شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

 [كِتَاب النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ] [بَاب مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ بَاب مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِهِ عَنْهَا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
22 - كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ
جَمْعٌ مَصْدَرُ " نَذَرَ " بِفَتْحِ الذَّالِ " يَنْذُرُ " بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةُ الْوَعْدِ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
وَفِي الشَّرْعِ: الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ لَازِمَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ.
وَحَدِيثُ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» " إِنَّمَا سَمَّاهُ نَذْرًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخَمْرِ وَبَائِعِهَا مَعَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» ".
وَالْأَيْمَانُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَهِيَ خِلَافُ الْيَسَارِ أُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ يَمِينَ صَاحِبِهِ، أَوْ لِحِفْظِهَا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَحِفْظِ الْيَمِينِ، وَسُمِّيَ أَلِيَّةً وَحَلِفًا، وَشَرْعًا: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، هَذَا إِنْ قُصِدَ بِهَا الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ وَإِلَّا زِيدَ، وَمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ لِيَدْخُلَ الْحَلِفُ بِنَحْوِ إِطْلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَابْتَدَأَهُ بِالْبَسْمَلَةِ تَبَرُّكًا فَقَالَ:
1 - بَابُ مَا يَجِبُ مِنَ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ
1025 - 1007 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَسَيِّدَ الْخَزْرَجِ وَأَحَدَ الْأَجْوَادِ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ فَنُهِشَ فَأَقَامَ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَبِعَهُ اللَّيْثُ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ وَغَيْرُهُمَا.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدٍ: أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ

(3/83)


وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ، فَتَرَجَّحَ رِوَايَةُ مَنْ زَادَ عَنْ سَعْدٍ وَيَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخَذَهُ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّ مَنْ قَالَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الرِّوَايَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ عَنْ قِصَّةِ سَعْدٍ فَتَتَّحِدُ الرِّوَايَتَانِ.
(اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي) عَمْرَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ وَقِيلَ: سَعْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةُ الْخَزْرَجِيَّةُ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ (مَاتَتْ) وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَائِبٌ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَكَانَ ابْنُهَا سَعْدٌ مَعَهُ، فَقِدَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا بَعْدَ دَفْنِهَا بِشَهْرٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ مَعَ أَبَوَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَنْ سَعْدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ (وَعَلَيْهَا نَذْرٌ) وَجَبَ كَانَتْ عَلَّقَتْهُ عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ (وَلَمْ تَقْضِهِ) لِتَعَذُّرِهِ بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا أَوْ أَخَّرَتْهُ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الْفَوَاتُ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ، لَمْ يَلْزَمْ قَضَاؤُهُ وَإِنِ فُعِلَ فَحَسَنٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي نَذَرْتُ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» " فَأَمَرَهُ بِوَفَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مَا نَذَرَهُ فِي كُفْرِهِ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ " عَلَى " إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَجِبُ، كَمَا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ نَذْرَهَا مُطْلَقٌ، إِذْ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا لَاسْتَفْسَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ كَانَ صِيَامًا نَذَرَتْهُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي تَضْعِيفِهِ، وَقِيلَ كَانَ عِتْقًا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: " «أَنَّ سَعْدًا قَالَ: إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ» " وَقِيلَ: كَانَ صَدَقَةً لِآثَارٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ نَذْرًا مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: " «أَفَيُجْزِي عَنْهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ قَالَ أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
قَالَ الْحَافِظُ: فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ النَّذْرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْعِتْقُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ نَذْرَهَا مُطْلَقٌ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالْعِتْقُ أَعْلَى كَفَّارَاتِ الْيَمِينِ فَلِذَا أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقْ عَنْهَا.
(فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْضِهِ عَنْهَا) اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ قَائِلِينَ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ بَدَنٍ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: " «أَنَّ سَعْدًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنْفَعُ أُمِّي أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا وَقَدْ مَاتَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: اسْقِ الْمَاءَ» " وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثُ الْبَابِ.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: " «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» " وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: " «أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:

(3/84)


فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا» " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَنْهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ الْعِتْقِ وَسَقْيِ الْمَاءِ وَالْحَائِطِ الْمُسَمَّى بِالْمِخْرَافِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الِاسْتِفْتَاءُ يَكُونُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ، وَأَمَّا الْعَالِمَانِ الْمُجْتَهِدَانِ فَسُؤَالُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ جَائِزٌ إِذَا الْتَزَمَا شُرُوطَ الْمُنَاظَرَةِ مِنَ الْإِنْصَافِ وَقَصْدِ إِظْهَارِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَأَمَّا سُؤَالُهُ مُسْتَفْتِيًا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ وَتَمَكُّنِ السَّائِلِ مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُغُوفٌ فِي الْعِلْمِ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ دُونَهُ تَقْلِيدُهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ النَّظَرِ؟ وَالِاسْتِدْلَالُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ خَافَ الْعَالِمُ فَوَاتَ حَادِثَةٍ فَذَهَبَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إِلَى جَوَازِ اسْتِفْتَاءِ غَيْرِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا وَقَالُوا يَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ.
وَأَمَّا مَا يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِمَّا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مُطَابَقَةُ التَّرْجَمَةِ لِلْحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ اخْتِلَافٌ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادٍ مِثْلِهِ انْتَهَى، وَرِوَايَةُ عَبْدَةَ فِي مُسْلِمٍ.

(3/85)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1025 - 1008 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمَّتِهِ) قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْمٍ عَمَّةُ جَدِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ لَهَا عَمَّتَهُ مَجَازًا وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ لِأَنَّ عَمْرَةَ صَحَابِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، رَوَى عَنْهَا جَابِرٌ الصَّحَابِيُّ، فَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَمَّتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ عَمْرٍو وَأُمُّ كُلْثُومٍ انْتَهَى.
وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى مُدَّعِي الْعَمَّةِ الْمَجَازِيَّةِ بَيَانُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا دَعْوَاهُ خُصُوصًا مَعَ مَا لَزِمَ عَلَيْهَا مِنِ انْقِطَاعِ السَّنَدِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنَّهَا تَمْشِي عَنْهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ

(3/85)


إِلَى قُبَاءٍ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَضَاءُ الْمَشْيِ عَنِ الْمَيِّتِ وَكَذَا غَيْرُهُ.
رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ: " إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ " وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ: " لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " لِأَنَّ النَّفْيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ وَالْإِثْبَاتَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِي الْمَشْيِ الْأَئِمَّةُ وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ الْأَحَادِيثَ فِي الْمَشْيِ إِلَى قُبَاءٍ وَلَمْ يَعْرِفِ الْمَشْيَ إِلَّا إِلَى مَكَّةَ خَاصَّةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَعْنِي لَا يَعْرِفُ إِيجَابَ الْمَشْيِ لِلْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ.
وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِيمَا مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا» وَأَنَّ إِتْيَانَهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ.

(3/86)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ قَالَ قُلْتُ لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ فَقَالَ لِي رَجُلٌ هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجِرْوَ لِجِرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1026 - 1009 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَهْدِيِّ، وَرَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَرَوَى عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هُوَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ اكْتُفِيَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُمْ.
(قَالَ قُلْتُ لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَقِهَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ (مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ قَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ الِالْتِزَامِ إِذَا عَرِيَ مِنْ لَفْظِ النَّذْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ (فَقَالَ لِي رَجُلٌ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجَرْوَ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (لِجَرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِيَدِهِ شُبِّهَتْ بِصِغَارِ أَوْلَادِ الْكِلَابِ لِلِينِهَا وَنُعُومَتِهَا كَذَا فِي الْبَارِعِ (وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ نَعَمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَا كَانَ يَنْبَغِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فَرُبَّمَا حَمَلَهُ اللَّجَاجُ عَلَى أَمْرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا حَضَّهُ عَلَى السُّؤَالِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْقَوْلُ تَرَكَ السُّؤَالَ وَإِنْ لَزِمَهُ دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ (فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ) صَغِيرٌ

(3/86)


لَمْ أَتَفَقَّهْ وَإِنْ كُنْتُ بَالِغًا (ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ) تَفَقَّهْتُ (فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ لَفْظِ نَذْرٍ وَعَدَمِهِ إِذِ الْمَدَارُ عَلَى الِالْتِزَامِ فَلَمْ يَرَ تَقْلِيدَ هَؤُلَاءِ (فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلَ وَقْتِهِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ (فَقَالَ: عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا كَانَ قُرْبَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ الْأَعْلَمِ، وَهَلْ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمَفْضُولِ إِذَا كَمُلَتْ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ؟ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَيٍّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْلَمُ، وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ فُقَهَائِهِمْ يُفْتِي وَيَنْتَهِي النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَأَظُنُّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِخْبَارًا بِبَاطِلٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ حَتَّى يَقُولَ: نَذَرْتُ الْمَشْيَ أَوْ عَلَيَّ نَذْرُ الْمَشْيِ أَوْ عَلَيَّ لِلَّهِ الْمَشْيُ نَذْرًا.
وَالنَّذْرُ شَرْعًا إِيجَابُ الْمَرْءِ فِعْلَ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خَالَفَ مَالِكًا فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ " نَذْرٌ " عَلَى مُخَاطَرَةٍ، وَالْعِبَادَاتُ إِنَّمَا تَصِحُّ بِالنِّيَّاتِ لَا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَهَذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ طَاعَةٌ؟ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إِلَى مَكَّةَ إِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَفِي قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ مَا هُنَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ مَا قَالَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ، مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَلَا يَضُرُّ مَالِكًا مُخَالَفَةُ الْأَكْثَرِ لَهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ بَلْ لَوِ انْفَرَدَ فَلَا ضَرَرَ

