شرح أبي داود للعيني

90- باب: المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟
أي: هذا باب في بيان أن المرأة هل تنقض شعر رأسها عند الغسل من
الجنابة.
236- ص- ثنا زهير بن حرب وابن السرج قالا: ثنا سفيان بن عيينة،
عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع مولى
أم سلمة، عن أم سلمة: " أن امرأة " (2) ، وقال زهير: " أنها قالت:
يا رسولَ الله، إني امرأة أشُد ضُفرَ رَأسي، أفَأنقضُه للجنابة، قال: إنما
يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً ".
وقالَ زهير: " تُحثِي عليه ثلاثَ حَثَيَات من ماء، ثم تُفيضي على سَائر
جَسَدِكِ، فإذا أنتِ قد ظهُرتِ " (3) . "
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " أن امرأة من المسلمين ".
(3) مسلم: كتاب الحيض، باب: حكم ضفائر المغتسلة (58 /330) ، الترمذي:-

(2/5)


ش- ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح.
وأيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس
ابن عبد مناف القرشي الأموي أبو موسى المكي، وهو ابن عم إسماعيل
ابن أمية. سمع: عطاء بن أبي رباح، وسعيداً (1) المقبري، والزهري،
ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وشعبة، وابن
جريج، والأوزاعي، وغيرهم. وقال أحمد، وابن معين، وأبو زرعة:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (2) .
وسعيد بن أبي سعيد المقبري: أبو سَعد المدني، واسم أبي سعيد:
كيسان، نسب إلى مقبُرَة بالمدينة كان مجاوراً لها، وكان مكاتباً لامرأة من
أهل المدينة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. روى عن: سعد
ابن أبي وقاص، وجبير بن مطعم. وسمع: عبد الله بن عمر،
وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وعبد الله بن رافع، وغيرهم. روى
عنه: أبو حازم سلمة بن دينار، ومحمد بن عجلان، ومالك بن أنس،
والليث بن سعد، وشعبة، وجماعة آخرون. قال أحمد بن حنبل: لا
بأس به. وقال أبو زرعة: ثقة 0 وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن
سعد: ثقة كثير الحديث، ولكنه كبر وبقي حتى اختلط قبل موته. روى
له الجماعة (3)
وعبد الله بن رافع: أبو رافع المدني المخزومي، مولى أم سلمة زوج
النبي- عليه السلام-. سمع: أبا هريرة، وأم سلمة. روى عنه:
سعيد المقبري، والقاسم بن عباس الهاشمي، ومحمد بن إسحاق بن
__________
- كتاب الطهارة، باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ (105) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند
اغتسالها من الجنابة (241) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
غسل النساء من الجنابة (603) .
(1) في الأصل: " سعيد " 0
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/626) .
(3) المصدر السابق (10/2284) .

(2/6)


يسار، وغيرهم. قال أبو زرعة: مديني ثقة. وقال أحمد بن عبد الله:
تابعي ثقة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " أشد ضفر رأسي " بسكون الفاء، أي: فتل الشعر وإدخال
بعضه في بعض، ويقال بفتح الفاء وهو الشيء المضفور. وقال الشيخ
محيي الدين (2) : " هو بفتح الضاد وإسكان الفاء، هذا هو المشهور
المعروف في رواية الحديث، والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم،
ومعناه: احكم فتل شعري. وقال الإمام ابن بري في الجزء الذي صنفه
في لحن الفقهاء: من ذلك قولهم في حديث أم سلمة: " أشد ضفر
رأسي " يقولونه بفتح الضاد، وإسكان الفاء، وصوابه ضم الضاد والفاء
جمع " ضفيرة "، كسفينة وسُفُن. وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل
الصواب جواز الأمرين، ولكل واحد منهما معنى صحيح، ولكن يترجح
ما قدمناه لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة ".
قوله: " أن تحفني " من حفن حفنة، والحفنة: ملء الكفين من أي شيء
كان.
قوله: " ثلاثا " أي: ثلاث حفنات.
قوله: " تحثي " من حثيت / وحثوت بالياء والواو لغتان، يقال: حثى يحثو
حثواً ويحثي حثياً، ومعنى ثلاث حثيات: ثلاث غرف بيديه واحدها حثية.
قوله: " فإذا أنت فد طهرت " الفاء فيه زائدة لازمة عند الفارسي؛ لأن
كلمة " إذا " للمفاجأة، و " إذَا " التي للمفاجأة تختص بالجمل الاسمية،
ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال،
نحو: خرجت، فإذا الأسد بالباب ومنه: (فَإذَا هِيَ حَبَةٌ تَسعَى) (3) ،
وبعضهم يجعلون هذه (4) الفاء عاطفة، وعند أَبي إسحاق للسببية المحضة
كفاء الجواب.
__________
(1) المصدر السابق (14/3255) .
(3) سورة طه: (20) .
(2) " شرح صحيح مسلم " (4/11) .
(4) في الأصل: " هذا ".

(2/7)


ثم اعلم (1) " أن مذهب الجمهور: أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء
إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض لم يحب نقضها، وإن لم
يصل إلا بنقضها وجب نقضها، وحديث أم سلمة محمول على أنه كان
يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض؛ لأن إيصال الماء واجب،
وحكي عن النخعي وجوب نقضها بكل حال. وعن الحسن وطاوس
وجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وإذا كان للرجل ضفيرة فهو
كالمرأة ".
ويستفاد همن هذا الحديث أن الدلك ليس بشرط، وهو قول عامة الفقهاء
إلا مالك فإنه شرطه في الغسل والوضوء جميعاً، وأن الفيضة الواحدة من
الماء إذا عمت تجزئه، وأن الغسلات الثلاث إنما هي على الاستحباب،
وليست على الوجوب، كذا قاله الخطابي (2) . والحديث أخرجه مسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
237- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثني ابن نافع-
يعني: الصائغ، عن أسامة، عن المقبري، عن أم سلمة: " أن امرأةً جاءت
أم سَلَمةَ (3) بهذا الحديث قال: قالت فسألت لها النبيَ- عليه السلام-
بمعناه، قال فيه: " واغمِزِي قُرُونَكِ عندَ كل حَفنَة " (4) .
ش- ابن نافع هو: عبد الله بن نافع الصَائغ، المدني، أبو محمد
القرشي المخزومي. سمع: مالك بن أنس، وهشام بن عروة،
وأبا المثنى، وغيرهم. روى عنه: دُحيم، ومسلم بن عمرو الحذاء،
وعبد الوهاب بن بخت (5) ، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة 0 مات
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/12) . (2) معالم السنن (1/70) .
(3) في سنن أبي داود: " جاءت إلى أم سلمة ". (4) تفرد به أبو داود.
(5) كذا، والذي في تهذيب الكمال: " بكر بن عبد الوهاب ابن أخت الواقدي "،
ولم يرد ذكر لعبد الوهاب بن بخت فيمن روي عن ابن نافع، ولعله سبق
قلم، والله أعلم.

