شرح أبي داود للعيني

61- باب: الوضوء من القُبلة
أي: هذا باب في بيان الوضوء من قُبلة الرجل زوجته.
__________
(1) مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في
الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك (362) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب:
ما جاء في الوضوء من الريح (75) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2629) .
(3) كذا، وهي بمعنى: " فحينئذ ".

(1/409)


165- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: نا يحيي وعبد الرحمن قالا: نا
سفيان، عن أبي روْق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة- رضي الله عنها-:
" أن النبي- عليه السلام- قبلها ولم يتوضأ " (1) .
ش- محمد بن بشار هو بُندار، ويحيى بن سعيد القطان،
وعبد الرحمن بن مهدي اللؤلؤ، وسفيان الثوري.
وأبو روق عطية (2) بن الحارث الهمداني، الكوفي. سمع:
السبيعي، وأبا إسحاق الشيباني، وإبراهيم التيمي، وعبيد الله بن خليفة.
روى عنه: الثوري، وأبو أسامة، وعبد الواحد بن زياد، وبشر بن
عُمارة، وشريك بن عبد الله النخعي. قال أحمد: ليس به بأس. وقال
ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وهذا الحديث حُجّة على من يرى الوضوء على من لمس المرأة، فإن
النبيّ- عليه السلام- قبل عائشة- رضي الله عنها- ولم يتوضأ.
والتقبيل أبلغ من اللمس.
ص- قال أبو داود: إبراهيم التيمي لم يسمع عن عائشة شيئاً، هو مرسل.
قال: وكذا رواه الفريابي وغيره (4) .
ش- قال الدارقطني: وقد روى هذا الحديث معاويةُ بن هشام، عن
الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة
- رضي الله عنها- فوصل إسناده. ومعاوية هذا أخرج له مسلم في
" صحيحه "، فزال بذلك انقطاعه. وذكر البيهقي هذا الحديث ثم قال:
وأبو روق ليس بقوي، ضعفه ابن معين وغيره.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من القُبلة (1/104) .
(2) في الأصل: " عطاء " خطا.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3955) .
(4) زيد في سنن أبي داود بين معقوفتين: " قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي
ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء ".

(1/410)


قلت: أبو روق أخرج له الحاكم في " المستدرك ". وقال أحمد: ليس
به بأس. وقال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صدوق كما ذكرنا.
وقال أبو عمر: قال الكوفيون: هو ثقة لم يذكره أحد بجرحة، ومراسيل
الثقات عندهم حجة.
قوله: " إبراهيم التيمي لم يسمع عن عائشة شيئاً " قال عبد الغني في
ترجمته: إبراهيم بن محمد بن طلحة القرشي التيمي سمع: أبا أسيد
الساعدي، وعبد الله بن عمرو، وأبا هريرة، وعائشة أم المؤمنين كما
ذكرناه مرة.
قوله: " وكذا رواه الفريابي وغيره " هو محمد بن يوسف بن واقد
الفريابي أبو عبد الله الضبي مولاهم، سكن قيسارية الشام، أدرك
الأعمش، وروى عنه، وعن إبراهيم بن أبي عبلة، وجرير بن حازم
والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وجماعة آخرين. وروى عنه:
أحمد بن حنبل، وإسحاق بن منصور، ودُحيم، وإبراهيم بن الوليد،
وجماعة آخرون. قال النسائي وأبو حاتم: هو ثقة. توفي في شهر ربيع
الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين. روى له الجماعة (1) .
166- ص- وثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع قال: ثنا الأعمش،
عن حبيب، عن عروة، عن عائشة: " أن النبي- عليه السلام- قبل امرأةً من
نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ". قال عروة: فقلتُ لها: من هي
إلا أنت؟ فضحكتْ " (2) .
ش- حبيب هو ابن أبي ثابت قيس بن دينار، وقد ذكرناه، وعروة بن
الزبير بن العوام.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5716) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة (86) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب: الوضوء من القبلة (502) .

(1/411)


] 1/63 حب
قوله: " من هي إلا أنت؟ " كلمة " من " هاهنا استفهامية، والتقدير:
ما كانت المُقبلةُ إلا أنت.
وقوله: " فضحكت " يدل على أن التي قبّلها- عليه السلام- هي
عائشة؛ لأن الضحك في مثل هذا الموضع تقرير لكلام السائل، كما في
استئذان البكر إذا ضحكت يكون إذناً؛ لأنه دليل الرضا، وهذا الحديث
أيضاً حجة للحنفية على خصومهم.
ص- قال أبو داود: هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحمّاني، عن سليمان
الأعمش.
ش- زائدة بن قدامة الثقفي، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي
أبو يحيى الحمّاني نسبة إلى حمّان من بني تميم- بالحاء المهملة المكسورة
وتشديد الميم- سمع: الأعمش، والثوري، وأبا عمرو النضر بن
عبد الرحمن الخزاز. روى عنه: عمرو بن عليّ، وأحمد بن سنان
العطار، وأبو سعيد الأشج، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة وأبوه ثقة.
/توفي سنة ثنتين ومائتين. روى له الجماعة (1) .
167- ص- حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني قال: ثنا عبد الرحمن
- يعني ابن مغراء- قال: ثنا الأعمش قال: أنا أصحاب لنا عن عروة المزني،
عن عائشة بهذا الحديث (2) .
ش- إبراهيم بن مخلد الطالقاني، روى عن عبد الرحمن بن مغراء (3)
وغيره. روى عنه أبو داود (4) . والطالقاني بفتح اللام.
وعبد الرحمن بن مغراء بن الحارث بن عياض بن عبد الله بن وهب
الكوفي أبو زُهير، ولي قضاء الأردن. سمع: إسماعيل بن أبي خالد،
ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، ومحمد بن سوقة، وغيرهم.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3725) .
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في الأصل: " عبد الرحمن معن " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/241) .

(1/412)


روى عنه: محمد بن المبارك الصوري، وفيض بن الوثيق، ويوسف بن
موسى القطان، ومحمد بن عائذ الدمشقي، وغيرهم. قال أبو زرعة:
صدوق. وقال ابن المديني: ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة
حديث، تركناه لم يكن بذاك. وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء.
روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
وعروة المزني روى عن عائشة أم المؤمنين، روى عنه حبيب بن
أبي ثابت، روى له أبو داود (2) .
قوله: " بهذا الحديث " أشار به إلى الحديث الذي رواه حبيب بن
أبي ثابت، عن عروة. وقد روى أبو داود هذا الحديث من طريقين كما
ترى، وبالطريق الأولى روى الترمذي وابن ماجه أيضاً.
ص- قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن
هذين الحديثين- يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا
الإسناد في المستحاضة تتوضأ لكل صلاة- قال: احك عني أنهما شبه لا
شيء.
ش- أشار بهذا يحيى بن سعيد إلى أن حبيب بن أبي ثابت لم يرو عن
عروة بن الزبير، ولهذا قال: إنهما شبه لا شيء، يعني: يشابه لا شيء
فكأنه أراد أنه ليس بشيء، وهو بكسر الشين وسكون الباء بمعنى المشابهة،
ولذلك قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث
ويقول: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة شيئاً. وقال الترمذي:
ولا يصح في هذا الباب عن النبي- عليه السلام- شيء. وروى البيهقي
في " سننه " هذا الحديث وضعفه، وقال: إنه يرجع إلى عروة المزني،
وهو مجهول. قلنا: بل هو عروة بن الزبير، كما أخرجه ابن ماجه بسند
صحيح، فإنه نسب عروة فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا
__________
(1) المصدر السابق (17/3964) .
(2) المصدر السابق (20/3915) .

(1/413)


وكيع (1) ، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن الزبير،
عن عائشة، فذكره. وكذلك رواه الدارقطني، ورجال هذا السند كلهم
ثقات. وقد مال ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث، وحبيب لا يُنكر
لقاؤه عروة، لروايته عمن هو أكبر من عروة، وأقدم موتاً، وقال في
موضع آخر: لا شك أنه أدرك عروة.
ص- قال أبو داود: ورُوي عن الثوري [قال:] : ما حدثنا حبيب إلا عن
عروة المزني- يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء- وقد روى
حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثاً صحيحاً.
ش- نقل أبو داود ما رُوي عن الثوري من قوله: " ما حدثنا حبيب "
إلى آخره، ثم لم يرض بما قاله الثوري، فلذلك قال بكلمة التحقيق:
" وقد روى حمزة الزيات عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثاً صحيحاً،
وهو قوله- عليه السلام-: " اللهم عافني في جسدي، وعافني في
بصري ". رواه الترمذي في الدعوات، وقال: غريب (2) . فأبو داود
مثبت، والثوري نافي، والمثبت مقدم على النافي.
سلمنا أن هذا عروة المزني، أفلا يحتمل أن حبيباً سمعه من ابن الزبير
وسمعه من عروة المزني أيضاً كما وقع ذلك كثيراً في الأحاديث؟ وقد جاء
لحديث عائشة طرق جيدة سوى ما مر من رواية حبيب، عن عروة عنها،
" (3) الأولى: قال أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا إسماعيل بن
يعقوب بن صبيح، حدثنا محمد بن موسى بن أعين، حدثنا أبي، عن
عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أنه
- عليه السلام- كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ ". وعبد الكريم روى
عنه مالك في " الموطأ "، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين،
وأبو حاتم، وأبو زرعة. وموسى بن أعين مشهور، ووثقه أبو زرعة،
__________
(1) في سنن ابن ماجه (502) : " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد
قالا: ثنا وكيع ".
(2) الترمذي (3480) .
(3) انظر: نصب الراية (1/73- 76) .

(1/414)


وأبو حاتم، وأخرج له مسلم. وابنه/مشهور، وروى له البخاري،
وإسماعيل روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الإسفرائيني، وأخرج له
ابن خزيمة في " صحيحه "، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال عبد الحق
بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار: لا أعلم له علة توجب تركه.
الثانية: روى الدارقطني من طرق (1) إلى سعيد بن بشير قال: حدّثني
منصور بن زاذان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت:
" لقد كان رسول الله يقبلني إذا خرج إلى الصلاة ولا يتوضأ ". قال
الدارقطني: تفرّد به سعيد (2) . قلنا: قال ابن الجوزي: وثّقه شعبة،
ودحيم. وأخرج له الحاكم في " المستدرك ". وقال ابن عدي: " لا أرى
مما (3) يروي سعيد بأساً، والغالب عليه الصدق ". وأقل أحوال مثل
هذا أن يُستشهد به.
الثالثة: روى ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة قالت: " لا تعاد الصلاة من القُبْلة، كان النبي- عليه السلام-
يُقبل بعض نسائه، ويصلي ولا يتوضأ " أخرجه الدارقطني ولم يُعلُه بشيء
سوى أن منصوراً خالفه (2) . وذكر البيهقي في " الخلافيات ": أن أكثر
رواته إلى ابن أخي الزهري مجهولون، وليس كذلك، بل أكثرهم
معروفون.
الرابعة: أخرج الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري، عن حاجب بن
سليمان، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
" قبل رسول الله- عليه السلام- بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ،
ثم ضحكت " (4) . والنيسابوري إمام مشهور، وحاجب لا يعرف فيه
مطعن، وقد حدث عنه النسائي ووثّقه.
__________
(1) في الأصل: " طريق " خطأ.
(2) سنن الدارقطني (1/135) .
(3) في نصب الراية: " بما ".
(4) سنن الدارقطني (1/136) .

