شرح أبي داود للعيني

39- باب: اتباع النساء الجنائز
أي: هذا باب في بيان حكم اتباع النساءْ الجنازة.
1602- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن أيوب، عن حفصة،
عن أم عطية، قالت: " نُهينَا عن أنْ نَتبعَ الجَنائز، ولم يُعْزَمْ عَلينا " (1) .
ش- حماد بن زيد، وأيوب السختياني، وحفصة بنت سيرين.
قوله: " عن أن نتبع " أي: عن اتباع الجنائز.
قوله: " ولم يعزم علينا" أي: لم يفرض علينا، وأصل العزم: الجد
والصبر، وفيه من الفقه كراهة اتباع النساء للأموات حيث يُشيعُ إلى القبور،
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
40- باب: فضل الصلاة على الجنائز (2)
أي: هذا باب في بيان فضل الصلاة على الجنازة.
1603- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن سُمي، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة، يرويه، قال: " مَن تَبِعَ جَنازةً وصَلى (3) عليها فله قيراط، ومَن
/ تَبعَها حتى يُفرغُ منها فله قيراطان، أصغرُهما مثلُ أحد، أو أحدهما مثلُ أحدَ " (4)
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض
(313) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: نهي النساء عن اتباع الجنائز (938) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في اتباع النساء للجنائز (1577) .
(2) في سنن أبي داود:"على الجنائز وتشييعها ".
(3) في سنن أبي داود: " فصلى ".
(4) البخاري: كتاب الجنائز، باب: فضل اتباع الجنائز (1323) ، مسلم: كتاب
الجنائز، باب: فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (945) ، الترمذي: كتاب
الجنائز، باب: ما جاء في فضل الصلاة على الجنازة (1040) ، النسائي:
كتاب الجنائز، باب: ثواب من صلى على جنازة (4/ 76) ، ابن ماجه:
كتاب الجنائز، باب: ما جاه في ثواب من صلى على جدارة ومن انتظر دفنها
(1539) .

(6/97)


ش- سفيان الثوري، وسُمي القرشي المخزومي المدني، وأبو صالح ذكر أن.
قوله: " قيراط " القيراط في الأصل جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا (1) من أربعة وعشرين جزءا، و "الياء" فيه بدل من " الراء"، وأصله قراط بالتشديد، ولكن فسرها في الحديث، أن وزنها مثل وزن أحد، وهذا تمثيل واستعارة، ويجوز أن يكون حقيقة بأن يجعل الله تعالى عمله ذلك يوم القيامة في صورة عين توزن كما توزن الأجسام، ويكون قدر هذا كقدر أحد فافهم، والحديث أخرجه الجماعة.
1604- ص- نا هارون بن عبد الله، وعبد الرحمن بن حسين الهرمي، قالا: نا المقرئ، نا حيوة، حدثنا أبو صخر هو حميد بن زياد، أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، حدثه، عن أبيه، أنه كان عند ابنِ عمرَ بنِ الخطاب إذ طلع خَباب صاحبُ المَقْصُورة فقال: يا عبد الله بنَ عُمَر، ألا تسمعُ ما يقولُ أبو هريرة؟ إنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن خَرجَ معَ جَنازة من بيْتها، وصلى عليها" فذكر معنى حديث سفيان، فأرسل ابنُ عَمر إلى عائشة- رضي الله عنهاَ فقالت: صدق أبو هريرة (2) .
ش- هارون بن عبد الله بن مروان الحمال، بالحاء المهملة، وعبد الرحمن (3) ...
والمقرئ عبد الله بن يزيد المقرئ، وحيوة بن شريح أبو زرعة المصري. وداود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني، روى
__________
(1) في الأصل: "جزاء ".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (945) .
(3) بياض في الأصل قدر نصف سطر؟ وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 1 ة 38) .

(6/98)


عن أبيه. روى عنه: يزيد بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
وخباب ... (2)
قوله: " معنى حديث سفيان" أي: الحديث الذي قبل هذا، والحديث
أخرجه مسلم بمعناه أتم منه.
1605- ص- نا الوليد بن شجاع السكوني، نا ابن وهب، أخبرني
أبو صخر، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس،
قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " ما من مُسلم يُموتُ فيقومُ على جَنازَته أربعونَ رجلاً لا يُشركوَنَ باللهِ عز وجل (3) إلا شُفعُوا فيه " (4) .
ش- الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني أبو همام الكوفي.
سمع: هشيم بنت بشير، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن وهب وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه وغيرهم، وقال النسائي: لا بأس به. وقال عبد الرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ صدوق يكتب حديثه، ولا يحتج به، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (5) .
وأبو صخر حميد بن زياد، وكريب مولى ابن عباس، والحديث
أخرجه مسلم أتم منه، وأخرجه ابن ماجه بنحوه.
__________
(1) المصدر السابق (8/ 1767/ 1) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر، وانظر ترجمته في المصدر السابق (8/ 1675) . (3) في سنن أبي داود:"لا يشركون بالله شيئاً"
(4) مسلم: كتاب الجنائز، باب: من صلى عليه أربعون شفعوا فيه (993) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمة (1489) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6709) .

(6/99)


41- باب: في اتباع الميت بالنار (1)
أي: هذا باب في بيان اتباع الميت بالنار.
1606- ص- نا هارون بن عبد الله، نا عبد الصمد، ح نا ابن المثنى، نا أبو داود، قالا: نا حرب- يعني: ابن شداد- حدثني يحيى، حدثني باب ابن عمير، حدثني رجل من أهل المدينة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن
النبي- عليه السلامِ- قال: "لا تُتبعُ الجَنازةُ بصوت ولا نارٍ " زاد
هارون (2) : " ولا يُمْشى بين يديْهَا " (3) .
ش- عبد الصمد بن عبد الوارث، ومحمد بن المثنى، وأبو داود
الطيالسي، وحرب بن شداد اليشكري، وأبو الخطاب البصري العطار (4) ،
أو القطان، أو القصاب. روى عن: الحسن البصري، وقتادة، وشهر
ابن حوشب وغيرهم. روى عنه: عبد الصمد، وأبو داود الطيالسي،
وعمرو بن مرزوق وغيرهم، قال ابن معين: صالح، مات سنة إحدى
وستين ومائة. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه.
ويحيى بن أبي كثير، وباب بن عمير.
قوله: "زاد هارون" أي: هارون بن عبد الله المذكور/ وفيه من الفقه كراهة اتباع الجنازة بالنار، أو بالصوت، وكراهة المشي بين يديها، وهو من جملة حجج أصحابنا في المشي خلف الجنازة.
والحديث رواه أحمد في "مسنده "، وذكره الدارقطني في "علله "،
وما فيه من الاختلاف، ثم قال: وقول حرب بن شداد أشبه بالصواب،
وأعله ابن الجوزي في "العلل المتناهية " بأن فيه رجلين مجهولين.
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في النار يتبع بها الميت ".
(2) في سنن أبي داود: "قال أبو داود: زاد هارون ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) كذا ترجم المصنف لأبي الخطاب، وهو غير موجود في سند الحديث، بل وليس هو من رجال الكتب الستة.

