنا لسفيان/متابعا مق طريق حسنة عند
الطبراني، رواها عن الحسن بن العباس الرازي عن محمد بن نوح
الرازي عن زياد بن عبد الله عن إدريس الأودي عن عون عن
أبيه، فذكره، ورواه أبو الشيخ أيضا عن الصوفي ثنا علي بن
الجعد ثنا حماد بن سلمة ح وأنبأ أبو يعلى ثنا إبراهيم بن
الحجاج ثنا كامل ثنا حماد ح وثنا ابن ناجية نا الربيع بن
ثعلب ثنا هشيم جميعا عن عون به، وشاهدا لجعل الإصبعين في
الأذنين رواه أبو الشيخ عن محمد بن عمرو بن شهاب يا أبي
ثنا إسماعيل بن عمرو ثنا المفضَّل بن صدقة عن يزيد بن أبي
زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد، فذكر
حديثا روياه، وفيه: جعل إصبعيه في أذنيه ونادى، وقد روى
ذلك أيضا في حديث أبي محذورة. قاله ابن المنذر في كتاب
الأشراف، وزاد صاحب الغاية في شرح الهداية: أنه ضمّ أصابعه
الأربع وجعلها على أذنيه، وفي سنن الدارقطني من حديث نائل
أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: أمن أبو محذورة
ان يستدير في أذانه- نعني هذا كما ترى- ردّ لما قاله ابن
خزيمة لا تحفظ هذه اللفظة إلا عن حجاج، ولما نزعه
الشّافعيون (2) وغيرهم أنّ الاستدارة لا تجوز، وفي مصنف
ابن أبي شيبة عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين
قال: " إذا أذن المؤذن استقبل القبلة ووضع إصبعيه في
أذنيه" وثنا أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين أنه كان إذا
أذن استقبل وأرسل يديه، فإذا بلغ: حي على
__________
(1) قوله: "مهدى" غير واضحة و"بالأصل"، وكذا أثبتناه.
(2) قوله: (الشافعيون، غير واضحة "بالأصل"، وكذا أثبتناه.
(1/1117)
الصلاة والفلاح أدخل إصبعيه في أذنيه، وفي
كتاب البيهقي: وروينا عن ابن سيرين: " أن بلالا جعل إصبعيه
في أذنيه في بعض آذانه وفي الإِقامة"/وفي المستدرك عن ابن
المبارك أنه كان إذا رأى المؤذن لا يدخل إصبعيه في أذنيه
يصيح به، وفي كتاب أبي نعيم الفضل: ثنا سفيان بن أبي سنان
عن سهل
أبي أسد قال: من السنة أن تدخل إصبعيك في أذنيك، ونا حسن
بن صالح
عن أبي سعد قال: رأيت سويد بن غفلة يدخل إصبعيه في أذنيه،
وثنا حبان
عن مجالد عن الشعبي قال: قلت: أضع إصبعي في أذني إذا أردت؟
قال:
نعم، كليهما أو أحدهما يجزئك، وثنا مندل عن جعفر بن أبي
المغيرة قال:
كان سعيد بن جبير إذا أذن يجعل إصبعيه في أذنيه - أو على -
أذنيه قال:
وسمعت شريكَا قيل له: يجعل المؤذن إصبعيه في أذنيه، قال:
نعم، وفي
كتاب الأشراف. وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق والنعمان ومحمد
بن
الحسن، وقال مالك: ذلك واسع، حدثنا محمد بن المصفي الحمصي
ثنا بقية عن مروان بن سالم عن عبد العزيز بن أبي داود عن
نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "
خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين: صلاتهم
وصيامهم " (1) هذا حديث في إسناده مروان بن سالم، وهو ضعيف
متروك الحديث ماله عند أحد من الأئمة، وفي كتاب المعرفة من
حديث ابن المديني:
نا محمد بن أبي عدي عن يونس عن الحسن قال رسول الله صلي
الله عليه وسلم: " المؤذنون أمناء الناس على صلاتهم
وحاجتهم - أو حاجاتهم - " (2) وفي السن للبيهقي: عن أبي
محذورة، قال عليه السلام: " أمناء المسلمين على صلاتهم
وسجودهم المؤذنون " (3) في سنده يحيى بن عبد الحميد، وفيه
كلام، وفي صحيح أبي حاتم البستي من حديث نافع بن سليمان:
عن/محمد بن أبي
__________
(1) موضوع. رواه ابن ماجه (ح/712) والمشكاة (688) وتلخيص
(11/83) والكنز (20909) والخطيب (11/337) والحلية (8/198)
.
وقال الشيخ الألباني موضوع. انظر: ضعيف ابن ماجه (ح/712)
والضعيفة (ح/905) .
(2) صحيح. رواه الشافعي (33) وتلخيص (1/183) .
(3) ضعيف. رواه البيهقي (1/426) والجوامع (4479) والكنز
(20896) والإرواء (1/239)
(1/1118)
صالح عن أبيه أنه سمع عائشة تقول: قال عليه
الصلاة والسلام: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " (1) ثم
قال: سمع هذا الخبر أبو صالح عن عائشة على حسب ما ذكرناه،
وسمعه من أبي هريرة مرفوعا، فمرة حدّث به عن عائشة، وأخرى
عن أبي هريرة، وتارة وقفه عليها، ولم يرفعه، فأما الأعمش
فأنه سمعه من أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا، وسمعه من سهيل
عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، وقد وهم من أدخل بين سهيل
وأبيه فيه الأعمش لأن الأعمش سمعه من سهيل لا أنّ سهيلا
سمعه من الأعمش، لذا حكم بصحّة هذين الحديثين، وقد خالفه
في ذلك غير واحد منهم أبو عيسى، فقوله: ورواه الثوري وحفص
بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة،
وروى أسباط عن الأعمش قال: حديث عن أبي صالح عن أبي هريرة،
وروى نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة
عن النبي - عليه السلام - هذا الحديث، وسمعت أبا زرعة
يقول: حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن
عائشة، وسمعت محمدا يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصح،
وقال ابن المديني: لم يثبت حديث أبي صالح عن أبى صالح عن
أبي هريرة، ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا. انتهى
السبب الموجب لضعف حديث الأعمش عن أبي صالح هو انقطاع ما
بينهما، وإن كان قد سمع منه أحاديث ودلس عنه أشياء. ذكره
الكرابيسي
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/517) والترمذي (ح/207) وأحمد
(2/232، 284، 382، 419، 424، 461، 472، 5/260، 6/65) وشهاب
(234) وعبد الرزاق (1838) وابن خزيمة (1528) والطبراني فيه
الكبير، (8/343) وفي " الصغير " (1/107، 214، 2/13) وشرح
السنة (2/279) والمشكاة (663) والخطيب (3/242، 4/388،
6/167، 9/413) وابن حبان (363،362) ومشكل (3/52، 53، 56)
والحلية (8/118) والترغيب (1/176) .
وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/231) . قال الخطابي في
المعالم (1/156) : " قال أهل اللغة: الضامن في كلام العرب
معناه الراعي، والضمان معناه الرعاية.. والإمام ضامن:
بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل:
معناه ضامن الدعاء بعضهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس
الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء. وقد تأوله قوم
على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال، وكذلك
يتحمل القيام أيضا إذا أدركه راكعا ".