(2/8)


بالمدينة في رمضان سنة ست ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي،
والترمذي، وابن ماجه (1) .
وأسامة بن زيد، والمقبري سعيد بن أبي سعيد، وقد مر قريباً.
قوله: " بهذا الحديث " متعلق بمحذوف تقديره: روى أسامة بهذا
الحديث المذكور، والضمير الذي في " قال " يرجع إلى أسامة أيضا،
والذي في " قالت " إلى المرأة، والذي في " سألت " إلى أم سلمة.
وقوله: " لها " أي: لأجلها، أي: لأجل المرأة التي جاءت أم سلمة.
قوله: " بمعناه " كذلك متعلق بمحذوف، أي: رواه بمعنى الحديث
المذكور، ولكن زاد في هذه الرواية: " واغمزي قرونك " واحدها " قرن "
وهو شيء مجموع من الشعر، والغمز: التحريك بشدة. وقال ابن
الأثير (2) : " القرون: الشعور، وكل ضفيرة من ضفائر الشعر قرن بفتح
القاف، وسكون الراء ". وقال (3) : ومعنى " اغمزي قرونك ": اكبسي
ضفائر شعرك عند الغسل، والغمز: العصر والكبس باليد.
238- ص- حدَثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا يحيى بن أبي بُكير قال:
نا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، عن عائشةَ
قالت: " كانت إِحدَانَا إذا أصابَتهَا جَنَابةٌ أخَذت ثلاثَ حَفَنَات، هكذا تعني
بكفيها جميعاً، " فتصُب على رأسهَا، وأخذت بيد واحدة فصًبَتهَا على هذا
الشِّقَ، والأخرى على الشّقِّ الآخَرَِ " (4) .
ش- يحيى بن أبي بكير، واسم أبي بكير: نسر- بالنون والسين
المهملة- ابن أسِيد- بفتح الهمزة، وكسر السين- ويقال: ابن بشر
- بالباء الموحدة والشين المعجمة- أبو زكرياء الكرماني. روى عن: إبراهيم
ابن طهمان، وإبراهيم بن نافع، وزائدة بن قدامة، وغيرهم. روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3609) .
(2) النهاية (4/51) .
(3) النهاية (3/385) .
(4) البخاري: كتاب الغسل، باب: من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل (277) .

(2/9)


محمد بن سعيد الأصبهاني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان بن
أبي شيبة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ثمان ومائتين.
روى له الجماعة (1)
وإبراهيم بن نافع المخزومي المكي. سمع: عطاء بن أبي رباح،
والحسن بن مسلم، وأبا يسار، وسليمان الأحول. روى عنه: الثوري،
وأبو نعيم، ويحيى بن أبي بكرِ، وجماعة آخرون. وقال أحمد ويحيى:
هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
والحسن بن مسلم بن يناق المكي، سمع: طاوساً، ومجاهداً،
وصفية بنت شيبة. روى عنه: حميد الطويل، والحكم بن عيينة، وابن
جريج، وغيرهم. قال أبو زرعة وابن معين: ثقة. قال أبو حاتم:
صالح الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: " وأخذت بيد واحدة " /أي: غرفة أخرى فيكون مجموع هذا
الغسل من ثلاث حفنات وغرفتين، الحفنات الثلاث على الرأس،
والواحدة من الغرفتين على الشق الأيمن، والأخرى على الأيسر.
وأخرجه البخاري بنحوه.
239- ص- حدثنا نصر بن علي قال: نا عبد الله بن داود، عن عمر بن
سويد، عن عائشةَ بنت طلحةَ، عن عائشةَ- رضي الله عنها- قالت: " كُنا
نَغتسلُ وعلينا الضَّما " ونحنُ مع رسول الله- علمه السلام- مُحلاتٌ
ومُحرماتٌ " (4) .
ش- عبد الله بن داود الخُريبي.
وعمر بن سويد الثقفي. سمع عائشة بنت طلحة. روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6797) .
(2) المصدر السابق (2/260) . (3) المصدر السابق (6/1275) .
(4) تفرد به أبو داود.

(2/10)


عبد الله بن المبارك، وأبو نعيم، ووكيع. وقال ابن معين: ثقة. روى
له أبو داود (1) .
وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية التيمية أم عمران المدنية.
وأمها: أم كلثوم بنت أبي بكر الصِّدِّيق، نزوجها عبد الله بن عبد الرحمن
ابن أبي بكر الصَديق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير فقتل عنها،
وخلف عليها عمرو بن عبد الله بن معمر التيمي. روت عن عائشة
الصديقة. روى عنها: ابنها طلحة بن عبد الله، وابن أخيها طلحة بن
يحيى، ومعاوية بن إسحاق، وعمر بن سُويد، وآخرون. وكانت من
أجمل نساء قريش، أصدقها مصعب بن الزبير ألف ألف درهم. قال ابن
معين: ثقة حجة. روى لها الجماعة (2)
قوله: " وعلينا الضماد " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" تغتسل "، والضِّماد- بكسر الضاد-: خرقة يُشد بها العضو المؤوف،
ثم قيل: لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يُشد. وقال الشيخ زكي
الدين: الضِّماد: هو لطخ الشعر بالطيب وما يلبده ويسكنه، وأصله من
الضمد، وهو الشد.
قوله: " ونحن " مبتدأ وخبره قوله: " محلات "، والجملة أيضاً
موضعها النصب على الحال، و " المُحلات " جمع " مُحلة " بمعنى ضد
المحرمة، مُفعِلَة من أحلّت إذا خرجت من الإحرام، وأحرمت إذا دخلت
في الإحرام، والمعنى من هذا الحديث: أن الماء إذا بلغ أصول الشعر لا
يحتاج إلى نقض الضفائر، ولا الضمادات التي عليها.
240- ص- حدَثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل قال
ابن عوف: وثنا محمد بن إسماعيل، عن أبيه قال: حدَّثني ضمضم بن
زرعة عن شريح بن عُبيد قال: أفتاني جُبير بن نفير عن الغُسلِ من الجَنابةِ،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4252) .
(2) المصدر السابق (35/7888) .

