شرح أبي داود للعيني

11- باب: صدقة الزرع
أي: هذا باب في بيان صدقة الزرع، وهي العشر أو نصفه.
1715- ص- نا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي، نا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال:
__________
(1) البخاري: كتاب الزكاة، باب: ليس على المسلم في فرسه صدقة (1463) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه (982) ، الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة (628) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: زكاة الخيل (5/ 34) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: صدقة الخيل والرقيق (1812) .
(2) كذا بالتكرار.

(6/296)


قال رسول الله- عليه السلامِ-: " فيما سقت السماء والأنهارُ والعيُونُ، أوْ كَانَ بَعْلاً العُشْرُ، وفيما سقي بالسوَانِي أو النَّضح نصفُ العُشْرِ " (1) .
ش- العُشر في الموضعين مرفوع بالابتداء، وخبر الأول قوله: " فيما سقت السماء"، وخبر الثاني قوله:" وفيما سقي " والمراد من السماء المطر، لأنه ينزل منه، قال تعالى: {وَأنزَلنَا من السَّمَاء مَاء طَهُورا} (2) .
قوله: " أو كان بعلاً" البعل- بفتح الباء الموحدة، وسكون العين المهملة، وفي آخره لام- وهو ما شرب من النخيل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها. قال الأزهري: هو ما ينبت من النخل في أرض يقرب ماؤها، فرسخت عروقها في الماء، واستغنت عن ماء السماء والأنهار وغيرها.
وقال بعضهم: البعل والعَذي واحد، وهو ما سقته السماء. وقال غيره: العَذي ما سقته السماء والبعل ما ذكرناه.
وقال الجوهري: العَذْي- بالتسكين- الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر. قلت: هو بالعين المهملة، والذال المعجمة.
قوله: "بالسواني" هي جمع سانية، وهي الناقة التي يستقى عليها، ومنه حديث البعير الذي اشتكى إليه فقال أهله " كنا نَسْنُو عليه" أي نستقي. وقيل: السانية. الدلو العظيمة، وأداتها التي يستقى بها، ثم سميت الدواب سواني لاستقائها وكذلك المستقي بها سانية أيضاً
__________
(1) البخاري: كتاب الزكاة، باب: فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري (1483) ، الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيره (640) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر (5/ 40) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: صدقة الزروع والثمار (1817) .
(2) سورة الفرقان: (48) .

(6/297)


قوله: " أو النضح" والنضح- بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، وفي آخره حاء مهملة- وهو ما سقي بالدوالي والرشاء، والنواضح الإبل التي يستقى عليها، واحدها ناضح، والأنثى ناضحة وثانية. وقيل: النواضح السواني، وهي كل ما يستقي الماء من بعير أو بقرة أو حمار، والدوالي جمع دالية، وهي جذع طويل يركب بركيب مداق الأرز، وفي رأسه مغرفة كبيرة يسقى بها، ثم إن النبي- عليه السلام- جعل صدقة ما خَفت مؤنتُه، وكَثرتْ منفعتُه على التضعيف توسعة على الفقراء، / وجعل ما ثقلت مؤنته على التنصيف رفقا بأرباب الأموال.
وقال الخطابي (1) : وأما الزرع الذي يسقى بالقُنِي فالقياس على هذا أن ينظر، فإن كان لا مؤنة فيها كثر من مؤنة الحفر الأول وكسحها في بعض الأوقات، فسبيلها سبيل النهر والسير في وجوب العشر فيها، وإن كان تكثر مؤنتها بأن لا تزال تتداعى وتنهار، ويكثر نضوب مائها، فتحتاج إلى استحداث حفر، فسبيلها سبيل ماء الأبيار، التي ينزح منها بالسواني، والله أعلم.
قلت: القُنِي بضم القاف، وكسر النون، وتشديد الياء، وأصلها قنوو على وزن فعول، جمع قناة التي تحفر، فلثقالة الواوين في آخر الكلمة قلبت الأخيرة ياء فصار قنوي، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار قنُي- بضم النون- ثم أبدلت ضمة النون كسرة لأجل الياء، فصار قنيا، َ وأصل قناة قنوة، قلبت الواو ألف لتحركها وانفتاح ما قبلها. والحديث أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1716- ص- نا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- قال:
__________
(1) معالم السنن (2/ 35- 36) .

(6/298)


"فيما سقت الأنهارُ والعُيونُ العُشْر، وما سقىَ بالسوَاني ففيه نصْفُ العُشْرِ" (1) .
ش- عمرو بن الحارث، وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرُس المكي.
والحديث أخرجه مسلم والنسائي، وقال النسائي: ورواه ابن جريج،
عن أبي الزبير، عن جابر، قوله: ولا نعلم أحدا رفعه غير عمرو - يعني: عمرو بن الحارث- وحديث ابن جريج أولى بالصواب، وإن كان عمرو أحفظ منه، وعمرو من الحفاظ، روى عنه مالك.
1717- ص- نا الهيثم بن خالد الجهني، وابن الأسود العجلي قال: قال وكيع: "البَعْلُ الكُبُوسُ الذي يَنْبُتُ من ماء السماء قال ابن الأسود: وقال يحيى- يعني: ابن آدم-: سألتُ أبا إياس اَلأسدي (2) فقال: الذي يُسقى بماء السماء" (3) (4) .
ش- ابن الأسود هو: حسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي، سكن بغداد. روى عن وكيع، ويحيى بن آدم، وعبد الله بن عمير وغيرهم روى عنه أبو داود، والترمذي، وأبو بكر بن أبي الدنيا وغيرهم. وقال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي وقال: صدوق. وقال أحمد بن حنبل: لا أعرفه. وقال ابن عدي: يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها. وأبو إياس....... (5) .
قوله: "البعل الكُبُوس " (6) .
__________
(1) مسلم: كتاب الزكاة، باب: ما فيه العشر أو نصف العشر (981) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: ما يوجب العشر (5/ 42) .
(2) في سنن أبي داود: "وسألت أبا إياس الأسدي عن البعل".
(3) في سنن أبي داود زيادة: " وقال النضر بن جميل: البعل: ماء المطر". (4) تفرد به أبو داود. (5) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.
(6) بياض في الأصل قدر ثلاثة أرباع سطر.

(6/299)


قوله: " سألت أبا إياس الأسدي" أي: عن البعل فقال: البعل الذي يُسقى بماء السماء، وكذا قال أبو عمر، والبعل والعَذْيُ واحد، وهو ما سقته السماء، وَقد مر تفسيره عن قريب.
1718- ص- نا الربيع بن سليمان، نا ابن وهب، عن سليمان- يعني ابن بلال- عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل، أن رسولَ الله- عليه السلام- بَعَثَهُ إلى اليمنِ فقال: " خُذ الحَب من الحَبِّ، والشّاةَ من الغًنَم، والبعيرَ من الإبلِ، والبقرة من البَقَرِ "
ش- عبد الله بن وهب الَمصري، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر المدني.
واستدل به الشافعي أن دفع القيم لا تجوز في الزكاة.
وقال الخطابي: فيه من الفقه أن الزكاة إنما تخرج من أعيان الأموال وأجناسها، ولا يجوز صرف الواجب منها إلى القيم.
قلنا: الواجب أخذ الصدقة من أموال الناس لقوله تعالى: {خُذْ منْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (2) فجعل محل الأخذ ما سمى مالاً فالتقييد بأنها شَاة ونحوها زيادة على كتاب الله تعالى، وأنه يجري مجرى النسخ، فلا يجوز ذلك بخبر الواحد، أو بالقياس على الهدايا والضحايا، وقوله - عليه السلام-: "خذ الحب من الحبِّ، والشاة من الغنم " فلبيان الواجب بما سمى، وتخصيص المسمى لبيان أنه أيسر على صاحب الحب، أو صاحب الماشية، وأما الهدايا والضحايا فإن المستحق فيها إراقة الدم، حتى لو هلكت بعد الذبح قبل التصدق لم يلزمه شيء، وإراقة الدم ليست متقومة، ولا معقول المعنى، فيقتصر على مورده.
وقال الخطابي: وفيه دليل على أن من وجب عليه شاة/ في خَمْس من الإبل فأعطاه بعيرا منها فإنه يقبلُ منه. وقال داود: لا يقبل منه ذلك ويكلفُ الشاة؛ لأنه خلاف المنصوص عليه. وحكي ذلك عن مالك- أيضاً
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: ما تجب فيه الزكاة من الأموال (1814) . (2) سورة التوبة: (103) .

(6/300)


قلتُ: لا دليل في ذلك على دعواه أصْلا؛ بَلْ مذهبُ إمامه يَقْتضي أن عيْن الشاة منصوص عليها فلا يجور أخذ غيره كما ذهبَ إليه داود.
ص- قال أبو داود: شبرْتُ قثاءةً بمصْرَ ثلاثة عشرَ شبراً ورأيتُ أترجةً على بعيرٍ بقطعتين قُطِعَتْ، وصيرَتْ على مِثْل عِدْلَيْن.
ش- إنما ذكر أبو داود هذا الكلام استعظاما لطُول القثاءة وكُبْر الأترجة، وفيه إشارة- أيضاً أنه دَخل الديار المصريّة، وهو أحَد الأئمة الرحالة الجوالين في الآفاق والأقاليم. والقثاءة- بكسْر القاف وتشديد الثاء المثلثة وبالمد- واحدة القِثاء، وقال الجَوهري: القِثاء: الخيارُ وذكره في مهموز اللام.
قلتُ: في اصطلاح أهل مصْر: القثاء هو الذي يُسمَّى فقوسا عندهم، وقال ابن الفارس في " المجمل ": القثاء معروف وقد يُضم قافُه، وقال في "دُستور اللغة ": القثاء: الخيار- مثل ما قال الجوهري-. والأترجة- بضم الهمزة، وسكون التاء، وضم الراء، وتشديد الجيم المفتوحة- واحدة الأترُج، ويُقال لها: تُرُج- أيضا- بدون الهمزة. وحكى أبو زيد: تُرُنْجة وتُرُنج- بالنون الساكنة بين الراء والجيم.
12- بَابُ: زَكاة العَسَلِ
أي: هذا باب في بيان زكاة العسَل.
1719- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني: نا موسى بن أعين، عن عمرو بن الحارث المصري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء هلال أحد بني متعانَ إلى رسول الله- عليه السلام- بعُشُورِ نَحْل له، وسأله (1) أن يَحْميَ (2) وادياً يُقَالَ له: سَلبَهُ، فحمَى له رسول اللهِ
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكان سأله ".
(2) في سنن أبي داود: " يحمي له واديا ".

(6/301)


عليه السلام- ذلك الوادي، فلما وَلِي عمرُ بنُ الخطاب رضي اللهُ عنه كَتَب سفيان بنُ وَهْب إلى عُمرَ بن الخطاب يَسألُه عن ذلك، فَكتب عمرُ: إِنْ أدى إليك ما كان يُؤَدي إلى رسولِ الله- عَليه السلام- من عُشورِ نَحْله فاحْمِي له سَلبَهَ وإلا فإنما هو ذبابُ غيْثٍ يكُلُه مَنْ شاء (1) .
ش- موسى بن أعين: أبو سعيد الحراني، سمع: أباه، وإسماعيل ابن أبي خالد، والثوري، والأوزاعي وغيرهم، روى عنه: ابنه محمد، والنفيلي، وأحمد بن أبي شعيب وغيرهم، قال أبو زرعة وأبو حاتم: هو ثقة. توفي سنة سبع وسبعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وهلال بن سَعْد، له صُحْبةْ.
قوله: "أحَدُ بني متعان "..... (3) .
قوله: "سَلبَه" بفتح السين المهملة وسكون اللام وبفتحها- أيضاً وفتح الباء الموحدة وفي آخرها هاء.
قوله: " فحَمى له " من قولهم: حَميتُه حمايةً إذا دفعتُ عنه ومنَعْتُ منه من يَقْرَبُه، وأحمَيْتُ المكان فهوَ محْمي إذا جعلته حِمًى، وهذا شيء حِمى أي: محظور لا يُقْربُ.
قوله: " فلما وَلِي عمر بن الخطاب "- بفتح الواو وكسر اللام المخففة- أي: لما ولي عمر الخلافة كتب سفيان بن وَهْب الخَولاني، وله صُحْبة. قوله: "وإلا" أي: وإن لم يؤد إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله
- عليه السلام- فإنما هو أي: النحلُ ذبابُ غيث مثله، أي: يأكل عسلَه، لأن عين النحل لا يؤكل " مَنْ شاء" من الناس؛ وإنما أطلق عليه
__________
(1) النسائي: كتاب الزكاة، باب: زكاة النحل (5/ 47) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6236) .
(3) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر.

(6/302)


الذباب لأنه يَرْعى ويتتبع الأزْهار والأنوار ويقع عليها، كما أن الذباب
شأنه يَتتبع المواضع التي فيها الدسومة أو الحلاوة فيقع عليها؛ وأنما أضافه
إلى الغيث الذي هو بمعنى المطر، لأنه يتتبع مواضع الأزهار والعُشْب التي
هي مواقع الغيث، ولما كان العشب والأنهار سببا لحياة النخل وتغسيله،
والغيثُ سببا لنبات العشب والإزهار كان سببا لحياة النحل؛ لأن الَسَبب
للشيء الذي هو سبب لذلك الشيء، سبب لذلك الشيء، فأضيف أيه
بهذا الاعتبار.
وقال الخطابي (1) : وفي هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في
العسل، وأن النبي- عليه السلام- إنما أخَذ العُشْر من هِلال المُتْعِي إذ
كان (2) قد جاءه بها متطوعاً وحمَى له الوادي إرفاقا ومعونة له بدل ما
أخذ منه، وعقَل عمر بن/ الخطاب المعنى في ذلك، فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشرَ وإلا فلا، ولو كان سبيله [سبيل] ، الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك. وممن لم يرَ
فيه الصدقةَ: مالك، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو ثور، وروي
ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وأوجبها مكحول، والزهري، والأوزاعي،
وأصحاب الرأي. وقال أحمد، وإسحاق: في العسل: العشر.
قلت: يجب العشر في العسل إذا أخذ من أرض العشر، ثم عند
أبي حنيفة: يجب العشرُ قل العسل أو كثر. وعن أبي يوسف أنه يعتبر
فيها القيمة، وعنه: أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عَشر قِرَب، وعنه: خمسة
أمناء، وعن محمد: خمسة أوراق، كل فرق ستة وثلًاثون رطلاً. أما
الدليًل على نفس الوجوب: فهذا الحديث، لأنه بالحماية اختاره الرجل
ومَلكه بسَبْق يده إليها، فإذا حمى له الوادي، ومنع الناس منه وجب عليه
بحق الحماية إخراج العُشر منه، لأنه مال مقصود، حتى إن العسل الذي
يوجد في الجبال أو البرية والموات إن لم يضخمها الإمام لا يجب فيه العشر،
__________
(1) معالم السنن (2/ 37) .
(2) في الأصل: "أن قد كان" وما أثبتناه من معالم السنن.

