شرح أبي داود للعيني

2- كِتابُ الصَلاَةِ
أي: هذا الباب في أحكام الصلاة بأنواعها. ولما فرغ عن الطهارة
الصغرى والكبرى بأنواعهما التي هي شرط، شرع في بيان الصلاة التي
هي مشروط، والشرط يسبق المشروط. واشتقاقها من تحريك الصَّلَوَين.
وهما: العظمان الناتئان عند العجيزة، وقيل: من الدعاء؛ فإن كانت
من الأول تكون من الأسماء المغيرة شرعا، المقررة لغةَ، وإن كانت من
الثاني تكون من الأسماء المنقولة، ويقال: أصلها في اللغة: الدعاء؛
فسمّيت ببعض أجزائها.
وقيل: أصلها في اللغة: التعظيم، وسميت العبادة المخصوصة صلاة
لما فيها من تعظيم الربّ 0 والصلاة: اسمٌ وُضع مَوضع المصدر حتى
يقال: صليت صلاةَ، ولا يقال: صليت تصليةَ- وإن كان هو القياس.
وفي الشرع: الصلاة عبارة عن الأركان المعلومة، والأفعال
المخصوصة. وسببها: الوقت، وشرائطها وأركانها مذكورة في الفقه،
وحكمها: سقوط الواجب عن الذمة في الدنيا، وحصول الثواب في
العقبى، وحكمتها: تعظيم الله، يعني: بجميع الأركان والأعضاء
ظاهرِها وباطِنها تبرئا عن عبدة الأوثان قولا وفعلا وهيئةَ.
375- ص- (1) حدثنا عبد الله بنَ مسلمة، عن مالك، عنه عمّه
أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بنَ عُبَيدِ الله يقول: جَاءَ رجل
إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهلِ نَجد، ثَائرَ الرأسِ يُسمَعُ دويُ صوتِه، ولا يُفقَهُ ما
يَقُولُ، حتى دنى فإذا هو يَسألُ عن الإسلام؟ فقالَ رسولُ اَلله: " خمسُ
صَلَواتِ في اليوم واللَّيلةِ ". قال: هل عَلىَّ غيرُهُنَّ؟ قال: (لا، إلا أن
تَطَّوَعَ ". قالَ: وذكر له رسولُ الله صيامَ رمضانَ (2) فقال: هل عليَّ غيرُه؟
__________
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث: " باب فرض الصلاة "
(2) في سنن أبى داود: " صيام شهر رمضان ".

(2/229)


قال: " لا، إلا أن تَطَّوَعَ ". قالَ: وذكر له رسولُ الله الصدقَةَ قالَ: لهل عَليَ
غيرُهَا؟ قال: " لا، إلا أن تَطَّوَّعَ ". قال: فأدبر الرَجلُ وهو يَقُولُ: والله لا
أزِيدُ على هذا ولا أنقُصُ، فقال رسولُ اللهِ: " أفلَحَ إن صَدقَ " (1) .
ش- مالك: ابن أنس بن مالك، وعمُه: أبُو لسُهَيل نافع بن مالك بن
أبي عامر الأصبحي، أَخو أنس وأُوَيس والربيع، حليف بني تميم.
سمع: أنس بن مالك، وأباه، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد
ابن أبي بكر، وسعيد بن المسيّب، وعلي بن الحسين. وروى عن:
عبد الله بن عُمر، وسهل بن سَعد. روى عنه: الزهري، ومالك بن
أنس، وإسماعيل ومحمد ابنا جَعفر، وعبد العزيز الدراورديّ،
وغيرهم 0 قال أحمد بن حنبل: هو من الثقات. روى له الجماعة (2) .
وأبوه (3) : مالك بن عامر، ويقال: ابن أبي عامر، وهو مالك بن
أبي حُمرة- بالحاء والراء المهملتين- أبو عطية الوداعي (4) الكوفي
الهمداني. سمع: عبد الله بن مَسعود وعائشة الصديقة. وقال ابن سَعد:
روى عن: عمر، وعثمان، وطلحة. روى عنه: خيثمة بن عبد الرحمن،
ومحمد بن سيرين، وعمارة بن عمير، والأعمش، وأبو إسحاق
السبيعي. قال ابن معين، وابن سَعد: هو ثقة، توفي في ولاية مُصعب
ابن الزبير على الكوفة. روى له الجماعة (5) .
قوله: " جاء رجل " هو ضمام (6) بن ثعلبة أخو بني سَعد بن بكر.
قوله: " من أهل نَجد " النجد: الناحية التي بين الحجاز والعراق،
ويقال: ما بَين العراق وبَين وَجرة وغمرة الطائف نجدٌ.
__________
(1) البخاري: كتاب الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام (46) ، مسلم: كتاب
الإيمان، باب: الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (8/11) ، النسائي:
كتاب الصلاة، باب: كم فرضت في اليوم والليلة (1/226) ، وكتاب الصوم
(4/120) ، وكتاب الإيمان (8/118) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6368) .
(3) كذا ترجم المصنف لراو آخر، وأما صاحبنا وهو أبو مالك فهو مترجم في
تهذيب الكمال (27/5745) .
(4) كذا، وفي تهذيب الكمال " الوادعي ".
(5) المصدر السابق (34/7516) .
(6) بهامش الأصل كلمة غير مقروءة.

(2/230)


قوله: " ثائرَ الرأس " أي: قائم شعره، مُنتفِشُه. وقال ابن الأثير (1) :
" منتشر شعر الرأس قائمه، فحذف المضاف ".
قلت: مادته واويّة من ثار الغبارُ يثورُ ثورا، والثائر سَاعة ما يخرج من
التراب، ويجوز فيه الرفع على أنه صفة لرجل، ويجوز نَصبه على
الحال.
فإن قلت: إذا وقع الحال عن النكرة وجب تقديم الحال على ذي الحال
فكيف يكون هذا حالا؟ قلت: يجوز وقوع صاحبها نكرة من غير تأخيره
إذا اتصف بشيء كما في المبتدإ، نحو قوله تعالى: (يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ
حَكِيمٍ * أمراً مَن عندنَا) (2) أو أضيف نحو: جاء غلام رجل قائما، أو
وقع بعد نفي كقولهَ تعَالى: (مَا أهلكنا مِن قَريَة إلا وَلَهَا كِتَابٌ معلُوم) (3)
وهنا- أيضاً- اتصف النكرة بقوله: " من أهلً نجد " فافهم.
قوله: " يُسمعُ دَوي/صوته ولا يُفقه ما يقولُ ". روي: " نسمع "
و" نفقه ". بالنون المفتوحة فيهما 0. وروي بالياء آخر الحروف المضمومة
فيهما على بناء المجهول؛ والأول أشهر وأكثر. و " دَوي " - بفتح الدال
وكسر الواو وتشديد الياء- بُعده في الهواء، وحكى صاحب " المطالع "
فيه ضم الدال- أيضَا-؛ والأول أشهر، ويشتق منه الفعل يقال: دَوّى
النحل تَدوِيةً إذا سمعت لهديره دويا، والمُدَوي: السحابُ ذو الرَّعد
المرتجس، والفقه: الفهمُ؛ قال تعالى: (يَفقَهُوا قَولِي) (4) أي:
حتى يفهموا.
فوله: " فإذا هو يسأل عن الإسلام " أي: عن أركان الإسلام؛ ولو كان
السؤال عن نفس الإسلام كان الجواب غير هذا؛ لأن الجَواب ينبغي أن
[يكون] مطابقا للسؤال، فلما أجاب النبي- عليه السلام- بقوله:
" خمس صلوات " عرف أن سؤاله عن أركان الإسلام وشرائعه، فأجاب
__________
(1) النهاية (1/229) .
(2) سورة الدخان: (4، 5) .
(3) سورة الحجر: (4) .
(4) سورة طه: (28) ، وذكرت في الأصل " حتى يفقهوا قولي " 0

(2/231)


مطابقا لسؤاله؛ لأن الصلوات الخمس وصيام رمضان وإيتاء الصدقة
المذكورة هاهنا ليست عَين الإسلام؛ وإنما هي أركان الإسلام وشرائعُه كما
ورد في حديث آخر: " بني الإسلام على خمس " الحديث؛ والمبنيّ غير
البني عليه. وقد تكلمت الناس في حقيقة الإسلام والإيمان؛ فقال
الزهري: الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل، واحتج بقوله تعالى:
(قَالَت الأعرَابُ آمنا قُل لَّم تُؤمنُوا وَلَكِن قُولُوا (1) أسلَمنَا) (2) . وقال
البغويَ: الإسلام: اسم لما ظَهر من الأعمال، والإيمان: اسم لما بطن
من الاعتقاد؛ لجوابه- عليه السلام- في سؤال جبريل عن الإيمان
والإسلام هكذا. وقال أصحابنا: الإيمان هو التصديق بوجود الله تعالى
وكمالاته وبملائكته وكتبه ورُسُله واليوم الآخر؛ قال الله تعالى: (اَمَنَ
الرَسُولُ بمَا أُنزِلَ إِلَيه مَن ربه) الآية (3) ، وقال النبي- عليه السلام-
حين سُئلَ عن الإيمانَ: " أنَ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم
الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى " والأعمال غير داخلة في ماهية
الإيمان؛ خلافا للأشعرية والمعتزلة والخوارج، والإيمان والإسلام
متلازمان، لا عبرة للتصديق بدون الانقياد للأوامر والنواهي، وكذا على
العكس. وأما قول النبي- عليه السلام-: " أن تشهد بأن لا إله إلا الله
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " الحديث، فالمراد به: شرائع الإسلام؛ لا
نفس ماهية الإسلام- كما ذكرنا-؛ لأن الفاسق مسلم عند أهل السنة.
وقال الشافعي: الإيمان: التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل
بالأركان. ونقل ذلك عن عليّ- رضى الله عنه- (4) . وأما الإسلام:
فهو بمعنى الاستسلام- أي: الانقياد- لغة، وفي الشرع: الخضوع،
__________
(1) في الأصل: " قوالوا ".
(2) سورة الحجرات: (14) .
(3) سورة البقرة: (285) .
(4) ولا شك أن تعريف الإمام الشافعي للإيمان هو التعريف الذي يرتضيه أهل
العلم، ويعتقده أهل السنة والجماعة قاطبة، وانظر: العقيدة الطحاوية
(ص/332: 357) .

(2/232)


وقبول قول الرسول؛ فإن وجد معه اعتقاد وتصديق بالقلب فهو الإيمان،
وإلا فلا؛ فالإيمان أخصّ من الإسلام، وإطلاق أحدهما على الآخر جائز
بطريق التجوز.
قلنا: الإيمان هو التصديق بالله، والإسلام: إما أن يكون مأخوذا من
التسليم؛ وهو تسليم العبد نفسه لله، أو يكون مأخوذا من الاستسلام وهو
الانقياد. وكيف ما كان فهو راجع إلى ما ذكرنا من تصديقه بالقلب
واعتقاده أنه تعالى حالته لا شريك له.
وجواب آخر: قوله تعالى: (وَمَن يَبتَغ غَيرَ الإسلاَم دينا فَلَن يُقبَلَ
منهُ) (1) وقوله تعالى: (إِنَّ الدِّين عندَ الله الإِسلاَمُ) (2) بينَ أن دين الله
هَو الإسلام، وأن كل دين غير الإسَلامَ غير مقبول؛ والإيمان دين لا
محالة، فلو كان غير الإسلام لما كان مقبولاً؛ وليس كذلك.
وجواب آخر: لو كانا متغايرين لَتُصور أحدهما بدون الأخر، ولتُصور
مسلم ليس بمؤمن. والجواب عن الآية- أعني: قوله تعالى: (قَالَت
الأعرَابُ آمَنَّا) - أن المراد بـ " أسلمنا ": استَسلمنا أي: انقدنا، وسؤالَ
جبريل- عليه السلام- ما كان عن الإسلام؛ بل عن شرائع الإسلام.
قوله: " خمسُ صلوات " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو
خمس صلوات، ويجوز الجرّ؛ على أن يكون بدلا من الإسلام،
والنصب- أيضاً- على تقدير: خُذ أو هاك أو نحو ذلك. ثم هاهنا
محذوف تقديره: إقامة خمس صلوات؛ لأن غير الصلوات الخمس ليست
عَين الإسلام؛ بل إقامتها هي من شرائع الإسلام.
/قوله: " إلا أن تطوع " بتشديد الطاء؛ أصله: تتطوع، فأدغمت
إحدى التاءين في الطاء، وهذه قاعدةٌ: أن التاءين إذا اجتمعتا في باب
التفعل تدغم إحداهما في الأخرى طلبا للتخفيف. وقال ابن الصلاح:
محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف، ثم الاستثناء فيه يجوز أن يكون
منقطعا بمعنى " لكن "؛ والأصح أن يكون مُتصلا، ويستدل به على أن من
__________
(1) سورة اَل عمران: (85) .
(2) سورة آل عمران: (19) .

(2/233)


شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامُه، واستدلت الشافعية
بهذا أن الوتر غير واجب. والجواب عن هذا: أنه كان قبل وجوب الوتر
يدل أنه لم يذكر فيه الحًج، وسنتكلم على وجوبيّة الوتر في موضعه إن
شاء الله تعالى.
قوله: " وذكر له رسول الله الصدقة " المراد منها: الزكاة؛ كما في قوله
تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ) الآية (1) .
قوله: " فأدبر الر جل " أي: وَلَى.
قوله: " وهو يقول " جملة وقعت حالا عن الضمير الذي في " أدبر ".
قوله: " لا أزيد ولا أنقص " أي: لا أزيد على ما ذكرت ولا أنقص منه
شيئاً.
فإن قيل: كيف قال: " لا أزيد على هذا " وليس في هذا الحديث
جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية، ولا السنن المندوبة؟ قلنا: قد
جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث: قال: " فأخبره رسول الله
بشرائع الإسلام، فأدبر الرجل وهو يقولُ: لا أزيد ولا أنقص مما فرض
الله علي شيئاً " فعلى عموم قوله: " بشرائع الإسلام " وقوله: " مما
فرض الله " يزول الإشكال في الفرائض. وأما النوافل: فقيل: يحتمل
أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد أن لا أزيد في الفرض
بتغيير صفته؛ كأنه يقول: لا أصلي الظهر خمسَا، ويحتمل أنه أراد أنه لا
يصلي النافلة مع أنه لا يُخلُّ بشيء من الفرائض.
قوله: " أفلح إن صدق " أي: فاز وظفر بالنجاة إن صدق في قوله.
قيل: هذا الفلاح راجع إلى قوله: (ألا أنقص " خاصةَ.
قلت: الأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يَزد ولم ينقص
كان مفلحا؛ لأنه أتى بما عليه، ومَن أتى بما عليه فهو مفلح، ينتج أن
هذا مفلح، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد لا يكونُ مفلحا؛ لأنه يعرف
بالضرورة أن الذي يفلح بالواجب فبالندب أولى وأجدر.
__________
(1) سورة التوبة: (60) .

(2/234)


فإن قيل: لم يأت فيه ذكَر الحج، قلت: كان هذا قبل فرضية الحج؛
كما لم يذكر في بعض الأحاديث الصوم، ولم يذكر في بعضها الزكاة.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد؛ الأولى: أن الصلاة ركن أركان
الإسلام.
الثانية: أنها خمس مرات في اليوم والليلة.
الثالثة: أن الصوم- أيضاً- ركن من أركان الإسلام؛ وهو في كل سنة
شهر واحد.
والرابعة: أن إيتاء الزكاة- أيضا- ركن من أركان الإسلام.
والخامسة: أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمّة بالإجماع،
واختلف في حقه- عليه السلام-؛ والأصح نسخه.
والسادسة: أن صلاة العيد ليست بفريضة؛ خلافا لأبي سعيد
الإصطخري؛ فإنها فرض كفاية عنده.
والسابعة: أن صوم عاشوراء- ولا صومَ غيرِه- ليس بواجب،
واختلفوا أن صوم عاشوراء كان واجبا قبل رمضان أم لا؟ فعند الشافعي
في الأظهر: ما كان واجبا، وعند أبي حنيفة: كان واجبَا؛ وهو وجه
للشافعي.
والثامنة: أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابَا، وتم
عليه الحول.
التاسعة: أن من يأتي بهذه الخصال ويُواظِب عليها صار مفلحا بلا شك.
والعاشرة: أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد لأجل تعلم علم الدين،
والسؤال عن الأكابر أمر مندوب محبوب.
376- ص- نا سليمان بن داود: نا إسماعيل بن جَعفر المَديني، عن
أبي سُهيل نافع بن مالك بن أبي عامر بإسناده بهذا الحديث قال: " أفلَحَ
وأبِيهِ إن صَدَقَ، دَخَلَ الجَنةَ وأبِيه إن صَدَقَ " (1) .
__________
(1) انظر الحديث السابق.

(2/235)


ش- سُليمان بن داود: أبو الرَّبيع الزهراني، وإسماعيل بن جَعفر:
ابن أبي كثير المدني الزرقي مولاهم.
قوله: " أفلح وَأبيه " الواو في " وأبيه " للقسم.
فإن قلت: قد نهى رسول الله- عليه السلام- أن يحلف الرجل بأبيه،
فكيف هذا؟ قلت (1) :/ليس هذا حَلفَا؛ إنما هو كلمة جرت عادة
العرب أن تُدخلها في كلامها غير قاصدة بَها حقيقة الحلِف؛ والنهي إنما
ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به، ومُضَاهاته
بالله سبحانه وتعالى، وقد يقال: يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن
الحلف بغير الله تعالى، وقد يحتمل أن يكون- عليه السلام- أضمر فيه
اسم الله كاًن قال: " رب أبيه "، وإنما نهاهم لأنهم لم يكونوا يضمرون
ذلك؛ وإنما مذهبهم التعظيم لآبائهم.
فإن قيل: لم قال: " إن صدق " ولم يقل: إذا صدق؟ قلت: لأن
صدقه أمر غير مجزوم، وأصل " إن " عدم جزم القائل بوقوع شرطها
ولا (1) وقوعه؛ بل تجويز كل منهما لكونه غير محقق الوقوع كما في
نحو: " إن تكرمني أكرمك " إذ لم يعلم القائل أيكرمه أم لا؟ وأصل " إذا "
الجزم بوقوع الشرط إما تحقيقا كما في: إذا طلعت الشمس، أو خطابيا
كقولك: إذا جاء مُحبّي، فإن مجيئه ليس قطعيّا تحقيقا كطلوع الشمس؛
بل تقديرا باعتبار خطابي- أي: ظني- وهو أنّ المُحبّ يَزورُ المُحِبّ.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1- بَابُ: المَواقيت
أي: هذا باب في بيان مواقيت الصلاةَ؛ والمواقيت جمع وقت على
غير القياس، وفي الأصل جمع ميقات. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في المواقيت " (2) ، وفي بعضها: " باب في المواقيت ". ولما كان
الوقت سببَا للصلاة قَدّمه عليها لتوقف صحتها على معرفة الوقت.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) كما في سنن أبي داود.

(2/236)


377- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني عبد الرحمن
ابن فلان بن أبي ربيعة (1) ، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير بن
مطعم، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللهِ: " أمَّنِي جبريلُ عندَ البيت مَرتينِ،
فصلَّى بِي الظُهرَ حينَ زالتِ الشمسُ، وكانت قَدرًا لشّرَاك، وصَلَى بي
العَصرَ حينَ كان ظلُّهُ مثلَه، وصلى بيَ المغربَ حين أفطرَ الصَائمُ، وصلًّى
بيَ العشَاءَ حين غَابً الَشَّفَقُ، وصَلَّى بي الفجرَ حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ
على الَصائِم، فلما كان الغَدُ صَلَى بيَ الظهرَ حين كان ظلُّهُ مثلَه، وصلَّى بي
العَصرَ حين كان ظلُّهُ مثلَيه، وصلَّى بيَ المغربَ حين أفطًرَ الصائمُ، وصفَى
بيَ العشاءَ إلى ثُلُثَ الليلِ، وصلَّى بيَ الفجرَ فأسفَر، ثم التفتَ إِليَّ فقال: يا
محمدُ! هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِكَ، والوقتُ ما بَين هذينِ الوَقتينِ " (2) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري.
وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش (3) بن أبي ربيعة؛ واسم أبي ربيعة:
عمرو بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني أبو الحارث.
روى عن: حكيم بن حكيم، وعَمرو بن شعيب، وزيد بن علي بن
الحسين. روى عنه: الثوري، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن
محمد، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو حاتم: هو صالح. وقال ابن
سَعد: كان ثقةَ. ولد سنة ثمانين عام الجحاف (4) ، ومات سنة: ثلاث
وأربعين ومائة. روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه () .
وحكيم بن حكيم: ابن عباد بن حنيف بن واهب بن العكيم الأنصاري
الأوسي المديني. سمع: أبا أمامة بن سهل، ونافع بن جبير بن مطعم.
روى عنه: عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وسهيل بن
__________
(1) في سنن أبي داود بعد كلمة " ربيعة ": قال أبو داود: هو عبد الرحمن بن
الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في مواقيت الصلاة (149) .
(3) مكررة في الأصل.
(4) هو الطاعون الجارف الذي كان في تلك السنة، وهو سنة ثمانين.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/37877) .

(2/237)


أبي صالح. قال ابن سعد: كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه. وقد
روى عنه الكوفيون. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
ونافع بن جُبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو. محمد، أو
أبو عبد الله القرشي النوفلي، كان ينزل دار أبيه بالمدينة، وبها مات سنة
تسع وتسعين. سمع: العباس بن عبد المطلب، وابنه: عبد الله،
وعليا، والزبير بن العوام، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: عروة بن
الزبير، وعمرو بن دينار، والزهري، وحكيم بن حكيم، وغيرهم.
قال أبو زرعة وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " أمني جبريل " جبريل ملك ينزل بالوحي على الأنبياء، وأكثر
نزوله كان علَى نبتنا محمد- عليه السلام-، ومعنى " جبر ": عَبد،
و" إيل ": الله، ومعناه: عبد الله؛ وفيه تسع لغات حكاهن ابن
الأنباري: جبريل بفتح الجيم وكسرها- وجَبرئِل- بفتح الجيم وهمزة
مكسورة وتشديد اللام- وجبرائيل- بألفٍ وهمزة بعدها ياء- وجبراييل
- بيائين بعد الألف- وجبرئيل- بهمزة بعد الراء وياء بعد الهمزة
- وجبرئل- بكسر الهمزة وتخفيف اللام، وفتح الجيم والراء، وجبرين
بفتح الجيم وكسرها، وبدل اللام نون.
/قوله: " عند البيت " أي: بحضرة الكعبة، وأطلق البيت على الكعبة
بغلبة الاستعمال، كما أطلق النجم على الثريا، والصعِق على خويلد بن
نُفِيل بن عمرو بن كلاب.
قوله: " حين زالت الشمس " وزوالها: انحطاطها عن كبد السماء يسيرًا.
قوله: " وكانت قدر الشراك " الشراك: أحد سيور النعل التي تكون
على وجوهها؛ " (3) وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد؛ ولكن زوال
الشمس لا يبينُ إلا بأقل ما يُرى من الظل وكان ح (4) بمكة هذا القدرُ،
__________
(1) المصدر السابق (7/1455)
(2) المصدر السابق (29/6359) .
(3) انظر: النهاية لابن الأثير (2/467- 468) .
(4) كذا، وهي بمعنى " حينئذ ".