(2/11)


أن ثوبانَ حدثَهُم أنهم استَفتَوا النبيَ- عليه السلام- عن ذلك فقال: " أمَا
الرجلُ فلينشر رأسَهُ فليغسلهُ حتى يبلغِ أصولَ الشعر، وأمَا المرأةُ فلا عَلَيهَا
أن لا تَنقُضَهُ، لِتغرِف علىَ رأسِهَا ثَلاث غَرَفَاتٍ بكفَّيهًا " (1) .
ش- إسماعيل هذا هو ابن عبد الكريم بن معقل بن منبه بن كامل بن
شيخ الصنعاني، أبو هاشم. روى عن: عمه عبد الصمد بن معقل،
وإبراهيم بن عقيل، وابن أبي رواد، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن
الصباح، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن
راهويه، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، رجل صدق، والصحيفة التي
يرويها عن وهب عن جابر ليست بشيء، إنما هو كتاب وقع إليهم، ولم
يسمع وهب من جابر شيئاً. توفي باليمن سنة عشر ومائتين. روى له
أبو داود (2) .
ومحمد بن إسماعيل بن عياش النصري- بالنون- الحمصي. روى
عن أبيه، روى عنه: محمد بن عوف الطائي، وأبو زرعة الرازي،
وعمر بن إسحاق، وأبو داود، وغيرهم. قال عبد الرحمن: سألت أبي
عنه فقال: لم يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يحدث فحدّث (3) .
وأبوه إسماعيل بن عياش بن سُليم قد ذكرناه.
وضمضم بن زرعة الحضرمي الحمصي، وقيل: الدمشقي. روى عن
شريح بن عُبيد. روى عنه: إسماعيل بن عياش، ويحيى بن حمزة.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ضعيف. روى له أبو داود (4) .
وشريح بن عُبيد بن شريح بن عبد بن عريب الحضرمي، وقيل:
المقدامي أبو الصلت الشامي الحمصي. روى عن: معاوية بن أبي سفيان،
__________
(1) تفرد به أبو داود..
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/463) .
(3) المصدر السابق (24/5067) .
(4) المصدر السابق (13/2942) .

(2/12)


وفضالة بن عبيد، وأبي ذر الغفاري، وعقبة بن عامر، وأبي الدرداء،
وثوبان مولى النبي- عليه السلام- وغيرهم، ومن التابعين عن جبير بن
نفير، وكثير بن مرة، ويزيد بن خُمير، وغيرهم. روى عنه: ضمضم
ابن زرعة، وصفوان بن عمرو، وثور بن يزيد، وغيرهم. قال ابن
العجلي: تابعي ثقة. روى له: أبو داود/، وابن ماجه (1) .
وجبير بن نفير الحضرمي الحمصي، قد ذكرناه، وكذلك ثوبان مولى
النبي- عليه السلام-.
قوله: " عن ذلك " أي: عن الغسل من الجنابة.
قوله: " أما الرجل " أمّا هاهنا للتفصيل، يفصل به ما أُجمل من حكم
الرجل والمرأة في الغُسل.
قوله: " فلينشر رأسه " أي: شعر رأسه، من النشر الذي هو ضد
الطي.
قوله: " فلا عليها أن لا تنقضه " أي: فلا بأس عليها، أو فلا حرج
عليها أن لا تنقض شعرها، والمراد منه: أنها لا تحتاج إلى بَلِّ ضفائرها إذا
بلغ الماء إلى أصولها؛ لأن في ذلك حرجاً، بخلاف الرجل كما في
حديث أم سلمة، حيث لم يأمرها بنقض ضفائرها، وإنما أمرها بثلاث
حفنات عليها، وهذا الباب كله في هذا المعنى.
***
91- باب: الجنب يغسل رأسه بالخِطمِيِّ (2)
أي: هذا باب في بيان الجنب الذي يغسل رأسه بالخِطمي. قال
الجوهري: هو بكسر الخاء. قال الأزهري: هو بفتح الخاء. قال: ومن
قال خِطمي بالكسر فقد لحن، وهو نبات مشهور، له نور أحمر مثل
الورد الأحمر.
__________
(1) المصدر السابق (12/2726) .
(2) في سنن أبي داود زيادة: " أيجزئه ذلك؟ "

(2/13)


241- ص- حدَّثنا محمد بن جعفر بن زياد قال: نا شريك، عن قيس
ابن وهب، عن رجلِ من سُواءة (1) ، عن عائشة، عن النبي- عليه السلام-:
" أنه كان يَغسلُ رأسه بالخطميَ وهو جُنبٌ، يَجتزي بذلك، ولا يَصب عليه
الماءَ " (2)
.ً
ش- محمد بن جعفر بن زياد بن أبي هاشم الوركاني الخراساني،
يكنى أبا عمران، سكن بغداد. روى عن: إبراهيم بن سعد، وشريك
ابن عبد الله، وأيوب بن جابر الحنفي، ومالك بن أنس، وغيرهم.
روى عنه: ابن معين، ومسلم، وأبو يعلى الموصلي، وأبو داود،
وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة. توفي في سنة ثمان وعشرين
ومائتين ببغداد (3) .
وشريك بن عبد. الله النخعي.
وقيس بن وهب الهمداني الكوفي. روى عن: أنس بن مالك، ومُرة
الطيب، وأبي عبد الرحمن السلمي، وغيرهم. روى عنه: الثوري،
وشريك، وإسرائيل بن يونس، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين:
ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه (4)
قوله: " عن رجل من سُواءة " مجهول، وبنو سواءة بضم السين
المهملة، وهو سواءة بن عامر بن صعصعة، مات بالكوفة سنة أربع
وسبعين.
قوله: " وهو جنب " جملة وقعت حالاً من الضمير الذي في " يغسل ".
قوله: " يجتزي بذلك " أي: يكتفي به، والمعنى: أنه كان يكتفي بالماء
الذي يغسلُ به الخطمي، وينوي به غسل الجنابة، ولا يستعمل بعده ماءً
آخر يخص به الغسَل، كذا قال ابن الأثير (5)
__________
(1) في سنن أبي داود: " من بني سواءة بن عامر ".
(2) تفرد به أبي داود
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5116) .
(4) المصدر السابق (24/4926) .
(5) النهاية (2/51) .