(6/303)


لأنه حينئذ كالصيْد، وإن كان يَحْميه ففيه العشر، لأنه يصيرُ مالا مقصودا، وكذلك الفاكهةُ بخلاف المن الذي يَسقط على العَوْسج في أرض الإنسان، لأنه اتفاقي فلا يعذ له الأرضُ، وقيل: يجب فيه العشر، وليْس بصحيح. وبهذا التقرير اندفع ما قاله الخطابي. ومما يدل على ما قلنا: ما رواه ابن ماجه: نا محمد بن يحيى، عن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عَمرو أن النبي- عليه السلام- أخذَ من العَسلِ العشرَ. وروى عبد الرزاق: أخبرنا عبد الله بن محرر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشور. وبهذا اللفظ: رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق. والحديث معلول بعبد الله بن محرر؛ قال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": كان من خيار عباد الله؛ إلا أنه كان يكذبُ ولا يعلم، ويقلبُ الأخبار ولا يفهم.
وروى ابن أبي شيبة في "مُصنفه ": نا صفوان بن عيسى: نا الحارث ابن عبد الرحمن بن أبي ذباب الدوْسي، عن منير بن عبد الله، عن أبيه، عن سَعْد بن أبي ذباب الدولي قال: أتيتُ النبي- عليه السلام- فأسلمتُ وقلت: يا رسولَ الله! اجعل لقومي ما أسلموا عليه، ففعل واستَعْملني عليهم، واستعملني أبو بكر بعد النبي- عليه السلام-، واستعملني عُمر بعد أبي بكر، فلما قدِم على قومه قال: يا قوما أدوا زكاة العسل؛ فإنه لا خير في مال لا تؤدى زكاته، قالوا: كم ترَى؟ قلت: العشرُ، فأخذتُ منهم العُشرَ، فأتيتُ به عمر رضى الله عنه فباعَه وجَعله في صدقات المسلمين.
ومن طريق ابن أبي شيبة: رواه الطبراني فيه معجمه،. ورواه الشافعي: أخبرنا أنس بن عياش، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن أبيه، عن سعد بن أبي ذباب، فذكره. ومن طريق الشافعي: رواه البيهقي، قال: هكذا رواه الشافعي، وتابعه محمد بن

(6/304)


عباد، عن أنس بن عياش، به. ورواه الصلت بن محمد بن عباد، عن
أنس بن عياش فقال: عن الحارث بن أبي ذباب، عن منير بن عبد الله،
عن أبيه، عن سَعْد، وكذلك رواه صفوان بن عيسى، عن الحارث بن
عبد الرحمن، به. انتهى. وقال البخاري: وعبد الله والد منير، عن
سَعْد ين أبي ذباب لم يصح حديثه، وقال علي بن المديني: هذا لا نَعْرفه
إلا في هذا الحديث، وسئل أبو حاتم عن عبد الله والد منير، عن سَعْد
ابن أبي ذباب: يصح حديثه؟ قال: نعَم.
وأما الدليل لأبي حنيفة على إطلاقه: فلإطلاق الأحاديث المذكورة.
وأما الدليل لأبي يوسف: فما نَذكرُه الآن إن شعار الله تعالى. وحديث
عمرو بن شعيب: أخرجه النسائي- أيضاً سواء.
1720- ص- نا أحمد بن عبْدة الضبِّي: نا المغيرة نسبَه إلى عبد الرحمن
ابن الحارث المخزومي: حدثنيه أبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده أن سَيابة (1) - بطنٌ من فهْمٍ - فذكر نحوَه قال: " منْ كل عَشْرِ قِرَبٍ
قِرْبَةٌ " (2) .
ش- المغيرة: هو ابن عبد الرحمن/ بن الحارث بن عبد الله بن عياش (3) بن أبي ربيعة أبو هاشم القرشي المخزومي المدني، حيث عن:
أبيه، وهشام بن عروة، وابن عجلان، روى عنه: إبراهيم بن حمزة،
وأحمد بن عَبْدة، ومحمد بن سلمه المكي وغيرهم، قال يعقوب بن
شيبة (4) : هو أحد فقهاء المدينة، ومن كان يُفتي فيهم، وهو ثقة. توفي
سنة ثمان وسبعين ومائة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " شبابة"، وقال الدارقطني في "المؤتلف والمختلف "،
باب: شبابة وسيابة: "صوابه بني شبابة: بالغين المعجمة، بعدها باء
موحدة، ثم ألف، ثم باء أخرى، وهم بطن من فهم " اهـ بواسطة نصب
الراية (2/ 392) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: "الحارث بن عبد الله بن الحارث بن عياش".
(4) في الأصل: "شبه " خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6135) .
20. شرح سنن أبي داوود 6

(6/305)


وأبوه: عبد الرحمن، قد ذكرناه.
قوله: "إنّ سيابَة"- بفتح السين المهملة والياء آخر الحروف المخففة والباء الموحدة- وهو في الأصل اسم البَلَحة وسُمّي به الرجلُ. وفي " المغرب": بنو سيابة قوم بالطائف من خثعم كانوا يتخذون النحل حتى نُسِب إليهم العَسلُ فقِيل: عسل سَيابي.
" وفي (1) رواية الطبراني: ابن بني سيارة بطن من فهم على ما رَوَى، فقال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصْري: أنا أحمد بن صالح: أنا ابن وهب: أخبرني أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن بني سيارة بطن من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله- عليه السلام- عن نَحْل كان لهم العُشْرَ، من كل عشر قرب قربة، وكان يَحْمي واديَيْن لهم، فلما كان عمر رضي الله عنه استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفي، فأبَوْا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا: إنما كنا نُؤديه إلى رسول الله- عليه السلام-، فكتب سفيان إلى عمر [فكتب إليه عمر:] (2) إنما النَّحْل ذُباب غيْثِ، يَسُوقه اللهُ رِزقا إلى مَنْ يشاء، فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله- عليه السلام- فاحْم لهم أوديتهم، وإلا فخل بينه وبن الناس، فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله، وحمى لهم أوديتهم.
وروى أبو عبيد القاسم بن سَلام في كتاب "الأموال": حدثنا أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن عُبيد الله بن أبي جعفر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله- عليه السلام- كان يؤخذ في زمانه من العسل من كل عشر قرب قربة من أوْسطها.
وأخرج الترمذي، عن صدقة بن عبد الله السمين، عن موسى بن يسار، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام- أنه قال:
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 392- 393) .
(2) ساقط من الأصل، وأثبتناه من نصب الراية.

(6/306)


"في العسل في كل عشرة أزُقِّ زوق " وقال: في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي- عليه السلام- في هذا الباب كبير شيء (1) . انتهى.
ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بصدقة هذا، وضعفه عن أحمد والنسائي وابن معين. ورواه البيهقي وقال: تفرد به: صدقة بن عبد الله السمين؛ وهو ضعيف؛ ضعفه أحمد، وابن معين وغيرهما.
ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء" وقال في صدقة: يروي الموضوعات عن الثقات.
ورواه الطبراني في " معجمه الوسط " ولفظه: قال: " في العسل العشرُ، في كل عشر قرب قربة، وليْس فيما دون ذلك شيء "، وقال الطبراني: لا يروى هذا عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد" (2) .
ص- وقال سفيان بن عبد الله الثقفي قال: وكان يحْمِي لهم وَادِيِين، زَادَ: فأدوا إليه ما كانوا يُؤدونَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحَمَى لهم وَادِييهِمْ.
ش- سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة بن الحارث الثقفي، وقيل: ابن عبد الله بن حطيط، له صحبة (3) وسماع من النبي- عليه السلام-، معدود في أهل الطائف، يكنى أبا عمرو، وقيل: أبو عمرة، وكان عاملان لعمر بن الخطاب عليها، روى عنه: عروة بن الزبير، وابنه: هشام. روى له: مسلم حديثا واحدا، وروى له: الترمذي، وابن ماجه، والنسائي (4) .
قوله: " وكان يحمي " أي: وكان عمر رضي الله عنه يحمي لهم إلى آخره.
__________
(1) الترمذي: كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة العسل (629) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) في الأصل: "صحابة".
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (66/2) ، أسد الغابة (2/ 405) ، الإصابة (2/ 54) .

(6/307)


ص- نا الربيعُ بن سليمان المؤذن: نا ابن وَهْب: أخبرني أسامة،
عن عمرو بنِ شعيب، عن أبيه، عن جده أن بَطنا من فَهْمٍ - بمعنى المغيرة-
قال: " مِن عشْرِ قِرَبٍ قِرْبةٌ" وقال: " واديَيْنِ لهم" (1) .
ش- عبد الله بن وهب، وأسامة بن زيد الليثي.
قوله: " بمعنى المغيرة" أي: بمعنى حديث المغيرة بن عبد الرحمن بن
الحارث.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا عباد بن عوام، عن يحيى بن سعيد،
عن عمرو بن شعيب، أن أمير الطائف كتب إلى عمر بن الخطاب: إن
أهل العسل مَنَعُونا ما كان يُعْطُون مَنْ كان قبلنا، قال: فكتبَ إليه: إِنْ
أعطوك ما كانوا يُعْطون رسول الله- عليه السلام- فاحْم لهم، وإلا فلا
تحمها لهم. قال: وزعم عَمرو بن شعيب أنهم كانوا يُعطون من كل عشر
قرب قربةً.
13- بَاب: فِي الخَرْص (2)
أي: هذا باب في بيان الخرص؛ يقال: خرص النخلة والكرمةَ يَخْرِصها، من باب ضرب يضرب خَرْصا إذا حَجَر ما عليهما من الرّطب تمراً، ومن العنب زبيبة، وهو من الخرص: الظن. لأن الحَزْر إنما هو تقدير بظن؛ والاسم: الخِرْص- بالكسْر- يُقال: كم خِرْصُ أرضك؟ وفاعل ذلك: الخارِصُ.
1722- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن خُبَيْب بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن مسعود قال: لما (3) جاء سَهْلُ بنُ أبي حَثْمةَ إلى مَجلِسِنا
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: زكاة العسل (1824) .
(2) جاء هذا الباب في سنن أبي داود عقب الباب الآتي.
(3) في سنن أبي داود:"جاء سهل".

(6/308)


قال: أمرَنَا رسولُ الله- عليه السلام- قال: " إذا خرَصْتُم فجُدوا ودَعُوا الثلثَ، فإن لم تدعُوا أَو تجدوا الثلثَ فدَعُوا الربعَ" (1) (2) .
ش- خُبَيْب: بضم الخاء المعجمة. وعبد الرحمن بن مسعود بن نيار الأنصاري، روى عن: سهل بن أبي حثمة، روى عنه: خبيب بن عبد الرحمن. روى له: أبو داود، والنسائي.
قوله:" إذا خرصتم " أي: إذا حزَرْتم؛ وقد ذكرناه.
قوله: " فجُدوا" من جد يجِدّ ويجُد- بضم العين في المستقبل وكسرها- بمعنى: اجْتهدُوا في الخَرْص، وفي رواية: " فخذُوا" من الأخذ، وكذا في رواية الترمذي.
قوله: "ودعوا الثلث" أي: اتركوا الثلث.
قوله:" فإن لم تدعوا أو تجدوا الثلث " وفي بعض النسخ: " فإن لم تدعوا الثلث فدَعُوا الربع " وكذا في رواية الترمذي.
وقال الخطابي (3) : وقد ذهب بعض العلماء في تأويل "دعوا الثلث أو الربع" إلى أنه يُتْرك لهم من عُرْض المال تَوْسعة عليهم، فلو أخذوا باستيفاء الحق كله لأضَرَّ ذلك بهم، وقد يكون منها السقاطة وينتابها الطيرُ، وتَخْترفها الناسُ للأكل، فترك لهم الربعَ توسعةً عليهم، وكان عمر بن الخطاب يأمر الخرّاص بذلك. وبقول عمر قال إسحاق، وأحمد. وذهب غير هؤلاء إلى أنه لا يترك لهم شيئا شائعا في جملة النخل ويُفردُ لهم نخلاتِ مَعْدودة قد علم مقدار ثمرها بالخَرْص.
وقال الترمذي: والعمل على حديث سهل بن أبي حثمة عند كثر أهل العلم في الخَرْص؛ والخرص: إذا أدرك الثمار من الرطب والعنب مما فيه
__________
(1) الترمذي: كتاب الزكاة، باب: في الخرص (643) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: كم يترك الخارج (5/ 43) .
(2) في سنن أبي داود بعد الحديث: قال أبو داود:"الخارج يقع الثلث للحرفة". (3) معالم السنن (2/ 38- 39) .

(6/309)


الزكاة، بعث السلطان خارصا فخرج عليهم، والخرص: أن يَنْظر من يُبْصِرُ ذلك فيقولُ: يخرج من هذا من الزبيب كذا وكذا، ومن التمر كذا وكذا فيُحْصي عليهم وينظر مبلغ العشر من ذلك، فيُثْبت عليهم ثم يخلي بينهم وبن الثمار فيَصْنعون ما أوتوا، فإذا أدرك الثمارَ أخذ منهم العشر، هكذا فسره بعض أهل العلم وبه يقول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
قلت: مذهب أبي حنيفة وأصحابه: أن الخرص كان قبل تحريمه الربا والقمار ثم نُسخ، فإن عمل ذلك تخوِيفا للأكرة لئلا يخونوا فلا بأسَ، وأما أن يلزم به حكم فلا. ورُوي عن الشعبي أنه قال: الخرص بدْعة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حفص، عن الشيباني، عن الشعبي أن النبي- عليه السلام- بَعث عبد الله بن رواحةَ إلى اليمن يَخْرص عليهم النخل، قال: فسئل الشعبي: أفعله؟ قال: لا. والحديث: أخرجه ألتر مذي، والنسائي.
14- باب: في خرْصِ العنب
أي: هذا باب في بيان خرص العنب.
1723- ص- نا عبد العزيز بن السرِي الناقط: نا بشر بن منصور، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عتّاب ابن أسيد قال: "أمرَ النبي- عليه السلام- أن يُخرَصَ العنبُ كما يُخرصُ لنخلُ، وتؤخذُ زكاتُه زَبِيبا كما تُؤخذُ صدقةُ (1) النخلِ تمرا " (2) .
ش- عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث القرشي المدني.
__________
(1) في حق أبي داود: " زكاة النخل ".
(2) الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في الخرص (644) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: شراء الصدقة
(5/109) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: خاص النخل والعنب (1819) .

(6/310)


وعَتاب بن أسيد- بفتح الألف وكسر السين- بن أبي العاص بن أميّة بن
عبد شمس، يَكنى أبا عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، أسلم يوم
الفتح واستعمله النبي- عليه السلام- على مكة حين انصرف عنها بعد
الفتح وسِنّه [....] (1) .
روى عنه: سعيد بن المسيّب، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن أبي
عقرب. مات بمكة سنة ثلاث عشرة، ويقال: مات يوم مات أبو بكر
الصديق رضي الله عنهما. روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه،
والنسائي (2) .
قوله: " زبيبة وتمرا" منصوبان على التمييز. وقال الخطابية (3) : إنما
يخرج من الثمر ما يحيط به البصَرُ بارزا، لا يحول دونه حائل، ولا
يخفى موضعُه في (4) / خلال ورق الشجر والعنب في هذا المعنى كثمر النخل، فأما سائر الثمار فإنه لا يجري فيها الخرص؛ لأن هذا المعنى فيها
معدوم، وقال: لم يختلف أحد من العلماء في وجوب الصدقة في التمر والزبيب، واختلفوا في وجوب الصدقة في الزيتون؛ فقال ابن أبي ليلى:
لا زكاة فيه، لأنه أدم غير مأكول بنفسه. وهو آخر قول الشافعي،
وأوجبها أصحاب الرأي، وهو قول مالك، والأوزاعي، والثوري؛ إلا
أنهم اختلفوا في كيفية ما يؤخذ من الواجب منه؛ فقال أصحاب الرأي:
يؤخذ من ثمرته العشرُ ونصف العشر، وقال الأوزاعي: يؤخذ العشر منه
بعد أن يعصر زيتا ويصير صافيا وأما أبوب: فقد اختلف العلماء فيها؛
فقال أصحاب الرأي: تجب الصدقة في الحبوب ما كان مُقْتاتا منها أو غير
مُقْتاتٍ، وقال الشافعي: كل ما جمع من الحبوب إن يزرعه الآدميون
__________
(1) بياض في الأصل قدر أربع كلمات، وفي تهذيب الكمال:"وسنه عشرون سنة " وفي غيره: "نيفا وعشرين سنة".
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (153/2) ، أسد الغابة (3/ 556) ، الإصابة (2/ 451) .
(3) معالم السنن (2/ 39- 40) .
(4) مكررة في الأصل.

