شرح أبي داود
للعيني 49- بَابُ: السعْي إلى الصّلاة
أي: هذا باب في بيان السَعْي إلى الصلاة، وفي بعض (2)
النسخ: " باب ما جاء في السعي إلى الصلاة ".
554- ص- نا أحمد بن صالح: نا عَنْبسةُ: أخبرني يونس، عن
ابن شهاب: أخبرني سعيدُ بن المسيب وأبو سلمة بن عبد
الرحمن، أن أبا هريرة قال: سمعتُ رسول الله " صلى الله
عليه وسلم " يقولُ (3) : " إذا أقيمَت الصلاةُ فلا
تَأتُوهَا تَسْعَونَ، وأتُوها تمشُونَ، وعليكُمُ
السَّكينةُ، فما أدركْتُمَ فصلُّوا، وما فَاتَكُم
فأتِمُّوا " (4) .
ش- عنبسة: ابن خالد الأيلي، ويونس: ابن يزيد الأيلي.
قوله: " تسعون " جملة وقعت، حالاً من الضمير الذي [في] "
فلا تأتوها "، وكذلك " تمشون " حال عن الضمير الذي في "
وأتوها " أي: لا تأتوا الصلاة حال كونكم ساعة، وأتوها حال
كونكم ماشين، يُقالُ: سعَيتُ في كذا وإلى كذا إذا ذهبت
إليه وعملت فيه، ومنه قوله تعالى: " وَأن ليْسَ للإنسَان
إِلا مَا سَعَى " (5) ، وفي " الصحاح ": سعى الرجل يَسْعَى
سعيا أَي: عدا، والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن
السَّعْي: أن
----------------------
(1) في الأصل: " من ". (2) مكررة في الأصل. (3) في الأصل:
" يقول له " (4) البخاري: كتاب الأذان، باب: لا يسعى إلى
الصلاة وليأت بالسكينة (636) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع
الصلاة، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة (151 /
602) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء في المشي إلى المسجد (327) ، النسائي: كتاب الإمامة،
باب: السعي
إلى الصلاة (2 / 114) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات،
باب: المشي
إلى الصلاة (775) .
(5) سورة النجم: (39) .
(3/57)
الذاهب إلى صلاة عامل في تحصيلها، ومتوصل
إليها، فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها، ويكون على كمل
الأحوال.
قوله: " وعليكم السكينةُ، أي: التأني والوقارُ.
قوله: " فما أدركتم فصلوا " أي: فالذي أدركتم من الصلاة مع
القوم فصلوا، والذي فاتكم فأتموا. وفي قوله: " وما فاتكم "
دليل على جواز قول: فاتتنا الصلاة، وأنه / لا كراهة [1/
195 - أ] فيه عند جمهور العلماء، وكرهه ابن سيرين وقال:
إنما لم ندركها.
وقوله: " وما فاتكم فأتموا " هكذا ذكره مسلم في كثر
رواياته، وفي رواية: " فاقض ما سبقك "، وفي رواية لأبي
داود: "واقضوا ما سبقكم " لما نذكره الآن.
واختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين، هل هما
بمعنى واحد أو بمعنَيْين؟ وترتب على ذلك خلاف فيما يدركه
الداخل مع الإمام، هلَ هو أول صلاته أو آخرها؟ على أرْبعةِ
أقوال، أحدها: أنه أول صلاته، وأنه يكون ثَانيا علي من
الأفعال والأقوال، وهو قول الشافعي، وإسحاق، والأوزاعي،
وهو مروي عن علي، وابن المسيب، والحسن، وعطاء، ومكحول،
ورواية عن مالك، وأحمد، واستدلوا بقوله: " وما فاتكم
فأتموا " لأن لفظ الإتمام واقع على باق من شيء قد تقدم
سائرُه. وروى البيهقي من حديث عبد الوهاب بن عطاء، عن
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: ما أدركت فهو
أول صلاتك. وعن ابن عمر بسند جيد مثله.
الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها،
وأخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، وهو قول مالك، قاله
ابن بلال عنه: ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل
الذي فاته من القراءة بأهم القرآن وسورة. وقال سحنون: هذا
الذي لم نعرف خلافه " دليله: ما رواه
(3/58)
البيهقي من حديث قتادة أن علي بن أبي طالب
قال: ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به
من القرآن.
الثالث: أن ما أدرك فهو أول صلاته، إلا أنه يقرأ فيها "
بالحمد " وسورة مع الإمام، وإذا قام للقضاء قضى " بالحمد "
وحدها لأنه آخر صلاته، وهو قول المزني، وإسحاق، وأهل
الظاهر.
الرابع: أنه آخر صلاته، وأنه يكون قاضيا في الأفعال
والأقْوال، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في رواية سفيان،
ومجاهد، وابن سيرين. وقال ابن الجوزي: الأشبه بمذهبنا
ومذهب أبي حنيفة: أنه آخر صلاته. قال ابن بطال: روي ذلك عن
ابن مَسْعود، وابن عمر، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي
قلابة، ورواه ابن القاسم عن مالك، وهو قول أشهب وابن
الماجشون، واختاره ابن حبيب، واستدلوا على ذلك بقوله عليه
السلام: روما فاتكم فاقضوا، ورواه ابن أبي شيبة بسند صحيح
عن أبي ذر، وابن حزم بسندِ مثله عن أبي هريرة، البيهقي
بسند لا بأس به- على رأي جماعةِ- عن معاذ بن جبل. والجوابُ
عفا استدل به الشافعية ومن معه وهو قوله:" فأتموا: أن صلاة
المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فحمل قوله: " فأتموا " على
أن مَن قضى ما فاته فقد أتم، لأن الصلاة تنقص بما فات،
فقضاؤه إتمام لِما نقص.
وقال الشيخ محى الدين: وحجة الجمهور (1) : أن كسر
الروايات: روما فاتكم فأتموا"، وأجابوا عن رواية نواقض ما
سبقك ": أن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح علي
عند الفقهاء، وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل، فمنه
قوله تعالى: " فَقَضَاهُن شئتَ سَمَوَات " (2) ، وقوله
تعالى: {فَإذا قَضَيْتُم مناسكَكُمْ} (3) ، وقوله تعالىَ:
{فَإذَا قُضيَت الصلاة} ، ويُقال: َ قضيتُ حق فلان، ومعنى
الجميعَ: الفعَل
------------------
(1) شرح صحيح مسلم (100 / 5) .
(2) سورة فصلت: (12) .
(3) سورة البقرة: (200) .
(4) سورة الجمعة: (10) .
(3/59)
قلنا: أما الجواب عن قوله: " فأتموا " فقد
ذكرناه آنفا، وأما قوله: المرادُ بالقضاء الفعلُ فمشترك
الدلالة، لأن الفعل يطلق على الأداء والقضاء جميعاً،
ومعنى: {قَضَاهُنَّ سبَح سَمَوَات} : قدرهن، ومعنى:
{قَضَيْتُم منَاسِككُمْ} : فرغتم عنها، وكذًا معنى:
{فَإذَا قُضيَت} ومعنى قضيتُ حق فلان: أنهيتُ إليه حقه،
ولو سلمنا أنَ القضاءَ بمعَنى الأداء فيكون مجازا،
والحقيقة أوْلى من المجاز ولا سيما على أصلهم: المجاز
ضروري لا يُصار إليه إلا عند الضرورة والتعدد.
ص- قال أبو داود: وكذا قال الزبيدي، وابن أبي ذئب،
وإبراهيم بن سَعْد، ومعمرٌ، وشُعيب بن أبي حمزة، عن
الزهري: " وما فاتكم فأتِموا ". ش- أي: مثل الرواية
المذكورة: قال محمد بن الوليد بن عامر الزُّبيدي، ومحمد بن
عبد الرحمن بن أبي ذئب- هشام- المدني، إبراهيم بن سَعْد بن
إبراهيم الزهري / [1/ 195 - ب] القرشي المدني، ومعمر بن
راشد، وشعيب بن أبي حمزة- دينار- الحمصي.
قوله:، وكذا " وفي نسخة الأصل: وكذلك.
ص- وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: " فاقضوا ".
ش- أي: قال سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري وحده: "
فاقضوا " مكان " فأتموا ". وعند أبي نعيم الأصبهاني: " وما
فاتكم فاقضوا "، وكذا ذكرها الإسماعيلي من حديث شيبان، عن
يحيى. وفي " المحلى " من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن أبي
هريرة أنه قال: " إذا كان أحدكم مقبلاً إلى الصلاة فليمش
على رِسْله، فإنه في صلاة، فما أدرك فليصل، وما فاته
فليقضه بعد " قال عطاء: وإني لأصْنعه. وعند مسلم: " صَل
بما
(1) أدركت واقض ما سبقك، فإن أحدكم إذا كان تعمد (1) إلى
الصلاة فهو في صلاة ". وعند أحمد من حديث ابن عيينة، عن
الزهري، عن سعيد، عنهم: " وما فاتكم فاقضوا ".
فإن قيل: حكى البيهقي عن مسلم أنه قال: لا أعلم هذه اللفظة
رواها
-------------------
(1) كذا، وعند مسلم (602) : أصل ما.... يعمد ".
(3/60)
عن الزهري غير ابن عيينة، وأخطأ. قلت:
تابعه ابن أبي ذئب، فرواها عن الزهري كذلك، وكذا أخرج هذا
الحديث أبو نعيم في " المستخرج على الصحيحين "، وفي " مسند
أبي قرة " عن ابن جريج: أخْبِرت عن أبي سلمة، عن أبيه، عنه
بلفظ: " وليقض ما سبقه "، وكذا في رواية مسلم: " واقض "
كما ذكرنا.
قوله: " وحده " حال من ابن عيينة؟ أي: قال ابن عيينة عن
الزهري حال كونه منفرداً بهذه الرواية، وهي قوله: " فاقضوا
". فإن قيل: شرط الحال: أن يكون نكرة وصاحبها معرفة، ولفظ:
" وحده " معرفة، فكيف وقع حالاً؟ قلت: مؤول بوجهين، الأول:
أنه مصدر بمعنى الفاعل أي: منفرداً- كما قدرناه- فيكون
نكرة من حيث المعنى، ولا يبعد أن يكون الشيء معرفة لفظا،
نكرة معنى، نحو: مررت برجل مثلك، أو نقول: إنه معهود ذهني،
والمعهود الذهني باعتبار الوجود نكرة في المعنى، كما أن
أسامة معرفة باعتبار الذهن، نكرة باعتبار الوجود. والثاني:
أن تقديره: ينفرد وحده، و " وحده " مفعول مطلق حذف فعله
للقرينة، والجملة وقعت حالاً ومنه: ادخلوا الأول فالأول،
ويقال: وحده مصدر بحذف الزوائد، أصله: إيحاداً، وقد جاء:
وحَد يحدُ وحدة وحدة.