(2/14)


قلت: يجزئه وإن لم ينوبه لإطلاق الحديث، وإطلاق كل ما روي
في هذا الباب من الآثار. وفي المصنف (1) : حدَّثنا أبو بكر قال:
نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث بن الأزمع قال: قال
عبد الله: من غسل رأسه بالخِطمي وهو جنب فقد أبلغ الغسل ".
وقال الحارث: ولكن لا يعيد ما سال من الخطمي على رأسه أيضاً.
وفيه عن ابن عباس قال: تجزئه أن لا يُعيد على رَأسه الغسل. وعن سعيد
ابن جبير في الجنب: يغسل رأسه بالسدر؟، قال: لا يغسل رأسه.
***
92- باب: فيما يفيض بين المرأة وبين الرجل
أي: هذا باب في بيان ما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء، من فاض
الماء، والدمع وغيرهما، يفيض فيضاً إذا كثر.
242- ص- حدثنا محمد بن رافع قال: نا يحيى بن اَدم قال: نا شريك،
عن قيس بن وهب، عن رجل من بني سواءة بن عامر، عن عائشة فيما
يَفيضُ بين الرجلِ والمرأةِ من الماء قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذُ كفا من
ماَءٍ يَصُبُّ على الماءِ، [ثم يأخذُ كَفا من ماءٍ] (2) ، ثم يَصُبهُ عَلَيهِ " (3) .
ش- محمد بن رافع النيسابوري، ويحيى بن اَدم بن سليمان الكوفي،
وشريك النخعي، وفيه أيضاًَ رجل مجهول ... (4) .
93- باب: في مؤاكلة الحائض ومجامعتها
أي: هذا باب في بيان مؤاكلة الحائض، المؤاكلة والمجامعة كلتاهما من
باب المفاعلة، ذكرهما ليدل على فعل الاثنين؛ لأن باب المفاعلة لنسبة
__________
(1) (1/70- 71) . (2) زيادة من سنن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) بَيَضَ له المصنف قدر ثلاثة أسطر، ولم يكتب شيئاً.

(2/15)


أصل الفعل إلى أحد الأمرين/متعلقاًَ بالآخر للمشاركة صريحاًَ، فيجيء
العكس ضمناَ، نحو: ضاربته، وشاركته، ولأجل ذلك [جُعل] غير
المتعدي متعدياَ نحو: كارمته.
243- ص- حدَّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أنا ثابت
البناني، عن أنس بن مالك: " أن اليهودَ كانت إذا حَاضت منهم امرأةٌ (1)
أخرجُوهَا من البيت، ولم يُؤَاكلُوها، ولم يُشَارِبُوها، ولم يُجَامِعُوها في
البيت، فسئِلَ رسول الله- عليهَ السلام- عن ذلك، فأنزلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
(وَيَسألُونَكَ عَنِ المَحيضَ قُل هُوَ أذى فَاعتَزِلُوا النَسَاءَ فِي المَحِيضِ..0) (2)
إلى آخرِ الآية، فقال رَسولُ الله- عليه السلام-: جَامعُوهُنَ فِي البُيُوتِ،
واصنَعُوا كلًّ شيء غيرَ النكاح، فقالت اليهودُ: ما يُريد هذا الرجلُ أن يَدعَ
شَيئاً من أمرِنَا إلا خَالَفَنَا فيه. فجاءَ أسيد بنُ حُضيرٍ، وعَباد بنُ بشر إلى النبيِّ
- عليه السلام- فقالا. يا رسولَ اللهِ، إن اليهودَ تقولُ كَذاَ وكذَا، أفَلا
نَنكِحُهُنَّ فِي المحيضِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجهُ رسول اللهِ حتى ظَنَنَا أنه قد وَجدَ عليهما،
فخرجَا فاستقبلتهما هَدِيَّةٌ من لَبن إلىَ رسول الله، فَبعثَ في آثَارِهمَا،
فسقاهُمَا، فظننَا أنه لم يَجِد عليهما " (3)
.ً
ش- أُسَيد بن حضير- بضم الهمزة والحاء المهملة، وفتح السين
والضاد المعجمة- بن سماك بن عتيك بن رافع الأنصاري الأشهلي، أحد
النقباء ليلة العقبة، يكنى أبا يحيى، أو أبا حُضَير، أو أبا عتيك، أو
أبا عيسى، أو أبا عتيق، أو أبا عمرو. رُوي له عن رسول الله- عليه
السلام- ثمانية عشر حديثاً، اتفقا على حديث واحد، وانفرد البخاري
__________
(1) في سنن أبي داود: " المرأة ". (2) سورة البقرة: (222) .
(3) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها ... (302) ،
الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومنِ- سورة البقرة (2977) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: تأويل قول الله عز وجَل: (ويسألونك عن المحيض)
(1/152) وفي كتاب الحيض، باب: ما ينال من الحائض (1/187) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها (644) .

(2/16)


بآخر. روى عنه: أنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وكعب بن
مالك، وعائشة الصَديقة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. توفى بالمدينة
سنة عشرين. وصلى عليه عمر بن الخطاب. واختلف في شهوده البدر (1)
روى له الجماعة (2) .
وعبَّاد بن بشر بن وَقش الأنصاري، أسلم على يدي مصعب بن عمير
قبل الهجرة، قبل إسلام معاذ وأسيد بن الحضير، شهد بدراً وما بعدها،
قتل يوم اليمامة شهيداً سنة إحدى عشرة عن خمس وأربعين سنة (3) .
عبّاد بتشديد الباء الموحدة، وبشر بالشن المعجمة، ووَقش بفتح الواو
وسكون القاف، وفي آخره شين معجمة.
قوله: " إن اليهود " اليهود جمع " يهودي "، كما أن الروم جمع
" رومي "، قيل: إنهم ينسبون إلى يهوذا بن يعقوب، وقيل: من التهود،
من هاد يهود إذا تاب، ومنه قوله تعالى: (إِنَا هُدنَا إِلَيكَ) (4) .
قوله: " عن ذلك " أي: عما يفعله اليهود بالحائض.
قوله: " فأنزل الله عَر وجَلَّ: (وَيَسألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ) أي: أسيد
ابن حضير وعباد بن بشر، قال السدي: ثابت بن الدحداح، والمراد من
المحيض الأول: الدم، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً، كما
يُقال: سار يسير سيراً ومسيراً، والأذى هو: القذر. وأما المحيض الثاني
فقد اختلفوا فيه، فقال الشافعي: هو نفس الدم. وقال بعضهم: هو
الفرج؛ لأنه موضع الحيض كما سُمي موضع البيتوتة بيتاً، وموضع
القيلولة مقيلاً، ويكون تقديره: اعتزلوهن ولا تقربوهن في الفرج. وقال
__________
(1) كذا.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/53) ، وأسد الغابة
(1/111) ، والإصابة (1/49) .
(3) المصادر السابقة (2/452) ، (3/150) ، (2/263)
(4) سورة الأعراف: (156) .
2 * شرح سنن أبي داوود 2

(2/17)