(1/415)


الخامسة: روى الدارقطني أيضاً عن علي بن عبد العزيز الوراق، عن
عاصم بن علي، عن أبي أويس، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة: أنه بلغها قول ابن عمر: " في القُبْلة الوضوء "، فقالت:
" كان رسول الله يُقبل وهو صائم، ثم لا يتوضأ " (1) . وعاصم أخرج له
البخاري، وأبو أويس استشهد به مسلم. قال البيهقي: والحديث
الصحيح عن عائشة في قُبْلة الصائم، فحمله الضعفاء من الرواة على ترك
الوضوء منها. قلنا: هذا تضعيف للثقات من غير دليل، والمعنيان
مختلفان، فلا يعلل أحدهما بالآخر.
السادسة: روى إسحاق بن راهويه في " مسنده "، أخبرنا بقية بن
الوليد، حدّثني عبد الملك بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة: " أن رسول الله- عليه السلام- قبلها وهو صائم "، وقال:
" إن القُبْلة لا تنقض الوضوء، ولا تفطر الصائم، وقال: يا حميراء،
إن في ديننا لسعة ". وروى الطبراني في " معجمه الوسط " (2) : حدثنا علي
ابن سعيد الرازي، ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثني أبي،
ثنا يزيد بن سنان، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيي بن
كثير، عن [أبي سلمة، عن] أبي هريرة قال: " كان رسول الله- عليه
السلام- يُقبل، ثم يخرج إلى الصلاة ولا يحدث وضوءاً "، ورُوي ذلك
عن ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومسروق، وأبي جعفر: " أنهم لا
يرون في القُبْلة وضوءاً " (3) .
62- باب: في الوضوء من مس الذكر
أي: هذا باب في بيان الوضوء من مس الذكر.
168- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن
أبي بكر، أنه سمع عروة يقول: دخلتُ على مرْوان بن الحكم فذكرنا ما
__________
(1) سنن الدارقطني (1/136) .
(2) (4/3805) بسنده ومتنه، ولكن عن أم سلمة بدلاً من أبي هريرة.
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(1/416)


يكون منه الوضوءُ، فقال مروانُ: ومنْ مسّ الذكر، فقال عروةُ: ما علمتُ
ذاك، فقال مروانُ: أخبرتْني بُسرةُ بنتُ صفوان، أنها سمعتْ رسول الله
يقول: " من مس ذكرهُ فليتوضّأ " (1) .
ش- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن
لوْذان أبو محمد، ويقال: أبو بكر الأنصاري المدني. سمع: أنس بن
مالك، وعبد الله بن عامر، وغيرهما. " قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو حاتم: صالح. روى له: البخاري، ومسلم " (2) . روى عنه:
الزهري، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن
سعد: كان ثقة كثير الحديث عالماً. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة،
وليس له عقب، وهو ابن سبعين سنة. روى له الجماعة (3) .
وعروة بن الزبير.
ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس/بن عبد مناف
ابن قُصي أبو عبد الملك، أو أبو القاسم، أو أبو الحكم. ولد بعد
الهجرة بسنتين. روى له البخاري حديث الحديبية مقروناً بالمسور بن
مخرمة، ولم يصح له سماع من النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابنه
عبد الملك، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وغيرهم. توفى سنة
خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (4) .
وبُسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قُصي القرشية
الأسدية، وهي خالة مروان بن الحكم، وجدة عبد الملك بن مروان،
__________
(1) الترمذي: أبواب الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر (82) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر (1/100) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر (479) .
(2) كذا ذكره المصنف وسط الترجمة، وليس هذا من عادته.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3190) .
(4) المصدر السابق (27/5870) .
27. شرح سنن أبي داوود 1

(1/417)


وهي بنت أخي ورقة بن نوفل، وهي أخت عقبة بن أبي معيط لأمه.
روى عنها: عبد الله بن عمرو، وعروة بن الزبير، ومروان بن الحكم.
روى لها أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " ومن مسّ الذكر " يعني: يكون الوضوء من مس الذكر.
قوله: " ما علمت ذاك " أي: وجوب الوضوء من مس الذكر. وبهذا
الحديث احتج الشافعي وأحمد على أن مس الذكر ناقض للوضوء. وإليه
ذهب الأوزاعي، وإسحاق، إلا أن الشافعي لا يرى ذلك إلا باللمس
بباطن الكف. وقال مالك: إنما ينقض في مس ذكر رجل كبير.
" (2) وروى هذا الحديث الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أم حبيبة، وأبي أيوب،
وأبي هريرة، وأروى بنت أنيس، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد،
وعبد الله بن عمرو. وقال محمد بن إسماعيل: هذا الحديث أصح شيء
في هذا الباب، واحتجوا أيضاً بأحاديث نذكرها.
والجواب عن ذلك من وجوه، الأول: أنه مخالف لما رُوي عن عمر،
وعليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعمران بن
حصين، وحذيفة بن اليمان، وأبي الدرداء، وعمار بن ياسر، وسعد بن
أبي وقاص، وأبي أمامة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير،
وإبراهيم النخعي، وربيعة بن [أبي] عبد الرحمن، وسفيان الثوري،
وجماعة آخرين.
والثاني: أن هذه الحادثة لما وقعت في زمن مروان بن الحكم فشاور من
بقي من الصحابة فقالوا: " لا ندع كتاب ربنا ولا سُنة نبينا بقول امرأة،
لا ندري أصدقت أم كذبت ".
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/249) ، وأسد الغابة
(7/40) ، والإصابة (4/252) .
(2) انظر: نصب الراية (1/54: 60) .

(1/418)


الثالث: أنه خبر واحد فيما يعم به البلوى، فلو ثبت لاشتهر.
والرابع: أنه بعد تسليم ثبوته محمول على غسل اليدين؛ لأن الصحابة
كان يستنجون بالأحجار دون الماء، فإذا مسوه بأيديهم كانت تتلوث
خصوصاً في أيام الصيف، فأمر بالغسل لهذا، فإن قيل: قد قال ابن
حبان: وليس المراد من الوضوء غسل اليد، وإن كانت العرب تُسمي
غسل اليد وضوءاً، بدليل ما أخبرنا وأسند عن عروة بن الزبير، عن
مروان، عن بسرة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه فليتوضأ
وضوءه للصلاة ". وأسند أيضاً عن عروة، عن بسرة قالت: قال رسول
الله- عليه السلام-: " من مس فرجه فليعد الوضوء "، قال: والإعادة
لا تكون إلا لوضوء الصلاة. قلنا: هذا الطحاوي- وهو إمام في
الحديث- قد استضعفه بالإسناد الأول. وروى بإسناده، عن ابن عيينة:
أنه عد جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث، ومن رأيناه يحدث عنهم
سخرنا منه، فذكر منهم: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم، ثم أخرجه من طريق الأوزاعي: أخبرني الزهري، حدثني أبو بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم. قال: فثبت انقطاع هذا الخبر وضعفه،
وبالسند الأول رواه مالك في " الموطأ "، وعنه الشافعي في " مسنده "،
ومن طريق الشافعي رواه البيهقي. وقال الطحاوي: لا نعلم أحداً أفتى
بالوضوء من مس الذكر غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب
رسول الله- عليه السلام-. ومن الأحاديث التي احتجوا بها ما رواه ابن
حبان في " صحيحه " عن يزيد بن عبد الملك، ونافع بن أبي نعيم
القارئ، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، وليس بينهما ستر/ولا حائل فليتوضأ ".
ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه. ورواه أحمد في " مسنده "،
والطبراني في " معجمه "، والدارقطني في " سننه "، وكذلك البيهقي،
ولفظه فيه: " من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه
وضوء الصلاة، قال: ويزيد بن عبد الملك تكلموا فيه، ثم أسند عن

(1/419)


أحمد بن حنبل أنه سئل عنه فقال: شيخ من أهل المدينة ليس به بأس.
قلنا: أغلظ العلماء القول فيه فقال أبو زرعة: واهي الحديث، وغلظ فيه
القول جدا، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الساجي: ضعيف،
منكر الحديث، واختلط بآخره، ثم قال البيهقي: قال الشافعي: ففي
الإفضاء باليد إنما هو ببطنها. قلنا: ذكر في " المحلى " قول الشافعي لا
دليل عليه من قرآن ولا سُنة، ولا إجماع، ولا قياس، و [لا] رأي
صحيح، ولا يصح في الآثار: " من أفضى بيده إلى فرجه "، ولو صح
فالإفضاء يكون بظهر اليد كما يكون بباطنها. ومنها ما أخرجه ابن ماجه
في " سننه " عن الهيثم بن حميد، ثنا العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن
عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة: أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من مس فرجه فليتوضأ ". قال الترمذي في كتابه: قال محمد- يعني
البخاري-: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان. وروى مكحول
عن رجل، عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحاً.
قال: وقال محمد: أصح شيء سمعت في هذا الباب حديث العلاء بن
الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة.
وهذا مناقض لما نقله عن البخاري في حديث بسرة أنه قال: هو أصح
شيء في هذا الباب، وقد تقدم. وأسند الطحاوي في " شرح الآثار "
عن أبي مسهر أنه قال: لم يسمع مكحول من عنبسة شيئاً. قال: وهم
يحتجون بقول أبي مسهر، فرجع الحديث إلى الانقطاع، وهم لا
يحتجون بالمنقطع.
ومنها ما أخرجه ابن ماجه أيضاً عن إسحاق بن أبي فروة، عن
الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن أبي أيوب قال: سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مس فرجه فليتوضأ ". قلنا: هذا حديث
ضعيف، فإن إسحاق المذكور متروك باتفاقهم، وقد اتهمه بعضهم.
ومنها ما رواه ابن ماجه أيضاً عن عبد الله بن نافع [عن] ابن أبي ذئب،
عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن

(1/420)


جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا مس
أحدكم ذكره فعليه الوضوء ". وأخرجه البيهقي في " سننه " من طريق
الشافعي، عن عبد الله بن نافع به ولفظه فيه: " إذا أفضى أحدكم بيده
إلى فرجه فليتوضأ "، ثم قال الشافعي: وسمعت جماعة من الحفاظ غير
ابن نافع يروونه لا يذكرون فيه جابراً. وقال الطحاوي في " شرح الآثار ":
وقد روى الحفاظ هذا الحديث عن ابن أبي ذئب فأرسلوه، لم يذكروا فيه
جابراً، فرجع الحديث إلى الإرسال، وهم لا يحتجون بالمرسل.
ومنها ما رواه أحمد في " مسنده "، والبيهقي في " سننه " عن بقية بن
الوليد: حدثني محمد بن الوليد الزبيدي، حدثني عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " أيما رجل
مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ". قلنا: يحتج
بحديث عمرو بن شعيب إذا كان الراوي عنه ثقة، وإذا كان غير ثقة فلا
يحتج به، وأما حديثة عن أبيه، عن جده، فقد تكلم فيه من جهة أنه
كان يحدث من صحيفة جده، قالوا: وإنما روى أحاديث يسيرة وأخذ
صحيفة كانت عنده فرواها. وقال الحافظ جمال الدين المزي: عمرو بن
شعيب يأتي على ثلاثة أوجه: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،
وهو الجادة. وعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو.
وعمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو (1) . فعمْرو له
ثلاثة أجداد: محمد، وعبد الله، وعمرو بن العاص، فمحمد تابعي،
وعبد الله وعمرو صحابيان، وإن كان المراد بجده محمداً فالحديث مرسل
لأنه تابعي، وإن كان المراد به عمراً فالحديث منقطع؛ لأن شعيباً لم يدرك
عمراً، وإن كان المراد به عبد الله فيحتاج إلى معرفة سماع/شعيب من
عبد الله.
ومنها ما أخرجه الدارقطني عن إسحاق بن محمد الفروي، ثنا عبد الله
ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من
مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة "، وإسحاق بن محمد الفروي هذا ثقة
__________
(1) كذا، والجادة " عمرو بن العاص ".