(6/100)


42- باب: القيام للجنازة
أي: هذا باب في بيان حكم القيام إذا مرت عليه الجنازة.
1607- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عن عامر بن ربيعة يبلغ به النبي- عليه السلام-: " إذا رأيتم الجنازة فقومُوا لها حتى تُخَلفَكُم أو تُوضع " (1) .
ش- سفيان الثوري، ومحمد بن مسلم الزهري، وسالم بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- وعامر بن ربيعة العنزي الصحابي.
قوله: " حتى تخلفكم" أي: حتى تترككم وتذهب، أو توضع على الأرض من أعناق الرجال، وقيل: أو توضع في اللحد، وأنما أمر بذلك تعظيما للميت، فإن ابن آدم مكرم محترم حيا وميتا، ولا سيما في هذه الحالة، فإنه آخر العهد به، والحديث أخرجه البخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1608- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، نا سهيل بن أبي صالح، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تَبِعتُمُ الجنازة فلا تَجْلِسُوا حتى نُوضعَ " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: القيام للجنازة (1307) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة (958) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1042) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر بالقيام للجنازة (4/ 43) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في القيام للجنازة (1542) .
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع ... (1310) ، مسلم: كتاب الجنائز (559) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1042) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر بالقيام للجنازة (4/ 43) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1542) .

(6/101)


ش- زهير بن حرب، وابن أبي سعيد الخدري هو عبد الرحمن بن سعد بن مالك- رضي الله عنه- والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي سعيد بنحوه، وأخرجه مسلم من حديث أبي صالح السمان، عن أبي سعيد- رضي الله عنه-.
ص- قال أبو داود: وروى (1) الثوري هذا الحديث عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة، قال (2) : " حتى تُوضع بالأرضِ " ورواه أبوه معاوية، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة (3) ، قال: " حتى توضع في اللحِد " وسفيان (4) أحفظ من أبي معاوية.
ش- أي: الحديث المذكور، وأبو معاوية محمد بن حازم الضرير. قوله: " حتى توضع بالأرض" أي: حتى توضع الجنازة من أعناق الرجال على الأرض، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم، عن زهير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي، قالا: " كانوا يكرهون أن يجلسوا حتى توضع الجنازة عن مناكب الرجال". وقال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: " كنت في جنازة فلم أجلس حتى وضعت إلى الأرض، ثم أتيت نافع بن جبير، فجلست إليه، فقال: مالي لم أرك جلست حتى وضعت الجنازة، فقلت ذاك لحديث بلغني عن أبي سعيد، فقال نافع: حدثني مسعود بن الحكم، ابن علنا- رضي الله عنه- حدثه، ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام، ثم قعد". وقد قيل: إن حديث [القيام] (5) منسوخ. بحديث [نا هذا] (6) . قوله: " ورواه أبو معاوية " أي: روى الحديث المذكور أبو معاوية
__________
(1) في سنن أبي داود: روى.
(2) في سنن أبي داود: قال فيه.
(3) غير موجود في سنن أبي داود.
(4) في سنن أبي داود" قال أبو داود: وسفيان".
(5) ويأتي في الحديث بعد الآتي.
(6) غير واضح في الأصل، وانظر: شرح الحديث بعد الآتي.

(6/102)


الضرير، وفي روايته: " حتى توضع في اللحد" وقال أبو داود: وسفيان
الثوري أحفظ للحديث من أبي معاوية، فكأنه أشار به إلى أن رواية سفيان
أصح وأثبت.
1609- ص- نا مؤمل بن الفضل، نا الوليد، نا أبو عمرو، عن يحيى
ابن أبي كثير، عن عبيد الله بن مقسم، قال: حدثني جابر، قال: " كُنا مع
النبيِّ- عليه السلام- إذ مَرتْ جنازة فقام لها، فلما ذَهبنَا لنَحْملَ إذا هي
جنازةُ يَهودي، فقلنا: نا رسولَ الله، إنما هي جنازةُ يهودي؟ فقَال: إن الموت
فَزغَ، فإذا رأيتُمْ جَنازةً فقُومُوا" (اَ) .
ش- الوليد بن مسلم الدمشقي، وأبو طه هو عبد الرحمن الأوزاعي،
وعبيد الله بن مقسم المدينة مولى أبي نمر، وجابر بن عبد الله.
قوله: "لنحمل " أي الجنازة.
قوله: " إن الموت فزع " أي: خوف، وعلل عليه السلام القيام للجنازة
بكون الموت فزعا فح (2) يكون القيام لأجل الفزع من الموت وعظمته،
والجنازة تُذكرُ ذلك، فيستوي فيه جنازة المسلم والكافر، فافهم./ والحديث
أخرجه البخارَي، ومسلم، والنسائي، وليس في حديثهم "فلما ذهبنا لنحمل ".
1610- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن
عمرو بن سعيد بن معاذ الأنصاري، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن
مسعود بن الحكم، عن علي بن أي طالب- رضي الله عنه-: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنائزِ، ثم قَعَدَ" (3) (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: من قام لجنازة يهودي (1311) ، مسلم:
كتاب الجنائز، باب: القيام للجنازة (960) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب:
الرخصة في ترك القيام (4/ 46) .
(2) يعني: "فحينئذ".
(3) في حق أبي داود: "ثم قعد بعدُ".
(4) مسلم: كتاب الجنائز، باب: نسخ القيام للجنازة (962) ، الترمذي: كتاب
الجنائز، باب: الرخصة في ترك القيام لها (1044) ، النسائي: كتاب
الجنائز، باب: مكان الماشي من الجنازة (4/ 56) ، ابن ماجة كتاب
الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1544) .