(3/87)


[بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَعَجَزَ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لْتَمْشِ مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ الْهَدْيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ.
1027 - 1010 - (مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لَقَبٌ وَاسْمُهُ يَحْيَى

(3/87)


بْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو (اللَّيْثِيُّ) مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ كَانَ شَاعِرًا غَزِلًا خَيِّرًا ثِقَةً، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ، وَلِجَدِّهِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: مَدَنِيُّ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ) عَنِ الْمَشْيِ (فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ) لِأَسْمَعَ الْجَوَابَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَا وَاسِطَةٍ (فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لِتَمْشِ) إِذَا قَدَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ (مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ) فَتَمْشِي مَا رَكِبَتْ (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَشْيُ مَا رَكِبَتْ (الْهَدْيَ) لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ اللَّازِمِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَجَعَلَ فِي سَفَرَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ.

(3/88)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1027 - 1011 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) يَمْشِي مِنْ حَيْثُ عَجَزَ.

(3/88)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا عَلَيْكَ هَدْيٌ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ عَجَزْتُ فَمَشَيْتُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَكِبَ ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيَرْكَبْ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا هِيَ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ إِنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ مَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا وَكَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ فَقَالَ مَالِكٌ مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1028 - 1012 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ لَزِمَهُ بِنَذْرٍ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِمِثْلِ هَذَا فَمَكْرُوهٌ (فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ) ؛ أَيْ: وَجَعُهَا (فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا: عَلَيْكَ هَدْيٌ) بِدُونِ إِعَادَةِ الْمَشْيِ (فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ

(3/88)


عَجَزْتُ) وَلَا هَدْيَ (فَمَشَيْتُ) أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ لِاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِ.
(قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ: عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَكِبَ) إِذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ) إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ بَعْدُ (فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ) جَمِيعَهُ (فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) وَلَوْ قَلَّ (ثُمَّ لِيَرْكَبْ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ) مِنَ الْإِبِلِ (أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ) تُجْزِئُهُ (إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا هِيَ) فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لَمْ تُجْزِهِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ: تُجْزِئُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا أَوْجَبَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ الْهَدْيَ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ بِمَكَّةَ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ إِحْسَانًا لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَالْمَوْسِمِ.
(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَكَّةَ (فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ وَلَا إِحْجَاجُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِحْجَاجَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَمْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُ هَذَا الْعَمُودَ وَشِبْهَهُ إِذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْحَجُّ مَاشِيًا كَمَا قَالَ.
(وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونُ كَلَامِهِ لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ ثِقَلًا إِنَّمَا يَحْمِلُهُ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ.
(وَلْيُهْدِ) يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ كَنَذْرِ الْحَفَاءِ انْتَهَى.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا) ؛ أَيْ: إِتْعَابَ نَفْسِهِ (فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَدِّلُ نِيَّتَهُ عَنِ الْقُرْبَةِ لَزِمَهُ الْحَجُّ رَاكِبًا (وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ مَعَهُ) لِأَنَّ لَفْظَهُ اقْتَضَى إِحْجَاجَهُ (وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِرَادَةِ الرَّجُلِ (فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) بِسَبَبِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ (وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: فَعَلَهُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: دَلَّتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْمَشَقَّةَ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: " نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِتَمْشِ يَعْنِي مَا قَدَرَتْ وَلْتَرْكَبْ وَلَا شَيْءَ

(3/89)


عَلَيْهَا " فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِهَدْيٍ وَلَمْ يُلْزِمْهَا مَا عَجَزَتْ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ نَذْرِهَا مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ» " وَفِي رِوَايَةٍ فِيهَا ضَعْفٌ وَلْتُهْدِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُقْبَةَ: " «نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» "؛ أَيْ: لِأَنَّهَا حَلَفَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا» " «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَتَهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ فَرَكِبَ» وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا وَلَا صَوْمًا.
(قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا) بِالنَّصْبِ حَالٌ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَفِي نُسْخَةٍ " مَشْيٍ " بِالْخَفْضِ بَدَلٌ مِنْ نُذُورٍ (إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا أَوْ كَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ) وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ (فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْخَيْرِ) الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