ص- وقال محمد بن عَمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وجعفرُ
ابن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة: " فأتموا "، وابن
مسعود، عن النبي - عليه السلام-، وأبو قتادة وأنس، عن
الني- عليه السلام- كلهم: " فأتموا ".
ش- أي: قال محمد بن عَمرو بن علقمة بن وقاص المدني، عن أبي
كلمة عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
قوله: " وجَعفر " عطف على قوله: " محمداً " أي: قال جعفر
بن ربيعة بن شرحبيل ابن حسنة المصْري، عن عبد الرحمن
الأعرج، عن أبي هريرة.
(3/61)
قوله: " وابن مسعود " أي: قال عبد الله بن
مسعود، وفي بعض النسخ: " هكذا ".
قوله: " وأبو قتادة " أي: قال أبو قتادة الحارث بن ربعي
(1) ، وأنس بن مالك، عن النبي- عليه السلام-.
قوله: " كلهم " راجع إلى أبي هريرة، وابن مسعود، وأبي
قتادة،
وأ نس.
555- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة، عن سعد بن
إبراهيم قال: سمعت أبا سلمي، عن أي " هريرة، عن النبي-
عليه السلام- قال: " ائتوا الصلاة وعليكم السكينةُ، فصلوا
ما أدركتُم واقضوا ما سبقكم " (2) .
ش- أبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي، وسَعد بن
إبراهيم: ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي.
قوله: " ائتوا "- بكسر الهمزة- أمر من أتى يأتي إذا جاء.
قوله: " ما سبقكم " أي: اقضوا الذي سبقكم به الإمام من
ركعة أو ركعتين أو ثلاث، وهذا حكم المسبوق: أنه يصلي مع
الإمام ما أدركه، فإذا سلم الإمام يقوم ويقضي ما فاته، وهو
منفرد فيما يقضيه- كما عرف في الفروع.
ص- قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: "
ويقضي " (3) وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة. وأبو ذر،
ورُوي (4) عنه: " فأتموا واقضوا " واختلف عنهم (5) فيه.
ش- أي: مثل رواية أبي كلمة، عن أبي هريرة روى محمد بن
سيرين عن أبي هريرة: أويقضِي "، و" كذا قال أبو رافعا:
إبراهيمُ أو أسْلمُ.
__________
(1) في الأصل: وربعي بن الحارثي. (2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: وليقض،.
(4) في سنن أبي داود: اروى،، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(5) غير موجودة في سنن أبي داود.
(3/62)
قوله: " وأبو ذر " عطف على قوله: / " أبو
رافع " إن كانت النسخة [1/ 196 - أ] بالواو في قوله: "
وروى عنه " 0 أي: وكذا قال أبو ذر، وفي بعض النسخ:
" روى عنه " بلا واو، فعلى هذا يكون " أبو ذر " مبتدأ،
وقوله: " روى
عنه " خبره أي: أبو ذر روى عن أبي هريرة: " فأتموا واقضوا
"،
والأصح من النسخة أنه بالواو، وأن " رُوي " على صيغة
المجهول، ثم
إن الضمير في " عنه " يجور أن يكون عائداَ إلى أبي ذر،
ويجوز أن يكون
عائدا إلى أبي هريرة بمعنى: وروي عن لبي هريرة: " فأتموا
واقضوا "،
ولكن رجوعه إلى أبي ذر أنسب لقُربه. وفي المصنف: نا ابن
علية، عن
أيوب، عن عمرو، عن أبي نضرة، عن أبي ذر قال: إذا أقيمت
الصلاة
فامش إليها كما كنت تمشي، فصَل ما أدركتَ واقضِ ما سَبقك.
ويجوز أن يكون " ورَوى " بالواو على صيغة المعلوم، ويكون
التقدير:
وقال أبو ذر: والحال أنه قد رَوى عن أبي هريرة: " فأتموا
واقضوا "،
وبكون " وروى " حالاً بتقدير: " قد " أو لا يحتاج إلى
تقدير " قد " لأن
الماضي إذا كان مثبتا بالواو لا يحتاج إلى " قد " - كما
ذكرناه غير مرة.
وفي " المصنف ": حدثنا الثقفي، عن أيوب، عن محمد، عن أبي
هريرة
قال: إذا ثُوب بالصلاة فامشوا وعليكم بالسكينة والوقار،
فصلوا ما
أدركتم واقضوا ما سبقكم.
قوله: " واختلف عنهم فيه، أي: اختلف عن المذكورين في لفظ
"اقضوا " أو " أتموا " وفي كثر النسخ: " اختلف عنه" أي: عن
أبي ذر
أو عن أبي هريرة، وأبو ذر أقربُ، وفي بعض النسخ: " اختلف
علي
وليس بصحيح.
* * *
50- بَابُ: الجمع في المَسْجد مرتين
أي: هذا باب في بيان الجمع بين صلاته وصلاةَ غيره في
المسجد، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الجمعْ ".
556- ص- نا موسى بن إسماعيل: ما وُهَيْب، عن سليمان
الأسود،
(3/63)
عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري أن
النبي- عليه السلام- أبْصرَ رجلاً يُصلّي وحده فقال: " ألا
رجل يتصدقُ على هذا فيُصلي معه " (1) . ش- وُهَيْب: ابن
خالد. وسليمان الأسْود: الناجي المصري. روى عن: أبي
المتوكل. روى عنه: وُهيب، وعبد العزيز بن مختار، ومرجا ابن
رجاء وغيرهم. قال ابن معين هو ثقة. روى له: أبو داود،
والترمذي. وأبو المتوكل: اسمه: علي بن داود الناجي، من بني
سامة ابن لؤي وقد ذكر مرةً.
قوله: " أصَر " من أبصرتُ الشيء إذا راْيْته.
قوله:" لا رجل يتصدق، أي: يحصل لنَفْسه خيراً، وفي رواية
الترمذي: جاء رجل وقد صلى رسول الله فقال: " أيكم يتجر على
هذا؟ " فقام رجل فَصلى معه. انتهى، فكأنه بصلاته معه قد
حصل لنفسه تجارةً، أي: مكسبا فيوافق قوله: " فيتصدق "، لأن
معناه: يحصل لنفسه خيراً- كما ذكرناه. وقال أبو بكر: نا
هشيم: نا خُصَيف بن زيد التميمي: ما الحسن: أن رجلاً دخل
المسجد وقد صلى النبي- عليه السلام- فقال: " ألا رجل يقومُ
إلى هذا فيُصلي معه؟ " فقام أبو بكر وصلى معه وقد كان صلى
تلك الصلاة. وفي، سنن الدارقطني، عن أنس: أن رجلاً جاء وقد
صلى النبي- عليه السلام- فقام يُصلي وحده، فقال رسول الله:
" من يتجر على هذا فيصلي معه ". وقد بين في رواية أخرى أن
هذه الصلاة كانت الظهرَ. وروى ابن خزيمة، وابن حبان،
والحاكم في صلاحهم مثل رواية أبي داود. وقال الحاكم: حديث
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرج البحار في " مسنده " مثل رواية أبي داود، ولكن عن
سلمان- رضي الله عنه-.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الجماعة في مسجد
قد صلى فيه مرة (220) .
(3/64)
وحكم هذا الباب: أن تكرار الجماعة في مسجد
هل يكره أم لا؟
فنقول: إن صلى فيه غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن
يُصلوا فيه جماعة، ولو صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض
أهله يكره لغير أهله،
وللباقين من أهله أن يصفوا فيه جماعة. وقال الشافعي: لا
يكره. وعن
أبي يوسف: أنه إنما يكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة،
فأما إذا كانوا
ثلاثة أو أربعة فقاموا في راوية من زوايا المسجد فصلوا
بجماعة لا يكره.
وروي عن محمد / أنه إنما يكره إذا كانت الثانية على سبيل
التداعي [1/ 196 - ب] والاجتماع، فأما إذا لم يكن فلا.
واستدل الشافعي بالأحاديث المذكورة
وقال: ولو كان مكروها لما أمره به- عليه السلام-، ولأن
قضاء حق
المسجد واجب، والقومُ الأخر ما قضوا، فيجب عليهم قضاء حقه
به " قامة
الجماعة فيه، وبه قال أحمد، وإسحاق. ولنا ما روى عبد
الرحمن بن
أبي بكر، عن أبيه: " أن رسول الله- عليه السلام- خرج من
بَيْته
ليصلح بين الأنصار لتشاجر جرى بينهم، فرجع وقد صُفيَ في
المسجد بجماعة، فدخل رسول الله في منزل بعض أهله فجمع
أهله، فصلى بهم جماعة،، ولو لم يكره تكرار الجماعة في
المسجد لصلى فيه. ورُوي عن
أنس: أن أصحاب رسول الله كانوا إذا فاتتهم الجماعة في
المسجد صلوا
في المسجد فرادى، وهو قول سفيان، وابن المبارك، ومالك.
والجواب
عما استدل به الشافعي: أن فيه أمر واحد وهو لا يكره، وإنما
يكبره إذا
كان على سبيل التداعي والاجتماع، بل ما احتج به حجة علي،
لأنه
- عليه السلام- لم يأمر أكثر من واحد لحاجتهم إلى إحراز
الثواب،
وقُضِي حق المسجد حيْث صُفي فيه بالجَماعة بأذان وإقامة،
وعلى هذا
الخلاف تكرار الأذان والإقامة- كما بمن ذلك في الفروع.
****
51- بَاب: فيمَن صَلى في مَنْزله ثم أدرك الجماعةَ يُصَلِي
معَهُمْ
أي: هذا باب في بيان من صَلى في منْزله، ثم أدرك الجماعة
يصلي
معهم، وفي بعض النسخ: " باب فيما جاء فيمن ".
**. شرح سنن أبي داود
(3/65)
557- ص- نا حفصُ بن عُمر: نا شعبةُ: أخبرني
يَعلى بن عطاء، عن جابر؟ بن يزيد بن الأسود، عن أبيه أنه
صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب فلما
صلى إذا رجلاًن لم يُصليا في ناحية المسجد فَدَعى بهما
ترعُدُ (1) فرائصُهما فقال: " ما منعكما أن تُصليا معنا؟ "
فقالا (2) : قد صلينا في رحالنا فقال: " لا تفعلوا، إذا
صلى أَحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يُصل فليُصل معه،
فإنها له نافلة " (3) .
ش- جابر بن يزيد السلولي الخزاعي. سمع: أباه. روى عنه:
يعلى
ابن عطاء. قال ابن المديني: لم يرو عنه غيرُه. روى له: أبو
داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ويزيد بن الأسود الحجازي، وقيل: خزاعي، حليف لقريش ويقال:
العامري، معدود في الكوفيين، شهد الصلاة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم، روى عنه حديثاً في الصلاة وهو هذا. روى
عنه: ابنه: جابر بن يزيد. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي.