(6/311)


ويُيَبّسُ ويدّخر ويُقتات ففيه الصدقة، وأما ما يُتفكهُ أو ما يؤتدمُ به، أو يتداوى فلا شيء فيه.
قلت: قال أبو حنيفة: يجب العشرُ في كل شيء أخرجته الأرض قليلا كان أو كثيراً، رطبا أو نابساً لقوله تعالى: {أنفقُوا من طيبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمما أخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرْضِ} (1) ولا عشر فيه الحطَب والقصَب والحشيشَ؛ لأن الأرض لا تستنمى بها عادةً حتى لو استنمى بقوائم الخلاف يجبُ فيها العشر. وعن محمد: أنه يجب العشر في البصل؛ لائق يبقى، ولا عشر في الرياحين كالآس والوَسْمَة والحناء. وعن أبي يوسف أنه أوجب العشر في الحناء؛ لأته يَبْقى، وَلا عشر في البزور التي لا تصلح إلا للزراعة كبزر البطيخ وغيره. وعن محمد أنه لا عشر في التين والإجاص والكمثرى والتفاح والمشمش والتوت والخوخ. وروي عنه: أنه أوْجب في التين والفستق؛ لأنه يبقى، ويجب في قصَب الذريرة؛ لأنه للنماء كقصب السُكر، وأما العصفر والكتان إذا بلغ القرطم والجب خمسة أوسق وجب العشر، وقصب السكر إذا بلغ ما يخرج منه خمسة أوسق ففيه العشر، ولا يجب العشر في الحُرْف والسَعْتر والشونيز وما أشبهها لأنها أدوية، وكذلك لا يجبُ في الكرَوياء والكمون والكُزبرة والخردل، وفي الانجدان والكزبرة روايتان، ولا يجب في السدْر والأشنان وما كان من الرمان يبس حبّه يُباع يابسا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، والإجاص والعنب يجب العشرُ في يابسهما إذا بلغ خمسة أوسق، ولا يجب في الهليلج والخرنوب والحلْبة؛ لأنها من جملة الأدوية. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وسألت محمدا- يعني: البخاريّ- عن هذا فقال: حديث ابن جريح غير محفوظ، وحديث سعيد بن المسيّب عن كتّاب بن
__________
(1) سورة البقرة: (267) .

(6/312)


أسيد أصح. هذا آخر كلامه، وذكر غيره أن هذا الحديث منقطع، وما ذكره ظاهر جدا؛فإن عتاب بن السيد توفي في اليوم الذي فيه توفي أبو بكر الصديق، ومولد سعيد بن المسيّب في خلافة عمر سنة خمس عشرة على المشهور، وقيل: كان مولده بعد ذلك، والله أعلم.
1724- ص- نا محمد بن إسحاق المُسَيّبي: نا عبد الله بن نافع، عن محمد بن صالح التمار، عن ابن شهاب بإسناده ومعناه (1) (2) .
ش- عبد الله بن نافع: الصائغ.
قوله: "بإسناده " أي: بإسناد الحديث المذكور أو بإسناد الزهري ومعنى الحديث.
/ وقال أبو داود: سَعيدٌ لم يَسْمع من عتابِ بن أسيدي / (3) .
15- بَابُ: مَتَى يُخرصُ التَّمرُ؟
أي: هذا باب في بيان وقت خرص التمر.
1725- ص- نا يحيى بن معين: نا حجاج، عن ابن جريج قال: أخْبِرْت عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت- وهي تذكرُ شأن خيبرَ-: كان النبي- عليه السلام- يَبْعثُ عبدَ اللهِ بنَ رَواحةَ إلى يَهودَ، فَيُخْرصُ النخل حين يَطيبُ قبل أن يُؤْكَلَ منه (4) .
ش- حجاج بن محمد الأعور.
__________
(1) انظر: الحديث السابق.
(2) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: وسعيد لم يسمع من عتاب شيئا".
(3) ما بين شرطتن مائلين ذكر في سنن أبي داود، وزاد في نهايته "شيئا" وقد ذكره المصنف ولم يضع قبله "ص" وترك بعده بياضا قدر كلمتين، ولم يعقب عليه.
(4) تفرد به أبو داود.

(6/313)


وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس
،/ الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري، يكنى أبا محمد، أحد النقباء ليلة العقبة وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها إلا الفتح وما بعده؛ لأنه قتل يوم مُؤتة، وهو أحد الأمراء فيها، وأحد الشعراء المحسنين الذين كانوا يَرُدون الأذى عن رسول الله- عليه السلام-، روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبو هريرة (1) .
والحديث في إسناده رجل مجهول. وقد أخرج أبو داود في كتاب "البيوع " من حديث أبي الزبير، عن جابر أنه قال: أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسولُ الله كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله ابن رواحة، فخرصَها عليهم (2) . ورجال إسناده ثقات.
1726- ص- (3) نا محمد بن يحيى بن فارس: نا سعيد بن سليمان:
نا عباد، عن سفيان بن حُسين، عن الزهري، عن أبي أسامة بن سَهْل، عن أبيه قال: نَهَى رسُول الله- عليه السلام- عن الجُعْرُورِ ولَونِ الحُبَيْقِ أن يُؤخذا في الصدقةِ. قال الزهري؟: لونَيْنِ من تمرِ المدينةِ (4) .
ش- سعيد بن سليمان: الواسطي، وعماد بن العوام الواسطي، وسفيان بن حسين الواسطي، وأبو أسامة بن سهل بن حنيف الأنصاري، واسم أبي أمامة أسْعد؛ وكلاهما صحابيان، وقد ذكرا مرةً.
قوله: "عن الجُعرور" الجُعرور- بضم الجيم وسكون العين المهملة، وبعدها راء مضمومة وواو ساكنة وراء- أيضاً- ضرب من الدَقَل وهو أرْدأ
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (293/2) ، أسد الغابة (3/ 234) ، الإصابة (2/ 6 0 3) .
(2) أبو داود (3414) .
(3) جاء هذا الحديث والذي بعده في سنن أبي داود تحت " باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة ".
(4) تفرد به أبو داود.

(6/314)


التمر، وقال الأصمعي: ضربٌ من العقل يحمل شيئا صغارا لا خير فيه؛ والدقل- بفتح الدال والقاف- أردأ التمر، قاله في "الصحاح ". قوله: "ولون الحُبَيق" الحُبيق- بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف- ولون الحُبَيْق منسوب إلى ابن حُبَيْق، وهو تمر أغبر صغير مع طول فيه.
قوله: " وقال الزهري: لونيْن " أي: إنه نهى عن لونَيْن من التمر: الجعرور ولون حُبَيْق.
ص- قال أبو داود: أسْنده (1) - أيضاً أبو الوليد، عن سليمانَ بنِ كثيرٍ، عن الزهري.
ش- أي: أسند الحديث المذكور- أيضا- أبو الوليد الطيالسي، عن سليمان بن كثير البَصْري، عن محمد بن مسلم الزهري.
1727- ص- نا نصر بن عاصم الأنطاكي: نا يحيى- يعني: القطان-، عن عبد الحَمِيد بن جعْفر: حدثني صالح بن أبي عَرِيب، عن كثير بن مرة، عن عوف بن مالك قال: دَخلَ علينا رسولُ الله- عليه السلام- المسجدَ وبيده عصا وقد عَلقَ رجل منا حَشفا (2) فطعَنَ باَلعَصا في ذلك القنو وقال: " لوَ شاء رب هذه الصدقة تصدقَ بأطيبَ منها " وقال: إن رَب هذه الصدقةِ يأكل الحشَفَ بومَ القيامةِ" (3) .
ش- صالح بن أبي عَرِيب- بفتح العين المهملة-، واسم أبي عريب: قُلَيب- بالقاف وآخره باء موحدة- ابن جرول (4) بن كليب الحضرمي الشامي، روى عن: كثير بن مرة الحضرمي وغيره، روى عنه: عبد الحميد
__________
(1) في سنن أبي داود: "ولمنعه".
(2) في سنن أبي داود "وقد علق رجل قنا حشفا" وذكر المصنف أن ذلك نسخة. (3) النسائي: كتاب الزكاة، باب: قوله عز وجل: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} (5/ 43) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله (1821) .
(4) كذا، وفي " تهذيب الكمال"، و "تهذيب التهذيب": "حرمل".

(6/315)


ابن جَعْفر، والليث بنَ سَعْد، وحيوة بن شريح، وابن لهيعة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: "حشفا" الحَشَفُ: اليابس الفاسدُ من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له كالشيص. وفي بعض النسخ: "وقد علّق قِنْوَ حشف" موضع " منّا حشفا"؛ والقنْوُ- بكسر القاف وسكون النون- العذْقَ بما فيه من الرطيب، وجمعه: أقناء.
قوله: " لو شاء ربّ هذه الصدقة" أي: صاحبُها. ويُستفادُ من الحديث: أن التمر الرديء لا يؤخذ في الصدقة، وأنه ينبغي للرجل أن يتصدق لله تعالى بأحسنِ شيء عنده حتى لا يدخل تحت قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لله مَا يَكْرَهُون} (2) وأن المتصدق يجازى يوم القيامة بنظير ما تصدق. والحَديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
16- بَابُ: زَكَاة الفطرِ
أي: هذا باب في بيان صدقة الفِطْر.
1728- ص- نا محمود بن خالد الدمشقي، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قالا: نا مروان- قال عبد الله: نا أبو يزيد الخولاني كان شيخ صدق وكان ابن وهب يروى عنه-: نا سيار بن عبد الرحمن- قال محمود: الصدفي-، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: فَرضَ/ رسولُ الله - عليه السلام-: " زَكَاةَ الفطرِ طُهرَةً للصِيام من اللغو والرفَثِ، وطُعْمَةً للمَسَاكينِ، مَنْ أداهَا قبلَ الصَلاةِ فهي زَكاة مقْبولة له، (3) ، ومن أداهَا بَعد الصلاة فهي صَدقة من الصدقاتِ" (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 0 283) .
(2) سورة النحل: (62) .
(3) زيادة لفظة "له" غير موجودة في سنن أبي داود.
(4) ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: صدقة الفطر (1827) .

(6/316)


ش- عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد، أبو محمد السمرقندي الدارمي التميمي، من بني دارم بن مالك بن حنظلة ابن زيد مناف بن تميم، روى عن: محمد بن يوسف الفريابي، وأبي الوليد الطيالسي، وعبد الرحمن- دُحَيْم-، والفضلَ بن دكين وغيرهم، روى عنه: أبو حاتم، وأبو زرعة، وأبو داود، والترمذي، والحسن بن الصباح وغيرهم، قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه. توفي سنة خمس وخمسين ومائتين (1) .
ومروان: ابن محمد الطاطري، وعبد الله: هو ابن عبد الرحمن
السمرقندي.
وأبو يزيد الخولاني: روى عن: سيار بن عبد الرحمن، روى عنه: عبد الله بن وهب. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وسيار بن عبد الرحمن: الصَدَفي المصري، روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وبكير بن عبد الله بن الأشج وغيرهم، روى عنه: أبو يزيد الخولاني، والليث بن سَعْد، ونافع بن يزيد وغيرهم، قال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ. روى له: أبو داود، وابن ماجه (3) .
ومحمود: هو ابن خالد الدمشقي.
قوله: " فرض رسولُ الله زكاة الفطر " أي: صدقة الفطر، تُطلقُ الزكاة على الصدقة كما تطلق الصدقةُ على الزكاة. وفيه؛ بيان أن صدقة الفطر واجبة، وبه استدل الجمهورُ على وجوب صدقة الفطر، وقد قال بعضهم: إن "فرض " بمعنى قدر، فلا يجبُ، وقيل: صدقة الفطر منسوخة بالزكاة ة وتعلقوا بخبر يروى عن قيس بن سَعْد أنه قال: أمرنا بها رسول الله- عمليه السلام- قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا بها ولم يَنهنا فنحن نَفْعلُه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 3384) .
(2) المصدر السابق (34/ 4 0 77) .
(3) المصدر السابق (12/2668) .

(6/317)


قال الخطابي (1) : وهذا لا يدل على زوال وجوبها؛ وذلك أن الزيادة في جنس العبادة لا تُوجب نسخ الأصل المزيد عليه، غير أن محل سائر الزكوات: الأموال، ومحل زكاة الفطر: الرقابُ، وقد عللت بأنها طهرة للصائم من الرفث واللغو، وكل من الصائمين يحتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب. انتهى.
قلتُ: غير أن الفقير يُسْتثنى منه لقوله- عليه السلام-: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى " رواه أحمد، وفي رواية مسلم: " وخير الصدقة عن ظهر غنى " وهو حجة على الشافعي في قوله: تجب على مَنْ يملك زيادةَ على قوت يومه لنفسه وعياله. وقال بعضهم في قوله: "زكاة الفطر " أي: صدقة النفوس، والفطرة: اتصل الخلقة، وقيل: هو اسمها على لسان صاحب الشرع أضافها للتعريف، وقيل: إلى سبب وجوبها، وقيل: إلى وقت وجوبها، ويقال فيها: زكاة رمضان، ويصح أن يقال: زكاة الصوم؛ فإنها شهرة له.
قوله: "طهرةً للصائم " انتصابها على التعليل أي: لأجل تطهير الصائم من اللغْو، وهو القول الباطل أو الكلام المطرح. والرفث: الفحش من القول.
قوله: "وطعمةً" عطف على قوله "طُهرةَ". والطعْمةُ- بضم الطاء وسكون العين- المَأكُلَةُ.
قوله: "من أداها" أي: من أدى زكاة الفطر قبل الصلاة- أي: صلاة العيد. واختلف العلماء في وقت وجوبها ووقت إخراجها؛ فعند أبي حنيفة وأصحابه: يتعلق بطلوع الفجر يوم الفطر، وقال الشافعي: بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان حتى أن من أسلم أو ولد ليلة الفطر تجب فطرته عندنا، وعنده: لا تجب، وعلى عكسه: من مات فيها من مماليكه أو ولد له.
__________
(1) معالم السنن (2/ 40- 41) .

(6/318)


وأما وقت إخراجها: فالمستحب إخراجها قبل الخروج إلى المصلى؛
وهو قول عامة أهل العلم، وقد رخص ابن سيرين والنخعي في إخراجها
بعد يوم الفطر. وقال أحمد بن حنبل: أرجو أن لا يكون بذلك بأس.
وقال أصحابنا: فإن قدمها على يوم الفطر جاز، ولا تفضيل بين مدة
ومدة؛ وهو الصحيح. وعن خلف بن أيوب: يجوز تعجيلها بعد دخول
/ رمضان لا قبله. وقيل: يجور تعجيلها في النصف الأخير من رمضان. وقيل في العشر الأخير. وقال الحسن بن زياد: لا يجوز تعجيلها أصلا كالأضحية وتسقط بمضي يوم الفطر، والصحيح من المذهب: إنها لا
تسقط بالتأخير لأن وجه القربة فيها معقول فلا يتعذر وقت الأداء فيها بخلاف الأضحية.
قوله: "ومن أداهما بعد الصلاة" أي: بعد صلاة العيد. وليس فيها ما
يدل على أنه إذا أداها بعد الصلاة أنها لا تقبل؛ بل الذي يدل أن إخراجها
قبل الصلاة أفضل، لئلا يتشاغل الفقير بالمسألة عن الصلاة، والحديث:
أخرجه ابن ماجه. ورواه الدارقطني وقال: ليس في رواته مجروح.
ورواه الحاكم فيه المستدرك، (1) وقال: على شرط البخاري ولم يخرجاه. وقال الشيخ في "الإمام": لم يخرج الشيخان لأبي يزيد ولا لسيارٍ، والله أعلم.
17- بَابُ: مَتَى تُؤَدى؟
أي: هذا باب في بيان وقت أداء صدقة الفطرِ.
1729- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير: نا موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر قال: أمَرنا رسولُ اللهِ- عليه السلام- بزكاةِ الفطرِ أن
__________
(1) (1/ 409) .