(6/103)


ش- مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وواقع بن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن
عبد الأشهل، الأنصاري، الأشهلي، المديني، أبو عبد الله. سمع: أنس بن مالك، ونافع بن جبير. روى عنه: يحيى بن سعيد، ومحمد ابن زياد، وداود بن الحصين، وقال أبو زرعة: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
ومسعود بن الحكم بن الربيع بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق
أبو هارون الأنصاري، الزرقي، المدني، ولد في عهد النبي- عليه السلام- وسمع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. وروى عن: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان- رضي الله عنهما-. روى عنه: عيسى، ونافع بن جبير، ومحمد بن المنكدر، قال الواقدي: كان سَرِيا مَرِيا ثقة، روى له الجماعة (2) .
قوله: "قام في الجنائز " وفي بعض النسخ " في الجنازة" أي: قام لأجل المنارة، وكلمة " في " تجيء للتعليل، نحو قوله تعالى: {فذلك الذي لمتنني فيه} (2) {لَمَسَّكُم فِيمَا أفَضتُم} (4) وفي الحديثَ: " إنَ امرأة دَخلت النار في هرة حبستها".
قوله: " ثم قعد" أي: ثم بعد أن كان يقوم للجنازة ترك القيام،
و"قعد" بمعنى لم يقم، وقد ذكرنا أنهم قالوا: إن هذا الحديث ناسخ لحديث القيام للجنازة، وأخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي شيبة- كما ذكرنا-.
1611- ص- نا هشام بن بهرام المدائني، أنا حاتم بن إسماعيل، أنا
أبو الأسباط الحارثي، عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية، عن أبيه
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 3/ 6669) .
(2) المصدر السابق (27/ 5909) .
(3) سورة يوسف: (32) .
(4) سورة النور: (14) .

(6/104)


عن جده، عن عبادة بن الصامت، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجَنازَة حتى تُوضعَ في اللَّحد، فَمرَّ حَبْر (1) من اليهود فقال: هكذا نَفعلُ، فجلس النبيُّ- عليه السلام-َ وقال: اجلِسوا خَالِفُوهم" (2) .
ش- هشام بن بهرام أبو محمد المدائني، روى عن سفيان بن عيينة، وأبي شهاب الحناط (3) ، وأفلح بن حميد. روى عنه: أبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وقال الخطيب: كان ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
وأبو الأسباط بشر بن رافع النجراني، وعبد الله بن سليمان بن جُنادة
ابن أبي أمية الأزدي الدوسي، روى عن أبيه، عن جده. روى عنه: أبو الأسباط، قال البخاري: فيه نظر، لا يتابع في حديثه. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) . وسليمان بن جُنادة قال البخاري: منكر الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (6) .
وجُنادة بن أبي أمية الأزدي ثم الزهراني، ويقال: الدوسي، أبو عبد الله الشامي له ولاعبيه صحبة، وقيل: لا صحبة له، روى عن النبي- عليه السلام- وعن عبادة بن الصامت. روى عنه: بُسر بن سعيد، وغيره، روى له الجماعة (7)
قوله: " حبر " أي: عالم، والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث غريب، وبشر بن رافع ليس بالقوي في
__________
(1) في سنن أبي داود: "فمر به حبر"
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الجلوس قبل أن توضع (1020) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1545) .
(3) في الأصل: " أبي هشام الخياط" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6570) .
(5) المصدر السابق (15/ 3317) . (6) المصدر السابق (4/ 2499) .
(7) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 242) ، أسد الغابة (1/ 353) ، والإصابة (1/ 263) .

(6/105)


الحديث، وقال أبو بكر الهمداني: ولو صح لكان صريحا في النسخ،
غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت، فلا يقاوم هذا الإسناد.
43- باب: الركوب في الجنازة
أي: هذا باب في بيان حكم الركوب في تشييع الجنازة.
1612- ص- نا يحيى بن موسى البلخي، نا عبد الرزاق، أنا معمر،
عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن ثوبان:
" أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتِيَ بدابة وهو مع الجَنازة، فأبى أن يَرْكبَ، فلما انصرفَ
أتيَ بدابة فَرَكِبَ، فقيل له، فقال: إن الَملائكة كانت تَمشِي، فلم كن
لأَركبَ وهم يمشُونَ، فلما ذهبوا رَكبتُ " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وأبو سلمة عبد الله،
وفيه من الفقه استحباب المشي في تشييع الجنازة، وقال أبو بكر بن
أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي همام السكوني- وهو
الوليد بن قيس- عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- " أتي [2/204 - أ] بدابة وهو في جنازة فلم يركب، فلما انصرف ركبه،/ حدثنا يحيى ابن سعيد، عن ابن أبي رواد، قال: حدثنا أبو سعد، عن زيد بن
أرقم، قال: "لو يعلم رجال يركبون في الجنازة ما لرجال يمشون ما ركبوا"
حدثنا وكيع، عن ثور، عن راشد بن سعيد، عن ثوبان: "أنه رأى رجلا راكبا في جنازة فأخذ بلجام دابته، فجعل يكبحها، فقال: تركب وعباد الله يمشون؟! ".
حدثنا الفضل بن دكين، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(6/106)


سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " الراكب في الجنازة كالجالس في بيته ".
1613- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، عن سماك، سمع جابر بن سمرة، قال: " صَلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنِ الدَّحداح- ونحنُ شُهود- ثم أتِيَ بفَرَس فعُقلَ حتى ركبه، فجعلَ يتوقف به، ونحن نَسعى حوله - عليه السلام- " (1) .
ش- ابن الدحداح، ويقال: ابن الدحداحة، توفي في حياة النبي - عليه السلام- فصلى عليه، وقال أبو موسى: مختلف فيه، وفيه نظر. قوله: " ونحن شهود " أي: حاضرون، والشهود جمع شاهد.
قوله: "فعُقِل " من عقل البعير يعقله عقلا من باب ضرب يضرب، وقال الأصمعي: عقلت البعير أقله عقلا وهو أن تثني وظيفه مع ذراعه، فتشدهما جميعا في وسط الذراع، وذلك الحبل هو الذراع.
قوله: " يتوقص به" التوقص أن يرفع يديه ويثب به وثبا متقاربا، وأصل الوقص الكسر، وقال ابن الأثير: يتوقص به، أي: ينزو ويثب ويقارب الخطو.
قوله: " ونحن نسعى" الواو فيه للحال، وفيه من الفقه جواز الركوب
في الجنازة، وليس عليه في ذلك شيء، والحديث الأول في بيان الفضيلة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي شيبة،
وقال أبو بكر: حدثنا ابن أبي زائدة، وأبو معاوية، عن حجاج، عن الحكم، قال: "رأيت شريحا على بغلة يسير أمام الجنازة، قال أبو معاوية: على بغلة بيضاء يسير خلف الجنازة".
__________
(1) مسلم: كتاب الجنائز، باب: ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف (965) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في الرخصة في ذلك (1013) .