آخرون: هو زمن الحيض، تقديره: اعتزلوا النساء في زمان حيضهن.
وقد ذكرنا الاختلاف في القربان فيما تحت الإزار مرة.
قوله: " واصنعوا كل شيء " من التقبيل واللمس والمعانقة والاستمتاع
غير النكاح، والمراد من النكاح: الوطء، والقرائن تدل عليه، وقد
اختلف أن أصل النكاح في العقد أو الوطء، والأصح أنه أصل في العقد،
ويستعمل في الوطء، وكذا المراد من قوله: " أفلا ننكحهن " (1) الوطء
بدلالة القراَن.
قوله: " فتمعَّر وجه رسول الله " بفتح التاء ثالث الحروف، وبعدها عين
مهملة مفتوحة مشددة ورآء، أي: تغير، والأصل فيه قلة النضارة،
وعدم إشراق اللون، ومنه: المكان الأمعر، وهو الجدب الذي ليس فيه
خصب.
قوله: " حتى ظننا أنه قد وجد عليهما " ظننا هذا من الظن الذي بمعنى
الحسبان، وظننا الثاني من الظن الذي بمعنى العلم واليقين، والعرب تجعل
الظن مرة حسباناً، ومرة علماً ويقيناً، وذلك لاتصال طرفيه بهما، فمبدأ
العلم ظن، وآخره يقين. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنّهُم مُلاقُوا
ربِّهِم) (2) معناه: يوقنون. وقوله: " وجد " من وجد عليه يحد وجداً
وموجدة إذا غضب.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز مؤاكلة الحائض
والمشاربة والمجالسة، والاستمتاع بها من كل وجه غير الوطء.
والثانية: كراهة إتيان خبر إلى مسلم بما فيه يكرهه أو يسوءه.
والثالثة: جواز قبول الهدية.
الرابعة: استحباب تفريق الهدية، فإن كان طعاماً يستحب إطعامه لمن
حضره، أو يفرقه على أصحابه أو جيرانه.
__________
(1) في الأصل: " ننحكهن " وهو سبق قلم.
(2) سورة البقرة: (46) .

(2/18)


والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
244- ص- حدثنا مسدد قال: نا عبد الله بن داود، عن مسعر، عن
المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشةَ قالت: " كُنتُ أتَعرقُ العَظمَ وأنا
حائض وأعطيه (1) النبيَ- عليه السلام- فيضِعُ فَمَهُ في الموضع الذي فيه
وَضعتُهُ، وأشربُ الشَرابَ فأنَاوِلَهُ، فيضَعُ فمهُ فِي الموضع الذي كنتُ
أشربُ منهُ " (2) .
ش- مسعر بن كدام، وشريح بن هانئ.
قوله: " أتعرق " من التعرق، من العرق بفتح العين وسكون الراء،
وهو العظم عليه بقية اللحم، يقال منه: عَرَقتُهُ- مخففاً- وتعرقته
واعترقته إذا أخذتَ ما عليه من اللحم بأسنانك.
قوله: " وأنا حائض " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" أتعرق ".
ويستفاد من الحديث: جواز مؤاكلة الحائض ومشاربتها. وأخرجه مسلم
والنسائي، وابن ماجه.
245- ص- حدثنا محمد بن كثير قال: نا سفيان، عن منصور بن
عبد الرحمن، عن صفيةَ، عن عائشةَ قالت: " كانَ رسولُ اللهِ يَضعُ رأسَهُ في
حِجرِي، فَيقرا وأنا حَائِض " (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فأعطيه " 0
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها (14/300) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: سؤر الحائض (1/56) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها (643) .
(3) البخاري: كتاب الحيض، باب: قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض
(297) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها
وترجيله وطهاره (15/301) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: في الذي
يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته (1/147) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: الحائض تتناول الشيء من المسجد (634) .

(2/19)


ش- محمد بن كثير العبدي البصري، وسفيان الثوري.
ومنصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة
ابن عبد العزَى بن عثمان العبدري الكي 0 سمع: أمه صفية بنت شيبة،
وخاله مسافع بن شيبة، وسعيد بن جبير. روى عنه: ابن جريج،
وأيوب بن موسى، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال أبو حاتم:
صالح الحديث. وقال هشام بن محمد: شيخ كبير، كان ثقة قليل
الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذي (1) .
وصفية بنت شيبة الحاجب قد ذكرناها، ومنصور هذا ابنها.
قوله: " في حجري " الحجر- بكسر الحاء، وسكون الجيم- معروف.
ويستفاد من الحدَيث جواز قراءة القرآن مضطجعاً ومتكئاً على الحائض.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
***
94- باب: الحائض تناول شيئاً لمن كان في المسجد (2)
أي: هذا باب في بيان حكم الحائض تناول شيئاً لمن كان في المسجد.
246- ص- حدَّثنا مسدد قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن ثابت
ابن عبيد، عن القاسم، عن عائشةَ قالت: قالَ لي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَاوِليني
الخُمرَةَ مِن المسجد، فقلتُ: إِني حَائض، فقال رسولُ اللهَ: إن حَيضًتَك
ليست في يَدِكِ " (3) .
ش- أبو معاوية الضرير.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 /6197) .
(2) في سنن أبي داود: " باب في الحائض تناول من المسجد " 0
(3) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها (298) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في الحائض تتناول الشيء من السجد
(134) ، النسائي: كتاب الحيض، باب: استخدام الحائض (1/192) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الحائض تتناول الشيء من المسجد (632) .

(2/20)


وثابت بن عبيد الأنصاري الكَوفي، مولى زيد بن ثابت. سمع:
عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، والمغيرة بن شعبة، والبراء بن
عازب، وأنس بن مالك، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبا جعفر
الأنصاري. روى عنه: ابن سيرين، وابن أبي ليلى، والأعمش،
والثوري، وغيرهم. قال أحمد ويحيى: ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " الخُمرة " بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم. قال الهروي: هي
هذه السجادة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من
حصير أو نسيجة خُوص، ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في
هذا المقدار، وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها ". وقال
الخطابي (2) : " هي السجادة يسجد عليها المصلي ". وقد جاء في رواية
أبي داود عن ابن عباس قال: " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت
بها فاًلقتها بين يدي رسول الله على الخمرة التي كان قاعداً عليها،
فأحرقت منها مثل موضع الدرهم ". فهذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما
زاد على قدر الوجه، وسميت خمرة لأنها تخمر الوجه أي: تغطيه.
وأصل التخمير: التغطية. ومنه خمار المرأة، والخمر لأنها تغطىِ العقل.
قوله: " من المسجد " متعلق بقوله: " قال " لا بقوله: " ناوليني "،
ولا " بالخمرة "، والمعنى: أنه- عليه السلام- قال ذلك لها وهو في
المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أن النبي- عليه السلام-
أمرها أن تخرجها له من المسجد؛ لأنه- عليه السلام- كان في المسجد
معتكفاً/وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض، ويدل على ما قلنا:
قوله: " إن حيضتك ليست في يدك " لأنها خافت من إدخال يدها المسجد،
ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى. فإن قيل:
ما معنى تعلق " مِن " ب " قال "، وما محلها من الإعراب؟ قلت: قد
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/822) .
(2) معالم السنن (1/71) .