(2/238)


والظل يَختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من
البلاد التي يقِل فيها الظل، فإذا كان أطول النهار، واستوت الشمس فوق
الكعبة لم يُر لشيء من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقربَ إلى خط
الاستواء، ومعدّل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكلما بَعد عنهما إلى
جهة الشمال يكون الظل فيه أطول ".
قوله: " حين كان ظله مثله " وفي بعض الرواية: " حين صار كل ظل
مثله ".
قوله: " حين غاب الشفق " وهو البياض المعترض في الأفق عند
أبي حنيفة، لأنه من أثر النهار. وبه قال زفر، وداود، والمزني،
واختاره المبرد والفراء، وهو قول أبي بكر الصديق، وعائشة،
وأبي هريرة، ومعاذ، وأبيٍّ، وابن زبير، وعمر بن عبد العزيز،
والأوزاعي. وقال أبو يوسف، ومحمد: هو الحمرة. وهو قول مالك،
والشافعي، وأحمد، والثوري، وابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهويه.
وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وشداد بن أوس، وعبادة بن
الصامت، وحكِي عن مكحول وطاوس، وحكي عن أحمد: إنه البياض
في البنيان، والحمرة في الصحارَى. وقال بعضهم: الشفق: اسم
للحمرة والبياض معا؛ إلا أنه إنما يطلق في أحمر ليس بقانٍ، وأبيض ليس
بناصع.
قوله: " حين حرم الطعام والشراب على الصائم " وهو أول طلوع الفجر
الثاني الصادق.
قوله: " حين كان ظله مثلَيه " وهذا آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة؛
لأنه عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى في الزوال يخرج وقت الظهر،
ويدخل وقت العصر. وقال أبو يوسف، ومحمد: إذا صار ظل كل
شيء مثله يخرج وقت الظهر، ويدخل وقت العصر؛ وهو رواية الحسن
ابن زياد عنه. وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والثوري،
وإسحاق؛ ولكن قال الشافعي: آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء
مثليه لمن ليس له عذر، وأما أصحاب العذر والضرورات فآخر وقتها لهم:
غروب الشمس، قبل أن يصلي منها ركعة.

(2/239)


ثم اعلم أن طريق معرفة الزوال أن يُنصب عود مُستو في أرض مُستوية،
فما دام ظل العُود في النقصان علم أن الشمس في الارتفاع لم نزل بعد،
وإن استوى الظلّ عُلم أنها حالة الزوال، فإذا أخذ الظل في الزيادة علم
أنها زالت، فيخط على رأس الزيادة، فيكون رأس الخط إلى العود في
الزوال، فإذا صار العُود مثليه من رأس الخط، لا من العُود خرج وقت
الطهر عند أبي حنيفة، وعندهما: إذا صار مثله من ذلك الخطِّ.
قوله: " وصلى بي المغربَ حين أفطر الصائم " يعني: حين غابت
الشمس، والإجماع على أن أول وقت المغرب: غروب الشمس.
واختلفوا في آخر وقتها؛ فقال مالك، والأوزاعي، والشافعي: لا وقت
للمغرب إلا وقت واحد. وفي كتب الشافعية: قال الشافعي: وقت
المغرب مقدر بمقدار وقوع فعلها فيه مع شروطها، حتى لو مضى ما يسع
فيه ذلك فقد انقضى الوقت. وقال أبو حنيفة وأصحابه: وقت المغرب:
من غروب الشمس إلى غروب الشفق. وبه قال أحمد، والثوري،
وإسحاق بن راهويه، والشافعي في " القديم " قال الثوري: هو
الصحيح، واختاره البغوي، والخطابيّ، والبيهقي، والغزالي. وعن
مالك ثلاث روايات؛ إحداها: كقولنا، والثانية: كقول الشافعي في
" الجديد "، والثالثة: يبقى إلى طلوع الفجر؛ وهو قول عطاء، وطاوس.
قوله: " وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل " يجوز أن يكون " إلى " هاهنا
بمعنى " في " أي: صلى في ثلث الليل؛ ومنه قوله تعالى: (لَيَجمَعَنَّكُم
إِلَى يَوم القيَامَة) (1) أي: في يوم القيامة؛ وهذا وقت استحباب؛ أما
وقت الجوازَ: َ ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي/، ومالك، وأحمد:
هو وقت الضرورة، والوقت المختار إلى ثلث الليل. وقولنا مروي عن
ابن عباس، وإليه ذهب عطاء، وطاوس، وعكرمة.
قوله: " وصلى بي الفجر فأسفر " أي: نَوّرَ. ولا خلاف في أول وقت
الفجر، وأما آخره: فعند أبي حنيفة وأصحابه: ما لم تطلع الشمس.
__________
(1) سورة النساء: (87) .

(2/240)


وقال الشافعي: إلى الإسفار لأصحاب الرفاهية ولمن لا عذر له. وقال:
من صلى ركعةَ من الصبح قبل طلوع الشمس لم يفته الصبح، وهذا في
أصحاب العُذر والضرورات. وقال مالك، وأحمد، وإسحاق بن
راهويه: من صلى ركعة من الصبح وطلعت الشمس أضاف إليها أخرى
وقد أدرك الصبح.
قوله: " هذا وقت الأنبياء من قبلك " هذا يدل على أن الأنبياء عليهم
السلام كانوا يصلون في هذه الأوقات؛ ولكن لا يلزم أن يكون قد صلى
كل منهم في جميع هذه الأوقات، والمعنى: إن صلاتهم كانت في هذه
الأوقات.
قوله: " والوقت ": مبتدأ، وخبره: قوله: " ما بَين هذين الوقتين "،
والإشارة إلى وقتي اليوم الأول واليوم الثاني الذي أم فيهما جبريلُ النبيَّ
- عليه السلام-.
فإن قيل: هذا يقتضي أن لا يكون الأول والآخر وقتا لها. قلت: لما
صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان منه فعلا، وبقي الاحتياج إلى بيان
ما بين الأول والآخر فبين بالقول.
وجواب آخرُ: أن هذا بيان للوقت المستحبّ؛ إذ الأداء في أول الوقت
ممّا يتعسر على الناس، ويؤدي- أيضاً- إلى تقليل الجماعة، وفي التأخير
إلى آخر الوقت حسن الفوات، فكان المستحب ما بينهما مع قوله- عليه
السلام-: " خير الأمور أوساطها " (1) .
وهذا الحديث هو العمدة في هذا الباب؛ " (2) رواه جماعة من
الصحابة، منهم: ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو مسعود، وأبو هريرة،
وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر.
أما حديث ابن عباس: فهذا الذي أخرجه أبو داود، وأخرجه- أيضاً-
__________
(1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (3/273) من حديث كنانة بن نعيم، وقال:
هذا منقطع.
(2) انظر: نصب الراية (1/221: 226) .
16* شرح سنن أبى داوود 2

(2/241)


الترمذي. وقال: حديث حسن. ورواه ابن حبان في " صحيحه "
والحاكم في " المستدرك " (1) . وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
وعبد الرحمن بن الحارث تكلم فيه أحمد وقال: متروك الحديث، ولينه
النسائي، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، ووثقه ابن سَعد، وابن
حبان. قال في " الإمام ": ورواه أبو بكر بن خزيمة (2) في
" صحيح " (3) . وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": وقد تكلم بعض الناس
في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له ورواته كلهم مشهورون بالعلم.
وقد أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، وابن أبي سَبرة، عن عبد الرحمن
ابن الحارث بإسناده. وأخرجه- أيضاً- عن العمري، عن عمر بن نافع
ابن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس نحوه.
وأما حديث جابِر: فرواه الترمذي، والنسائي. وقال البخاري:
حديث جابر أصح شيء في المواقيت. ورواه ابن حبان في " صحيحه "
والحاكم في " مُستدركه " (4) .
وأما حديث أبي مسعود: فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده ".
وأما حديث أبي هريرة: فرواه البزار في " مصُنفه ". ورواه الحاكم في
" المستدرك " (5) . وقال: صحيح على شرط مسلم.
وأما حديث عمرو بن حزم: فرواه عبد الرزاق في " مُصنفه " وإسحاق
ابن راهويه في " مسنده ".
__________
(1) (1/193) . وأخرجه كذلك أحمد (1/333) ، والدارقطني (1/258) ،
والبيهقي (1/364) .
(2) في الأصل: " أبو بكر بن أبي خزيمة " خطأ.
(3) (1/168) كتاب الصلاة، باب: ذكر مواقيت الصلاة.
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في المواقيت (150) ، النسائي:
كتاب المواقيت، باب: أول وقت العشاء (1/263) ، الحاكم (1/196) ،
والبيهقي (1/368) .
(5) (1/194) ، ورواه النسائي (1/249) ، والدارقطني (1/261) ، والبيهقي
(1/369) .

(2/242)


وأما حديث الخدري: فرواه أحمد في " مسنده " (1) . ورواه الطحاوي
في " شرح الآثار " (2) .
وأما حديث أنس: فرواه الدارقطني في " سننه " (3) .
وأما حديث ابن عُمر: فرواه الدارقطني (4) - أيضا- وسنذكر بَعضها
عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي هذا القدر كفايةٌ لمن له إلمامٌ بالحديث،
ومَن لم يَعتن به لم يُفِده ولو رويتُ المسَانيدَ والسَنن كلها.
378- ص- نا محمد بن سَلمة المُراديُ: نا ابن وهب، عن أسامة بن
زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره، أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على
المنبر فأخر العصر شيئاً فقال له عروة بن الزبير: أما إن جبريل- عليه
السلام- قد أخبر محمدا- عليه السلامِ- بوقت الصلاة، فقال له عُمر:
اعلم ما تقول، فقال له عروةُ: سمِعتُ بشيرَ بن أبي مَسعود يقولُ: سمعتُ
أبا مسعود الأنصاريَّ يقولُ: سمعتُ رسولَ الله يقولُ: " نزلَ جبريلُ- عليه
السلام- فا " خبرَني بوقت/الصلاة، فصليت معه، ثم صليتُ معه، ثمِ
صليتُ معه، ثم صَليتَُ معه، ثم صَليتُ معه " يَحسُبُ بأصابعه خمس
صَلَوات، فرأيتُ رسولَ الله صَلى الظهرَ حين تزولُ الشمسُ، ورَبَّما أخّرَهَا
حين يَشًتدَ الحرُ، ورأيتُه يصلِّي العَصرَ والشمسُ مُرتفعةٌ بيضاءُ قبل أن
تدخلها الصَفراءُ، فيَنصَرِفُ الرجلُ من الصلاة، فيأتيَ ذا الحُلَيفَة قبل غرِوب
الشمسِ، ويُصلِّي المغربَ حين تَسقطُ الشمس، ويُصلِّي العِشَاء حين يسوَدُ
الأفُقُ، وربما أخّرَهَا حتى يَجتمعَ الناسُ، وصلَى الصبحَ مرةً بِغَلَس، ثم
صَلَّى مرةً أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاتُهُ بعدَ ذلكَ التَغلِيسَ حتى مًاتَ،
لم يَعُد إلى أن يُسفِرَ (5) .
__________
(1) (3/30) .
(2) (1/88) .
(3) (1/260) .
(4) (1/259) ، وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: مواقيت الصلاة وفضلها (521) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلاة الخمس 166
(608) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: أخبرنا قتيبة (1/245) ، ابن
ماجه: كتاب الصلاة، باب: مواقيت الصلاة (688) .

(2/243)


ش- ابن وهب: عبد الله، وابن شهاب: الزهري.
وعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن
عبد شمس القرشي الأموي، أبو حفص، الإمام العادل، والخليفة
الراشد، أمه: أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي
الخلافة بعد ابن عمه: سليمان بن عبد الملك، وكان من أئمة العدل،
وأهل الدين والفضل، وكانت ولايته مثل ولاية أبي بكر الصديق: تسعة
وعشرين شهراً. سمع أنس بن مالك، وصلى أنس خلفه. وقال: ما
رأيت أحداٌ أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى. وسمع السائب بن
يزيد. وروى عن: خولة بنت حكيم. وسمع من: عروة بن الزبير،
وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والربيع بن سبرة،
والزهري، وابن المسيب، وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة، والزهري،
وحُميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وجماعة آخرون. قال
الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر
ابن عبد العزيز. توفي سنة إحدى ومائة، وهو ابن تسع وثلاثين سنةَ
وستة أشهر، وكانت وفاته بدير سمعان، وقبره هناك. روى له
الجماعة (1)
وعروة: ابن الزبير بن العوام.
وبَشير بن أبي مَسعود- عقبة- بن عمرو البَدري الأنصاري، قيل: إنه
صحب النبي- عليه السلام- ولا يَثبُت سماعُه منه 0 روى عن: أبيه.
روى عنه: عروة بن الزبير، ويونس بن مَيسرة، وهلال بن جبر. روى
له البخاري، ومسلم، وابن ماجه (2) .
وأبو مَسعود: عقبة بن عَمرو بن ثعلبة البَدري، وقد ذكرناه.
قوله: " اعلم ما تقول " بجزم الميم على الأمر؛ وإنما أنكر عروةُ على
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4277) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/153) ، أسد الغابة
(1/233) ، الإصابة (1/168) .

(2/244)


عمر بن عبد العزيز محتجا بحديث أبي مسعود الأنصاري، وأما تأخيره
هو فلكونه لم يبلغه الحديث، أو كان يرى بجواز التأخير ما لم يخرج
الوقت كما هو مذهب الجمهور.
قوله: " يَحسُبُ بأصابعه " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في
" يقول، وقد مر غير مرة أن الجملة الفعلية الضارعة المثبتة إذا وقعت حالا لا
تحتاج إلى الواو.
قوله: " قبل أن تدخلها الصَّفراءُ " أي: قبل أن تصفرَّ وتتضيف
للغروب. ومن هذا قالت أصحابنا: يكره تأخير العَصر إلى اصفرار
الشمسِ.
قوله: " فيأتي ذا الحليفة " ذو الحليفة هذا ميقات أهل المدينة، بينه وبن
المدينة ستّة أميال أو سَبعة، وهو ماء من مياه بني جُشم. وأما ذو الحليفة
الذي في حديث رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: " كنا مع النبي
- عليه السلام- بذي الحليفة من تهامة فأصَبنا نَهب إبل " فهي نحو ذات
عرق.
قوله: " ويُصلي المغرب حِين تَسقط الشمسُ " أي: حين تقع للغروب.
قوله: " ويُصلي العشاء حين يَسوَدُّ الأفق " والمعنى: حين يغيب الشفق،
لأن الشفق إذا غاب اسود الأفق.
قوله: " بغَلسٍ " الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح:
وليس المراد منه: قبل طلوع الفجر الصادق؛ بل المراد أنه كان صلى
الصبح في أول وقته، وهو طلوع الفجر الصادق، وهذا الوقت يكون
غلسَا؛ لأن النور لا ينتشر فيه جدا. والحديث أخرجه البخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، ولم يذكروا رؤيته لصلاة
رسول الله. قال الشيخ زكي الدين: وهذه الزيادة في قضية الإسفار
رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة.

(2/245)


فلتُ: فيهم أسامة بن زيد وهو متكلم فيه، وسنوضح الكلام في " باب
وقت الصبح ".
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديث عن الزهري: معمر، ومالك،
وابن عُيَينة، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سَعد، وغيرهم؛ لم يذكروا
الوقتَ/الذي صلى فيه ولم يُفَسروه.
ش- أي: روى الحديث المذكور عن محمد بن مسلم الزهري: معمر
ابن راشد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عُيَينة، وشعيب بن أبي حمزة
القرشي الحمصي. ورواه ابن حبان في " صحيحه " عن ابن خزيمة بسنده
عن أسامة به، قال ابن حبان: " لم يُسفر النبي- عليه السلام- بالفجر
إلا مرةَ واحدةَ "، وستأتي الأحاديث التي وردت في الإسناد.
ص- وكذلك- أيضاً- رواه هشام بن عروة، وحبيب بن أبي مرزوق،
عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه؛ إلا أن حبيبا لم يذكر بشيرا.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث هشام بن عروة بن الزبير، وحبيب
ابن أبي مرزوق، عن عروة كرواية معمر بن راشد وأصحابه المذكورين؛
إلا أن حبيب بن أبي مرزوق لم يذكر بشير بن أبي مَسعود.
وحبيب بن أبي مرزوق الرقي سمع: نافعا مولى ابن عمر، وعطاء بن
أبي رباح، وعروة بن الزبير روى عنه: جَعفر بن برقان، وأبو المليح.
قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسَا. وقال ابن معين: مشهور. وقال
هلال بن العلاء: شيخ صالح، بلغني أنه اشترى نفسه من الله عز وجل
ثلاث مرات. روى له: الترمذي، والنسائي (1) .
ص- وروى وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي- عليه السلام-:
وقت المغرب قال: ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمسُ- يعني: من
الغد- وقتا واحداً.
شَ- الذي رواه وهبُ بن كيسان: " (2) أخرجه الترمذي (3) ،-
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1098) .
(2) انظر: نصب الراية (1/222- 223) .
(3) (150) .

(2/246)


والنسائي (1) - واللفظ له- من طريق ابن المبارك، عن حسين بن علي
ابن الحسين: حدثني وهبُ بن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: جاء
جبريلُ إلى النبي- عليهما السلامُ- حيهما مَالتِ الشمسُ فقال: " قم يا
محمدُ فصلِّ الظهرَ " حين مالت الشمسُ، ثم مكث حتى إذا كان فيءُ
الرَّجُلِ مثله جاءه للعَصر فقال: " قم يا محمد فَصَلِّ العصرَ " ثم مكث
حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: " قم فصل المغربَ " فقامَ فصلاها
حين غابت الشمسُ سواءَ، ثم مكث حتى إذا غاب الشفقُ جاءه فقال:
" قم فصَل العشاءَ " فقامَ فصلاَّها، ثم جاءه حين سَطعَ الفجرُ بالصُّبح
فقال: " قم يا محمدُ فصَلِّ الصُّبحَ " ثم جاءه من الغد حين كان فيءُ
الرَّجُل مثله، فقال: " قم يا محمد فصَل " فصَلَّى الظهرَ، ثم جاءه حين
كان فيء الرجل مثلَيه فقال: قم يا محمد فصَلِّ " فصلى العَصرَ، ثم جاءه
للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدَا لم يزل عنه فقال: " قم يا محمد
فصَل " فصلى الغربَ، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلثُ الليل الأول فقال:
" قم يا محمدُ فصل " فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدًا
فقال: " قم يا محمد فصل " فصلى الصبح، ثم قال: " ما بَين هذين
وقتٌ كله ". قال الترمذي: قال محمد- يعني: البخاري-: حديث
جابر أصح شيء في المواقيت. قال: وفي الباب عن أبي هريرة،
وبريده وبي موسى، وأبي مسعود، وأبي سعيد، وجابر، وعمرو
ابن حزم، والبراء، وأنس.
وقال ابن القطان في كتابه: هذا الحديث يجب أن يكون مُرسلا؛ لأن
جابرا لم يذكر مَن حَدّثه بذلك، وجابرٌ لم يُشاهد ذلك صَبيحة الإسراء
لما عُلم أنه أنصاريّ؛ إنما صحب بالمدينة؛ ولا يلزم ذلك في حديث
أَبي هريرة وابن عباس؛ فإنهمَا رويا إمامة جبريل من قول النبي- عليه
السلام-، وقال في " الإمام ": هذا إرسالٌ غير ضارّ، فيَبعدُ أن يكون
جابرٌ قد سمعه من تابعي غير صحابيّ " (3) .
__________
(1) (1/263) .
(2) في الأصل: " بريرة ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(2/247)


واستدل الشافعي بهذا الحديث على أن وقت المغرب وقت واحدٌ، وهو
عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر، ويستر عورته، ويؤذن ويقيم؛ فإن
أخّر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارَت قضاء، والمحققون
من أصحابه رجحوا قولنَا.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وهو الصحيح كما ذكرناه. والجواب
عن هذا من ثلاثة أوجه؛ الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار،
ولم يستَوعب وقت الجواز؛ وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر،
والثاني: أن هذا متقدم في أول الأمر بمكة؛ والأحاديث التي وردت بامتداد
وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرةٌ في أواخر الأمر/بالمدينة، فوجب
اعتمادها، والثالث: أن الأحاديث التي وردت بامتداد وقت المغرب إلى
غروب الشفق أصح إسنادًا من هذا الحديث فوجب تقديمها ".
وتلك الأحَاديث هي: قوله- عليه السلام-: " فإذا صليتم المغرب
فإنه وقت إلى أن يَسقط الشفق " وفي رواية: " وقت المغرب: ما لم يَسقط
ثور الشفق " وفي رواية: " ما لم يغب الشفق " وفي رواية: " ما لم
يسقط الشفق " وكل هذه في " صحيح مسلم ".
ووهب بن كيسان: أبو نعيم المدني القرشي مولاهم مولى آل الزبير بن
العوام. سمع: جابر بن عبد الله، وعمر بن أبي سلمة، وعُبَيد بن
عُمير. وروى عن: ابن الزبير، وابن الزبير. روى عنه: عبد الله،
وعبيد الله ابنا عمر العمريّان، وهشام بن عروة، وابن عجلان، ومالك
ابن أنس، وأيّوب السختياني، وغيرهم. وروى عنه ابنه قال: رأيت
سَعد بن أبي وقاص. توفي سنة سبع وعشرين ومائة. قال ابن سَعد:
كان ثقة. روى له الجماعة (2) .
ص- وكذلك رُوي عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: ثم
صلى المغرب- يعني: من الغد- بوقت واحدٍ (3) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/111) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6765) .
(3) في سنن أبي داود: " وقتا واحدا ".

(2/248)


ش- الذي رُوِيَ عن أبي هريرة: أخرجه البزار في " مُسنده ": حدثنا
إبراهيم بن نصر أبو نعيم: ثنا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد، عن محمد
ابن عمار بن سَعد، أنه سمع أبا هريرة يذكر أن رسول الله- عليه السلام-
حدثهم أن جبريل- عليه السلام- جاءه فصلى به الصلوات وقتين وقتين
إلا الغرب، الحديث.
وأخرجه النسائي- أيضاًَ- في " سُننه ": أخبرنا الحُسين بن حريث
أبُو عمار: ثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل- عليه السلام-
جاءكم يعلمكم دينكم، فصلى الصبح حين طلع الفجرُ، وصلى الظهر
حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى
المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين
ذهب شفق الليل، ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر قليلا، ثم
صلى به الظهر حين كان الظل مثله، ثم صلى العَصر حين كان الظل
مثليه، ثم صلى المغرب بوقتٍ واحدٍ حين غربت الشمس وحَلّ فطر
الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل "، ثم قال:
" الصلاة ما بين صلاتك أمسِ وصلاتك اليَوم ".
ورواهُ الحاكم كذلك في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط مسلم.
ص- وكذلك رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان
ابن عطية، عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي- عليه
السلام-.
ش- أي: كذلك رُوي من حديث حسان بن عطية الشامي، عن عمرو
ابن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عبد (1) الله بن عمرو بن العاص،
عن النبي- عليه السلام- قال: " ثم صلى الغرب- يعني: من الغد-
بوقت واحد ".
379- ص- نا مسدد: نا عبدُ الله بن داود، عن بدر بن عثمان: نا
__________
(1) في الأصل: " عن عبد الله بن عمرو " خطأ.

(2/249)


أبو بكر بن أبي موسى، عن أبي موسى، أن سَائلاَ سأل النبيَّ- عليه السلام-
فلم يَردَ عليه شيئاً، حتى أمَرَ بلالاً فأقام الفجرَ حين انشق الفجرُ، فصلَى
حين كان الرجلُ لا يعرف وَجه صاحبه، أو إن الرجلَ لا يَعرفُ مَن إلى
جنبه، ثم أمَرَ بلالا فأقامَ الظهرَ حًين زالت الشمسُ، حتى قالَ القائِلُ:
انتصًفَ النهارُ- وهو أعلَمُ- ثمِ أمر بلالا فأقام العصرَ والشمسُ بيضاءُ
مُرتفعة، وأمرَ بلالا فأقامَ المغرب حين غابت الشمسُ، وأمر بلالا فأقام
العشاءَ حين غَابَ الشفقُ، فلما كان من الغَد صًلَى الفجرَ فانصرفَ فقلنا:
طلَعت (1) الشمسُ؟ فأقامَ الظهرَ في وقت الَعصرِ الذي كان قبله، وصلى
العصرً وقد اصفرت الشمسُ- أو قال: أَمَسى- وصلَّى المغربَ قبلَ أن
يغيبَ الشفقُ، وصَلًى العشاءَ إلى ثُلُث الليلِ، ثم قالَ: " أينَ السائلُ عن
وقتِ الصلاةِ؟ الوقتُ فيمَا بين هذينِ " (2) .
ش- عبد الله بن داود: الخُرَيبي البصري.
وبدر بن عثمان: القرشي الأموي (3) مولى عثمان بن عفان. روى
عن: الشعبي، وعكرمة، وأبي بكر بن أبي موسى. روى عنه: وكيع،
وأبو نعيم، وعبد الله بن داود الخُرَيبِي، وعثمان بن سعيد بن مرة. قال
ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
/وأبو بكر بن أبي مُوسى هو ابن أبي مُوسى الأشعري. روى عن:
أبيه، وابن عباس، وعنه: أبو حمزة، وغيره. روى له الجماعة (5) .
وأبو موسى هو: عبد الله بن قَيس الأشعري.
__________
(1) في سنن أبي داود: " وانصرف، فقلنا: أطلعت ".
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس (613) ، النسائي:
كتاب الصلاة، باب: آخر وقت المغرب (1/260) .
(3) في الأصل: " الأمواي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/645) .
(5) المصدر السابق (33/7256) .