(3/90)


[بَاب الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ أَنَّهُ إِنْ مَشَى الْحَالِفُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
- (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفِي نُسْخَةٍ سَمِعْتُ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوِ الْمَرْأَةِ فَيَحْنَثُ) الرَّجُلُ (أَوْ تَحْنَثُ) الْمَرْأَةُ (أَنَّهُ إِنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ) فَتَبَرُّ يَمِينُهُ

(3/90)


(وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ) يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) لَا فِي غَيْرِهِمَا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْحَالِفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا رِوَايَةً رَوَاهَا الْعُدُولُ الثِّقَاتُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَفْتَى ابْنَهُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَكَانَ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ فَحَنَثَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَالَ لَهُ أَفْتَيْتُكَ بِقَوْلِ اللَّيْثِ فَإِنْ عُدْتَ لَمْ أُفْتِكَ إِلَّا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى أَنَّ الْحَالِفَ بِهِ أَوْ بِصِيَامٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَيْمَانِ إِلَّا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ إِنْ حَنَثَ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) فَعَلَى كُلِّ حَالِفٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِلَّا الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ خَصَّصَهُ وَلَمْ يُجْمِعُوا فِي الْعِتْقِ.

(3/91)


[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنْ الشَّمْسِ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
1029 - 1013 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمَكِّيِّ (وَثَوْرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُرْسَلًا قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَتَّصِلُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هُوَ هَذَا لِأَنَّ مُجَاهِدًا رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ صَاحِبُ مُجَاهِدٍ (وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ) فَجَمَعَ حَدِيثَهُمَا دُونَ بَيَانِ زِيَادَةٍ لِأَحَدٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ شَيْخُهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا) وَفِي الْبُخَارِيِّ: «بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ

(3/91)


أَبُو إِسْرَائِيلَ» وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرٍ «كَانَ أَبُو إِسْرَائِيلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ فَنَذَرَ لَيَقُومَنَّ فِي الشَّمْسِ حَتَّى يُصَلِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ وَلَيَصُومَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ» .
قَالَ الْحَافِظُ: قِيلَ: اسْمُهُ قُشَيْرٌ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ، وَقِيلَ: يَسِيرٌ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: قَيْصَرُ بِقَافٍ وَصَادٍ بِاسْمِ مَلِكِ الرُّومِ، وَقِيلَ: قَيْسَرُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الصَّادِ، وَقِيلَ: قَيْصٌ بِغَيْرِ رَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَفِي مُبْهَمَاتِ الْخَطِيبِ أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَا يُشَارِكُهُ فِي كُنْيَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟) مَا حَالُهُ ( «فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنَ الشَّمْسِ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ» ) لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِي عَدَمِ الثَّلَاثَةِ (وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ) فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( «وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً» ) وَهُوَ الصِّيَامُ (وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً) ؛ أَيْ: مَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَالْقِيَامُ وَعَدَمُ الْكَلَامِ وَالِاسْتِظْلَالُ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً لِذَاتِهَا إِذْ أَصْلُهَا مُبَاحٌ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَمَّاهُ مَعْصِيَةً وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا لِأَنَّهُ إِذَا نَذَرَ كَانَ مَعْصِيَةً، إِذْ لَا يَحِلُّ نَذْرُ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَإِنْ فَعَلَهُ بِالنَّذْرِ عَصَى وَبِغَيْرِ نَذْرٍ مُبَاحٌ، وَأَيْضًا لِأَنَّهُ إِذَا بَلَغَ بِهِ حَدَّ الضَّرَرِ وَالْعَنَتِ كَانَ مَعْصِيَةً فُعِلَ بِنَذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ نَفْسِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ.

(3/92)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَتْ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: 3] مِنْكُمْ {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1030 - 1014 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: يَحْيَى (سَمِعَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاسِمَ (يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ

(3/92)


ابْنِي، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ) بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَنْحَرُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ دِيَتَهُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا يَنْحَرُ كَبْشًا كَمَا فَدَى بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَتَلَا. {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 107) وَرُوِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» " وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ.
وَرُوِيَ الْأَخِيرَانِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَمَّاهُ يَمِينًا لِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَهُ وَلَعَلَّهُ مِنْهَا أَنَّهَا أَتَتْ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ (فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ؟) وَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 2) ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ مَا رَأَيْتَ) فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. . . إِلَخْ مَعَ أَنَّهُ قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 2) فَكَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَعْنَى لِلِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ بِنَذْرٍ، وَنَذْرُ الْمَعْصِيَةِ جَاءَ فِيهِ نَصُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا فِي الْحَدِيثِ اللَّاحِقِ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ» " وَفِعْلًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ يَعْنِي السَّابِقَ قَبْلَ أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

(3/93)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنِثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1031 - 1015 - (مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ حُجَّةٌ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ» ) عَزَّ وَجَلَّ كَأَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْ يَصُومُ نَفْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (فَلْيُطِعْهُ) بِالْجَزْمِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَنْقَلِبُ الْمُسْتَحَبُّ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِرُ.
(وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ (فَلَا يَعْصِهِ) لِحُرْمَةِ وَفَائِهِ بِذَلِكَ النَّذْرِ، إِذْ مَفْهُومُ النَّذْرِ شَرْعًا إِيجَابُ الْمُبَاحِ وَهُوَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّاعَاتِ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا مُبَاحٌ حَتَّى يَجِبَ بِالنَّذْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ النَّذْرُ، فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ فَبَاطِلٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ

(3/93)


مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْحِجَازِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ مُسْنَدًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ طَلْحَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا أَظُنُّهُ سَقَطَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا عِنْدَ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ فَلَمْ يُسْنِدْهُ وَإِنَّمَا (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ» ) أَوِ الْمَرْأَةُ (أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ الْبَلَدُ الْمَعْرُوفُ (أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ عَامِرَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَبِهَا قَبْرُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
(أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ، إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا) شَرَطَ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَمْشِيَ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنَثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ) غَيْرُ الْكَلَامِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ) وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ بِالنَّذْرِ عَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ أَوْ يَلْحَقُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ.
(وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ".

(3/94)


[بَاب اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ.
قَالَ مَالِكٌ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ.
قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ وَيَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5 - بَابُ اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ.
1032 - 1016 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ لَا وَاللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ: وَبَلَى وَاللَّهِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:

(3/94)


؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِذَا قَالَهَا مُفْرَدَةً لَغْوٌ، فَلَوْ قَالَهُمَا مَعًا فَالْأُولَى لَغْوٌ وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ مَقْصُودٌ.
وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ» .
وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى عَطَاءٍ وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُنْزِلَتْ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) فِي قَوْلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَأَمَّا: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، فَفِيهِمَا الْكَفَّارَةُ. (وَعَقْدُ الْيَمِينِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) هُوَ (أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ) مَثَلًا (بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفُ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا) كَلَا يَأْكُلُ كَذَا ثُمَّ يَأْكُلُهُ، أَوْ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا ثُمَّ يُكَلِّمُهُ.
(فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ.
وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] (وَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِثْمٌ وَهُوَ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا (لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالذَّالِ (إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ) وَفِي نُسْخَةٍ: لِيَقْتَطِعَ (بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ) وَهِيَ الْغَمُوسُ لِغَمْسِ صَاحِبِهَا فِي الْإِثْمِ.

(3/95)


[بَاب مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ وَاللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ.
قَالَ يَحْيَى وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْيَمِينِ.
1033 - 1017 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ وَاللَّهِ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَجْلِ اسْتِثْنَائِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وَعَدَمَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْوُقُوعُ بِخِلَافِهَا مُحَالٌ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: " فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ " وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ أَيُّوبَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ غَيْرَهُ رَفَعَهُ أَيْضًا وَرِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مِنْ: ثَنَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَطَفْتَهُ، وَالْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ؛ أَيِ: الْإِخْرَاجُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ الْمُسْتَثْنِيَ عَطَفَ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ عُرْفًا إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ (أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ) بَلْ وَصَلَهُ بِالْيَمِينِ (وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ فَمَتَى انْفَصَلَ لَمْ يُؤَثِّرْ.
(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاللَّهِ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ) أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا (ثُمَّ يَحْنَثُ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِيَمِينٍ (وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمَرًا عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ) فَمَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يَكْفُرْ بِقَوْلِ ذَلِكَ وَإِنْ أَثِمَ (وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) يَتُوبُ إِلَيْهِ (وَلَا يَعُدْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ

(3/96)


فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " وَلَمْ يَنْسُبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْكُفْرِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَمَرَهُ بِتَمَامِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَفَعَهُ " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» " وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَالْمُرَادُ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ كَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلُ عَذَابِ مَنِ اعْتَقَدَ مَا قَالَ، وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ كُفْرُ النِّعْمَةِ بِفِعْلِهِ فِعْلَ الْكُفَّارِ إِذْ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَكَفْرُ نِعْمَتِهِ بِتَعْظِيمِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْظِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِاللَّهِ فَالْحَالِفُ بِغَيْرِهِ مُعَظِّمٌ لَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ.