(1/421)


أخرج له البخاري في " صحيحه "، وليس هو بإسحاق بن أبي فروة
التقدم في حديث أبي أيوب، ووهم ابن الجوزي في " التحقيق " فجعلهما
واحدا، وله طريقان آخران عند الطحاوي، أحدهما: عن صدقة بن
عبد الله، عن هشام بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر قال: وصدقة
هذا ضعيف. الثاني: عن العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم،
عن أبيه. قال: والعلاء ضعيف.
ومنها ما رواه أحمد في " مسنده " عن ابن إسحاق: حدّثني محمد بن
مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني: سمعت
رسول الله- عليه السلام- يقول: " من مس فرجه فليتوضأ ". ورواه
الطحاوي وقال: إنه غلط؛ لأن عروة أجاب مروان حين سأله عن مس
الذكر بأنه لا وضوء فيه، فقال مروان: أخبرتني بُسرة، عن النبي- عليه
السلام- أن فيه الوضوء. فقال له عروة: ما سمعت هذا، حتى أرسل
مروان إلى بُسرة شُرطيا فأخبرته، وكان ذلك بعد موت زيد بن خالد بما
شاء الله، فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما حدثه به زيد بن خالد؟
هذا مما لا يستقيم ولا يصح.
ومنها ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الرحمن بن عبد الله بن
عمر بن حفص العمري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،
أن رسول الله قال: " ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤن "
قالت عائشة: بأبي وأمي هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: " إذا
مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة ". قلنا: هذا معلول بعبد الرحمن
هذا. قال أحمد: كان كذاباً. وقال النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة:
متروك. زاد أبو حاتم: وكان يكذب. وقد روى أبو يعلى الموصلي في
" مسنده " (1) حديثاً يعارض هذا فقال: ثنا الجراح بن مخلد، ثنا عمرو بن
__________
(1) (8/4875) .

(1/422)


يونس اليمامي، ثنا المفضل بن أيوب (1) ، حدثني حسين بن أورع (2) ،
عن أبيه، عن سيف بن عبد الله الحميري قال: دخلت أنا ورجال معي
على عائشة، فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة تمس فرجها،
فقالت: سمعت رسول الله يقول: " ما أبالي إياه مسستُ أو أنفي " (3) .
***
63- باب: الرخصة في ذلك
أي: هذا باب في بيان الرخصة في مس الذكر.
169- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا ملازم بن عمرو الحنفي، قال: نا
عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: قدمينا على نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فجاء رجلٌ كأنه بدوى فقال: يا نبي الله، ما ترى في مسّ الرجل ذكرهُ بعد ما
يتوضأ؟ فقال: " وهل هو [إلا] مُضغةٌ منه، أو بضعةٌ منه؟ " (4) .
ش- ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر بن قيس بن طلق بن شيبان
الحنفي السُحيميُ اليمامي أبو عمرو. روى عن: عبد الله بن بدر بن
عميرة بن الحارث الحنفي، وهوذة بن قيس بن طلق. روى عنه: مسدد،
وسليمان بن حرب، ومحمد بن عيسى الطباع، وغيرهم. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) كذا، وفي مسند أبي يعلى ونصب الراية: " ثواب "، وأشار محقق مسند
أبي يعلى إلى أن نسخة " فا " أيوب
(2) كذا، وفي مسند أبي يعلى: " حسين بن فادع "، وقال محققه: في الأصلين
" أودع "، وقد أشير فوقها في " ش " نحو الهامش حيث استدرك الصواب،
وكذلك في هامش " مجمع الزوائد " بخط المؤلف: " حسن بن فادع ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر
(85) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من ذلك (1/101) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (483) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6325) .

(1/423)


وعبد الله بن بدر بن عميرة بن الحارث بن سمرة الحنفي اليمامي، جد
ملازم بن عمرو. سمع: عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن علي بن
شيبان، وقيس بن طلق الحنفي. روى عنه: ملازم بن عمرو، وجهضم
ابن عبد الله، ومحمد بن جابر اليمانيون. قال أبو زرعة وابن معين:
ثقة. روى له (1) : أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وقيس بن طلق بن علي بن شيبان الحنفي اليمامي. روى عن أبيه،
روى عنه: عبد الله بن بدر، ومحمد بن جابر اليمامي، وعبد الله بن
النعمان السُحيمي، وعجيبة بن عبد الحميد بن طلق، وابنه هوذة بن
قيس، وغيرهم. قال ابن معين، وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وطلق بن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن
عبد العزى الحنفي، أبو علي اليمامي، أحد الوافدين الذين قدموا على
رسول الله، وعمل معه في بناء المسجد. روى عنه: ابنه قيس،
وعبد الله بن النعمان، وعبد الرحمن/بن عليّ بن شيبان، وعبد الله بن
بدر. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " قدمنا على النبيّ- عليه السلام- " وذلك حين قدم مع وفد بني
حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب لعنه الله، وكانوا بضعة عشر رجلاً، وفيهم
طلق بن علي، فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث، وكان ذلك في السنة
الأولى من الهجرة.
قوله: " هل هو [إلا] مضغة منه " " المُضغة " - بضم الميم-: القطعة
من اللحم قدر ما يمضغ، وجمعها " مُضغ "، و " البضعة " - بفتح الباء
__________
(1) في الأصل: " رواه " خطأ.
(2) المصدر السابق (14/3175) .
(3) المصدر السابق (24/4910) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/240) ، وأسد الغابة
(3/92) ، والإصابة (2/232) .

(1/424)


وكسرها-: القطعة من اللحم، والمعنى: أنه جزء منه كما في الحديث:
" فاطمة بضعة مني " (1) أي: جزء مني كما أن القطعة من اللحم.
وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وفي لفظ النسائي في الصلاة،
وهو رواية لأبي داود كما نذكره الآن.
واعلم أن هذا الحديث " (2) له أربع طرق: أحدها عند أصحاب السنن
إلا ابن ماجه عن ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن
طلق بن علي، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام-: " أنه سئل عن
الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال: " هل هو إلا بضعة منك ". ورواه
ابن حبان في " صحيحه "، وقال الترمذي: وهذا الحديث أحسن شيء
رُوي في هذا الباب.
الثاني: أخرجه ابن ماجه عن محمد بن جابر، عن قيس بن طلق به.
ومحمد بن جابر ضعيف، قال الفلاس: متروك، وقال ابن معين: ليس
بشيء.
الثالث: عن عبد الحميد بن جعفر، عن أيوب بن محمد العجلي،
عن قيس بن طلق به. وهو عند ابن العدي (3) . وعبد الحميد: ضعفه
الثوري. والعجلي: ضعفه ابن معين.
الرابع: عن أيوب بن عتبة اليمامي، عن قيس بن طلق، عن أبيه،
وهو عند أحمد. أيوب بن عتبة وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال
النسائي: مضطرب الحديث. وبالطريق الأول رواه الطحاوي في " شرح
الآثار ". وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد، غير مضطرب في إسناده
ولا متنه. ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو
__________
(1) البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب قرابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(3714) ، مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (93/2449) .
(2) انظر: نصب الراية (1/60- 69) .
(3) كذا.

(1/425)


أحسن من حديث بُسرة. وأخرج الطحاوي عن عليّ بن أبي طالب أنه
قال: " ما أبالي مسست أنفي أو ذكري ". وأخرج عن ابن مسعود نحو
ذلك، وأخرج عن عمار بن ياسر أنه قال: " إنما هو بضعة منك، وأنّى
لكفك موضعاً غيره؟ " ثم أخرج عن حذيفة وعمران بن حصين: " كانا
لا يريان في مس الذكر وضوءاً ". وقال: وما رووا عن ابن عباس أنه
قال: " فيه الوضوء ". فقد رُوي عنه خلافه. ثم أخرج عنه أنه قال: " ما
أبالي إياه مسستُ أو أنفي ". وأسند إلى الزبير بن عدي، عن مصعب
ابن سعد مثله. وقال فيه: " قم فاغسل يدك ". وكذلك أخرج أبو بكر
ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن مسعود: " إن علمت أن منك بضعة
نجسة فاقطعها "، وكذا عن سعد بنحوه. وعن حذيفة: " ما أبالي إن
مسست ذكري أو أذني ". وعن عبد الله: " ما أبالي مسست ذكري أو
أُذني، أو إبهامي أو أنفي ". وعن عمار بن ياسر: " ما هو إلا بضعة
منك " كما أخرج الطحاوي. وعن عمران بن حصين: " ما أبالي إياه
مسستُ أو بطن فخذي " يعني: ذكره. وعن عليّ: " سئل عن الرجل
يمس ذكره؟ قال: لا بأس ". وعن طاوس، وسعيد بن جبير: " من
مس ذكره وهو لا يريد، فليس عليه وضوء ". وعن أبي أمامة: " أن
النبي- عليه السلام- سُئل عن مس الذكر فقال: هل هو إلا حذوة
منك؟ ". والحُذوة بضم الحاء المهملة، وقيل بكسرها وسكون الذال
المعجمة: قطعة من اللحم، وكذلك الحذية، وحكى صاحب " التنقيح ":
اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مس الذكر، فقال ابن جريج: يتوضأ
منه. وقال سفيان: لا يتوضأ منه. أرأيت لو أمسك بيده منيا كان عليه؟
قال ابن جريج: يغسل يده. قال: فأيهما أكبر، المني أو مس الذكر؟
فقال: ما ألقاها عليك إلا الشيطان.
فإن قيل: حديث طلق بن عليّ منسوخ، فإن قدومه كان في أول سنة
من سنيّ الهجرة، ثم رجع إلى بلده، ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة.