(2/250)


قوله: " لم يردّ عليه شيئا " أي: لم يرد جواباً ببيان الأوقات باللفظ؛ بل
قال له: صل معنا لتَعرف ذلك، ويحصل لك البيان بالفعل، واستدلّ به
من يَرى تأخير البيان إلى وقت الحاجة؛ وهو مذهب جمهور الأصوليين.
قوله: " حين كان الرجل لا يَعرفُ [وجه] صاحبه " معناه: أنه صَلى
في الغلس في أول الوقت؛ بدليل قوله: " حين انَشَق الفجر ". أي:
الفجر الصادق؛ لأن الفجر الكاذب من الليل من وقت العشاء والإفطار.
قوله: " مَن إلى جَنبه " كلمة " إلى " في مثل هذا الموضع للمعية
والمصاحبة؛ والمعنى: مَن بجنبه أو مع جَنبه، والحاصل: لا يعرف
مُصاحب جَنبِه مَن هو؟
قوله: " حَتى قال القائل " وفي رواية: " حِين قال القائل " والأول
أصح.
قوله: " وهو أعلم " جملة اسميّة وقعت حالا إما من الضمير الذي في
" فأقام الظهر " أو من الضمير الذي في " أمر بلالا " وهذا أوجه.
قوله: " وقد اصفرت الشمسُ " " الواو " فيه للحال، والمراد منه: وقد
أخذت في الاصفرار ولم يتغيّر قرصها؛ لأن تأخيرها إلى تغير القرص
مكروه لما رُوي " ذلك (1) صلاة المنافقين " 0 وتغير القرص هو أن يصير
بحال لاتحارُ فيه الأعين؛ وهو الصحيح. واعتبر سفيان وإبراهيم النخعي
تغيّر الضوء الذي يبقى على الجدران. ويقال: إذا بَقِيت الشمس للغروب
قدر رمح أو رمحن لم يتغيّر، وإذا صارت أقل من ذلك فقد تغيّر.
ويقال: يُوضعُ في الصحراء طست ماءٍ ويُنظر فيه فإن كان القرص لا يبدُو
للناظر فقد تغيّر.
قوله: " أو قال: أمسى " شك من الراوي أي: أمسى الوقت أي: دخل
في المَساء؛ وهو- أيضاً- عبارة عن تأخيره العصر إلى قريب الاصفرار.
__________
(1) كذا، والحديث بلفظ: " تلك " ويأتي برقم (397)

(2/251)


قوله: " إلى ثلث الليل " قد مر الكلام فيه عن قريب.
قوله: " الوقتُ " مبتدأ، وخبره قوله: " فيما بَين هذَين " أي. هذين
الوقتين أعني: وقت اليوم الأول ووقت اليوم الثاني، وقد بيّن- عليه
السلام- بفعله أول الوقت وآخره وبقوله: " ما بَينهما ". والحديث
أخرجه: مَسلمَ، والنسائي.
ص- قال أبو داود: رواه سليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر، عن
النبي- عليه السلام- في المغرب بنحو هذا قال: " ثم صلَّى العشاءَ ". قال
بعضهم: " إلى ثُلُثِ الليلِ "، وقال بعضهم: " إلى شَطرِه ".
ش- أي: روى هذا الحديث سُلَيمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر- رصي الله عنه- عن النبي- عليه السلام- في المغرب بنحو
هذا. وأخرجه أحيد في " مسنده ": ثنا عبد الله بن الحارث قال:
حدثني ثور بن يزيد، عن سليمان بن مُوسى، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله قال: سال رجل رسول الله عن وقت الصلاة فقال:
" صلِّ معي " فصلى رسول الله الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الظهر
حين زاغت الشمس، ثم صلى العَصر حين كان فَيءُ الإنسانِ مثله، ثم
صلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم صلى العشاء بَعد غيبوبة الشفق،
ثم صلى الظهر حين كان فَيءُ الإنسان مثلَه، ثم صلى العَصر حين كان
فَيءُ الإنسان مثلَيه، ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق، ثم صلى
العشاء، فقال بعضهم: ثلث الليل. وقال بعضهم: شطره. انتهى.
أي: نصفه وشطر الشيء: نصفُه.
وقال الطحاوي في " شرح الاَثار " (1) كلاما حسنا مُلخصه: أنه قال:
يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء إلى حين يطلع الفجر؛
وذلك أن ابن عباس، وأبا موسى، والخدريّ. رووا أن النبي- عليه
السلام- أخرها إلى ثلث الليل، وروى أبو هريرة، وأنس أنه أخرها حتى
انتصف الليل. وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب ثلث الليل، وروت
__________
(1) (1/93) ، وانظر: كذلك في: نصب الراية (1/234- 235) .

(2/252)


عائشة أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل؛ وكل هذه الروايات في
" الصحيح ". قال: فثبت بهذا أن الليل كله وقت لها. ولكنه على أوقات
ثلاثة: فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يَمضي ثلث الليل: فأفضل وقت
صليت فيه، وأما بعد ذلك إلى أن يتم نصف الليل: ففي الفضل دون
ذلك، وأما بعد نصف الليل فدونه، ثم ساق بسنده، عن نافع بن جُبير
قال: كتب عمر إلى أبي مُوسى: " وَصِّل العشاء أيُّ الليل شئت ولا
تغفلها ".
/ولمسلم في قصة التَّعريس (1) ، عن أبي قتادة أن النبي- عليه
السلام- قال: " ليس في النوم تفريط؛ إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى
يدخل وقت الأخرى "؛ فدل على بقاء الأولى إلى أن يدخل وقت
الأخرى؛ وهو طلوع الفجر الثاني " (2) .
وسليمان بن موسى: أبو أيوب الدمشقي الأسدي الأشدق. ويقال:
أبو الربيع، مولى لآل أبي سفيان، فقيه أهل الشام. سمع: عطاء بن
أبي رباح، ونافعا مولى ابن عمر، ونافع بن جبير، وكريبا مولى ابن
عباس، وعبيد بن جريح، والزهري، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي،
وابن جريح، وزيد بن واقد، وجماعة آخرون. قال ابن دحيم: أوثق
أصحاب مكحول: سليمان بن موسى 0 وسئل ابن معين عنه: ما حاله
في الزهري؟ فقال: ثقة. وقال ابن جريج: كان سُليمان يُفتي في
العُضَل، وكان عنده مناكير. وقال ابن عدي: روى أحاديث ينفرد بها لا
يرويها غيرُه، وهو عندي ثبت صدوق. قيل: مات سنة تسع عشرة
ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
ص- وكذلك رواه ابنُ بُريدة، عَن أبيه، عن النبي- عليه السلام-.
__________
(1) قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة،
باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (681 / 311) .
(2) إلى هنا انتهى الحقل من نصب الراية.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2571) .

(2/253)


ش- أي: كذلك روى سُليمان بن بُرَيدة بن الحصيب الأسلمي،
وأخرج روايته مُسلم في " صحيحه " (1) أن رجلا أتى النبي- عليه
السلام- يسأله عن مواقيت الصلاة فقال: " اشهد معنا الصلاة " فأمر بلالا
فأذّن بغلسٍ فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت
الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعَصر والشمس مرتفعة، ثم أمره
بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم
أمره الغَدَ فنوَر بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعَصر والشمس
بيضاء نقية لم يخالطها صُفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم
أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو بَعضه- شك حَرميّ- فلما أصبح
قال: " أين السائل؟ ما بَين ما رأيت وقت ".
380- ص - ثنا عُبيد الله بن معاذ: فال أبي. قال: نا شعبة، عن قتادة.
سمِع أبا أيوب، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي- عليه السلام- أنه قال:
" وقتُ الظهرِ ما لم تحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لم تصفرَ الشمس،
ووقت المغرب ما لم يَسقط ثورُ (2) الشفق، ووقتُ العشاء إلى نصف الليل،
ووقتُ صَلاة اَلفجرِ ما لم تطلع الشمسُ، (3) .
ش- عبيدَ الله بن معاذ، أبو عمرو البَصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن
حسّان، قاضي البصرة، وشعبة: ابن الحجاج، وقتادة: ابن دعامة.
وأبو أيوب: اسمه: يحيى بن مالك- ويقال: ابن حبيب بن مالك-
البصري، أبو أيوب الأزدي العتكي المُراغي بضم الميم- نسبة إلى مُراغة،
قبيل من الأزد. وقال الطبري: موضع بناحية عمان. روى عن: عبد الله
ابَن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وسمرة بن
جندب، وجويرية بنت الحارث أم المؤمنين. روى عنه: قتادة،
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس
(613 / 176) .
(2) كذا، وفي سنن أبي داود " فور "، وانظر: الشرح.
(3) مسلم: كتاب المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس 172- (612) ،
النسائي: كتاب المواقيت، آخر وقت المغرب (1/260) .

(2/254)


وأبو عمران الجَوني، وعبد الحميد بن واصل. مات في ولاية الحجاج
على العراق. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
قوله: " فَور الشفق " بالفاء في رواية أبي داود؛ وهو: فورانه وبقية
حمرته، وصحفه بعضهم فقال: " نور الشفق " بالنون، ولو صحت
الرواية لكان له وجه. وفي رواية: " ثور الشفق " بالثاء المثلثة؛ وهو
انتشار حمرتها في الأفق، من ثار الشيءُ يثورُ إذا انتشر وارتفع.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
2- بَابُ: وقت صلاة النبي- عليه السلام-
أي: هذا باب في بيان وقت صلاة النبي- عليه السلام-، وفي بعض
النسخ وفي آخره: " وكيف كان يُصليها " (2) وليس بموجود في النسخ
المعتمد عليها.
381- ص- ثنا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سَعد بن إبراهيم، عن
محمد بن عَمرو قال: سألت (3) جابرًا عنِ وقت [صلاة] النبيَ- عليه
السلام- فقال: كان يُصفَي الظهرَ بالهاجرة، وَالعَصرَ والشمسُ حَيةٌ،
والمغربَ إذا غربت الشمسُ، والعشاءَ: إذا كَثُرَ الناسُ عجلَ، وإذا قَلُوا
أخرَ، والصبحَ بغَلَسٍ " (4) .
ش- مُسلمَ بن إبراهيم: أبو عَمرو البصري القصاب.
وسَعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة
القرشي، أبو إسحاق أو أبو إبراهيم، قاضي المدينة. روى عن: ابن
عمر. وسمع: عبد الله بن جعفر، وأنس بن مالك، ومحمد بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/7217) .
(2) كما في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " سألنا ".
(4) البخاري: كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب (560) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالصبح في أول
وقتها وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها (646) ، النسائي: كتاب المواقيت،
باب: تعجيل العشاء (1/261) .

(2/255)


حاطب بن أبي بلتعة، وأبا أمامة، وعروة بن الزبير، وغيرهم. روى عنه:
الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والثوري، وابن عُيينة، وشعبة،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، لا يُشك فيه. توفي بالمدينة سنة سبع
وعشرين ومائة؛ وهو ابن ثلاث وسبعن سنةَ 0 روى له الجماعة (1) .
ومحمد بن عمرو: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي
المدني، أبو عبد الله. سمع: جابر بن عبد الله الأنصاريّ. وروى عن:
عبد الله بن عباس. روى عنه: سَعد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الرحمن
ابن أسعد، وعبد الله بن ميمون. قال أبو زرعة:/مدني ثقة. روى
له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " بالهاجرة " الهاجرة والهجيرُ: اشتداد الحرّ نصف النهار
قوله: " والعَصر " أي: كان يُصلي العَصر؛ والواو في " والشمس
حيةٌ " واو الحال، والمراد منه: قبل تغير قرصها.
قوله: " والمغرب " أي: كان يُصلي المغرب.
قوله: " والعشاء " أي: كان يُصلي العشاء.
قوله: " إذا كثر الناسُ عجّل، وإذا قفوا أخر " بيان لكيفية صلاته العشاء.
قوله: " والصّبح بغلس " أي: كان يصلي الصبح في أول الوقت عند
اختلاط الظلام بالضياء؛ وًا لباء فيه بمعنى " في " أي: في غلسٍ.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
382- ص- ثنا حفص بن عمر: نا شعبة، عن أبي المنهال، عن أبي بَرزة
قال: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلِّي الظهر إذا زَالتِ الشمسُ، ويُصلِّي العصرَ
وإن أحدنا (3) ليَذهَبُ إلى أقصى المدينة ويَرجِعُ والشمسُ حَية، ونَسيتُ
المغربَ، وكان لا يُبالي بعضَ (4) تأخَيرِ العِشاءِ إلى ثُلُثِ الليلِ قَال:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2199) .
(2) المصدر السابق (26/5508) .
(3) في سنن أبي داود: " إحدانا ".
(4) كلمة " بعض " غير موجودة في سنن أبي داود.

(2/256)


ثم قال: إلى شَطرِ الليلِ. قال: وكان يَكرهُ النَومَ قَبلَها والحديثَ بَعدَها،
وكان يُصلِّي الصُّبح ويعرفُ أحدُنا جَليسَه الذي كان يَعرفُ (1) ، وكانَ
يَقرأ فيها من الستينَ إلى المائة (2) .
ش- حفص بن عمر: ابن الحارث البصري.
وأبو المنهال: سيّار بن سلامة البصري الرياحي. سمع: أبا برزة
الأسلمي، وأبا العالية الرياحي، وشهر بن حوشب. روى عنه: سليمان
التيمي، ويونس بن عبيد، وعوف الأعرابيّ، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، صالح الحديث. روى له الجماعة (3) .
وأبو بَرزة: نضلة بن عُبيد. ويقال: نضلة بن عائذ. ويقال: ابن
عَمرو. ويقال: ابن عبد الله بن الحارث، الأسلمي، أسلم قديما،
وشهد مع رسول الله- عليه السلام- فتح مكة. رُوِيَ ده عن رسول الله
ستة وأربعون حديثَا؛ اتفقا على حديثين، وانفرد مسلم بأربعة، والبخاري
بحديثين. روى عنه: أبو المنهال، وأبو عثمان النهدي، والأزرق بن
قَيس، وغيرهم. نزل البصرة، ثم غزا خراسان ومات بها في آخر خلافة
معاوية أو في أيام يزيد. روى له الجماعة (4) .
قوله: " ويصلي العَصر وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويَرجع لا
أقصى الشيء: مُنتهاه. والواو في " والشمس حية " للحال، وهذا يدلّ
على المبالغة في تعجيل العصرِ.
(1) في سنن أبي داود: " يعرفه ".
(2) أبو داود في كتاب الأدب (4849) بعضه، البخاري: كتاب مواقيت الصلاة،
باب: وقت الظهر عند الزوال (541) ، مسلم: كتاب المساجد، باب:
استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها (235/647) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: أول وقت الظهر (1/246) ، وباب: كراهية النوم بعد
صلاة الغرب (1/262) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة
الظهر (674) ببعضه.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12 / 2667) .
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/24) ، أسد الغابة
(5/321) ، الإصابة (3/556) و (4/19) .
17* شرح سنن أبي داوود 2

(2/257)


قوله: " وكان يكره النوم قبلها " أي: قبل العشاء؛ وذلك لأنه تعرض
لفواتها باستغراق النوم.
قوله: " والحديث بَعدها " أي: كاد يكره الحديث بعد العشاء؛
" (1) وذلك لأن السَّهر في الليل سبب للكسل في اليوم عما يتوجه من
حقوق الدين والطاعات ومصالح الدين. قالوا: المكروه منه: ما كان في
الأمور التي لا مصلحة فيها؛ أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه؛
وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس
للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة
المسافرين لحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس،
والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد
إلى مصلحة ونحو ذلك، وكل ذلك لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث
صحيحة ببعضه، والباقي في مَعناه ".
قوله: " وكان يَقرأ فيها " أي: في صلاة الصبح من ستين آيةً إلى مائة
آيةٍ؛ وهذا يدل على أنه كان يَبتدئ في أول الوقت.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه،
وأخرج الترمذي طرفا منه.
3- بَاب: في وَقت الظُّهرِ
أي: هذا باب في بيان وقت صلاة الظهر، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في وقت الظهر ".
383- ص- نا أحمد بن حَنبل ومُسدّد قالا: نا عبّاد بن عباد: نا محمد
ابن عَمرو، عن سعيد بن الحارث الأنصاريّ، عن جابر بن عبد الله. قال:
" كنتُ أصلي الظهرَ معِ رسول الله فاخذُ قَبضةً من الحَصَى لتَبرُدَ في كَفِّي،
أضَعُهَا لجَبهَتِي أسجدُ عليها لِشدةِ اَلحرَ " (2) .
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (5/146) .
(2) النسائي: كتاب التطبيق، باب: تبريد الحصى للسجود عليه (2/204) .

(2/258)


ش- عباد بن عباد: ابن حبيب بن المهلب بن أبي صُفرة، أبو معاوية
العتكي المهلبي الأزدي البصري؛ واسم أبي صفرة: ظالم بن سارق،
نزل بغداد، ومات بها سنة إحدى وثمانين ومائة. سمع: أبا جمرة/
نصر (1) بن عمران الضبعي، وعبيد الله، وعبد الله ابني عمر، وهشام
ابن عروة، وكثير بن شنظير، وغيرهم. روى عنه: قتيبة بن سعيد،
وسليمان بن حرب، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. وقال ابن معين،
والنسائي: هو ثقة. وقال ابن سَعد: لم يكن بالقوي فما الحديث.
روى له الجماعة (2) .
وسعيد بن الحارث: ابن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري المدني قاضيها.
سمع. عبد الله بن عُمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وأبا سعيد
الخدري، وأبا هريرة. روى عنه: محمد بن عَمرو بن علقمة، وعمرو
ابن الحارث، وفليح بن سليمان، وعمارة بن غزيّة. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " فاَخذُ " إخبارٌ عن نفسه من المستقبل، والمرادُ منِ إخراج هذا
الحديث أنه كان يُصلي الظهر في أول فَيئِهِ في الهاجرة، وسيروي حديث
الإبراد- أيضَا.
ويفهم من الحديث: أنهم كانوا يصلون على الأرض، وأن المسجد ما
كان فيه حُصرٌ، وان السجدة على الحَصَى جائزة، وأن مَسك المُصلي في
كفه شيئا لا يُفسدُ صلاته. والحديث: أخرجه النسائي.
384- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا عَبيدة بن حُمَيد، عن أبي مالك
الأشجعيّ: سَعد بن طارق، عن كثير بن مُدرَك، عن الأسود، عن عبد الله
ابن مَسعود قال: كَانت قَدرُ صَلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَيف ثلاثةَ أقدامٍ إلى
خمسةِ أقدامِ، وفي الشتاءِ خمسةَ أَقدامٍ إلىَ سَبعةِ أقدامٍ " (4) .
__________
(1) في الأصل: " نضرة " خطأ، وهو مترجم في تهذيب الكمال (29/6408) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3083) .
(3) المصدر السابق (10/2247) .
(4) النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت الظهر (1/249) .

(2/259)


ش- عَبيدة- بفتح العين- قد مر ذكره.
وأبو مالك: سَعد بن طارق بن الأشيم الكوفي الأشجعي. روى عن:
أبيه- ولأبيه صحبة- وأنس بن مالك، وكثير بن مدرك، وعيرهم.
روى عنه: الثوريّ، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح، يكتب حديثه. روى له الجماعة إلا
البخاريّ (1) .
وكثير بن مدرك الأشجعي، أبو مدرك الكوفي. روى عن: علقمة بن
قيس، والأسود بن يزيد، وأخيه: عبد الرحمن بن يزيد. روى عنه:
حُصين بن عبد الرحمن، ومنصور بن المعتمر، وأبو مالك الأشجعي.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " كانت قدر صلاة رسول الله " المراد منها: صلاة الظهر.
قوله: " ثلاثة أقدَام " اعلم أن هذا أمر يَختلف في الأقاليم والبلدان،
ولا يستوي في جميع المدن والأمصار؛ وذلك أن العلة في طول الظل
وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها، فكلما كانت
أعلى وإلى محاذاة الرءوس في مجراها أَقرب كان الظل أقصر، وكلما
كانت أخفض وفي محاذاة الرءوس أبعدَ كان الظلّ أطولَ؛ ولذلك ظلال
الشتاء تراها أبدا أطول من ظلال الضَيف في كل مكان، وكانت صلاة
رسول الله بمكة والمدينة- وهما من الإقليم الثاني- ويذكرون أن الظل
فيهما في أول الصيف في شهر اَذر: ثلاثة أقدام وشيء، ويشبه أن تكون
صلاته إذا اشتد الحر متأخرةَ عن الوقت المعهود (3) قبله فيكون الظل عند
ذلك خمسة أقدام. وأما الظل في الشتاء: فإنهم يذكرون أنه في تشرين
الأول: خمسة أقدام أو خمسة وشيء، وفي الكانون: سبعة أقدام أو
سبعة وشيء؛ فقول ابن مسعود مُنزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون
سائر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني. والحديث:
أخرجه النسائيّ.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2211) .
(2) المصدر السابق (24/4962) .
(3) في الأصل: " العهود ".

(2/260)


385- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة: أخبرني أبو الحسن قال:
سمعت زيد بن وهب يقول: سمعت أبا ذَر يَقول: كُنَّا مع النبيِّ- عليه
السلام- فأرادَ المؤذنُ أن يؤذنَ الظهرَ، فقال: " أبرِد " ثم أرادَ أن يُؤذنَ فقال:
" أبرِد " - مرِتين أو ثلاثا- حتى رأينا فَيءَ التُّلول، ثم قال: " إن شدةَ الحرِّ
من فيحِ جَهنم؛ فإذا اشتدَ الحرُّ فابردُوا بالصلاةِ " 11) .
ش- أبو الحسن: مُهاجر التيمي الصائغ. وزيد بن وهب: الجهمي؛
قد مر ذكره. وكذلك أبو ذر: جُندب بن جنادة.
قوله: " أبرد " بفتح الهمزة، أمر من الإبراد.
قوله: " فيء التلول " أي: ظلها، والتلول: جمع تَلّ- بتشديد
اللام- ويُجمعُ على تلالٍ - أيضا.
قوله: " من فيح جهنم " - بفاء مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وحاء
مهملة- أي: " (2) سطوع حرّها وانتشاره وغليانها؛ وأصله في كلامهم:
السَّعة والانتشار، ومنه قولهم في الغارة: فيحي فياح،/ومكان أفيح
أي: واسع، وأرض فيحاء أي: واسعة؛ وللكلام وجهان: حقيقيّ؛
وهو أن تكون شدة حرّ الصيف من وهج حر جهنم على الحقيقة. وروي
أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسَين: نفس في الصَيف، ونفس في الشتاء؛
فأشدّ ما تجدونه من الحرّ في الصيّف فهو من نفسها، وأشد ما تجدونه من
البَرد في الشتاء فهو منها. ومجازي؛ وهو أن يكون هذا الكلام من باب
التَّشبيه أي: كأنه نار جهنم في الحرّ فاحذرُوها واجتنبوا ضررَها ".
قوله: " فأبردوا بالصلاة " أي: بأداء الصلاة أي: أخروها عن وقت
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالطهر في السفر (539) ،
مسلم: كتاب الساجد، باب: استحباب الإبراد بالطهر في شدة الحر لن
يمضي إلى جماعة، ويناله الحر في طريقه (184/616) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في تأخير الطهر في شدة الحر (158) ، تحفة الأشراف
(9/11914) .
(2) انظر: معالم السنن (1/111) .