(2/21)


عرفت أن " مِن " لابتداء الغاية في المكان بالإجماع، وفي الزمان مختلف
فيه، والمعنى: قال لها النبي- عليه السلام- قولاً ابتداؤه من المسجد،
كما في قوده: (أسرَى بعَبده لَيلاً مَنَ المَسجدِ الحَرَام) (1) أي: أسراه
إسراءً ابتداؤه من المسجدَ الحرَاَم. وأما محلهَا فهو النصب على الحال،
والتقدير: قال لها قولاَ حال كونه صادراً ابتداؤه من المسجد.
قوله: " إن حيضتك ليست في يدك " بفتح الحاء هو المشهور في الرواية،
وهو الصحيح. وقال الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء، وهو
خطأ، وصوابها بالكسر أي: الحالة والهيئة. وأنكر القاضي عياض هذا
على الخطابي قال: الصواب هنا ما قال المحدثون من الفتح؛ لأن المراد
الدم وهو الحيضة بالفتح بلا شك، لقوله- عليه السلام-: " ليست في
يدك " معناه: أن النجاسة التي يُصان عنها المسجد- وهي دم الحيض-
ليست في يدك، وهذا بخلاف حديث أم سلمة: " فأخذت ثياب حِيضتي "
فإن الصواب فيه الكسر.
قلت: لِمَا قاله الخطابي وجه؛ لأن قوله- عليه السلام-: " إن
حيضتك ليست في يدك " هي الحال التي تلزمها الحائض من التجنب
والتحيض كما يقال: القِعدة والجلسة، يراد بها حال القعود والجلوس،
والحَيضة- بالفتح- هي الدُفعة الواحدة من دفعات دم التحيض.
ويستفاد من الحديث أن للحائض أن تتناول الشيء من المسجد، وتُناول
الشيء أيضاً لمن في المسجد، وأن من حلف لا يدخل داراً أو مسجداً لا
يحنث بإدخال يده فيه، وكذلك بعض جسده ما لم يدخله بجميع بدنه.
والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرجه ابن ماجه
من حديث عبد الله البهيّ عن عائشة- رضي الله عنها-.
***
__________
(1) سورة الإسراء: (1) .

(2/22)


95- باب: في الحائض لا تقضي الصلاة
أي: هذا باب في بيان أن الحائض ليس عليها أن تقضي الصلاة،
وتقضي الصوم.
247- ص- حدثنا موسى قال: نا وهيب قال: نا أيوب، عن أبي قلابة،
عن معاذة: أن امرأةً سألت عائشةَ: أتَقضِي الحَائضُ الصلاةَ؟ فقالت:
" أحَرُوريَّةٌ أنت؟ لقد كُنَّا نَحيضُ عندَ رسولِ اللهِ فلا نَقضِي، ولا نُؤمَرُ
بالقضاءَِ " (1) .
ش- موسى بن إسماعيل البصري، ووهيب بن خالد، وأيوب
السختياني، وأبو قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو، وقيل: ابن عامر بن
نائل بن مالك أبو قلابة الجرمي البصري. سمع: ثابت بن الضحاك
الأنصاري، وأنس بن مالك، وأبا أمية أنس بن مالك الكعبي، ومالك
ابن الحويرث الليثي، والنعمان بن بشير، وعمرو بن سلمة الجرمي.
روى عنه: أيوب السختياني، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وحميد
الطويل، وعاصم الأحول، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة كثير
الحديث. توفي بالشام سنة أربع ومائة. روى له الجماعة (2) .
ومعاذة بنت عبد الله العدوية البصرية أم الصهباء. سمعت عائشة
أم المؤمنين. روى عنها: أبو قلابة، وقتادة، وعاصم الأحول،
إسحاق بن سويد. قال ابن معين: ثقة حجة. روى لها الجماعة (3) .
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة (321) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض (67/335،
68/335) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الحائض أنها لا
تقضي الصلاة (130) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: سقوط الصلاة عن
الحائض (1/191) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الحائض لا تقضي
الصلاة (631) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3283) .
(3) المصدر السابق (35/7932) .

(2/23)


قوله: " أحرورية أنت؟ " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار،
أي: هذه طريقة الحرورية وبئست الطريقة. الحرورية: طائفة من الخوارج
نسبوا إلى حروراء، قرية على ميلين من الكوفة تمد وتقصر، كان أول
اجتماعهم فيها، وكانوا أنكروا عَلَى عَليٍّ - رضي الله عنه-
تحكيمه أبا موسى الأشعري في أمر معاوية وقالوا له: شككت في أمر الله،
وحكمتَ عدوك، وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يوماً وقد خرجوا
براية وهم ثمانية آلاف، وأميرهم ابن الكولة، فبعث عَلي فقاتلهم،
وكان عندهم من التشدد في الدين ما هو معروف، فلما رأت عائشة-
رضي الله عنها- هذه المرأة تشدد في أمر الحيض، شبهتها بالحرورية
وتشددهم في دينهم. وقيل: إنها خالفت السُّنَّة، وخرجت عز الجماعة
كما خرجوا عن جماعة المسلمين، وقيل: كانوا يرون على الحائض قضاء
الصلاة، وشذّوا في ذلك عن سلف الأمة/فخشيت عائشة- رضي الله
عنها- أن تكون تعتقد مذهب الحرورية في ذلك، فقرعت لها الحجة التي
لا يجوز خلافها.
قوله: " فلا نقضي " أي: الصلاة، ولا يأمرنا به النبي- عليه السلام-
وهذا بإجماع العلماء أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ لأن
في قضائها حرجاًَ، لأنها خسس مرات في اليوم والليلة بخلاف الصوم،
فإنه في السنة مرة واحدة. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
248- ص- حدثنا الحسن بن عمرو قال: أنا سفيان بن عبد الملك، عن
ابن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن معاذة العدوية، عن عائشة بهذا (1) ،
وزاد فيه: " فنؤمر بقضاءِ الصومِ، ولا نُؤمرُ بقضاءِ الصلاةِ " (2) .
ش- سفيان بن عبد الملك المروزي صاحب ابن المبارك. روى عنه:
__________
(1) في سنن أبي داود: " بهذا الحديث. قال أبو داود: وزاد ...
(2) انظر الحديث السابق.

(2/24)


الحسن بن عمرو، وعبد الله بن عثمان، ووهب بن زمعة، وإسحاق بن
راهويه. روى له: أبو داود، والترمذي. توفي قبل المائتين (1) .
وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك، ومعمر بن راشد، وأيوب
السختياني.
قوله: " بهذا " أي: بهذا الحديث، ولكن زاد فيه في هذه الرواية:
" فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ".
***
96- باب: في إتيان الحائض
أي: هذا باب في بيان إتيان الحائض، أي: قربانها.
249- ص- حدثنا مسدد قال: نا يحيى، عن شعبة قال: حدَّثني الحكم،
عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي
- عليه السلام- في الذي يأتي امرأتَهُ وهي حَائض، قال: " يَتصدقُ بدينار أو
بنصفِ دِينار " (2) .
ش- يحيى القطان، والحكم بن عُتيبة.
وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل القرشي
الهاشمي العدوي، أبو عمر المدني، عامل عمر بن عبد العزيز على
الكوفة. رأى عبد الله بن عباس وسأله، وروى عن حفصة زوج النبي
- عليه السلام-. وسمع: محمد بن سعد بن أبي وقاص، ومسلم بن
يسار، ومقسما (3) مولى ابن عباس، ومكحولاً. روى عنه: ابنه عمر،
والزهري، والحكم بن عتيبة، وإسحاق بن راشد، وغيرهم. قال
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2410) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الكفارة في ذلك (136) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ما يجب على من أتى حليلته (1/153) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في كفارة من أتى حائضاً (640) .
(3) في الأصل: " مقسم ".

(2/25)


عبد الله بن أبي داود: هو ثقة. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والترمذي. توفي بحران في خلافة هشام بن عبد الملك (1) .
ومقسم بن بُجرة، ويُقال: ابن نجدة أبو القاسم، ويقال: أبو هاشم
الهاشمي، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، ونسب إلى ابن
عباس للزومه له، وروايته عنه. سمع: عبد الله بن عباس، وعائشة،
وأم سلمة، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: الحكم بن عُتيبة،
وعمران بن أبي أنس، وعبد الكريم بن مالك الحراني، وغيرهم. قال
أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به. توفي سنة إحدى ومائة. روى
له الجماعة (2) .
قوله: " في الذي " أي: في الرجل الذي يأتي امرأته، أي: يقربها
ويغشاها.
قوله: " وهي حائض " جملة وقعت حالاً عن المرأة.
وروى هذا الحديث: النسائي، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي (3) ،
ثم أعله البيهقي بأشياء منها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن
عباس، وأن شعبة رجع عن رفعه. ومنها: أنه رُوي مرسلاً. ومنها: أنه
روي معضلاً كما يجيء الآن. ومنها: أن في متنه اضطراب؛ لأنه رُوي
" بدينار أو نصف دينار " على الشك. ورُوي " يتصدق بدينار، فإن لم
يجد فبنصف دينار ". وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في
انقطاع الدم. وروي: " يتصدق بخمسي دينار ". وروي: " يتصدق
بنصف دينار ". وروي: " إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان أصفر
فنصف دينار ". وروي: " إن كان الدم عبيطاً فليتصدق بدينار، وإن كان
صفرة فنصف دينار ". والجواب عن ذلك كله أن الحاكم أخرجه في
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3724) .
(2) المصدر السابق (28 /6166) .
(3) السنن الكبرى (1/314: 319) .

(2/26)


" مستدركه " (1) وصحَّحه، وكذا صحَّحه ابن القطان، وذكر الخلال،
عن أبي داود: أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد- يعني: هذا
الحديث-. قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة. ولئن
سلمنا أن شعبة رجع عن رفعه، فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعاً، وهو
عمرو بن قيس الملائي إلا أنه أسقط عبد الحميد، وكذا أخرجه من طريقه
النسائي، وعمرو هذا ثقة، وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعاً، وهو
أيضاً أسقط عبد الحميد، وأما ما رُوي فيه من لا خمسي دينار، أو عتق
نسمة "، وغير ذلك، فما منها شيء يعول عليه، فلا يطعن به/على
حديث مقسم، وأيضاً مقتضى قواعد الفقه وأصوله: أن رواية الرفع أشبه
بالصواب؛ لأنها زيادة ثقة، وهذا مقتضى صناعة الحديث؛ لأن رواته
أكثر. ثم حكم هذا الحديث أنه قد ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه جماعة
من العلماء، منهم: قتادة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق
ابن راهويه، والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا شيء عليه،
ولا ينكر أن يكون فيه كفارة؛ لأنه وطء محظور كالوطء في رمضان.
وقال أكثر العلماء: لا شيء عليه ويستغفر الله، وهو قول أصحابنا أيضاًَ،
والصدقة محمولة على الاستحباب، إن أراد تصدق وإلا لا. وعن الحسن
أنه قال: عليه ما على من واقع أهله في رمضان.
ص- قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة: " دينار أو نصف دينار "،
وربما لم يرفعه شعبة.
ش- أشار بهذا الكلام إلى أن الحديث فيه اضطراب، وأنه موقوف على
شعبة، وقد أجبنا عن ذلك.
250- ص- حدثنا عبد السلام بن مُطَهّر قال: نا جعفر- يعني: ابن
سليمان- عن علي بن الحكم البُناني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم،
__________
(1) (1/171) .

(2/27)


عن ابن عباس قال: " إذا أصَابَها في الدمِ (1) ، فدينارٌ، وإذا أصَابَهَا في
انقِطاع الدَّمِ فنصفُ دينارٍ " (2) .
ش- عبد السلام بن مطهر بن حسام بن مصك بن ظالم أبو طفر
الأزدي البصري. روى عن: شعبة، وجعفر بن سليمان، وغيرهما.
روى عنه: البخاري، وأبو داود، وأبو زرعة، وغيرهم. توفي سنة
أربع وعشرين ومائتين (3) .
وجعفر بن سليمان أبو سليمان الضُّبَعي مولى بني الحريش، كان ينزل
في بني ضَبيعة فنسب إليهم. سمع: مالك بن دينار، ومحمد بن
. المنكدر، ويزيد الرِّشك، وابن جريح، وعير هم. روى عنه: الثوري،
وابن المبارك، وأبو الوليد الطيالسي، ومسدد، وغيرهم. وقال ابن
حنبل: لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة،
وبه ضعف، وكان يتشيع. توفي في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة.
روى له الجماعة إلا البخاري (4) .
وعلي بن الحكم البناني أبو الحكم البصري. سمع: عطاء بن
أبي رباح، ونافعاً، وأبا نضرة العبدي، وغيرهم. روى عنه: معمر بن
راشد، وشعبة، وحماد بن سلمة، وغيرهم. قال أحمد: ليس به بأس
وقال أبو حاتم: صالح الحديث 0 وقال ابن سعد: كان ثقة، له
أحاديث. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة 0 روى له: البخاري،
وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
وأبو الحسن الجزري. روى عن: عمرو بن مرة، ومقسم. روى عنه
علي بن الحكم. روى له: أبو داود، والترمذي. وذكره الذهبي في
الكنى. واقتصر على ما ذكرناه (6) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " في أول الدم ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3426)
(4) المصدر السابق (5/943) .
(5) المصدر السابق (20/4057) .
(6) المصدر السابق (33/7311) .

(2/28)


والجزري بفتح الجيم والزاي، وكسر الراء، نسبة إلى الجزيرة، هذا
موقوف.
قوله: " فدينار " أي: فالواجب دينار عند من يقول بوجوبه، أو
المستحب دينار عند من يقول باستحبابه، وأسند البيهقي (1) عن ابن
جريج، عن أبي أمية عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار، وإذا
وطئها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار "، ثم رواه عن
سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس:
" أنه- عليه السلام- أمره أن يتصدق بدينار أو نصف دينار " (2) . وفسر
ذلك مقسم فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد انقطاع الدم
قبل أن تغتسل فنصف دينار.
قلت: هذا شاهد لرواية الحكم، عن عبد الحميد المذكورة أول الباب،
وشاهد أيضاً على أن رواية أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس
محمولة على السماع.
- ص- قال أبو داود:/وكذلك قال علي بن بذيمة، عن مقسم، عن
النبي- عليه السلام- مرسلاً/ (3) قال: وكذلك قال ابن جريج عن
عبد الكريم، عن مقسم.
ش- علي بن بذيمة- بالباء الموحدة، والذال المعجمة- الجزري
الحراني أبو عبد الله السوائي، مولى جابر بن سمرة، أصله كوفي، نزل
حران. سمع: أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير،
وعكرمة مولى ابن عباس. روى عنه: الأعمش، والثوري، وشعبة،
وشريك، وجماعة آخرون. قال ابن معين وأبو زرعة:/هو ثقة.
توفي بخراسان سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) السنن الكبرى (1/316) .
(2) نفسه (1/317) .
(3) ما بين الشرطتين المائلتين ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث الأتي.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4028)

(2/29)


وعبد الكريم (1) هو ابن أبي المخارق- واسمه: قيس- أبو أمية
البصري، نزل مكة. روى عن: أنس بن مالك، وطاوس، ومجاهد،
وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه: ابن جريج، والثوري،
ومالك، وابن عيينة، وغيرهم 0 قال أيوب: هو غير ثقة. وكان
ابن عيينة أيضاً يستضعفه. وقال البيهقي: غير محتج به. قلت: ذكر
الإمام عن الرقيبي أنه قال: عبد الكريم هذا هو ابن مالك أبو سعيد
الجزري. وكذا ذكر المزي هذا الحديث في ترجمة عبد الكريم الجزري،
عن مقسم، ويشكل هذا على رواية البيهقي التي ذكرناها، فإن فيها
أبو أمية عبد الكريم البصري، ثم قال: أبو أمية غير محتج به. قلت:
كيف لا يحتج به، وقد روى عنه ابن جريج، والسفيانان، وغيرهم؟
وأخرج له الحاكم في " المستدرك "؟ واحتج به مسلم فيما ذكره صاحب
الكمال؟ واستشهد به البخاري في " الصحيح " في " باب التهجد "؟
فقال: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: " ولا حول ولا قوة إلا
بالله ".
وأما عبد الكريم بن مالك فهو أبو سعيد الجزري الأموي، مولى لآل
عثمان بن عفان أو معاوية بن أبي سفيان، وهو ابن عم خُصيف،
وخصاف- أصله من إصطخر تحول إلى حران، وابن أنس بن مالك،
وسمع: عكرمة، ومجاهدا، وطاوساً، وغير هم. روى عنه: ابن
جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وجماعة آخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثبت، هو أثبت من خصيف في الحديث.
وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. توفي سنة سبع وعشرين
ومائة. روى له الجماعة (2) .
251- ص- حدثنا محمد بن الصباح قال: نا شريك، عن خصيف،
عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبط- عليه السلام- قال: " إذا وَقعَ
الرجلُ بأهلِهِ وهي حَائض، فليَتَصدق بنصفِ دينار " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (18/3506) . (2) المصدر السابق (18 /3504) .
(3) انظر الحديث السابق.

(2/30)


ش- شريك النخعي.
وخصيف - بضم الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة- ابن
عبد الرحمن الجزري أبو عون الحراني الخِضرمي- بالخاء المعجمة
المكسورة- الأموي، مولى عثمان بن عفان، وَيقال: مولى معاوية، وله
أخ اسمه خصاف، وكانا توأمين، وخصيف أكبرهما. رأى أنس بن
مالك، وروى عنه. وسمع: سعيد بن جبير، ومجاهداً، وغيرهم.
روى عنه: محمد بن إسحاق، وابن جريج، والثوري، وغيرهم. قال
ابن معين: ثقة. وقال النسائي: صالح. توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة (1) .
قوله: " إذا وقع الرجل بأهله " أي: جامعها، وقوله: " وهي حائض "
جملة وقعت حالاً عن الأهل، والأمر فيه محمول على الاستحباب عند
الجمهور كما مر.
ص- قال أبو داود: ورواه الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن
عبد الحميد بنِ عبد الرحمن، عن النبي- عليه السلام- قال: " أمَرَهُ أن
يَتصدقَ بخُمسي دِينارٍ (2) .
ش- الأوزاعي عبد الرحمن، وقد مر ذكره. ويزيد بن أبي مالك،
واسم أبي مالك هانئ الدمشقي. وقد ذكرناه.
قوله: " ورواه " أي: روى هذا الحديث الأوزاعي، وهذا معضل،
وقد عرفت أن المعضل عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعداً، وهو نوع
خاص من المنقطع، فكل معضل منقطع، وليس كل منقطع معضلاً،
وقوم يسمونه مرسلاً.
***
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 /1693) .
(2) في سنن أبي داود زيادة: " وهذا معضل "، وقد ذكره المصنف أثناء شرحه.

(2/31)