(1/426)


وحديث أبي هريرة ناسخه؛ لأن إسلام أبي هريرة في سنة سبع من
الهجرة، فكان خبره بعد خبر طلق بسبع ستين. قلت: قد مضى أن في
رواية أبي هريرة يزيد بن عبد الملك، وهو واهٍ، منكر الحديث/وأما عدم
العلم برجوع طلق إلى المدينة لا يُوجب عدم رجوعه إليها بعد إسلام
أبي هريرة، فافهم.
فإن قيل: قد ذكر البيهقي عن ابن معين أنه قال: قد أكثر الناس في
قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه. قلت: ذكر البيهقي ذلك بسند فيه محمد
ابن الحسن النقاش المفسر، وهو من المتهمين بالكذب. وقال البرقاني:
كل حديثه مناكير. وليس في تفسيره حديث صحيح. وروى ابن النقاش
كلام ابن معين هذا عن عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، وعبد الله
هذا قال فيه ابن عدي: كان متهماً في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم.
وقد روى عن ابن معين أنه وثق قيساً بخلاف ما ذكر عنه في هذا السند
الساقط. وصحح حديثه هذا ابن حبان وابن حزم. وأخرجه الترمذي،
وقال: هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب كما ذكرنا.
فإن قيل: فقد قال الشافعي: سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما
يكون لنا فيه قبول خبره. وقد حكى الدارقطني أيضاً في " سننه " عن ابن
أبي حاتم، أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: قيس بن طلق
ليس ممن تقوم به حجة، ووهناهُ ولم يثبتاه. قلت: هو معروف، روى
عنه تسعة أنفس، ذكرهم صاحب الكمال، وذكرنا أكثرهم في ترجمته،
وذكره ابن حبان في " الثقات ". وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان في
" صحيحيهما "، والحاكم في " المستدرك ". وروى له أصحاب السنن
الأربعة.
فن قيل: قد روى حديث بسرة جماعة من الصحابة، وكثرة الرواة
مؤثرة في الترجيح. وحديث طلق بن علي لا يحفظ من طريق يوازي هذه

(1/427)


الطرق، وهو حديث فرد في الباب. قلت. كما وجد اختلاف الرواة في
حديثها، فكذلك وجد في حديث طلق نحو ذلك، ثم إذا وجد للحديث
طريق واحد صحيح، سالم من شوائب الطعن، تعين المصير إليه ولا
غيره باختلاف الباقين، وقد يقال: إن كثرة الرواة لا أثر لها في باب
الترجيحات؛ لان طريق كل واحد منهما غلبه الظن، فصار كشهادة
شاهدين مع شهادة أربعة. وقد يقال: إن بُسرة غير مشهورة لاختلاف
الرواة في نسبها؛ لأن بعضهم يقول: هي كنانية، وبعضهم يقول: هي
أسدية. ولو سلم عدم جهالتها فليست توازي طلقاً في شهرته، وكثرة
روايته، وطول صحبته، وبالجملة فحديث النساء إلى الضعف لا يوازي
حديث الرجال " (1) .
ص- قال أبو داود: رواه هشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وابن
عيينة، وجرير الرازي، عن محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، [عن أبيه
بإسناده ومعناه. قال: " في الصلاة "] (2) .
ش - هشام بن حسان أبو عبد الله البصري القُردُوسي، والقراديس:
هو قردوس بن الحارث بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عُدثان،
والقراديس والحراميز والعفاة، ولقيط وعرقان إخوة بني الحارث بن مالك
ابن فهم، والقسامل من ولد عمرو بن مالك بن فهم، والأشاقر من ولد
مالك بن عمرو بن مالك بن فهم، ويقال: إنه من العتيك كان نازلاً في
القراديس، ويقال: مولاهم. سمع: الحسن، وابن سيرين، وعطاء
ابن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه: معمر، وابن جريج، والثوري،
وشعبة، والحمادان، وجماعة آخرون. وقال أحمد بن عبد الله: هو
بصري ثقة، حسن الحديث 0 توفي سنة سبع وأربعين ومائة. روى له
الجماعة (3)
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) غير موجود في سنن أبي داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6572) .

(1/428)


والثوري سفيان، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وجرير بن
عبد الحميد الرازي، ذكروا.
ومحمد بن جابر اليمامي السُّحيمي أصله كوفي، يكنى أبا عبد الله.
روى عن: قيس بن طلق، وحماد بن أبي سليمان، وعُمير بن سعيد
النخعي، وعبد العزيز بن رفيع، وغيرهم. روى عنه: عبد الله بن
عوف، وأيوب السختياني، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وشعبة،
ووكيع، وغيرهم. وعن ابن معين: محمد بن جابر كان أعمى، واختلط
حديثه، وهو ضعيف. وقال عمرو بن علي: صدوق كثير الوهم، متروك
الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وعن إسحاق بن [أبى] إسرائيل مع ما
تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه. روى له أبو داود (1) .
قوله: " رواه " أي: روى هذا الحديث وهو حديث طلق، وفي هذه
الرواية قال: " في الصلاة "، وهي رواية النسائي أيضاً.
/170- ص- حدثنا مسدد، نا محمد بن جابر، عن قيس بن طلق
بإسناده ومعناه قال: " في الصلاة " (2) .
ش- أشار بهذا إلى طريق آخر، فإنه رواية مسدد بن مسرهد، عن
محمد بن جابر، عن قيس. وفي هذه الرواية أيضاً قال: " وفي الصلاة "
ورواية الزيادة أبلغ؛ لأن المس إذا لم يكن ناقضاً في الصلاة ففي خارجها
أولى.
***
64- باب: الوضوء من لحوم الإبل
أي: هذا باب في بيان الوضوء من لحوم الإبل.
__________
(1) المصدر السابق (24/5110) .
(2) الترمذي: كتاب الظهارة، باب: ما جاء في الوضوء من مس الذكر (85) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من ذلك (1/101) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (483) .

(1/429)


171- ص- حدّثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أنا أبو معاوية قال: أنا
الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن البراء بن عازب قال: " سُئل رسولُ الله- عليه السلام- عن الوضوء من
لُحوم الإبل قال (1) : توضؤوا منها، وسُئل عن لُحوم الغنم فقال: لا
توضؤوا منها. وسُئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تُصلُوا في مبارك
الإبل، فإنها من الشياطين. وسُئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال.
صلوا فيها فإنها بركة " (2) .
ش- عبد الله بن عبد الله الرازي قاضي رقي، أصله كوفي. روى
عن: جابر بن سمرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير.
روى عنه: الأعمش، وفطر بن خليفة، وحجاج بن أرطأة، وغيرهم.
وعن الأعمش: كان ثقة لا بأس به. وقال العجلي: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
" (4) واختلف العلماء في أكل لحم الجزُور، فمذهب الأكثرين إلى أنه
لا ينقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبي
ابن كعب، وابن عباس، وأبو الدرداء، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة،
وأبو أمامة، وجماهير التابعين، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي،
وأصحابهم، وذهب إلى انتقاض الوضوء به: أحمد بن حنبل، وإسحاق
ابن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن المنذر، وابن خزيمة،
واختاره البيهقي، وحكي عن أصحاب الحديث مطلقاً. وحكي عن
جماعة من الصحابة، واحتج هؤلاء بأحاديث الباب " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (81) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (494) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3367) .
(4) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/48) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".

(1/430)


والجواب عن هذا: أن الوضوء متأول على الوضوء الذي هو النظافة
ونقاء الزهومة (1) ، كما رُو: " توضؤوا من اللبن فإن له دسماً "،
ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم
الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد، لوجود
سببه دون الوضوء، الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه. كذا قال
الخطابي (2) .
فيا ليت شعْري! لماذا لم يأولوا هكذا الوضوء الذي في مس
الذكر، فهل كان هناك حدث حتى يرفعه الوضوء؟ وقال الشيخ
محيي الدين (3) : " ومذهب أحمد أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على
خلافه، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر- رضي الله
عنه-: " كان آخر الأمرين من رسول الله: ترك الوضوء مما مست النار "،
ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص،
والخاص مقدم على العام ".
قوله: " في مبارك الإبل " المبارك: جمع مبرك، وهو الموضع الذي
تبرك فيه الإبل. وقال الخطابي (4) : " إنما نهى عن الصلاة في مبارك
الإبل؛ لأن فيها نفاراً وشراداً، لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى
بحضرتها، أو تُفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها
من السكون، وقلة النفار ".
قلت: قد علل النبي- عليه السلام- في نهيه عن الصلاة في مبارك
الإبل بقوله: " فإنها من الشياطين "، والتأويل في مقابلة التعليل غير
مفيد. ثم معنى قوله: " فإنها من الشياطين ": من مأوى الشياطين،
والضمير يرجع إلى المبارك لا إلى الإبل؛ لأن الإبل ليست من الشياطين.
__________
(1) الريح النتنة.
(2) معالم السنن (1/58) .
(3) " شرح صحيح مسلم " (4/49) .
(4) معالم السنن (1/58) .

(1/431)


وإنما قلنا هكذا لأن الشياطين تأوي إلى المزابل، والمواضع التي فيها القذر،
وللشياطين مآوي ومنازل، ومن جملتها مبارك الإبل، وكلمة " من " تدل
على التبعيض.
فن قلت: مرابض الغنم أيضاً فيها الزبل؟ قلت: قد عللها صاحب
الشرع بقوله: " فإنها بركة " والضمير هاهنا يرجع إلى الغنم؛ لأن عين
الغنم بركة، وقد سقط هاهنا رعاية ذاك المعنى، لكون الغنم بركة، وكل
موضع فيه بركة لا تأوي إليه الشياطين، وكيف وقد ورد " ما من نبي إلا
وقد رعى الغنم ".
فإن قلت: ما حكم لحم البقر في ذلك؟ قلت: قد روى أبو بكر بن
أبي شيبة في " مصنفه ": حدّثنا وكيع، عن (1) /سفيان، عن منصور،
عن إبراهيم قال: " ليس في لحوم الإبل والبقر والغنم وضوء ".
قوله: " في مرابض الغنم " المرابض: جمع مربض- بفتح الميم- من
ربض في المكان يربض إذا لصق بها وأقام ملازماً لها، وفي " الصحاح ":
وربوض الغنم والبقر والفرس، والكلب مثل بروك الإبل، وجثوم الطير.
يقال: ربضت الغنم مربض بالكسر، ربوضاً وأربضتها أنا.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه مختصراً، وكان أحمد بن
حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقولان: قد صح في هذا الباب
حديث البراء بن عازب، وحديث جابر بن سمرة. وحديث جابر بن
سمرة أخرجه مسلم في " صحيحه "، ولفظه: " أن رجلاً سأل رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا
تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم
__________
(1) مكررة في الأصل.