(2/261)


الهاجرة إلى حين بَرد النهار، وانكسار وهج الحرّ. وقال بعض أهل
اللغة: أراد صلُّوها في أول وقتها، وبَرد النهار أوله.
قلت: هذا بعيدٌ، يُنافيه قوله: " حتى رأينا فَيءَ التلول " ولذا قال
الخطابيّ: " ومن تأوله على بَردي النهار، فقد خرج عن جملة قول
الأمة "، وبه استدل أصحابنا على أن تأخير الظهر والإبراد بها في الصيف
مستحب. وبه قال أحمد، وإسحاق بن راهوَيه. وقال الشافعي:
تعجيلها أولى، إلا أن يكون إمام جماعة ينتابه الناسُ من بُعد، فإنه يَبرد
بها في الصيف عند شدّة الحرّ.
وقال الشيخ محيي الدين: " (1) والصحيح: استحباب الإبراد: وهو
النصوص للشافعي، وبه قال جمهور أصحابه لكثرة الأحاديث الصحيحة
فيه المشتملة على فعله والأمر به في مواطن كثيرة ومن جهة جماعة من
الصحابة ".
فإن قلت: قد ذكر مُسلم حديث خبّاب: " شكونا إلى رسول الله حَرَّ
الرَّمضاء فلم يُشكِنَا. قال زُهير: قلت لأبيً إسحاق: أفي الظهر؟ قال:
نعم، قلتُ: أفي تعجيلها؟ قال: نعم ". قلت: هَذا الحديث مَنسوخ
بأحاديث الإبراد، ويقال: الإبراد رخصة، والتقديم أفضل، واعتمدوا
حديث خبّاب وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف في التأخير،
وهو قول بعض الشافعية. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والطبراني في " محجمه "،
وأبو بكر في " مصنفه "، وأحمد في " مُسنده ".
ص- قال أبو داود: هو مُهاجر أبو الحسن.
ش- يعني قوله: " نا شعبة: أخبرني أبو الحسن " هو مُهاجر أبو الحسن
التيمي، مولى تيم الله الكوفي. سمع: عبد الله بن عباس، والبراء بن
عازب، ورجلا من أصحاب النبي- عليه السلام-، وزيد بن وهب،
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/117، 118) .

(2/262)


وعمرو بن ميمون، وعطاء بن يسار. روى عنه: الثوريّ، وشعبة،
والمَسعودي، وأبو عوانة. قال أحمد بن حنبل، وابن معين: ثقة. وقال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي (1) .
386- ص- نا يزيد بن خالد بن مَوهب الهمداني، وقُتَيبة الثقفيُّ، أن
الليث حدثهم، عن ابن شهاب، عن سَعيد بن المسيّب وأبي سلمة، عن
أبي هريرِة أن النبي- عليه السلام- قال: " إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا عن الصلاة "
قال ابنُ موهبٍ: " بالصلاة ". " فإنَّ شدةَ الحَرَ من فيحِ جَهنمَ " (2) .
ش- قتيبة: ابن سعيد، والليث: ابن سعد، وابن شهاب:
الزهري، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " فأبردوا عن الصلاة " أي: بالصلاة. و " عَن " تأتي بمعنى
" الباء "؛ كما قيل: رمَيت عن القَوس، أي: رمَيتُ بها؛ كما جاءت
الباء بمعنى " عن " في قوله تعالى: (فَاسئَل به خَبيرًا) (3) أي: عنه.
وقد تكون " عن " زائدةَ أي: " أبردوا الصلاة "؛ يَقال: أبرد الرجل كذا
إذا فعله في بَرد النهار.
387- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حمّاد، عن سماك بن حَرب،
عن جابر بن سمرة " أن بِلالاً كان يؤذن الظهرَ إذا دحَضَتِ الشمسُ " (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال ول 2/6219) .
(2) البخاري: كتاب المواقيت، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر (536) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الإبراد بالظهر في
شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه (180-615) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر (157) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر (1/248) ،
ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر (678) .
(3) سورة الفرقان: (59) .
(4) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب تقديم الظهر في أول
الوقت في غير شدة الحر 188 (618) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب:
ما يستحب من تأخير العشاء (1/265) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسنة فيها، باب: وقت صلاة الظهر (673) .

(2/263)


ش- حماد: ابن سلمة. وجابر بن سمرة بن جنادة بن جندب،
أبو عبد الله، رُوِيَ له عن رسول الله مائة حديث وستة وأربعون حديثا؛
اتفقا على حديثين، وانفرد مسلم بستّة وعشرين. روى عنه: عبد الملك
ابن عُمير، وعامر بن سَعد بن أبي وقاص، وعامر الشعبي، وسماك بن
حرب، وجماعة آخرون. مات سنة ستة وستين، أيام المختار. روى له
الجماعة (1) .
قوله: " إذا دحضت الشمس " أي: زالت عن كبد السماء؛ وأصل
الدَّحض: الزلق؛ يُقال: دحضَت رجلهُ أي: زلت عن موضعها،
وأدحضتُ حجة فلان أي: أزلتُها وأَبطلتُها.
وأخرجه ابن ماجه. وفي رواية مسلم: " كان النبيّ- عليه السلام-
يُصلِي/الظهر إذا دحَضت الشمسُ. وقال الشيخ محيي الدين النووي (2) :
" وفيه دليل على استحباب تقديمها، وبه قال الشافعي، والجمهور ".
فلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأن الذي يُبرِدُ بها يَصدقُ عليه أنه
صلاها بعد أن دَحَضت الشمسُ.
4- بَابُ: مَا جَاء فِي وَقت العَصرِ (3)
أي: هذا باب في بيان ما جاء في وقت صلاة العصر، وفي بعض
النسخ: " بابُ وقت العَصر ".
388- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن ابن شهاب، عن أنس بن
مالك، أنه أخبره " أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يُصَلِّي العصرَ
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/224) ، أسد الغابة
(1/304) ، الإصابة (1/212) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/121) .
(3) في سنن أبي داود: " ... وقت صلاة العصر ".

(2/264)


والشمسُ بَيضاءُ مُرتفعةٌ حَيَّةٌ، ويَذهبُ الذَّاهبُ إلى العَوالي والشمسُ
مُرتفعةٌ " (1) .
ش- الواو في " والشمس " للحال في الموضعين؛ وحَياة الشمس:
شده وهجها، وبقاء حرها لمَ ينكسر منه شيء. وقيل: حياتها: صفاء
لونها، لَم يدخلها التغيير. قالوا: والشمس تُوصَف بالحياة ما دامت
قائمة الأعراض من الحرارة والضوء، فإذا كانت مع الغروب لم تُوصَف
بذاك. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
389- ص- نا الحسن بن علي: نا عبد الرزاق: أنا معمر، عن الزهريّ
قال: والعَوالي على ميلينِ أو ثلاثة. قال: وأحسبُه قال: وأربعة (2) (3) .
ش - الحسن بن عَلي: الخلالَ، وعبد الرزَاق: ابن همامَ، ومَعمر:
ابن راشد.
والعَوالي: أماكن بأعلى أراضى المدينة؛ والنَسَبُ إليها: " عُلوِي "
على غير قياسٍ، قال ابن الأثير (4) : " وأدناها من المدينة على أربعة
أميال، وأبعدها من جهة نجد: ثمانية ". ولكن في رواية الزهري: أدناها
من المدينة على ميلين، مثل ما ذكره أبو داود.
وقال الشيخ محيي الدين (5) : " والمراد بهذا الحديث: المبادرة بصلاة
العصر أول وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العَصر ميلين وثلاثة،
والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل
كل شيء مثله، ولا يكادُ يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة. ثم قال:
وفيه دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور: أن وقت العَصر
يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل حتى يصير
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت العصر (550) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالعصر
(192/621) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: وتت صلاة العصر
(1/252) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة العصر (682) .
(2) في سنن أبي داود: " أو أربعة ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) النهاية (3/295) .
(5) شرح صحيح مسلم (5/122- 123) .

(2/265)


ظل كل شيء مثليه؛ وهذا حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس في
بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك ".
قلنا: الجواب من جهة أبي حنيفة: أنه- عليه السلام- أمر بإبراد الظهر
بقوله: " أبردوا بالظهر " بمعنى: صلوها إذا سكنت شدة الحرّ؛ واشتداد
الحر في ديارهم يكون في وقت صيرورة ظل كل شيء مثله، ولا يفتر الحر
إلا بعد المثلَين؛ فإذا تعارضت الأخبار يبقى ما كان على ما كان، ووقت
الظهر ثابت بيقين، فلا يزول بالشك، ووقت العصر ما كان ثابتاً فلا
يدخل بالشكَّ؛ وأما حديث ابن عباس، وجابر وغيرهما: فلا يدل على
أن لا يكون ما وراء وقت الإمَامة وقتا للظهر؛ ألا ترى أن جبريل- عليه
السلام- أم للفجر في اليوم الثاني حين أسفر، والوقت يبقى بعده إلى
طلوع الشمس؟ وكذلك صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى
بعده إلى طلوع الفجر.
390- ص- نا يوسف بن موسى: نا جرير، عن منصور، عن خيثمة
قال: حياتها: أن تجد حرها (1) .
ش- يوسف بن موسى: أبو يعقوب القطان الكوفي. وجرير: ابن
عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر.
وخَيثمة: ابن عبد الرحمن بن أبي سَبرة، واسم أبي سَبرة: يزيد بن
مالك بن عبد الله بن ذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بنُ مرَان (2) بن
جعفي الجُعفي الكوفي، وفد أبو سَبرة إلى النبي- عليه السلام- ومَعه
ابناه: سَبرة، وعزيز، فقال له النبي- عليه السلام-: " ما اسمك؟ "
قال: عزيز قال: " لا عزيز إلا الله، أنت عبد الرحمن (3) فأسلموا.
سمِعَ خيثمةُ: عبدَ الله بن عُمر، وابن عَمرو، والبراء بن عازب،
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي،
وطلحة بن مصرف، والأعمش، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " مروان " خطأ.
(3) أحمد: في مسنده (4/178) ، وابن سعد: في طبقاته (6/286) .

(2/266)


قال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي تابعي ثقة. روى له
الجماعة (1) .
391- ص- نا القعنبي قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن
شهاب: قال عروة: ولقد حدثتني عائشةُ- رضي الله عنها-، " أن رسولَ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي العَصر، والشمسُ في حُجرَتِهَا قبلَ أن تَظهَرَ " (2) .
ش- القعنبي: عبد الله بن مسلمة، وعروة: ابن الزبير. والواو في
" والشمس " للحال.
قوله: " قبل أن تظهر " معنى الظهور/هاهنا: الصُعُود؛ يُقال:
ظهرتُ على الشيء إذا علوتُه؛ ومنه قوله تعالى: (وَمَعارِجَ عَلَيهَا
يَظهَرُونَ) (3) ، وحجرة عائشة- رضي الله عنها- ضيقة الرقعة،
والشمس تقلص عنها سرِيعاً؛ فلا يُصلي العَصر قبل أن تصعد الشمس
عنها إلا وقد بكر بها. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
392- ص- نا محمد بن عبد الرحمن العَنبري: نا إبراهيم بن
أبي الوزير: نا محمد بن يزيد اليمامي: حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن
علي بن شيبان، عن أبيه عن جده: علي بن شيبان قال: فَدمنَا على رسول الله
- عليه السلام- المَدِينةَ فكان يُؤَخرُ العَصرَ مادامتِ الشمس بَيضاءَ نَقيَّةً (4) .
ش- محمد بن عبد الرحمن: أبو عبد الله العنبري البصري. روى
عن: عبد الرحمن بن مهدي، وأمية بن خالد، وسلم بن قتيبة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 /1747) .
(2) البخاري: كتاب المواقيت، باب: وقت العصر (544) ، مسلم: كتاب
المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس (611) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: ما جاء في تعجيل العصر (159) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: في تعجيل العصر (1/252) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة،
باب: وقت صلاة العصر (683) .
(3) سورة الزخرف: (34) .
(4) تفرد به أبو داود.

(2/267)


وإبراهيم بن أبي الوزير. روى عنه: أبو داود، وأبو زرعة، وعلي بن
الحسين بن الجنيد. وقال: كان ثقة (1) .
وإبراهيم بن أبي الوزير: قد ذكر مرةً.
ومحمد بن يزيد اليمامي. روى عن: يزيد بن عبد الرحمن. روى
عنه: إبراهيم بن أبي الوزير. روى له: أبو داود (2) .
ويزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان اليمامي الحنفي. روى عن
أبيه، عن جذه. روى عنه: محمد بن يزيد. روى له: أبو داود (3) .
وأبوه: عبد الرحمن بن علي الحنفي اليمامي. روى عن: أبيه. روى
عنه: ابنه: محمد، وعبد الله بن بدر، ووعلة بن عبد الرحمن. روى
له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وجدّه: علي بن شيبان الحنفي السحيمي اليمامي الصحابيّ. روى عنه:
ابنه: عبد الرحمن. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) .
وهذا الحديث يدل على أنه- عليه السلام- كان يُصلي العَصر عند
صيرورة ظل كل شيء مثليه؛ وهو حجة لأبي حنيفة على مخالفيه.
393- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة،
ويزيد بن هارون، عن هشام بن حسّان، عن محمد، عن عَبيدةَ، عن عليّ
- رضي الله عنه-، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومَ الخندقً: " حَبَسُونَا عن صَلاة
الوُسطى، صَلاةِ العَصرِ، مَلأَ اللهُ بُيوتَهم وقُبورَهم نارًا " (6) .
__________
(1) نظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5401) .
(2) المصدر السابق (27/5705) .
(3) المصدر السابق (32/7021) .
(4) المصدر السابق (17/3912) .
(5) انظر ترجمته في ت الاستيعاب بهامش الإصابة (3/69) ، أسد الغابة
(4/90) ، الإصابة (2/507) .
(6) البخاري: كتاب الجهاد، باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
(2931) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في
تفويت صلاة العصر (627) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومن سورة
البقرة (2984) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر
(1/236) .

(2/268)


ش- يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة- واسم أبي زائدة: خالد (1) بن
ميمون- وقد ذكرناه في ترجمة زكرياء- أبو سعيد الكوفي الهمداني
الوداعي، مولى امرأة من وداعة. سمع: أباه، وعبد الملك. بن عمير،
وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن ادم، ويحيى بن يحيى
التميمي، وابن معين، وأحمد بن حنبل، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم.
قال ابن المديني: هو من الثقات، قيل: مات بالمدينة قاضيا بها سنة اثنتين
وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين. روى عنه: الجماعة (2) .
ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي، قد ذكر غير مرة. وهشام بن
حسّان البصري، ذكر- أيضا- ومحمد بن سيرين، قد ذكر- أيضا-.
وعَبيدة- بفتح العَين وكسر الباء- هو عَبيدة بن عمرو، ويقال: ابن
قيس بن عَمرو السَّلماني- بفتح السين وسكوَن اللام- المُرَادي. وسلمان
هو ابن ناجية بن مراد، أسلم قبل وفاة النبي- عليه السلام- ولم يَلقه.
سمع: عمر بن الخطاب، وعليا، وابن مسعود، وابن الزبير روي
عنه: الشَعبي، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وغيرهم. قال ابن
عيينة: كان عَبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء. وقال أحمد بن
عبد الله العجلَي: هو كوفي تابعي ثقة، جاهلي أسلم قبل وفاة النبي
- عليه السلام- بسنتَين، وكان أعور، توفي سنة اثنتين وسبعين، روى له
الجماعة (3)
قوله: " يوم الخندق " الخندق: فارسي معرّب؛ وأصله: كَنده أي:
محفور، وقد تكلمت به العَرب، ويوم الخندق كانت في السنة الخامسة
من الهجرة. وقيل: في الرابعة. وقد جاء أن النبي- عليه السلام-
ندب الناسَ يوم الخندق، وفي رواية: يوم الأحزاب، وفي رواية: يوم بني
__________
(1) هذا هو الذي جزم به البخاري، وابن أبي حاتم وغيرهما.
(2) انظر ترجمته في ت تهذيب الكمال (31/6826) .
(3) المصدر السابق (19/3756) .

(2/269)


قريظة، فانتدب الزبير، ويوم الخندق وهو يوم الأحزاب ويوم بني قريظة؛
وليس ذلك إشارة إلى يوم بعَينه؛ وإنما هو إلى الغزاة كما يقال: يوم
حنين، ويوم صِفين، وغير ذلك.
قوله: " صلاة العصر " بالجرّ- بدل من " صلاة الوُسطى "؛ والوُسطى
- بضم الواو- تأنيث الأوسط بمعنى الفضلى، وأفعل التفضيل لا يبنى إلا
مما يقبل الزيادة والنقص، وكذا فعل التعجب، فلا يجوز: زيد أموت
الناس، ولا: ما أموت زيد، لأنه لا يقبل ذاك. وكون الشيء وسطا بين
شيئين لا يقبل الزيادة ولا النقص، لا يجوز أن يبنى منه أفعل التفضيل،
فتعين أن تكون الوسطى بمعنى الفضلى.
" (1) واختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في الصلاة الوسطى
المذكورة في القرآن؛ فقالت جماعة: هي العَصر، ومنهم: عليّ، وابن
مسعود، وأبو أيوب، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري،
وأبو هريرة، وعَبيدة السلماني، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي،
وقتادة، والضحاك، والكلبي، ومقاتل، وأبو حنيفة، وأحمد، وداود،
وابن المنذر، وغيرهم. وقال الترمذي: هو قول أكثر العلماء من
الصحابة/فمن بعدهم. قال الماوردي: هذا مذهب الشافعي لصحة
الأحاديث فيه. وقالت طائفة: هي الصُبح؛ ونقل ذلك عن عُمر بن
الخطاب، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وابن عُمر، وجابر، وعطاء،
وعكرمة، ومجاهد، والربيع بن أنس، ومالك بن أنس، والشافعي.
وقالت طائفة: هي الظهر؛ ونقل ذلك عن زيد بن ثابت، وأسامة بن
زيد، وأبي (2) سَعيد الخدري، وعائشة، وعبد الله بن شداد، وهو
رواية عن أبي حنيفة. وقال قبيصة بن ذ [ؤ] يب: هي المَغرب. وقال
غيره: هي العشاء. وقيل: إحدى الخمسة مبهمة. وقيل: الوسطى:
جميع الخَمس؛ حكاه القاضي عياض. وقيل: هي الجمعة. ويقال:
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (5/128- 129) .
(2) في الأصل: " وأبو ".

(2/270)


الصبح والعصر. ويقال: الجماعة. فهذه عشرة أقوال؛ وأصحها:
العصرُ؛ للأحاديث الصحيحة، والباقي بعضها ضعيف، وبَعضها غلط.
وفي المراد بالصلاة الوُسطى ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها أوسط الصلوات
مقدارا، والثاني: أنها أوسطها محلاّ، والثالث: أنها أفضلها، وأوسط
كل شيء أفضله؛ فمَن قال: الوُسطى: الفُضلى جاز لكل ذي مذهب أن
يَدّعيه، ومن قال: مقدارا فهي المغربُ؛ لأن أقلها: ركعتان، وأكثرها:
أربع. ومَن قال: محلاَ ذكر كل أحدٍ مناسبة يوجه بها.
قوله: " ملأ الله بيوتهم " جملة دعائيّة إنشاء في صورة الإخبار؛ والمعنى:
اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارَا؛ ومثل هذه الجملة لا محل لها من
الإعراب؛ وقد عرف أن الجملة ما لم تقعِ في موقع المفرد لا تكتسب
إعرابًا؛ لأن الجملة من المبنيّات. وإنما جمع فيه بين البيوت والقبور ليعتم
عليهم العذاب في الدنيا والآخرة، وخصّص النار لأنه أكبر أنواع العذاب.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
394- ص- نا القعنبيُّ، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن
حكيم، عن أبي يُونس مولى عائشةَ رضي الله عنها، أنه قال: أَمَرتنِي عائشةُ
أن أكتبَ لها مُصحفًا وقالت: إذا بلغت هذه الآيةَ فآذنَي (حَافظُوا عَلَى
الصَّلَوَات وَالصَّلاَة الوُسطى) (1) فلما بلغتُها آذنتُها فأملَت عَلً: حافظُوا
عَلَى الصَّلًوات والَصَّلاةِ الوُسطَى وصَلاة العَصرِ وقُومُوا لله قانتينَ، ثم قَالت
عائشةُ: سمعتُهَا من رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
ش- أبو يونس مولى عائشة- رضى الله عنها-. روى عن:
__________
(1) سورة البقرة: (238) .
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الدليل لمن قال الصلاة
الوسطى هي صلاة العصر (629) ، الترمذي: كتاب تفسير القراَن، سورة
البقرة (2982) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر
(1/236) .

(2/271)


عائشة. روى عنه: القعقاع بن حكيم. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " فآذني " بالمدّ- أي: أعلمني؛ أمر من آذن يُؤذِن إيذانًا،
فاجتمعت نون الكلمة مع نون الوقاية فأدغمت إحداهما في الأخرى.
قوله: " فا " ملت عليَ " يُقال: أملّ عليه، وأملى عليه، واملل علمه إذا
لقنه ما يكتبه. " (2) واستدل به بعض الشافعية أن صلاة العصر ليست هي
الوسطى؛ لأن العطف يقتضي المغايرة؛ لأن قوله: " وصلاة العصر "
معطوف على قوله: " على الصلوات " لأنه هكذا هو في الروايات.
والجواب عن هذا: أن هذه قراءة شاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم
الخبر عن رسول الله؛ لأن ناقلها لم ينقلها على أنها قراَن، والقرآن لا يثبت
إلا بالتواتر بالإجماعَ.
قلت: يحوز أن يكون العطف فيه كالعطف في قول الشاعر
إلى الملك القَرم وابن الهمام ... وليث الكَتِيبة في المُزدحم
فقد وُجد العطفُ هاهنا مع اتحاد الشَّخص، وعطف الصفات بعضها
على بعض موجودٌ في كلام العرب كثيرٌ.
395- ص- حدثنا محمد بن المثنى: نا محمد بن جَعفر: ثنا شعبة:
حدثني عَمرو بن أبي حكيم. قال: سمعت الزبرِقَانَ يحدث عن عروة بن
الزبير، عن زيد بن ثابت قال: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُصلِّي
الظهرَ بالهَاجرَة، ولم يكن يُصَلِّي صلاةً أشدَّ عَلى أصحاب النبيِّ- عليه
السلام- منهَا، فنزلت (حَافظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسطَى) وقال:
" إن قبلَها صلاتينِ، وبَعدها صَلاتينِ " (3) .
ش- محمد بن جعفر- الهذلي مولاهم البصري، المعروف بغندر،
وقد ذكر غير مرة، وكان شعبة بن الحجاج زوج أمه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7712) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (5/130- 131) .
(3) تفرد به أبو داود.

(2/272)


وعَمرو بن أبي حكيم أبو سعيد. ويقال: أبو سَهل الواسطي الكردي.
ويقال: إنه مولى لآل الزُّبير. روى عن: عروة بن الزبير، وعبد الله بن
بُريدة، والزِّبرِقان. روى عنه سعيد. وروى عن: داود بن أبي هند،
عنه إن كان محفوظا. روى له: أبو داود (1) . والزِّبرقان: ابن عَمرو بن
أمية الضَّمري. وقيل: الزبرِقان/بن عبد الله بن عمرو بن أميّة. روى
عن: عروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه (2) ، وعن
زَهرة، عن زيد بن ثابت. روى عنه: عَمرو بن [أبي] حكيم وابن
أبي ذئب، وجَعفر بن ربيعة، ويَعقوب بن عَمرو. روى له: أبو داود،
وابن ماجه (3) .
وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن
غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّ، أبو سعيد. وقيل: أبو خارجة،
أخو يزيد بن ثابت لأبيه وأمه. روي له عن رسول الله- عليه السلام-
اثنان وتسعون حديثَا، اتّفقا منها على خمسة أحاديث، وانفرد البخاريّ
بأربعة ومسلم بحديثِ. وقد روى عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان
- رضي الله عنهم-. روى عنه: ابن عُمر، وأنس بن مالك،
وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، ومروان بن الحكم، وسليمان وعطاء
ابنا يَسار، وابن المسيّب وغيرهم. وكان يكتب الوحي لرسول الله،
وكتب لعمر- أيضا- وكان يستخلفه- إذا صح- وكان معه حين قدم
الشام لفتح بيت القدس، وهو تولى قسمة غنائم اليرموك، ومات بالمدينة
سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمسين. وقيل: خمس وأربعين، وقتل
أبوه ثابت في وقعة بعاث، كانت قبل هجرة النبي- عليه السلام-
بخمس ستين. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4349)
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال أنه روى عن أبيه أو أخيه عبد الله بن عمرو بن
أمية، وعن زيد بن ثابت بلا واسطة.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (9/1955) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/551) ، أسد الغابة
(2/278) ، الإصابة (1/561) .
18 * شرح سنن أبي داوود 2

(2/273)


قوله: " بالهاجرة " أي: في الهاجرة؛ وهي اشتداد الحرّ نصف النهار.
قوله: " ولم يكن يصلي صلاة أشدَّ " وذلك لكَونه يُصَلِّي في قوة الحرَّ،
ثم أبرد بعد ذلك، وأمر بالإيراد- أيضَا-.
قوله: " إن قبلها " أي: قبل صلاة الوُسطى: " صلاتين وبَعدها صلاتين "
وبهذا يطلق على كل صلاة أنها وُسطى؛ لأن كل صلاة بحسبها وُسطى
يكون قبلها صلاتان وبعدها صلاتان؛ ولكن سياق الكلام يَدلّ على أن
المراد من الصلاة الوُسطى: الطهرُ؛ وذلك لأن نزول الآية كان عند
استثقالهم صلاة الظهر بالهاجرة، فبيَن أن المرادَ من قوله: (حَافظُوا عَلَى
الصَّلَوَات والصَّلاَةِ الوُسطَى) : صلاة الظهر؛ لأن قبلها صلاَتا الصّبح
والعشاء، وهما من وجه الليل، وبعدها: صلاتا العَصر والمغرب،
وهما من وجه النهار. وهو قول جماعة من الصحابة- كما ذكرنا-
والأصح: أنها صلاة العَصر- كما ذكرناه-. والحديث أخرجه البخاريّ
في " التاريخ الكبير ".
396- ص- ثنا الحسن بن الربيع: حدثني ابن المبارك، عن معمر، عن
ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدركَ من العَصرِ رَكعةَ قبلَ أن تَغرُبَ الشمسُ فقد أدركَ، ومن
أدرك من الفجرِ رَكعةَ قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ فقد أدرك " (1) .
ش- الحسن بن الربيع: ابن سليمان البجلي القَسري، وقَسر من
بَجيلة، أبو علي الكوفي. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وعبد الله
ابن المبارك، وجماعة آخرين. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم،
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك من الفجر ركعة (579) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أدرك ركعة من الصلاة
فقد أدرك تلك الصلاة 165 (608) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس (186) ، النسائي:
كتاب المواقيت، باب: من أدرك ركعة من الصلاة (1/254) ، ابن ماجه:
كتاب الصلاة، باب: وقت الصلاة في العذر والضرورة (699) .