قوله:، إنه " أي: يزيد بن الأسود."
قوله: " وهو غلام شاب" جملة اسمية وقعت حالاً عن الضمير
الذي في " صلى"..
قوله: " فلما صلى " أي: رسول الله.
قوله: " فدعي بهما " أي: طلبهما.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فدعى بهما، فجيء بهما ترعد".
- (2) في سنن أبي داود: " قالا"
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي وحده
ثم يدرك الجماعة (219) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب:
إعادة الفجر مع الجماعة
لمن صلى وحده (2 / 112) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 878) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 655) ،
وأصد الغابة (5 / 476) ، والإصابة (4 / 1 65) .
(3/66)
قوله: " تَرْعُدُ فرائصهما، فيه حذف أي:
فطلبهما فجيء بهما بين
يديْه، وقوله: " تَرعد فرائصهما، حال عن الضمير الذي في "
بهما "، الفرائص: جمع الفريصة؛ وهي لحمة وَسْط الجنب عند
منبض القلب
يفترس عند الفزع، أي: يَرتعد. وقال ابن الأثير: الفريصة:
اللحمة
التي جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعدُ، وقوله: أترعدُ، من
باب نصر ينصر.
قوله:" في رحالنا " الرحال: جمع رَحل، وهو منزل الإنسان
ومسكنه نكنُه.
قوله: " فإنها له نافلة " أي: فإن الصلاة التي يصليها مع
القوم ثانيا له
تطوع والفرض قد أذي بالأولى، وفيه بحث نبينه عن قريب إن
شاء الله
تعالى.
وبه استدل الشافعي أن من صلى في رَحْله ثم صادف جماعه
يصلون،
كان علي أن يُصلي معهم أية صلاة كانت من الصلوات الخمس،
وبه قال
أحمد، وإسحاق، وهو قول الحسَن، والزهري، وقال الأوزاعي: لا
يصلي في المغرب والصبح، وهو قول النخعي. وقال مالك: لا
يصلي
في المغرب فقط، وهو قول الثوري. وقال أصحابنا: لا يصلي في
العصر والصبح، وأما المغرب فإن صلى فيه فعليه أن يضم إليها
ركعة رابعةَ
لورود النهي عن التنقل بالبتيراء
وقال الخطابي (1) : ظاهر الحديث حجة على مَن منع في شيء من
الصلوات كلها، ألا ترى يقول: " إذا صلى أحدكم في رحله ثم
أدرك
الإمام ولم يصل، فليصل معه "؟ ولم يستثن صلاةَ دون صلاة.
فأما نهيه
- عليه السلام- عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمسً، وبعد
العصر حتى تغرب الشمس، فقد تأولوه على وجهين، أحدهما: أن
ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سببٍ، فأما إذا
كان لها
سبب، مثل أن يُصادف / قوماً يصلون جماعةً فإنه يُعيدها
معهم ليحرز [1/ 197 - أ]
__________
(1) معالم السنن (1 / 142) .
(3/67)
الفضيلة، والوجه الآخر: أنه منسوخ، لأن
حديث جابر بن يزيد (1) متأخر، لأن في قصته أنه شهد مع رسول
الله حجة الوداع، ثم ذكر الحديث، وفي قوله: "فإنها نافلة،
دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس
إذا كان لها سبب، وحجة أصحابنا: قول ابن عباس- رضي الله
عنه-: " شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عُمر أن
النبي- علي (2) السلام- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق
الشمس، وبعد العصر حتى تغرب "، وهذا بعمومه يتناولُ الصورة
التي فيها النزاع. وقد روي عن أبي طلحة أن المراد بذلك كل
صلاةِ. وعن ابن حزم: إن قوماً لم يروا الصلاة في هذه
الأوقات كلها. وقال ابن بطال: تواترت الأحاديث عن النبي-
عليه السلام- أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العَصْر.
والجواب عما قال الخطابي: أما قوله: " إن ذلك على معنى
إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب " فغير مسلم، لأن هذا
تخصيص من غير مخصصِ، فنهاية ما في الباب أنهم احتجوا بأنه-
عليه السلام- قضى سنة الظهر بعد العَصْر، وقاسوا عليها كل
صلاة لها سبب، حتى قال النووي: هو عمدة أصحابنا في المسألة
وليس لهم أصح دلالة منه. ولكن يخدشه ما ذكره الماوردي منهم
وغيره من أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. وقال
الخطابي- أيضاً-: كان النبي- عليه السلام- مخصوصاً بهذا
دون الخلق. وقال ابن عقيل: لا وجه له إلا هذا الوجه. وقال
الطبري: فعل ذلك تنبيهاً لأمته أن نهيه كان على وجه
الكراهة لا التحريم.
وأما قوله: " إنه منسوخ " فغير صحيح، لأن عمر- رضي الله
عنه-
ما بَرح مع النبي- عليه السلام- إلى أن توفي، ولو كان
منسوخا لعمل بناسخه مع أنه كان يضرب على الركعتين بعد
العصر بمحضر من الصحابة من غير نكيرِ، فدل هذا على أن
النهي ليس بمنسوخ، وأن الركعتين بعد
__________
-
(1) في الأصل: " جابر يزيد بن " كذا.
(2) مكررة في الأصل.
(3/68)
العصر مخصوصة به دون أمته. وقال أبو جعفر
الطحاوي: ويدل على الخصوصية: أن أم سلمة هي التي روت
صلاتَه إياهما، قيل لها: أفنَقْضهما إذا فاتتا بعد العصر؟
قالت: لا.
وأما قوله: " دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل
طلوع الشمس " فترده الأحاديث الصحيحة، منها: " لا صلاة بعد
الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس
"، وغير ذلك من الأحاديث التي وردت في هذا الباب، على أن
حديث جابر بن يزيد هذا حكى البيهقي عن الشافعي فيه أنه
قال: إسناد مجهول، ثم قال البيهقي: وإنما قال ذلك، لأن
يزيد بن الأسْود ليْس له راو غير ابنه جابر، ولا لجابر
راوٍ غير يعلى بن عطاء.
فإن قيل: الحديث صححه الترمذي، وذكره ابن منده في " معرفة
الصحابة "، ورواه بقية، عن إبراهيم بن يزيد بن ذي حمامة،
عن عبد الملك بن عُمير، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن
أبيه، فهذا راوٍ آخر لجابر غير يعْلى، وهو ابن عُمير. قلت:
لو كان ما كان فلا يُساوِي حديث عمر- رضي الله عنه-
ويُعارض كلامَ ابن منده: ما قاله علي بن المديني، روى عن
جابر بن يزيد يَعْلى بن عطاء، ولم يَرْو عنه غيره- كما
ذكرنا-، والنفي مقدم على الإثبات، فيكون يَعْلى مُنْفرداً
بهذه الرواية فلا يتابع عليها.
558- ص- نا ابن معاذ: نا أبي: نا شعبة، عن يعلى بن عطاء،
عن جابر بن يزيد (1) ، عن أبيه قال: صليتُ مع رسول الله
الصبح بمنىً، بمعناه (2) .
ش- ابن مُعاذ: هو عُبيد الله بن معاذ، وقد مر ذكرُهما.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. ورواه
الترمذي، والنسائي، عن يزيد بن الأسود قال: شهدت مع النبي-
عليه السلام-
__________
(1) في الأصل: " زيد " خطأ.
(2) انظر الحديث السابق.
(3/69)
صلاة الصبح في مسْجد الخِيف، فلما قضى
صلاته إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يُصليا معه فقال:"
علي بهما " فجيء بهما ترعد فرائصهما قال: " ما منعكما أن
تصليا معنا؟ " قالا: يا رسول الله، إنا كنا صلينا في
رحالنا. قال: " فلا تفعلاً، إذا صليتما في [1/197-ب]
رحالكما (1) ، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها
لكما نافلة ". / قال الترمذي: حديث حسن صحيح (2) .
وفي رواية للدارقطني والبيهقي:" وليَجْعل التي صلاها في
بَيته نافلة "، وقالا: إنها رواية ضعيفة شاذة. قلت: دلت
هذه الرواية- وإن كانت ضعيفة- على أن المراد من قوله- عليه
السلام- في الحديث " فليصل معه " أن يصلي ناوياً للفريضة،
لا ناوياً للنفل، لكراهة نية النفل في هذا الوقت فح (3)
إذا صلى على هذه الهيئة لا يكره عندنا- أيضاً- ويكون
الضمير في قوله:" فإنها نافلة " في الرواية الأولى راجعاً
إلى الصلاة التي صلاها في رَحْله، ويمكن أن يكون قوله: "
وليجعل التي صلاها في بيْته نافلةً " مخصوصاً بوقت الصبح
لكراهة النفل بعدها، يؤيد ذلك كون القضية في الصبح، ويكون
العصر في معناه لاشتراكهما في معنى الكراهة، وغيرهما يخرج
عنهما لعدم النهي، ويستوي فيه نية النفل ونية الفرض،
فافهم.
559- ص- نا قتيبةُ: نا معن بن عيسى، عن سعيد بن السائب، عن
نوح ابن صعصعة، عن يزيد بن عامر قال: جئْتُ والنبي- عليه
السلام- في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة قال:
فانصرف علينا رسولُ الله فرأى يزيدَ جالسا فقال: " ألم
تُسْلِم يا يَزيدُ؟ " قال: بلى يا رسول الله قد أسلمتُ،
قال: " وما (4) منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ " قال:
أني كنتُ قد صليتُ في منزلي وأنا أحسبُ أن قد صليتم،
فقال:" إذا جئتَ
__________
(1) في الأصل: " رحالهما ".
(2) الترمذي (219) .
(3) أي: " فحينئذ "
(4) في سنن أبي داود: " فما ".
(3/70)
الصلاة (1) فوجدت الناسَ فصل معهم، وإن
كنتَ قد صليت تكنْ لك نافلةً وهذه مكتوبة " (2) .
ش- معن بن عيسى: ابن يحيى بن دينار أبو يحيى القزاز
الأشجعي مولاهم المدني. سمع: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب،
وإبراهيم بن طهمان، ومخرمة بن بكير، ومحمد بن هلال. روى
عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو بكر بن أبي
شيبة، وغيرهم. وقال ابن سَعْد: كان يُعالج القز بالمدينة
ويشتريه، وكان له غلمان حاكةُ، وكان ثقة كثير الحديث،
ثبتاً مأموناً. مات سنة ثمان وتسعة ومائة. روى له الجماعة
(3) .
وسعيد بن السائب: الطائفي.
ونوح بن صعصعة: يعد من أهل الحجاز. روى عن: يزيد بن عامر
السُوائي. روى عنه: سعيد بن السائب. روى له: أبو داود، وا
لنسائي (4) .