(1/1119)
في كتاب المدلسين، وحتى قال أحمد فيما حكاه
عنه الميموني: الأعمش عن أبي صالح منقطع، وهذا ينبغي أن
يأؤل على حديث خاص سئل عنه أحمد/، فيوضح ذلك قول عباس عن
ابن معين: قال سفيان الثوري لم يسمع هذا الحديث إّلا عن
ابن أبي صالح، وفي كتاب أبي داود: ثنا أحمد نا محمد بن
فضيل ثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح، وثنا الحسن بن علي
ثنا ابن نمير عن الأعمش قال: نبئت عن أبي صالح، ولا أراني
إّلا قد سمعته منه، وذكر البلخي عن محمد بن الصباح أنه لم
يسمعه من أبي صالح، ولما ذكر ابن حبان في صحيحه خبر الأعمش
عن أبي صالح عن أبي سعيد: " يجاء بالموت كأنه كبش أملح "
قال فبكيناه لأنه ليس متصل، قال شجاع بن الوليد عن الأعمش:
سمعتهم يذكرون عن أبي صالح، فهذا كما ترى مدلس صرّح
بالانقطاع، ودخول الواسطة، فلا يقبل خبره إجماعًا إلا على
رأي من يرى قول ابن حبان سمع حسبت مقدم على من بقى، وقال
البيهقي: لم يسمعه من أبي صالح بيقين إنّما سمعه من رجل
عنه، وقد رواه عن أبي صالح أيضًا عن محمد بن حجارة، قال
ابن عدي: وهذا لا يرويه عن ابن حجارة غير الحسن بن أبي
صالح، وهو متروك، ورواه أحمد في مسنده عن قتيبة عن
الدراوردي عن سهيل عن أبيه به، وهو إسناد على شرط مسلم،
ولا نعلمه ما رواه الطبراني عن فضيل بن محمد المغطى عن
موسى بن داود الطيبى عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن
أبي صالح عن أبي هريرة عن عائشة به، لضعف هذا الإسناد،
وأما سبب تضعيف حديث عائشة، فلأن محمد بن أبي صالح غير
معروف، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: لا أعلم لسهيل
وعباد بن أبي صالح إلا ما رواه حيوة بن شريج عن نافع عن
محمد بن أبي صالح فذكر الحديث، قال والأعمش رواه عن أبي
صالح عن أبي هريرة فذكره/قلت: فأيهما أصح؟ قال: حديث
الأعمش، ونافع ليس بقوى قلت محمد هو أخو عبّاد؟ قال: كذا
يروونه، وذكر ابن عدي عن ابن معين أنه قال محمد هذا لا
أعرفه، قال أبو أحمد: هذا الذي قال فيه ابن معين: لا
أعرفه، فإن كان صاحب حديث " الإمام ضامن " فأنه يرويه عن
أبيه عن عائشة، فإن عمل معلل هذا الحديث فأنه لا يصح، لأن
أهل مصر رووه عن
(1/1120)
محمد عن أبيه عن عائشة، ورواه سهيل عن
الأعمش عن أبي صالح، فالذي يصححه يقول: قد اتفق محمد وسهيل
جميعا عن أبيهما، وقال سهيل عن أبي هريرة: وهو الصحيح،
وقال محمد عن عائشة: ومن جعل محمدا أخا لسهيل فقد وهم،
وليس في ولد أبي صالح من اسمه محمد، إنّما هم: سهيل وعباد
وعبد الله ويحيى وصالح، وليس فيهم محمد - والله تعالى أعلم
-، ولقائل أن يقول: هذه شهادة على النفي فلا تقبل، فتحتاج
إلى ترجيح من خارج، فنظرنا وإذا نحن قد وجدنا راويًا عن
محمد غير نافع، وهو هشيم بن بشير، فأنه لما روى عنه نسبه
كما نسبه نافع، وهما عدلان حافظان والنسبة غيرهما، وقد
ترجم أبو حاتم الرازي باسمه في كتاب الجرح والتعديل
مفردًا، ونسبه إلى أبيه من غير تردد (1) ، وكذلك ابن حبان
في كتاب الثقات بعد وصفة إيَّاه بالخطأ، وفي تاريخ البخاري
الكبير: محمد بن ذكوان وهو محمد بن أبي صالح السمان أخو
سهيل مولى جويرية بنت الأحمس العطفاني، حدّث فيه عن أبي
مريم نا موسى بن يعقوب نا عباد، ابن أبي صالح، وكذا ذكره
الحافظ أبو بكر بن مردويه في كتاب أسماء أولاد المحدثين
تأليفه ونسبه مدنيًا، ولما ذكره الفسوي في تاريخه عرفه
بآخر وسهيل وعباد. قرأت على/المعمر شرف الدين أبي زكريا
المقدسي - رحمه الله - عن العلامة بهاء الدين المصري عن
الحافظ ابن طاهر التعري قال: أنبأ أبو الحسن المبارك بن
عبد الجبار في صفر سنة ست وثمانين وأربع مائة أنبأ أبو
الحسن أحمد بن محمد بن أحمد القبيقي قراءة عليه أنبأ أبو
بكر محمد بن عدي بن علي بن عدي ثنا علي بن عدي بن زجر ثنا
أبو عبيد الآجري في شهر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين نا
أبو داود بجميع كتاب الإخوة الذين يروى عنهم الحديث، فذكر
جماعة، ثم قال: سهيل بن أبي صالح وصالح بن أبي صالح ومحمد
بن أبي صالح وعباد، ويقال عبد الله بن أبي صالح، وكذا ذكره
الحافظ عبد الغنى بن سعيد في كتاب " كنى الأباء والأجداد
الغالبة على الأسماء "، وأبو زرعة الدمشقي في كتاب "
الإخوة " من تأليفه ذكره كذلك فيتبين لك بمجموع ما
__________
(1) قوله: " تردد " وردت " بالأصل " " فترى "، وهو تحريف،
والصحيح ما أثبتناه.
(1/1121)
سلف صحة هذين الحديثين، ولا علة ما وجه
فيهما - والله تعالى أعلم -، وحديث عبد الله بن عمر - رضى
الله تعالى عنهما - مرفوعا: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن
" (1) الحديث ذكره ابن عدى في الكامل من حديث الكرسي عن
أزهر عن ابن عون عن نافع عنه، وحديث أنس بن مالك مرفوعاً:
" الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " ذكره أيضا من حديث بقية
عن ثور بن - يزيد عن أبان عنه، وقال: لم يجوز إسناده غير
ابن مصفي عن بقية عن ثور، ورأيت غير ابن مصفي رواه عن بقية
عمن حدّثه عن النبي، مرسل الحسن أن النبي صلي الله عليه
وسلم قال: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " الحديث ذكره
البيهقي من حديث ابن أبي عدى أنبأنا يونس عنه وفي لفظ: "
المؤذنون أمناء الناس على صلاتهم وحاجتهم " (2) /أو قال "
حاجاتهم " قال: وقد روى ذلك عن يونس عن الحسن عن جابر،
وليس بمحفوظ، وروى في ذلك عن
أبي أمامة، يعني ما رواه هو من حديث ابن المديني ثنا روح
بن عبادة نا حماد بن سلمة أنبأ أبو محمد بن غالب سمعت أبا
أمامة فذكره بزيادة:
" والأذان أحب إلي من الإِمامة "، وحديث أبي محذورة: قال
رسول الله
صلي الله عليه وسلم: " أمناء الناس على صلاتهم وسجودهم
المؤذنون " (3) رواه أيضا من حديث الجياني عن إبراهيم بن
عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه،
وحديث ابن عمر يرفعه: " من أمّ قومَا فليتق الله، وليعلم
أنه ضامن مسئول لما ضمن إن أحسن كان له من الأجر مثل أجر
من صلى خلفه من غير أن ينتقص من أجورهم شيئَا " (4) وما
كان من نقص فهو عليه، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه
عن أبي الحوراء إلا أبو الفضل يحي، ولا عنه
__________
(1) تقدم ص 1119 الحاشية رقم (1) .
(2) صحيح. رواه الشافعي (33) وتلخيص (1/183) .
(3) صحيح. رواه البيهقي (1/426) والجوامع (4479) والكنز
(20896) والإرواء (1/239) . قلت: والحديث الأول شاهد
للثاني.
(4) ضعيف الترغيب (1/310) والكنز (20402) وإتحاف (3/173)
والمجمع (2/69) وعزاه إلى الطبراني فيه الأوسط، وفيه معارك
بن عباد، ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة والدارقطني، وذكره
ابن حبان في الثقات.
(1/1122)
ألا المعارك بن عباد، تفرد به يوسف بن
الحجاج، وحديث جابر يرفعه: الإِمام ضامن فما صنع فاصنعوا
(1) ذكره أيضا وقال: لا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد.
تفرد به الحميدي، يعني عن موسى بن شيبة من ولد كعب بن مالك
عن محمد بن كليب عنه. حدثنا محمد بن مثنى نا أبو داود نا
شريك عن سماك عن جابر بن سمرة قال: " كان بلال لا يؤخّر
الأذان عن الوقت، وربما أخر الإِقامة شيئا (2) . هذا حديث
لما رواه أبو عيسى في جامعه عن أحمد بن منيع عن شريح بن
النعمان عن حماد بن سلمة عن سماك فيما ذكره ابن عساكر
والمزي، ولم أره في المكان الذي أشار أبيه لم يتبعه كلامًا
وهو سند صحيح على رسم مسلم، ولفظه في المستدرك، وخرجه/من
حديث إسرائيل عن سماك كان بلال يؤذن ثم يمهل فإذا رأى
النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد خرج أقام الصلاة،
وقال: صحيح (3) على شرط مسلم، ولم يخرجاه إنما ذكر مسلم
حديث زهير عن سماك: كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس، ولا
يقيم حتى يخرج، فإذا خرج قام حتى يراه (4) ولفظ أبي الشيخ
ورواه من حديث شريك: " كان بلال يؤذن للظهر إذا دحضت
الشمس، ورَّبما أخَّر الإِقامة ولا يؤخر الأذان عن الوقت
وشاهده حديث علي بن أبي طالب: " كان رسول الله صلي الله
عليه وسلم يكون في المسجد حين تقام الصلاة فإذا رآهم قليلا
جلس ثم صلى، وإذا رآهم جماعة صلى " خرجه الحاكم من حديث
داود بن رويشد عن الوليد بن مسلم ابن جريج عن موسى بن عقبة
عن نافع بن جبير عن مسعود - يعني ابن الحكم الزرمي- عنه
__________
(1) ضعيف. رواه ابن عساكر في (التاريخ ((6/363) والخطيب
(8/332) والمتناهية (1/439) والمجمع (2/66) وعزاه إلى
الطبراني في (الأوسط، وفيه موسى بن شيبة من ولد كعب بن
مالك، ضعفه أحمد، ووثقه أبو حاتم في الثقات.
(2) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/713) . وصححه الشيخ الألباني.
الإرواء (1/243) .
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/537) .
(4) صحيح. رواه مسلم " في المساجد "، (ح/160) وأحمد
(5/106،91) .
(5) رواه الحاكم: (1/202) .