(6/107)


حدثنا وكيع، عن عيينة بن (1) عبد الرحمن، عن أبيه، قال: "رأيت أبا بكرة في جنازة عبد الرحمن بن سمرة على بغلة له ".
حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عباس الهمداني، عن ابن معقل، قال: " رأيت ابن عمر على بغل راكبا أمام الجنازة".
44- باب: المشي أمام الجنازة
أي: هذا باب في بيان المشي أمام الجنازة أي: قدامها.
1614- ص- نا القعنبي، نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم،
عن أبيه، قال: " رأيتُ النبيُّ- عليه السلام- وأبا بكرِ، وعُمرَ، يمشون أمامَ
الجنازة " (2) .
ش- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- وبهذا الحديث استدل الشافعي أن المشي قدام الجنازة أفضل، وهو مذهب جماعة من أهل العلم، وقال أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم: المشي خلفها أفضل، واستدلوا بأحاديث، منها: ما رواه أبو داود، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتبعُ الجنازة بصوتِ ولا نارِ، ولا يُمشى بين يديها" وقد ذكر مع الكلام فيه (3) .
ومنها ما رواه الحاكم في " مستدركه " في فضائل مارية، أخبرنا أحمد
ابن محمد بن إسماعيل بن مهران، ثنا أبي، نا محمد بن مصفى، ثنا بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي أسامة: "أن رسول الله- عليه السلام- مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم صامتا".
__________
(1) في الأصل: " عن" خطأ.
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في المشي أمام الجنازة (1008) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: مكان الماشي في الجنازة (4/ 56) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في المشي أمام الجنازة (1482) .
(3) تقدم برقم (1606) .

(6/108)


ومنها ما رواه ابن عدي في " الكامل" (1) : حدثنا الحسن (2) بن
أبي معشر، نا سليمان بن سلمه (3) ، عن يحيى [بن] سعيد الحمصي
العطار، عن عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن
سعد: "أن النبي- عليه السلام- كان يمشي خلف الجنازة ".
"وقال (4) ابن القطان في "كتابه": سليمان بن سلمه (3) لا يعرف
من هو، ويحيى بن سعيد منكر الحديث، قاله السعدي، وعن ابن
معين: ليس بشيء، وعبد الحميد بن سليمان أخو فليح بن سليمان
ضعيف، أضعف من أخيه فليح".
ومنها ما رواه عبد الرزاق في " مصنفه": أخبرنا حسين بن مهران،
عن مطرح بن يزيد أبي المهلب، عن عبيد الله بن بحر، عن علي بن
يزيد، عن القاسم، عن أبي أسامة، قال: "سأل أبو سعيد الخدري
علي بن أبي طالب: المشي خلف الجنازة أفضل، أم أمامها؟ فقال علي:
والذي بعث محمدا بالحق إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل
الصلاة المكتوبة على التطوع، فقال/ له أبو سعيد: أبرأيك تقول؟ أم [2/204 - ب] شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فغضب، وقال: لا، والله بل
سمعتُه غير مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاث، حتى سبعا، فقال أبو سعيد:
إني رأيت أبا بكر، وعمر يمشيان أمامها، فقال علي: يغفر الله لهما،
لقد سمعا ذلك من رسول الله- عليه السلام- كما سمعته، وإنهما والله
لخير هذه الأمة، ولكنهما كرها أن يجتمع الناس ويتضايقوا، فأحبا أن
يسهلا على الناس " انتهى.
وأعله ابن عدي في " الكامل" بمسرح وضعفه عن ابن معين، وقال:
الضعف على حديثه بين، وقال ابن الجوفي في " العلل المتناهية ":
عبيد الله بن بحر، وعلي بن زيد، والقاسم كلهم ضعفاء، وقال ابن حبان
__________
(1) (16/9) ترجمة يحيى بن سعيد العطار.
(2) في الأصل: " الحسن " خطأ.
(3) في الأصل: " مسلمة " خطأ.
(4) انظر: نصب الراية (2/ 291) .

(6/109)


في "كتاب الضعفاء": عبيد الله بن بحر منكر الحديث جدا، يروي الموضوعات عن الإثبات.
ومنها ما رواه عبد الرزاق أيضاً أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: "ما مشى رسول الله- عليه السلام- حتى مات إلا خلف الجنازة" وهو مرسل.
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور، عن مريح (1) ، عن مسروق، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: "إن لكل أمة قربانا، وإن قربان هذه الأمة موتاها، فاجعلوا موتاكم بين أيديكم". ومنها ما أخرجه الدارقطني (2) ، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبيد الله بن كعب (3) ، عن أبيه كعب بن مالك، قال:
" جاء ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله- عليه السلام- فقال: إن أمه توفيت وهي نصرانية، وهو يحب أن يحضرها، فقال له النبي- عليه السلام-: اركب دابتك، وسر أمامها، فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها".
قال الدارقطني: وأبو معشر ضعيف.
ومن الآثار ما رواه ابن أبي شيبة: ثنا عبد الله، أخبرنا إسرائيل، عن
عبد الله (4) بن المختار، عن معاوية بن قرة، ثنا أبو كرب أو أبو حرب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن أباه قال له:" كن خلف الجنازة، فإن مقدمها للملائكة، ومؤخرها لبني اَدم". مختصر.
وحديث سالم رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ورواه أحمد في
__________
(1) في الأصل: تشريح " خطأ" وانظر: المصنف (3/ 279) .
(2) (2/ 75- 76) .
(3) كذا، وفي سنن الدارقطني ونصب الراية: " عبد الله بن كعب".
(4) في الأصل: "عبيد الله" خطأ، وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3556/16) .