ويزيد بن عامر: ابن الأسود بن حبيب بن سواءة بن عامر بن
صعصعة، يكنى أبا حاجز السوائي، قيل: إنه شهد حَنيناً مع
المشركين ثم أسلم بعد ذلك. روى عنه: السائب بن يزيد، ونوح
بن صعصعة، وسعيد بن يسار. روى له: أبو داود (5) .
قوله:" ألم تُسلِم؟ " استفهام على سبيل التقرير، إنما قال
ذلك زجرا له لتخلفه عن الجماعة، وانفراده عن الناس وهم
يصلون.
__________
(1) في سنن أبي داود: " جئت إلى الصلاة ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 / 6115) .
(4) المصدر السابق (30 / 6493) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 651) ،
وأسد الغابة (5 / 498) ، والإصابة (3 / 659) .
(3/71)
قوله: " تكن لك نافلة " أي: يكن الذي قد
صليت في رحلك نافلةً، واسم " تكن " مستتر فيه، و" نافلة،
نصب على أنه خبره.
قوله: " وهذه " إشارة إلى الصلاة التي يصليها مع القوم وهو
مبتدأ، وخبره: قوله: " مكتوبة ". وهذه الرواية تؤيدُ
الرواية التي قال الدارقطني والبيهقي: إنها ضعيفة شاذة.
وصريح هذا الحديث يَرد كل ما قاله الخطابي في الحديث
السالف من أنه حجة على أصحابنا، وأنه حجة لهم، ويُبيّنُ أن
الضمير في قوله في ذلك الحديث: " فإنها نافلة " يَرْجع إلى
الصلاة التي صَلاها في رَحْله، لا إلى الصلاة التي صلاها
مع القوم ويُبْطل- أيضاً- قوله: " وفيه دليل على أن صلاة
التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب،
لأن صلاة التطوع بعد الفجر لم توجد في هذا الحديث، لأنه
صرح أن الذي يصليها مع القوم مكتوبة، فإذا لم يوجد ذلك كيف
يكون دليلاً على ما ادعاه؟ على أن النووي قد صرّح في "
الخلاصة " أن إسْناد هذا الحديث ضعيفٌ.
560- ص- نا أحمد بن صالح قال: قرأتُ على ابن وهب قال:
أخبرني عَمْرو، عن بُكير أنه سمع عَفيف بن عَمرو بن المسيب
يقول: حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب
الأنصاري قال (1) : يصلي أحدنا في منزله الصًلاة، ثم يأتي
المسجد وتُقام الصلاةُ فأصلي معهم فأجدُ في نفسي من ذلك
شيئاً فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي- عليه السلام-
فقال: " فذلك (2) له سَهْمُ جَمْعٍ " (3) . [1/198 - أ]
ش- عمرو: ابن الحارث، وبكير: ابن (4) / عبد الله بن الأشج.
وعفيف بن عَمرو بن المُسيّب. روى عن: رجل من بني أسد بن
خزيمة، عن أبي أيوب الأنصاري. روى عنه: بكير بن عبد الله
بن الأشج، ومالك بن أنس. روى له: أبو داود (5)
__________
(1) في سنن أبي داود:" فقال ".
(2) في سنن أبي داود: " ذلك"،
(3) تفرد به أبو داود.
(4) مكررة في الأصل.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 3967 / 2) .
(3/72)
قوله: " فذلك له سهمُ جَمعْ " بإضافة
السَهْم إلى الجمْع، يريدُ أنه سهم من الخير جمع له " في
حظان. َ وقال الأخفش: يريدُ سهم الجيْش، وسهمِ الجيش هو
السهم من الغنيمة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {يَوْم
التَقَى الجَمْعَان} (1) ، وبقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ
جَمع} (2) ، وبقوله: {فَلَما تَرَاءَىَ الجَمْعَانِ} (3) .
وقيل: مثل أجْر من شهد جمعا وهي المزدلفة، وقيل: جمع أي
جملة.
قلت: قد وقع في خاطري هاهنا من الأنوار الإلهية، أن معنى
قوله:
" له سهم جمع " له نصيب الجمْع بين الصلاتين: سهم الصلاة
التي صلاها في رحله، وسَهْم الصلاة التي صلاها مع القوم.
والجَمْع- بفتح الميم لا غير- ويمكن أن يكون الجمع صفة
للسهْم، ويكون الجمع بمعنى الجامع كعدل بمعنى العادلْ،
والمعنى: سهم جامع للخيرات، أو سهم جامع لخيري الصلاتين،
هذا على تقدير مساعدة الرواية، وفيه رجل مجهول.
****
52- بَاب: إذا صَلّى ثم أدرَكَ جَماعةً يُعيدُ (4)
أي: هذا باب في بيان مَنْ إذا صلى صلاة في منزله، ثم أدرك
جماعة هل يعيد أم لا؟ وفي بعض النسخ: " يعيد " بهمزة
الاستفهام.
561- ص- نا أبو كامل: نا يزيد- يعني: ابن زُريع-: نا
حُسَيْن، عن عمرو بن شعيب، عن سليمان مولى ميمونة قال:
أتيت ابن عُمر على البَلاط وهم يُصَلُّون قلتُ (5) : ألا
تصلي معهم؟ قال: قد صليت قد صليتُ (6)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال: (41) . (2) سورة القمر: (45) .
(3) سورة الشعراء: (61) .
(4) في سنن أبي داود: شباب إذا صلى في جماعة، ثم أدرك
جماعة أيعيد،؟ (5) في سنن أبي داود: " فقلت ".
(6) في سنن أبي داود: لقد صليتم " واحدة " وكتب المصنف في
الأصل فوقهما: " صح،.
(3/73)
إني سمعتُ رسول الله- عليه السلام-
يَقُولُ: " لا تُصلوا (1) في يَوْم مَرتين " (2) .
ش- أبو كامل: فُضيل بن حُسَيْن الجحدري، ويَزيدُ: ابن زريع
أبو معاوية البصري، وحُسَيْن: ابن ذكوان المعلّم البصري،
وسليمان مولى ميمونة هو سليمان بن يَسار، أخو عطاء بن
يَسار مولى ميمونة زوج النبي- عليه السلام -.
قوله: " على البَلاط " البَلاط- بفتح الباء الموحدة -: ضرب
من الحجارة تفرش به الأرض، ثم سمّي المكان بلاطا اتساعا،
وهو موضع مَعْروف بالمدينة.
قوله: " قلتُ: ألا تصلي؟ " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " قد صليت، قد صليتُ " بالتكرار للتأكيد.
قوله: " لا تصلوا في يَوْم مَرتين " محمول على صلاة
الاختيار دون ما لها سببٌ، كالرجل يدرك جماعةً فيُصلي معهم
في غير العصر والصبح، وقد كان صلى ليدرك فضيلة الجماعة
جمعا بين الأحاديث؟ كذا قاله الخطابيّ.
قلت: هذا محمولٌ على أن يصلي الفَرْض مَرتين بنية الفَرْض
في كل منهما، آوْ هو مَحمول على صلاة العَصْر والصّبح، لأن
تكرارهما مَنْهي، لورود النهي بعد صلاة العصر والصبح،
ويكون سؤال سليمان عن ابن عمر، وجوابه إياه عنْد صلاة
العصر أو الصُبْح. والحديث: أخرجه " النسائي- أيضاً
__________
(1) في سنن أبي داود: " لا تصلوا صلاة ".
(2) النسائي: كتاب الصلاة، باب: سقوط الصلاة لمن صلى مع
الإمام في المسجد جماعة (113 / 2) .
(3/74)
53- بَابُ: جِمَاع الإمامة وفَضْلِها
أي: هذا باب في بيان جماع الإمامة وفضلها، وفي بعض النسخ:
"باب في جماع الإمامة من فضل الإمامة "، وفي بعضها: "
أبواب الإمامة " والأول أصح، والجماع- بكسر الجيم وتخفيف
الميم- ما يَجْمعُ عددا، وفي الحديث: " حدثني بكلمة تكون
جماعاً " أي: كلمة تجمع كلمات، وقال الجوهري: وجماِع
الشيء: جمعُه، تقول: جماع الخباء: الأخبية، لأن الجماعَ ما
جمعَ عَددا، والمعنى هاهنا: ما يَجْمع أبوابَ الإمامة
وأنْواعها.
562- ص- نا سليمان بن داود المهْري: نا ابن وهب: أخبرني
يحيي بن أيوب، عن عبد الرحمن بن حَرْملة، عن أبي علي
الهمْداني قال: سمعت عقبة بن عامر يقولُ: سمعتُ رسول الله-
صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ أمّ الناسَ فأصابَ
الوقْتَ فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم
" (1) .
ش- سليمان بن داود: أبو الربيع المصري، وعبد الله: ابن
وهب، ويحمى بن أيوب: الغافقي المصري.
وعبد الرحمن بن حَرْملة: ابن عمرو الأسلمي أبو حرملة
المدني. سمع: ابن المسيب، وأبا علي الهمداني، وعبد الله بن
دينار. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، ويحيى القطان،
ويحيى بن أْيوب المصري، وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتب حديثه
ولا يحتج به. وقال ابن معين: / صالح. قال محمد بن عمر: كان
ثقة كثير الحديث. توفي سنة خمس وأربعين ومائة. روى له:
مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأبو علي: اسمُه: ثمامة بن شُفي الهمداني، أبو علي، من
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يجب
على الإمام (983) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3796) .
(3/75)
الأحروج بطن من هَمْدان، ويقال: الأصبحي
المصْري، وقيل: إنه من أهل الإسكندريّة، وقال أبو أحمد: في
المصرين، سكن الإسكندرية. سمع: عقبة بن عامر، وفضالة بن
عُبيد، وقبيصة بن ذؤيب. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب،
والحارث بن يعقوب، وابنه: عمرو بن الحارث، وعبد الرحمن بن
حرملة، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " فله ولكم " يعني: له ثوابُ إصابته، ولكم ثواب
الطاعة والسَّمعْ.
قوله: " ومن انتقصَ من ذلك شيئاً " يَعْني: فرضا من فروض
الصلاة. قوله: " فعليه ولا عليهم " يعني: على الإمام إثم
ما ضيع وما نقص، ولا على القَوْم شيءٌ، هذا إذا لم يَعْلم
القومُ أن الإمامَ ضيّعَ فرضاً من الفروض، أما إذا علموا
يفسد صلاة مَنْ يعلَمُ وعليه أن يُعيدها، إذا علم حال
الإمام من الأول لا يجوز اتباعه إلا أن يخاف منه، فيصلي
معه بَعْد أن يُصلي في بَيْته أو يُصلي ثم يُعيدُ. وروى
الحاكم على شرط مُسلم، عن سهل بن سَعْد: " الإمام ضامن،
فإن أحسنَ فله ولهم، وإن أساء فعليه لا عليهم ". وروى-
أيضاً- على شرط البخاري، عن عقبة بن عامر: " من أمَ الناسَ
فأتم "، وفي نسخة: " فأصابَ " فالصلاة لهُ ولهم، ومن انتقص
من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم "، وهذا مثل رواية أبي داود.