(3/97)


[بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا إِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِرَارًا يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ إِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
7 - بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْأَيْمَانِ.
1034 - 1018 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ (بْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُهَيْلٍ أَيْضًا (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ السَّمَّانِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى» ) غَيْرَهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ فَهُوَ مَفْعُولُ رَأَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: (خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يَعْنِي مَنْ حَلَفَ يَمِينًا حَقًّا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَمْرٌ فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَارِ يَمِينِهِ فَلْيَفْعَلْهُ وَلْيُكَفِّرْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إِجْزَاءُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَهُوَ الثَّابِتُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالْحِنْثِ، وَلِعَجَبٍ أَنَّهُمْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ إِلَّا بِتَمَامِ الْحَوْلِ، وَأَجَازُوا تَقْدِيمَهَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْوُوا فِي ذَلِكَ مِثْلَ هَذِهِ الْآثَارِ، وَأَبَوْا مِنْ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ مَعَ كَثْرَةِ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ وَمَنْ خَالَفَهَا مَحْجُوجٌ بِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا.

(3/97)


(قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) بِاللَّهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ بِدُونِ قَوْلِهِ: " إِذَا لَمْ يُسَمِّ " فَحَمَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ الْمُعَيَّنُ فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ، وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى رِوَايَةِ سُقُوطِ " إِذَا لَمْ يُسَمِّ " لَكِنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ وَالْحَدِيثَ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.
(فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ مِرَارًا (يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ) بِإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَالصَّادِ (مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) زِيَادَةٌ فِي الْإِيضَاحِ (فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ) صِفَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) إِذَا حَنَثَ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ) بَيَانٌ لِنَسَقًا (فَإِنْ حَنَثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ) لِأَنَّ حِنْثَ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا (إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ) لَا يَتَعَدَّدُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

(3/98)


يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ) يَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ عَلَيْهَا (إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا) فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ) بِأَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ أَوْ تَتَأَيَّمَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَالِهَا فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.

(3/99)


[بَاب الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
8 - بَابُ الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
1035 - 1019 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا) قَالَ أَيُّوبُ: قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا التَّوْكِيدُ؟ قَالَ: تِرْدَادُ الْأَيْمَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ (ثُمَّ حَنَثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كُسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وَلَا يَكْفِي الْإِطْعَامُ عِنْدَهُ (وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا) ؛ أَيْ: لَمْ يُكَرِّرْهَا (ثُمَّ حَنَثَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أُرِيدَ مَا يَشْمَلُ الْفُقَرَاءَ (لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (مِنْ حِنْطَةٍ) وَنَحْوِهَا، قَالَ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 9) {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] كَفَّارَتُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَتَابُعَهَا.

(3/99)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1036 - 1020 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يُعْتِقُ الْمِرَارَ) ؛ أَيِ: الْمُتَعَدِّدَ وَفِي نُسْخَةٍ " مِرَارًا " بِالتَّنْكِيرِ (إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ) عَلَى مَذْهَبِهِ.

(3/99)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُمْ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا فِي صَلَاتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1036 - 1021

(3/99)


- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ) يَعْنِي الصَّحَابَةَ (وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ) قَمْحٍ (بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ) ؛ أَيْ: مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُمْ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَفَّارَاتِ بِهِ مَا عَدَا الظِّهَارَ كَمَا مَرَّ.
(قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكُسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا) بِالتَّكْرِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ (وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (دِرْعًا) ؛ أَيْ: قَمِيصًا (وَخِمَارًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَسْتُرُ الْوَجْهَ بَيَانٌ لِلثَّوْبَيْنِ (وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فِي صَلَاتِهِ) لَكِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ الرِّجَالَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ إِذِ الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ.

(3/100)


[بَاب جَامِعِ الْأَيْمَانِ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
9 - بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ.
1037 - 1022 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اتَّفَقَتِ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكَى يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ الْمُكَبِّرَ الضَّعِيفَ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ (أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ) رَاكِبِي الْإِبِلِ عَشَرَةٌ فَصَاعِدًا، وَفِي مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ فِي غَزَاةٍ (وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ

(3/100)


عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا ( «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: " قَالَ عُمَرُ: «حَدَّثْتُ قَوْمًا حَدِيثًا فَقُلْتُ: لَا وَأَبِي، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حَلَفَ بِالْمَسِيحِ هَلَكَ وَالْمَسِيحُ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمْ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِشَوَاهِدَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُنْكَرَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ يَرُدَّهَا الْآثَارُ الصِّحَاحُ، وَقِيلَ: أَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَاللَّهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الصِّدِّيقِ فِي قِصَّةِ السَّارِقِ الَّذِي سَرَقَ حُلِيِّ ابْنَتِهِ فَقَالَ: وَأَبِيكَ لَأُنَبِّئَنَّكَ أَوْ لَأُحَدِّثَنَّكَ.
وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ مَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَارْتَضَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا بِهِ الْقَسَمَ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا؛ أَيْ: أَفْلَحَ وَرَبِّ أَبِيهِ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا انْتَهَى.
وَمَرَّ لِهَذَا مَزِيدٌ فِي الصَّلَاةِ، وَجُمْلَةُ " يَنْهَاكُمْ " فِي مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرِ " أَنَّ "، وَ " أَنَّ " مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ أَوْ جَرٍّ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ؛ أَيْ: يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَحْلِفُوا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَحُكْمُ غَيْرِ الْآبَاءِ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ كَالْآبَاءِ فِي النَّهْيِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ، وَالْحَاكِمِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ: لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ» " وَالتَّعْبِيرُ بِذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَهَلِ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ التَّنْزِيهِ؟ قَوْلَانِ شُهِرَا مَعًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِلتَّحْرِيمِ، وَبِهِ قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُرَادُهُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ الْكَرَاهَةُ أَعَمُّ مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّنْزِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْحَلِفُ بِهَا، وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدِيثُ بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبِهِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِكَوْنِهِ غَالِبَ حَلِفِهِمْ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا» ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ حَالِفًا) ؛ أَيْ: مُرِيدًا لِلْحَلِفِ (فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ) لَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْآبَاءِ وَغَيْرِهِمْ (أَوْ لِيَصْمُتْ) بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الطُّوفِيُّ سَمِعْنَاهُ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ قِيَاسَ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا كَـ " ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِ دَخِيلٌ كَمَا فِي خَصَائِصِ ابْنِ جِنِّي انْتَهَى.
؛ أَيْ: لَا يَحْلِفْ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّمْتُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 193) ؛ أَيْ: أَمْ لَمْ تَدْعُوهُمْ، وَالتَّخْيِيرُ فِي حَقِّ

(3/101)


مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ أَوْ يَتْرُكَ وَيَغْرَمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ مُبَاحَةٌ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَقْلًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ كَثِيرًا وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 53) وَنَظَرًا لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ " مِنْ " شَرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَكَانَ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ خَاصَّةً، لَكِنِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ بِاللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِاللَّهِ الذَّاتُ لَا خُصُوصُ لَفْظِ اللَّهِ، فَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكَعْبَةِ أَوْ لَا كَالْآحَادِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ التَّحْقِيرَ كَالشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَامِ، وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ وَلَا كَفَّارَةَ، نَعَمْ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحَلِفَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ بِهِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُ رُكْنَيِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِهِ، بَلْ وَلَا جَوَازُ الْحَلِفِ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ هَذَا النَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ كَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِيُعَجِّبَ بِهَا الْمَخْلُوقِينَ وَيُعَرِّفَهُمْ قُدْرَتَهُ لِعِظَمِ شَأْنِهَا عِنْدَهُمْ وَلِدَلَالَتِهَا عَلَى خَالِقِهَا، أَمَّا الْمَخْلُوقُ فَلَا يُقْسِمُ إِلَّا بِالْخَالِقِ كَمَا قِيلَ:
وَيُقَبِّحُ مَنْ سِوَاكَ الشَّيْءَ عِنْدِي وَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي، أَيْ: مَا حَلَفْتُ بِأَبِي عَامِدًا وَلَا حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْحَاكِيَ لَا يُسَمَّى حَالِفًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلَا ذَكَرْتُهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي أَوْ ضَمَّنَ " حَلَفْتُ " مَعْنَى " تَكَلَّمْتُ "، أَوْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ إِلَى التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا حَلَفْتُ بِآبَائِي ذَاكِرًا لِمَآثِرِهِمْ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.

(3/102)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1037 - 1023 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مَعْلُومٌ أَنَّ " بَلَاغَهُ " صَحِيحٌ، وَلَعَلَّ هَذَا بَلَغَهُ مِنْ شَيْخِهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، وَفِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ) وَلَفْظُ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - وَلَفْظُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْلِفُ (لَا) نَفْيُ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى الْيَمِينِ (وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ) بِتَقْلِيبِ أَغْرَاضِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا بِتَقْلِيبِ ذَاتِ

(3/102)


الْقُلُوبِ، قَالَ الرَّاغِبُ: تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ وَالتَّقْلِيبُ الصَّرْفُ سُمِّيَ قَلْبُ الْإِنْسَانِ قَلْبًا لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِ، وَيُعَبَّرُ بِالْقَلْبِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَبُو بَكْرٍ: الْقَلْبُ جُزْءٌ مِنَ الْبَدَنِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لِلْإِنْسَانِ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةِ، وَجَعَلَ ظَاهِرَ الْبَدَنِ مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ، وَوَكَّلَ بِهَا مَلَكًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَشَيْطَانًا يَأْمُرُ بِالشَّرِّ، فَالْعَقْلُ بِنُورِهِ يَهْدِيهِ، وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ، وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ، وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَالْمَحْفُوظُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثَ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَنَثَ وَلَا نِزَاعَ فِي أَصْلِ ذَلِكَ، إِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي أَيِّ صِفَةٍ تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَالتَّحْقِيقُ اخْتِصَاصُهَا بِصِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ كَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ.