(6/319)


تؤدى قبل خُرُوج الناس إلى الصلاةِ. قال: وكان (1) ابنُ عُمرَ يُؤَديها قبلَ ذلك باليوم واليومينِ (2) .
ش- زهير: ابن معاوية.
قوله: " أمرنا رسول الله- عليه السلام- " هذا الأمر للاستحباب لينتفع بها المسلمون، ويغنوا عن الطواف في ذلك اليوم- كما ذكرنا- فيجوز التقديم ولا تسقط بالتأخير. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وليس في حديثهم فعل ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه الدارقطني، وفيه: وإن عبد الله كان يخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" والدارقطني في "سننه " عن الحجاج بن أرطأة، عن عطاء، عن ابن عباس قال: من السنة أن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، ولا تخرج حتى يطعم.
18- بَاب: كَمْ يُؤدى في صَدقة الفطر؟
أي: هذا ثالث في بيان كمية صدقة الفطر.
1730- ص- نا عبد الله بن مسلمة: نا مالك، وقرأه مالك عليَّ- أيضاً- عن نافع، عن ابن عمر أن رسولَ الله- عليه السلام- فَرضَ زكَاةَ الفِطرِ - قال فيه فيما قَرَأه على مالك- زَكَاةَ اَلفطرِ من رَمضانَ صاعا (3) من تَمر، أو صاعا (3) من شَعِيرٍ على كل حُرٍ أو عبدٍ، ذكرٍ أم (4) أنثى من المُسلمين. (5)
__________
(1) في سنن أبي داود: " فكان ".
(2) البخاري؛ كتاب الزكاة، باب: الصدقة قبل العيد (1509) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: الأمر، إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة 23- (986) ، الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في تقديمها قبل الصلاة (677) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب الوقت الذي يستحب أن تؤدى صدقة الفطر فيه (5/ 41، 42) .
(3) في سنن أبي داود: " صاع "، وأشار المصنف إلى أنها نسخة.
(4) في سنن أبي داود: " أو ".
(5) البخاري: كتاب الزكاة، باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين (1504) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 12- (984) ، الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر (676) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب فرض زكاة رمضان على الصغير
(5/ 247) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر (1826) .

(6/320)


ش- انتصابُ " صاعا" على أنه بدل من قوله: "زكاة الفطر" المنصوب على المفعولية. وفي بعض النسخ: أن رسول الله- عليه السلام- فرض زكاة الفطر "قال فيه فيما قرأه على مالك زكاةُ الفطر من رمضانَ صاغ من تمرٍ أو صاع من شعيرٍ " إلى آخره بارتفاع صاع على أنه خبر لقوله: "زكاة الفطر" المرفوع بالابتداء. أما التمر والشعير فليس فيهما خلاف أنه يؤدي منهما صاعاً والخلاف في الحُرّ، والزبيب، فعند أبي حنيفة وصاحبَيه: يؤدى من البر نصف صاع. وهو قول جماعة من الصحابة. وعند الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق: لا يجزئه أقل من صاع. وأما الزبيبُ: فكذا نصف صاع عند أبي حنيفة في رواية، وعند أبي يوسف، ومحمد: الزبيب بمنزلة الشعير؛ وهو رواية عن أبي حنيفة، وسيأتي دلائل كل واحد منهم إن شاء الله تعالى.
قوله: " على كل حر أو عبد " ظاهرُه: إلزام العبد نفسَه؛ إلا أنه لا ملك له فيلزم سيده إخراجه عنه. وقال داود: هو لازم للعبد، وعلى سيده أن يمكنه من الكسب، فيكتسب فيؤدي من كسبه.
وقال الخطابي (1) : وفيه دليل على وجوبها على الصغير منهم والكبير، والحاضر والغائب، وكذلك السبق منهم والمرهون والمغْصوب، وفيه دليل على أنه يُزكي عن عبيده المسلمين كانوا للتجارة أو للخدمة، وعلى أنه لا يزيد عن عبيده الكفار لقوله: "من المسلمين" فَقيدَه بشرط الإسلام، فدلّ أن عبده الذمي لا يلزمه، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد. وروي ذلك عن الحسن البصري، وقال الثوري، وأصحاب الرأي: يؤدي عن العبد الذمي؛ وهو قول عطاء والنخعي.
قلت: قال أصحابنا: لا يجب عن عبده الآبِق؛ لأنه ليْس في محنته.
" (2) وقد روى الدارقطني (3) ثم البيهقي (4) من حديث القاسم بن
__________
(1) معالم السنن (2/ 41- 42) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 412- 413) .
(3) (2/ 141) .
(4) السنن الكبرى (4/ 161) .
21. سنن أبي داوود 6

(6/321)


عبد الله بن عامر بن زرارة: نا عمير بن عمار الهمداني:/ نا الأبيض ابن الأغر: حدثني للضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر قال: " أمر رسول الله- عليه السلام- بصدقة الفِطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد ممن يتمولون " قال الدارقطني: رفعه القاسم هذا؛ وهو ليس بالقوي؛ والصواب موقوف. وقال صاحب "التنقيح": القاسم وعمير لا يُعرفان بجرح ولا تعديل، وكلاهما من أولاد المحدثين؛ فإن والد القاسم مشهور بالحديث، وجد عمير هو أبو الغريف الهمداني الكوفي مشهور، والأبيض بن الأغر له مناكير (1) .
وقال أصحابنا: لا يزيد زكاة الفطر عن عبده للتجارة؛ لأنه يؤدي عنه الزكاة، فإذا أوجبنا عليه زكاة الفطر- أيضا- يُؤدي إلى الثني، ولا ثَني في الصدقة. وقال أصحابنا- أيضا-: يؤدي صدقة الفطر عن عَبْده الكافر؛ لما روى الدارقطني عن سلام الطَويل، عن زيد العمي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " أدوا صدقة الفطر عن كل صغير وكبير، ذكر أو أنثى، يهودي أو نصراني، حر أو مملوك، نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير"، وقال: لم يُسنده غير سلام الطويل؛ وهو متروك. ورواه ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: زيادة اليهودي والنصراني فيه مَوضوعة، انفرد بها: سلام الطويل وكأنه تعمّدها وأغْلظ فيه القولَ عن النسائي، وابن معين، وابن حبان. قلت: جازف ابن الجوزي في مقالته من غير دليل، فكان ينبغي أن يذكره مثل الدارقطني، وكيف وقد أخرج الطحاوي في " المشكل " ما يؤيده، عن ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: كان يُخرج زكاة الفطر عن كل إنسان
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(6/322)


يَعُول من صغيرٍ وكبير، حر أو عبد ولو كان نصرانيا مُدَيْن من قمح، أو صاعا من تمرٍ. وحديث ابن لهيعة يَصلح للمتابعة؛ سيما من رواية ابن المبارك عنه.
وأخرج عبد الرزاق في "مُصنفه "، عن ابن عباس قال: يخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مملوك له وإن كان يهوديا أو نصرانيا.
وأخرج الدارقطني، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد صغير وكبيرٍ، ذكر وأنثى، كافر ومسلم، حتى إن كان ليخرج عن مكاتبته من غلمانه. قال الدارقطني: وعثمان هذا هو الوقاصي؛ وهو متروك.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن إسماعيل بن عياش، عن عمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز قال: سمعته يقول: يؤدي الرجل المسلم عن مملوكه النصراني صدقة الفطر.
حدثنا عبد الله بن داود، عن الأوزاعي قال: بلغني عن ابن عمر أنه كان يُعطي عن مملوكه النصراني صدقة الفطر.
نا وكيع، عن ثور، عن سليمان بن موسى قال: كتب إلى عطاء يسأله عن عبيد يهود ونصارى أطعم عنهم زكاة الفطر؟ قال: نعم.
نا ابن عياش، عن عبيدة، عن إبراهيم قال مثل قول عمر (1) بن عبد العزيز.
نا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: قال عطاء: إذا كان لك عبيد نصارى لا يُدارُون- يعني: للتجارة- فَزَك عنهم يوم الفطر.
وحديث ابن عمر: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ".
"وقال (2) الشيخ في " الإمام": وقد اشتهرت هذه اللفظة- أعني
__________
(1) في الأصل: "ابن عمر " خطأ.
(2) انظر: نصب الراية (2/ 414- 416) .

(6/323)


قوله: " من المسلمين " من رواية مالك حتى قيل: إنه تفرد بها، قال أبو قلابة عبد الملك بن محمد: ليس أحد يقول فيه: " من المسلمين" غير مالك. وقال الترمذي بعد تخريجه له: زادَ فيه مالك: "من المسلمين" وقد رواه غير واحد عن نافع فلم يقولوا فيه: "من المسلمين". انتهى. قال: فمنهم الليث بن سعد؛ وحديثه عند مسلم، وعبيد الله (1) بن عمر؛ وحديثه- أيضا- عند مسلم، وأيوب السختياني وحديثه عند البخاري ومسلم- كلهم- رووه عن نافع، عن ابن عمر فلم يقولوا فيه: " من المسلمين" قال: وتبعهما على هذه المقالة جماعة، قال الشيخ: وليس بصحيح فقد تابع مالكا على هذه اللفظة من الثقات سبعة: وهم عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان، والمعلى بن إسماعيل، وعُبيد الله ابن عمر، وكثير بن فرقد، وعبد الله بن عمر العمري، ويونس بن يزيد. فحديث عمر بن نافع: رواه البخاري في "صحيحه " عنه، عن أبيه:
/ نافع، عن ابن عمر قال: فرض رسول الله- عليه السلام- زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعيرِ على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل الصلاة.
وحديث للضحاك بن عثمان: أخرجه مسلم، عنه، عن نافع، عن
ابن عمر قال: فرض رسول الله- عليه السلام- زكاة الفطر من رمضان على كل نفسِ من المسلمين: حر أو عبد، رجل أو امرأة، صغير أو كبير، صاعا من تمر، أو صاعا من شعيرِ (2) .
وحديث المعلى بن إسماعيل: أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والعشرين من القسم الأول، عنه، عن نافع، عن ابن عمر قال: أمر رسول الله زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، عن كل مسلم صغيرِ وكبير، حر أو عبدِ، قال ابن عمر: ثم إن الناس جعلوا عدل ذلك مدين من قمح.
__________
(1) في الأصل: "عبد الله " خطأ.
(2) مسلم (984/ 16) .

(6/324)


وحديث عبيد الله بن عمر: أخرجه الحاكم في "المستدرك " عنه، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله- عليه السلام- فرض زكاة الفطر صاعا من تمرِ، أو صاعا من بر، على كل حرِّ أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين، وصحّحه، ورواه الدارقطني في " سننه " والطحاوي في "مشكله" (1) .
وحديث كثير بن فرقد: أخرجه الحاكم في "المستدرك" عنه، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله- عليه السلام- فرض زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من بر على كل حرِّ أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين، وصحّحه، ورواه الدارقطني في "سننَه " والطحاوي في "مشكله " (2) .
وحديث عبد الله (3) بن عمر العمري: أخرجه الدارقطني، عنه، عن ابن عمر بنحوه سواء (4) .
وحديث يونس بن يزيد: أخرجه الطحاوي في " مشكله " عنه أن نافعا أخبره قال: قال عبد الله بن عمر: فرض رسول الله- عليه السلام- على الناس زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل إنسان: ذكر أو أنثى، حر أو عبدِ من المسلمين (5) .
قلت: التحقيق في هذا المقام: أن في صدقة الفطر نصان أحدهما: جعَل الرأس المطلق سببا وهو الرواية التي ليس فيها "من المسلمين "، والنص الآخر: جعَل رأس المسلم سبباً ولا تنافي في الأسباب إذ يجوز أن يكون لشيء واحد أسباب متعددة شرعا وحسا على سبيل البدل؛
__________
(1) المستدرك (1/ 410) وتصحف فيها عبيد اللهب إلى معبد اللهب، والدارقطني (2/ 139) وكذلك أحمد
(2/ 66، 137) .
(2) لم أجده في المطبوع من المستدرك، وأخرجه الدارقطني (2/ 140) وكذلك البيهقي (4/ 162) .
(3) في الأصل: "عبيد الله" خطأ.
(4) سنن الدارقطني (2/ 1410) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(6/325)


كالملك يثبت بالشراء والهبة والصدقة والوصية والإرث فإذا انتفت المزاحمة وجب الجمع لإجراء كل واحد من المطلق والمقيد على سننه من غير حمل أحدهما على الآخر، فيجب أداء صدقة الفطر عن العبد الكافر بالنص المطلق، وعن المسلم بالمقيّد.
فإن قيل: إذا لم يحمل المطلق على المقيّد أذى إلى إلغاء المقيّد ة فإن حكمه يفهم من المطلق فإن حكم العبد المسلم يُستفاد من إطلاق اسم العَبْد، فلم يبق لذكر المقيّد فائدة.
قلت: ليس كذلك؛ بل فيه فوائد، وهي أن يكون المقيد دليلاً على الاستحباب والفضل أو على أنه عزيمة والمطلق رخصة أو على أنه أهم وأشرف، حيث نص عليه بعد دخوله تحت الاسم المطلق كتخصيص الصلاة الوسطى، وجبريل وميكائيل بعد دخولها في مطلق الصلوات ودخولهما في مطلق اسم الملائكة، ومتى أمكن العمل بهما، واحتمال الفائدة قائم، لا يجوز إبطال صفة الإطلاق.
1731- ص- نا يحيى بن محمدين الَسكن: نا محمد بن جهضَم: نا إسماعيل بن جعفر، عن عُمر بن نافع، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال: فَرَضَ رسولُ الله زَكَاةَ الفِطر صَاعا. فذكر معنى مالك، زاد: والصغيرِ والكبيرِ، وَأمرَ بهَا أن تُؤَدى (اَ) قبلَ خُروج الناسِ إلى الصًلاةِ (2) .
ش- يحيى بن محمد بن السكن: ابن حبيب القرشي، أبو عبيد الله، ويُقال: أبو عُبَيد البصري البزار، سكن بغداد، روى عن: معاذ بن هشام، وروح بن عبادة، ومحمد بن جَهضم وغيرهم، روى عنه:
__________
(1) في الأصل: "تؤدوا".
(2) البخاري: كتاب الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين

(6/326)


البخاري، وأبو داود، والنسائي وجماعة آخرون، قال النسائي: ليس به بأس (1) .
وإسماعيل بن جعفر: ابن أبي كثير الأنصاري المدني.
وعمر بن نافع القرشي العدوي مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب،
أخو عبد الله وأبي بكر، روى عن: أبيه، والقاسم بن محمد، روى
عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري،/ وعبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم، قال أحمد: هو من أوثق وَلَد
نافع، وقال ابن معين وأبو حاتم: لا بأس به. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " فذكر معنى مالك " أي: معنى حديث مالك المذكور، وزاد في
روايته: "والصغير والكبيرَ" إلى آخره. وأخرجه البخاري، والنسائي
وقد ذكرناه الآن بلفظ البخاري.
ص- قال أبو داود: رَواه عبدُ الله العُمَري، عن نافعِ (3) قال: على كلِّ مُسلمِ. َ
ش- أي: روى الحديث المذكور عبد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم
ابن عمر بن الخطاب القرشي العُمري، عن نافع مولى ابن عُمر، عن
ابن عمر قال: على كل مسلم. ورواه الدارقطني (4) من طريقه؛ ولفظه:
" زكاة الفطر فرض على كل مسلم: حُر وعبدِ، ذكر وأنثى من المسلمين،
صاع من تمر، أو صاع من شعير".
ص- ورواهُ سعيد الجُمحي، عن عبيد الله، عن نافعِ قال فيه: من
المسلمين، والمشهورُ عن عبيدِ اللهِ ليس فيه "مَن المسلمين".
ش- أي: روى الحديث المذكور سَعيد بن الحكم بن محمد بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6911) .
(2) المصدر السابق (21/ 4311) .
(3) في سنن ق بي داود: "بإسناده".