وأعقه الطحاوي بانقطاع ما بَين عبد الرحمن بن حرملة وأبي
عليّ الهمداني الراوي عن عقبة. وفي " مسند عبد الله بن وهب
": أخبرني يحيى بن أيوب، عن العلاء بن كثير، عن داود بن
أيوب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبرة، عن أبي شريح العذري: "
الإمام جنة، فإن أتم فلكم وله، وإن نقص فعليه النقصان ولكم
التمام". وروى البخاريّ من حديث الفضل بن سهل بإسناده إلى
أبي هريرة، عن النبي
(1) المصدر السابق (4 / 853) .
(3/76)
- عليه السلام- قال: " يُصلون لكم، فإن
أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ".
* * *
54- بَابُ: كراهية التَّدافُع على الإمامة
أي: هذا باب في بيان كراهة التدافع على الإمامة، والتدافع:
أرْ يدفع بعضهم إلى بعضٍ. وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في
كراهية التدافع ".
563- ص- نا هارون بن العباد الأزدي: نا مَرْوان قال:
أخبرتني طلحة أم غراب، عن عقيلة أمرأة من بني فزارة مولاة
لهم، عن سلامة بنْت الحر أخْت خَرَشَة بن الحرّ الفزاري
قالت: سمعتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول: " إن من
أشراط الساعة: أن يتدافَع أهل المسجد لا يجدون إماماً
يُصلِّي بهم " (1) . ش- مروان: ابن معاوية الفزاري الكوفي.
وطلحة أم غراب. روت عن: عقيلة. روى عنها: وكيع بن الجراح،
وهارون بن عباد. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعقيلة امرأة من بني فزارة. روت عن: سلامة بنت الحر (3) .
وقال أبو داود: عقيلة جدّة علي بن غراب. وروى عنها: طلحة
أم غراب. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وسلامة بنْت الحرّ: الأسدية أخت خرشة بن الحرّ. روت عن:
النبي
- عليه السلام- أحاديث، روى حديثها: وكيع عن أم غراب، وروى
لها: أبو داود، وابن ماجه (5) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يجب
على الإمام (982) .
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35 / 7883) .
(3) في الأصل:" الحارث " خطأ. (4) المصدر السابق (35 /
7894) .
(5) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 333) ،
وأسد الغابة (7 / 144) ، والإصابة (4 / 0 33) .
(3/77)
قوله: " إن من أشراط الساعة " الأشراط:
جَمع شرَط- بفتح الراء-
وهو العلامة، والأشراط: العلامات، ومنه سفيت شُرَط
السلطان،
لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يُعْرفُون بها، كذا قال أبو
عبيد. وحكى
الخطابي عن بعض أهل اللغة أنه أنكر هذا التفسير وقال:
أشراط الساعة:
ما ينكره الناسُ من صغار أمُورها قبل أن تقوم الساعة،
وشُرَطُ السلطان:
نُخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جُنْده. وقال "ابن
الأعرابي:
هم الشُرَط- بالفتح- والنسبة إليهم: شُرَطي، والشُرطة
والنسبةُ إليهم:
شُرطي. و " لساعة ": القيامة، وا لساعة: الوقت الحاضر،
والجمع: [1/ 199 - أ] الساع والساعات، وأصلَ ساعة:
سَوَعَة؟ قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها،
والدليلُ علي إذا صغرتها تقول: " سُوَيْعة ".
قوله: " أن يتدافع " من باب التفاعل وهي للمشاركة نحو:
تقاسم
القومُ، والمعْنى: كل واحد منهم يدفع الإمامة إلى الآخر،
ولا يَرْضى
أحد أن يتقدم إما لجهلهم بأحوال الإمامة، وإما لاختلافهم
وعدم اتفاقِهم
على إمامة واحدٍ، وإما لعدم مَنْ يَؤُم حسْبة لله تعالى،
أو غير ذلك من الوجوه. َ والحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضاً.
55- بَابُ: مَن أحق بالإمامة
أي: هذا باب في بيان من أحق بالإمامة، وفي بعض النسخ: "
باب
ما جاء فيمن أحق بالإمامة
564- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة: أخبرني إسماعيل
بن
رجاء قال: سمعت أوْس بن ضَمْعجٍ يُحدث عن أي مَسْعود
البدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يؤمُّ القومَ أقرؤهُم
لكتاب الله وأقدمُهُم قراءةً، فإن
كانوا في القراءة سواءً فليؤمهم أقدمهم هجرةً، فإن كانوا
في الهِجرة سواءً
فليؤمَّهم أكبرهم سنا، ولا يُؤَمُّ الرجلُ في بَيْته ولا
في سُلطانه، ولا يُجلسُ
على تكْرمته إلا بإذنه " (1) .
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق
بالإمامة (ْ29 / 673) ،=
(3/78)
ش- إسماعيل بن رجاء: ابن ربيعة الزبيدي أبو
إسحاق الكوفي. سمع: أباه، والمْعْرور بن سُوَيد، وأوس بن
ضمعج، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشعبة، وإدريس، وغيرهم.
قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . وأوْس بن ضمعج- بفتح
الضاد المعجمة، وإسكان الميم، وفتح العين- الحضرمي الكوفي.
روى عن، سلمان الفارسي، وأبي مسعود البدري، وعائشة. روى
عنه: أبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن رجاء الزبيدي، وابنه:
عمران بن أوس، والسُدي. َ مات سنة أربع وسبعن في ولاية بشر
بن مروان. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو مسعود: عُقْبة بن عَمرو؟ وقد ذكرناه.
قوله: " أقرؤهم لكتاب الله، أي: أعلمهم بعلم القراءة، يقف
في مواضع الوقف، ويصل في مَوْضع الوصل، ونحو ذلك من
التشديد والتخفيف، وغير ذلك من وجوه القراءة، وبه تمسك أبو
يوسف: إن الأقرب مقدم على الأفْقه، وبه قال أحمد وإسحاق.
وهو وجه عند الشافعية، وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي:
الأفقه مقدم على الأقرب، لأن الذي يحتاج إليه من القراءة
مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في
الصلاة احمر لا يَقْدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل
الفقه؟ قالوا: ولهذا قدم النبي- عليه السلام- أبا بكر في
الصلاة على الباقين (3) ، مع أنه- عليه السلام- نصر على أن
غيره أقراص منه، قاله النووَي. كذا قلتُ: ولأن أبا بكر ممن
كان قد جمع القرآن في حياته
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من أحق بالإمامة (235)
، النسائي: كتاب الإمامة، باب: من أحق بالعمامة، وباب:
اجتماع القوم وفيهم الوالي (2 /77) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة والسنة فيها، باب: من أحق
بالإمامة (980) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3 / 443) .
(2) المصدر السابق (3 / 579) . (3) في الأصل: " الباقيين
".
(3/79)
- عليه السلام-. ذكر ذلك أبو بكر محمد بن
الطيب الباقلاني في كتاب
لا فضائل الخلفاء "، وكذا ذكره أبو عمرو عثمان بن سعيد
الداني المقرئ،
فقد اجتمع فيه جميع ما قاله رسول الله في هذا الحديث. وفي
حديث
مسلم- أيضاً الذي أخرجه عن (1) أبي مسعود البدري ولفظه: "
يؤمُ
القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء
فأعلمهم
بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُنَة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن
كانوا في الهجرة
سواء فأقدمهم سنا". وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه-
أيضاً
وكذا أبو داود في رواية لما نذكره إن شاء الله تعالى.
وأجاب أبو حنيفة
ومن معه عن الحديث: أن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه.
لكن
يُشكل على هذا قوله: د " فإن كانوا في القراءة سواء
فأعلمهم بالسُّنَّة لما فإن
هذا دليل على تقديم الأقرإ مطلقاً. وقد نسب الشيخ محيي
الدين مذهب
أبي يوسف إلى أبي حنيفة في " شرح مسلم " وليس كذلك، بل
مذهب
أبي حنيفة هاهنا: أن الأفقه مقدم- كما ذكرنا- كما هو مذهب
الشافعي.
قوله: " فإن كانوا في القراءة سواءً " أي: مُتساويين؛
تقول: هما في
هذا الأمر سواءٌ، وإن شئت: سواءان، وهم سَواءٌ للجمع، وهم
أسْواء، وهم سَوَاسيةٌ، أي: أشباه، مثل ثمانية على غير
قياس.
قوله: " أقدمهم هجرةً " الهجرة في الأصل: الاسم من الهجر
ضد
الوصل، وقد هجره هجرا وهجراناً، ثم غلب على الخروج من أرض
[1/199-ب] ، إلى أرض، وترك الأولى للثانية / تقول منه:
هاجر مهاجرة. وقال الخطابيّ: الهجرة قد انقطعت اليوم إلا
أن فضيلتها موروثة، فمن كان من
أولاد المهاجرين أو كان في آبائه وأسلافه من له قدم أو
سابقة في الإسلام أو
كان آباؤه أقدم إسلاماً، فهو مقدم على من لا يعدّ لآبائه
سابقة أو كانوا
قريبي العهد بالإسلام، فإذا كانوا متساويين في هذه الخلال
الثلاث فأكبرهم
سنا مقدم على من هو أصغر سنا لفضِيلة السن ولأنه إذا تقدم
أصحابَه في
(1) في الأصل: "من".
(3/80)
السن فقد تقدّمهم في الإسلام، فصار بمنزلة
من تقدمت هجرته. وقال أصحابنا: لما لم تبق الهجرة لقوله-
عليه السلام-:" لا هجرة بعد الفتح " أقيم الورع مقامها،
لقوله عليه السلام: " المهاجرُ مَنْ هجر ما نهى الله عنه
".
قوله: " فليؤمهم كبرهم سنا " يعني، بعد التساوي في الهجرة
يقدّم الأسن، ولكن كان هذا قبل انقطاع الهجرة، وأما في هذا
الزمان فالأورع يُقام مقام الهجرة- لما ذكرنا- فإذا تساووا
في الورع يُقدّم أكبرهم سنا، فإن تساووا فيه فأصبحهم
وَجْهاً، ثم أشرفهم نسباً، ثم يُقْرع أو الخيار إلى القوم.
وقوله: " سنا " و" هجرةً " و" قراءةً " منصوبات على
التمييز. قوله:" ولا يُؤم الرجل في بَيْته " على صيغة
المجهول، و" الرجل " مرفوع لإسناد الفعل إليه، والمعنى:
صاحب البيت أوْلى من غيره- إذا كان من القراءة والعلم بمحل
يمكنه أن يقيم الصلاة.