(1/432)


الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أصلي في
مبارك الإبل؟ قال: لا " (1) .
***
65- باب: الوضوء من مس اللحم النّيء وغسله
أي: هذا باب في بيان الوضوء عند لمس الرجل اللحم النّيء، النّيءُ:
هو الذي لم يطبخ أو طبخ أدنى طبخ ولم ينضج. يقال: ناء اللحم ينيء
نيئاً بوزن ناع ينيع نيعاً، فهو نيءٌ كنيع بالكسر هذا هو الأصل، وقد تترك
الهمزة وتُقلب ياء فيقال: " نيّ " مشدداً.
172- ص- حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرّقي وعمرو بن
عثمان الحمصي، المعنى، قالوا: حدثنا مروان بن معاوية قال: أخبرنا هلال
ابن ميمون الجُهني، عن عطاء بن يزيد الليثي- قال هلال: لا أعلمه إلا عن
أبي سعيد- وقال أيوب وعمرو: أراه عن أبي سعيد الخدري: " أن النبي
- عليه السلام- مر بغلام يسلخُ (2) شاة، فقال له رسولُ الله: تنح حتى
اريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارتْ إلى الإبط، ثم
مضى فصلى للناس ولم يتوضأ " (3) .
ش- أيوب بن محمد بن زياد الوزان أبو سليمان الرقي، مولى ابن
عباس، كان يزنُ القطن. في الوادي. وروى عن: يعلى بن الأشدق.
وسمع: مروان بن معاوية الفزاري، ومُعمر بن سليمان، وعيسى بن
يونس، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه،
وأبو حاتم الرازي، وغيرهم. وقال يعقوب بن سفيان: شيخ لا بأس
به. توفي في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين (4) .
__________
(1) مسلم: كتاب الحيض، باب: الوضوء من لحوم الإبل (36/970) .
(2) في سنن أبي داود: " وهو يسلخ ".
(3) ابن ماجه: كتاب الذبائح، باب: السلخ (3179) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/623) .
28. شرح سنن أبي داوود 1

(1/433)


وعمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار أبو حفص القرشي الحمصي
سمع: أباه، ومروان بن معاوية، والوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد،
وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي،
وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق. مات سنة خمسين
ومائتين بحمص (1) .
ومروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينة، أبو عبد الله
الفزاري الكوفي، سكن مكة، ثم صار إلى دمشق، ومات بها سنة
ثلاث وتسعين ومائة قبل التروية بيوم فجأة. سمع: سليمان التيمي،
وحميدا (2) الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصماً الأحول،
والأعمش، وجماعة آخرين كثيرة. روى عنه: قتيبة بن سعيد، وأحمد
ابن حنبل، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وجماعة آخرون كثيرة.
قال ابن معين: ثقة. قال أحمد: ثبت حافظ. وقال أبو حاتم: صدوق
صدوق (3) ، لا يُدفعُ عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين.
وقال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين، وضعفه فيما روى عن
المجهولين. روى له الجماعة (4) .
وهلال بن ميمون أبو علي، ويقال: أبو المغيرة الجُهني الرملي.
سمع: سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد، ويعلى بن شداد، وغيرهم.
روى عنه: مروان بن معاوية، وأبو معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه. روى
له أبو داود، وابن ماجه (5) .
قوله: " أراه عن أبي سعيد " أي: أظنه.
قوله: " تنح حنى أريك " معناه: حتى أعلمك، ومنه قوله تعالى:
(وأرنا مناسكنا) (6) .
__________
(1) المصدر السابق (22/4408)
(2) في الأصل: " حميد ".
(3) كذا بالتكرار، وفي " الجرح والتعديل " (8/1246) : " صدوق " واحدة.
(4) المصدر السابق (27/5877) .
(5) المصدر السابق (30/6630) .
(6) سورة البقرة: (128) .

(1/434)


قوله: " فدحس بها " أي: دس يده بين الجلد واللحم كما يفعل
السلاخ، والدحس: إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها، والدحس
والدسّ/متقاربان.
قوله: " حتى توارت " أي: حتى غابت " إلى الإبط ".
قوله: " ولم يتوضأ " قال الشيخ زكي الدين: " معنى الوضوء في هذا
الحديث: غسل اليد " 0 قلت: الظاهر أن المراد: لم يتوضأ الوضوء
الشرعي، والتبويب يدل على هذا.
ص- قال أبو داود: زاد عمرو في حديثه: " يعني: لم يمس ماءً ". وقال:
عن هلال بن ميمون الرملي.
قال أبو داود: رواه عبد الواحد بن زياد، وأبو معاوية عن هلال، عن
عطاء، عن النبي- عليه السلام- مرسلاً لم يذكرا (1) أبا سعيد- رضي الله
عنه-.
ش- عبد الواحد بن زياد أبو بشر البصري، قد ذكر. وأبو معاوية
الضرير، وعطاء بن يزيد.
قوله: " زاد عمرو (2) " إشارة إلى رواية أخرى فيها زيادة.
قوله: " لم يمس ماءً "، وقوله: " رواه عبد الواحد " إشارة إلى رواية
أخرى، وفيها إرسال، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً.
***
66- باب: ترك الوضوء من مس الميتة
أي: هذا باب في بيان ترك الوضوء من مس الميتة، وهي التي تموت
بلا ذبح.
173- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: نا سليمان- يعني: ابن بلال
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يذكر " خطأ.
(2) في الأصل: " أبو عمرو " خطأ.

(1/435)


- عن جعفر، عن أبيه، عن جابر: " أن النبي- عليه السلام- مرّ بالسوق
داخلا من بعض العالية والناس كنفتيْه، فمر بجدْي أسك ميت، فتناولهُ
فاخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟ " (1) وساق الحديث.
ش- سليمان بن بلال أبو محمد، أو أبو أيوب القرشي التيمي المدني،
مولى عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
سمع: شريك بن عبد الله بن أبي نمر، ويحيى الأنصاري، وعبد الله بن
دينار، وجعفر بن محمد، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وابن
وهب، وأبو عامر العقدي، وعبد الله بن مسلمة، وغيرهم. وقال ابن
معين: ثقة، صالحُ الحديث. وقال أحمد: لا بأس به. توفي بالمدينة
سنة اثنتين وسبعين ومائة (2) .
وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي
الهاشمي، أبو عبد الله المدني الصادق. روى عن: أبيه، ومحمد بن
المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، والقاسم بن محمد،
ومسلم بن أبي مريم المدني، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه: يحيى بن
سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة،
ويحيى بن سعيد القطان، وسليمان بن بلال، وجماعة آخرون كثيرة.
قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسألُ عن مثله. روى
له الجماعة إلا البخاري (3) .
ومحمد بن علي والد جعفر المعروف بالباقر أبو جعفر المدني. روى
عن: أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله
ابن جعفر بن أبي طالب، ومحمد ابن الحنفية، وعبيد (4) الله بن
أبي رافع. روى عنه: أبو إسحاق الهمْداني، وعمرو بن دينار،
__________
(1) مسلم: كتاب الزهد والرقائق (2957) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2496) .
(3) المصدر السابق (5/950) .
(4) في الأصل: " عبد " خطأ.

(1/436)


والزهري، وعطاء بن أبي رباح، والأعرج، وهو أسنُ، وابنه جعفر بن
محمد، وابن جريج، والأوزاعي، وآخرون. روى له الجماعة (1) .
قوله: " في بعض العالية " العالية واحدة العوالي، وهي أماكن بأعلى
أراضي المدينة، أدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد
ثمانية، والنسب إليها عُلوي على غير قياس.
قوله: " والناس كنفتيه " جملة وقعت حالاً من الضمير الذي في " مر "،
وكذا قوله: " داخلاً " حال منه، ومعنى " كنفتيه " ناحيتيه، وفي لفظ
" كنفيه " أي: جانبيه، والمعنى: محيطون به من جانبيه.
قوله: " فمر بجدي أسك " الجدي بفتح الجيم وسكون الدال: من ولد
المعز، و " الأسك " بفتحتين وتشديد الكاف: الصغير الأذن، وقيل:
صغير الأذنين. ملتصقهما وقيل: الذي لا أذنان له، والذي قطعت أذناه،
وهو أيضاً: الأصم الذي لا يسمع. وقال ابن الجوزي في " جامع
المسانيد ": " وفي لفظ: أصك بالصاد ".
قوله: " وساق الحديث " وتمامه في " صحيح مسلم "، ولفظه: " مر
رسول الله داخلاً في بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت،
فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما
نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله
لو كان حيا كان عيباً فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ قال: فوالله
للدنيا أهونُ على الله من هذا عليكم ".
وفي " مسند أحمد ": ثنا عفان قال: ثنا وهيب قال: ثنا جعفر، عن
أبيه، عن جابر: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى العالية فمر بالسوق، فمر
بجدي أسك ميت، فتناوله فرفعه، فقال: بكم تحبون أن هذا لكم؟
قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: بكم تحبون أنه لكم؟
قالوا: والله لو كان حيا لكان عيباً فيه [أنه] (2) أسك، فكيف وهو
__________
(1) المصدر السابق (26/5478) .
(2) زيادة من " المسند ".

(1/437)


ميت؟ قال: فوالله الدنيا (1) أهون/على الله عز وجل من هذا
عليكم " (2) . وقد ذكره مسلم في " صحيحه " في كتاب الزهد، وإنما ذكره
أبو داود هاهنا بياناً: أن من مس الميتة لا يحب عليه الوضوء، فإنه- عليه
السلام- لما تناول الجدي الميت بأذنه لم يتوضأ بعد ذلك، ولذلك بوب
بقوله: باب ترك الوضوء من مس الميتة.
***
67- باب: ترك الوضوء مما مسته (3) النار
أي: هذا باب في بيان ترك الوضوء في حق من تناول ما مسته النار.
174- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: نا مالك، عن زيد بن أسلم،
عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: " أن رسول الله- عليه السلام- كل
كتْف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ " (4) .
ش- الكتْف والكتف مثل الكذْب والكذب، وهذا الحديث وأمثاله
ناسخة للأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار، وذهب جماهير
العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار،
وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور،
وغيرهم. وذهبت طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي وضوء الصلاة بأكل
ما مسته النار، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري،
والزهري، وأبي قلابة، واحتجوا بحديث: " توضؤوا مما مست النار "،
واحتج الجمهور بهذا الحديث وأمثاله. وهذا الحديث أخرجه البخاري
ومسلم.
175- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري،
المعنى، قالا: ثنا وكيع، عن مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن
__________
(1) كذا، وفي المسند: " للدنيا ".
(2) مسند أحمد (3/365) .
(3) في سنن أبي داود: " مست ".
(4) البخاري: كتاب الوضوء، باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
(207) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار
(354) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (488) .

(1/438)


المغيرة بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة قال: " ضفْتُ النبي- عليه السلام-
ذات ليلة، فأمر بجنب فشُوي، وأخذ الشفْرة فجعل يحُز لي بها منه قال:
فجاء بلالٌ فآذنه بالصلاة قال: فألقى الشفْرة، وقال: ما له تربتْ يداه؟ وقام
يُصلّي ". زاد الأنباري: " وكان شاربي وفى، فقصهُ [لي] (1) على سواك "
أو قال: " أقُصُه لك على سواك؟ (2) .
ش- مسعر بن كدام.
وجامع بن شداد المحاربي أبو صخرة، ويقال: أبو صخر الكوفي.
روى عن: طارق بن عبد الله المحاربي، وصفوان بن مُحرز، والأسود
ابن هلال، وحُمران بن أبان، وغيرهم. روى عنه: الأعمش،
ومسعر، والثوري، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي
سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
والمغيرة بن عبد الله اليشكري، سمع: المغيرة بن شعبة، وأباه،
والمعرور بن سُويد، وعبد الله بن الحارث. روى عنه: جامع بن
الشداد، وواصل الأحدب، وعلقمة بن مرثد. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " ضفتُ النبي " من ضافه يضيفه، يقال: ضفت الرجل إذا نزلت
به في ضيافته، وأضفته إذا أنزلته، وتضيفته إذا نزلت به، وتضيفني إذا
أنزلني.
قوله: " ذات ليلة " أي: ضفت النبي- عليه السلام- مدة، التي هي
ليلة. وقد ذكرنا الكلام في " ذات يوم "، و " ذات ليلة " ونحوهما في
أوائل الكتاب.
قوله: " فأمر بجنب فشُوي " الجنب جنب الشاة، وهي القطعة العظيمة
منها، والجنب: القطعة من الشيء يكون معظمه أو شيئاً كبيراً منه.
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/889) .
(4) المصدر السابق (28/6134) .