(1/1123)
قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه،
وفي كتاب البيهقي من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز وعاصم
عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم أبي الثغر مرسلا
وإسناده جيّد، وحديث جابر ابن عبد الله أن رسول الله - صلي
الله عليه وسلم - قال لبلال: (إذا أذّنت فترسل في أذانك،
وإذا أقمت فاحذر واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ
الأكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء
حاجته) رواه الحاكم (1) أيضا عن أبي بكر بن إسحاق أنبأ على
بن عبد العزيز نا على بن حماد بن أبي طالب ثنا عبد المنعم
بن نعيم الرماحي ثنا عمر بن فايد الأسواري نا يحيى بن مسلم
عن الحسن وعطاء عنه، وقال: هذا حديث ليس في إسناده مطعون
فيه غير عمرو بن فايد والباقون شيوخ البصرة/وهذه سنَّة
غريبة لا أعرف لها إسناداً غير هذا ولم يخرجاه، وقال أبو
عيسى: حديث جابر هذا لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث
عبد المنعم، وهو إسناد مجهول، وبمثله قاله أبو علي الطوسي
في أحكامه، وقال البغوي: هذا حديث ضعيف الإِسناد وهو في
أدب الأذان حسن، وقال البيهقي في الكبير: في إسناده نظر
انتهى، وفي كلام الحاكم: نظر في موضعين: الأول: قوله ليس
في إسناده مطعون فيه، وعبد المنعم بن نعيم طعن فيه أبو
حاتم الرازي بقوله منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر
الحديث جدًا لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني: ضعيف،
وقال البخاري: منكر الحديث، وذكره أبو جعفر في كتاب
الضعفاء، وقال الساجي: كان ضعيفا وإن كان ابن سعد قال: هو.
ثقة - إن شاء الله تعالى -، وقال أبو الحسن: كان بصريًا
تقه، وأمّا يحيى بن مسلم أبو مسلم البكاء البصري وإن كان
ابن سعد قال: هو ثقة- إن شاء الله تعالى-، وقال أبو الحسن:
كان بصريا ثقة، فأنه لما سئل عنه أبو زرعة قال: ليس بقوى،
وقال أبو حاتم: شيخ قيل له أيهما أحب أليك هو أو أبو حباب
قال: لا هذا ولا هذا، قيل له: إذا
__________
(1) ضعيفة: رواه الحاكم (1/204) والترمذي (ح/195) . وقال:
حديث جابر هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث
عبد المنعم، وهو إسناد مجهول. والمشكاة (647) ونصب الراية
(1/275) وتلخيص (1/200) والميزان (9878) وتذكرة (35)
وجرجان (154)
(1/1124)
لم يكن في الباب غيرهما عن أيهما يكتب قال:
لا يكتب عنه شيء وقال القواريري: لم يكن يحيى يرضاه ابن
معين وليس بذاك، وفي رواية البرقي: ضعيف، وفي رواية عباس
بشر بن حرب: أحبّ ألي من مائة مثل البكاء وذكره العقيلي في
الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان وأثنى عليه لثناء أبو
القاسم البلخي، وذكر عن محمد بن واسع أنه عص منه وقال أبو
عبد الرحمن النسائي والأزدي: متروك الحديث، وقال علي بن
الجنيد: هو مختلط، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان:
يروى/المعضلات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن
السمعاني: كان يروى المعضلات والمناكير، وذكره أبو العرب
في كتاب الضعفاء وأبا عمر بن فايد فرماه جماعة بالوضع منهم
علي بن المديني، ولما رواه أبو القاسم في الأوسط خرج فيه
عن عبد المنعم بن نعيم الرماحي قال ثنا يحيى فإن صحت هذه
اللفظة يكون سمعه منه، وعنه- والله تعالى أعلم- الثاني:
استغرابه حديث السُنَّة، وقد رواها علي بن أبي طالب عند
الدارقطني من طريق عمرو بن سمر قال: " كان رسول الله - صلي
الله عليه وسلم - يأمرنا أن نرسل الأذان ونحدر الإقامة "
(1) ولما ذكره في الأوسط قال: لم يرو هذا الحديث عن عمرو
بن شمر إلا أبو معاوية، ولا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد،
وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم نا مرحوم بن عبد العزيز عن أبيه
عن أبَي الزبير مؤذن بيت المقدس قال: جاءنا عمر بن الخطاب
- رضي الله تعالى عنه - فقال: " إذا أذنت فترسَّل، وإذا
أقمت فاحدر " (2) . رواه الثوري وشعبة عن مرحوم، وثنا ابن
أبي زرعة عن ابن أبي
__________
(1) رواه الدارقطني (1/238) والإرواء (1/245) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي (ح/195) . وقال: حديث جابر هذا
حديث لا نعرفه ألا من هذا الوجه. والبيهقي (1/428) والحاكم
(1/204) من طريق عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم
عن الحسن وعطاء عن جابر، فذكره، وقال: هذا حديث ليس في
إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، والباقون شيوخ البصرة،
وهذه سنة غريبة، لا أعرف لها إسناد غير هذا، ولم يخرجاه،
وتعقبه الذهبي فقال: (قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك،.
والمشكاة (647) ونصب الراية (1/275) وتلخيص (1/200)
والميزان (9878) وتذكرة (35) وجرجان (154) .
غريبة: قوله: " فاحدر"، بإسكان الحاء وضم الدال المهملتين،
أمر من الفعل الثلاثي، يقال:
(1/1125)
جعفر عن ابن عمر أنه كان يرتل في أذانه
ويحدر الإِقامة وثنا مسعر عن عائشة أن النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم-: (كان إذا أقام المؤذن وهو يأكل لم يقم
حتى يفرغ من طعامه) . (1) رواه أبو القاسم في الأوسط عن
أحمد بن محمد بن صدقة ثنا أحمد بن سليمان الرحاوي ثنا
معاوية بن هشام، نا سفيان عن هشام عن أبيه عنها وقال لم
يروه عن سفيان إّلا معاوية، وحديث أبي هريرة أن رسول الله-
صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " يا بلال اجعل بين أذانك
وإقامتك نفسَا قدر ما يفرغ الأكل من طعامه على مهل، ويقضى
المعتصر حاجته في مهل " (2) سأل/أبو طالب أبا عبد الله عنه
وأنكره إنكارا شديدا، وقال معارك وبن عباد العبدي: يعني
رواية عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة: لا
أعرفه، وعبد الله بن سعيد أبو عباد منكر الحديث متروك
الحديث، وقال البيهقي: وقد روى عن أبي صالح عن أبي هريرة
مرفوعا وليس بمحفوظ، وفي زيادات عبد الله في المسند أخبرنا
حفص بن عمر الرماني نا محمد بن راشد الضرير ثنا معارك بن
عباد عن يحيى الباهلي عن ابن بنت أبي الجوزاء عن أبى بن
كعب قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- لبلال:) اجعل
بين آذانك وإقامتك قدر ما يقضى المعتصر حاجته ويفرغ الأكل
من طعامه ((3) ، وحديث سلمان أن النبي- صلي الله عليه وسلم
- قال لبلال: " اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا حتى يقضى
المتوضئ حاجته في مهل أو يفرغ الأكل من طعامه في مهل " (4)
ذكره أبو الشيخ من حديث المعارك ابن
__________
= حدر يحدر حدورَا، أي أسرع، من باب (نصر) قال القاضي أبو
بكر بن العربي: " يسرع في الإِقامة لأنها افتتاح الصلاة
وتقدمتها، لأِعلام من حضر في المصلى، فلذلك قال: فاحذر،
يعني أسرع.
(1) بنحوه. رواه البخاري (7/107) والطبراني في الأوسط
(2/84، 90) والكنز (20055) وابن كثير (8/455) ومشكل
(2/402) والمسير (9/167) وحبيب (1/51) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد (2/4) من حديث
أبي بن كعب، وعزاه إلى عبد الله بن أحمد من زيادته من
رواية أبي الجوزاء عن أبي وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي
(3) انظر: الحاشية رقم (1) قبل السابقة، والسابقة.
(4) صحيح. المغني عن حمل الأسفار (1/175) وعبد الله بن
أحمد في " زيادات المسند "
(1/1126)
عن يحيى بن أبي الفضل أحسبه عن سلمان، وفي
السنن الكبير للبيهقي من حديث أبي النضر نحوه، وحكم عليه
بأن سنده جيد. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث
عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: " كان آخر ما عهد إلى
رسول الله " أن لا أتخذ مؤذنًا يأخذ على الأذان أجرًا "
(1) . هذا حديث قال فيه الترمذي حسن، وخرجه الحاكم من جهة
حماد بن سلمة عن الحريري عن أبي العلاء عن مطرف بن عبد
الله عنه أنه قال: " يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال:
أنت إمامهم واقتدى بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على
الأذان أجرًا " (2) ثم قال هذا حديث صحيح على
__________
= (5/143) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو
" (2/141) وصححه الشيخ الألباني راجع الصحيحة (ح/887) .
غريبة: قوله: " المعتصر، هنا هو الذي يحتاج إلى الغائط
ليتأهّب للصلاة وهو من العصر، أو العصر هو الملجأ "
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/209) . وقال: هذا حديث حسن
صحيح. وابن ماجه (ح/714) والنسائي (1/109) إسناده صحيح.
ورواه أحمد (4/217،21) كلّهم من طريق حماد بن سلمة عن سعيد
بن إياس الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير
عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص.
وصححه الشيخ الألباني.
(2) رواه الحاكم (1/99، 201) بأسانيد من طريق حماد بن سلمة
وصححه. ووافقه الذهبي. ورواه ابن ماجه نحو هذا أيضا من
طريق ابن إسحاق عن سعيد بن أبي هند عن مطرف عن عثمان بن
أبي العاص. وهذه الروايات تؤيّد رواية الأشعث عن الحسن عن
عثمان. ورواه أبو داود (ح/531) .
قال الشافعي في الأم (1/72) :) وأحب أن يكون المؤذنون
متطوعين، وليس للإِمام أن يرزقهم ولا واحدا منهم وهو يجد
من يؤذن له متطوعا، ممن له أمانة، إّلا أن يرزقهم من ماله.
ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوذه أن يجد مؤذنا أمينا
لازما يؤذّن متطوعا، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا،
ولا يرزقه ألا من خمس الخمس: سهم النبي- صلي الله عليه
وسلم -، ولا يجوز له أن يرزقه من غيره من الفيء، لأن لكله
مالكا موصوفا. قال الشافعي: ولا يجوز له أن يرزقه من
الصدقات شيئا، ويحل للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصفت
أن يرزق، ولا يحل له أخذه من غيره بأنه رزق.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة (2/12 - 13)
وأكثر علمائنا على جواز الإجارة على الأذان، وكرهها
الشافعي وأبو حنيفة. وقال الأوزاعي: يجاعل عليه ولا يؤاجر،
َ كأنه ألحقه بأجر المجهول. والصحيح جواز أخذ الأجرة على
الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية، فإن
الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله، وينيب في كل واحد منها،
فيأخذ
(1/1127)
شرط مسلم، ولم يخرجاه/ (إنما خرج مسلم) (1)
حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن المسيب عن عثمان أن
النبي- عليه السلام- قال:" إذا أممت قومَا فخفف بهم الصلاة
" الحديث، وسكت عنه الأشبيلي مصححا له وثبته ابن المنذر،
ولفظ فضيل بن عياض عن أشعث بن سوار عن أبي الشيخ: " أخر ما
عهد إلى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن قال: صلى
بأصحابك صلاة أضعفهم فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة "
(2) الحديث ولما ذكره الحميدي وابن أبي عمر العدني في
مسندهما عن فضيل لم ينسباه، ولما صححه ابن حزم نسب أشعث
أبي حمران وكأنه أشبه لضعف الأول وثقة هذا قال أبو الشيخ
ثنا البغوي نا شيبان ثنا سلام بن مسكين عن يحيى البكاء قال
سمعت رجلا قال لابن عمر: " إنى لأحبك في الله فقال له ابن
عمر إنى لأبغضك في الله فقال سبحان الله أحبك في الله
وتبغضني في الله. قال: نعم إنك لتسأل على أذانك أجرا " (3)
زاد أبو نعيم وكان مؤذنا من مؤذني الكعبة، وفي كتاب
الصحابة لأبي نعيم من طريق الليثي عن الحسن قال حدثنى
خمسون صحابيًا أن النبي- عليه السلام- نهى عن الإِقامة
والأذان بأجر قال ابن حزم: وروينا عن وكيع نا المسعودي عن
القاسم أن ابن مسعود
قال: (أربع لا يؤخذ عليهن أجر القرآن والأذان والقضاء
والمقاسم) وقد جاء في حديث أنس عن النبي- عليه السلام-: "
أجر المعلمين والمؤذنين والأئمة حرام " (4) وفي حديث ابن
عمر: نهى عليه السلام عن التعليم والأذان
__________
= النائب أجره، كما يأخذ المستنيب. والأصل في ذلك قول
النبي صلي الله عليه وسلم: " ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة
عاملي فهو صدقة،. قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/44) : "
فقاس المؤذن على العامل، وهو قياس على مصادمة النص ".
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/187) وابن ماجه (ح/988)
وأحمد (4/22) والبيهقي (3/116) والمشكاة (1134) ونصب
الراية (2/29) والكنز (20415) والحلية (100) والمنحة (627)
.
(2) لم أقف عليه.
(3) قوله: (أجرا) وردت (بالأصل) (جزءاً) ، وهو تصحيف،
والصحيح ما أثبتناه.
(4) موضوع. الموضوعات (1/229) والفوائد (277) .
(1/1128)
والأجرة فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين (1) . ولكنهما غير صحيحين حتى أن
ابن الجوزي/بالغ حتى ذكرهما في كتاب الموضوعات. قال أبو
محمد بن حزم قال تعالى: {لا تأكلوا أموَالَكم بينَكُم
بِالبَاطِلِ إلا أن تكُونَ تجَارةً عن تَرَاض منكُم} (2) .
وقال- عليه السلام-: " إنَّ دماءكم وأموالكم عَليكم حرام "
(3) فحرم تعالى أكل الأموال إلا بتجارة فكل مال حرام إلا
ما أباحه نص أو إجماع متيقن، فلو لم يأت النهى عن أخذ
الأجر على الأذان لكان حرامَا بهذه الجملة، ولا يعرف لابن
عمر في هذه القصة مخالف، قال أكثر العلماء: وجاز أن يعطى
على سبيل البر وهو قول أبي حنيفة وغيره، وقال مالك: لا بأس
بذلك قال ابن المنذر، وقال الأوزاعي: ذلك مكروه. ولا بأس
بأخذ الرزق على ذلك من بيت المال، وقال الشافعي: لا يرزق
المؤذن إلا من خمس الخمس سهم النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- قال أبو بكر ويقول أبي حنيفة: أقول، وفي كتاب
الخطابي: أخذ الأجرة على الأذان مكروه في مذاهب أكثر
العلماء ومنع منه ابن راهوية. وقال الحسن: أخشى أن لا تكون
صلاته خالصة لله تعالى، وفي مشكل أبي جعفر الطحاوي قد قال
قائل في هذا الحديث يعني حديث عثمان ما يدل على جواز أخذ
الأجر على الأذان. فكان جوابَا أنه قدر الأجرة، وقد تكون
بالإجارات المعقودات قبل الوجوب التي تستلزم المستأجر
والأجير، وقد تكوَن على المثوبات والتنويلات عليها
لفاعلها، وقد جاء القرآن العزيز بالمعنيين جميعا فقال في
الإجارات المعقودات قوله تعالى: {فإنْ أرضَعنَ لكُم
فآتوهُن أُجُورهُن وأتمرُوا بَينَكُم بمَعرُوفٍ} (4)
والائتمار لا يكون إلا عند الاختلاف فيما يقعد الإِجارات
عليه، وأمَّا ما جاء بالأجر فيما سوى ذلك فقوله عز وجلّ:
{قُلْ
__________
(1) موضوع: الموضوعات، مصدر سابق.
(2) سورة النساء آية: 29.
(3) صحيح. رواه أحمد (3/313، 485، 4/86، 306، 5/30، 37،
412) والبيهقي (3/215، 5/8، 274) والطبراني (5/316، 716)
وابن خزيمة (2809) والمجمع (3/271، 7،272/295) والحلية
(4/343) . وصححه الشيخ الألباني.
(4) سورة الطلاق آية: 6.
(1/1129)
ما أسألُكُم عَلَيِه مِن أَجْر وَمَا أَنَا
مِنَ المتُكَلفِينَ} (1) . وقوله تعالى: (قل ما
سألتكم من أجر/فهو لكم} (2) . فكان ذلك على المثوبات على
الأفعال لا على عقود إجارات كانت قبلها فكان قوله- عليه
السلام- لعثمان ما قد
ذكرناه عنه في هذا الحديث قد يكون على الأجر الذي يجعل
ثوابا، وهو بلا كما يفعل الناس بمن يفعل الأفعال الذي
يحمدونه عليها من التأذين في مساجدهم وعمرانها، واللزوم
لها فينسلوهم على ذلك ما ينال أمثالهم ليدونوا وتكون قوة
لهم عليه لا بإجارات متقدِّمات على ذلك فيكون ذلك محمودا
من فاعله، ويكون من لا يقبل ذلك بهم بعلمهم بالنسب الذي
قصد من أجله بذلك أليم أفضل من فعله بأمر النبي- عليه
الصلاة والسلام- عثمان- رضي الله عنه- أن تتخذ مؤذنا أفضل
المؤذنين، وأعلاهم رتبة في الثواب على الأذان، وترك التعوض
عليه شيئا من الدنيا، والقياس أيضا فيمنع من استحقاق الأجر
بالإجارات على الأذان، وذلك أنا وجدنا الإِجارات يملك بها
المستأجر المنافع التي بذل الأجرة عليها للأجير ملكا تبيّن
به عن دونه، وكان الأذان وما أشبهه من هذه الأشياء غير
مقدور على ذلك ألا يجور الإِجارات عليها- والله تعالى
أعلم-. وتبع ذلك أن أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن
رشد بقوله هذا الذي قاله الطحاوي: قياس غير صحيح إذ ليس من
شرط صحة الإِجارة، وجوازها اًن يملك المستأجر منافع الأجير
التي استأجره عليها أصل ذلك إجماعهم على جواز الاستئجار
على بناء المسجد، والإِجارة على الأذان جائزة
بظاهر قوله- صلي الله عليه وسلم -:) من استأجر أجيرا
فليأجره بأجر معلوم ((3) ولم يخص أذانا من غيره. حدثنا أبو
بكر/ابن أبي شيبة ثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن أبي
إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال:)
أمرني رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن أثوِّب في
الفجر، ونهاني أن أثوِّب في العشاء ((4) هذا حديث قال فيه
البزار: لا نعلمه رواه عن
__________
(1) سورة ص آية: 86. (2) سورة سبأ آية: 47.
(3) رواه البيهقي (6/120) ونصب الراية (4/1431) وإتحاف
(5/459) .