قوله: " ولا في سُلطانه " هذا في الجمعات والأعياد
لتعلّقهما بالسلاطين، وأما الصلوات المكتوبات فأعلمهم
أوْلى بالإمامة، فإن جمع السلطانُ الفضائل كلها فهو
أولاهم، وقد يتأول على معنى ما يتسلط عليه الرجل من ملكه
في بَيْته أو يكون إمامَ مَسْجده.
قوله: " ولا يُجلسُ على تكرمته " على صيغة المجهول- أيضاً-
وفي رواية مسلم: "ولا يقعد في بَيْته على تكرمته إلا بإذنه
"، وفي رواية أخرى: "ولا تجلس على تكرمته في بيْته إلا أن
يأذن لك ".
ص- قال شعبة: فقلتُ لإسماعيل: ما تكرمته؟ قال: فراشُه.
ش- أي: قال شعبة بن الحجاج: قلت لإسماعيل بن رَجَاء
المذكور: ما تكرمته؟ أي: ما تكرمة الرجل؟ وهي بفتح الراء
وكسر الراء، وهي الفراش ونحوه مما يُبْسطُ لصاحب البيْت
(1) ويختص به. وقال ابن الأثير:
__________
(1) في الأصل: " اللبيت ".
6. شرح سنن أبي داوود 3
(3/81)
التكرمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل من
فراشِ وسرِيرِ مما يُعدّ لإكرامه، وهي تفعلة من الكرامة.
قلت: ذكره في باب الكاف، لأن التاء فيه زائدة.
ص- قال (1) أبو داود: كذا قال يحيى القطان، عن شعبة: "
أقدمهم قراءةَ ".
ش- أي: كما روى أبو الوليد الطيالسي، عن شعبة في روايته
المذكورة: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة "
كذلك قال يحيى القطان، عن شعبة:" أقدمهم قراءةَ ".
565- ص- نا ابن معاذ: نا أبي، عن شعبة بهذا الحديث قال
فيه: " ولا يؤم الرجلُ الرجلَ (2) " (3) .
ش- ابن معاذ: هو عُبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري
البصري.
قوله: "بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور، وقال فيه: " ولا
يَؤم الرجلُ الرجلَ في بَيْته " الرجل الأول مرفوع
بالفاعلية، والثاني منصوب على المفعولية.
566- ص- نا الحسن بن علي: نا عبد الله بن نُمير، عن
الأعمشِ، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج الحَضْرمي
قال: سمعت أبا مسعود، عن النبي- عليه السلام- بهذا الحديث
قال: " فإن كانوا في القراءة سواءَ فأعلمهم بالسنة، فإن
كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرةَ "، ولم يَقُل: "
فأقدمهم قراءةَ (4) " (5) .
__________
(1) يأتي هذا النص في سنن أبي داود بعد الحديث الآتي.
(2) زاد في سنن أبي داود: " في سلطانه ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق
بالإمامة (1 9 2 / 673) . (4) زيد في سنن أبي داود: " قال
أبو داود: رواه حجاج بن أرطأة، عن إسماعيل قال: "ولا تقعد
على تكرمة أحد إلا بإذنه ".
(5) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق
بالإمامة=
(3/82)
ش- الحسن بن عليّ: الخلال الحلواني، وعبد
الله بن نُمير:
أبو هشام الخارفي (1) الكوفي.
وهذه الرواية مثل رواية مسلم، وكذا رواه ابن حبان في "
صحيحه "،
والحاكم في " مُسْتدركه" إلا أن الحاكم قال عوض قوله: "
فأعلمهم بالسنة": " فأفقههم (2) فقهاً، فإن كانوا في الفقه
سواء فأكبرهم سنا ".
وفي بعض رواية مسلم: " فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم
سِلْماً "
مكان: " سنا ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل ": اختلفوا
في متنه،
فرواه فِطْر، والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن
ضمعج،
عن أبي مسعود. ورواه شُعْبة / والمسعودي، عن إسماعيل فلم
يقولا: [1/200-أ] "أعلمهم بالسنة " قال أبي: وكان شعبة
يهاب هذا الحديث يقول: حكم
من الأحكام لم يشارك إسماعيل فيه أحد؟ ! فقلت لأبي: أليس
قد رواه
السديّ عن أوْس؟ فقال: إنما هو من رواية الحسن بن يزيد
الأصم، عن السديّ، وهو شيخ، أين كان الثوري وشعبة عن هذا
الحديث؟ وأخاف
أن لا يكون محفوظاً. وقد قال بعضهم: لو أطاع الناسُ أبا
حاتم في هذا
التعنت الزائد لبطلت السنَنُ.
567- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا أيوب، عن عَمرو
بن
سلمة قال: كنا بحاضر يمر بنا الناسُ (3) إذا أتوا النبي-
عليه السلام-
فكَانوا إذا رجعوا مروا بنًا فأخبرونا أن رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم قال كذا وقال (4) كذا،
وكنتُ غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيراً، فانطلق أبي
وافدا إلى
__________
= (290/674) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من أحق
بالإمامة (235) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: من أحق
بالإمامة (2 / 75) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من
أحق بالإمامة (. 98) .
(1) في الأصل: " الجارفي " خطأ. (2) في الأصل: " فأفقهم"
(3) كلمة " الناس "غير موجودة في سنن أبي داود.
(4) كلمة " وقال"غير موجودة في سنن أبي داود.
(3/83)
رسول الله صلى الله غليه وسلم في نفر من
قومه، فعلمهم الصلاةَ وقال (1) : " يَؤمكُم أقرؤكم" فكنتُ
(2) أقَرأهم لما كنتُ أحفَظ فقدموني، فكنتُ أؤُمهُم وعلي
بُرْدة لي صفراء صغيرةٌ (3) فَكنتُ إذا سجدتُ انكشفَتْ (4)
عني. فقالت امرأة من النساء: وارُوا عنا عورة قارِئكمَ،
فاشْترَوْا لي قميصاً عُمَانيا، فما فرحتُ بشيء بعد
الإسلام ما فرحتُ (5) به، فكنتُ أؤمُهم وأنا ابن سبع سنين
أو ثمان سنين (6) .
ش- حماد: ابن سلمة، وأيوب: السختياني.
وعَمْرو بن سلمة- بكسر اللام- بن نُفَيع، وقيل: سلمة بن
قَيْس، وقيل: عمرو بن سلمة بن لائم (7) ، يكنى أبا بريدة
(8) - بالباء الموحدة، وبالراء- الجَرْمي، روى قصته في
صلاته بقومه على عهد النبي - عليه السلام-، وهو مَعدودٌ
فيمنْ نزل البَصْرة ولم يَلْق النبي- عليه السلام- ولم
يثبت له سماع منه، وقد وفد أبوه: سلِمة على النبي- عليه
السلام- وأسْلم، وقد رُوِيَ من وجه غريب أن عَمْراً-
أيضاً- قدم على النبي- عليه السلام-. روى عنه: أبو قلاَبة
عبد الله بن زيد الجرمي، وأيوب السختياني، وعاصم الأحول،
وغيرهم. روى له: أبو داود، وا لنسائي (9) .
قوله: " كنا بحاضر" الحاضرُ: القومُ النزولُ على ماء
يُقيمون به ولا يرحلون عنه، ويقال للَمناهل: المَحاضِر
للاجتماع والحضور عليها.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال ". (2) في سن أبي داود: "
وكنت ".
(3) في سنن أبي داود: " صغيرة صفراء ".
(4) في سنن أبي داود: " تكشفت ". (5) في سن أبي داود: "
فرحي به "
(6) البخاري: كتاب الأذان، باب: إمامة العبد والمولى
تعليقاً، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إمامة الغلام قبل أن
يحتلم (2 / 80) .
(7) كذا، وفي أسد الغابة: " لاي ".
(8) كذا، وفي تهذيب الكمال: " بريدة.
(9) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 544) ،
وأسد الغابة (4 / 234) ، وا لإصابة (2 / 1 54) .
(3/84)
قال الخطابي (1) : ربما جَعلوا الحاضر
اسماً للمكان المَحْضور، يقال: نزلنا حاضِرَ بني فلان، فهو
فاعل بمعنى مفعول.
قوله: " وكنتُ غلاماً " الغلام الذي لم يَحْتلم.
وقوله: " حافظاً " أي: ذا قوةِ حافظةِ.
قوله: " فحفَظتُ من ذلك " أي: منْ قرآنهم الذي حفظوه من
النبي
- عليه السلام-.
قوله: " وافداَ " نصب على الحال من قوله: " أبي"وهو فاعل
من وفد يفد إذا قصد أميراً أو كبيراً للزيارة أو الاسترفاد
أو غير ذلك، وقد ذكر غير مرة.
قوله: " في نفر " النفر- بالتحريك- عدة رجال من ثلاثة إلى
عشرة، والنَّفيرُ مثله.
قوله: " لما كنتُ أحفظ " أي: لأجل الذي كنتُ أحْفظ ما أسمع
منهم من القراءة التي كانوا يحفظونه من النبي- عليه
السلام- أو لكوني أحْفظُ منهم، فتكون " ما " مَصْدريةَ.
قوله:" فقدموني" أي للإمامة.
قوله:" وعلي بردة لي صفراءُ" جملة اسمية وقعت حالاً من
الضمير الذي في " أؤمهم "، والبُردة- بضم الباء- الحملة
المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صِفر تلبَسُه الأعرابُ،
وجمعها: بُرَد، وقوله "صفراء" صفتها، وكذا قوله: " صغيرة
".
قوله: " واروا " أي: استروا، من الموارة
قوله: " عمانيا "- بضم العن المهملة وتخفيف الميم- مَنْسوب
إلى عمان بلدة كبيرة من بلاد اليمن، وقيل: صُقْع عند
البَحْرين، وقيل: كُورة.
__________
(1) معالم السنن (1 / 146) .
(3/85)
قوله: " وأنا ابن سبع سنين " جملة اسمية
وقعت حالاً من الضمير الذي
في " أؤمهم".
واستدل الشافعي بهذا الحديث في جوار إمامة الصبي للبالغين
في جميع
الصلوات، وله في الجمعة قولان. وقال أبو حنيفة: المكتوبة
لا يصح (1)
خلفه. وهو قول أحمد، وإسحاق، وفي النفل روايتان عن أبي
حنيفة وأحمد. وقال داود: لا يصح فيهما، وحكاه ابن أبي
شيبة، عن الشَعْبي، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء،
وجوزها مالك في
[1/200-ب] النافلة دون الفريضة. وقال الزهري: إذا /
اضْطروا إليه أمهم. وقال صاحب " الهداية": وأما الصبي
فلأنه متنفل فلا يجور اقتداء المفترض به.
وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ، ولم يجوزه
مشايخنا،
أي: علماء بخارى وسمرقند. والسنن المطلقة كالسنن الرواتب
قبل الفرائض وبعدها وصلاة العيد في إحدى الروايتين والوتر
على قولهما
وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء.