(1/439)


قوله: " وأخذ الشفرة " الشفرة- بسكون الفاء-: السكن العريضة 0
قوله: " فجعل يحُزُّ " اعلم أن " جعل " جارٍ مجرى أفعال القلوب في
مجرد الدخول على المبتدأ والخبر، لا في غيره من الأحكام وهي تسعة
منها " جعل "، و " يحز " من حز- بالحاء المهملة- إذا قطع، ويقال:
الحزّ: القطع في الشيء من غير إبانة. يقال: حززت العود أحزه حزا،
والضمير في " بها " يرجع إلى " الشفرة "، وفي " منه لما إلى " الجنب ".
قوله: " فآذنه " بالمد أي: أعلمه من أذن إيذاناً.
قوله: " تربت يداه " كلمة تقولها العرب عند اللوم والتأنيب. ومعناه:
الدعاء عليه بالعقر والعدم، وقد يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون
وقوع الأمر كما قالوا: " عقرى حلقى "، فإن هذا الباب لما كثر في
كلامهم، ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو
كقولهم: " لا والله "، و " بلى والله "، وذلك من لغو اليمين الذي لا
اعتبار به، ولا كفارة فيه؟ ويقال: ترب الرجل إذ افتقر، وأترب إذا
استغنى، ومثل هذا قوله- عليه السلام-: " فعليك بذات الدين تربت
يداك ".
وقال ابن الأثير (1) : " إن هذا دعاء له، وترغيب في استعماله فما
تقدمت الوصية به، وكثيراً ترد للعرب ألفاظ/ظاهرها الذم، وإنما يريدون
بها المدح كقولهم: لا أب لك ولا أم لك، وهوتْ أمه، ولا أرض لك
ونحو ذلك، ومنه حديث أنس- رضي الله عنه-: " لم يكن رسول الله
سباباً، ولا فحاشاً، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: ترب جبينُه ".
وقيل: أراد به الدعاء له بكثرة السجود، فأما قوله لبعض أصحابه: " ترب
نحرُك "، فقتل الرجل شهيداً، فإنه محمول على ظاهره " (2) .
__________
(1) النهاية (1/184- 185) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.

(1/440)


قوله: " وقام يُصلي " المعنى: قام يشرع في الصلاة؛ لأن حالة القيام لا
يكون مصليا، وإنما يكون شارعاً.
فإن قيل: هذا مخالف لقوله: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاةُ،
فابدؤا بالعشاء: قلنا: ليس كذلك، " (1) لأن هذا للصائم الذي قد
أصابه الجوع، وتاقت نفسه إلى الطعام، فأمر أن يصيب من الطعام قدر
ما يُسكن شهوته، لتطمئن نفسه في الصلاة، ولا تنازعه شهوة الطعام،
وهذا فيمن (2) أحضره الطعام أو أن العادة غداء وعشاء يكون متماسكاً في
نفسه يزعجه الجوع، ولا تعجله عن إقامة الصلاة وإيفاء حقها ".
قوله: " وكان شاربي وفى " أي: كثيراً وافراً من وفي الشيء بالتشديد،
ووفى بالتخفيف أيضاً إذا تم ذلك.
قوله: " فقصه " أي: قطعه من القص، ويستفاد من الحديث فوائد،
الأولى: استحباب إكرام الضيف وإطعامه من خيار الطعام.
والثانية: ترك استخدامه.
والثالثة: المبادرة إلى الطاعة.
والرابعة: جواز الدعاء لرجل بكلمة ظاهرها الذم.
والخامسة: فيه دلالة على [أن] الأمر بالوضوء مما غيرت النار أمر
استحباب لا أمر إيجاب.
السادسة: جواز قطع اللحم بالسكين، فإن قيل: جاء النهي. فيه في
بعض الحديث: " وأمرنا بالنهش " قلنا: المراد من ذلك كراهة زي العجم،
واستعمال عادتهم في الأكل بالأخلة والبارجين على مذهب النخوة والترفه
عن مس الأصابع الشفتين والفم، وأما إذا كان اللحم طابقاً أو عضواً كبيراً
كالجنب ونحوه، لا يكره قطعه بالسكن، وإصلاحه به والحزُ
__________
(1) انظره في معالم السنن (1/58) .
(2) في الأصل: " وأما إذا "، وما أثبتناه من معالم السنن.

(1/441)


منه، وإذا كان عُراقاً أو نحوه فنهشه مستحب على مذهب التواضع وطرح
الكبر.
السابعة (1) : استحباب قطع الشارب إذا طال وتجاوز عن حده،
والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه (2) .
176- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا أبو الأحوص قال: ثنا سماك، عن
عكرمة، عن ابن عباس قال: " كل رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتفاً ثم مسح يده بمسْح
كان تحته، ثم قام فصلى " (3) .
ش- مسدد بن مسرهد، وأبو الأحوص: عوف بن مالك، وسماك
ابن حرب، وعكرمة مولى ابن عباس.
قوله: " كتفاً " الكتف: عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من
الناس والدواب، وهو بكسر الكاف، وسكون التاء، وفتح الكاف،
وكسر التاء، مثل كذْب وكذب.
قوله: " بمسْح " المسح بكسر الميم وسكون السين: البلاسُ (4) ،
والجمع " مسوح " و " أمساح ".
قوله: " كان تحته " صفة للمسح.
وفيه فوائد، الأولى: جواز مسح اليد بالمسح وبأي شيء كان.
والثانية: جواز استفراش المسح.
والثالثة: الاكتفاء بالمسح عقيب الطعام بدون الغسل. وأخرج هذا
الحديث ابن ماجه أيضاً.
177- ص- حدثنا حفص بن عمر النمري قال: ثنا همام، عن قتادة،
__________
(1) في الأصل: " السادسة ".
(2) ذكر صاحب التحفة (8/11530) أن هذا الحديث لم يخرجه إلا الترمذي في
" الشمائل "، والنسائي في " الكبرى " فقط، والله أعلم.
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (488) .
(4) البلاس: ثوب من الشعر غليظ.

(1/442)


عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام- انْتهس من
كتف، ثم صلى ولم يتوضأ " (1) .
ش- حفص بن عمرو بن الحارث بن سخبرة، وهمام بن يحيى بن
دينار، وقتادة بن دعامة.
ويحيى بن يعمر أبو سليمان، أو أبو سعيد، أو أبو عدي البصري
المروزي قاضيها أيام فتنة ابن مسلم. سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله
ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري،
وأبا الأسود الديلي. وروى عن: أبي موسى، والنعمان بن بشير،
وعائشة أم المؤمنين. وروى عنه: عبد الله بن بريدة، إسحاق بن سويد،
ويحيى بن عقيل، وعطاء الخراساني. قال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة.
روى له الجماعة (2) .
قوله: " انتهس " النهس- بالسين المهملة-: أخذ اللحم بأطراف
الأسنان، والنهش- بالمعجمة-: الأخذ بجميعها. وقال الأصمعي:
كلاهما واحد. وقيل: هو بالمهملة أبلغ منه بالمعجمة. وقيل: النهس:
سرعة الأكل. وقيل: نهس الرجل والسبُع نهساً/: قبض عليه ثم نثره.
وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عطاء بن يسار عنه: " أن رسول الله
آكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ ".
178- ص- حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثْعمي قال: نا حجاج قال ابن
جريج: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:
" قربتُ للنبي- عليه السلام- خُبزاً ولحماً، فأكل ثم (3) دعا، فدعا بوضوء
فتوضأ (3) ، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، فأكل ثم قام إلى الصلاة
ولم يتوضأ " (4) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6952) .
(3) في سنن أبي داود: " ثم دعا بوضوء فتوضأ به ".
(4) تفرد به أبو داود.

(1/443)


ش- إبراهيم بن حسن بن الهيثم المقسمي الخثعمي (1) البصري. روى
عن: الحارث بن عطية، وحجاج بن محمد. روى عنه: أبو داود،
والنسائي، وموسى بن هارون. قال أبو حاتم: هو صدوق، وكتب
عنه (2) .
وحجاج بن محمد الأعور، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز،
وقد ذكر.
ومحمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدير بن عبد العزى بن عامر بن
الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة، أبو بكر، أو أبو عبد الله
القرشي التيمي. روى عن: أبي قتادة، وأبي هريرة، وعبد الله بن
عمر، وسفينة، وأبي رافع، وأسماء بنت أبي بكر. وسمع: عبد الله
ابن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، وأميمة،
وغيرهم. روى عنه: جعفر بن محمد الصادق، وعمرو بن دينار، وزيد
ابن أسلم، ومالك بن أنس، وابن جريج، وابنه المنكدر، وجماعة
آخرون. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " قرّبتُ " بتشديد الراء.
قوله: " ثم دعا " أي: ثم دعا عقيب الطعام.
وقوله: " فدعا بوضوء " يجوز أن يكون تفسيراً لقوله: " ثم دعا "
والمعنى: لما فرغ من الطعام طلب الوضوء، ويجوز أن يكون " دعا "
الأول من الدعاء إلى الله تعالى بالشكر، والثناء، وبالدعاء لجابر حيث
قرّب له الطعام، ويكون " دعا " الثاني بمعنى: الطلب، والمعنى: لما
أكل ودعا طلب الوضوء، و " الفاء " في الأول الفاء التفسيرية. وفي
الثاني للعطف المفيد للترتيب، و " الوضوء " بفتح الواو: الماء الذي
__________
(1) في الأصل: " القسمي العبشمي " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/163) .
(3) المصدر السابق (26/5632) .

(1/444)


يُتوضأ به. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز الجمع بين
الطعامين.
والثانية: جواز العود إلى فضلة الطعام.
والثالثة: جواز ترك الوضوء مما مست النار
179- ص- حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي قال: نا عليّ بن
عياش قال: نا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال:
" كان آخرُ الأمرين أن (1) رسول الله- عليه السلام- ترك الوُضوءُ مما غيرت
النارُ " (2) .
قال أبو داود: هذا اختصار من الحديث الأول.
ش- موسى بن سهل بن قادم أبو عمران الرملي. سمع: علي بن
عياش الحمصي، وحجاج بن إبراهيم الأزرق، وعبد الملك بن حكم،
وجماعة آخرين. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وابنه
عبد الرحمن، وأبو بكر بن خزيمة، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق.
مات سنة إحدى وستين ومائتين (3) .
وعلي بن عياش- بالشين المعجمة- ابن مسلم الحمصي الألهاني
أبو الحسن، يُعرف بالبكاء. روى عن: شعيب بن أبي حمزة، وعبد الرحمن
ابن ثابت، ومحمد بن مهاجر، ومعاوية بن يحيى، وغيرهم. روى
عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو زرعة
الدمشقي، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: هو ثقة. مات سنة ثمان
عشرة ومائتين، وهو ابن ست وسبعين سنة. روى له الجماعة (4) .
وشعيب بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة: دينار القرشي الأموي،
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء مما غيرت النار (1/107) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6264) .
(4) المصدر السابق (21/4116) .