(6/327)


أبي مريم الجُمحي أبو محمد المصرفي (1) ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص أخو عبد الله بن عمر بن حفص المذكور، عن نافع، عن ابن عمر أن رسولَ الله- عليه السلام- فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من بر على كل حر أو عبدٍ ذكر أو أنثى من المسلمين. ورواه الحاكم، والدارقطني، والطحاوي، وقد ذكرناه الآن.
قوله: " والمشهور عن عبيد الله" أي: الذي اشتهر من رواية عبيد الله المذكور أن رسول الله- عليه السلام- فرض زكاة الفطر، الحديث وليس فيه " من المسلمين " كما أشار إليه الترمذي، وقد ذكرناه.
1732- ص- نا مسلّم أن يحيى بن سَعيد، وبشر بن المفضل حدثتهم عن عُبيد الله ح أنا مُوسى بن إسماعيل: نا أبان، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله، عن رسولِ الله- عليه السلام- أنه فَرضَ صَدقةَ الفطرِ صَاعا من شَعير، أو تَمرٍ على الصَغيرِ والكبيرِ، والحرّ والمملوكِ. زَادَ مُوَسى: والذكرِ والأنثًى (2) .
ش- أي: زاد موسى بن إسماعيل في روايته: والذكر والأنثى. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، ورواه أبو داود من طريقين، اْحدهما: من طريق مُسدد، عن يحيى بن سَعيد الأنصاري، والآخر: عن موسى بن إسماعيل، عن أبان بن يزيد العطار- كما ترى.
ص- قال أبو داودَ: قال فيه أيوبُ وعبدُ الله في حديثهم (3) : عن نافع: ذكرٍ أو أنثى- أيضاً.
__________
(1) كذا، والذي عند أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي "سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وهو المعروف بالرواية عن عبيد الله بن عمر العمري "، والله أعلم.
(2) البخاري: كتاب الزكاة، باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك (1511) ، باب: صدقة الفطر على الصغير والكبير (1512) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 14- (984) .
(3) في سنن أبي داود: " في حديثهما ".

(6/328)


ش- أي: قال في الحديث أيوب السختياني، وعبد الله بن عمر بن حفص العمري إلى آخره.
1733- ص- نا الهيثم بن خالد الجُهني: نا حُسَين بن علي الجعفي، عن زائدة: نا عَبْد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: كان الناسُ يُخْرِجُون صَدقةَ الفِطرِ على عهد رسول الله- عليه السلام- صاعا من شَعير أو تمر أو سلت أو زبيب. قال: قال عبَدُ اللهِ: فلما كانَ عُمرُ وكَثُرَت الحِنطة، جَعل عُمرُ نصْفَ صاع حِنطة مَكانَ صاع من تلك الأشْياء (1) .
ش- زائدة: ابن قدامه الكوفي.
قوله: " أو سلت "السلت- بضم السين المهملة، وسكون اللام، وبعدها تاء ثالث الحرَوف- ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنْطة، وقيل: هو نوع من الحنطة، والأول اْصح. والحديث: أخرجه النسائي - أيضا- وأعله ابن الجوزية بعبد العزيز، قال: قال ابن حبان: كان يُحدث على التوهم، فسقط الاحتجاج به. وقال زكي الدين في "مختصره": وفي إسناده: عبد العزيز وهو ضعيف. وقال صاحب "التنقيح": وعبد العزيز هذا وإن كان ابن حبان تكلم فيه فقد وثقه يحيى ابن سعيد القطان وابن معين وأبو حاتم الرازي وغيرهم، والمُوثقون له أعرف عن المُضعفين، وقد أخرج له البخاري استشهاده.
1734- ص- نا مسدد، وسليمان بن داود العتبي قالا: نا حماد، عن أيوب، عن نافع قال: قال عبد الله: فَعدلَ الناسُ بَعدُ نصْفَ صاع من بحر. قال: وكان عبدُ الله يُعْطي التمرَ فأعوزَ أهلُ المدينةِ التمرَ عاما فأعطى الشعِير (2) .
__________
(1) النسائي: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر (5/ 53) .
(2) البخاري: كتاب الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503) ، وباب: صدقة الفطر صاعا من تمر (1507) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 13- (984) ، الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في تقديمها قبل الصلاة (675) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: زكاة
فرض رمضان (5/ 46) ، وباب: فرض زكاة رمضان على المملوك (5/ 47) .

(6/329)


ش- حماد بن سلمة، وأيوب السختياني، وعبد الله (1) بن عمر.
قوله: " بعدُ" أي: بعد أن كانوا يخرجون صاعا من شعير أو تمرٍ أو زبيبٍ. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي/ والنسائي مختصرا ومُطولا.
1735- ص- نا عبد الله بن مسلمة: نا داود- يعني: ابن فيس-، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نُخرج إِذْ كان فينا رسولُ الله- عليه السلام- زَكاةَ الفطرِ عن كل صغيرٍ وكبيرٍ، حر أو مملوكٍ: صاعا منْ طعامٍ، صاعا من أقط (2) ، أو صاعا من شَعيرٍ، أو صاعًا من تمر، أو صاعا من زَبيب، فلم نَزَل نُخْرِجُه حتى قَدِمَ معاوية حاجا أو مُعتمرا، فكلَّمَ الناسَ على المنْبر، فكان فيما كَلَّمَ به الناسَ أن قال: إني أرى مُدَّيْنِ (3) من سَمْرَاء الشاب تعدلُ (4) صاعا من تمر، فأخذ بذلك الناسُ، فقال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزالُ أَخْرجُه أبدا ما عشْت (5) .
ش- داود بن قيس الفراء أبوه اليمن الدباغ المدني، وعياض بن عبد الله
ابن سَعد بن أبي سَرْح القرشي.
قوله: " إذ كان " أي: حين كان فينا رسول الله- عليه السلام-.
قوله: " صاعا من طعام" استدلت به الشافعية أن صدقة الفطر من الحنطة صاع، وقالوا: المراد من الطعام: البر في العُرف، ولا سيما وقع في رواية للحاكم: "صاعا من حنْطةٍ " أخرجها في "المستدرك " (6) من طريق
__________
(1) في الأصل: "عبيد الله " خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " أو صاعا من أقل ".
(3) في سنن أبي داود: " أن مدين" (4) في سنن أبي داود: " تعد ". البخاري: كتاب الزكاة، باب: صاع من شعير (1505) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 17- (985) ، الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر (673) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: التمر في زكاة الفطر (5/ 51) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة باب: صدقة الفطر (1829) .

(6/330)


أحمد بن حنبل، عن ابن علية، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام، عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكر عنده صدقة الفطر فقال: لا أخرج إلا ما كنتُ أخْرجُه في عهد رسول الله- عليه السلام- صاعا من تمرِ، أو صاعا من حنطة، أو صاعا من شعيرِ، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح، فَقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقْبلها ولا أعملُ بها. انتهى. وصححه، ورواه الدارقطني في "سننه" (1) من حديث يعقوب الدورقي، عن ابن علية، به سندا ومتنا. ومن الشافعيّة من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية جعل نصف صاع من الحنطة عدل صاع من التمر والزبيب. وقال الشيخ محيي الدين: هذا الحديث معتمد أبي حنيفة، ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي، وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي- عليه السلام-، وقد أخبر معاوية بأنه رأيي رآه لا قول سمِعَه من النبي- عليه السلام-.
قلنا: أما قولهم: إن الطعام في العُرْف: هو البر، فممنوع؛ بل الطعام يُطلقُ على كل مأكول، وهنا أريد به أشياء ليست الحنطة منها، والدليل على ذلك: أن قوله: "صاعا من أقط" بدل من قوله: "صاعا من طعام" أو بيان عنه وما بعده عطف عليه، ولو كان المراد من قوله: "صاعا" من طعامه هو البر لقالَ: "أو صاعا من أقطِ" بحَرف (أو) الفاصلة بين الشيئين.
فإن قيل: قد روى غير. أبي داود بحَرْف " أو" من أوله إلى آخره: "صاعا من طعام، أو صاعا من أقط" إلى آخره. قلت: كفى لنا حجة رواية أبي داود مع صحة الحديث بلا خلاف، ومما يؤيد ما ذكرنا: ما جاء فيه عند البخاري، عن أبي سعيد قال: كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام. قال أبو سعيد: وكان طعامنا: الشعير
__________
(1) (2 / 145- 146) .

(6/331)


والزبيب والأقط والتمرُ، وأما ما رواه الحاكم فيه: " أو صاعا من حنطةٍ " فقد أشار أبو داود إلى هذه الرواية على ما يجيء الآن، وقال: وليس بمحفوظ. وقال ابن خزيمة فيه: وذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ، ولا ادْري ممن الوهم؟، وقول الرجل له: "أو مدين من قمح " دالّ على أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ ووهم إذ لو كان صحيحا لم يكن لقوله: "أو مدين من قمح " معنى، وقد عرف تساهُل الحاكم في تصحيح الأحاديث المداولة.
وأما قول الشيخ محيي الدين: إنه فعل أصحابنا. قلنا: قد وافقه غيره من الصحابة الجمّ الغفيرة بدليل قوله في الحديث: "فأخذ الناس بذلك" ولفظة: " الناس " للعموم فكان إجماعاً وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر قال: " فرض رسول الله- عليه السلام- صدقة الفطر على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعا من تمر، أو صاعا من شعيرٍ، فعدل الناس به مدين من حنطة " (1) / ولا تضر مخالفة أبي سعيد لذلك بقوله: أما أنا فلا أزال أخرجه؛ لأنه لا يَقْدح في الإجماع سيما إذا كان فيه الخلفاء الأربعة، أو نقول: أفاد الزيادة على قدر الواجب تطوعاً
قوله: "من سَمْراء الشام " السمْراء- بفتح السين لمهملة، وسكون الميم، وبعدها راء مهملة ممدودة-: هو البر الشافي، ويَطلق على كل بر. والحديث: أخرجه الجماعة.
ص- قال أبو داود: رواه ابنُ عُلَيّةَ وعَبْدةُ وغيرُهما، عق ابن إسحاق، عق عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حِزَام، عن عياض، عن أبي سعيد الخدري بمعناه، وذكر رجل واحد فيه عق ابن عُفَيةَ: أو صاعٍ حنطةٍ (2) وليس بمحفوظ.
ش- أي: روى الحديث المذكور إسماعيل ابن علية، وعَبْدة السلْماني،
__________
(1) تقدم قريباً
(2) في سنن أبي داود: "أو صاعا من حنطة".

(6/332)


عن محمد بن إسحاق، عن عَبْد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ القرشي الأسدي، عن عياض بن عَبْد الله بن سَعْد، عن أبي سعيد الخدري بمعنى الحديث المذكور، ورواه الحاكم، والدارقطني- كما ذكرناه آنفا.
قوله: " وليس بمحفوظ" أي: ليس ذكر " أو صاع حنطة" في الحديث بمحفوظ، وأشار به إلى تضاعيف هذه الرواية وقد ذكرناه الآن.
1736- ص- نا مسدد: أنا إسماعيل ليس فيه ذكر الحنْطة (1) .
ش- أشار بهذه الرواية- أيضاً إلى تضعيف تلك الرواية التي فيها ذكر "أوْ صاع حنطة"، وذلك أن إسماعيل ابن عليّة أخبر مسدد بن مسرهد بهذا الحديث، وليس فيه ذكر الحِنطة.
ص- قال أبو داود: وقد ذكر معاوية بن هشام في هذا الحديث، عن الثوري، عن زيد بن أسلم، عن عياض، عن أبي سعيد الخدري: نصفَ صاعٍ من بُر؛ وهو وهام من معاوية بنِ هشامٍ أو ممن روى عنه (2) .
ش- أشار بهذا التعليق إلى أن الرواية التي فيها: " نصف صاع من بُرّ" وهم إما من معاوية بن هشام القصار الكوفي أو ممن روى عنه.
1737- ص- نا حامد بن يحيى: أنا سفيان ح، ونا مسددّ: نا يحرص، عن ابن عجلان سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: لا أخرجُ أبدا إلا صاعا؛ إنا كُنا نُخرجُ على عهْد النبيَّ- عليه السلام- صاعَ تمر أو شعيرٍ أو أقط أو زبيبٍ (3) .َ
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: وأو ممن رواه عنها.
(3) البخاري: كتاب الزكاة، باب: صاع من شعير (1505) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (985) ، الترمذي:
كتاب الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر (673) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: التمر في زكاة الفطر
(5/51) ، وباب: الزبيب (5/ 51) ، وباب: الدقيق (5/ 52) ، وباب: الشعير (5/ 53) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة،
باب: صدقة الفطر (1829) .

(6/333)


ش- سفيان: ابن عُيينة، ويحيى: القطان، ومحمد: ابن عجلان، وعياض: ابن عبد الله.
قوله: "أو أقل " الأقط- بفتح الهمزة وكسور القاف وفي آخره طاء مهملة-: وهو لبن مجفف يابسة مُستحجر يُطبخُ به. وقال الجوهري: الأقل معروف، وربما سكن في الشعر، وتنقل حركة القاف إلى قبلها، قال الشاعر:
رُويدَك حتى يَنْبُتُ البَقْلُ وَالغَضَا ... فيكْثُرُ أقْط عِنْدهم وحلِيبُ
وائتقطتُ: اتخذتُ الأقط، وهو افتعلتُ، وأقَطَ طعامَه يأقطُه أقْطا عملَه بالأقِطِ فهو مأقوط،َ وهو بالفارسية: مَاسْتينَه. وبه استدَل مالك على أنه يخرج من الأقل صاعاً وبما مضى من الرواية- أيضاً واعتبر أصحابنا فيه القيمة.
" (1) قال القاضي: واختلف في النوع المخرج فأجمعوا أنه يجوز البر والزبيب والتمر والشعير، إلا خلافا في البر لمن لا يعتد بخلافه، وخلافا في الزبيب لبعض المتأخرين، وكلاهما مسبوق بالإجماع مردود قوله به. وأما الأقِط: فأجازه مالك، والجمهور ومنعه الحسنُ، واختلف فيه قول الشافعي، وقال أشهب: لا يخرج إلا هذه الخمسة، وقاسَ مالك على هذه الخمسة كل ما هو عيش أهل بلد من القطاني وغيرها، وعن مالك قول آخرُ: أنه لا يجزئ غير المنصوص عليه في الحديث وما في معناه، ولم يجز عامة العلماء إخراج القيمة، وأجازه أبو حنيفة. وقال الشيخ محيي الدين: قال أصحابنا: جنْس الفطرة: كل حب يجبُ فيه العشر، ويجزئ الأقل على المذهب، والأصح أنه يتعين عليه غالب قوت. البلدة، الثاني: يتعلق قوت نفسه، والثالث: يتخير بينهما، فإن عدل عن الواجب إلى أعلى منه أجزأت، وأن عدل إلى دونه لم يُجزِئه،.
قلت: قال أصحابنا: دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها، سواء كان
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (7/ 60- 61) .