والجواب عن الحديث: أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم في
ابتداء الإسلام، حين لم تكن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة
الإمام. وقال
ابن حزم: لو علمنا أن النبي- عليه السلام- عرف بإمامته
وأقره لقلنا به.
وقال الخطابي (2) : إن الإمام أحمد كان يضعف حديث عمرو بن
سلمة. وقال مرةَ: دَعه ليس بشيء بينِ.
وقال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو بن سلِمة، قال: لا
أدري
ما هذا، ولعله لم يتحقق بلوغ أمره النبي- عليه السلام- وقد
خالفه
أفعال الصحابة، قال: وفيه قال عمرو: وكنت إذا سجدتُ خرجت
استي
قال: وهذا غير سائغ. وذكر الأثرم بسند له عن ابن مسعود أنه
قال: لا
يؤلم الغلام حتى تجب علي الحدود. وعن ابن عباس: لا يؤم
الغلام حتى
يَحتلم
__________
(1) كذا.
(2) معالم السنن (1 / 146) .
(3/86)
568- ص- نا النفيلي: نا زهير، نا عاصم
الأحول، عن عمرو بن سلمة في هذا الخبر (1) قال: فكنتُ
أؤمهم في بُرْدة مُوصلة فيها فتق، قال: فكَنتُ إذا سجدتُ
خرجت اسْتي (2) .
ش- النفيلي: عبد الله بن محمد بن نفيل، وزهير: ابن معاوية
بن حُديج، وعاصم: ابن سليمان الأحول.
قوله: "في هذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
قوله: " مُوصّلة " وهي العتيقة التي وُصِل بعضها ببَعضِ.
قوله: "خرجت اسْتي" الاسْت: العجُز، وقد يراد به حلقة
الدُبر، وأصلها: سَتَهْ على فعل بالتحريك، يدل على ذلك أن
جمْعه: أسْتاه، مثل جَمل وأجْمال.
569- ص- نا قتيبة: نا وكيع، عن مسْعر بن حبيب الجَرْمي:
حدثني عمرو بن سلمة، عن أبيه أنهم وفدوا إلى النبي- عليه
السلام- فلما أرادوا أن ينصرفوا قَالوا: يا رسول الله،
مَنْ يَؤُمنا؟ فقال: " أكثرُكُم جمْعا للقرآن، أو أخذاً
للقرآن ". قال: فلم يكن أحد من القوم جَمَع ما جمَعْتُ،
قالَ: فقدمُوني وأنا غلام وعلي شَملة لي، فما شهدتُ مجمعاً
من جَرْمٍ إلا كنتُ إمامَهم، وكنتُ أصلي على جنائزهم إلى
يَوْمي هذا (3) .
ش- مسعر بن حبيب: أبو الحارث الجرمي البصري. سمع: عمرو ابن
سلمة. روى عنه: يحيي بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح،
ويزيد بن هارون، وحماد بن زيد، وعبد الصمد. قال ابن معين:
ثقة. روى له: أبو داود (4) .
قوله:" مَنْ يؤمنا؟ " "من" للاستفهام هاهنا.
__________
(1) في سنن أبي داود:" بهذا الحبر". (2) انظر الحديث
السابق. (3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27 / 5905) .
(3/87)
قوله: " من جَرْم "- بفتح الجيم وسكون
الراء وبعدها ميم- هو جَرْم ابن ربان من قضاعة، وربان:
بفتح الراء، وتشديد الباء الموحدة، وبعد الألف نون. وفي
بَجيلة: جَرْم، وفي عاملة: جَرْم- أيضاً-، وفي طيء: جرمٌ -
أيضاً.
قوله: " على جنائزهم " جمع جنازة، الجنَازة بالكسْر
والفتح: الميّت بسريره، وقيل: بالكسْر: السر ير، وبالفتح:
الميّت.
صِ- قال أبو داود: رواه يزيد بن هارون، عن مسْعر بن حبيب
الجرْمي، عن عمرو بن سلِمة قال: لما وفد قومي إلى النبي-
عليه السلام- لم يَقُل: عن أبيه.
ش- أي: روى هذا الحديث يزيد بن هارون السلمي أبو خالد
الواسطي، ولم يَقُل في روايته: عن أبيه.
570- ص- نا القعنبي: نا أنس- يعني: ابن عياض ح، ونا الهيثم
بن خالد الجهني- المَعْنى- نا ابن نُمير، عن عبيد الله، عن
نافع، عن ابن عمر أنه لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا
العُصْبةَ قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان
يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا. زادَ
الهيثم: وفيهم: عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد (1)
.
ش- أنس بن عياض: ابن ضمرة المدني.
والهيثم بن خالد: أبو الحسن الجهني. روى عن: حسين بن عليّ
الجُعْفي، ووكيع بن الجراح. روى عنه: أبو داود (2) .
وابن نمير: هو عبد الله بن نمير الخارفي (3) الكوفي، وعبيد
الله: ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ونافع:
مولى ابن عمر.
[1/201-أ] قوله: " نزلوا العَصْبة " العَصْبة- بفتح العين
المهملة، / وسكون
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/4646) .
(3) في الأصل: " الجارفي، خطأ.
(3/88)
الصاد، وفتح الباء الموحدة- وهو موضع
بقُباء. وروي: " المُعصب " - بضم أوله، وفتح ثانيه، وتشديد
الصاد المهملة، بعدها باء مُوَحدة- ويقال: العُصْبة بضم
العن وسكون الصاد. وقال ابن الأثير: وضبطه بعضهم بفتح
العَيْن والصاد.
قوله: " قبل مقدم رسول الله " المقدم- بفتح الدال- مصدر
ميمي بمعنى
القدوم.
قوله: " سالم مولى أبي حذيفة " وكنية سالم: أبو عبد الله،
كان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم، كان من
أهل فارس من إصطخر، وقيل: إنه من العجم من سَبْي كرمان،
وكان يعد في قريش لتبني أبي حذيفة له، ويعد في العجم
لأصله، ويُعد في المهاجرين لهجرته ويُعد للأنصار (1) لأن
مُعتِقته أنصارية، ويُعد في القراء، وقيل: عُد في
المهاجرين لِتَبني أبي حذيفة له، قتل يوم اليمامة شهيداً
هو وأبو حذيفة، فوجد رأس سالم عند رجل أبي حذيفة ورأس أبي
حذيفة عند رجل (2) سالم.
571- ص- نا مُسدد: نا إسماعيل ح، ونا مسدد: نا مسلمة بن
محمد
- المعنى واحد- عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن حُويرث
أن النبي - عليه السلام- قال له أو لصاحب له: " إذا حَضَرت
الصلاةُ فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما (3) " (4) .
__________
(1) كذا، والجادة وفي الأنصار ". (2) في الأصل:" رأس ".
(3) في سنن أبي داود:" أكبركما سنا ".
(4) البخاري: كتاب الأذان، بابَ: الأذان للمسافر إذا كانوا
جماعة والإقامة وكذلك بعرفة وجمع (630) ، مسلم: كتاب
المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (292 / 674)
، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء في الأذان في السفر (205) ، النسائي: كتاب الأذان،
باب: أذان المنفردين في السفر (2 / 9) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (979) .
(3/89)
ش- إسماعيل: ابن عُلية.
ومسلمة بن محمد: الثقفي البصري. روى عن: داود بن أبي هند،
ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، روى عنه: مُسدد. قال ابن
معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ليس بمشهور يكتب
حديثه. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وخالد: ابن مهران الحذاء. وأبو قلابة: عبد الله بن زيد
الجرمي البصري.
ومالك بن حُويرث: ابن حُشَيْش (2) بن عوف بن جندع أبو
سُليمان الليثي، قدم على النبي- عليه السلام- وأقام عنده
أياماً، ثم أذن له في الرجوع إلى أهله، رُوِي له عن رسول
الله خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديثين وللبخاري حديث
واحد. روى عنه: أبو قلابة، ونصر بن عاصم، نزل البصرة، روى
له: الجماعة (3) .
والحديث أخرجه الأئمة الستة، ولفظ البخاري في "باب من قال:
ليؤذن
في السفر مؤذن واحد ": حدَثنا مُعلى بن أسد: حدثنا وهيب،
عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: أتيتُ
النبي- عليه السلام- في نفرٍ من قومي، فأقمنا عنده عشرين
ليلةً، وكان رحيما رقيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال:
" ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم وصلُوا، فإذا حَضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم". ولفظ خالد، عن أبي
قلابة في " باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعه ": أتى
رجلاًن النبي- عليه السلام- يُريدان السفر فقال: " إذا
أنتما خرَجتما فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما"، وفي
باب اثنان فما فوقهما جماعة": " إذا حضرت الصلاة فأذنا "،
وفي "باب
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27 / 5961) .
(2) في أسد الغابة: "حسيس" بمهملات.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش " الإصابة (3 / 374)
، وأسد الغابة (5 / 20) ، والإصابة (3/ 342) .
(3/90)
إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم":
قدمْنا على النبي- عليه السلام-
ونحنُ شبَبَة متقاربُون، وفيه: " لو رجعتَم إلى بلادكم
فعلمتموهم،
فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا "،ْ
وفي
"إجازة خبر الواحد ": فلما ظن أنا قد اشتَقْنا أهلنا،
سألنا عمن تركنا
بعدنا فأخبرناه فقال:" ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم،
وعلموهم ومُرُوهم " وذكر أشياء أحفظها و" صلوا كما
رأيتموني أصلي"، وفي
" باب رحمة النساء والبهائم " نحوه.
قوله: "فأذنا ثم أقيما " عام للمسافر وغيره. وقال قاضي
خان: رجل
صلى في سفر أو في بيته بغير أذان وإقامة يكره، قال:
الكراهة مقصورة
على المسافر، ومن صلى في بيْته فالأفضل له أن يؤذن ويقيم،
لتكون على
هيئة الجماعة، ولهذا كان الجهر بالقراءة في حقه أفضل.
قوله: " ليؤمكما أكبركما " قال القرطبي: يدل على تساويهما
في
شروط الإمامة ورجح أحدهما بالسن.
قلت: لأن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا
جميعاً وأسلموا جميعاً وصحبوا رسول الله- عليه السلام-
ولازموه
عشرين ليلةَ، فاستووا في الأخذ عنه، فلم يبق ما يقدم به
إلا السن.
وفيه حجة لأصحابنا في تفضيل الإمامة على الأذان، لأنه-
عليه السلام-
قال: " ليؤمكما أكبركما " خص الإمامة بالأكبر، وفيه دليل
أن الجماعة
تصح بإمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين / وفيه الحض على
المحافظة [1/201-ب] على الأذان في الحضر والسفر، وفيه أن
الأذان والجماعة مشروعان على
المسافرين
ص- وقال في حديث مسلمة: قال: وكنا يومئذ متقاربتين في
العِلم.