(3/103)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1039 - 1024 - (مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ خَلْدَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ، كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَرَوَيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَنْ جَدِّهِ عُمَرَ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثِقَةٌ فَقِيهٌ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُمَا فِيمَا عَلِمْتُ، وَوَهَمَ الْعُقَيْلِيُّ فَسَمَّاهُ عُمَرَ، وَبَنُو خَلْدَةَ مَعْرُوفُونَ بِالْمَدِينَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ وَشَرَفٌ وَجَلَالَةٌ فِي الْفِقْهِ وَحَمْلِ الْعِلْمِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ ابْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ) بَشِيرًا وَقِيلَ رِفَاعَةَ وَوَهَمَ مَنْ سَمَّاهُ مَرْوَانَ (ابْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ) الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ الْأَوْسِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ (حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) مِنْ إِشَارَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ أَوْ مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَارْتَبَطَ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 102) الْآيَةَ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ رَبْطِهِ نَفْسَهُ وَتَعَدُّدُ النُّزُولِ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: " «أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعَثُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِ ابْعَثْ لَنَا أَبَا لُبَابَةَ فَبَعَثَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فَرَقَّ لَهُمْ

(3/103)


فَقَالُوا: أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ إِنَّهُ الذَّبْحُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَنَدِمْتُ وَاسْتَرْجَعْتُ فَنَزَلْتُ وَإِنَّ لِحْيَتِي لَمُبْتَلَّةٌ مِنَ الدُّمُوعِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِي إِلَيْهِمْ حَتَّى أَخَذْتُ مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا أُخْرَى حَتَّى جِئْتُ الْمَسْجِدَ وَارْتَبَطْتُ بِالْأُسْطُوَانَةِ الْمَخْلَقَةِ وَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُهُ وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَأَمَّا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» " وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهَا قَالَتْ: فَسَمِعْتُهُ مِنَ السَّحَرِ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ تَضْحَكُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُ؟ قَالَ: مَا شِئْتِ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُطْلِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ أَطْلَقَهُ وَنَزَلَتْ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 102) الْآيَةَ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ ارْتَبَطَ بِسِلْسِلَةٍ ثَقِيلَةٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ وَكَادَ يَذْهَبُ بَصَرُهُ فَكَانَتِ ابْنَتُهُ تَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ وَلِلْحَاجَةِ فَإِذَا فَرَغَ أَعَادَتْهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ ارْتَبَطَ سِتَّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فَتَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ تَرْبُطُهُ، فَلَعَلَّ امْرَأَتَهُ تَقَيَّدَتْ بِهِ فِي السِّتِّ وَابْنَتَهُ فِي بَاقِي الْبِضْعَ عَشْرَةَ فَلَا خُلْفَ.
(قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ) فِي مَسْجِدِكَ أَوْ أَسْكُنُ بِبَيْتٍ بِجِوَارِكَ (وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ يَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ وَلَا ابْنَ شِهَابٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ أَبِي بُكَيْرٍ وَلَا أَكْثَرِ الرُّوَاةِ.

(3/104)


وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَلِكَ لِلَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1040 - 1025 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي الْمَكِّيِّ الْأُمَوِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ طَلْحَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيِّ

(3/104)


(الْحَجَبِيِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ أَخْطَأَ ابْنُ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ (عَنْ أُمِّهِ) صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّةُ لَهَا رُؤْيَةٌ وَحَدَّثَتْ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنْكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِدْرَاكَهَا (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ) بَرَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَجِيمٍ؛ أَيْ: بَابِهَا (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ) وَلَمْ يَأْخُذِ الْإِمَامُ بِهَذَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا غَيْرُهَا.
(قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ: يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ (وَذَلِكَ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ) فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَالِهِ كُلِّهِ وَلَا يَتْرُكُ إِلَّا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَيُقَوِّمُهُ فَإِذَا أَفَادَ قِيمَتَهُ أَخْرَجَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ يُقَسِّمُ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَيَتْرُكُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَفِيدَ فَيُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ.

(3/105)