(4) بنحوه. رواه الترمذي (ح/198) من حديث بلال وقال: حديث
بلال لا نعرفه الا من حديث أبي إسرائيل الملائي. وأبو
إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة، قال:
(1/1130)
الحكم إلا أبو إسرائيل، وقال البيهقي في
المعرفة: حديث بلال منقطع، وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من
حديث أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وأبو
إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم يقال إنما رواه عن
الحسن بن عمارة عن الحكم وأبو إسرائيل ليس بذاك القوى،
وبنحوه ذكره أبو علي الطوسي في أحكامه انتهى كلامهما. وفيه
نظر من وجهين الأول: أبو إسرائيل المعصوب برأسه الجنابة،
قال فيه الإِمام أحمد: يكتب حديثه، وقال ابن معين: صالح
الحديث، وفي كتاب التاريخ للبصري عنه: لا بأس به، وفي كتاب
الكني للدولابي عنه: ثقة، وفي سؤالات الأثرم قلت لأبي عبد
الله أبو إسرائيل: يكتب حديثه، قال: نعم، وأمسك قال: قلت:
روي عن الحكم عن ابن أبي ليلى هذا الحديث يعني التثويب
قال: نعم، قلت لأبي عبد الله عن بهز: أنه حمل عليه، وزعم
أنه تكلّم في عثمان فقال أبو عبد الله: الكوفيون، الآن ثم
سكت، وقال أبو حاتم: حسن الحديث جيّد اللقاء، وقال أبو
زرعة الرازي: كوفي صدوق، وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول:
أبو إسرائيل لم يكن يكذب، وحديثه ليس مثل حديث الشيعة،
وليس فيه نكارة وحدّث عنه الثوري بحديث باليمن، وقال عمرو
بن علي: ليس من أهل الكذب، ورواه
البزار بسند لا بأس به يصلح أن يكون شاهدا لحديث أبي
إسرائيل بل هو أمتن منه وأسلم منه من الانقطاع، ومن ابن
عمارة عن علي بن حرب الموصلي ثنا أبو مسعود/عبد الرحمن بن
الحسن الزجاج ثنا أبو سعد عن ابن أبي ليلى عن بلال وقال:
هذا الحديث لا نعلمه رواه عن أبي سعد إّلا أبو مسعود يعني
الراوي عنه يحيى بن آدم ويحيى بن عبد الحميد الحمان وعبد
الله بن عمر عن أبان وأبو هاشم محمد بن علي وإسحاق بن عبد
الواحد ومحمد بن عبد الله بن عمار وابن راهويه ومحمد بن
أسباط وغيرهم، وفيما ذكره أبو زكريا يزيد بن محمد بن إياس
القاسم الأجدى في طبقات أهل الموصل، ولما ذكره الخالديان
في تاريخهما أحسنا عليه الثناء، وقول أبي حاتم الرازي فيه:
يكتب حديثه، ولا يحتج به ليس تصريحَا بضعفه، وأبو سعد
البقال وثقة: أبو أسامة،
__________
- إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة. قلت:
وعلى هذا فالحديث ضعيفة.
(1/1131)
وقال أبو زرعة: صدوق، والثاني: انقطاع ما
بين عبد الرحمن وبلال نص على ذلك: ابن أبي حاتم عن أبيه،
وأبيه أشار أيضًا البزار في مسنده، وقال البيهقي: هذا حديث
مرسل ابن أبي ليلى لم يلق بلالا وأتبعه برواية يحيى بن
جعفر عن علي بن عاصم أنبأ عطاء بن السائب ابن أبي ليلى عن
بلال، وفي سؤالات مهتأ سألت يحيى وأبا خثيمة فقلت: ثنا
أحمد ثنا علي بن عاصم فذكره فقالا ليس بصحيح، وقالا: ما
روى هذا ثقة فقلت: قال لي أحمد هذا من السماع الدارشي على
مضحكًا، وسألت أحمد عنه فقال: منكر، وفي سؤالات الميموني
ثنا أحمد ثنا أبو قطن قال: ذكر لشعبة الحكم عن ابن أبي
ليلى عن بلال الحديث فقال شعبة: لا والله ما ذكر أنّ ابن
أبي ليلى ولا إسنادًا ضعيفًا قال أظن شعبة قال كنت أراه
رواه عن عمران بن مسلم، وأما حديث سعيد بن المسيب عن بلال
المذكور عند ابن ماجة بعد فمنقطع فيما بين سعيد وعنه، وقد
وقع لهذا الحديث شواهد/غير ما أسلفناه، من ذلك: ما أنبأ به
المسند المعمر أبو زكريا يحيى بن يوسف المقدسي- رحمه الله-
أنبأكم العلامة بهاء الدين المصري عن الحافظ الثغري أنبأ
أبو رجاء الحلقاني أنبأ أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر
بن أبي علي بن الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر
بن حيان ثنا بن صبيح ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمى ثنا أبي
عن ابن إسحاق، قال: ذكر الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد
الله بن زيد قال: جاء بلال ذات غداة إلى صلاة الفجر فقيل
له: أنّ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- نام فصرخ
بأعلى صوته: " الصلاة خير من النوم" قال سعيد: فأدخلت هذه
الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر، قال أبو الشيخ: وثنا
عبدان نا محمد بن موسى الجرشي ثنا خلف الحراز يعني البكاء
قال: قال ابن عمر: جاء بلال إلى النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- يؤذنه بصلاة الصبح ورسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم- قد أغفا فجاء بلال فقال: الصلاة خير من النوم فانتبه
رسول الله صلي الله عليه وسلم:"أجعله في أذانك إذا أذنت
لصلاة الصبح" (1) وثنا إبراهيم بن علي الهاشمي ثنا الزبير
بن بكار ثنا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/716) . في الزوائد: إسناده
ثقات. ألا أن فيه انقطاعا.
(1/1132)
عبد الله بن نافع عن معمر بن عبد الرحمن
مولى قسيط عن ابن قسيط عن أبي هريرة أن النبي- صلي الله
عليه وسلم -: " أمر بلالا أن يجعل في أذانه في الصبح
الصلاة خير من النوم". وفي لفظ:) مروا أبا بكر يصلى بالناس
((1) . يعني في مرض موته- عليه الصلاة والسلام- ولما خرجه
الطبراني في الأوسط من حديث مروان بن ثوبان قاضى حمص ثنا
النعمان بن المنذر عن الزهري عن سعيد عنه، قال: لم يروه عن
الزهري عن سعيد عنه قال لم يروه/عن الزهري إلا النعمان،
تفرد به مروان، قال أبو الشيخ: وثنا عامر بن إبراهيم بن
عامر ثنا عمّى عن جدي ثنا عمرو بن صالح ثنا صالح بن أبي
الأحضر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " جاء بلال إلى
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يؤذِّنه بصلاة الصبح
فوجده نائما. فقال: "الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة
الصبح " وفي كتاب الصحيح لابن خزيمة من حديث أبي أسامة عن
ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: " من السنة
إذا أذن المؤذِّن في أذان الفجر قال: "الصلاة خير من
النوم" 2) ولما ذكره البيهقي في الكبير 3) قال: هذا إسناد
صحيح، ولفظ الدارقطني: " الصلاة خير من النوم مرتين " (4)
، وفي كتاب أبي نعيم الفضل بن دكن ثنا جعفر عن أشعث عن
الحسن وهشام عن أبيه قال: جاء بلال إلى النبي- عليه
السلام- ليؤذِّنه
__________
سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال. وصححه الشيخ الألباني
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري
ومسلم في (الصلاة، ح/94، 95، 101) والترمذي) خ/3676) وصححه
والنسائي (2/99) وابن ماجة (ح/1232، 1234، 1235) وأحمد
(2/1314،44، 0/6،96،270136،229،2) والدارمي (1/39)
والبيهقي وابن حبان (2174،367) وعبد الرزاق (9754) وابن
خزيمة (1616) وابن أبي شيبة (330،2/329) وتغليق (10521)
وأبو عوانة
(2) بنحوه. رواة ابن ماجْة (ح/718) . ولفظه:) إذا أذن
المؤذن فقولوا مثل قوله (.
(3) إسناده صحيح. رواه البيهقي: (1/422) .
(4) رواه أحمد (3/408، 409) والمجمع (1/303) والكنز
(20957، 23149) وشرح السنة (2/262) والتاريخ الكبير
(1/194) وأسرار (231) .
(1/1133)
بالصلاة فوجده نائما فقال: "الصلاة خير من
النوم فنزلت في صلاة الفجر" وثنا قيس عن إبراهيم بن عبد
الأعلى عن سويد بن غفلة قال:) كان بلال يثوب في الفجر ((1)
وثنا شريك عن عمران بن مسلم عن سويديه، وفي سنن البيهقي
الكبير من حديث نعيم بن النخام: ينادي منادي رسول الله-
صلى الله عليه وآله وسلم-: "الصلاة خير من النوم" وفي كتاب
المعرفة من حديث حفص بن عمر بن سعيد القرط: أنه سمع من
أهله أن بلالا نادى: "الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين
الفجر" لم يزل الأمر على ذلك قال أبو بكر: هذا مرسل،
والطريق إليه صحيحه، وفي ابن أبي ليلى قال ما أحدثوا بدعة
أحب إلي من التثويب في الصلاة انتهى، ولئن صحَّ هذا عن ابن
أبي ليلى أشكل على الحديث الأوَّل/لأنه هنا سمّاه بدعة،
وهناك رواه حديثا وهما لا يجتمعان اللهم إلا أن يزيد
بالتثويب ما ذكره أبو علي الطوسي عن إسحاق ابن راهوية:
التثويب شيء أحدثه الناس بعد النبي- عليه الصلاة والسلام-
إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال: "بين الأذان والإقامة
قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح"، قال ابن
المنذر وهو قول النعمان، وقال محمد بن الحسن: كان التثويب
الأوَّل بعد الأذان:) الصلاة خير من النوم (فأحدث النَّاس
هذا التثويب، وهو اختيار علماء الكوفة، وهو حسن، ويوضحه ما
ذكره أبو نعيم ثنا إسرائيل عن حكيم بن جبير عن عمران بن
أبي الجعد قال سمع الأسود مؤذنا يقول: الصلاة خير من النوم
بعدما أتمَّ فقال ويحك لا تزيدون في أذان الله شيئا، قال:
إنى سمعت الناس يقولون: قال: فلا تقول، وفي قول ابن
المنذر: وهو قول النعمان نظرة لما حكاه قاضى خان عن ابن
شجاع عنه: التثويب الأول في نص الأذان، وهو: "الصلاة خير
من النوم" مرتين، والثاني فيما بين الأذان والإقامة، وفي
المحيط: محله في أذان الفجر بعد الفلاح، قال الطحاوي: وهو
قول الَثلاثة وفي المحلي، وقال حسن بن جنى يثوب في العتمة
ولا يقول به لأنه لم يأت في سنة.