(2/274)


ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. قال أحمد بن
عبد الله: كوفي ثقة، رجل صالح متعبّد، مات في رمضان سنة إحدى
وعشرين ومائتين (1) .
وابنُ طاوس: عبد الله بن طاوس بن كيسان، أبو محمد اليماني
الحِميري. سمع: أباه، وعكرمة بن خالد. روى عنه: عمرو بن دينار
وابن جريج، ومَعمر بن راشد، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. مات
سنة ثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " فقد أدرك " أي: أدرك وُجوبَها، حتى إذا أدرك الصبيُ قبل
غروب الشمس، أو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو طهُرَت الحائض
يجب عليه صلاة العَصر، ولو كان الوقت الذي أدركه جزءَا يسيرَا لا يسع
فيه الأداء، وكذلك هذا الحكم قبل طلوع الشمس. وقال زفر: لا
يجب، ما لم يجد وقتا يسع فيه الأداء حقيقة. وعن الشافعي قولان فيما
إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلا؛ أحدهما: لا يلزمه، والآخر: يلزمه؛
وهو أصحّهما؛ وذلك لأن من أدرك ركعة أو تكبيرةَ فقد أدرك حرمة
الصلاة، فاستوى فيه القليل والكثير.
فإن قلت: قيّد الركعة في الحديث، فينبغي أن لا يُعتبر أقل من الركعة،
قلت: التقييد بالركعة خرج مخرج الغالب؛ فإن غالب ما يمكن معرفة
إدراكه ركعة ونحوها، وأما التكبيرة فقد لا يكاد يُحَس (3) بها.
واعلم أن هذا الحديث دليل صريح في أن مَن صلى ركعةَ من العَصر،
ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته؛ بل يُتمّها؛ وهذا بالإجماع.
وأما في الصبح فكذلك عند الشافعي/ومالك وأحمد إلا عند أبي حنيفة؛
فإنه قال: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها. وقالت الشافعية:
الحديث حجّة على أبي حنيفة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1230) .
(2) المصدر السابق (15/3346) .
(3) في الأصل: " يحسن "، وانظر: شرح صحيح مسلم (5/105) .

(2/275)


واعلم أن هاهنا بحثا عظيما إذا وقفت عليه عَرَفت ما أسس عليه
أبو حنيفة، وعَرَفت أن الحديث ليس بحجة على أبي حنيفة، وأن غير هذا
الحديث من الأحاديث حجّة عليهم؛ فنقول: لا شك أن الوقت سبب
للصلاة وطرف لها؛ ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببًا، لأنه لو
كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يجعل بعض الوقت
سببا، وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم. فإن اتصل به الأداء تقررت
السببيّة وإلا ينتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن
فيه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن
كان صحيحاً بحيث لم ينسب إلى الشيطان، ولم يوصف بالكراهة- كما
في الفجر- وجب عليه كاملا، حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع
الشمس من خلال الفجر فَسَدَ خلافا لهم؛ لاكك ما وجب كاملا لا يتأدى
بالناقص كالصوم المنذور المطلق، أو صوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر
والتشريق، وإن كان هذا الجزء ناقضا بأن صار منسوبا إلى الشيطان كالعصر
وقت الاحمرار وجب ناقصَا؛ لأن نقصان السبب يؤثر في نقصان المسبّب،
فيتأدى بصفة النقصان؛ لأنه أرى كما لزم، كما إذا نذر صوم النَحر وأداه
فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العَصر؛ لأن ما بعد
الغروب كامل فيتأدى فيه؛ لأن ما وجب ناقصًا يتأدى كاملا بالطريق
الأولى.
فإن قيل: يلزم أن يفسد العصر إذا شرع فيه من الجزء الصحيح، ومدّها
إلى أن غربَت، قلنا: لما كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت
فيعفَى الفساد الذي يتصل فيه بالبناء؛ لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على
الصلاة متعذر.
والجواب عن الحديث: ما ذكره الطحاويّ في " شرح الاَثار " أن ورود
الحديث كان قبل نَهيه- عليه السلام- عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، من حديث الأعرج، وغيره، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.

(2/276)


397- ص- ثنا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال:
دَخلنَا على أنسِ بن مَالك بعدَ الظهرِ، فقامَ يُصلِّي العَصرَ، فلما فَرغَ من
صلاته ذكرنا تَعجيلَ الصَلاة أو ذَكَرَها فقال: سمعتُ رسولَ الله. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:
" تلك ًصلاةُ المُنَافقينَ، تلكً صلاةُ المنافقينَ، تلك صلاةُ المنافقين، يَجلِسُ
أحَدهم حتى إذا اصفرت الشمس، فكانت بين قَرنَي الشيطانِ، أو على قَرني
الشيطانِ قَامَ (1) فنقَرَ أربَعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " (2) .
ش- العلاء بن عبد الرحمن الحرقي الجُهني مولاهم، قد ذكرناه.
قوله: " بعد الظهر " أي: دخلنا على أنسٍ في داره بعد صلاة الظهر،
وكانت داره بجنب المسجد.
قوله: " تلك صلاة المنافقين " إشارة إلى صلاة العَصر التي تُصلَّى (3) في
اصفرار الشمس، وتؤخر هذا التأخير بلا عذر؛ وإنما كررها ثلاث مرات
ليكون أبلغ في ذم تأخيره بلا عذر.
قوله: " يجلس لما إلى آخره بيان لهيئة هذه الصلاة التي وقع فيها وفي
صاحبها الذمّ.
قوله: " فكانت " أي: الشمس " بين قرني الشيطان " " (4) اختلفوا فيه
على وجوه؛ فقيل: معناه: مقارنة الشيطان الشمس عند دنوها للغروب
على معنى ما روي " أن الشيطان يقارنها إذا طلعت، فإذا ارتفعت فارقها،
وإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا
غربت فارقها " فحرمت الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لذلك، وقيل:
قرنُه: قوته، من قولك: أنا مُقرِن لهذا الأمر أي: مطيق له، قوي
__________
(1) في الأصل: " قال "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالعصر
195 (622) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: في تعجيل العصر (160) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: التشديد في تأخير العصر (1/254) .
(3) في الأصل: " يصلي ".
(4) انظر: معالم السنن (1/112- 113) .

(2/277)


عليه؛ وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمرُه في هذه الأوقات؛ لأنه يُسول
لعبَدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات الثلاثة. وقيل: قرنه:
حزبه وأصحابُه الذين يعبدون الشمس، يُقال: هؤلاء قرن أي: نَشؤٌ
جاءوا بعد قرن مَضى. وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه؛ وذلك أن تأخير
الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتَسويفِه وتَزيينه ذلك في قلوبهم،
وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها/بقرونها، فكأنهم لما دافعوها
وأخّروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس: صار
ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون بقرونها، وتَدفعه بأرواقها. وفيه
وجه آخر: وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها، وينتصبُ
دونها، حتى يكون طلوعها بين قرنَيه- وهما جانبا رأسه- فينقلب سجود
الكفار للشمس عبادةَ له. وقرنا الرأس فَودَاهُ وجانباه، ومنه سمّي ذو
القرنَينِ؛ وذلك لأنه ضُرب على جانبي رأسه فلُقّب به والله أعلم (1) .
قلت: يمكن [حمل] الكلام على حقيقته، ويكون المراد: أنه يُحاذيها
بقَرنَيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها؛ لأن الكفار يسجدون لها حينئذ
فيقارنَها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويُخيّل لنفسه
وأعوانه أنما يَسجدون له، فيكون له ولشيعته تَسلطٌ.
قوله: " فنقَرَ أربعا " أي: أَربع ركعات، ونقَر من نقر الديك أو
الغراب، وهو كناية عن تخفيفها جدا بحيث لا يمكثُ فيها إلا قدر وضع
الديك أو الغراب منقاره فيما يُريد أكله.
قوله: " لا يذكر الله فيها إلا قليلا " صفة لقوله: " أربعَا "؛ وذلك
لاستعجاله فيها خوفا من غروب الشمس، لا يقدر أن يأتي بالقراءة كما
ينبغي، ولا بالتسبيحات والأدعية على صفتها، وانتصابُ " قليلاَ " على أنه
صفة لمصدر محذوف والتقدير: لا يَذكر الله فيها إلا ذكرا قليلا. وفيه
- أيضا- ذم صريح لمن يخفّف في الصلاة غايةَ بحيث أنه يؤدي إلى ترك
الواجبات. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.

(2/278)


398- ص- ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الذي تفوتُه صَلاةُ العَصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومَالَهُ " (1) .
ش- " الذي " مبتدأ وخبره: " فكأنما "، وقد عرف أن المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط يدخل في خبره الفاء، نحو: الذي يأتيني فله درهم؛
وذلك إنما يكون إذا كان المبتدأ مَوصولا، صلته فعل مثل هذا، أو ظرف
نحو (وَما بكُم مَن نِّعمَة فَمِنَ اللهِ) (2) أو كان المبتدأ نكرة موصوفة
بأحدهما كقوَلك: كل رجًل يأتيني أو في الدار فله درهم؛ وإنما تدخل
الفاء لما فيه من القصد إلى أن الأول سبب للثاني فيكون كالشَّرط.
قوله: " أهلَه ومالَه " " (3) مَنصوبان، هو الصحيح المشهور الذي عليه
الجمهور على أنه مفعول ثان لِـ " وُتِرَ "، فا " ضمر فيه مفعول ما لم يسمّ
فاعله عائدا إلى الذي فاتته الصلاة، ويجوز أن يكونا مَنصوبَين بنزع
الخافض؛ والمعنى: فكأنما وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض
انتصَبَ، والمعنى: نقص هو أهلَه ومالَه وسُلِبَهم، فبقي وترا فردًا بلا أهل
ومال، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله، وماله. وأما وجه
رفعهما: فعلى ما لم يُسم فاعله، ولا يكون حينئذ في " وُتر " إضمارٌ،
بل يكون مُسندا إلى الأهل، والمال يكون معطوفا عليه، والمعنى: فكأنما
انتُزِعَ منه أهلُه ومالُه. وهذا تفسير مالك بن أنس. وقال أبو عمر بن
عبد البر: معناه عند أهل اللغة والفقه: أنه كالذي يُصاب بأهله وماله
إصابةَ يطلب بها وِتراً، والوِتر: الجنايةُ التي يُطلب ثأرها، فيجتمعَ عليه
غَمان: غم المصيبة، وغمّ مقاساة طلب الثأر. وقال الداودي من المالكية:
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: إثم من فاتته العصر (هـ52) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة
العصر 201 (626) .
(2) سورة النحل: (53) .
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (5/125-126) .

(2/279)


معناه: يتوجّه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله،
فيتوجه عليه الندمُ والأسَف لتفويته الصلاة. وقيل: مَعناه: فاته من
الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله ".
والحديث أخرجه البخاريّ، ومسلمٌ 0
ص- قال أبو داود: وقال عُبيد الله بن عُمر: أُتِرَ
ش- عُبيد الله بن عُمر القواريري أحدُ شيوخ أبي داود، والبخاريّ،
ومُسلم. وقال: " أُتر " موضع " وتر لما، " الهمزة " فيه بدلٌ من
" الواو "، كما في " اقًّتت " أصله: " وُقِّتت "، و " أحِّد " أصله:
" وَحّد "، وأمثاله كثيرةٌ، وكلاهما مجهول من وَتره يَتِرُه وَترًا ووترا وِتِرهً،
وكذلك: وَترَه حَقّه أي: نقصَه، وقوله تعالى: (لَن يتركُم
أَعمَالَكُم) (1) أي: لن ينتقصكم في أعمالكم، كما تقول: دخَلت
البيتَ وأنتَ تريدُ: دخلتُ في البَيت، وبابُه من ضرب يضرب، واصل:
يَتِر: يَوتِر؛ حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، ومَصدره: فَعل
بالفتح وفعِل بالكَسر، وفعلة/كما ذكرنا وتِرةٌ أصله: وترٌ، حذفت
الواو تبعاًَ لفِعلة، وعُوِّضتَ عَنها الهاءُ في آخرها، فصار تِرةٌ كما في عِدة.
ص- واختلف على أيّوب (2) .
ش- أي: اختلف على أيوب السختياني في روايته: هل كان " وُتر "
بالواو أو " أُتِر " بالهمزة؟ 0
ص- وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- قال:
" وُتِر ".
ش- أي: قال محمد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله بن
عمر بن الخطاب- رصي الله عنهم-، عن أبيه، عن النبي- عليه
السلام- قال: " وُتِر " بالواو؛ وأصحّ الأسانيد: الزهري، عن سالم،
عن أبيه.
__________
(1) سورة محمد: (35) .
(2) في سنن أبي داود: ".. أيوب فيه ".

(2/280)


399- ص- نا محمود بن خالد: نا الوليد قال: قال أبو عَمرو- يعني:
الأوزاعيّ: وذلك أن تَرى ما على الأرضِ من الشمسِ صَفراءَ (1) .
ش- محمود بن خالد: السلمي الدمشقي.
والوليد: ابن مُسلم، أبو العباس الدمشقي.
قوله: " ودلك " إشارة إلى الفوات الذي يَدلُّ عليه قوله: " تفوته ".
وقد اختلف العلماء في الفوات؛ " (2) فقال عبد الرحمن الأوزاعي: أن
يؤخرها إلى أن ترى ما على الأرض من الشمس صَفراء؛ والمعنى: إلى
أن تَصفر الشمسُ. وقال ابن وهب: هو فمِمَن لم يُصلها في وقتها
المختار. وقال سحنون: هو أن تفوته بغُروب الشمس. فقيل: ناسيًا.
روي ذلك عن سالم، وقيل: عامدا؛ وهو قول الداودي، والأظهر:
أن هذا فيمَن تَفُوته بخروج الوقت عامدًا. ويؤيده: ما رواه البخاريّ في
" صحيحه ": " مَن ترك صلاة العَصر حبط عملُه "، وهذا إنما يكون في
العامد ".
فإن قيل: ما الحكمة في تخصيصه- علمِه السلام- العَصر بقوله:
" الذي تفوته صلاة العَصرِ "؟ قلت: يحتملُ وجوها؛ الأول: أن يكون
جوابَا لسائل (3) سأل عن ذلك، الثاني: أنه تأكيدٌ وحَض على المثابرة
عليها؛ لأنها تأني في وقت اشتغال الناس، والثالثُ: لأنها على
الصحيح: الصلاة الوسطى، وبها تختم الصلوات، والرابع: أنها
مَشهودة، والخامس: أنها صلاة لا يُتنفّلُ بعدها، فإذا فاته العصر فاته
فضل الوقت.
فإن قلت: الصُّبح- أيضا- كذلك، وهي مشهودة- أيضا- قلت:
وقد أوصى بالصُّبح في الكتاب كما أوصى بها في السُّنَّة، فافهم. وأما
كونها مشهودة: فالكتاب عرّف قدرها كما عرفت السُّنَة قدر العصر.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (5/126) .
(3) في الأصل: " لسؤال ".

(2/281)


وأما تأويل ما رواه البخاري " من فاته " فوات مضيع متهاون بفضل وقتها
مع قدرته على أدائها، فحبط عمله في الصلاة خاصة أي: لا يحصل له
أجر المصلي في وقتها، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة. كذا قاله
المهلب. وقال غيرُه: تركها جاحدَا، فإذا فعل ذلك فقد كفر وحبط عمله.
قلت: هذا يُقال في سائر الصلوات، ويقال هذا على وجه التغليظ.
ويُقال: معناه: كاد أن يُحبط، ويُقال: يوقف عنه عملهُ مُدة يكون فيها
بمنزلة المحبط حتى يأتيه من فَضل الله ما يدرك به ثواب عمله.
5- بَاب: فِي وَقتِ المَغرب
أي: هذا باب في بيان وَقت المغرب.
400- ص- نا داود بن شبيب: نا حماد، عن ثابت البنانِي، عن أنس بن
مالك قال: كُنَا نُصَلِّي المغربَ مع النبيِّ- عليه السلام- ثم نرمي فيَرى احدنُا
مَوضعَ نَبلِهِ (1) .
ش- داود بن شبيب: البصري، وحماد: ابن سلمة.
قوله: " ثم نَرمي " أي: نَرمي النبل؛ والنبلُ: السهامُ العربية، ولا
واحد لها من لفظها، فلا يُقال: نَبلة، وإنما يُقال: سهم ونشابة؛
والمعنى: أنا نبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف،
ويَرمي أحدُنا النبل عن قوسه ويُبصر موقعه لبقاء الضوء. وفي هذا الحديث
والأحاديث التي بَعدها أن المغرب يُعجل عقيب غروب الشمس، وهذا
مجمع عليه، وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له.
فإن قيل: ما تقولُ في الأحاديث التي وردت في تأخير المغرب إلى
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب (559) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: بيان أن أول وقت المغرب عند غروب
الشمس 217- (637) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: تعجيل المغرب
(1/259) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب (687) .

(2/282)


قريب سقوط الشفق؟ قلت: تلك لبيان جواز التأخير، وهذه لبيان
الأوقات التي كان- عليه السلام- يُواظب عليها، لأجل فضيلتها إلا
لعُذرٍ، فافهم. وأخرج البخاريّ، ومسلم، وابن ماجه نحوه من حديث
/رافع بن خديج، عن رسول الله- عليه السلام- وأخرج النسائي نحوه
من رواية رجل من أَسلم من أصحاب النبي- عليه السلام-، عن النبي
- عليه السلام-.
401- ص- نا عَمرو بن علي، عن صفوان بن عيسى، عن يزيد بن
أبي عُبيد، عن سَلَمةَ بنِ الأكوع قال: كان النبيُّ- عليه السلام- يُصلِّي
المغربَ ساعةَ تَغربُ الشمسُ إذا غَابَ حاجِبُها (1) .
ش- عَمرو بن علي: الصَّيرفي الباهلي البصري، وصفوان بن عيسى:
القرشي البصري.
ويزيد بن أبي عُبيد: الأَسلمي مولى سلمة بن الأكوع. روى عن:
سلمة بن الأكوع، وعمير مولى آبي اللحم. روى عنه: يحيى القطان،
وحفص بن غياث، وصفوان بن عيسى، وجماعة آخرون. مات سنة
سبع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسلمة بن عَمرو بن الأكوع- واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن
قُشَير الأسلمي، أبو مُسلم أو أبو عامر، شهد بيعة الرضوان تحت
الشجرة، وبايع رسول الله يومئذ ثلاث مرار؛ في أول الناس وأوسطهم
وآخرهم. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- سَبعةٌ وسَبعون حدينا؛
اتفقا على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بسَبعة. روى عنه:
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب (561) ، مسلم:
كتاب المساجد، باب: بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس (636) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وقت المغرب (164) ، ابن
ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب (688) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7028) .

(2/283)


ابنه: إياس، ومولاه: يزيد بن أبي عبيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن،
وجماعة آخرون. مات بالمدينة سنة أربع وسَبعين، وهو ابن ثمانين سنةَ،
وكان يسكن الرَبذَة، وكان شجاعا راميَا محسناً خيِّرا. وقيل: إنه شهد
غزوة مؤتة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ساعة " نصب على الظرفية ومضاف إلى الجملة.
قوله: " إذا غاب حاجبُها " بدل من قوله: " ساعة تغرب الشمس "؛
وحاجب الشمس: حرفها الأعلى من قُرصها وحواجبها: نواحيها.
وقيل: سمّي بذلك لأنه أول ما يَبدو منها كحاجب الإنسان، وعلى هذا
يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولا، ولا يسمّى جميع نواحيها
حواجب. وأخرجه: البخاريّ، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه بنحوه.
402- ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا يَزيد بن زُرَيع: نا محمد بن
إسحاق: نا يَزيد بنُ أبي حبيب، عن مَرثد بن عبد الله قال: قَدِمَ (2) علينا
أبو أيوبَ غَازيًا وعقبةُ بنُ عامر يومئذ على مصرَ، فأخَّرَ المغربَ، فقامَ إليه
أبو أيوبَ فقال له: مَا هذه الصًلاةُ يا عقبة؟! فقال له: شغِلنَا، قال: أما
سمعت رسولَ الله- عليه الَسلام- يَقولُ: " لا تَزالُ (3) أُمَّتي بخَيرٍ " أو قال:
" على الفِطرَةِ، مَا لم يؤَخِّرُوا المغربَ إلى أن تَشتبكَ النُّجومُ " (4) ؟.
ش- عبيد الله بن عُمر: القواريري، ويزيد بن زُريع: البصري،
ومحمد بن إسحاق: ابن يَسَار صاحب المغازي. ويزيد بن أبي حبيب-
واسم أبي حبيب: سويد المصري.
ومَرثد بن عبد الله- بفتحٍ الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة-
أبو الخير اليَزَني المصري، ويزن بطن من حمير. روى عن: سعيد بن زيد
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/87) ، أسد الغابة
(2/423) ،الإصابة (2/66) .
(2) في سنن أبي داود: " لما قدم ".
(3) في سنن أبي داود: " لا يزال ".
(4) تفرد به أبو داود.

(2/284)


ابن عمرو بن نفيل، وأبي أيوب الأنصاريّ، وعمرو بن العاص، وابنه:
عبد الله بن عَمرو، وزيد بن ثابت، وأبي نضرة الغفاري، وغيرهم.
روى عنه: عبد الرحمن بن شمّاسة، ويزيد بن أبي حبيب،. وجعفر بن
ربيعة، وغيرهم. قال أبو سَعيد بن يونس: كان مفتي أهل مصر في
زمانه، وكان عبد العزيز بن مَروان يُحضِره فيُجلسه للفُتيا. توفي سنة
تسعين. روى له الجماعة (1) .
وأبو أيوب: خالد بن زيد الأنصاري، مُضيِّف رسول الله. وَعُقبة بن
عامرٍ الجُهني.
قوله: " يومئذ " أي: يوم قدِم أبو أيوب مصر، وكان عقبة والياً على
مصر من قِبل معاوية، سنة أربع وأربعين.
قوله: " أو قال: على الفطرة " شكّ من الراوي؛ وكذا في رواية ابن
ماجه؛ رواها عن عباد بنَ العوام، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة،
عن الحسن، عن الأحنف بن قَيس، عن العباس بن عبد المطلب قال:
قال رسولُ الله- عليه السلام-: " لا تزال أمّتي على الفِطرة ما لم
يؤخروا المَغرب حتى تشتبك (2) النجوم (3) ". والمرادُ من الفطرة:
السُّنَّة؛ كما في قوله- عليه السلام-: " عشر من الفطرة ".
قوله: " إلى أن تَشتبك النجُوم " أن: مَصدرية، والتقدير: إلى اشتباك
النجوم. قال ابن الأثير (4) : " اشتبكت النجوم أي: ظهرت جميعها
واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها ". وجه التمسك بالحديث: أن
التأخير لما كان سببًا لزوال الخير كان التعجيل سببًا لاستجلابِه. وقال
الشيخ زكي الدين: في إسناده: محمد بن إسحاق بن يسار، وقد تقدم
الكلام عليه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5850) .
(2) في الأصل: " يشتبك ".
(3) ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب (689) .
(4) النهاية (2/441) .