(6/110)


"مسنده "، وابن حبان في "صحيحه "، وفي لفظة له: ثني الزهري غير مرة، قال ابن حبان: وفيه دليل على من يقول: إن سفيان لم يسمعه من الزهري، وسكت عنه الترمذي، وقال: وقد رواه ابن جريج، وزياد بن سعد، وغير واحد عن الزهري، عن سالم، عن أبيه نحو حديث ابن عيينة، وروى معمر، ويونس بن يزيد، ومالك، وغيرهم من الحفاظ، عن الزهري، أن النبي- عليه السلام- فذكره قال: وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح، ثم أخرجه من طريق عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، قال: كان النبي- عليه السلام- فذكره قال الترمذي: وسمعت يحي بن موسى يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: قال ابن المبارك: حديث الزهري في هذا مرسلا أصح من حديث ابن عيينة، وأرى ابن جريج أخذه من ابن عيينة، ثم أخرجه الترمذي عن محمد بن بكر (1) ، ثنا يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال: "كان النبي- عليه السلام- يمشي أمام الجنازة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، " انتهي.
قال الترمذي: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال:
أخطأ فيه محمد بن بكر (1) ، وإنما يروى هذا عن يونس، عن الزهري:
"أن النبي- عليه السلام- وأبا بكر، وعمر، كانوا يمشون أمام الجنازة" انتهى (2) .
وقال النسائي: هذا حديث خطأ، وهم فيه ابن عيينة وخالفه مالك
فرواه عن الزهري مرسلا وهو الصواب، قال: وإنما أتى عليه فيه من جهة أن الزهري رواه عن سالم، عن أبيه، أنه كان يمشي أمام الجنازة، قال:
" وكان النبي- عليه السلام- وأبو بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة".
__________
(1) في الأصل: " محمد بن بكير " خطأ، دائما هو محمد بن بكر البُرساني كما عند ابن ماجه (1483) ، وتحفة الأشراف.
(2) انظر: جامع الترمذي (3/321 - 322)

(6/111)


فقوله: "وكان النبي- عليه السلام- ... إلى آخره " من كلام
الزهري، لا من كلام ابن عمر، قال ابن المبارك: الحفاظ عن الزهري
ثلاثة: مالك، ومعمر/ وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان منهم على قول أخذنا به، وتركنا قول الآخر، انتهى كلام النسائي.
قلت: وبهذا اللفظ الذي أشار النسائي رواه أحمد في " مسنده ":
حدثنا حجاج بن محمد، قال: قرأت على ابن جريج، ثنا زياد بن
سعد، أن ابن شهاب أخبره، حدثني سالم، عن ابن عمر "أنه كان
يمشي بين يدي الجنازة، وقد كان رسول الله، وأبو بكر، وعمر يمشون
أمامها " قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: هذا الحديث إنما هو عن
الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل، وحديث سالم فعل ابن عمر،
وحديث ابن عيينة كأنه وهم منه، انتهى.
ومن طريق أحمد رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا عبد الله بن
أحمد، ثنا أبي به، ورواه ابن حبان في "صحيحه " أيضاً من حديث
شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه به بلفظ
السنن، وزاد فيه ذكر عثمان، وقال في آخره: قال الزهري: وكذلك
السنة، انتهى.
وذكر عثمان عند النسائي أيضاً وقال المنذري: وقد قيل: سفيان بن
عيينة من الحفاظ الإثبات، وقد أتى بزيادة على من أرسل، فوجب تقديم
قوله، وقد تابع ابن عينة على رفعه ابن جريج، وزياد بن سعد، وغير
واحد، وقال البيهقي: ومن وصله واستقر على وصله، ولم يختلف عليه
فيه وهو سفيان بن عيينة حجة، ثقة.
1615- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد، عن يونس، عن زياد بن
جبير، عن أبيه، عن المغيرة، قال: وأحسب أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه
إلى النبي- عليه السلام- قال: "الراكبُ يَسيرُ خلفَ الجَنازةِ، والماشي

(6/112)


يَمشي خَلفَها وأمامَها، وعن يمينها وعن يسارهَا، قريبا منها، والسقطُ يُصلَّى عليها، ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمةِ " (1) .
ش- خالد بن عبد الله الواسطي، ويونس بن عبيد، وجبير بن حية
ابن مسعود بن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي البصري، سمع عمر بن الخطاب، والمغيرة بن شعبة. روى عنه: ابنه زياد، وبكر بن عبد الله المدني، توفي في خلافة عبد الملك بن مروان. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) . وبهذا الحديث استدل القائلون بالتفضيل، ذهب الإمام أحمد إلى أن أمام الجنازة أفضل في حق الماشي وخلفها الفضل في حق الراكب، واستدل له بهذا الحديث، ورواه في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك " وقال: صحيح على شرط البخاري، ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وليس في حديثهم، "وأحسب أن أهل زياد أخبر مني ".
قلت: في سند هذا الحديث اضطراب، وفي متنه أيضاً فإن أبا داود أخرجه عن يونس، عن زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، قال: "وأحسب أن أهل زياد اْخبروني أنه رفعه إلى النبي- عليه السلام-". وأخرجه الترمذي عن سعيد بن عبيد الله، عن زياد بن جبير به، وقال: حسن صحيح، وبهذا السند أخرجه النسائي، وابن ماجه، وليس فيه: عن أبيه، وفي لفظ ابن ماجه: عن زياد بن جبير، سمع المغيرة، فذكره.
قوله:" والسقط" بكسر السن، وسكون القاف، وقال ابن الأثير (3) :
__________
(1) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الأطفال (1031) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: مكان الراكب من الجنازة (4/ 56) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في المشي أمام الجنازة (1482) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 900) .
(3) النهاية (2/ 378) .
8. ضرب سنن أبي داوود 6

(6/113)