ش- أي: مسلمة بن محمد.
قوله:" قال: وكنا يومئذ " أي: قال مالك بن الحويرث: وكنا
يوم قال
لنا النبي- عليه السلام- قوله ذلك متقاربَيْن- بفتح الباء
الموحدة- أي:
(3/91)
مُتساوِيَيْن في العلْم، وفي رواية ابن
حزْم: " مُتقارنَيْن " بالنون في الموضعين من المقارنة،
تقول: فلان قرين فلان إذا كان قريبَه في السِن، وكذا إذا
كان في العلم.
ص- وقال في حديث إسماعيِل: قال خالد: قلت لأبي قلابة:
فأينَ القراءةُ (1) ؟ قال: إنهما كانا مُتقارِبيْن.
ش- أي: في حديث إسماعيل بن عُلية: قال خالد بن مهران
الحذاء: قلت لأبي قلابة عبد الله بن زيد: فأين القراءة؟
قال: إنهما- أي: مالك بن الحويرث وصاحب له، وفي رواية ابن
أبي شيبة: وابن عم له- كانا متقاربَيْن أي: في القراءة،
ولما كانا متقاربَين في العلم والقراءة لم يبق إلا أن
يؤمهما أكبرهما سنا- كما ذكرنا-.
572- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا حُسين بن عيسى الحنفي:
نا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم
أقرؤكم (2) " (3) .
ش- الحسين بن عيسى الحنفي: أخو سُلَيم القارئ الكوفي. روى
عن: الحكم بن أبان، ومعمر بن راشد. روى عنه: عثمان بن أبي
شيبة، وإسماعيل بن موسى السُّدِّي، وأبو سعيد الأشج
وغيرهم، سئل عنه أبو حاتم (4) فقال: ليس بالقوي، روى عن
الحكم أحاديث منكرة. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (5) والحكم بن أبان: العدني أبو عيسى.
سمع: عكرمة، وطاوساً، وعبد الرحمن بن زامرد العدني. روى
عنه: معمر، وابن عيينة، وابن جريج، وابنُ علية، والحُسين
بن عيسى الحنفي، وغيْرهم. قال ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " القرآن ". (2) في حق أبي داود:"
قراؤكم ". (3) ابن ماجه: كتاب الأذان، باب: فضل الأذان
وثواب المؤذنين (726) . (4) في الأصل: "سئل عن أبي حاتم "
خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1329) .
(3/92)
معين: ثقة. مات سنة أربع وخمسين ومائة وهو
ابن أربع وثمانين سنةً. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله:" خِيارُكم " أي: خيْرُكم.
قوله: " وليؤمكم أقرؤكم " أي: أعلمكم بعلم القرآن- كما
ذكرنا. وذكر الدارقطني أن الحسن بن عيسى تفرد بهذا الحديث
عن الحكم بن أبان.
* * *
56- بَابُ: إمامة النِّساءِ
أي: هذا باب في بيان إمامة النساء، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في إمامة النساء "، والنساءُ جمع " امرأة " من غير
لفظه، وكذلك النُّسوة- بكسر النون وضمها- والنسوان، كما
يقال: خلِفة ومخاض وذاك وأولئك.
573- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع بن الجراح: نا
الوليد بن عبد الله بن جُميع قال: حدَّثتني جَدتي وعبد
الرحمن بن خلاد الأنصاري، عن أم ورقة بنْت نوفل أن النبي-
عليه السلام- لما غزا بدراَ قالت: قلتُ له: يا رسولَ الله،
ائذنْ لي في الغَزْوِ معك أمر ض مَرْضاكم، لعل الله
يَرْزقني (2) شهادةَ، قال: " قري في بيتك، فإن الله عَز
وجَل يرزقك الشهادة " قال: فكانت تُسمى الشَهيدةَ، قالَ:
وكانت قد قرأت القرآنً فاستأذنت النبي - عليه السلام- أن
تتخذ في دارها مُؤذناً فأذنَ لها، وكانت قد دبرت غلاماً
لها وجاريةَ، فقاما إليها بالليِل فغماها بقطيفةَ لها حتى
ماتت وذهبا، فأصبح عُمر فقام في الناس فقال: منْ كان
عنْدَه منَ هذين علم أو مَنْ رآهما فليجئْ بهما، فأمرَ
بهما فصلِبَا، فكانا أول مَصْلوبِ بالمدينة (3) .
ش- الوليد بن عبد الله بن جُميع: الزهري الكوفي. روى عن:
__________
(1) المصدر السابق (7 / 1422) .
(2) في سنن أبي داود: " لعل الله أن يرزقني". (3) تفرد به
أبو داود.
(3/93)
عامر بن واثلة وغيره. روى عنه: أبو أسامة،
وأبو أحمد الزبيري، الكوفي، ووكيع. روى له: مسلم، وأبو
داود (1) .
وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: روى عن: أم ورقة بنت نوفل،
ولها صحبة. روى عنه: الوليد بن عبد الله بن جُميع. روى له:
أبو داود (2) .
وأم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل، ويقال: بنت نوفل
الأنصارية، كان رسولُ الله يَزُورها ويسميها الشهيدة. روى
عنها: عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري. روى لها: أبو داود (3)
.
قوله: " لما غزا بدرا" وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من
الهجرة.
قوله: " أمرض " بتشديد الراء، من مَرضتُه تمريضا إذا قمت
عليه في مرضه.
[1/202-أ] قوله: " قرى " - بكسر القاف / وتشديد الراء- أمر
من تقرين، من
قر يقر من باب ضرب يضرب، ويجور فتح القاف في " قري" ويكون
أمراً من باب علم يعلم، والأول أفصحُ.
قوله: " وكانت دبرت " من التدبير، وهو تعليق العتْق بمُطلق
مَوته، مثل أن يقول لعبده: إذا مت فأنت حر، أو: أنت حر عن
دبر مني، أو: أنت مُدبر، أو: قد دبرتك، صار العبدُ في ذلك
كله مدبرا، فلا يجوز بعد ذلك بيْعه ولا هبته، وهو حر من
باقي الثلث، ويجور استخدامه وإجارته، ووطئها وتزويجها.
قوله: "فغَماها بقطيفة " من غممتُه إذا غطيته، والقَطيفةُ-
بفتح القاف وكسر الطاء-: كنساء له خمول. وقال في " الَصحاح
":
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 / 6713) .
(2) المصدر السابق (17 / 3810) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 504) ،
وأسد الغابة (7 / 408) ، وا لإصابة (4 / 505) .
(3/94)
القطيفة دِثار مُخمل، والجمع: قطائفُ وقُطف
مثل صحيفة وصُحفِ وصحائف.
574- ص- نا الحسن بن حماد الحَضْرمي: نا محمد بن فُضيل، عن
الوليد بن جُميع، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة ابنة
(1) عبد الله ابن الحارث بهذا الحديث والأول أتمّ قال:
وكان رسول الله يَزورُها في بَيْتها وجعل لها مؤذنا يُؤذن
لها، وأمَرها أن تؤم أهلَ دارها. قال عبد الرحمن: فأنا
رأيتُ مؤذنَها شيخا كبيرا (2) .
ش- الحسن بن حماد: ابن كُسيب أبو علي الحضرمي المعروف
بسَجادة. سمع: أبا بكر بن عياش، وعطاء بن مسلم، وأبا خالد
الأحمر، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو
داود، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
صاحب سُنَة، ما بلغني عنه إلا خيرا. وقال الخطيب: كان ثقة.
مات ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين. وروى عنه: ابن ماجه،
والنسائي، عن رجل عنه (3) . ومحمد بن فُضَيْل: ابن غزوان
الكوفي.
قوله: " والأول " أي: الحديث الأول أتم، ورواه الحاكم في "
المستدرك"ولفظه: " فأمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض"
قال: ولا أعرف في الباب حديثاً مسندا غير هذا.
ويُستفادُ من الحديث فوائد، الأولى: أن قرار النساء في
بيوتهن أفضل من خروجهن إلى الجهاد، إلا إذا كان النفير
عاما.
الثانية: جوار اتخاذ المؤذن للنساء. وقال أصحابنا: ليس على
النساء أذان ولا إقامة، لما روى أبو بكر: نا ابن إدريس، عن
هشام، عن الحسن ومحمد بن سيرين قالا: ليس على النساء أذان
ولا إقامة.
وكذا روى بإسناده، عن عطاء، وعن ابن المسيب، وعن الزهري،
__________
(1) في سنن أبي داود: "بنت". (2) تفرد به أبو داود. (3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1219) .
(3/95)
وعن الضحاك. وإن أذنت أو أْقامت فلا بأس،
لما روى أبو بكر قال: نا ابن علية، عن ليث، عن طاوس، عن
عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم. الثالثة: فيه جواز التدبير.
الرابعة: جواز صَلْب القاتل.
الخامسة: جواز ثمامة النساء للنساء، وتقوم وسطهنّ، لما روى
ابن عدي في " الكامل " (1) ، وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب
" الأذان " عن الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، عن القاسم
بن محمد، عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي- عليه السلام-
قال: " ليس على النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة، ولا
اغتسال، ولا تقدمهن امرأة، ولكن تقوم وسطهنّ "
قلت: هذا الحديث أنكره ابن الجوزي في " التحقيق "فقال: لا
نعرفه مرفوعا، إنما هو شيء يروى عن الحسن البصري وإبراهيم
النخعي، وردّه الشيخ في " الإمام" وحديث آخر موقوف: رواه
عبد الرزاق في مصنفه: اْخبرنا إبراهيم بن محمد، عن داود بن
الحصن، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تؤم المرأة النساءَ
تقوم في وسطهنّ.
وقال أبو بكر: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن
امرأة من قومه اسمها: حُجيرة قالت: أمتنا أم سلمة قائمة
وَسْط النساء.
حدَثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة أنها
كانت تؤم النساء تقوم معهن في صفّهن.
وقال صاحب " الهداية ": وإن فعلن قامت الإمام وسطهن، لأن
عائشة- رضي الله عنها- فعلت كذلك، وحمل فعلها الجماعة على
ابتداء الإسلام.
قلت: وكذا ذكر في" المبسوط" و" المُحيط "، ولكن فيه بُعْد؟
لأنه
__________
(1) (2/479) ترجمة الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي.
(3/96)
- عليه السلام- أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة- كما
رواه البخاري ومسلم- ثم تزوج عائشة بالمدينة، وبنى بها وهي
بنت تسع، وبقيت عنده
- عليه السلام- تسع سنين، وما تصلي إماما إلا بعد بلوغها،
فكيف
يَسْتقيم حمله على ابتداء الإسلام؟ / لكن يمكن أن يقال:
إنه منسوخ، [1/202-ب] وفعلت ذلك حين كانت النساء تحضرن
الجماعات ثم نُسخت جماعتهن،
والله أعلم.
* * * |