(6/334)


أيام الشدة أو لم يكن، ودقيق الحنطة وسويقها كالحنطة، ودقيق الشعير
وسويقه كالشعير، وإن أراد أن يعطي من الحبوب من جنس آخر يعطي
بالقيمة لأنه ليس بمنصوص عليه.
ص- هذا حديث يحيى. زاد سفيان فيه/: أو صاع من دقيق. قال حامد فأنكروا عليه فتركه سفيان. قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة. "
ش- أي: المذكور حديث يحيى بن سعيد القطان.
قوله: " زاد سفيان فيه" أي: زاد سفيان بن عيينة في الحديث: " أو صاع من دقيق ".
قوله: "قال حامد" يعني: حامد بن يحيى أحد شيوخ أبي داود.
قوله: " فهذه الزيادة" أعني: قوله: "أو صاع من دقيق" وهم من
سفيان بن عيينة. وقال البيهقي: رواه جماعة، عن ابن عجلان منهم:
حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك الوجه: أخرجه مسلم في "الصحيح "
ويحيى القطان وأبو خالد الأحمر وحماد بن مسعدة، وغيرهم ة فلم ينكر
أحد منهم الدقيق غير سفيان، وقد أنكروا عليه فتركه، وروي عن ابن
سيرين، عن ابن عباس مُرْسلاً موقوفا على طريق التوهم وليس بثابتٍ،
ورُوي من أوجه ضعيفة لا يُسْوى ذكرها.
قلت: ولذلك قال أصحابنا: الأولى أن يُراعَى في الدقيق القدر والقيمة
وكذا في السويق احتياطا.
19- بَابُ: مَنْ رَوَى نِصْفَ صَاعٍ مِن قَمْحٍ
أي: هذا باب في بيان روايات من روى نصف صاع من قمح في صدقة الفطر وفي بعض النسخ: "باب من رأى نصف صاع " من الرؤية. 1738- ص- نا مسدد، وسليمان بن داود العتكي قالا: نا حداد بن

(6/335)


زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري. قال مُسدد: عن ثعلبة بن أبي صغَيْر، عن أبيه قال (1) : قال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: " صَاع من بر أو قَمح على كل اثنَيْنِ صغيرٍ أو كبيرٍ، حُر أو عبد، ذَكَر أو أنثى، أما غنِيكُم فيُزكيهِ اللهُ، وأما فَقِيرُكُم فيردُ اللهُ عليه أكثرَ مما أعطاهُ " (2) .
ش- النعمان بن راشد: الجزري الرَّقي. روى عن: الزهري، وميمون بن مهران، وزيد بن أبي أنيسة. روى عنه: جرير بن حازم، وحماد بن زيد، وابن جريج، ووهيب بن خالد، وضعفه يحيى بن سعيد جدا. وقال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث، روى أحاديث مناظير. وقال ابن مَعين: ضعيف. قال البخاري: وهِم في حديثه كثيراً وهو في الأصل صدوق. أخرج له الجماعة (3) .
وثعلبة بن أبي صُعَيْر: ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صعير العذري، حليف بني زهرة. وقال ابن معين: ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير، وثعلبة بن أبي مالك جميعا قد رأيا النبي- عليه السلام-. وقال في "الكمال ": روى عن: النبي- عليه السلام- في زكاة الفطر. روى عنه: ابنه: عبد الله، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك. روى له: أبو داود (4) .
وذكر ترجمة ابنه: عبد الله فقال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير، ويقال: ابن أبي صعير بن عمرو بن زيد بن سنان بن المهتجر بن سلامان بن عَدي بن صُعَيْر بن حران بن كاهل بن عدي الشاعر العُذري حليف بني زهرة، وعُذرة هو ابن سَعْد بن زيد بن ليث بن سُود بن أسلم بن إلحاف ابن قضاعة، يكنى: أبا محمد، مسَح رسول الله رأسه زمن الفتح ودعى
__________
(1) في سنن أبي داود: "وقال سليمان بن داود عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صفير، عن أبيه".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6440) . (4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 202) ، وأسد الغابة (1/ 202) ، والإصابة (1/ 200) .

(6/336)


له، وحفظ عنه. روى له البخاري حديثاً وروى عن: أبيه، وعمر بن الخطاب، وشهد خطبته بالرابية. وروى عن: جابر بن عبد الله، وعن سعد بن أبي وقاص أنه شهد بدراً، وأنه كان يوتر بواحدة، ولم يُرو له عن النبي- عليه السلام-. روي عنه: سعد بن إبراهيم، والزهري، وعبد الله بن مسلم أخو الزهري، وغيرهم. وقيل: إنه ولد قبل الهجرة بأربع سنين، وتوفي سنة سبع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين، وقيل: إنه توفي وهو ابن ثلاث وثمانين، وقيل: إنه ولد بعد الهجرة، وأن رسول الله توفي وهو ابن أربع سنين. وروى له: أبو داود، والنسائي. وقال المزني: عبد الله بن ثعلبة بن صعير، ويقال: ابن أبي صعير العذْري، أبو محمد المدني الشاعر، ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صعير، وأمه من بني زهرة، مسح رسولُ الله وجهه ورأسه زمن الفتح ودعي له. روى عن النبي- عليه السلام-، وعن أبيه: ثعلبة بن صعير، وجابر بن عبد الله، وسَعْد بن أبي وقاص، وعليه بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وأبي هريرة. روى عنه: سعد بن إبراهيم، وعبد الله بن مسلم أخو الزهري، وعبد الحميد بن جَعْفر- ولم يُدركه-، ومحمد بن مسلم الزهري. قال سَعْد بن إبراهيم: نا عبد الله بن ثعلبة بن الأصْغر ابن أخت لنا. انتهى (1) . وصُعَيْر- بضم الصاد وفتح العَيْن المهملتين، / وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء.
قوله: "صاع " مرفوع بالابتداء وتخضع بالصفة، وهي قولُه:"من بر" وخبره: قوله: "على كل اثنَيْن ".
قوله: "أما غنيكم فيزكيه الله " أي: يُطهره الله من وسخ الآثام، أو معناه: يَزيدُه الله تعالى بركةً في ماله لأن معنى الزكاة: النماء وهي الزيادة، يُقال: زكى الزرع إذا نمشى.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 271) ، وأسد الغابة (3/ 0 19) ، والإصابة (2/ 285) .
22. شرح سنن أبي داوود 6

(6/337)


قال الخطابي (1) : في هذا حجة لمنْ ذَهب إلى أن صدقة الفطر من البر نصْف صاع، وفيه دليل على أنها واجبة على الطفل كوجوبها على البالغ، وفيه بيان ابن الفقير تلزمه صدقة الفطر إذا وجد ما يؤديه، ألا تراهُ يقولُ: "وأما فقيركم فيردّ اللهُ عليه أكثر مما أعطاه"، فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيْره. وفي قوله: " ذكر أو أنثى" دليلٌ لمنْ أسقط صدقة الزوجة عن الزَّوْج لأنه في الظاهر: إيجاب على المرأة، فلا يزول الفرض عنها إلا بدليل، وهو مذهب أصحاب الراوي، والثوري. وقال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يُخرج عن زوجته لأنه يمونها.
قلت: قوله: " فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه " غير مُسلم. لأن اللفظ ليْس فيه ما يَدلُّ على أنها تجب على الفقير بل مَعْناه: أن الفقيرَ إذا تبرع بها ابتغاء لمرضاة الله تعالى، فالله تعالى يُجازِيه في الدنيا بأن يرد عليه كثر مما أعطاه، وفي الآخرة بالثواب الجزيل.
" (2) واعلم أن هذا الحديث الذي رواه الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة
له وجوه، اْحدها: رواية بكر بن وائل رواه أبو داود على ما نذكره عن قريب.
الثاني: رواية النعمان بن راشد، وهي التي ذكرناها الآن، وأخرجه الدارقطني (3) ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن حماد بن زيد، به مرفوعاً " أدوا صدقة الفطر صاعا من تمرٍ، أو صاعا من شعير، أو نصْف صاع من بُر" إلى آخره، ثم أخرجه عن يزيد بن هارون (3) ، عن حماد بن زيد، به قال: " أدوا عن كل إنسان صاعا من بر عن الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والغني والفقير" إلى آخره، ثم أخرجه (4) ، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به، عن ثعلبة بن أبي صغير به،
__________
(1) معالم السنن (2/ 45) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 406- 410) .
(3) سننه (2/ 147) .
(4) (2/ 148) .

(6/338)


عن أبيه بنحو رواية يزيد، ثم أخرجه (1) عن خالد بن خداش، عن حماد بن زيد، وقال: بهذا الإسناد نحوه.
الوجه الثالث: رواية ابن جرْجة عن الزهري أخرجها الدارقطني عن يحيى بن جرجة، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيْر أن رسول الله خطب فقال: " إن صدقة الفطر مدين من برّ عن كل إنسان، أو صاع مما سواه من الطعام" (2) ، ويحيى بن جرْجة: روى عنه: ابن جريج، وقزعة بن سويد. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: هو شيخ. وقال الدارقطني: ليس بقوي.
الوجه الرابع: رواية ابن جريج، عن الزهري؟ رواه عبد الرزاق في "مُصنفه ": أخبرنا ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة قال: خطب رسول الله- عليه السلام- الناسَ قبل الفطر بيوم الو يومين فقال: (أدّوا صاعا من بر أو قمح بين اثنَيْن أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر وعبد صغير وكبير". انتهى.
ومن طريق عبد الرزاق: رواه الدارقطني في "سننه " (3) ، والطبراني في "معجمه"، وهذا سند صحيح قوي.
الوجه الخامس: رواية بحر بن كنيز (4) السقا، عن الزهري أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب "اَلفضائل " (5) عن بحر بن كنيز (4) : نا الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- أنه فرض صدقة الفطر عن الصغير والكبير صاعا من تمر أو مدين من قمح. انتهى وسكت عنه ثم قال: وقد رواه أكثر أصحاب الزهري، عنه، عن عبد الله بن ثعلبة، عن النبي لم يذكروا أباه. انتهى.
وقال الدارقطني في " علله": هذا حديث اختلف في إسناده ومَتْنه
__________
(1) (148/2) .
(2) سنن الدارقطني (2/ 148، 149)
(3) (150/2) .
(4) في الأصل: "كثير" خطأ.
(5) (3/ 279) .

(6/339)


أما سندُه: فرواه الزهري، واختلف عليه فيه فرواه النعمان بن راشد، عنه، عن ثعلبة بن أبي صُعَير، وقيل: عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن أبي صعير، عن أبي هريرة، وقيل: عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وقيل: عن عقيل، ويونس، عن الزهري، عن سعيد مرسلاً، ورواه معمر، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وأما اختلاف متنه: ففي حديث سفيان بن حسين، عن الزهري: "صاع من قمح "، وكذلك في حديث النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صفير، عن أبيه: " صاع من/ قمح عن كل إنسان"، وفي حديث الباقين (1) : "نصف صاع من قمح" قال: وأصحها عن الزهري، عن سعيد بن المسبب مرسل. انتهى.
وقال الشيخ في " الإمام ": وحاصل ما تُعمل به هذا الحديث أمران، أحدهما: الاختلاف في اسم أبي صُعَيْر فقد تبلغ من جهة أبي داود، عن مسعد: ثعلبة بن أبي صُعَيْر، ومن جهته- أيضاً عن سليمان بن داود: عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير، وكذلك- أيضاً عند أبي داود في رواية بكْر بن وائل: ثعلبة بن عبد الله، أو قال: عبد الله بن ثعلبة- على الشك-، وعنده- أيضا- من رواية محمد بن يحيى وفيه الجزْم بعبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير، وكذلك رواية ابن جريج، وعند الدارقطني من رواية مسدد، عن ابن أبي صعير، عن أبيه لم يُسَمه، ثم أخرجه الدارقطني، عن همام، عن بكر أن الزهري حدّثه، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه قال: نحوه- يعني: "نحو حديث مسدّد " فإنه ذكره عقابه، وهذا يحتاج إلى نظر فإنه ذكره من رواية مسدّد، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ابن أبي صُعَيْر، عن أبيه مرفوعاً "صدقة الفطر صاع من
__________
(1) في الأصل: "الباقيين"، وما أثبتناه من نصب الراية.

(6/340)


بر أو قمح عن كل رأسِ " كذا في النسخة العتيقة الصحيحة. ورواية أبي داود، عن مسدد فيها: " أدوا صاعا من بر أو قمح عن كل اثنين "، وهذا مخالف للأول، والله العلم. وفي رواية سليمان بن حرب، عن حماد الجزمُ بثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه عند الدارقطني، والجزْمُ بعبْد الله بن ثعلبة في رواية بحر بن كنيز (1) - كما تقدم عند الحاكم- والشك في رواية يزيد بن هارون، عن حماد فيها عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير أو عن ثعلبة، عن أبيه عند الدارقطني- أيضاً-
العلة الثانية: الاختلاف في اللفظ ففي حديث سليمان بن حرْب عند الدارقطني، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه مرفوعاً "أدوا صاعا من قمح " الحديث، ثم أتبعه الدارقطني برواية خالد بن خدام، عن حماد بن زيد، وقال: بهذا الإسناد مثله. وقد تقدم من رواية أبي داود، عن مسدد: "صاع من بر أو قمح على كل اثنين ". وأخرجه الدارقطني، عن أحمد ابن داود المكي، عن مسدد: ثنا حماد بن زيد، به، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه مرفوعاً "أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو قمح عن كل رأس " الحديث. وفي رواية بكر بن وائل قيل: "عن كل رأس " وذكر البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أنه قال في كتاب "العلل": إنما هو عبد الله بن ثعلبة، وإنما هو "على كل رأس أو كل إنسان" هكذا رواية بكر بن وائل لم يقم الحديث غيره قد أصاب الإسناد والمتْنْ. قال الشيخ: ويمكن أن تحرف " رأس " إلى " اثنين"، ولكن يبعد هذا بعض الروايات، كالرواية التي فيها "صاع بر أو قمح بين كل اثنين" انتهى. وقال صاحب "تنقيح التحقيق " بعد ذكره هذا الاختلاف: وقد رُوي
على الشك في الاثنين. قال أحمد بن حنبل (2) : حدثنا عفان قال: سألت حماد بن زيد عن صدقة الفطر؟ فحدَثني عن نعمان بن راشد،
__________
(1) في الأصل: " كثير " خطأ.
(2) مسنده (5/ 432) .

(6/341)


عن الزهري، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه أن رسول الله- عليه
السلام- قال: "أدوا صاعا من قمح، أو صاعا من بر- وشك حداد-
عن كل اثنين صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، غني أو فقير،
أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيردّ عليه كثر مما يُعطي ". انتهى.
ثم قال: قال مهنأ: ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر: "نصف صاع من بُرّ "، فقال: ليس بصحيح إنما هو مُرْسل
يَرْويه معمر، وابن جريج، عن الزهري مرسلاً قلت: مِن قبَلِ مَنْ
هذا؟ قال: من قبَلِ النعمان بن راشد وليس بالقوي في الحدَيث،
وضعّف حديث ابنَ أبي صعير، وسألته عن ابن أبي صعير: أهو مَعْروف؟
فقال: ومن يَعْرف ابن أبي صعير؟ ليس هو بمعروف. وذكر أحمد،
وابن المديني: ابن أبي صعير فضَعَفاه جميعاً وقال ابن عبد البر: ليس
دون الزهري من تقوم به الحجة، والنعمان بن راشد: قال معاوية، عن
ابن معين: ضعيف. وقال عباس عنه: ليس بشيء. وقال عبد الله بن أحمد/ بن حنبل، عن أبيه: مضطرب الحديث. وقال البخاري: في حديثه وهم كثير، وهو في الأصل صدوق. انتهى.
قلت: قد مر ما ذكر عبد الغني في "الكمال "، وأبو الحجاج المزي
في "تهذيبه " في ترجمة عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير، وأما النعمان بن
راشد فإن البخاري قد أخرج له، وقال: صدوق. وقال ابن عدي:
النعمان بن راشد قد احتمله الناس، روى عنه الثقات، مثل: حماد بن
زيد، وجرير بن حازم، ووهيب بن خالد، وغيرهم من الثقات، وله
نسخة عن الزهري، لا بأس به، والله أعلم " (1) .
ص- زاد سليمان في حديثه:" غني، أو فقير ".
ش- أي: زاد سليمان بن داود العتبي- أحد شيوخ أبي داود في روايته
الحديث: يغني، أو فقيرة.
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(6/342)


1739- ص- نا علي بن الحسن الدَرَابجِرْدي، نا عبد الله بن يزيد، نا همام، نا بكر هو ابن وائل، عن الزهري، َ عن ثَعلبة بن عبد الله، أو قال: عبد الله بن ثعلبة، عن النبي- عليه السلام- (1) .
ش- هذا مرسل.
وعليّ بن الحسن بن موسى بن ميسرة الهلالي أبو الحسن بن أبي عيسى النيسابوري الدَرَابِجِرْدِي. سمع: أبا جابر (2) محمد بن عبد الملك، ومحمد بن جهضم، وأزهر بن القاسم المكي، وعبد الله بن يزيد، وجماعة آخرين. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وأبو داود، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وجماعة آخرون. قال أبو حامد الشرقي: هو ثقة مأمون. وقال مسلم بن الحجاج: ذلك الطيب ابن الطيب، والدرابجردي نسبة إلى دارا بجرد، بفتح الدال المهملة، وسكون الألفية بينهما راء، ثم باء موحدة، وجيم مكسورة، وراء ساكنة، وفي آخرها دال مهملة. قال ابن حوقل: معناه: عمل دارا، وهي مدينة لها سور وخندق تتولد المياه فيه، وفيه حشيش يلتف على السابح فيه حتى لا يكاد يسلم من الغرق، وفي وسط المدينة جبل حجارة كالقبة، وليس له اتصال بالجبال، وبناحية دارا بجرد جبال من الملح: الأبيض، والأسود، والأحمر، والأصفر، والأخضر، وينحت من هذا الملح موائد، ويحمل إلى البلاد، وقال في " المشترك ": وعَمَلُ دارا بجرد من أجَل كور فارس، وقال في "العزيزي ": وبأعمال دارابجرد معدن الموميا، وبها معدن زئبق. وقال صاحب " الكمال" في ترجمة علي بن الحسن هذا: ودارابجرد محلة متصلة بالصحراء في أعلى نيسابور وله بها مسجد مذكور، يتبرك بالصلاة فيه (3) .
قلت: وذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " حلى بر".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 43/2 0 4) .