" السقط بالكسر والفتح والضم، والكسر أكثرها، الولد الذي يسقط من
بطن أمه قبل تمامه".
واعلم أن العلماء اختلفوا في الصلاة على السقط، فروي عن ابن عمر
أنه قال:" يصلى عليه، وإن لم يستهل". وبه قال ابن سيرين، وابن
المسيب، وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه: كل ما نفخ فيه
الروح، وتمت له أربعة الشهر وعشر، صُلي عليه، وقال إسحاق: وإنما
الميراث بالاستهلال، فأما الصلاة فإنه يصلى عليه، لأنه نسمة تامة قد
كتب عليها السعادة والشقاوة، فلأي شيء تترك الصلاة عليه؟ وروي عن
ابن عباس أنه قال:" إذا استهل ورث وصلى عليه "، وعن جابر أنه قال:
" إذا استهل صلى عليه، وإن لم يستهل لم يصل عليه " (1) . وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه، وقول مالك، والأوزاعي، والشافعي في أحد
قوليه، واستدل أحمد ومن تبعه بهذا الحديث/ وبما رواه ابن ماجه عن البخاري بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله
- عليه السلام-: " صلوا على أطفالكم، فإنهم من أفراطكم " (2)
وضعفه الدارقطني، فقال: البخاري ضعيف وأبوه مجهول، ومع ضعفه
يمكن حمل الأطفال على من استهل، واستدل أصحابنا ومن تبعهم بما
أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي الزبير، عن جابر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطفل لا يُصلى عليه، ولا يرث ولا يورث
حتى يستهل" (3) ، وقال الترمذي: وقد اضطرب الناس في هذا الحديث،
فرواه بعضهم عن أبي الزبير مرفوعاً ورواه بعضهم عن أبي الزبير
موقوفاً وكأنه أصح، وبهذا السند رواه الحاكم في "المستدرك" (4) ،
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 277: 279) .
(2) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الطفل (1509) .
(3) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في ترك الصلاة على الجنين حتى
يستهل (1032) ، النسائي في الكبرى: كتاب الفرائض، ابن ماجه: كتاب
الفرائض، باب: إذا استهل المولود ورث (2750) .
(4) (363/1) .

(6/114)


وسكت عنه وقال: إسماعيل بن مسلم المكي لم يحتجا به، وقال ابن القطان في "كتابه": هو من رواية أبي الزبير، عن جابر معنعنا من غير رواية الليث عنه وهو علة، ومع ذلك فهو من رواية إسماعيل بن مسلم المكي، عن أبي الزبير، وهو ضعيف جدا، ورواه البيهقي، وقال: إسماعيل بن مسلم غيره أوثق منه فالترمذي أخرجه في " الجنائز"، والنسائي أخرجه في " الفرائض "، عن المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير به بلفظ: " إذا استهل الصبي صُلي عليه وورث". قال النسائي: وللمغيرة بن مسلم غير حديث منكر. وبهذا السند والمتن رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر من القسم الثالث، ورواه الحاكم أيضاً وسكت عنه، وأخرجه ابن ماجه من (1) الربيع بن بدر، وقال النسائي وغيره: هو متروك الحديث، وأخرجه الحاكم أيضاً عن سفيان، عن أبي الزبير به مرفوعا، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وأخرجه أيضا عن بقية، عن الأوزاعي، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا وسكت عنه، ورواه موقوفا النسائي، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر من قوله، وكذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن أشعث بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: " إذا استهل الصبي صلي عليه، وورث، فإذا لم يستهل لم يصل عليه، ولا يورث ".
وكذلك رواه البيهقي (2) من طريق محمد بن إسحاق، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله نحوه، قال الدارقطني في "علله": هذا حديث اختلف فيه على عطاء، وأبي الزبير، فرواه المثنى بن الصباح، عن عطاء، فرفعه، ورواه ابن إسحاق عنه فوقفه، ورواه عن أبي الزبير: يحيى بن أبي أنيسة فرفعه، ووقفه غيره، وذكره البخاري في " صحيحه" تعليقا من قول الزهري: " الطفل إذا استهل صارخا صُلي عليه، ولا يصلى على من لا يستهل من أجل أنه سقط ".
__________
(1) كذا
(2) الست الكبرى (4/ 8) .

(6/115)


وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا عبد الأعلى،
عن معمر، عن الزهري فذكره، واستدلوا أيضا بما أخرجه ابن عدي في " الكامل " (1) ، عن عمرو بن خالد الكوفي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في السقط: " لا يصلى عليه حتى يستهل، فإذا استهل صلى عليه وعقل وورث، وإن لم يستهل لم يصل عليه، ولم يورث، ولم يعقل". وروى ابن عدي أيضا في ترجمة شريك القاضي (2) فقال: حدثنا القاسم بن زكرياء، ثنا إسماعيل بن موسى، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- قال:" إذا استهل الصبي صلي عليه وورث " (3) .
45- باب: الإسراع بالجنازة
أي: هذا باب في بيان الإسراع في المشي بالجنازة.
1616- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي- عليه السلام- قال: " أسرِعُوا بالجنازةِ، فإن تكُ صالحةً فخير تُقَدمُونها إليه، وإن تك (4) سوى ذلك فشر تَضَعُونه عن رِقابِكم " (5) .
ش- حذفت النون من " تكن " للتخفيف، و "صالحة" نصب على
__________
(1) (6/ 222) ترجمة عمرو بن خالد الكوفي.
(2) (5/ 0 2) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(4) في الأصل: " تكن" وفي الشرح ما يشعر بأنها خطأ.
(5) البخاري: كتاب الجنائز، باب: السرعة بالإنارة (1315) ، مسلم: كتاب الجنائز: باب: الإسراع بالجنازة (944) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الإسراع بالجنازة (1065) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: السرعة بالجنازة (4/ 41، 42) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في شهود الجنائز (1477) .