__________
(1) رواه الترمذي (ح/198) وتقدم من حديث عبد الرحمن بن أبي
ليلى. وقال الترمذي: حديث بلال لا نعرفه ألا من حديث أبي
إسرائيل الملائي. والتثويب: أن يقول المؤذن الصلاة خير من
النوم.
(1/1134)
انتهى. قد قدمنا أن النبي صلي الله عليه
وسلم نهى عن ذلك، وفي كتاب أبي الشيخ من حديث الحكم عن ابن
أبي ليلى عن بلال، قال عليه السلام: "لا تثويب في شيء من
الصلوات إلا الفجر " (1) وفي حديث يعقوب بن حميد ثنا عبد
الرحمن بن سعد المؤذن عن عبد الله بن محمد بن عمار وعمار
وعمر بن سعد بن عمر بن سعد عن أبي إبراهيم عن آبائهم عن
أجدادهم عن بلال: " أنه كان ينادى بالصبح فيقول: حي/على
خير العمل فأمر رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن
يجعل مكانها: الصلاة خير من النوم، وترك حي على خير العمل
(2) ، قال البيهقي: وهذا اللفظ لم يثبت عن النبي صلي الله
عليه وسلم فيما علم بلالا وأبا محذورة، ونحن نكره الزيادة
فيه، وقال ابن حزم: وقد صح عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل
بن حنيف أنهم كانوا يقولون في أذانهم: حي على خير العمل،
ولا يقول به لأنه لا يصح عن النبي- عليه السلام- انتهى،
الشارع صلى الله عليه وآله وسلم بيّن في نفس الحديث نسخة،
فلا حاجة بنا إذًا إلى النظر في صحته، ولا ضعفه- والله
تعالى أعلم- وفِي كتاب البيهقي: كان علي بن الحسين يقول
ذلك في آذانه ويقول: هو الأذان الأوَّل، وزعم الشيرازي في
مهذبه أن الشّافعي في الجديد كره التثويب قال: لأن أبا
محذورة لم يحكه. انتهى، وهو مردود بما قدمناه صحيحًا من
حديث أبي محذورة. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يعلى بن
عبيد ثنا الإفريقي عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث
الصدائي قال: كنت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر
فأمرني فأذّنت، فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله صلي
الله عليه وسلم: "إنّ أخا صدّاء أذّن ومن أذن هو يقيم "
(3) هذا
__________
(1) تقدم. رواه الترمذي (ح/198) والمشكاة (646) وشرح السنة
(2/264) والإرواء (1/252) . (2) 1 لكنز: (23174) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/514) والترمذي (ح/199) وقال:
وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي. والإفريقي ضعيف
عند أهل الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، قال أحمد: لا
أكتب حديث الأفريقي. قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يُقوى
أمره، ويقول: هو مُقارب الحديث. وابن ماجه (ح/717) وتلخيص
(1/209) والقرطبي. وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه
152، والإرواء237
(1/1135)
حديث قال فيه أبو عيسى: إنما نعرفه من حديث
الإفريقي والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث، ضعيف عند أهل
الحديث، وضعَّفه القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديثه،
ورأيت محمد بن إسماعيل يُقوِّي أمره ويقول: هو مقارب
الحديث، وبنحوه ذكره أبو علي الطوسي في أحكامه، ولما ذكر
أبو حاتم ابن حبان زياداً في كتاب الصحابة، وصفه
بالمتابعة، ثم قال: إلا أنَّ الإفريقي في إسناد خبره، وقال
الحافظ أبو العرب في كتاب الطبقات/إن سفيان الثوري قال: لم
يرفع هذا الحديث أحد غير ابن زياد، وذكره عبد الرازق عن
زياد، وفيه: "فأذّنت على راحلتي " قال: وفيه أيضَا
الإفريقي، ولما ذكره أبو عمر بن عبد البرّ في الاستذكار
قال هذا حديث تفرد به الإفريقي، وليس بحجة عندهم وقال
الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد الكوفي في كتاب
التفرد: إنّ أهل مصر تفردوا به، وكذا ذكره أبو داود في
كتاب التفرد، وقال الخزرجي في كتابه تقريب المدارك وذكره
في إسناد الإفريقي وهو ضعيف متفق على ضعفه وأشار البيهقي
في المعرفة إلى عدم ثبوته، وقال أبو محمد بن حزم: وجائز أن
يقيم غير الذي أذّن لأنه لم يأت عن ذلك نهى يصح، والأثر
المروي:) من أذّن يقيم (إنّما جاء من طريق الإفريقي وهو
هالك انتهى. أما من زعم أنه حديث تفرّد به الإفريقي، فيشبه
أن يكون وهما، وكذا قال: تفرد به أهل مصر، كما ذكره الحافظ
أبو منصور، ومحمد بن سعد بن محمد بن سعد البارودي في كتاب
الصحابة- تأليفه- حدثنى إبراهيم بن ميمون بن إبراهيم بن
أبي داود، ثنا محمد بن عيسى بن جابر الرشيدي قال وحديث في
كتاب أبي بخط يده عن عبد الله بن سليمان عن عمرو بن الحارث
عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم الحضري عن زياد الصدائي،
فذكره مطوَّلا، ولما ذكره العسكري في كتاب الصحابة: ثنا
علي بن الحسين ثنا علي بن عبيد العسكري ثنا أيوب بن سليمان
ثنا مبارك بن فضالة عن عبد الغفار بن ميسرة عن رجل عن زياد
الصدائي، فذكره مختصرَا: " إنّما يقيم من أذن" (1) وفي قول
ابن حبان إّلا أن في إسناد خبره- يعني خبر
__________
والمشكاة 648، والضعيفة 35، وضعيف أبي داود 82.
(1) ضعيف. رواه البيهقي (1/399) وابن أبي شيبة (1/116)
والطبراني (12/435)
(1/1136)
صحبة الإفريقي- نظر لما أسلفناه، ولما ذكره
أيضا الحافظ أبو نعيم في كتاب الصحابة: ثنا محمد/ابن علي
بن حبيش ثنا محمد بن القاسم بن هاشم ثنا أبي ثنا قريش بن
عطاء ثنا سفيان الثوري عن أبيه عن جدّه عن زياد بن الحارث
الصدائي قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "من طلب
العلم تكفّل الله برزقه" (1) وأما قول ابن الحصَّار، وهو
يعني الإفريقي: متَّفق على ضعفه، ففيه نظر، لما أسلفناه
قبل من تقوية البخاري أمره، ومن السيب الموجب للكلام فيه
وبيان فساده، وأنه صادق فيما أدّعاه من روايته عن مسلم بن
بشار، وقال أبو الحسن بن القطان: ومن الناس من يوثّقه
ويرمى به عن حضيض ردّ الرواية، وقال الخليل في الإِرشاد:
منهم من يضعّفه، ومنهم من يليّنه وذكر الحافظ أبو عمر
المنتجيلي في تاريخه: أنّ ابن معين قال: لا بأس به، وذكر
أحمد بن محمد بن متم في كتاب طبقات أهل إفريقية أنَّ سحنون
وثّقه، وكذلك قال أحمد بن صالح العجلي الحافظ في تاريخه،
وزاد: وينكر على من تكلَّم فيه، وأما قول الحازمي هذا حديث
حسن- يعني حديث الصدائي هذا- فعمدته تخريج أبي داود له من
غير أن يتبعه كلاما، وخرجه
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن قديد في كتاب الصحابة
مطولا، وفيه:
"تفجَّر الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم" (2)
وقال المقدسي: هو خبر مشهور، وفي الباب غير ما حديث، خلافا
لقول أبي عيسى، وفي الباب حديث ابن عمر، يعني بذلك ما رواه
أبو الشيخ عن إبراهيم ثنا علي العمري، ثنا معلي بن مهدي.
ثنا سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر قال رسول الله صلي
الله عليه وسلم:"إنما يقيم من يؤذن " (3) قال مهنأ: سألت
أبا عبد الله عنه فقال: ليس
بصحيح" قلت: لم قال من سعيد بن راشد وضعف حديثه، وفي كتاب
العلل للخلال/أنَّ ابن معين قال: سعيد السماك الذي يروي:
"من أذَّن فهو يقيم "
__________
والمجمع (2/3) وعزاه إليه في "الكبير" وفيه سعيد بن راشد
السماك، وهو ضعيف.
(1) ضعيف. إتحاف (1/78) والمنثور (3/313) والكنز (28701)
وآمالي الشجري (1/60)
والخطيب في تاريخه، (3/180) . (2) الحاشية قبل السابقة.
(3) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، ح/4، 5) والنسائي في
"الطهارة" باب (6) والدارمي في (المقدمة، باب (5) ومالك في
"الطهارة" (ح/32) وأحمد (3/132) .
(1/1137)
ليس بشيء، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن
هذا الحديث قال: هذا حديث منكر، وسعيد متروك الحديث،
وبنحوه قاله ابن عدى في كامله، وقال البيهقي في الكبير:
تفرد به سعيد، وهو ضعيف، وقال في موضع آخر: وذكر حديث
الصدائي وله شاهد من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعف، وحديث
عبد الله بن عباس قال: عليه الصلاة والسلام: "من أذّن فهو
الذي يقيم " رواه أبو أحمد في كامله (1) من حديث محمد بن
الفضل بن عطية عن مقاتل بن حبان عن عطاء عنه وقال هذا من
هذه الطريق برواية محمد بن الفضل، وهو متروك الحديث، وحديث
حيان بن بح ذكر أبو سعيد بن يونس في تاريخه أنه مثل حديث
زياد بن الحارث، وقال البيهقي وله شاهد بسند صحيح عن عبد
العزيز بن رفيع قال: رأيت أبا محذورة جاء وقد أذّن اثنان
قبله، فأذّن ثم أقام، وقد ورد حديث يعارض هذا، ذكره أبو
داود في سننه عن عثمان بن أبي شيبة ثنا حماد بن خالد ثنا
محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الله، عن عمه عبد الله بن
زيد، فذكر حديث رؤيا الأذان، وفيه قال عبد: أنا رأيته وأنا
كنت أريده قال فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: (فأقم
أنت) (2) ، وثنا عبد الله بن عمر القواريري ثنا بن مهدى
ثنا محمد بن عمرو سمعت عبد الله بن محمد شيخ من أهل
المدينة قال: " كان جدي عبد الله بن زيد بهذا الخبر، قال:
فأقام جدي، قال ابن عبد البر هذا أحسن إسنادًا من حديث
الإفريقي، ومن جهة النظر ليست الإِقامة مضمنة بالأذان
فجائز أن يتولاها غير متولى الأذان، وقد أسلفنا/حديث عبد
الله بن زيد أخي عبد الله أول من عند أبي موسى، ولما ذكره
البيهقي في كتاب المعرفة قال: في إسناده ومتنه اختلاف وأنه
كان في أول ما شرع الأذان، وحديث الصدائي بعد، وقال في
الكبير: إن البخاري قال: فيه نظر، قال: وكان أميركم أحمد
بن إسحاق بن أيوب الفقيه يضعف هذا الحديث، قال البيهقي:
ولو صحّ هذا وحديث الصدائي كان الحكم بحديث الصدائي لكونه
بعد هذا- والله تعالى أعلم-، وقال الحازمي: هذا
__________
(1) ضعيف جدا. رواه ابن عدي في " الكامل" (6/2173) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 2- "كتاب الصلاة" 29- باب في
الرجل يُؤذن ويقيم (ح/512) .
(1/1138)
حديث حسن، وفي إسناده مقال، وحديث الصدائي
أقوم إسنادَا منه، وقال أبو محمد عبد الحق: إقامة عبد الله
بن زيد ليست تجيء من وجه قوى فيما أعلم، قال أبو الحسن بن
القطان: علّة هذا الخبر ضعف محمد بن عمرو الواقفي، وأنه لا
يساوى شيئًا، وعبد الله بن محمد الذي اضطرب فيه. فقيل:
محمد بن عبد الله: وكلاهما لا يعرف حاله. انتهى كلامه،
وفيه نظر من وجوه: الأول: عبد الله بن محمد غير مجهول
لرواية أبي العميس عتبة بن عبد الله ومحمد ابن سيرين ومحمد
بن عمرو الأنصاري عنه، ولذكر ابن حبّان له في كتاب الثقات،
الثَّاني تفسيره محمد بن عمرو الراوي عنه بالوافقي وهو
بصري، وزعم غير واحد منهم ابن سرور بأنّ الراوي لهذا
الحديث شيخ مدني، يدلّ أنه غير الواقفي، الثالث: إعراضه عن
علّة في هذا الحديث قادحة، وهي انقطاع ما بين عبد الله بن
محمد وبين جدّه فإنّ ابن حبّان وأبا حاتم الرازي وصفاه
بالرواية عن أبيه عن جدّه، ولم يتعرّض أحد لسماعه من جدّه
فيما أعلم فصار الحديث لهذا منقطعًا، وذكره أبو الشيخ من
حديث محمد بن عبيد الله عن الحكم عن مقسم عن ابن/عباس: "
أوَّل من أذّن في الإِسلام بلال، وأوَّل من أقام عبد الله
بن زيد" الحديث، وأمّا قول الحارثي فتناقضه ظاهر- والله
تعالى أعلم- وفي حديث شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة: قال عليه السلام: (المؤذن أملك بالأذان، والإمام
أملك بالإِقامة) (1) وبنحوه حديث المعارك بن عباد عن يحيى
بن أبي الَفضل عن أبي الجوزاء عن ابن عمر، ذكرها أبو
الشيخ، وقال البيهقي حديث أبي هريرة ليس بمحفوظ، وفيهما
ترجيح لحديث عبد الله بن زيد، وفي صحيح ابن خزيمة (2) من
حديث ابن عمر أنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال:
(إن بلالا يؤذِّن بليل فكلوا)
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (2/2) من
حديث أبي أمامة وعزاه إلى أحمد، والطبراني في "الكبير"،
ورجاله موثقون.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة (403،401، 424) والبخاري ومسلم
في (الصيام) (ح/36-38) والترمذي (203) وقال: هذا حديث حسن
صحيح. والنسائي (2/10) وأحمد والبيهقي (1/380، 427،382،
429) والطبراني (5/135، 102، 277، 370) الحميدي (611) وابن
أبي شيبة (3/9، 11) والشافعي (20) ، وصححه الشيخ الألباني.
(1/1139)
"واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم"
وفي حديث ابن مسعود عنده: قال عليه السلام: "الا يمنعن أحد
منكم أذان بلال عن سحوره، فأنه يؤذن- أو ينادى- ليرجع
قائمكم ولينبه نائمكم" (1) وفي حديث عائشة أن النبي- عليه
السلام- قال: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى
يؤذِّن ابن أم مكتوم) (2) ولم يكن بينهما إلا قدر ما يرقى
هذا وينزل هذا، وفي حديث أنيسة بنت حبيب: قال عليه السلام:
(إذا أذّن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا
تأكلوا ولا تشربوا، فإن كانت المرأة منَّا ليبقى عليها شيء
من سحورها فتقول لبلال أمهل حتى أفرغ من سحوري" (3) . قال
الإِمام أبو بكر هذا خبر اختلف فيه حبيب بن عبد الرحمن،
رواه شعبة عنه عن عمَّته أنيسة، فقال: "إنّ ابن أم مكتوم
أو بلال ينادى بليل " فخبر أنيسة فقال: "أن ابن أم مكتوم-
أو بلال- ينادى بليل" فخبر أنيسة قد اختلفوا فيه في هذه
اللفظة، ولكن قد روى الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة
مثل/خبر منصور بن زادان في هذه اللفظة: "إن ابن أم مكتوم
ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن بلال" وكان بلال لا
يؤذِّن حتى يرى الفجر، وروى شبيها بهذا المعنى أبو إسحاق
عن الأسود عن عائشة قال: قلت لها أي ساعة توترين قالت: ما
أوتر حتى يؤذنوا، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، قال عليه
السلام:) إذا أذَّن عمرو فكلوا اشربوا، فإذا أذَّن بلال
فارفعوا أيديكم، فإن بلال لا يؤذِّن حتى يصبح" (4) ، قال:
ولكن خبر أبي إسحاق فيه نظر لأني لا أقف على سماع أبي
إسحاق هذا الخبر من الأسود فأما خبر هشام بن عروة
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/160، 7/67، 9/107) وأبو داود
(2347) وابن ماجه
(1691) وأحمد والبيهقي (4/218) وابن أبي شيبة (3/9) وابن
خزيمة
(402) وأبو عوانة (1/373) .
(2) تقدم الحاشية السابقة.
(3) صحيح. رواه النسائي (2/11) وأحمد (6/433) وابن خزيمة
(404) ونصب الراية (1/209) وابن حبان (7 ول) والكنز
(23987) والمجمع (3/154) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير"
ورجاله رجال الصحيح. قلت: وبعض هذه الروايات وردت مختصرة
إلى قوله: "فلا تأكلوا ولا تشربوا".
(4) رواه أحمد (6/158، 186) وابن خزيمة (407) .
(1/1140)
فصحيح من جهة النقل، وليس هذا الخبر يضاد
خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة إذ جائز أن
النبي- عليه السلام- قد كان جعل الأذان بالليل نوبتين بين
بلال وبن ابن أم مكتوم فأمر بلالا أن يؤذن أولا بالليل،
فإذا نزل بلال صعد عمرو فأذن بعده بالنَّهار، فإذا جاءت
نوبة عمرو بدأ ابن أم مكتوم فأذَّن بالليل، فإذا نزل صعد
بلال بعده بالنهار، وكان يقال للنبي- صلى الله عليه وآله
وسلم-: إن بلال يؤذن بليل في الوقت الذي كانت النوبة لبلال
في الأذان بالليل، فقال عليه السلام: (إنّ ابن أم مكتوم
يؤذن بليل ما وفي الوقت الذي كانت النوبة في الأذان بالليل
نوبة ابن أم مكتوم فكان عليه الصلاة والسلام يعلم الثاني
في كلا الوقتين أن أذان الأوّل منهما هو أذان بليل لا
بنهار وان أذان الثاني بالنهار لا بالليل فأقر خبر الأسود
عن عائشة: " وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، فإن له معنيين
أحدهما: لا يؤذن جميعهم حتى يطلع الفجر لا أنه لا يؤذن أحد
منهم لا تراه قد قال في الخبر:) إذا أذّن عمرو فكلوا
واشربوا فلو كان/عمرو لا يؤذن حتى يطلع الفجر لكان الأكل
والشرب على الصائم بعد أذان عمرو محرمين والمعنى الثاني:
أن تكون عائشة أرادت حتى يطلع الفجر الأوّل فيؤذَّن الثاني
منهم بعد طلوع الفجر الأوّل لا قبله، وهو الوقت الذي يحل
فيه الطعم والشرب- والله تعالى أعلم- وفي كتاب البيهقي عن
أبي عبد الله أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: فإن صحت
رواية أنيسة فقد يجوز أن يكون الأذان نوبا بينهما، وهذا
حديث صحيح وإن لم يصح فقد صحّ خبر ابن عمر وابن مسعود
وسمرة وعائشة: (أنَّ بلالا كان يؤذِّن بليل) وصحح ابن حبان
الحديثين، وقال: " رسول الله صلي الله عليه وسلم قد جعل
الأذان بينهما نوبا إلى آخره واستدرك ذلك عليه الحافظ ضياء
الدين في كتاب العلل بأنّ ابن خزيمة شيخه إنّما قال هذا من
باب الجواز لا النقل، ولقائل أن يقول لعلّ (1) ابن حبّان
ظفر في هذا ينقل ما يظفر به غيره، فلا يحسن ألا يراد عليه-
والله تعالى أعلم- اللهم إلا لو عزى ذلك لابن خزيمة فحسن،
وسيأتي هذا- إن شاء الله تعالى- بمزيد بيان في كتاب
__________
(1) قوله:"لعل" وردت "بالأصل" "أن" وهو تحريف، والصحيح ما
أثبتناه.
(1/1141)
الصوم، وقد ذهب أبو حنيفة أنه لا يؤذِّن
لصلاة قبل دخول وقتها، وتعاد في الوقت مستدلا بحديث حمد بن
سلمة من عند أبي داود عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: (أن
بلالا أذّن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي- صلى الله عليه
وآله وسلم- اًن يرجع فينادى ألا إن العبد نام فرجع فنادى:
إن العبد نام) (1)
قال أبو داود: ولم يروه عن أيوب إّلا عمار، وذكر أبو حاتم
الرازي لأنه خطاً، وذكر المروزي أنه قال في الدنيا: أحد
روى هذا الحديث، وكان يذكر غلط حماد هذا ويضعفه، وقال
الدارقطني: أخطأ فيه حمَّاد وتابعه سعيد بن يزيد (2) ،
وهو/ضعيف، والصحيح: أيوب عن ابن سيرين وحميد بن هلال أن
النبي صلي الله عليه وسلم قال لبلال هذا الكلام، وذكر
الترمذي عن علي بن المديني أنه قال: حديث حماد بن سلمة-
يعني هذا- غير محفوظ، وأخطأ فيه. انتهى، وبيان خطئه من
وجوه الأوّل: رواية أبي داود عن أيوب بن منصور ثنا شيب بن
حرب عن عبد العزير بن أبي داود أنبأ رافع عن مؤذِّن لعمر
يقال له مشروح: أنه أذن قبل الصبح فأمره عمر ... فذكره،
قال الزبيدي: وهذا لا يصح لأنه منقطع فيما بين نافع وعمر،
قال أبو داود: ورواه حماد بن زيد عن
عبد الله بن عمر عن نافع- أوغيره- أن مؤذّنا لعمر ورواه
الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر
مؤذن يقال له مسعود، وهذا أصح من ذلك ولذا قاله الرازي في
كتاب العلل، الثاني: المعارضة التي أشار إليها أبو عيسى
بقوله: الصحيح رواية عبيد الله وغير واحد عن نافع عن ابن
عمر والزهري عن سالم عن ابن عمر اًن النبيء صلي الله عليه
وسلم قال: " إن بلالا يؤذِّن بالليل " قال: ولو كان حديث
حماد بن سلمة صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى، إذ قال عليه
السلام: إن بلالا يؤذن بليل " وإنّما أمرهم فيما يستقبل
فقال: إن بلالا يؤذِّن بليل، ولو أمره بإعادة الأذان حين
أذّن حين طلوع الفجر لم يقل: إنّ بلالا يؤذّن بليل، وذكره
ان بو حاتم الرازي بنحوه، وقال الأثرم:
خلط حيث جاء فإنه خطأ به، وإنما أصل الحديث عن نافع عن ابن
عمر: أنَّ
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود في: الصلاة (ح/532) . قال أبو
داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب ألا حماد بن سلمة.
(2) قوله: 5 نريد، غير واضحة بالأصل، وكذا أثبتناه.
(1/1142)
مؤذنا لعمر أذّن بليل، وفي الخلافيات: لما
طعن حماد بن سلمة في السن ساء حفظه. فلذلك ترك البخاري
الاحتجاج بحديثه، وأمّا مسلم ذاته اجتهد وأخرج من
أحاديثه/عن ثابت ما سمع منه قبل بغيره، وما سوى حديثه عن
غير ثابت لا يبلغ أكثر من اثنى عشر حديثا أخرجها في
الشواهد، وإذا كان الأمر على هذا الاحتياط، لمن راقب الله
تعالى أن لا يحتج بما يجد في حديثه ما يخالف الثقات، وهذا
من جملتها. انتهى، وقد روى الدارقطني في سننه ما يصلح أن
يكون شاهدا لحديث حماد وفيه ضعف من حديث أبي يوسف القاضي
عن ابن أبي رؤبة عن قتادة عن أنس: أن بّلال أذّن قبل
الفجر، فذكره، قال أبو الحسن: أرسله غير أبي يوسف عن سعيد
عن قتادة، والمرسل أصح، وما رواه محمد بن القاسم الأسدي
أنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس قال: أذَّن بلال فأمره
النبي صلي الله عليه وسلم أن يعيد، وقال محمد بن القاسم:
ضعيف جدا، وما
رواه أبو داود (1) من حديث ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن
الزبير عن عروة عن امرأة النجار قالت: " كان بيتي من أطول
البيوت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر
فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطّى ثم قال:
اللهم إنى أحمدك، قال ابن القطان أثره الصحيح الذي لا
اختلاف فيه أن بلال يؤذن بالليل، وصحح ابن القطان هذا
الحديث، قال: ولا تعارض بينهما إّلا بتقدير أن يكون
قوله:"إنّ بلالا يؤذن بالليل في سائر العام" وليس كذلك،
أّنما كان في وقتين، يؤيّده في الحديث: " فكلوا واشربوا"
(2) والذي يقال في هذا الخبر: أنه حسن، وما رواه الزهري
عند الدارقطني عن عبد الرزاق عن عمر عن أيوب قال:"أذنّ
بلال مرة بالليل " ثم ما رواه عبد العزيز بن أبي روَّاد عن
نافع عن ابن عمر. " أنّ بلالا أذن قبل الفجر فغضب النبي
صلي الله عليه وسلم" الحديث، قال أبو الحسن/: وهم فيه عامر
بن مدرك عن عبد العزيز، والصواب: عن شعيب بن حرب بن عبد
العزيز عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: الصلاة، (ح/519) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: الصلاة، (ح/532) .
قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب ألا حماد بن
سلمي.
(1/1143)
نافع عن مؤذِّن عمر من قوله، وما رواه عن
جهة حميد بن هلال مرسلا بسند صحيح ان بلالا أذن ليلة بسحر
وقال البيهقي في الخلافيات: رواه إسماعيل بن مسلم عن حميد
عن أبي قتادة، وحميد لم يلق أبا قتادة فهو مرسل بكل حال،
وما رواه أبو داود من حديث جعفر بن ثوبان عن شدّاد مولى
عياض بن عامر بن بلال عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه
قال: " لا تؤذِّن حتى يستبين لك الفجر" (1) رواه الثوري عن
جعفر، ومن جهة أخرجه ابن منده، ورواه سفيان عن وكيع عن
أبيه جعفر، واعترض الأثرم بأن إسناده مجهول منقطع، يعني
ابن شداد لم يدرك بلالا فيما قاله أبو داود، وما رواه
البيهقي من طريق الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرف عن سويد
بن غفلة عن بلال قال: "أمرني النبي- عليه السلام- ألا
أؤذِّن حتى يطلع الفجر" (2) وابن عمارة متروك، وما رواه
ابن هارون وابن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة أنه: (كان لا
يؤذن للنبي صلي الله عليه وسلم حتى يطلع الفجر " قال
الأثرم حديث ضعيف، وما رواه البيهقي من جهة أبي بكر
النيسابوري: نا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي
محذورة عن ابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر أن بلالا قال
له النبي صلي الله عليه وسلم "ما حملك على ذلك، قال:
استيقظت وظننت أن الفجر طلع " (3) ، ولما ذكر أبو حاتم هذا
في علله لم يقل إثره ألا: ابن أبي محذورة شيخ، وما رواه
الطحاوي من حديث محمد بن بشر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن
أنس يرفعه: "لا يغرنكم أذان بلال/فإن في بصره شيئًا" (4)
قال الطحاوي فأخبر في هذا الإِسناد أنه كان يؤذن بطلوع ما
يرى أنه الفجر، وليس في الحقيقة بفجر، قال وقد روينا عن
عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن بلالا يؤذِّن
بليل، وقد روى عن السلف ما يوافق هذا، والله- سبحانه
وتعالى- أعلم.
__________
(1) ضعيف.. رواه أبو داود (ح/534) وتلخيص (1/179) والكنز
(20975) ، إسناده منقطع. (2) ضعيف. رواه البيهقي (1/384)
والطبراني (1/352) وابن سلط شيبة (1/214) والكنز (23175) .
(3) نصب الراية (1/289) .
(4) نصب الراية (1/284، 288) والطبراني في " الكبير"
(7/285) .
(1/1144)
|