(6/343)


"الأنساب ": الدرابجردي، والدرابجردي، الأول منسوب إلى دارابجرد فارس، وهو المشهور، الثاني منسوب إلى دارابجرد نيسابور، محلة من محالها بالصحراء من أعلى البلد، منها علي بن الحسن-ش موسى بن ميسرة الهلالي.
وعبد الله بن يزيد القرشي العدوي المقرئ، وهمام بن يحيى العوذي، وقد ذكرنا الاختلاف في ثعلبة بن عبد الله الآن.
1740- ص- نا ابن يحيى النيسابوري، نا موسى بن إسماعيل، نا همام، عن بكر الكوفي، قال ابن يحيى: هو بكر بن وائل بن داود، أن الزهري حدثهم، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه، قال: " قَامَ رَسُوِلُ اللهِ - عليه السلام- خَطيبا، فَأمَرَ بِصَدَقَة الفطر: صَاع بمر، أو صَاع شعير، على (1) كُل رَأس "، زاد عليه في حديَثه:" أَو صَاع بر، أو قَمح بين اثنَينً، ثم اتفقا عن الصغير، والكبيرِ، والحرّ، والعبدِ" (2) .
ش- محمد بن يحيى النيسابوري أحد شيوخ أبي داود.
قوله: " صاع تمر" بالجر على أنه بدل من قوله: " بصدقة الفطر"، ويجوز رفعه على تقدير: هو صاع تمر.
قوله: "زاد عليه" وهو عليه بن الحسن الدرابجردي المذكور آنفاً.
قوله: "ثم اتفقا " يعني: عليا، ومحمد بن يحيى.
والحديث أخرجه الدارقطني (3) : عن عمرو بن عاصم، عن همام،
عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه بلفظ: " إن رسول الله قام خطيباً فأمر بصدقة الفطر عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، عن كل واحد، أو صاع قمح ".
__________
(1) في سنن أبو داود: "عن".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) (2/ 148) .

(6/344)


1741- ص- نا أحمد بن صالح، نا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، قال، وقال ابن شهاب: قال عبد الله بن ثعلبة: قال ابن صالح: قال العَدَوي (1) - وإنما هو العُذري-: " خَطَبَ رسولُ اللهِ الناسَ قَبلَ الفِطرِ بيومين " (2) بمعنى حديثِ المقرئ.
ش- ابن صالح أحمد بن صالح، قال العدوي: بفتح العين والدال المهملين، وكسر الواو، نسبة إلى عدي، والعُذري بضم العين المهملة، وسكون/ الذال المعجمة، وكسر الراء نسبة إلى عذرة، وقد ذكرناه. قوله: " بمعنى [.......] (3) المقرئ المذكور آنفاً
1742- ص- نا محمد بن المثنى، نا سهل بن يوسف، قال حميد: أخبرنا عن الحسن، قال: "خَطَبَ ابنُ عَباسٍ في آخِرِ رَمضانَ على منبرِ البَصرةِ، فقالَ: أخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمكُم، فكأن الناسَ لم يَعْلَمُوا، قال: َ مَن هاهنا من آلِ المدينة؟ قُومُوا إلى إَخوانِكُم فعلمُوهُم، فإنهم لا يَعْلَمُون فَرَضَ رسولُ الله هذهِ الصدقةَ صاعا من تمر، أو شَعيرٍ، أو نصفَ صاعٍ قَمح (4) ، على كَل حُر، أو مَمْلُوك، ذَكَرٍ، أول أنثى، صغير، أو كَبير، فلما قَدمًَ عَلِي رَأى رُخْصَ السعْر، قالت: قَدْ أوْسَعَ اللهُ عليكما، فلو جًعَلتُمُوهُ صًاعا من كل شيء" قال حميد: وكانَ الحسنُ يرى صَدقةَ رمَضانَ على من صَامَ (5) .
ش- سهل بن يوسف أبو عبد الرحمن الأنماري، ويقال: أبو عبد الله البصري. روى عن: حميد الطويل، وعبد الله بن عون، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد
__________
(1) زاد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: قال أحمد بن صالح: وأنما ... ". (2) تفرد به أبو داود.
(3) طمس في الأصل قدر ثلث سطر، ولعل فيه: " بمعنى حديث المقرئ" أي: بمعنى حديث المقرئ المذكور آنفا،.
(4) في سنن أبي داود: "نصف صاع من قمح ".
(5) النسائي: كتاب الزكاة، باب: مكيلة زكاة الفطر (5/ 51) .

(6/345)


ابن المثنى، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة، قد سمعت منه. روى له الجماعة (1) .
والحسن البصري.
قوله: " فلما قدم علي" أي: عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-. قوله: " فلو جعلتموه" جواب " لو" محذوف، والتقدير: فلو جعلتم نصف صاع صاعا من كل شيء لكان خيراً أو لكان حسناً ونحو ذلك، " (2) والحديث أخرجه: النسائي، وقال: الحسن لم يسمع من ابن عباس. وقال زكي الدين عبد العظيم: وهذا الذي قاله النسائي هو الذي قاله الإمام أحمد، وعليّ بن المديني، وغيرهما من الأئمة. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: الحسن لم يسمع من ابن عباس، وقوله: " خطبنا ابن عباس" يعني: خطب أهل البصرة. وقال عليّ بن المديني في حديث الحسن: " خطبنا ابن عباس بالبصرة"، إنما هو كقول ثابت: "قدم علينا عمران بن حصين "، ومثل قول مجاهد: "خرج علينا علي "، وكقول الحسن بن سراقة بن مالك بن جعشم: حدثهم. وقال ابن المديني أيضاً الحسن لم يسمع من ابن عباس، وما رآه قط، كان بالمدينة أيام كان ابن عباس على البصرة. انتهى.
قلت: قال صاحب " تنقيح التحقيق ": الحديث رواته ثقات مشهورون لكنْ فيه إرسال، فإن الحسن لم يسمع من ابن عباس على ما قيل، وقد جاء في "مسند أبي يعلى الموصلي " في حديث عن الحسن، قال: أخبرني ابن عباس، وهذا إن ثبت دل على سماعه منه. انتهى.
وقال البزار في "مسنده " بعد أن رواه: لا نعلم روى الحسن عن ابن عباس غير هذا الحديث، ولم يسمع الحسن من ابن عباس، وقوله: "خطبنا" أي: خطب أهل البصرة، ولم يكن الحسن شاهد الخطبة، ولا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2623) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 19 4- 423) .

(6/346)


دخل البصرة بعد؛ لأن ابن عباس خطب يوم الجمل، والحسن دخل أيام صفين. انتهي.
طريق آخر أخرجه الحاكم في "المستدرك " (1) : عن يحيى بن عباد السعدي، أنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: " أن رسول الله - عليه السلام- بعث صارخا بمكة صَاحَ: إن صدقة الفطر حق واجب، مدين من قمح، أو صاع من شعير، أو تمر ". انتهى.
ورواه البزار بلفظ: " أو صاع مما سوى ذلك من الطعام"، وصححه الحاكم، ورواه البيهقي وقال: تفرد به يحيى بن عباد، عن ابن جريج. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وقد تكلم العقيلي في يحيى هذا، وضعفه، وكذلك ضعفه الدارقطني، وقال الأسدي: منكر الحديث جدا عن ابن جريج.
طريق آخر أخرجه الدارقطني (2) ، عن الواقدي: نا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس:" أن النبي- عليه السلام- أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، ابو مدين من قمح ". انتهى. وأعلّ بالواقدي.
طريق آخر أخرجه الدارقطني (3) : عن سلام الطويل، عن زيد العمي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله- عليه السلام "-: " صدقة الفطر عن كل صغير، وكبير، ذكر وأنثى، نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير". انتهى. وهو معلول بسلام الطويل/ وأخرج الترمذي (4) عن سالم بن نوح، (5) ، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: " أن النبي
__________
(1) (1/ 410) ، وليس فيه: "مدين من قمح"، وأخرجه البيهقي (4/ 172) ، وظاهر كلامه أنه سقط من الأصل.
(2) (2/ 43 1) 0 (3) (2/ 0 5 1) .
(4) كتاب الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر (674) .
(5) طمس في الأصل، وأثبتناه من نصب الراية.

(6/347)


- عليه السلام- بعث رجلاً ينادي في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم: ذكر، أو أنثى، حر، أو عبد، صغير، أو كبير، مدين من قمح، أو صاع مما سواه من الطعام "، وقال: حسن غريب، وأعلن ابن الجوزي في "التحقيق " بسالم بن نوح، قال: قال ابن معين: ليس بشيء، وتعقبه صاحب " التنقيح" فقال: هو صدوق. روى له مسلم في " صحيحه ". وقال أبو زرعة: صدوق دقة، ووثقه ابن حبان. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: فيه شيء. وقال ابن عدي: عنده غرائب وأفراد، وأحاديثه متقاربة محتملة.
طريق آخر أخرجه الدارقطني (1) ، عن علي بن صالح، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: " أن رسول الله - عليه السلام- أمر صائحا فصاح: إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم: مدين من قمح، أو صاع من شعير، أو تمر". قال ابن الجوزي: وعلي بن صالح ضعفوه. قال صاحب "التنقيح ": هذا خطأ منه، ولا نعلم أحدا ضعفه، لكنه غير مشهور الحال، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: مجهول، لا أعرفه، وذكر غير أبي حاتم أنه مكي معروف، وهو أحد العباد، وكنيته: أبو الحسن. وروى عن: عمرو بن دينار، وعبد الله بن عثمان بن خُثيم، ويحيى بن جُرجَة، والأوزاعي، وعبيد الله بن عمر، وجماعة. وروى عنه: سعيد بن سالم القداح، ومعتمر بن سليمان، وسفيان الثوري. وروى له: الترمذي في "جامعه"، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، وقال: يعرف، وتوفي سنة إحدى وخمسة ومائة، ورواه البيهقي (2) كذلك عن المعتمر بن سليمان، عن علي بن صالح به، قال: ورواه سالم بن نوح، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعاً ثم
__________
(1) (2/ 141- 142) .
(2) (4/ 173) .

(6/348)


قال: قال الترمذي (1) : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقال ة ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب. انتهى كلامه.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب: "أن النبي- عليه السلام- أمر صارخا يصرخ " الحديث، ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني في "سننه " (2) هكذا معضلا.
وأخرجه الدارقطني (3) أيضا عن عبد الوهاب- هو ابن عطاء-: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن شعيب: "بلغني أن النبي- عليه السلام- أمر صارخا يصرخ " الحديث.
حديث آخر رواه الإمام أحمد في "مسنده " (3) من طريق ابن المبارك: أخبرنا ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: وكنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله- عليه السلام- مدين من قمح بالمد الذي تقتاتون به "، وضعَّفه ابن الجوزي بابن لهيعة. قال صاحب "التنقيح ": وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة، سيما إذا كان من رواية إمام مثل ابن المبارك عنه. حديث آخر أخرجه الدارقطني (4) : عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي- عليه السلام- أنه قال في صدقة الفطر: "نصف صاع من بر، أو صاع من تمر". انتهى. والحارث معروف. وقال الدارقطني: والصحيح موقوف، ثم أخرجه: عن عتبة بن عبد الله بن مسعود، عن أبي إسحاق به موقوفا (4) .
حديث آخر أخرجه الدارقطني (5) أيضاً عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت، قال: "خطبنا رسول الله- عليه السلام- فقال: من كان عنده شيء فليتصدق بنصف
__________
(1) في الأصل: "النمري" خطأ.
(2) (141/2) .
(3) (346/6، 355) .
(4) (149/2) .

(6/349)


صاع من بر، أو صاع من شعير، أو صاع من تمر، أو صاع من دقيق، أو صاع من زبيب، أو صاع من سلت".قال الدارقطني: لم يرو بهذا الإسناد غير سليمان بن الرقم، وهو متروك الحديث.
حديث آخر رواه أبو داود في "مراسيله " (1) : حدَّثنا قتيبة، أنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال: "فرض رسول الله زكاة الفطر مدين من حنطة". قال ابن الجوزي: وهذا مع إرساله يحتمل أن يكون قوله: " مدين من حنطة" تفسيرا من سعيد. قال صاحب " التنقيح": قد جاء ما يرد هذا، فرواه سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم، عن عبد الخالق الشيباني قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: " كانت الصدقة تدفع على عهد النبي- عليه السلام- وأبي بكر نصف صاع [من] بر [ورواه الطحاوي، وأبو عبيد في كتاب "الأموال ": حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أنا عبد الخالق بن سلمه الشيباني به، قال: كانت، (2) صدقة الفطر على عهد رسول الله- عليه السلام - صاع تمر، أو نصف صاع حنطة [على كل رأس " انتهى] (2) .
[وقال هشيم: اْخبرني] (2) سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: "خطب رسول الله- عليه السلام-، ثم ذكر صدقة الفطر، فحض عليها وقال: نصف صاع من بر، أو صاع تمر، أو شعير، عن كل حر، وعبد، ذكر، وأنثى ".
وقال الطحاوي: حدثنا المدني، هنا الشافعي، عن يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسبب: " أن رسول الله- عليه السلام- فرض زكاة الفطر مدين من حنطة". انتهى.
قال في " التنقيح": وهذا المرسل إسناده صحيح كالشمس، وكونه مرسلاً لا يضر، فإنه مرسل سعيد، ومراسيل سعيد حجة" (3) .
__________
(1) (ص/ 16) .
(2) طمس في الأصل، وأثبتناه من نصب الراية.
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(6/350)


20- باب: في تعجيل الزكاة
أي: هذا باب في بيان حكم تعجيل الزكاة.
1743- ص- نا الحسن بن الصباحِ، نا شبابة، عن ورقاء، عن أبي الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: " بعَثَ رسولُ الله- عليه السلام- عمر ابن الخطاب على الصَدَقَة فمنعَ ابنُ جَميلٍ، وخالدُ بَني الوليد، والعباسُ، فقال رسولُ الله- عليه السَلام-: ما يَنقَمُ ابنُ جَميلٍ إلا أن كانَ فَقيراً فأغناهُ اللهُ! وأما خاَلدُ بنُ الوليد فإنكم تَظلَمُونَ خَالَداً، فقد احْتبَسً أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَه (1) في سَبيلِ الله، وَأما العباسُ (2) فهي عَلَيَّ، ومِثْلها، ثم قال: أَمَا شَعُرْتَ أن عَمَ الرجالِ صَنْوُ الأبِ، أو صِنْوُ أَبِيهِ؟ " (3) .
ش- شبابة بن سوار الفزاري المدائني أبو عمرو، وورقاء بن عمر اليشكري الكوفي، وأبو الزياد عبد الله بن ذكوان المدني، وعبد الرحمن الأعرج.
وابن جميل- بفتح الجيم، وكسر الميم، وسكون الياء آخر الحروف، ولام- روى عنه: أبو هريرة، لا يعرف اسمه.
وخالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مهزوم بن نبطة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي المخزومي، سيف الله، يكنى: أبا سليمان، وأمه: لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي- عليه السلام- أسلم قبل يوم الفتح بعد الحديبية، وشهد مؤتة [و] يومئذ سماه رسول الله سيف الله، وشهد خيبر،
__________
(1) في سنن أبي داود: "وأعتده ".
(2) في سنن أبي داود: " وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي ".
(3) البخاري: كتاب الزكاة، باب: قوله تعالى: "وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله" (1468) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: في تقديم الزكاة ومنعها
(983) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: إعطاء السيد المال بغير اختيار
المصدق (5/33) .