(6/116)


الخبرية، وارتفاع "فخير" على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: فهو خير، وكذلك ارتفاع "فشر" وبهذا الحديث استدلت العلماء على أن السنة الإسراع بالجنازة/ دون الخَبَبِ (1) ، وأخرجه الجماعة.
1617- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا شعبة، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: " أنه كان في جَنازة عثمانَ بن أبي العاصِ، وكنا نمِشي مشنا خفيفاً فلَحقَنَا أبو بكْرةَ، فَرَفَعَ سوطًه، فقال: لقد رأيتُنَا ونحنُ مع رسول الله- عليه السلَام- يَرْمُلُ رَملاَ " (2) (3) .
ش- عيينة- بضم العين المهملة، وفتح الياء آخر الحروف الأولى، وسكون التالية، وفتح النون- ابن عبد الرحمن بن جوشن أبو مالك الغطفاني الجوشني البصري، روى عن أبيه، ونافع مولى ابن عمر، وأبي الزبير المكي. روى عنه: الثوري، وشعبة، ووكيع، ويحيى القطان، قال ابن معين: ليس به بأس، وفي رواية: ثقة. وقال أحمد ابن حنبل: ليس به بأس صالح الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وعبد الرحمن بن جوشن الغطفاني البصري. روى عن: عبد الله بن عباس، وأبي بكرة الثقفي. روى عنه: ابنه عيينة، سئل عنه أحمد بن حنبل. فقال: ليس بالمشهور. ومثل أبو زرعة فقال: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (5) .
وعثمان بن أبي العاص الصحابي، قد ذكر مرة، وأبو بكرة نفيل بن الحارث الثقفي الصحابي، قد ذكر أيضاً
قوله: " لقد رأيتُنا" بضم التاء، أي: لقد رأيت أنفسنا، والواو في قوله: "ونحن " للحال.
__________
(1) العدو، أي: الجري.
(2) في سنن أبي داود: "نرمل رملا".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4675) .
(5) المصدر السابق (7 1/ 3786) .

(6/117)


قوله: "يرمل رملا" من رمل يرمل، من باب نصر ينصر، رملا ورَمَلانا إذا أسرع في المشي، وهز منكبه، والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1) في الفضائل، وسكت عنه، وقال النووي: إسناده صحيح، فإن قيل: أخرجه البخاري، ومسلم، عن عطاء، قال: "حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة، إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا، ولا تزلزلوا".
قلت: المراد به شدة الإسراع، لأنه خاف منها الانفجار، فافهم.
1618- ص- نا حميد بن مسعدة، نا خالد بن الحارث، ح ونا إبراهيم ابن موسى، نا عيسى، عن عيينة بهذا الحديث، قالا: في جنازة عبد الرحمن ابن سمرة، وقال: " فحمَلَ عليهم بغلته، وأهْوَى بالسوطِ " (2) .
ش- عيسى بن يونس.
قوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور.
قوله: " قالا " أي: قال حميد بن مسعدة، وإبراهيم بن موسى شيخا أبي داود، وعبد الرحمن بن سمرة الصحابي، قد ذكر مرة.
قوله: " وقال " أي: عبد الرحمن بن جوان.
قوله: " فحمل عليهم" أي: حمل أبو بكرة على القوم، وأهوى بالسوط، أي: مده نحوهم، وأماله أيهم، يقال: أهوى يده وبيده إلى الشيء ليأخذه، وهذه الرواية أخرجها النسائي أيضاً
1619- ص- نا مسدد، نا أبو عوانة، عن يحيى المجبر، قال أبو داود: وهو يحي بن عبد الله التميمي، عن أبي ماجدة، عن ابن مسعود: " سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المَشْي مع الجَنازةِ، فقال: ما دونَ الخَبَبِ، فإن يك (3) خيرا
__________
(1) (3/ 445) فضل عبد الرحمن بن سمرة، و (3 /446) فضل عثمان بن أبي العاص.
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: السرعة بالجنازة (4/ 40، 41) .
(3) في سنن أبي داود: "يكن ".

(6/118)


تَعَجلْ إليه، وإن يك (1) غيرَ ذلك فبُعْدا لأهل النار، والجنازةُ مَتبُوعة، ولا
تتبَعُ ليس معها من تَقَدمَها" (2) (3) .
ش- أبو عوانة الوضاح، ويحيى بن عبد الله الجابر، وقيل: المجبر،
أبو الحارث الكوفي التميمي. سمع: حبال بن رفيدة، وسالم بن
أبي الجلد، وأبا ماجدة. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وأبو عوانة.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وأبو ماجدة الحنفي، ويقال: العجلي، قال الحميدي: عن ابن عيينة قلت: للجابر من أبو ماجدة؟ قال: طير طار علينا، وهو منكر الحديث. وقال الدارقطني: مجهول متروك. وقال الترمذي: مجهول.
وقال أبو أحمد الكرابيسي: حديثه ليس بالقائم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
قوله:" ما دون الخبب " بفتح الخاء المعجمة، وبالباءين الموحدتين، أولاهما مفتوحة، وهو ضرب من العدْوِ.
قوله:" فبعدا" منصوب، من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة التي لا يستعمل
إظهار فعلها، كقولك: سقيا، وخيبا، وجذعا، وعبر ا، وبؤسا،
وبعدا، وسحقا، وحمدا، وشكرا، وهو من قبيل الدعاء.
قوله: "والجنازة متبوعة" أي: يتبعها غيرها فحينئذ يكون المشي خلفها
أفضل كما هو مذهب أصحابنا، وقد مر الكلام فيه مستوفى، والحديث
أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وحديث ابن ماجه/ مختصر، وقال [2/206 - ب] الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث عبد الله بن مسعود
__________
(1) في سنن أبي داود: "يكن".
(2) في سنن أبي داود: " تقدمها ".
(3) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في المشي خلف الجنازة (1011) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في المشي أمام الجنازة (1484) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6859) .
(5) المصدر السابق (34/ 7596) .

(6/119)


إلا من هذا الوجه، وقال: سمعت محمد بن إسماعيل- يعني: البخاري- يضعف حديث أبي ماجدة هذا، وقال البيهقي: هذا حديث ضعيف.
قلت: ويقال: المجبر ثقة، يكنى أبا الحارث. روى له: شعبة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وأبو الأحوص، وغيرهم، على أن الحديث رواه أحمد أيضا وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى في مسانيدهم، فافهم.
ص- قال أبو داود (1) : هو ضعيف كوفي، وأبو ماجدة بصري (2) .
ش- أي: يحي بن عبد الله الجابر ضعيف، وهو كوفي، وأبو ماجدة بصري.
وقوله: "بَصري " يدل على أنه غير مجهول كما قاله الدارقطني.
46- باب: الإمام يصلي (3) على من قتل نفسه
أي: هذا باب في بيان أن الإمام يصلي على من قتل نفسه.
1620- ص- نا ابن نفيل، نا زهير، نا سماك، حدثني جابر بن سمرة، قال: " مَرضَ رجل فصِيحَ عليه، فجاءَ جاره إلى رسول اللهِ- عليه السلام- فقال (4) " إنه قد ماتَ، قال: وما يدريكَ؟ قال: أنا رأَيتُهُ، قال رسولُ الله: إنه لم يَمُتْ، قال: فرجعِ، فصِيحَ عليه، فجاءَ إلى رسول الله- علَيه السلامِ- فقال: إنه قد مات، فقال النبي- عليه السلام-: إنه لمَ يمتْ، قال: فرجع فصِيحَ عليه، فقالت امرأتُهُ: انطلقْ إلى رسولِ اللهِ- عليه السلام-
__________
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الكلام: "قال أبو داود: وهو ضعيف، هو يحي ابن عبد الله، وهو يحي الجابر ".
(2) في سنن أبي داود: قال أبو داود: "وأبو ماجدة هذا لا يعرف ".
(3) في سنن أبي داود: "الإمام لا يصلي ".
(4) في سنن أبي داود: "فقال له".

(6/120)


فأخبِرْه، فقال الرجلُ: اللهم العنْهُ، قال: ثم انطلَقَ الرجلُ فرآه قد نَحَرَ نفْسه بمشْقَصٍ معه، فانطلق إلى النبيِّ- عليه السلام- فأخبَرَهُ أنه قد ماتَ، قال: وَمَا يدريكَ؟ قال: رأيتُه ينحرُ نفسَه بمشَاقصَ معه، قال: أنتَ رأيته؟ قال: نعم، قال: إذن لا أصَلِّي عليه " (1) .
ش- عبد الله بن محمد بن نفيل، وزهير بن معاوية، وسماك بن حرب.
قوله: "وما يدريك " ... (2)
قوله: " بمشقص " المشقص بكسر الميم نصل عريض، وقال ابن الأثير (3) : " المشقص نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعَبلةُ ". وبهذا الحديث استدل أبو يوسف من أصحابنا أن قاتل النفس لا يصلى عليه مثل: البغاة، وقطاع الطريق، وقال الخطابي (4) : " وكان عمر بن عبد العزيز لا يرى الصلاة على من قتل نفسه، وكذلك قال الأوزاعي. وقال كثر الفقهاء: يصلى عليه، وتَرْكُهُ - عليه السلام- الصلاةَ عليه كان لردع غيره من مثل فعله".
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا جريج، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم، قال: "يصلى على الذي قتل نفسه، وعلى النفساء من الزنا، وعلى الذي يموت غريقا ".
حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء، قال:
"صل على من صلى قبلتك ".
__________
(1) مسلم: كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة على القاتل نفسه (978) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: فيمن قتل نفسه لم يصل عليه (1068) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة على من قتل نفسه (4/ 66) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على أهل القبلة (1526) .
(2) بياض في الأصل قدر نصف سطر.
(3) النهاية (2/ 490) .
(4) معالم السنن (1/ 26) .

(6/121)


حدثنا مروان بن معاوية، عن ابن عون، عن عمران، قال: "سألت إبراهيم النخعي عن إنسان قتل نفسه، هل يصلى عليه؟ قال: نعم، إنما الصلاة سنة "
وحديث جابر أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصرات بمعناه.
47- باب: الصلاة على من قتلته الحدود
أي: هذا باب في بيان الصلاة على من قتل في حد.
1621- ص- نا أبو كامل، نا أبو عوانة، عن أبي بشر، قال: حدثني نفر من أهل البصرة، عن أبي بردة الأسلمي " أن رسولَ الله- عليه السلام- لم يُصلِّ على ماعزِ بنِ مالك، ولم ينهَ عن الصلاةِ عليه" (1)
ش- أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري، وأبو عوانة الوضاح، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وأبو برزة نضلة بن عبيد الصحابي، في إسناده مجاهيل.
وأخرج مسلم فيه صحيحه، حديث ماعز من رواية أبي سعيد الخدري، وفيه قال: " فما استغفر له ولا سبه " وأخرجه من حديث بريدة ابن الحصيب، وفيه فقال: " استغفروا لماعز بن مالك، قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك"
وأخرج البخاري في "صحيحه" عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر حديث ماعز، وفيه فقال/ له النبي- عليه السلام- خيرا، وصلى عليه. وقال البخاري: لم يقل يونس أوابن جريج، عن الزهري: "فصلى عليه "، هذا آخر كلامه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(6/122)


وقد أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث معمر، عن الزهري وفيه:" ولم يصل عليه" وعلل بعضهم هذه الزيادة وهي قوله: "فصلى عليه " بأن محمد بن يحيى لم يذكرها، وهو أضبط من محمود ابن غيلان، قال: وتابع محمد بن يحيى: نوح بن حبيب، وقال غيره: كذا رواه عن عبد الرزاق الحسن بن علي، ومحمد بن المتوكل، يريد: لم يذكر الزيادة، قال: وما أرى مسلما ترك حديث محمود بن غيلان إلا لمخالفة هؤلاء، هذا آخر كلامه.
وقد خالفه أيضا إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه، وحميد بن زنجويه، وأحمد بن منصور الزيادي، وإسحاق بن إبراهيم الدوري، فهؤلاء ثمانية من أصحاب عبد الرزاق خالفوا محمودا في هذه الزيادة، وفيهم هؤلاء الحفاظ: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن يحيى الذهلي، وحميد بن زنجويه.
وقد أخرجه مسلم في " صحيحه "، عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق، ولم يذكر لفظه، غير أنه قال: نحو رواية عقيل، وحديث عقيل الذي أشار أيه ليس فيه ذكر الصلاة، وقال أبو بكر البيهقي: ورواه البخاري، عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق إلا أنه قال:" وصلى عليه"، وهو خطأ، لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه، ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه، هذا آخر كلامه.
وقد أخرجه مسلم في " صحيحه "، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث عمران بن حصين حديث الجهينية، وفيه: "فأمر بها رسول الله- عليه السلام- فشكت عليها ثيابها، فأمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر- رضي الله عنه-: تصلي عليها يا نبي الله، وقد زنت! قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله ". وهذا الحديث ظاهر جدا في الصلاة على المرجوم، والله أعلم.،،،

(6/123)