(1/445)


مولاهم الحمصي. سمع: نافعاً، والزهري، ومحمد بن المنكدر،
ومحمد بن الوليد، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد، وأبو حيوة
شريح بن يزيد، وعليّ بن عياش، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة.
مات سنة ثنتين وسبعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " كان آخر الأمرين " الأمران هما: الوضوء مما مسته النار،
وترك الوضوء منه، و " آخر " مرفوع على أنه اسم " كان "، وخبره قوله:
" أن رسول الله "، والمعنى: أن هذا الحديث ناسخ لحديث الوضوء مما
مست النار، وهو حديث صحيح. ورواه النسائي أيضاً وغيرهما من أهل
السنن. واحتج الجمهور بذلك على ترك الوضوء مما مسته النار.
180- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرج قال: نا عبد الملك بن
أبي كريمة. قال ابنُ السرح: من (2) خيار المسلمين، حدّثني/عبيد بن
ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبدُ الله بن الحارث بن جزء الزبيدي من
أصحاب النبي- عليه السلام- فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: " لقد
رأيتُني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار رجل، فمر بلال
فناداه بالصلاة فخرجْنا، فمررنا برجل وبُرمتُهُ على النار، فقال له رسولُ الله:
" أطابتْ بُرْمتك؟ قال: نعم بأبي وأمي (3) ، فتناول منها بضعة فلم يزل
يعْلُكُها حتى أحرم بالصلاة وأنا انظر إليه " (4) .
ش- عبد الملك بن أبي كريمة البصري. روى عن: عُبيد بن ثمامة.
روى عنه: أبو الطاهر أحمد بن عمرو المذكور. روى له: أبو داود.
وعُبيد بن ثمامة المرادي. سمع عبد الله بن الحارث، روى عنه عبد الملك
المذكور، روى له أبو داود (5) .
__________
(1) المصدر السابق (12/2747) .
(2) في سنن أبي داود: " ابن أبي كريمة من خيار المسلمين ".
(3) في سنن أبي داود: " بأبي أنت وأمي ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3552) .

(1/446)


وعبد الله بن الحارث بن جزء بن عبد الله بن معدي كرب الزُبيدي
أبو الحارث، شهد فتح مصر واختط بها وسكنها. روى عنه: عبد الملك
المذكور، ومسلم بن يزيد الصدفي، وعقبة بن مسلم التجيبي، ويزيد بن
أبي حبيب، وغيرهم من أهل مصر، وكان قد عمي، وهو آخر من مات
بمصر من أصحاب النبي- عليه السلام- سنة خمس أو سبع أو ثمان
وثمانين. وقال أحمد بن محمد بن سلامة: كانت وفاته بأسفل مصر
بالقرية المعروفة بسقط القدور. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه (1) .
قوله: " قال ابن السرح: من خيار المسلمين " أي: قال ابن السرح
المذكور: أن عبد الملك المذكور من خيار المسلمين.
قوله: " لقد رأيتُني " بضم التاء، أي: لقد رأيت نفسي.
قوله: " سابع سبعة " مفعول ثان لرأيت، ومعنى سابع سبعة: إما
واحد من السبعة أو مصير الستة سبعة، وهكذا القاعدة في المفرد في المتعدد
باعتبار تصييره. تقول الثاني والثالث والرابع إلى العاشر، فإنها أسماء
موضوعة لواحد من المعدود باعتبار ذلك العدد المشتق ذلك الاسم منه،
كالثالث مثلاً، فإنه مشتق من الثلاثة لواحد، إما باعتبار أنه أحد الثلاثة
أو باعتبار أنه مصير ما دونها عليها زائدة، وهكذا القياس في الباقي فافهم.
قوله: " أو سادس ستة " شك من الراوي.
قوله: " وبُرْمته على النار " جملة وقعت حالاً من الرجل، البُرمة- بضم
الباء، وسكون الراء-: القدر مطلقاً، وجمعها: " برام " بكسر الباء،
وهي في الأصل: المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن.
قوله: " أطابت بُرمتك " أي: أطاب ما في بُرمتك، ذكر المحل وأراد
به الحال، وطيب ما فيها كناية عن استوائها، والهمزة فيه للاستفهام.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/280) ، وأسد الغابة
(3/203) ، والإصابة (2/291) .

(1/447)


قوله: " بأبي وأمي " الباء فيه متعلقة بمحذوف تقديره: فديتك بأبي وأمي
وحُذف هذا المقدر تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب به، ويجوز
أن يكون " بأبي " في محل الرفع على الخبرية، والمبتدأ محذوف تقديره:
أنت مُفدى بأبي وأمي.
قوله: " بضعة " بفتح الباء، أي: قطعة
قوله: " فلم يزل يعلكها " أي: يلوكها في فمه، والعلك مضغ ما لا
يطاوع الأسنان، من باب نصر ينصر.
قوله: " حتى أحرم بالصلاة " أي: شرع فيها، ومنه تكبيرة الإحرام؟
لأنها تحرم كل شيء خلاف الصلاة.
قوله: " وأنما انظر إليه " جملة وقعت حالاً. ويستفاد منه ثلاث فوائد،
الأولى: أن الرجل يباح له أن يسأل من صاحبه الذي بينهما انبساط أن
يطعمه أو يسقيه.
والثانية: فيه جواز ترك غسل اليد مما مسته النار.
والثالثة: جواز ترك المضمضة أيضاً بعد الطعام.
181- ص- (1) حدّثنا مسدد قال: نا يحيى، عن شعبة قال: حدّثني
أبو بكر بن حفص، عن الأغر، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله- عليه
السلام-: " الوُضوءُ مما أنضجت النارُ " (2) .
ش- يحيى القطان، وأبو بكر هو: عبد الله بن حفص بن سعد بن
أبي وقاص، وقد ذكر.
والأغر: أبو مسلم المدني، واسمه: سلمان. سمع أبا هريرة،
وأبا سعيد، وكانا اشتركا في عتقه فهو مولاهما. روى عنه:
__________
(1) وقع هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب التشديد في ذلك "، وهي
نسخة كما سيذكر المصنف.
(2) تفرد به أبو داود.

(1/448)


أبو إسحاق، وأبو جعفر الفراء، وهلال بن يساف، وعطاء بن السائب،
وعليّ بن أقمر، والزهري، وشعبة، وغيرهم. روى له الجماعة إلا
البخاري (1) .
قوله: " الوضوء " مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: الوضوء واجب،
ويجب مما أنضجت النار، وقد بينا أن هذا الحديث وأمثاله منسوخة، أو
يحمل الوضوء على غسل اليدين والفم، وفي بعض النسخ على أول هذا
الحديث: " باب التشديد في ذلك ". وكان ينبغي لأبي داود/أن يذكر
الأحاديث المنسوخة أولاً، ثم يذكر النواسخ كما ذكرها مسلم هكذا،
وغالب المحدثين يذكرون الأحاديث التي يرونها منسوخة ثم يعقبونها
بالنواسخ.
182- ص- حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا أبان، عن يحيى- يعني:
ابن أبي كثير- عن أبي سلمة، أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه، أنه
دخل على أمّ حبيبة فسقتْهُ قدحاً من سويق، فدعا بماء فتمضمض. قالت: يا
ابن أخي، ألا تتوضأ (2) ؟ إن رسول الله- عليه السلام- قال: " توضّؤُوا مما
غيرت النارُ، أو مست النارُ " (3) (4) .
ش- مسلم بن إبراهيم القصاب، وأبان بن يزيد العطار، ويحيى بن
أبي كثير: أبو نصر اليمامي، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن
القرشي.
وأبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي. روى
عن أم حبيبة أم المؤمنين، وهو ابن أخيها. روى عنه أبو سلمة بن
عبد الرحمن، حديثه في أهل الحجاز. روى له أبو داود والنسائي (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2439) .
(2) في سنن أبي داود: " توضأ ".
(3) زيد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: في حديث الزهري: يا ابن أخي ".
(4) النسائي: كتاب الطهارة، باب: الوضوء مما غيرت النار (1/107) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/7402) .
29* شرح سنن أبي داوود 1

(1/449)


وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، أم المؤمنين
أم حبيبة الأموية، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة
فتوفي، فتزوجها رسول الله سنة ست، ويقال: سبع. رُوي لها عن
رسول الله خمسة وستون حديثاً، اتفقا على حديثين، ولمسلم مثلها.
روى عنها: أخواها معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن
أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وأبو المليح عامر بن أسامة، وأبو صالح
السمان، وأبو سفيان بن سعيد المذكور، وغيرهم. توفيت سنة أربع
وأربعين. روى لها الجماعة (1) .
قوله: " قدحاً من سويق " القدح: الذي يؤكل فيه، والسويق معروف.
قوله: " أو مست النار " شك من الراوي، والمفعول في " غيرت "
و" مست " محذوف، والتقدير: غيرته ومسته. والحديث أخرجه النسائي
أيضاً وهو منسوخ كما ذكرنا.
***
68- باب: الوضوء من اللبن
أي: هذا باب في بيان الوضوء من شرب اللبن.
183- ص- حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن عُقيل، عن
الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس: " أن النبيّ- عليه
السلام- شرب لبناً، فدعا بماء، فتمضْمض ثم قال: إن له دسماً " (2) .
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/303) ، وأسد الغابة
(7/115) ، والإصابة (4/305) .
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: هل يمضمض من اللبن (211) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار (95/358) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: في المضمضة من اللبن (89) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: المضمضة من اللبن (1/109) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: المضمضة من شرب اللبن (498) .

(1/450)


ش- الليث بن سعد.
وعقيل- بضم العين- بن خالد بن عقيل- بالفتح- الأيْلي (1)
أبو خالد الأموي، مولى عثمان بن عفان. روى عن: أبيه، وعكرمة
مولى ابن عباس، والزهري، وغيرهم. روى عنه: يونس بن يزيد
الأيلي (1) ، والليث بن سعد، ونافع بن يزيد، وجماعة آخرون. قال
أبو زرعة: صدوق، ثقة. توفي بمصر فجأة سنة أربع وأربعين ومائة
روى له الجماعة (2)
والزهري: محمد بن مسنم.
وعبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور القرشي النوفلي مولاهم. سمع:
عبد الله بن عباس، وصفية بنت شيبة. روى عنه الزهري. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " دسماً " منصوب على أنه اسم " إن "، وهو الدهن، تقول
فيه: دسم الشيء بالكسر. وفيه استحباب المضمضة من شرب اللبن.
وقالت العلماء: وكذلك غيره من المأكول والمشروب ليتطهر فمه لقراءة
القرآن وغيرها، ولئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة.
وقال الشيخ محيي الدين: " (4) واختلف العلماء في استحباب غسل
اليدين قبل الطعام وبعده، والأظهر استحبابه أولاً إلا أن يتيقن نظافة اليد
من النجاسة والوسخ، واستحبابه بعد الفراغ إلا أن لا يبقى على اليد أثر
الطعام بأن كان يابساً أو لم يمسه بها. وقال مالك: لا يستحب غسل اليد
للطعام إلا أن يكون على اليد أولا قذراً أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة " 0
__________
(1) في الأصل: " الأبُلي " خطأ.
(2) - انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4001) .
(3) المصدر السابق (19/3650) .
(4) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/46) .