(2/285)


قلتُ: كأنه أشار بهذا إلى ضعف الحديث؛ ولكن ليسَ الأمر كما
زعمه؛ أما أولا: فلأن/محمد بن إسحاق مُوثق عند الجمهور، وأما
ثانيا: فإن الحاكم رواه في " مُستدركه (1) " وقال: صحيح على شرط
مُسلم.
***
6- بَابُ: وَقتِ عشاءِ الآخرة
أي: هذا باب في بيان وقت عشاء الأخرة، وفي بَعض النسخ: " باب
ما جاء في وقت عشاء الآخرة " بالإضافة، وفي بعضها: " العشاء
الآخرة " بالصفة؛ وبالإضافة أصحّ.
403- ص- ثنا مُسدّد: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن بَشير بن ثابت،
عن حبيب بن سالمٍ، عن النعمان بن بَشير قال: " أنا أعلمُ الناسِ بوقت هذه
الصلاة: صلاة العشاء الآخرة، كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَفَيها لسُقُوطِ اَلقَمرِ
لِثالثة " (2)
.ًً
شً- أبو عوانة: الوَضَّاحُ، وأبُو بشر هو: جَعفر بن أبي وَحشية
الواسِطيُّ.
وبَشِير- بفتح الباء- بن ثابت: الأنصاري. روى عن: حبيب
ابن سالم. روى عنه: شعبة وغيره. قال ابن معين: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وحبِيب بن سالم: الأنصاري مولى النعمان بن بَشير. روى عن:
النعمان. روى عنه: محمد بن المُنتشر، وإبراهيم بن مهاجر، وأبو بشر
__________
(1) (1/ 190)
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة
(165) النسائي: كتاب المواقيت، باب: ما يستحب من تأخير العشاء
(1/ 264)
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/715) .

(2/286)


جَعفر بن أبي وحشيّة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. وقال البخاري:
فيه نطر. روى له: الجماعة إلا البخاريُّ (1) .
والنعمان بن بَشير بن سَعد بن ثعلبة بن جُلاس- بالجيم المضمومة-
أبو عبد الله، وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد قدوم النبي- عليه
السلام-؛ ولد هو وعبد الله بن الزبير عام اثنتين من الهجرة. رُوِيَ له
عن رسول الله مائة حديث وأربعة عشر حديثا. روى عنه ابنه: محمد بن
النعمان، والشعبي، وحبيب بن سالم مولاه، وعروة بن الزبير،
وغيرهم، وكل غيلةً ما بَين حمص وسلميّة في أول سنة أربع وستين. وقال
في " الكمال ": قتل بقرية من قرى حمص يقال لها: حرب بنفسا (2) .
روى له الجماعة (3) .
قوله: " صلاة العشاء الآخرة " بدل من قوله: " الصلاة " في قوله:
" بوقت هذه الصلاة ".
قوله: " لسُقُوط القمر لثالثة " اللام في الوضعين للتوقيت أي: لوقت
سقوط القمر للَيلة ثالثة من الشهر؛ كما في قوله تعالى: (أقم الصَّلاَةَ
لدُلُوك الشمس) (4) أي: لوقت دلوكها، وسقوط القمرَ: وقوعُه
لَلغروبَ: ويغربُ القمر في الليلة الثالثة من الشهر على مُصي ثِنتين
وعشرين درجةً منِ غروب الشمس. وقال أبو بكر: حدثنا هشيم، عن
أبي بشر، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير قال: أنا من أعلم
الناس، أو كأعلم الناس بوقت صلاة رسول الله العِشاء، كان يُصلِيها بعد
سقوط القمر ليلة الثانية من أول الشهرِ. انتهى.
ويَغربُ القمرُ في الليلة الثانية من الشهرِ على مُضي ست (5) عشرة
درجةَ من غروب الشمس ... (6) . والحديث: أخرجه الَترمذي، والنسائيّ.
__________
(1) المصدر السابق (5/1085) .
(2) كذا، وفي " معجم البلدان " (2/236) : " حَر بَنَفسَا ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/550) ، أسد الغابة
(5/327) ، الإصابة (3/559) .
(4) سورة الإسراء: (78) .
(5) في الأصل: " ستة "، وهو خطأ.
(6) بياض في الأصل قدر سطرين.

(2/287)


404- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن (1)
الحكم، عن نافع، عن عبد الله بن عُمر قال: مَكَثنَا ذاتَ ليلة نَنتظرُ رسولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة العشاء، فخرجَ إلينا حينَ ذَهبَ ثُلُثُ الليلِ، أو بعًدَه، فلا نَدرِي:
أشيء شَغًلَهُ أَم غيَرُ ذلك؟ فقال حينَ خرجَ: " أتنتظِرونَ هذه الصلاةَ؟ لولا
أن يَثقُلَ (2) على أمَّتِي لصلَّيتُ بهم هذه الساعة " ثم أمر المؤذنَ فأقامَ
الصلاة " (3) .
شِ- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر، والحكم: ابن
عتيبة.
قوله: " ذات ليلة " قد مر الكلام فيه غير مرة.
قوله: " لصلاة العشاء " أي: لأجل صلاة العشاء.
قوله: " أو بعده " أي: أو بعد الثلث.
قوله: " أشيءٌ شغله " أي: منعه عن الخروج في أول وقتها.
قوله: " هذه الساعةَ " إشارة إلى الساعة التي تلي الثلث الأول من
الليل، وبهذا استدل أصحابنا في فضل التأخير؛ وهو حجّة على مَن فضل
التقديم، وذلك لأنه نبه على تفضيل التأخير بقوله: " لولا أن يَثقل "
وصرّح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، وأنه- عليه السلام- خشي أن
يُواظب عليه فيفرض عليهم، أو يتوهموا إيجابه، فلهذا تركه كما ترك
صلاة التراويح/وعلل تركها بخشية افتراضها والعجز عنها. وقال
الخطابيّ وغيره: إنما استحب تأخيرها لتطول مدة انتظار الصلاة، ومنتظر
الصلاة في صلاةٍ. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
405- ص- نا عمرو بن عثمان الحمصي، [عن أبيه] ، نا حَريز، عن
راشد بن سَعد، عن عاصم بن حُمَيدَ السَّكوني، أنه سمع معاذَ بن جبل
__________
(1) في الأصل " بن " خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " تثقل ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: وقت العشاء وتأخيره 220
(639) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت العشاء (1/267) .

(2/288)


يَقول: بَقَينَا (1) النبيَ- عليه السلام- في صَلاة العَتمة، فتأخرَ (2) حتى ظَنَّ
الظانُ أنه ليسَ بخارج والقائلُ منا يقولُ: صلى، فإنا لكَذلك حتى خَرَج النبيُّ
- عليه السلام- فقالوا له كما قالوا، فقال (3) : " أَعتمُوا بهذه الصلاة؛
فإنكم قد فُضَلتُم بها على سائر الأمم، ولم يُصَلِّهَا (4) أمة قبلَكم " (5) .
ش- عَمرو بن عثمان القرشي الحمصي. وحَريز: ابن عثمان الحِمصي
الشامي أبو عون، وراشد بن سَعد: المقرائي.
وعاصم بن حُمَيد السكوني- بفتح السين- الحمصي، شهد خطبة
عمر بالجابية. وروى عن: عمر. وسمع: معاذ بن جبل، وعوف بن
مالك الأشجعي، وأزهر بن سَعد وغيرهم. روى عنه: راشد بن سَعد،
وغيره. وقال الدارقطني: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه (6) .
قوله: " بَقَينا النبي- عليه السلام- " - بفتح القاف- أي: انتظرناه؛
يقال: بقَيت الرجل أبقيه إذا انتظرتَه؛ قال كثير.
فما زلتُ أَبقي الظُعنَ حتى كأنها ... أُواقِي سُديً يَغتالُهنّ الحوائلُ
قوله: " في صلاة العتمة " أي: صلاة العشاء الآخرة؛ وإنما قال
" العتمة " لأن العرب يُطلقون العشاء على المغرب، ولو قال في صلاة
العشاء رُبما توهم أن المراد المغرب.
قوله: " فإنا لكذلك " اللام المفتوحة فيه للتأكيد أي: فإنا على هذه
الحالة حتى خرج علينا النبي- عليه السلام-.
قوله: " أعتموا بهذه الصلاة " أي: أخروا هذه الصلاة- أي: العشاء
الآخرة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " أبقينا "، وفي التحفة (8/11319) " ارتقبنا ".
(2) في سنن أبي داود: " فأخر ".
(3) في سنن أبي داود: " فقال لهم "
(4) في سنن أبي داود: " ولم تصلها ".
(5) تفرد به أبو داود.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/3004) .
19 * شرح سنن أبي داوود 2

(2/289)


قوله: " فإنكم " " الفاء " فيه للتعليل.
قوله: " بها " أي: بصلاة العتمة.
فإن قيل: كيف يكون تفضيلهم بهذه الصلاة على سائر الأمم علةَ
للإعتام؟ قلتُ: لأن سائر الأمم لم يُعتموا؛ لأن قوله: " ولم يُصَفها أمة
قبلكم " يحتملُ مَعنيين؛ الأول: أنهم لم يُصلوا العتمة أصلا؛ وهو
الظاهر، والثاني: أنهم لم يُعتموا بها وإن كانوا صلوها، فيكون تفضيل
هذه الأمة على غيرهم، إما بمعنى أن غيرهم لم يُصلوها أصلا، أو بمعنى
أنهم أعتموا وغيرهم لم يُعتموا؛ والقَرينة تُرجح المعنى الثاني،. وأن
تَفضِيلهم على غيرهم بالإعتامَ، وأن الإعتامَ أفضلُ من التقديم.
فإن قيل: قد نهى عن إطلاق اسم العتمة على العشاء، كما في
" صحيح مسلم ": " لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء؛ فإنها في
كتاب الله: العشاء؛ وإنها تعتم بحلاب الإبل " معناه: أن الأعراب
يسمونها العتمة؛ لكونهم يعتمون بحلاب الإبل. أي: يؤخرونه إلى شدة
الظلام؛ وإنما اسمُها في كتاب الله: العشاء، في قوله تعالى: (وَمن
بَعد صَلاة العشَاء) (1) . فينبغي لكم أن تسموها العشاء. قلت: قَد
جاءَ في الَأحاَديثَ الصحيحة تمسيتها بالعتمة؛ كحديث: " لو يَعلمون ما
في الصبح والعتمة لأتوها ولو حَبوا " وغير ذلك.
وأما النهي: فهو للتنزيه؛ لا للتحريم، ويمكن أن يكون استعمالها
- أيضا- لمن لا يَعرف العشاء، فيُخاطب بما يعرفه، أو لأنها أشهر عند
العرب من العشاء.
406- ص- نا مسدد: نا بشرُ بن المُفضّل: ثنا داود بن أبي هند، عن
أبي نَضرة، عن أبي سَعيد الخدَريّ قال: صَلَّينَا مع رسول الله صَلاةَ العَتمَة
فلم يخرج حتى مَضى نحوٌ من شَطر الليلِ فقال: " خُذُوا مَقاعَدَكُم " فأخذناَ
مَقَاعِدَنَا، فقال: " إن الناس قد صلُوا وأخذُوا مضاجِعَهُم، وإَنكم لن تَزَالُوا
__________
(1) سورة النور: (58) .

(2/290)


في صَلاة ما انتظرتُمُ الصلاةَ، ولولا ضُعفُ الضَّعيفِ، وسِقَمُ السَّقِيم
لأخرتُ هًذه الصلاةَ إلى شَطرِ الليلِ " (1) .
ش- أبو نَضرة: منذرُ بن مالك العَوَقي- بفتح العين وفتح الواو
وبالقاف- العبدي البصري.
قوله: " فلم يخرج " أي: لم يخرج لصلاة العتمة حتى مَضى نحو من
شطر الليل؛ يَدُل عليه ما روى ابن ماجه هذا الحديث من رواية داود بن
أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي- عليه السلام-
صلى المغربَ ثم لم يخرج حتى ذهبَ شَطرُ الليل، ثم خرج فصلى
بهم/وقال: " لولا الضَعيفُ والسقيمُ لأحبَبتُ أن أُؤخر هذه الصلاة إلى
شَطر الليل "
قوله: " حتى مضى نحوٌ " أي: مثل " من شطر الليل " أي: نصفه
وارتفاعه على أنه فاعل مضى.
قوله: " مقاعدكم " المقاعد: مواضع قعود الناس في دورهم وغَيرها.
والمضاجع: جمع مضجع، وهو موضع النوم.
قوله: " إن الناس قد صلُّوا " المراد منهم: المسلمون الذين لم يحضروا
صلاة العتمة في هذه الليلة مع النبي- عليه السلام-، فلهذا خاطب
الحاضرين بقوله: " إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة " أي:
مادُمتم منتظرين الصلاة.
قوله: " ولولا ضُعف الضعيف وسقم السقيم " أي: لولا الضعف
والسقم مَوجودان بَين الناس لأخرتُ هذه الصلاة- أي: صلاة العتمة-
إلى نصف الليل كل وَقت؛ ولكن تركه لوجود الضعف والسقم؛ لأن
" لولا " لانتفاء الثاني لوجود الأول؛ نحو: لولا زيد لهلك عَمرو؛ فإن
هلاك عَمرو مُنتفٍ لوجود زَيد، وأما " لو " فإنه لانتفاء الثاني لانتفاء
الأول؛ نحو: لو جئتني لأكرمتًك؛ فإن الإكرام منتفٍ لانتفاء المجيء.
__________
(1) النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت العشاء (1/268) ، ابن ماجه:
كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة العشاء (693) .

(2/291)


فإن قيل: ما الفرق بَين الضُّعف والسقم، فهل هما واحد؟ فما كانت
الحاجة إلى ذكرهما معا؟ قَلت: الضُّعف والضَّعف- بالضم والفتح-
خلاف القوة، وقد ضَعُف- بالضمّ- فهو ضَعيف، والسقم- بالضم-
والسَّقَم- بفتحتين: المرض، وكذلك السَقَامُ، وقد سَقِمَ- بالكسر-
فهو سقيمٌ، فالضعيف أعم من السقيم؛ يتناول مَن به سَقمٌ ويَتناول مَن
ذهبت قوته كالشيخ الهرِم، ويتناول كل عاجز عن الحضور سواء كان به
سقم أولا؛ وإنما ذكر رسول الله كليهما ليتناول أنول الجنسَين، ويَعمّ
أصنافهما، فافهم.
وهذا الحديث- أيضا- حجة لأصحابنا على استحباب تأخير العشاء
إلى ما قبل نصف الليل، والحديث الذي تقدم يدل على استحباب التأخير
إلى الثلث؛ وكلاهما سواء؛ لأن قبل النصف في حكم الثلث.
فإن قلت: ينبغي أن تكون سنيّة التأخير كسنية السواك؛ حيث قال
- عليه السلام-: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
صلاة، ولأخرتُ العشاء إلى ثلث الليل " رواه الترمذي، والنسائي؛
وذلك لأن الأمر بالسواك وتأخير العشاء كلاهما مُنتفيان لوجود الشقة،
ومع هذا السواك: سُنَّة وتأخير العشاء: مستحبّ. قلت: لم تثبت
سنية السواك بعد هذا إلا بمواظبته- عليه السلام- ولولاها لقلنا باستحبابه
- أيضا- ولم توجد المواظبة في تأخير العشاء، فلم تثبت السّنية، فبقي
مُستحبا. وجوابٌ آخر: أنه قال في السواك: " لأمرتهم " وهو للوجوب؛
ولكن امتنع الوجوب لعارض المشقة، فيكون سُنَّة، وأما في التأخير فقد
قال: " لأخرتُ " وفعله مُطلقا يدل على الاستحباب لا على الوجوب.
***
7- بَاب: في وَقتِ الصُّبح
أي: هذا باب في بيان وقت الصبح.
407- ص- ثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عَمرةَ

(2/292)


بنتِ عبد الرحمن، عن عائشة- رضي الله عنها-، أنها قالت: إِن كان
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُصَلِّي الصُبحَ فيَنصرفُ النِّساءُ مُتلفِّعاتٌ بمُرُوطهنَّ ما يُعرفنَ
من الغَلَسِ (1) .
ش- " إن " مخففة عن مثقلة، أصلُه: إنّه كان رسول الله. أي: إن
الشأن: كان رسول الله؛ وذلك لأجل التأكيد، وكذا اللام في قوله:
" ليصلي الصبح " للتأكيد.
قوله: " متلفعات " - بالعين المهملة بعد الفاء- أي: متجللات،
واللفاع: ثوب يجلل به الجسد كله، كساءً كان أو غيره، وتلفع بالثوب
إذا اشتمل به يعني: تجلل جميع جسده. وروى " مُتلفّفات " - بفائين-
والتلفّفُ قد يجيء بمعنى التلفع 0 والمروط: جمع مِرط- بكسر الميم-،
وهو كساء من صوف أو خزّ أو كتانٍ، وقد مر مرةً.
قوله: " ما يُعرفن من الغلسِ " يَعصي: ما جُرفن أَنسَاءٌ هُن أم رجال؟
قاله الداودي. وقيل: ما يُعرف أعيانهن. وقال الشيخَ محيي الدين (2) :
" وهذا ضعيف؛ لأن المتلفعة في النهار- أيضا- لا تعرف عينها: فلا
يبقى في الكلام فائدة ".
قلت: هذا ليس بضعيف: لأنه ليس المراد من قوله: " ما يُعرف
/أعيانهن " ما يُشَخّصنَ حقيقة التشخيص؛ بَل معناه 0 ما يُعرفن أرجال أو
صبيان أو نساء أو بنات؟ فهو- أيضا- قريب من قول الداودي، فافهم.
و" الغلس " - بفتحتَين- بقاء ظلام الليل واختلاطه بضياء الصباح،
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت الفجر (578) ، مسلم: كتاب
المساجد ومواضع الصلاة، باب: وقت العشاء وتأخيرها (645) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: في التغليس في الفجر (153) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: التغليس في الحصر (1/271) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة،
باب: وقت صلاة الفجر (669) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/144-145) .

(2/293)


و " الغَبَس " قريب منه؛ إلا أنه دونه. وفيه حجة لمن رأى التغليسَ بالفجر؛
وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه. والحديث:
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأخرجه ابن ماجه،
وغيره من حديث عروة، عن عائشة- رضى الله عنها-.
408- ص- ثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن
عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن
خديج قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " أصبحُوا بالصبح؛ فإنه أعظم
لأجُورِكُم " أو " أعظمُ للأَجرِ " (1)
ش- إسحاق بن إسماعيل: الطالقاني، وسفيان: الثوري، ومحمد
ابن عجلان.
وعاصم بن عُمر " بن قتادة بن النعمان: ابن زيد بن عامر بن سواد بن
كعب، وهو ظَفَر بن الخزرج بن عمرو، وهو النَّبيت (2) بن مالك بن
أوس الظَفَري الأوسي الأنصاري أبو عُمر، ويقالَ: أبو عَمرو المدني.
سمع: جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، ومحمود بن لبيد. وسمع:
أباه، وغيرهم. روى عنه: ابنه: الفضل بن عاصم، ومحمد بن
عجلان، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة:
ثقة. توفي بالمدينة سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
ومحمود بن لبيد: ابن عقبة بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن
عبد الأشهل الأشهلي الأنصاري، يكنى أبا نعيم، ولد في حياة رسول الله،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإسفار بالفجر (154) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: الإسفار (1/275) ، ابن ماجه: كتاب
الصلاة، باب: وقت صلاة الفجر (672) .
(2) في الأصل: " عمرو بن النبيت " وما أثبتناه من " تهذيب الكمال " وعلق
محققه في الحاشية بقوله: " جاء في حواشي النسخ من تعقبات المصنف على
صاحب " الكمال " قوله: " كان فيه: ابن عمرو بن النبيت " وهو خطأ ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/3020) .

(2/294)


ولم تصح له رواية ولا سماع من النبي- عليه السلام-، وقد روى عن
النبي أحاديث. وتوفي بالمدينة سنة ست وتسعين. قال ابن سَعد: وكان
ثقة قليل الحديث. وقال الواقدي: مات محمود بن لبيد، وهو ابن تسع
وتسعين. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
ورافع بن خديج: ابن رافع بن عديّ بن يزيد بن جُشم بن حارثة بن
الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أَوس الأنصاري الحارثي،
أبو عبد الله. ويقال: أبو رافع، شهد أحدا والخندق. رُوِيَ له عن
رسول الله ثمانية وسبعون حديثًا؛ اتفقا على خمسة أحاديث، وانفرد
مسلم بثلاثة. روى عنه: عبد الله بن عُمر بن الخطاب، والسائب بن
يزيد، وحنظلة بن قيس، وغيرهم. مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو
ابن ست وثمانين سنة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " أصبحوا بالصُّبح " أي: نوِّروا به. وبه استدل أصحابنا على أن
الإسفار بالفجر أفضل، وبه قال سفيان الثوري وغيرُه.
واعلم أن الإسفار " (3) رُوي من حديث رافع بن خديج، ومن حديث
محمود بن لبيد، ومن حديث بلال، ومن حديث أنس، ومن حديث
قتادة بن النعمان، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي هريرة،
ومن حديث حواء الأنصارية.
أما حديث رافع بن خديج: فرواه أصحاب السنن الأربعة من حديث
عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج قال: قال
رسول الله: " أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر "؛ الترمذي، عن
محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمر، والباقون: عن محمد بن
__________
(1) المصدر السابق (27/5820) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/495) ، أسد الغابة
(2/190) ،الإصابة (1/495) .
(3) انظر: نصب الراية (1/235: 237) .

(2/295)


عجلان، عن عاصم به؛ قال الترمذي: حديث حسن صحيح؛ ولفظ
أبي داود: " أصبحوا بالصُّبح " وفي رواية: " أصبحوا بالفجر "، قال
ابن القطان في " كتابه ": طريقه طريق صحيح. وعاصم بن عمر: وثقه
النسائي، وابن معين، وأبو زرعة وغيرهم، ولا أعرف أحدا ذكره في
الضعفاء ولا ضعّفه. ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخامس
والأربعين من القسم الأول؛ وفي لفظ له: " أسفروا بصلاة الصبح؛ فإنه
أعظم للأجر " وفي لفظ له: " فكلما أصبحتم بالصبح؛ فإنه أعظم
لأجوركم "، وفي لفظ للطبراني: " فكلما أسفرتم بالفجر؛ فإنه أعظم
للأجر ".
وأما حديث محمود بن لبيد: فرواه أحمد في " مسنده ": حدثنا
إسحاق بن عيسى: ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن
محمود بن لبيد، عن النبي- عليه السلام- بنحوه؛ لم يذكر فيه رافع
ابن خديج، ومحمود بن لبيد صحابي مشهور- كما ذكرنا- فيحتمل أنه
سمعه من رافع أولا فرواه عنه، ثم سمعه من النبي- عليه السلام- فرواه
عنه؛ إلا أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيه ضعف.
وأمما حديث بلال: فرواه البزار في " مسنده "/: حدثنا محمد بن
عبد الرحيم: ثنا شبابة بن سوار: ثنا أيوب بن سيّار، عن ابن المنكدر
عن جابر، عن أبي بكر، عن بلال، عن النبي- عليه السلام- بنحوه 0
قال البزار: وأيّوب بن سيّار ليس بالقوي، وفيه ضَعف.
وأما حديث أنس: فرواه البزار- أيضا-: حدثنا محمد بن يحيى بن
عبد الكريم الأزدي: ثنا خالد بن مخلد: ثنا يزيد بن عبد الملك، عن
زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك مرفوعا نحوه؛ ولفظه: " أسفروا
بصلاة الفجر؛ فإنه أعظم للأجر ".
وأما حديث قتادة بن النعمان: فرواه الطبراني في " معجمه " والبزار في
" مسنده " من حديث فليح بن سليمان: ثنا عاصم بن عمر بن قتادة بن
النعمان، عن أبيه، عن جده مرفوعا نحوه.