(6/351)


والفتح، وحنيناً روي له عن رسول الله- عليه السلام-: ثمانية عشر حديثاً اتفقا على حديث، وللبخاري حديث موقوف. روى عنه: قيس بن أبي حازم، وشقيق بن سلمة. مات بحمص، ودفن على ميل منها، وقيل بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله:" ما ينقم ابن جميل " يقال: نقم ينقم من باب علم يعلم، ونقم ينقم من باب ضرب يضرب، ويقال: نقم فيه الإحسان إذا جعل الإحسان مما يؤديه إلى كفر النعمة، أي: أداءه غناه إلى كفر نعمة الله تعالى، فما ينقم شيئا في منع الزكاة، أي: ما ينكر ويكره إلا أن يكمل النعمة.
قوله: "احتبس" بمعنى: حبس "أدراعه": الأدرع جمع درع، بكسر
الدال، وهي: الزردية.
قوله: "وأعتاده" المعتاد- بفتح الهمزة- جمع عَتاد- بفتح العين- ويجمع على أعتاد وأعتد، وهي: آلات الحرب من السلاح، والدواب، وغيرها، وفي رواية: "احتبس أدراعه وأعتده". وقال الشيخ زكي الدين: وأعتده- بالتاء ثالث الحروف- جمع "عتد"- بفتح العين، وفتح التاء- وهو: الفرس الصلب، وقيل: المعد للركوب، وقيل: السريع الوثب، وصحَّحه بعضهم ورجحه، وقال: يعني خيله، ويكون فيه دليل على جواز تحبيس الخيل، وقيل: العتاد: كل ما أعده الرجل من سلاح، وآلة، ومركوب للجهاد، ويكون فيه جواز تحبيس الدروع، والسيوف، والحجر، والخيل، والإبل، وقد جاء في بعض الروايات: "احتبس رقيقه ودوابه "، وروي: "وعتاده"، وأنكر بعضهم رواية: " أعتاده "، ولا يصح هذا الإنكار ة لأنه روي في " صحيح مسلم ":
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 405) ، وأسد الغابة (2/ 109) ، والإصابة (1/ 413) .

(6/352)


"واْعتاده "، يروي: "وأعبده " بالباء الموحدة جمع قلة للعبد، وروي: " وعقاره " بالقاف، والعقار: الأرض، والضياع، وا لنخل، ومتاع البيت. ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده / [وأخرج الترمذي (1) ، عن سالم بن نوح، (2) ] عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن النبي- عليه السلام- بعث مناديا ينادي في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر، أو أنثى، حر، أو عبد، صغير، أو كبير مدين من قمح أو صاع مما سواه من الطعام " [لأنه حبسها] (3) ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها، فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطاها، ولم يشح بها لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعاً فكيف يشح بواجب عليه، واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف، خلافا لداود، وفيه دليل على صحة الوقف، وصحة وقف المنقول، وبه قال جمهور العلماء، إلا رواية عن أبي حنيفة، وقال بعضهم: هذه الصدقة التي منعها ابن جميل، وخالد، والعباس، لم تكن زكاة إنما كانت صدقة، حكاه القاضي عياض، قال: ويؤيده أن عبد الرزاق روى هذا الحديث، وذكر في روايته: " أن النبي - عليه السلام- ندب الناس إلى الصدقة "، وذكر تمام الحديث. قال ابن القصار من المالكية: وهذا التأويل أليق، فلا يظن بالصحابة منع الواجب، وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله، فما بقي له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع، ويكون ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه، وقال في العباس: " هي عليه، ومثلها معها (4) " أي: إنه لا يمتنع إذا طلبت منه، هذا كلام ابن القصار. قال
__________
(1) كتاب الزكاة، باب: ما جاء في صدقة التطوع (674) .
(2) طمس في الأصل، وأثبتناه من نصب الراية (2/ 420) .
(3) طمس في الأصل، وأثبتناه من شرح صحيح مسلم (7/ 56- 57) .
(4) كذا، ولم ترد كلمة "معها" في نص الحديث.
23. شرح سنن أبي داوود 6

(6/353)


القاضي: لكن ظاهر الأحاديث في " الصحيحين" أنها في الزكاة، لقوله: " بعث رسول الله عمر على الصدقة"، وإنما كان يبعث في الفريضة. وقال الشيخ محيي الدين: الصحيح المشهور: أن هذا كان في الزكاة،
لا في صدقة التطوع، وعلى هذا قال أصحابنا وغيرهم " (1) .
قوله- عليه السلام-: "هي عليه، ومثلها معها (2) " معناه: أني تسلفت منه زكاة عامين، وقال الذين لا يجوزون تعجيل الزكاة: معناه: أنا أؤديها عنه. وقال أبو عبيد، وغيره: معناه: أن النبي- عليه السلام- أخّرها عن العباس إلى وقت يساره، من أجل حاجته إليها، والصواب: أن معناه تعجلها منه، وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم: " إنا تعجلنا منه صدقة عامين".
وقال الخطابي (3) : وقوله في صدقة العباس: "هي عليه، ومثلها" فإنه يتأول على وجهين أحدهما: أنه كان قد تسلف منه صدقة سنتين، فصار دينا عليه، وفي ذلك دليل على جواز تعجيل الصدقة قبل محلها، وقد اختلف العلماء في ذلك، فأجازه (4) كثير منهم تعجيلها قبل أوان محلها ذهب إليه: الزهري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، والشافعي، وكان مالك لا يرى تعجيلها عن وقتها، وروي عن الحسن البصري أنه قال: " للصلاة وقت، وللزكاة وقت، فمن صلى قبل الوقت أعاد، ومن زكى قبل الوقت أعاد" قال: قول الحسن ظاهر، والمعنى بخلافه لأن الأجل إذا دخل في الشيء رفقا بالإنسان فإن له أن يسوغ من حقه، ويترك الارتفاع به، كمن عجل حقا مسجلاً لأدمي، والوجه الأخر هو: أن يكون قبض منه- عليه السلام- صدقة ذلك العام التي شكاه فيها العامل، وتعجل صدقة عام ثان، فقال: " هي عليه، ومثلها" أي: الصدقة التي قد حلت، وأنت تطالبه بها مع مثلها من صدقة عام لم يحل، وذلك أن بعض من أجاز تعجيل الصدقة لم يجزها أكثر من صدقة عام واحد،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) كذا، ولم ترد كلمة "معها " في نص الحديث.
(3) معالم السنن (2/ 46- 47) .
(4) كذا، وفي المعالم: "فأجاز".

(6/354)


وقد يحتمل معنى الحديث أن يكون صلى الله عليه وسلم قد تحمل بالصدقة، وضمن أداءها عنه لسنتين، ولذلك قال:" إن عم الرجل صنو أبيه "، يريد: إن حقه في الوجوب كحق أبيه، إذ هما شقيقان خرجا من أصل واحد، فأنا أنزهه عن منع الصدقة، والمطل بها، وأؤديها عنه، والأول أصوب لأن الضمان فيما لا يجب على العباس ضمان مجهول، وضمان المجهول غير جائز، وقد روي: " أنه استأذن رسول الله- عليه السلام- أن يأذن له في تعجيل صدقته، فرخص له في ذلك"- لما يجيء الآن-.
قوله: "صنو أبيه " معناه: أن العم شقيق الأب، وأصل ذلك في النخلتين يخرجان من أصل واحد، يقال: صنو، وصنوان، وقنا، وقنوان، وقَل ما جاء من الجمع على هذا البناء، ويقال: أراد أن أصله، وأصل أبيه واحد، وقيل: الصنو: المثل، أراد أنه مثل أبيه، وفيه تعظيم له للعم.
وقال الجوهري: إذا خرج نخلتان/ [أو ثلاث من أصل واحد، فكل واحد منهن صُنو، والاثنتان صنوانِ، والجمع صنوانُ برفع النون" (1) .
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، ولفظ البخاري والنسائي:" فهي عليه صدقة، ومثلها معها"، قال البيهقي: يبعد أن يكون محفوظا لأن العباس كان من جملة بني هاشم، تحرم عليه الصدقة،
وقال غيره: إلا أن يقال: لعل ذلك قبل تحريم الصدقة على آل النبي
- عليه السلام- ورأى صلى الله عليه وسلم إسقاط الزكاة عنه عامين لوجه رآه، وحكى البخاري، عن أبي إسحاق:" هي عليه، ومثلها معها" قيل: يحتمل أن يكون- عليه السلام- أخرها عنه عامين لحاجة كانت بالعباس إليها، وللإمام تأخير ذلك إذا أداءه اجتهاده إليه، كما فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عام الزيادة (2) إلى أن جبى الناس من العام المقبل، فأخذ منهم زكاة عامين، ورواه موسى بن عقبة، فقال فيه: " فهي له، ومثلها
__________
(1) طمس في الأصل، وأثبتناه من "الصحاح " (6/ 2404) .
(2) كذا.

(6/355)


معها "، قيل: له بمعنى عليه، قال الله تعالى: {وَلَهُمُ اللعْنَةُ} (1) ، وقال تبارك وتعالى: {وَإِنْ أسَأتُمْ فَلَهَا} (2) ، وقال بعضهم: والأشبه عندي احتمال النبي- عليه السلام- لها، على ما تقدم، وإخراجها عنه برأيه، ويعضده رواية: "فهي له، وصدقة عليه " لا على أنه أحل له الصدقة، لكنه تركها له، وأخرج الصدقة عنه من مال نفسه، والله أعلم.
1744- ص- نا سعيد بن منصور، نا إسماعيل بن زكرياء، عن الحجاج ابن دينار، عن الحكم، عن حُجَيَّةَ، عن. عليّ: " أن العباسَ سألَ النبيَّ- عليه السلام- في تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قبلَ أن تَحِل، فَرَخَّصَ له في ذلك (3) " (4) . ش- الحجاج بن دينار الواسطي، مولى أشجع، وقيل: السلمي. روى عن: معاوية بن قرة، ومنصور بن المعتمر، وأبي غالب حزور، وغيرهم. روى عنه: شعبة، وإسماعيل بن زكرياء، ومحمد بن بشر العبدي. قال عبد الله بن المبارك: ثقة. وقال ابن معين: صدوق، ليس به بأس. وقال أبو زرعة: لا بأس به، مستقيم الحديث. وقال أبو حاتمي: يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) . والحكم بن عتيبة.
وحجية بضم الحاء المهملة، وفتح الجيم، وتشديد الياء آخر الحروف، وفتحها، وبعدها تاء تأنيث: ابن عدي الكندي الكوفي. روى عن: علي بن أبي طالب. روى عنه: الحكم بن عتيبة، مسلمة بن سهيل. وقال علي بن المديني: ولا أعلم أحدا روى عن حجية إلا سلمة
__________
(1) سورة الرعد: (25) .
(2) سورة الإسراء: (7) .
(3) زاد في سنن أبي داود: "قال مرة: فأذن له في ذلك".
(4) الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في تعجيل الزكاة (678) ، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: تعجيل الزكاة قبل محلها (1795) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1118/5) .

(6/356)


ابن سهيل، روى عنه أحاديث. وقال أبو حاتم الرازي: شيخ لا يحتج بحديثه، شبيه بالمجهول. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
ويستفاد من الحديث: جواز تعجيل الزكاة خلافا لمن منعه، وقد مر بيانه. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: هذا الحديثُ رواه (2) هُشيم، عن منصورِ بن زَاذانَ، عن الحَكَم، عن الحسنِ بنِ مسلم، عن النبي- عليه السلام- وحديث هُشيم أصح.
ش- هذا معضل، وأشار أبو داود أنه أصح من الطريق المسند المذكور، وذكر البيهقي أن هذا الحديث مختلف فيه، وأن المرسل فيه أصح. وهشيم: ابن بشير.
ومنصور بن زاذان أبو المغيرة الواسطي الثقفي، مولى عبد الله بن أبي عقيل. سمع: الحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، وعطاء. وروى عن: أنس بن مالك مرسلاً. روى عنه: شعبة، والضحاك بن حمزة، وهشيم، وأبو عوانة. قال أحمد: شيخ ثقة. وقال ابن معين، وأبو حاتم: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، ثبتاً مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وا لنسائي (3) .
والحكم بن عتيبة، والحسن بن مسلم بن عناق المكي.
__________
(1) المصدر السابق (5/ 1141) .
(2) في سنن أبي داود:" روى هذا الحديثة.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 2/ 6191) .

(6/357)


21- باب (1) : الزكاة تحمل من بلد إلى بلد
أي: هذا باب في بيان الزكاة ينقلها صاحبها من بلده إلى بلد آخر.
1745- ص- نا نصر بن علي، أخبرني أبي، أخبرنا إبراهيم بن عطاء، مولى عمران بن حصين، عن أبيه: "أن زيادا أو بعضَ الأمراء بَعَثَ عمرانَ ابنَ حُصين على الصدقَةِ، فلما رَجَعَ قال لَعمْرَانَ: أينَ المالُ؟ قَال: ولَلمال أرسلتَني؟ " أخذْنَاهَا من حيثُ كنا نأخذها على عهدِ رسول الله- عليها السلامَ- وَوَضَعْنَاهَا حيثُ كنا نَضَعُهَا على عهد رسولَ اللهَ- عليه السلام- " (2) .
ش- أبوه: علي بن نصر بن عليه الكوفي الكبير.
وإبراهيم بن عطاء/ [بن أبي ميمونة البصري، روى عن أبيه] (3) عطاء بن أبي ميمونة. روى عنه: أبو عتاب الدلال، ويزيد بن هارون، وغيرهم. قال ابن معين: هو صالح. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) ..
وعطاء بن أبي ميمونة البصري، مولى أنس بن مالك، ويقال: مولى عمران بن حصين، وقد ذكر مرة، وزياد هذا كان والي العراقين، ولاه معاوية بعد استلحاقه، وكان يقال له: زياد بن أبيه، وليست له صحبة، ولا رؤية، وقد ذكرناه مستوفى.
وبالحديث قال العلماء من أصحابنا، وغيرهم: إن نقل الزكاة من بلد إلى بلد مكروه، وإنما يفرق صدقة كل فريق فيهم، إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج من أهل بلده، لما فيه من الصلة، أو
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الزكاة.. ".
(2) ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في عمال الصدقة (1811) . (3) طمس في الأصل.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (213/2) .

(6/358)


زيادة دفع الحاجة، ولو نقل إلى غيرهم أجزأت وإن كان مكروها لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص، والحديث أخرجه: ابن ماجه.