(1/451)


وهذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
184- ص- (1) حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن زيد بن الحُباب، عن
مُطيع بن راشد، عن توبة العنبري، أنه سمع أنس بن مالك (2) : " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً فلم يتمضمض، ولم يتوضأ وصلى " (3) .
وقال زيد: دلّني شعبةُ على هذا الشيخ
ش- مطيع بن راشد. روى عن توبة، روى عنه زيد بن الحباب،
روى له أبو داود (4) .
وتوبة بن أبي الأسد: كيسان العنبري أبو المُورعّ البصري، وقيل: توبة
ابن أبي المُورع، جد عباس بن عبد العظيم. سمع: أنس بن مالك،
والشعبي، وعكرمة مولى ابن عباس، ونافعاً، وغيرهم./روى عنه:
الثوري، وشعبة، وحماد بن سلمة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة.
مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي (5) .
وفي هذا الحديث دليل على أن الرجل إذا شرب لبناً ونحوه ولم
يتمضمض لا بأس عليه، وفيه دليل على أن الحديث الذي فيه المضمضة من
اللبن منسوخ، وفي " المصنف ": حدثنا وكيع، عن مالك بن مغول،
عن طلحة قال: سالت أبا عبد الرحمن عن الوضوء من اللبن؟ قال:
من شراب سائغ للشاربين؟
__________
(1) وقع هذا الحديث في سنن أبي داود تحت: " باب الرخصة في ذلك " كما
سيذكر المصنف.
(2) في سنن أبي داود: " ... أنس بن يقول ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6013) .
(5) المصدر السابق (4/809) .

(1/452)


وحدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب قال: كان
أبو عبد الرحمن في المسجد فأتاه مُدرك بن عمارة بلبن فشربه، فقال
مُدرك: هذا ماء فمضمض. قال: من أي شيء؟ أمن السائغ الطيب؟
وفي بعض النسخ على رأس الحديث: " باب الرخصة في ذلك "، أي
في ترك المضمضة عن شرب اللبن.
69- باب الوضوء من الدم
أي: هذا باب في بيان الوضوء من دم يخرج من الرجل.
185- ص- حدثنا أبو توبة الربيع بت نافع قال: نا ابن المبارك، عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن
جابر قال: " خرجنا مع رسول الله- يعني في غزوة ذات الرقاع- فأصاب
رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دماً في
أصحاب محمد، فخرج يتبعُ أثر النبيّ- عليه السلام- فنزل النبيُّ- عليه
السلام- منزلا وقال: منْ رجلٌ يكلؤُنا؟ فانتُدب رجلٌ من المهاجرين ورجل
من الأنصار قال: كونا بفم الشعب. قال. فلما خرج الرجلان إلى فم
الشّعب، اضْطجع المُهاجري، وقام الأنصاريُ يُصلي، واتى الرجلُ، فلما
رأى شخْصهُ عرف أنه ربيئةً للقوم فرماه بسهمٍ، فوضعهُ فيه ونزعهُ حتى
قضى ثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبُهُ، فلما عرف أنه قد
نذرُوا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله
ألا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنتُ في سورةٍ أقراها فلم أحب أن أقطعها " (1) .
ش- ابن المبارك هو عبد الله، ومحمد بن إسحاق بن يسار.
وصدقة بن يسار الجزري المكي، سكن مكة روى عن: عبد الله بن
عمر، والقاسم بن محمد، وطاوس بن كيسان. روى عنه: ابن جريج،
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(1/453)


ومالك، والثوري، وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو حاتم: صالح. توفي في أول خلافة بني العباس. روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعقيل- بفتح العين- ابن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
الأنصاري المدني، روى عن: أبيه، روى عنه: صدقة بن يسار، روى
له أبو داود (2)
قوله: " في غزوة ذات الرقاع " كانت في سنة أربع من الهجرة. وذكر
البخاري أنها كانت بعد خيبر؛ لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر،
وسميت الغزوة باسم شجرة هناك، وقيل باسم جبل هناك فيه بياض وسواد
وحمرة، يُقال له الرقاع، فسميت به. وقيل: سميت بذلك لرقاع كانت
في ألويتهم، وقيل: سميت بذلك لأن أقدامهم نُقبت فلفوا عليها الخرق،
وهذا هو الصحيح؛ لأن أبا موسى حاضر ذلك مشاهده، وقد أخبر به.
قوله: " حتى أهريق " أي: أريق، والهاء فيه زائدة.
قوله: " أثر النبي " بفتح الهمزة، والثاء، ويجوز بكسرها وسكون الثاء.
قوله: " من رجل " " من " هاهنا استفهامية، أي: أيُّ رجل يكلؤنا؟
أي: يحرسنا؟ من كلاً يكلاً كلاءةً من باب فتح يفتح، كلأته أكلؤه فأنا
كالىء وهو مكلوء، وقد تخفف همزة الكلاءة وتقلب ياء، فيقال كلاية.
قوله: " فانتدب " يقال: ندبه للأمر فانتدب له، أي: دُعي له
فأجاب، فالرجلان هما عمّار بن ياسر، وعباد بن بشر، ويقال:
الأنصاري هو عمارة بن حزم، والمشهور الأول.
قوله: " بفم الشعب " الشعب بكسر الشين: الطريق في الجبل،
وجمعه " شعاب ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2871) .
(2) المصدر السابق (20/3995) .

(1/454)


قوله: " وقلم الأنصاري ": وهو عباد بن بشر.
وقوله: " فصلى " جملة وقعت حالاً من " الأنصاري ".
قوله: " ربيئة " الربيئة- بفتح الراء وكسر الباء- هو العين والطليعة
الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل أو شرف-
ينظر منه، من ربأ يربأ، من باب فتح يفتح، يقال:/يربأ أهله، أي:
يحفظهم من عدوهم، وارتبأت الجبل، أي: صعدته.
قوله: " فرماه " الضمير المرفوع فيه يرجع إلى الرجل المشرك، والضمير
المنصوب يرجع إلى الأنصاري.
قوله: " حتى قضى ثلاثة أسهم " أي:- حتى كمل ثلاثة أسهم؛ لأن
القضاء في اللغة على وجوه، ومرجع الجمع إلى انقطاع الشيء وتمامه،
وكلما أحكم عمله فقد قضى، ومنه القضاء المقرون بالقدر.
قوله: " قد نذروا به " بفتح النون وكسر الذال المعجمة أي: علموا به،
وأحسوا بمكانه.
قوله: " ألا أنبهتني " يجوز " ألا " بفتح الهمزة والتخفيف، ويكون
بمعنى الإنكار عليه عدم إنباهه، ويجوز بالفتح والتشديد، ويكون بمعنى
" هلا " بمعنى اللوم والعتب على ترك الإنباه.
قوله: " أول " نصب على الظرفية، أي: في أول ما رمى، و " ما "
مصدرية، والمعنى: في أول رميه إياه.
قوله: " كنت في سورة أقرأها " وكانت سورة الكهف- حكاه البيهقي.
وهذا الحديث صحيح رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخمسين من
القسم الرابع. ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه، وعلّقه البخاري
في " صحيحه " في كتاب الوضوء فقال: ويذكر عن جابر بن عبد الله:
" أن النبي- عليه السلام- كان في غزوة ذات الرقاع، فرُمي رجل بسهم
فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته ". ورواه الدارقطني في
" سننه "، والبيهقي في كتاب " دلائل النبوة "، واحتج الشافعي ومن معه

(1/455)


بهذا الحديث: أن خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين لا ينقض الوضوء،
فإنه لو كان ناقضاً للطهارة لكانت صلاة الأنصاري تفسد بسيلان الدم أول
ما أصابته الرمية ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد، وهو
محدث.
واحتجت أصحابنا بأحاديث كثيرة، وأقواها وأصحها: ما روى البخاري
في " صحيحه " عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
" جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي- عليه السلام- فقالت: يا
رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: " إنما
ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا
أدبرت فاغسلي عنك ". قال هشام: قال أبي: ثم توضئي لكل صلاة
حتى يجيء ذلك الوقت (1) .
فإن قيل: قوله: " ثم توضئي لكل صلاة " من كلام عروة قلنا: بل
هو من كلام النبي- عليه السلام- ولكن الراوي علقه، إذ لو كان من
كلام عروة لقال: ثم تتوضأ لكل صلاة. فلما قال: توضئي شاكل ما
قبله في اللفظ، وأيضاً فقد رواه الترمذي فلم يجعله من كلام عروة ولفظه:
" وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك
الوقت " وصحّحه (2) ، وأما احتجاج الشافعي بذاك الحديث مشكل جدا؛
لأن الدم إذا سال أصاب بدنه وجلده، وربما أصاب ثيابه، ومع إصابة
شيء من ذلك وإن كان يسيرًا لا تصح الصلاة عنده، ولئن قالوا: إن الدم
كان يخرج من الجراحة على سبيل الذرق (3) حتى لا يصيب شيئاً من ظاهر
بدنه. قلنا: إن كان كذلك فهو أمر عجب، وهو بعيد جدا.
وقوله: " في الدماء " يدل على أن الدم أصاب ثوبه أو بدنه أو كليهما،
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الدم (228) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة (125) ، وانظر
تعليق الشيخ أحمد شاكر.
(3) الذرق: خُرءُ الطائر.

(1/456)


ولم يُصب الأرض، والسهام كانت ثلاثة، فالظاهر أنها أصابت ثلاثة
مواضع، وذلك يدل على كثرة الدم، فلما لم يدل مضيه على جواز
الصلاة مع النجاسة، كذلك لا يدل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء،
على أنا نقول: إن هذا فعل واحد من الصحابة، ولعله كان مذهباً له، أو
لم يعلم بحكمه، والله أعلم.
وهاهنا قاعدة وهي: أن تقليد الصحابي واجب أم لا؟ فالشافعي في
قوله الجديد لا يُقلد أحداً منهم أصلاً، سواء كان مما يدرك بالقياس أو لا
يدرك وجوباً ولا جوازا، وجوز بعض الشافعية التقليد من غير وجوب.
وقال أبو سعيد البرذعي من أصحابنا: تقليد الصحابي واجب، يُتركُ به
القياس. وقال الكرخي وجماعة من أصحابنا: يجب تقليده فيما لا يُدركُ
بالقياس، وفيما يدرك بالقياس لا يجب. وهذا كله إنما هو في كل ما
ثبت عنهم من غير خلاف بينهم، وأما إذا ثبت الخلاف بينهم فلا يجب
تقليده إجماعاً، وإذا كان كذلك فكيف يقلد الشافعيُّ الأنصاري في صلاته
بالدم الخارج منه، وقد خالفه في ذلك جماعة من الصحابة مثل عمر،
وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وثوبان،
وأبو (1) الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري رُوي عنهم أنهم
قالوا بمذهبنا، وهؤلاء فقهاء الصحابة متبع لهم في فتواهم فيجب
تقليدهم، وقد قيل: إنه مذهب العشرة/المبشرة، وقد روى مالك في
" الموطأ ": حدثنا نافع عن ابن عمر: " أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ
ولم يتكلم، ثم رجع وبنى على ما قد صلى ".
وروى الشافعي في " مسنده ": حدثنا عبد المجيد، عن ابن جريج،
عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: " أنه كان يقول: من أصابه
رعاف، أو مذي أو قيء انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ". وقال النووي
في " الخلاصة ": ليس في نقض الوضوء وعدم نقضه بالدم والقيء
والضحك في الصلاة حديث صحيح.
__________
(1) كذا.

(1/457)