(2/296)


وأما حديث ابن مسعود: فرواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا أحمد
ابن أبي يحيى الحضرمي: ثنا أحمد بن سهل بن عبد الرحمن الواسطي:
ثنا المعلى بن عبد الرحمن: ثنا سفيان الثوري وشعبة، عن زبيد، عن
مرة، عن عبد الله بن مسعود مرفوعا نحوه.
وأما حديث أبي هريرة: فرواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " من
حديث سعيد بن أوس أبي زيد الأنصاري، عن ابن عون، عن ابن
سيرين، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
وأما حديث حواء: فرواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا أحمد بن
محمد الجُمحي: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني: ثنا هشام بن سَعد،
عن زيد بن أسلم، عن ابن بُجَيد الحارثي، عن جدته الأنصاريّة- وكانت
من المبايعات- قالت: سمعتُ رسول الله يقولُ: " أسفِروا بالفجر؛ فإنه
أعظم للأَجر ". قال في " الإمام ": وإسحاق الحُنيني- بضم الحاء
بعدها نون ثم ياء آخر الحروف، ثم نون-. قال البخاريّ: في حديثه
نظر. وذكر له ابن عديّ أحاديث، ثم قال: وهو مع ضَعفه يكتب
حديثه. وابن بُجَيد- بضم الباء الموحدة وفتح الجيم بعدها [ياء] آخر
الحروف ساكنة- ذكره ابن حبان في " الثقات ". وجدّته: حواء بنت زيد
ابن السكن، أخت أسماء بنت زيد بن السكن.
وفيه آثار- أيضا- أخرج الطحاوي (1) ، عن داود بن يزيد الأودي،
عن أبيه قال: كان علي بن أبي طالب يصلي بنا الفجر ونحن نتراءى
الشمس، مخافة أن تكون قد طلعت. انتهى. وعن أبي إسحاق، عن
عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا نصلي مع ابن مَسعود فكان يُسفِر بصلاة
الصبح. رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2) . وروى- أيضا- عن
أبى أسامة، عن أبي روق، عن زياد بن المقطع. قال: رأيت الحسين بن
__________
(1) شرح الاَثار (1/106) .
(2) (1/321) وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(2/297)


علي أسفر بالفجر جدا. وروى عن ابن فضيل، عن رضي بن أبي عقيل،
عن أبيه قال: كان ربيع بن حنين يقول له- وكان مؤدبه-: يا أبا عقيل
نَوَر نَور. وروى عن وكيع، عن عثمان بن أبي هند أن عمر بن عبد العزيز
كان يُسفر بالفجر. وعن وكيع- أيضا-، عن سفيان، عن الأعمش
قال: كان أصحاب عبد الله يسفرون بالفجر. وعن وكيع- أيضا-،
عن سفيان، عن عُبيد المكتب، عن إبراهيم أنه كان يُنور بالفجر. وعنه
- أيضا-، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: ما اجتمع
أصحاب محمد- عليه السلام- على شيء ما أجمعوا على التَنوير
بالفجر. وفي الباب أحاديث وآثار كثيرة غير ما ذكرنا.
فإن قيل: قد تأول الإسفار في هذه الأحاديث بظهور الفجر، وقد قال
الترمذي: وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق: معنى الإسفار أن يُصبح
الفجر ولا يُشك فيه، ولم يَروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة. قلت:
هذا التأويل غير صحيح؛ فإن الغلس الذي يقولون به هو اختلاط ظلام
الليل بنور النهار- كما ذكره أهل اللغة- وقبل ظهور الفجر لا تصح
صلاة الفجر، فثبت أن المراد بالإسفار إنما هو التنوير؛ وهو التأخير عن
الغلس وزوال الظلمة، وأيضا- فقوله: " أعظم للأجر " يقتضي حصول
الأجر في الصلاة بالغلس، فلو كان الإسفار هو وضوح الفجر وظهوره،
لم يكن في وقت الغلس أجر لخروجه عن الوقت، وأيضا- يُبطل تأويلهم
ذلك " (1) ما رواه ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود
الطيالسي في " مسَانيدهم " والطبراني في " معجمه "، قال الطيالسي:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني، وقال/الباقون: حدثنا أبو نعيم
الفضل بن دكن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني: ثنا هرير بن عبد الرحمن
ابن رافع بن خديج: سمِعتُ جذي: رافع بن خديج يقول: قال (2)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال: " يا بلال! نور صلاة الصبح حتى يُبصر
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/238- 239)
(2) مكررة في الأصل.

(2/298)


القوم مَواقع نَبلهم من الإِسفار ". ورواه ابن أبي حاتم في " علله " (1)
فقال: حدثنا هارون بن مَعروف وغيره، عن أبي إسماعيل المؤدب إبراهيم
ابن سليمان، عن هُرير، به. قال: ورواه أبو نعيم، عن إسماعيل بن
إبراهيم بن مجمع، عن (2) هُرير، به. ورواه ابن عدي- أيضا- في
" الكامل " عن أبي إسماعيل المؤدب واسند عن ابن معين أنه قال:
أبو إسماعيل المؤدب ضعيف. قال ابن عدي: ولم أجد في تضعيفه غير
هذا، وله أحاديث غرائب حسان تدلّ (3) على أنه من أهل الصدق وهو
ممن يكتب حديثه.
وحديث آخر يُبطل تأويلَهم. رواه الإمام أبو محمد القاسم بن ثابت
السرقسطي في كتاب " غريب الحديث ": حدثنا موسى بن هارون: ثنا
محمد بن عبد الأعلى: ثنا المعتمر: سمعت بيانا أبا سعيد قال: سمعت
أنسَا يقول: كان رسولُ الله يُصلي الصبح حين يفسح البَصرُ. انتهى.
قال: يُقال: فسح البصر، وانفسح إذا رأى الشيءَ عن بُعدٍ، يَعني به
إسفار الصبح " (4) .
فإن قيل: قد قيل: إن الأمر بالإِسفار إنما جاء في الليالي المُقمرة؛ لأن
الصبح لا يتبين فيها جدا، فأمرهم بزيادة التَبين استظهار باليقين في
الصلاة. قلت: هذا تخصيص بلا مُخصّص، وهذا باطل، ويردّه
- أيضا- ما أخرجه ابن أبي شيبة (5) ، عن إبراهيم النخعي: " ما اجتمع
أصحاب محمد " الحديث؛ وقد ذكرناه. وكذلك أخرجه الطحاويّ في
" شرح الآثار " (5) بسند صحيح، ثم قال: " ولا يصح أن يجتمعوا على
خلاف ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه "، على أن الطحاويّ قد زعم أن
حديث الإسفار ناسخ لحديث التغليس، وأن حديث التغليس ليس فيه دليل
على الأفضل بخلاف حديث رافع، وأنهم كانوا يدخلون مغلِّسين
ويخرجون مُسفِرين.
__________
(1) (1/143) .
(2) مكررة في الأصل.
(3) في الأصل: " يدل ".
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) (1/109) ، وانظره: نصب الراية (1/239) وكذلك ما بعده.

(2/299)


فإن قيل: قال الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ ": حديث التغليس
ثابت وإنه- عليه السلام- داوَم عليه إلى أن فارق الدنيا، ولم يكن- عليه
السلام- يُداوم إلا على ما هو الأفضل، ثم روى حديث ابن مسعود أنه
- عليه السلام- صلى الصبح بغلسٍ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها،
ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات- عليه السلام- لم يَعُد إلى
أن يُسفِر. رواه أبو داود، وابن حبان في " صحيحه " - كلاهما- من
حديث أسامة بن زيد الليثي.
فلتُ: يَردُ هذا: ما أخرجه البخاريّ، ومسلم، عن عبد الرحمن بن
يزيد، عن ابن مسعود قال: ما رأيتُ رسول الله- عليه السلام- صلى
صلاةً لغير وقتها إلا بجَمع، فإنه يَجمعُ بين المغرب والعشاء بَجمع،
وصلى صلاةَ الصُبح من الغد قبل وقتها. انتهى، قالت العلماء: يعني:
وقتها المُعتاد في كل يوم، لا أنه صلاّها قبل الفجر، وإنما غلس بها جدا،
ويوضحه رواية البخاري: " والفجر حين نزع "؛ وهذا دليل على أنه
- عليه السلام- كان يُسفر بالفجر دائمًا، وقلما صلاّها بغلس. وبه
استدلّ الشيخ في " الإمام " لأصحابنا؛ على أن أسامة بن زَيد قد تكلم
فيه؛ فقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ
به، وقال النسائي، والدارقًطني: ليس بالقوي. فثبت بهذا أن زعم
الطحاوي صحيح، وأن رَد الحَازميِّ كلامَ الطحاويِّ مَردود والحق أحق أن
يتبع؛ وهذه التأويلاتُ البعيدة والدوران البعيدُ كلها من آثارِ التعصب من
المتأخرين.
***
8- بَاب في المحافَظة على الوَقت (1)
أي: هذا باب في بيان المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.
409- ص- ثنا عَمرو بن عَون: فنا خالد، عن داود بن أبي هند، عن
أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن فضالة، عن أبيه قال: علَمنِي
__________
(1) في سنن أبي داود: ".. على وقت الصلوات ".

(2/300)


رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان فيما علَّمني: " وحَافظ على الصلَوات الخَمسِ ". قال:
قلتُ: إنَ هذه ساعات لي فيها أشغالٌ، فأمرنِي (1) بأمرٍ جَامعٍ إذا أنا فعلته
أجزَأ عنِّي، فقال: " حًافظ عَلَى/العَصرَينِ " - وما كانت من لُغَتِنا- فقلتُ:
وما العَصرانِ؟ قال: " صَلاةٌ قبل طُلوع الشمسِ، وصلاة قبلَ غُروبِهَا " (2) .
ش- عَمرو بن عون: الواسطي البزاز، وخالد: ابن عبد الله
الواسطي، وأبو حرب بن أبي الأسود ظالم بن عمرو الديلي.
وعبد الله بن فضالة الليثي. روى عن: أبيه. روى عنه: أبو حَرب
وغيرُه. روى له: أبو داود (3) .
وفضالة الليثي الصحابيّ، اختلف في اسم أبيه. فقيل: فضالة بن
عبد الله. وقيل: ابن وهب بن بجرة بن يحيى بن مالك الأكبر الليثي.
وقال بعضهم: الزهراني، يُعدّ في أهل البصرة. حديثه عن النبي- عليه
السلام- هذا الذي رواه أبو داود. روى عنه: ابنه: عبد الله. روى له:
أبو داود (4) .
قوله: " إن هذه ساعات " أشار بها إلى أوقات الصلوات الخَمس.
فوله: " فأمرني بأمرٍ جامعٍ " أي: جامع لأشياء كثيرة من الخيرات.
قوله: " إذا أنا فعلته أجزأ عني " أي: إذا فعلتُ ذلك الأمر الجامع أجزأ
عني، أي: كفى عني، يُقال: أجزأني الشيء أي: كفاني، ثم فسّر
ذلك الأمر بقوله: فقال: " حافِظ على العَصرين " أي: واظب عليهما
وأدّهما في وَقتيهما مع الجماعة. وحاصل كلام فضالة ومَعناه: أني إذا
واظبتُ على العَصرين كل واحد في وقته المُستحب مع الأداء بالجماعة أجزأ
عني فيما يقع عني من التقصير في غير الصلاة من طاعة الله تعالى من
أبواب الفضائل والقُربات، ويحتمل أن يكون المعنى: أجزأ عني إذا
__________
(1) في سنن أبي داود: " فمرني ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3482) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/198) ، أسد الغابة
(4/364) ، الإصابة (3/208) .

(2/301)


قصرتُ في غير العصرين من الصلوات الخمس بأن أؤديها بغير الجماعة أو
في وقتها المكروه بسبب الاشتغال بالأعمال؛ فإن التقصير الذي يُوجد في
ذلك بهذه الحيثية رُبما يُجبرُ ويُجزئ عني بمُواظبتي على العَصرين في أوقاتهما
المُستحبة مع الجماعة؛ وليس المعنى: أنه يجزئ عنه إقامتهما عن غيرهما؛
فإن ذلك لا يجزئ إلا عنهما؛ لا عن غيرهما؛ وكذا كل صلاة تؤدى لا
تُجزئ إلا عن تلك الصلاة بعَينها؛ لا عن غيرها، فافهم
وإنما خصّ- عليه السلام- هذين الوقتين؛ لكثرة وقوع الثواني
والكسل فيهما؛ أما الصبح فلأنه عقيب النوم، والقيام من الفراش،
والاشتغال بالماء البارد، ولا سيما في أيام الشتاء، وأما العصر فلأنه في
وقت اشتغال الناس بالبَيع والشراء، والاشتغال بالأعمال، ولا يقوى
أعمال الناس وبَيعُهم وشراؤهم وسائر معاملاتهم إلا في آخر النهار.
قوله: " وما كانت من لغتنا " أي: لُغة إطلاق العَصرين على الصُبح
والعَصر ما كانت من لغتنا، فلذلك قال: " فقلت: ومَا العَصران "؟
فأجاب- عليه السلام- بقوله ت " صلاةٌ " أي: أحدهما: صلاةٌ قبل
طلوع الشمس، وهي صلاة الصبح، والأخرى: صلاة قبلِ غروب
الشمس، وهي صلاة العَصر، والعرب قد تحمل أحد الاسمين على
الآخر، فتجمع بينهما في التسمية طلبا للتخفيف كقولهم: " سنة
العُمَرين " لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- والأسودَين: للتمر والماء،
والأصل في العَصرين عند العرب: الليل والنهار. قال حُميد بن ثور.
ولن يَلبث العصران يومٌ وليلةٌ.... إذا طلبا أن يُدركا ما تيمّما
ويُشبه أن يكون إنما قيل لهاتين الصلاتين: العَصران؛ لأنهما يقعان في
طرفي العَصرين؛ وهما الليل والنهار، ويكون هذا من قبيل ذكر المحل
وإرادة الحال. وفي بعض النسخ هذا الحديث مؤخر عن الحديث الذي
يليه، وكذا في نسخة " مختصر السنن " لزكي الدين.
410- ص- ثنا محمد بن حرب الواسطي: ثنا يزيد بن هارون: أنا

(2/302)


محمد بن مُطرِّف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن عبد الله
الصُّنَابِحي قال: زعمَ أبو محمدٍ أن الوترَ واجبٌ فقال عبادةُ بنُ الصامت:
كَذَبَ أبو محمد، أشهدُ أني سمعتُ رسولَ اللهِ- عليه السلام- يقولُ:
" خمسُ صَلَواتً افترضَهُنَّ اللهُ عز وجل، مَن أحسن وضُوءَهُن وصَلاَّهن
لِوَقتِهِنَ، وأتَمَّ رُكوعَهنَّ وخُشُوعَهنَّ، كان له على الله عَهد أن يَغفرَ له، ومَن
لم يَفعل فليس له على اللهِ عها، إن شَاءَ غَفَرَ له، وإنَ شَاءَ عذبهُ " (1) .
ش- محمد بن حَرب: النشائي الواسطي. روى عن: إسماعيل بن
علية، ومحمد بن ربيعة، ويزيد بن هارون وغيرهم 0 روى عنه:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة/وأبو حاتم. وقال:
صدوق، وغيرهم. قال سليمان بن أحمد الطبراني: كان ثقةَ، مات سنة
خمس وخمسين ومائتين (2) .
ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي. ومحمد بن مطرف- ويقال:
ابن طريف- الليثي المدني. وزيد بن أسلمِ: أبو أسامة القرشي المدني
مولى عمر بن الخطاب. وعطاء بن يَسار: مولى ميمونة زوج النبي- عليه
السلام-.
وعبد الله الصنابحي. ويقال: عبد الرحمن بن عُسَيلة بن علي بن
عَسّال، أبو عبد الله الصُّنابحي المرادي؛ وهو منسوب إلى صُنابح بن
زاهر، بطنٌ من مُراد، رحل إلى النبي- عليه السلام- فقبض النبيّ- عليه
السلام- وهو في الطريق وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمس أو ست ثم
نزل بالشام. وسمع: أبا بكر الصديق، وعبادة بن الصامت، وبلال بن
رباح، ومُعاذ بن جبل، وشداد بن أوس، وعائشة أم المؤمنين. روى عنه:
__________
(1) النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على الصلوات الخمس (1/230) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء في فرض
الصلوات الخمس والمحافظة عليها (1401) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5137) .

(2/303)


عبد الله بن محيريز، وعطاء بن يَسار، وربيعة بن يزيد الدمشقي،
وغيرهم. قال ابن سَعد: كان ثقةَ قليل الحديث. روى له الجماعة (1) .
وأبو محمد: اسمه: مَسعود البَدري الأنصاري، وله صُحبة.
وعبادة بن الصامت: ابن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن سالم بن
عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، أحد
النقباء ليلة العقبة، شهد العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرا وأحدا، وبيعة
الرضوان والمشاهد كلها. رُوِيَ له عن رسول الله مائة وأحد وثمانون
حديثا، اتفقا منها على ستة أحاديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم
بآخرين. روى عنه: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وشرحبيل بن
حَسنة، وغيرهم. قال الأوزاعي: أول من وُلي قضاء فلسطين: عبادة بن
الصامت، مات بالشام سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنةَ.
ويقال: قبره ببَيت المقدس. ويقال: مات بالرَّملة روى له الجماعة (2) .
قوله: " زعم أبو محمد " زعم يجيء بمعنى " قال " وبمعنى " ظن ".
قوله: " كذب أبو محمد " يُريد أخطأ أبو محمد، ولم يُرد به تعمد
الكذب الذي هو ضد الصدق؛ لأن الكذب إنما يجري في الأخبار،
وأبو محمد هذا إنما أفتى فتيا، ورأى رأيَا، فأخطأ فيما أفتى به، وهو
رجل من الأنصار له صحبة، والكذب عليه في الإخبار غير جائزِ،
والعرب تضع الكذب في مَوضع الخطإ فتقول: كذب سمعي، وكذب
بصري أي: زلّ ولم يدرك ما رأى وما سمع؛ ومن هذا: قوله- عليه
السلام- للرجل الذي وصَف له العَسل: " صدق الله وكذب بطنُ أخيك ".
وبهذا استدل الشافعية على أن الوتر ليس بواجب. والاستدلال به
ضعيفٌ؛ لأن عبادة إنما أنكر أن يكون الوتر كفرض الصلوات الخمس دون
__________
(1) المصدر السابق (16/3679) .
(2) انظر ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (2/449) ، أسد الغابة
(3/160) ، الإصابة (2/268) .

(2/304)


أن يكون واجبَا؛ ولذلك استشهد بالصلوات الخمس المفروضة في اليوم
والليلة.
قوله: " مَن أحسن وضوءهن " إحسان الوضوء: إسباغه وإكماله.
قوله: " وصلاهن لوقتهن " أي: في وقتهن؛ " اللام " تجيء بمعنى
" في " كما في قوله تعالى: (وَنَضَعُ المَوَازينَ القسطَ ليَوم القيامَةِ) (1) ،
(لا يُجَلَيهَا لوَقتِهَا إلا هُوَ) (2) قيل: ومنه (يَا لَيتَنِي قًدَّمتُ لَحَيَاتِي) (3)
أي: في حيَاتي. ويجوز أن تكون بمعنى " عند " كقولهم. كتبته لخمسٍ
خلون.
قوله: " وأتم ركوعهن " وإتمام الركوع: أن يطمئن فيه ويأتي بتَسبيحه،
ولم يذكر السجود اكتفاء، أي: وسجودهن، كما في قوله تعالى:
(سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَ) (4) أي: والبَرد.
قوله: " وخشوعهن " الخشوعُ: الخَشيةُ؛ والخشوع يكون في الصوت
والبَصر كالخضوع في البدن؛ وإتمام الخشوع: أن تخافت في الأدعية وفي
القراءة فيما يخافت فيه، وأن يكون بَصرُه في موضع سجوده في القيام،
ولا يلتفتُ يمينا وشمالا، وفي ركوعه إلى أصابع رجليه، وفي سجوده
لطرف أنفه، وفي قعوده: إلى حجره.
قوله: " كان له على الله عَهدٌ " أي: يَمين؛ وليس هذا على الله بطريق
الوجوب؛ لأن العبد لا يجب له على الله شيء، وإنما يذكر (5) مثل هدا
بمعنى أنه متحقق لا محالة، أو يذكر على جهة المقابلة. وبنحوه روى
النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في " صحيحه ".
411- ص- ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، وعبد الله بن مَسلمة قالا:
ثنا عبد الله بن عمر، عن القاسم بن غنام، عن بعض أمهاته، عن أم فروة
__________
(1) سورة الأنبياء (47)
(2) سورة الأعراف (187) .
(3) سورة الفجر: (24) .
(4) سورة النحل: (81) .
(5) مكررة في الأصل
20* شرح سنن أبي داوود 2

(2/305)


قالت: سُئلَ رسول الله: أَيُّ الأعمال أَفضلُ؟ قال: " الصلاة ير أول
وَقتِهَا " (1)
.ً
ش-/محمد بن عَبد الله: ابن عثمان الخزاعي البصري أبو عبد الله.
روى عن: عبد الله بن عمر العمري، وأبي الأشهب، وحماد بن
سلمة، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وغيرهم. قال البخاري: قال لي علي بن محمد: ثقة.
مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. روى عن: ابن ماجه (2) .
وعبد الله بن عُمر: ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي.
والقاسم بن غنّام: الأنصاري. روى عن: عمته أم فروة، وقيل:
عن بعض أمهاته، عن أم فروة. وقيل: عن جدة له، عن أم فروة.
روى عنه: الضحاك بن عثمان، وعبد الله بن عُمرَ. روى له: أبو داود،
والترمذي (3) .
وأم فروة: الأنصارية الصحابيّة، عمّة القاسم بن غنام، حَديثها عنده
عن بَعض أمهاته، عنها. روى لها أبو داود، والترمذي، لها حديث
في الصلاة (4) .
قوله: " أيُ الأعمال أَفضلُ؟ " قد ذكرتُ لك أَن " أيا " اسم مُبهم يُبيّنُه
ما يُضافُ إليه، وأنها خمسة أنواع: استفهاميّةٌ، نحو: أي الأعمال
أفضلُ؟ والباقي قد ذكرناه.
قوله: " الصلاة في أول وقتها " أي: أداء الصلاة في أول وقتها أفضل
الأعمال؛ وذكر " أوّل " هاهنا لأجل الحثّ والتحضيض، والتأكيد على
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوقت الأوّل من الفضل (170)
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5361) .
(3) المصدر السابق (23/4811) .
(4) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/484) ، أسد الغابة
(7/376) ، الإصابة (4/483) .

(2/306)


إقامة الصلوات في أوقاتها، وإلا فالذي يؤديها في ثاني الوقت أو ثالثه أو
رابعه كالذي يُؤديها في أوّله؛ بل الذي يُسفِر بالصُّبح أو يبرِد بالظهر في
الصَيف أفضلُ من الذي يؤديها في أوّل الوَقت.
فإن قيل: كيف التوفيقُ بَين هذا الحديث وبَين قوله- عليه السلام-
حين سُئل: " أفي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله "؟ قلت: دلت
القرينة على أن المراد من قوله: أيُّ الأعمال أفضل أعمال الإيمان؟ أي:
أي أعمال الإيمان أفضل؟ قال: الصلاة، وعلى أن المراد من الحديث
الثاني: أيُ الأعمال التي يدخل بها الرجل في ملة الإسلام؟ قال: " إيمان
بالله " أي: التصديق بقلبه، والإقرار بلسانه (1) ، فعلى هذا يكون الصلاة
لوقتها أفضل الأعمال بَعد الإيمان؛ لأن الإيمان أصل كل عبادة، ولا اعتبار
لجميع العبادات إلا بالإيمان.
وأما الأحاديث التي جعل في بعضها الجهاد أفضل الأعمال، وفي
بعضها: الحج، وفي بعضها: بر الوالدين، وفي بعضها: إطعام الطعام
ونحو ذلك فالتوفيق فيها: أنه لا يُرادُ أن كل واحد منها خير جميع الأشياء
من جميع الوجوه، وفي جميع الأحوال والأشخاص؛ بل في حال دون
حال، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، أو يقدر كلمة " مِن "
ويكون التقديرُ: من أفضل الأعمال: الجهاد، ومن أفضل الأعمال:
الحج، ونحو ذلك فافهم.
ص- قال الخزاعي في حديثه: عن عمة له يقال لها: أم فروة قد بايعت
النبي- عليه السلام- " أن النبيّ- عليه السلَام- سُئِل ".
ش- أي: قال محمد بن عبد الله الخزاعي في روايته الحديث عن عبد الله
ابن عمر، عن القاسم بن غنام، عن عمةٍ له يقال لها أتم فروة،
والحاصل: أنه أشار به إلى الاختلاف الذي ذكرناه في ترجمة القاسم بن
__________
(1) تقدم التعليق على أن الإيمان هو " التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل
بالأركان " عند أول حديث في كتاب الصلاة.

(2/307)


غنام. فإن بعضهم قالوا: روى القاسم، عن عمّته أم فروة أن النبي
سُئِل، ومنهم الخزاعي المذكور. وبعضهم قالوا: عن بعض أمهاته، عن
أم فروة أن النبي سُئل؛ ومنهم: عبد الله بن مَسلمة المذكور في الحديث.
وفِي " مختصر السنن ": وأم فروة هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه،
ومن قال فيها: أم فروة الأنصاريّة فقد وهم. وروى الترمذي حديثها هذا
وقال: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عُمر العُمري؛
وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا (1) في هذا الحديث،
وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه.
412- ص- نا مسدد: نا يحيى، عنَ إسماعيل بن أبي خالد: نا أبو بكر
ابن عُمارة بن رُؤَيبة، عن أبيه: قال: سألَهُ رجلٌ من أهلِ البَصرةِ قال (2) :
أخبرني ما سمعتَ من رسول الله؟ قال: سمعت رسولَ اللهِ، يقولُ: " لا
يَلِج النارَ رجلٌ صَلَّى قبل طلوع الشمسِ، وقبلَ أن تَغرُبَ " قال: أنت
سمعتَه منه؟ - ثلاث مرات- قال: نعم، كل ذلك يقولُ: سَمعَتهُ أذناي،
وَوَعَاهُ قَلبِي. قال الرجلُ: وأنَا سَمِعتُه يَقولُ ذلك (3) .
__________
(1) في جامع الترمذي (1/323) : " واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو
صدوق، وقد تكلم ... ".
(2) في سنن أبي داود: " فقال ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر
والمحافظة عليهما 213- (634) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: فضل
صلاة العصر (1/236) .
تنبيه: سقط من نسخة المصنف حديثان، وقد جاءا في سنن أبي داود برقم
(429، 430) وهما: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا أبو علي
الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد، حدثنا عمران القطان، حدثنا قتادة وأبان،
كلاهما عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس،
على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصام رمضان،
وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى
الأمانة " قالوا: يا أبا الدرداء، وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة.
حدثنا حيوة بن شريح المصري، حدثنا بقيهَ، عن ضبارة بن عبد الله بن
أبي سليك الألهاني، أخبرني ابن نافع، عن ابن شهاب الزهري، قال: قال
سعيد بن المسيب، إن أبا قتادة بن ربعي، أخبره قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:=

(2/308)


/ش- يحيى: القطان
وإسماعيل بن أبي خالد: أبو عبد الله البجلي الأَحمَسي مولاهم
الكوفي؛ واسم أبي خالد: هرمز، ويُقال: سَعد، ويُقال: كثير.،
رأى سلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك. وسمع: عبد الله بن أبي أوفى،
وعمرو بن حريث، وأبا كاهل قيس بن عائذ، وأبا جحيفة، ومن
التابعين: قيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي،
وأبا بكر بن عمارة بن رُؤَيبة وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عُيَينة،
وشعبة، وابن المبارك، ووكيع، ويحيى القطان وغيرهم 0 وقال أحمد بن
عبد الله العجلي: هو كوفي ثقة، وكان رجلا صالحا. سمع من
خمسة (1) من أصحاب النبي- عليه السلام- وكان طحانا، توفي سنة
خمس وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو بكر بن عمارة بن رُؤيبة الثقفي البصري. سمع: أباه. روى
عنه: عبد الملك بن عُمَير، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق،
ومسعر بن كدام. روى له: مُسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبوه: عُمارة بن رُؤيبة الثقفي من بني جشم بن قسي- وهو ثقيف-
يكنى أبا زُهيرة. رُوِيَ له عن رسول الله تسعة أحاديث. روى له: مسلم
حديثين. روى عنه: ابنه أبو بكر بن عمارة، وحصين بن عبد الرحمن،
وأبو إسحاق السَبِيعي. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " لا يَلح النارَ " أي: لا يَدخلها، من ولج يلج، أصله:
يولج، كيعد أصله: يَوعدُ.
__________
- " قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي
عهدا أن من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن
فلا عهد له عندي ".
(1) غير واضحة في الأصل، وأثبتناها من تهذيب الكمال.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/439) .
(3) المصدر السابق (33/7250) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/20) ، أسد الغابة
(4/138) ، الإصابة (2/515) .

(2/309)


قوله: " صلى قبل طلوع الشمس " المراد منه: صلاة الصبح.
قوله: " وقبل أن تغرب " أي: وصلى- أيضا- قبل أن تغرب الشمس
المراد منه: صلاة العَصر.
قوله: " ووَعَاه قَلبي " أي: حفِظه؛ من وعَيتُ الحديثَ أعيه وَعيًا فأنا
واع إذا حفِظتَه وفهمتَه، وفلان أوعى من فلان، أي: أحفَظ وأفهمُ.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي. وفي رواية اللؤلؤي يُقرأ الحديث
الذي قبله بعد هذا الحديث.
9- بَاب: إذا أَخّر الإمامُ الصلاة عَن الوَقت
أي: هذا باب في بيان ما إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت، والمرادُ
من الإمام: الذي يولَى على طائفة من المسلمين، ويُطلق على الإمام
الأعظم- أيضا- وهو الخليفة، وكل من يوليه من الحُكام فهو إمام؛ لأن
الناس يأتمون به في الصلاة وغيرها. وفي النسخ الصحيحة: " باب في
الإمام إذا أخر الصلاة عن الوَقت ".
413- ص- حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد، عن أبي عمران، عن
عَبد الله بن الصامت، عن أبرا ذر قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا ذر
كيف أنتَ إذا كانت عليكَ أمراء يُميتُون الصلاةَ " - أو قال: " يُؤَخِّرون
الصلاةَ؟ " قلتُ: يا رسولَ الله! فماَ تأمُرُني؟ قال: " صَلِّ الصلاةَ لوقتهَا،
فإن أدركتها معهم فَضَلِّه (1) ؛ فَإنها لك نَافَلة " (2) .
ش- أبو عمران: اسمُه: عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فصلها ".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهية تأخير الصلاة عن
وقتها المختار 241- (648) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في تعجيل
الصلاة إذا أخرها الإمام (176) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب ما
جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها (1256) ، تحفة الأشراف (9/11950) .

(2/310)


أبو عمران الجوني- بفتح الجيم-، وسكون الواو، وبالنون- رأى
عمران بن حُصَين. وسمع: أنس بن مالك، وجندب بن عبد الله
البجلي، وربيعة بن كعب الأسلمي، وعبد الله بن الصامت وغيرهم.
روى عنه: شعبة، والحمّادان، والحارث بن عبد الله وغيرهم. وعن ابن
معين: ثقة. مات سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وعبد الله بن الصامت: البصري الغفاري، ابن أخي أبي ذر الغفاري.
سمع: أبا ذر، وعبد الله بن عمر، وَرافع بن عُميرة الطائي. روى عنه:
حُميد بن هلال، وأبو عمران الجَوني، وأبو العالية البَراء وغيرهم. قال
أبو حاتم: بصري يكتب حديثه. روى له الجماعة إلا البخاريّ (2) .
قوله: " يُميتون الصلاة " يعني: يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي
خرجت روحه.
قوله: " أو قال: يؤخرون الصلاة " شك من الراوي؛ والمراد بتأخيرها
عن وقتها المختار؛ لا عن جميع وقتها؛ فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين
والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخرها أحد منهم عن
جميع وقتها؛ فوجب حمل الأخبار على ما هو الواقع. هكذا قاله الشيخ
محيي الدين (3) ؛ ولكن لفظ " يُميتون الصلاة " ينافي هذا التأويل؛ لأن
معنى إماتة الصلاة: أن يُصليها خارج الوقت؛ لأن الصلاة مادامت في
وقتها/لا تُوصف بالميتة، وكذا قوله: " ولم يؤخرها أحد منهم عن
جميع وقتها " غير مُسلم؛ فإنه نُقل عن كثيرٍ من الخلفاء الفسَقة والسلاطين
الظلمة تركُ الصلوات، فضلا عن تأخير صلاة عن وقتها.
قوله: " صل الصلاة لوفتها " أي: وقتها المختار المستحب.
قوله: " فصَلِّه " الهاء فيه هاء السكتة، وليست بهاء الضمير.
قوله: " فإنها لك نافلة " أي: فإن الصلاة التي تدركها وتصليها مَعهم
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3521) .
(2) المصدر السابق (15/3339) .
(3) شرح صحيح مسلم (15/147) .

(2/311)


بعد أن تُصلِي في وقتها المختار لك نافلةٌ؛ لأن الأولى وقعت فرضَا،
فيصير الثاني نفلاَ؛ وهذا مذهب الجمهور في أن الرجل إذا صلى الفرض
مرّنين تكون الأولى فرضَا والثانية نفلاَ؛ لأن صريح الحديث يدل على
هذا. وعن الشافعي أربعة أقوال، الصحيح: كمذهب الجمهور،
والثاني: أن الفرض أكملها، والثالث: كلاهما فرض، والرابع:
الفرض أحدهما- على الإبهام- يَحتسب الله بأيهما شاء. ثم الحديث
بعمومه يتناول هذا الحكم في جميع الصلوات؛ ولكن يُستثنى منها صلاة
الصُّبح والعَصر؛ لورود النهي عن الصلاة بعدهما؛ وهذا عندنا وعند
الشافعي في وجه، وفي الصحيح عنده: أنه لا يفرق بين صلاة وصلاة.
وأما المغرب: فعندنا ينبغي أن يضم إليه ركعةً رابعةَ؛ لأن التنفل بالبُتَيراء
مكروه- كما عُرِف في الفروع.
قوله: " نافلة " مرفوع بالابتداء، وخبره: قوله " لك " والجملة خبر
" إن ".
ويُستفادُ من هذا الحديث فوائد: الأولى: أن الإمام إذا أخر الصلاة عن
وقتها المُستحب يُستحب للمأموم أن يُصليها في وقتها المُستحب منفردا، ثم
يصليها معه إن أدرك فيَجمع بين الفضيلتَين، فإن أراد الاقتصار، فالأفضل
أن يقتصر على فعلها جماعةَ مادام في الوقت، وقيل: الأفضل: أن
يقتصر على فعلها منفردا في الوقت المستحب.
الثانية: فيه الحث على موافقة الأمراء في غير مَعصيةٍ؛ لئلا تتفرق
الكلمة، وتقع الفتنة.
الثالثة: فيه الحث على الصلاة بالجماعة، وأنها أفضل من الانفراد.
الرابعة: فيه الحث على رعاية الوقت المُستحب للصلاة.
الخامسة: فيه ذمّ مَن أخر الصلاة عَن وقتها.
السادسة: فيه شيء من دلائل النبوة؛ حيث أخبر عن الأمراء الذين
يميتون الصلاة، وقد وقع هذا في زمن بني أمية ومَن بعدهم- أيضا- إلى
يَومنا هذا.

(2/312)


والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
414- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقيّ: نا الوليد: نا
الأوزاعيّ: حدثني حسان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن
ميمون الأودي قال: قَدِمَ علينا معاذُ بنُ جبلٍ اليمنَ رسولُ رسولِ اللهِ- عليه
السلام- إلينا قال: فسمعتُ تَكبيرَه مع الفجرِ، رجل أَجشّ الصوتِ، قال:
فألقيتُ عليه مَحبَّتي، فما فارقتُه حتى دفنتُه بالشامِ ميتا، ثم نظرتُ إلى افقَه
الناسِ بَعدَه، فأتيتُ ابنَ مَسعود، فَلَزِمتُه حتى مَاتَ، فقال: قال لي رسولُ
الله: " كيفَ بكم إذا أتَت عليكُمً أمراءُ يُصلُّون الصلاةَ لغير مِيقَاتِهَا؟ " قلتُ:
فمَا تأمُرُني إن أدركَنِي ذلك يا رسولَ الله؟ قال: " صَلًّ الصلاةَ لميقاتِهَا،
واجعَل صَلاتَكَ معهُم سبحهً " (1) .
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم: ابن عمرو بن ميمون القرشي،
أبو سعيد الدمشقي مولى آل عثمان بن عفان المَعروف بدُحَيم ويقال له:
ابن اليتيم، قاضي الأردن وفلسطين. سمع: الوليد بن مسلم، وعمر بن
عبد الواحد، ومحمد بن شعيب، وابن عيينة وغيرهم. روى عنه:
أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأبو زرعهَ الدمشقي، وحنبل بن إسحاق،
والبخاري، وأبو داود، والنسائي. وقال: ثقة مأمون. وقال في موضع
آخر: لا بأس به-، وابن ماجه، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي.
مات بالرملة سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان ينتحل في الفقه مذهب
الأوزاعي (2) .
والوليد: ابن مُسلم الدمشقي، وعبد الرحمن: الأوزاعي، وحسان:
ابن عطية الشاميّ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب (16/3747) .

(2/313)


وعبد الرحمن بن سابط: ابن أبي حميصة بن عمرو بن أهَيب بن
حذافة بن جُمح الجُمحيَ القرشي المكي. روى عن: عباس بن عبد
المطلب، ومعاذ بن جبل، وسَعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله/
وأبي أمامة الباهلي، وعمرو بن ميمون الأوَدي. روى عنه: مُوسى بن
مُسلم الطحان، وعلقمة بن مرثد، وابن جريج، والليث بن سَعد
وغيرهم. وسئل أبو زرعة عنه فقال: مكي ثقة. وكذا قال ابن معين.
مات سنة ثمان عشرة ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (1) .
وعمرو بن مَيمون: أبو عبد الله أو أبو يحيى الكوفي الأوَدي من أود بن
مُصعب بن سَعد العشِيرة، من مَذحِج، أدرك الجاهلية، ولم يَلق النبيَّ
- عليه السلام- وسمع: عمر بن الخطاب، وسَعد بن أبي وقاص، وابن
مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبا أيوب، وأبا مسعود، وابن عباس، وابن
عمرو، وأبا هريرة، وسلمان بن ربيعة، ومن التابعين: الربيع بن
خُثيم (2) ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي،
وسعيد بن جُبير، والحكم بن عُتَيبة وغيرهم. قال ابن معين: هو ثَقة.
مات سنة خمس وسبعين. روى له الجماعة (3) .
قوله: " رسولُ رسولِ الله " الرسول الأول مرفوع على أنه صفة لمعاذ،
ويحوز أن يكون بدلاً منه، ويحوز أن يُنصب على أنه حال؛ والأول
أصح. والرسول الثاني مجرور بالإضافة.
قوله: " إلينا " متعلق بالرسُول الأوّل.
قوله: " رجل أجش الصوت " ارتفاع رجل على أنه خبر مبتدإ محذوف،
أي: هو رجل أجَش الصَوت؛ وهو الذي في صوته جُشة، وهي شدة:
الصوت وفيها غنة.
__________
(1) المصدر السابق (17/3822) .
(2) في الأصل: " خيثم " خطأ.
(3) المصدر السابق (22/4458) .

(2/314)


قوله: " ميتا " حال من الضمير المنصوب في " دفنتُه "، وقد ذكرنا أنه
دُفِن في شرقي غور بَيسَان سنة ثمان عشرة.
قوله: " كيفَ بكم؟ " أي: كيف شأنكم وحالكم؟ وقد استقصينا
البحث في " كيف " مرةَ، وأنه اسم، والغالب فيه الاستفهام، والباء في
" بكم " زائدة؛ لأنه أتى بها للتوصل حين ترك الضمير المنفصل، وجيء
عوضه بالضمير المتصل؛ لأن أصله: كيف أنتم؟ فأنتم: مُبتدأ، وحبرُه:
كيف مقدّما، ومعناه: كيف شأنكم؟ - كما قلنا.
قوله: " لغَير ميقاتها " أي: في غير وقتها. وهذا يرد قول الشيخ محيى
الدين في تفسير الحديث السابق " ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع
وقتها "، وقد نبهنا عليه هناك.
قوله: " سبحة " - بضم السين وسكون الباء- والسبحة: ما يصليه المرء
نافلة من الصلوات، ومن ذلك سُبحة الضُحَى، وقال بعضهم: إنما
خُضت النافلة بالسُبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التَّسبيح؛ لأن
التَّسبيحات في الفرائض نوافل. فقيل: الصلاة النافلة: سُبحة؛ لأنها
نافلة كالتسبيحات والأذكار في أنها غير واجبة، وقيل في قوله تعالى:
(فَلَولاَ أَنَّهُ كَانَ منَ المُسبِّحِينَ) (1) أي: المُصلَين، وسُفيت الصلاة:
سُبحةَ وتسبيحَا؛ لما فيها من تعظيم الله وتنزيهه، ولم يفرق هؤلاء بين
فريضة ونافلة؛ والسُّبحة من التَّسبيح كالسُخرة من التَّسخير، تطلق على
الذكر وعلىَ صلاة النافلة، وعلى خرَزاتِ يُسَبح بها؛ وأصل التَسبيح:
التنزيه؛ ومعنى سبحان الله: التنزيهُ لله. وفيه الفوائد التي ذكرناها في
الحديث السابق.
415- ص- نا محمد بن قدامة بن أعين: نا جريرٌ، عن منصور، عن
هلال بن يَسَاف، عن أبي المثنى، عن ابن أخت عبادة بن الصامت، عن عبادة
ابن الصامت ح ونا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن سفيان، المعنى،
__________
(1) سورة الصافات: (143) .

(2/315)


عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن أبي المثنى الحمصي، عن ابن امرأة
عُبادة بن الصامت، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها
سَتَكُونُ عليكمُ بعدي أمراءُ تَشغَلُهم أشياءُ عن الصلاة لوَقتهَا حتى يَذهبَ
وقتُها، فصَلُّوا الصَلاةَ لوفتها " فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهَ أصَلِّي معهُم؟
وقال سُفيان: " وإن أدركَتُ معهم أصلي (1) معهم؟ َ قال: " نعم، إن
شئتَ " (2) .
ش- محمد بن قدامة بن أعين: ابن المسور، أبو جَعفر، ويُقال:
أبو عبد الله الجوهري الهاشمي مولاهم المَصِيصَي، حدّث عن: فضيل بن
عياض، وابن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، ووكيع، وغيرهم. روى
عنه: النسائي، وأبو داود، وابنه، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله
ابن محمد البغوي، وغيرهم 0 قال النسائي: لا بأس به، وفي رواية:
صالح. وقال أبو داود: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بشيء/. وقال
الدارقطني: ثقة. مات ببغداد سنة سبع وثلاثين ومائتين (3) .
وجَرير: ابن عبد الحميد الرازي. ومَنصور: ابن المُعتمر، وهلال بن
يَسَاف: أو أسَاف الكوفي.
وأبُو المثنى: الحمصي، اسمُه: ضمضم الا. ملوكي. روى عن: عتبة
ابن عبد السُّلمي، وكعب الأحبار، وأبي أُبيّ بن أم حرام. روى عنه:
صفوان بن عمرو، وهلال بن يَساف. روى له: أبو داود (4) .
وابن أخت عبادة: اسمُه: المثنى؛ كذا قال ابن حبان في " الثقات "
قال: المثنى ابن أخت عبادة بن الصامت. يروي عن: عبادة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " أأصلي ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن
وقتها (1257) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 /5554) .
(4) المصدر السابق (13/2944) .

(2/316)


ومحمد بن سُليمان الأنباري، وهو ابن أبي داود؛ وقد ذكرناه. وهذا
الحديث- كما رأيته- فد رواه أبو داود من طريقين؛ الأول: عن جرير،
عن منصور، والثاني: عن سفيان، عن منصور؛ ففي الطريق الأول:
عن أبي المثنى، عن ابن أخت عبادة، وفي الثاني: عن ابن امرأة عبادة.
وكذا رواه أحمد في " مسنده " من طريقين؛ الأول: عن وكيع، عن
سفيان، عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن أبي المثنى الحمصي،
عن أبِي أبَي ابن امرأة عبادة. والثاني: عن محمد بن جعفر، عن شعبة،
عن هلال بن يَساف، عن أبي المثنى، عن ابن امرأة عبادة 0 وفي بعض
نسخ أبي داود- أيضا- في طريقه الثاني: " عن أبي المثنى، عن أبي أُبي
ابن امرأة عبادة (1) "؛ مثل طريق أحمد الثاني.
قوله: " إنها " أي: إن القصة والشأن.
قوله: " وقال سفيان " أي: قال سفيان في روايته: قال الرجل: يا
رسول الله! إن أدركت معهم، يعنىِ: إن أدركت زمانهم، وحصرت
معهم هل أصلي معهم؟ قال- عليه السلام-: نعم إن شئت الصلاة
معهم فصَل. ورواه- أيضا- ابن ماجه.
416- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا أبو هاشم: حدثني صالح بن
عُبَيد، عن قَبِيصةَ بن وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ عليكُم أمراءُ
من بَعدي يؤخِّرُونَ الصلاةَ، فهيَ لكم وهي علَيهم، فصلُوا معهم ما صَلُّوا
القِبلةَ " (2) .
ش- أبو هاشم: عمار بن عمارة البصري الزعفراني. روى عن:
الحسن، وابن سيرين، وصالح بن عُبيد وغيرهم. روى عنه: أبو الوليد،
وروح بن عبادة، وعبد الصمد بن عبد الوارث. قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود (3) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4168) .

(2/317)


وصالح بن عُبيد. روى عن: قَبيصة بن وقاص، ونابل (1) . روى
عنه: أبو هاشم الزعفراني، وعمرو بن الحارث الجُمحي. روى له:
أبو داود (2) . وقَبيصة بن وقاص، له صحبة من النبي- عليه السلام-،
عداده في أهل البصرة. روى عنه: صالح بن عبيد. روى له: أبو داود.
وذكر النمري أن قبيصة هذا سُلمي، سكن البصرة. رُوِيَ عنه حديث
واحدٌ لم يُحدث به غير أبى الوليد الطيالسي، وذكر هذا الحديث (3) .
قوله: " فهي لكم " أي: الصلاة لكم، بمعنى ثوابها يَحصل لكم.
قوله: " وهي عليهم " أي: الصلاة عليهم، بمعنى وزر تأخيرها عليهم.
قوله: " مَا صلوا القبلة " يعني: ماداموا يصلون القبلة: والمراد منه:
إظهار الطاعة، والامتثال للولاة والحُكام فيما وافق الحق، وإن كانوا
جائرين، وجواز الصلاة خلفهم ماداموا على الإسلام. وقد روى
الدارقطني بإسناده إلى أبي هريرة: " سَيليكم بعدي ولاةٌ، فاسمعوا لهم
وأطيعوا فيما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن
أساءوا فعليهم ".
واستفيد من الحديث: جواز الصلاة خلف البر والفاجر. وكان بعض
السلف يُصلون في بيوتهم في الوقت ثم يُعيدون معهم؛ وهو مذهب
مالك. وعن بعض السلف: لا يعيدون؛ قال النخعي: كان عبد الله
يُصلي معهم إذا أخروا عن الوقت قليلا، ويرى أن مأثم ذلك عليهم.
وروى ابن ماجه (4) بسند صحيح، عن ابن مسعود قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) في الأصل: " نائل " خطأ، وهو مترجم في تهذيب الكمال (29/6349) .
(2) المصدر السابق (13/2826) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/255) ، أسد الغابة
(4/384) ، الإصابة (3/223) .
(4) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها
(1255) ، وأخرجه النسائي في: كتاب الإمامة، باب: الصلاة مع أئمة
الجور (2/75) .

(2/318)


" سَتُدركون أقوامًا يُصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في
بيوتكم للوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة ".