شرح الزرقاني
على موطأ الإمام مالك [كِتَاب الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ] [باب
مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
38 - كِتَابُ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ
بَاب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ
فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ
عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ
حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ
عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ»
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ
شِقْصًا ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ
سَهْمًا مِنْ الْأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا
يَعْتِقُ مِنْهُ إِلَّا مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى
مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصِ وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ
الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ
الْمَيِّتِ وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ
مَا عَاشَ فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى
سَيِّدِهِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلَّا مَا
أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنْ
الْعَبْدِ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ
يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ
لَيْسُوا هُمْ ابْتَدَءُوا الْعَتَاقَةَ وَلَا
أَثْبَتُوهَا وَلَا لَهُمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ
لَهُمْ وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي
أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَا يُحْمَلُ
ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ
يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ
لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَلَيْسَ
لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي
ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى
وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ
أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ
عِتْقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ وَذَلِكَ
أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ
عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ
عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ
يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ
سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ
كُلُّهُ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي
ثُلُثِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي
ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي
مَالِهِ كُلِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعِتْقُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ إِزَالَةُ الْمِلْكِ،
يُقَالُ: عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ
وَتُفْتَحُ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ:
مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إِذَا سَبَقَ،
وَعَتَقَ الْفَرْخُ إِذَا طَارَ ; لِأَنَّ الرَّقِيقَ
يَتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ وَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ.
1 - بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ
إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لَفْظَ عَبْدٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ
الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى،
وَهُوَ تَنْبِيهٌ لَطِيفٌ تَرْجَمَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي
بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَمْلُوكٍ، وَقَدْ
أَسْلَفْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ تَارَةً يُقَدِّمُ
التَّرْجَمَةَ بِكِتَابٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا
كَالْعُنْوَانِ فَيَجْعَلُ الْبَسْمَلَةَ مَبْدَأَ
الْمَقْصُودِ، وَتَارَةً يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى
كِتَابٍ تَفَنُّنًا.
1504 - 1456 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ أَعْتَقَ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ أَوْ
مَوْصُولَةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهِيَ مِنْ صِيَغِ
الْعُمُومِ، فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَلْزَمُهُ
عِتْقُهُ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ لَا
صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَعَبْدٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ
سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَذِنَ أَوْ أَمْضَاهُ لَزِمَهُ
وَقُوِّمَ عَلَيْهِ، وَلَا كَافِرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ
قُرْبَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمُخَاطَبٍ بِالْفُرُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَذَا قَالَهُ
الْأُبِّيُّ (شِرْكًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ
الرَّاءِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ "
شِقْصًا " بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَقَافٍ سَاكِنَةٍ
وَمُهْمَلَةٍ، وَفِي أُخْرَى عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا
وَكِلَاهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ " نَصِيبَا "
وَالْكُلُّ بِمَعْنًى، وَالشِّرْكُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ
أُطْلِقَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ
الْمُشْتَرَكُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ " جُزْءًا
مُشْتَرَكًا " وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ
(4/135)
الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْجُمْلَةُ (لَهُ فِي
عَبْدٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْعَبْدُ لُغَةً
الْمَمْلُوكُ الذَّكَرُ وَمُؤَنَّثُهُ أَمَةٌ مِنْ غَيْرِ
لَفْظِهِ، وَسُمِعَ: عَبْدَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا
الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ
عَبْدًا} [مريم: 93] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ 93)
فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى قَطْعًا
أَوْ إِلْحَاقًا لِلْأُنْثَى بِهِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ،
قَالَ عِيَاضٌ: وَغَلِطَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فَقَالَ: لَا
تَقْوِيمَ فِي عِتْقِ الْإِنَاثِ وُقُوفًا مَعَ لَفْظِ
عَبْدٍ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ حُذَّاقُ أَهْلِ الْأُصُولِ
; لِأَنَّ الْأَمَةَ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ فَهُوَ مِنَ
الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ فِي
مَعْنَى الْأَصْلِ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ
أَسْمَاءَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَنْ
أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ» ". وَهُوَ يَشْمَلُ
الْأُنْثَى نَصًّا، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ: " «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي عَبْدٍ أَوْ
أَمَةٍ» ". (فَكَانَ لَهُ مَالٌ) هُوَ مَا يُتَمَوَّلُ،
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَسَعُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ
وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يُبَاعُ عَلَى
الْمُفْلِسِ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَفِي رِوَايَةٍ مَا بَلَا
لَامٍ، أَيْ شَيْءٌ (يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) أَيْ
ثَمَنَ بَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِحِصَّتِهِ
وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا اشْتُرِيَ
بِهِ وَاللَّازِمَ هُنَا الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ، وَقَدْ
بُيِّنَ الْمُرَادُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ
بْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ:
" «وَلَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ
فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِشُرَكَائِهِ أَنْصِبَاءَهُمْ
وَيَعْتِقُ الْعَبْدَ» ". (قُوِّمَ) بِضَمِّ الْقَافِ
وَكَسْرِ الْوَاوِ ثَقِيلَةٍ (عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ)
بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى قِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَصَ
عَنْهَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ:
" «لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ» ". بِفَتْحِ الْوَاوِ
وَسُكُونِ الْكَافِ وَمُهْمَلَةٍ، أَيْ نَقْصٍ، وَشَطَطٌ
بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَتَيْنِ وَالْفَتْحِ، أَيْ
جَوْرٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ،
وَالْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ
سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ
بِأَعْلَى الْقِيمَةِ أَوْ قِيمَةِ عَدْلٍ، وَهُوَ شَكٌّ
مِنْ سُفْيَانَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ
عَنْهُ بِلَفْظِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ
الصَّوَابُ. وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ " يَبْلُغُ "
يُخْرِجُ مَا إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَبْلُغُ قِيمَةَ
النَّصَبِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا
يُقَوَّمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْرِي
إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ تَنْفِيذًا
لِلْعِتْقِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، قَالَهُ الْحَافِظُ.
(فَأَعْطَى) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (شُرَكَاءَهُ)
بِالنَّصْبِ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ، وَلِبَعْضِهِمْ
بِبِنَاءِ أَعْطَى لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعِ شُرَكَائِهِ
(حِصَصَهُمْ) أَيْ قِيمَةُ حِصَصِهِمْ فَإِنْ كَانَ
الشَّرِيكُ وَاحِدًا أَعْطَاهُ جَمِيعَ الْبَاقِي
اتِّفَاقًا، فَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ
فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَهِيَ الثُّلْثُ
وَالثَّانِي حِصَّتَهُ وَهِيَ السُّدُسُ فَفِي تَقْوِيمِ
نَصِيبِ صَاحِبِ النِّصْفِ بِالسَّوِيَّةِ لِتَسَاوِيهِمَا
فِي الْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ لَقُوِّمَ
عَلَيْهِ قَلَّ نَصِيبُهُ أَوْ كَثُرَ، أَوْ يُقَوَّمُ
عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، قَوْلَانِ: الْجُمْهُورُ عَلَى
الثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ،
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ
كَامِلًا لَا عِتْقَ فِيهِ، وَهُوَ
(4/136)
مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ
عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ;
لِأَنَّ سَبَبَ التَّقْوِيمِ جِنَايَةُ الْمُعْتِقِ
بِتَفْوِيتِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَقُومُ عَلَى مَا
كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَالْحُكْمِ فِي
سَائِرِ الْجِنَايَاتِ الْمُقَوَّمَةِ، قَالَ عِيَاضٌ:
وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَدْعُوَ
شَرِيكَهُ لِيَبِيعَ جَمِيعَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ نِصْفُ
جَمِيعِ الثَّمَنِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ هَذَا ضَمِنَهُ مَا
مَنَعَهُ مِنْهُ (وَعَتَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهِ
الْعَبْدُ) بَعْدَ إِعْطَاءِ الْقِيمَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ،
فَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ
نَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِلَّا) أَيْ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا
عَتَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ
الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي، كَذَا قَالَ
الدَّرَاوَرْدِيُّ: وَرَدَّدَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ
لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَتَقَ
بِالْفَتْحِ، وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَلَا
يُعْرَفُ عُتْقٌ - بِضَمِّ أَوَّلِهِ - لِأَنَّ الْفِعْلَ
لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. ثُمَّ هَذَا مِنْ لَفْظِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ
يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ فِي وَصْلِهَا، وَكَذَا عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ
فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا، وَزَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ
وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ
تَعَلُّقًا بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ
نَافِعٌ: وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. قَالَ
أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ
شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا شَكٌّ
مِنْ أَيُّوبَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ
بِحُكْمِ الْمُعْسِرِ هَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ مَرْفُوعَةٌ
أَوْ مُدْرَجَةٌ مَقْطُوعَةٌ؟ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ
الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، فَقَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ:
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا
عَتَقَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ، وَأَكْثَرُ ظَنِّي
أَنَّهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَوَافَقَ أَيُّوبَ عَلَى
الشَّكِّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ، وَرَوَاهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ يَحْيَى فَجَزَمَ أَنَّهَا عَنْ نَافِعٍ أَدْرَجَهَا،
وَجَزَمَ مُسْلِمٌ بِأَنَّ أَيُّوبَ وَيَحْيَى شَكَّا،
وَالَّذِينَ أَثْبَتُوهَا حُفَّاظٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ
مَالِكٍ فِي وَصْلِهَا وَلَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِهَا
وَحَذْفِهَا فَأَثْبَتَهَا عَنْهُ كَثِيرُونَ وَلَمْ
يَذْكُرْهَا آخَرُونَ، أَيْ وَالْحُجَّةُ فِيمَنْ ذَكَرَ
لَا فِيمَنْ تَرَكَ، وَأَثْبَتَهَا أَيْضًا جَرِيرُ بْنُ
حَازِمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
أُمَيَّةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَرَجَّحَ
الْأَئِمَّةُ رِوَايَةَ مَنْ أَثْبَتَهَا مَرْفُوعَةً،
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَحْسَبُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ
يَشُكُّ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ
مِنْ أَيُّوبَ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ لَهُ مِنْهُ
حَتَّى لَوِ اسْتَوَيَا فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ
لَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَتِ الْحُجَّةُ مَعَ
مَنْ لَمْ يَشُكَّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُثْمَانَ
الدَّارَمِيِّ: قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ: مَالِكٌ فِي
نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ أَيُّوبُ؟ قَالَ: مَالِكٌ.
وَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ
عِتْقِ نَصِيبٍ لِلْمُعَتَقِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا
خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا مَا
رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مِنْ إِبْطَالِهِ مُوسِرًا أَوْ
مُعْسِرًا، وَهُوَ قَوْلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ: وَكَأَنَّهُ رَاعَى حَقَّ الشَّرِيكِ
لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ بِحُرِّيَّةِ
الشِّقْصِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ ; لِأَنَّهُ
فِي مَحَلِّ النَّصِّ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُبْطِلَ
حُكْمَ الْحَدِيثِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ
لِلْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ مِلْكِ
الْإِنْسَانِ جَبْرًا عَلَيْهِ، وَقَالَ
(4/137)
الْحَافِظُ: كَأَنَّ رَبِيعَةَ لَمْ
يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ، قَالَ: وَفِيهِ حُجَّةٌ
عَلَى قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ وَيَكُونُ
نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُعْتِقْ فِي بَيْتِ الْمَالِ
لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّقْوِيمِ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَعَلَى
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ أَنْ
يُقَوَّمَ نَصِيبُهُ أَوْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي
نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ
إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ حَتَّى وَلَا
صَاحِبَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ
أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْمُوسِرِ،
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْعِتْقِ، فَقَالَ
الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ - فِي الْأَصَحِّ - وَبَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ: يُعْتَقُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ
أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ كَانَ لَغْوًا، وَيُغَرَّمُ
الْمُعْتِقُ حِصَّةَ نَصِيبِهِ بِالتَّقْوِيمِ لِرِوَايَةِ
أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «مَنْ
أَعْتَقَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا
يَبْلُغُ قِيمَتَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ» ". وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ
بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: "
«مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ
فِيهِ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَضْمَنُ نَصِيبَ
شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ» ".
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ
رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَثُرَتْ أَلْفَاظُهَا
فَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِرَدِّ
الْمُطْلَقِ إِلَى الْمُقَيَّدِ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ
فَيُقَيَّدُ قَوْلُهُ فَهُوَ عَتِيقٌ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ
بِمَا إِذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ لِشَرِيكِهِ لِحَدِيثِ
الْبَابِ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ
مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَتِ
الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا لَكِنَّهَا فِي سِيَاقِ
الْإِخْبَارِ بِالْأَحْكَامِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَقَدِ
اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي
الْوُضُوءِ بِالْآيَةِ مَعَ أَنَّهَا بِالْوَاوِ،
وَيُؤَيِّدُهُ هُنَا رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: قُوِّمَ
عَلَيْهِ ثُمَّ عُتِقَ، وَإِنْ أَجَازَ الْمُخَالِفُ
بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَى
التَّقْوِيمِ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ ;
لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْقِيمَةِ،
وَأَمَّا الدَّفْعُ فَقَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ
مَرْدُودٌ بِأَنَّ جَعْلَ الْعِتْقِ مُتَرَاخِيًا عَنِ
التَّقْوِيمِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي
الْحَالِ كَمَا قَالُوا، فَلَوْ بَادَرَ الشَّرِيكُ
بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نَفَّذَ كَمَا قُلْنَا،
وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنَ التَّكْمِيلِ وَجَبْرِ
مَالِكِ الْبَعْضِ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ إِنَّمَا هُوَ
تَتْمِيمُ الْعِتْقِ، فَإِذَا طَلَعَ بِهِ نَفَذَ عَلَى
الْأَصْلِ مِنْ تَصَرُّفِ الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ، وَفِيهِ
رَدٌّ عَلَى مَنْ يَرَى اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ،
وَإِكْمَالَ عِتْقِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا
أَوْجَبَ عِتْقَ مَا عَتَقَ وَرَدَّ مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا
خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
" «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي
مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ".
فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ. . . إِلَخْ، مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ كَمَا
بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ، وَبِهِ جَزَمَ
جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ. بَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ،
فَقَالَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ
لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبَى ذَلِكَ
آخَرُونَ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَصَحَّحَا
كَوْنَ الْجَمِيعِ مَرْفُوعًا، وَفِي ذَلِكَ كَلَامٌ
طَوِيلٌ. وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ
يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ
اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ،
وَأَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
(4/138)
أُمَيَّةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ قَائِلًا: كُلُّ
هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْن عُمَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ
مَالِكٍ، انْتَهَى. وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ عِنْدَ
الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَغَيْرِهِ وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ،
وَتَابَعَ نَافِعًا عَلَيْهِ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ ابْنِ
عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَعْتِقُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
(سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ
وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ (ثُلُثَهُ أَوْ
رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ سَهْمًا مِنَ الْأَسْهُمِ)
وَلَوْ قُلْتَ: (بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ
مِنْهُ إِلَّا مَا عَتَقَ سَيِّدُهُ، وَيُسَمَّى مِنْ
ذَلِكَ الشِّقْصُ) الَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِهِ (وَذَلِكَ
أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ) أَيْ
ثَبَتَتْ (وَكَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ (بَعْدَ وَفَاةِ
الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ (وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ
مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ) أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ
(فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ)
الْمُوصِي (لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلَّا مَا أُخِذَ مِنْ
مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ؛
لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ) وَهُوَ
وَرَثَتُهُ، وَصَارَ الْمَيِّتُ مُعْسِرًا (فَكَيْفَ
يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ
لَيْسَ هُمُ ابْتَدَءُوا الْعِتْقَ وَلَا أَثْبَتُوهَا)
أَيِ الْعَتَاقَةَ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا أَوَّلًا،
فَلِذَا أَنَّثَ (وَلَا لَهُمُ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ
لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي
أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ
(الْوَلَاءُ لَهُ) بِالسُّنَّةِ (فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ
فِي مَالِ غَيْرِهِ) وَوَافَقَهُ الْجُمْهُورُ،
وَحُجَّتُهُمْ مَعَ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ
السِّرَايَةَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَخْتَصُّ
بِمُورِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ
سَبِيلُ غَرَامَةِ الْمَتْلَفَاتِ فَيَقْتَضِي
التَّخْصِيصَ بِصُدُورِ أَمْرٍ يَجْعَلُ إِتْلَافًا
(إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ
فِي مَالِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ
وَوَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا
ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ ;
لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ)
لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ حَقَّهُ وَهُوَ الثُّلُثُ،
وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ التَّكْمِيلِ فِي الْحَدِيثِ
بِحَيَاةِ الْمُعْتِقِ
(4/139)
لِلْبَعْضِ أَوْ إِيصَائِهِ بِذَلِكَ
بَعْدَ مَوْتِهِ، أَمَّا إِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْبَعْضِ
فَلَا يَكْمُلُ لِلتَّوْجِيهِ الْوَجِيهِ الَّذِي قَالَهُ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ
فَبَتَّ عِتْقَهُ أَعْتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ،
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ
ثُلُثَ عَبْدِهِ) أَيْ يُوصِي بِعِتْقِهِ (بَعْدَ مَوْتِهِ
; لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ
مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ) لَأَنَّ لَهُ
الرُّجُوعَ فِي الْوَصِيَّةِ (وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ،
وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبُتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ
ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ
عَاشَ) أَيْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ دُونَ نَظَرٍ لِثُلُثٍ.
(وَإِنْ مَاتَ أُعْتِقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ
أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ
أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ) لِعَدَمِ
الْحَجْرِ عَلَيْهِ.
(4/140)
[باب الشَّرْطِ فِي الْعِتْقِ]
قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ
عِتْقَهُ حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ
حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ
أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى
عَبْدِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ وَلَا يَحْمِلَ
عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الرِّقِّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ
شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ
الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ
عَلَيْهِ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ إِذَا كَانَ لَهُ
الْعَبْدُ خَالِصًا أَحَقُّ بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ
وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - بَابُ الشَّرْطِ فِي الْعِتْقِ
- (مَالِكٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ)
أَيْ نَجَّزَهُ (حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ
حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ
أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى
عَبْدِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ وَلَا يَحْمِلُ
عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الرِّقِّ) أَيْ لَا يُجْرِيهِ عَلَى
شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ (لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ)
نَاجِزًا أَوْ مُعَلِّقًا عَلَى شَيْءٍ وُجِدَ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ (شِرْكًا) أَيْ شِقْصًا، أَيْ نَصِيبًا لَهُ
(فِي عَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (قُوِّمَ)
بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قِيمَةَ الْعَدْلِ) فَلَا
يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَصُ (فَأَعْطَى
شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ) أَيْ قِيمَتَهَا (وَعَتَقَ
عَلَيْهِ) الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ بِالْحُكْمِ
عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ، كَمَا
يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ قُوِّمَ، وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ
فِي كُلِّ مَنْ أَعْتَقَ لَكِنَّهُ
(4/140)
مَخْصُوصٌ بِاتِّفَاقٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ
مَجْنُونٍ وَلَا مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَفِي
الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ
مَرَضَ الْمَوْتِ وَالْكَافِرِ تَفَاصِيلُ بِحَسَبِ مَا
يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ، وَخَرَجَ
بِقَوْلِهِ: أَعْتَقَ مَا إِذَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ بِأَنْ
وَرِثَ بَعْضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِقَرَابَةٍ فَلَا
سِرَايَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ
بِالسِّرَايَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ إِذَا كَانَ لَهُ
الْعَبْدُ خَالِصًا) أَيْ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ (أَحَقُّ
بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ) إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُ
(وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنَ الرِّقِّ) لِأَنَّهُ
إِذَا لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ
لِشُرَكَائِهِ فَأَوْلَى إِذَا كَانَ لَهُ كُلُّهُ
وَأَعْتَقَ بَعْضَهُ.
(4/141)
[باب مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَا يَمْلِكُ
مَالًا غَيْرَهُمْ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ
غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّ
رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سِتَّةً عِنْدَ
مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ
الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3 - بَابُ مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَا يَمْلِكُ مَالًا
غَيْرَهُمْ
1506 - 1457 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ)
الْأَنْصَارِيِّ (وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ) كُلُّهُمْ (عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ) وَاسْمُ
أَبِيهِ يَسَارٌ، بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ،
الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الثِّقَةُ الْفَقِيهُ
الْفَاضِلُ الْمَشْهُورُ، وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا
وَيُدَلِّسُ، قَالَ الْبَزَّارُ: كَانَ يَرْوِي عَنْ
جَمَاعَةٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَيَتَجَوَّزُ
وَيَقُولُ: حَدَّثَنَا وَخَطَبَنَا، يَعْنِي قَوْمَهُ
الَّذِينَ حَدَّثُوا أَوْ خَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ، مَاتَ
سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ قَارَبَ التِسْعِينَ.
(وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْبَصْرِيِّ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ
عَابِدٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ، كَانَ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ
بِالْمَعْنَى، وَمَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ عَامَ
مَوْتِ الْحَسَنِ وَهُمَا تَابِعِيَّانِ، فَهُوَ مُرْسَلٌ،
وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ
الطَّوِيلِ وَسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ
الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ، وَمُسْلِمٌ
مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ
طَرِيقِ أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنَ عَتِيقٍ ثَلَاثَتُهُمْ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ (أَنَّ رَجُلًا) مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا فِي
مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ (فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ
سِتَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
وَأَبِي دَاوُدَ: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
(4/141)
قَوْلًا شَدِيدًا ". وَفُسِّرَ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: لَوْ عَلِمْتُ ذَلِكَ مَا
صَلَّيْتُ عَلَيْهِ فَدَعَاهُمْ (فَأَسْهَمَ) أَيْ
أَقْرَعَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ
الْعَبِيدِ) وَلِمُسْلِمٍ: " «فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ
أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ
اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» ، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ
أَبْطَلَ الِاسْتِسْعَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
مَشْرُوعًا لَنَجَّزَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقَ
ثُلُثِهِ وَأَمْرَهُ بِالِاسْتِسْعَاءِ فِي بَقِيَّةِ
قِيمَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَأَجَابَ مَنْ
أَثْبَتَهُ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ
أَنَّهَا قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ،
وَبِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ إِلَّا فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إِذَا أَعْتَقَ جَمِيعَ مَا لَيْسَ
لَهُ عِتْقُهُ ". (قَالَ مَالِكٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ)
وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَلَاغَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ كَمَا
رَأَيْتَ.
(4/142)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا فِي إِمَارَةِ
أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ كُلَّهُمْ
جَمِيعًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَأَمَرَ
أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِتِلْكَ الرَّقِيقِ فَقُسِمَتْ
أَثْلَاثًا ثُمَّ أَسْهَمَ عَلَى أَيِّهِمْ يَخْرُجُ
سَهْمُ الْمَيِّتِ فَيَعْتِقُونَ فَوَقَعَ السَّهْمُ عَلَى
أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقَ الثُّلُثُ الَّذِي وَقَعَ
عَلَيْهِ السَّهْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1507 - 1458 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا فِي إِمَارَةِ أَبَانِ)
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ فَأَلِفٍ فَنُونٍ
(ابْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ عَلَى الْمَدِينَةِ
(أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ كُلَّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَأَمَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ
بِتِلْكَ الرَّقِيقِ فَقُسِّمَتْ أَثْلَاثًا ثُمَّ
أَسْهَمَ) أَيْ أَقْرَعَ (عَلَى أَيِّهِمْ يَخْرُجُ سَهْمُ
الْمَيِّتِ فَيَعْتِقُونَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ عَلَى
أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقَ الثُّلُثُ الَّذِي وَقَعَ
عَلَيْهِ السَّهْمُ) وَرَقَّ الثُّلُثَانِ عَمَلًا
بِالْحَدِيثِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا عَقِبَهُ مَعَ
أَنَّ الْحُجَّةَ بِهِ بَيَانُ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِهِ
فَلَا يَتَطَرَّقُ احْتِمَالُ نَسْخِهِ.
(4/142)
[باب الْقَضَاءِ فِي مَالِ الْعَبْدِ إِذَا
عَتَقَ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ
يَقُولُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُعْتِقَ
تَبِعَهُ مَالُهُ
قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ
إِذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا
كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ
الْمُكَاتِبُ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ هُوَ
عَقْدُ الْوَلَاءِ إِذَا تَمَّ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَالُ
الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ لَهُمَا
مِنْ وَلَدٍ إِنَّمَا أَوْلَادُهُمَا بِمَنْزِلَةِ
رِقَابِهِمَا لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمَا
لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ
الْعَبْدَ إِذَا عَتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ
يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كُوتِبَ
تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ قَالَ
مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ
الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إِذَا أَفْلَسَا أُخِذَتْ
أَمْوَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا وَلَمْ
تُؤْخَذْ أَوْلَادُهُمَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَمْوَالٍ
لَهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا
أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الَّذِي
ابْتَاعَهُ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي مَالِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ
الْعَبْدَ إِذَا جَرَحَ أُخِذَ هُوَ وَمَالُهُ وَلَمْ
يُؤْخَذْ وَلَدُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - بَابُ مَالِ الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ
1508 - 1459 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ
سَمِعَهُ يَقُولُ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ
إِذَا أَعْتَقَ) بِفَتْحِ
(4/142)
الْهَمْزَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَبِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ لِأَنَّهُ يُبْنَى
لِلْمَفْعُولِ إِذَا كَانَ فِيهِ هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ
(تَبِعَهُ مَالُهُ) إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ السَّيِّدُ
قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالُوا لَمْ
يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنَ
الزُّهْرِيِّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ)
وَأَبْدَلَ مِنْ هَذِهِ الْإِشَارَةِ قَوْلَهُ: (أَنَّ
الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ) كَمَا قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ. (وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كُوتِبَ
تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) ؛ لِأَنَّهُ
أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِالْكِتَابَةِ (وَذَلِكَ
أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ هُوَ عَقْدُ الْوَلَاءِ إِذَا
تَمَّ ذَلِكَ) بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ (وَلَيْسَ مَالُ
الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ لَهُمَا
مِنْ وَلَدٍ إِنَّمَا أَوْلَادُهُمَا بِمَنْزِلَةِ
رِقَابِهِمَا) أَيْ ذَوَاتِهِمَا (لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ
أَمْوَالِهِمَا ; لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي لَا
اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَتَقَ تَبِعَهُ
مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ
إِذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ
وَلَدُهُ) لِأَنَّ الْأَوْلَادَ ذَوَاتٌ كَالْآبَاءِ فَلَا
يَدْخُلُونَ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا الْعِتْقِ لِلْآبَاءِ
(وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ
وَالْمُكَاتَبَ إِذَا أَفْلَسَا أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمَا
وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا وَلَمْ تُؤْخَذْ
أَوْلَادُهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَمْوَالٍ
لَهُمَا) بَلْ لِسَادَتِهِمَا. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ
أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الَّذِي
ابْتَاعَهُ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي مَالِهِ)
بَلْ هُوَ لِسَيِّدِهِ (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا
أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَرَحَ) إِنْسَانًا (أُخِذَ هُوَ
وَمَالُهُ) فِي جِنَايَتِهِ (وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَدُهُ)
وَلَوْ كَانَ كَمَالِهِ لَأُخِذَ، وَأَصْلُ الْبَابِ مَا
رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا
فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ
سَيِّدُهُ» ". وَسَبَقَ فِي
(4/143)
الْبَيْعِ حَدِيثُ أَنَّ مَالَهُ
لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ.
وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعَبْدَ
لَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا لَكِنْ لَمَّا كَانَ
الْعِتْقُ صُورَةَ إِحْسَانٍ إِلَيْهِ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ
لَا يُنْزَعَ مِنْهُ مَا بِيَدِهِ تَكْمِيلًا
لِلْإِحْسَانِ، وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَتِ الْمُكَاتَبَةُ
وَسَاغَ لَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُؤَدِّيَ إِلَى
سَيِّدِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ تَسَلُّطًا عَلَى مَا
بِيَدِهِ فِي الْعِتْقِ مَا أَغْنَى عَنْهُ ذَلِكَ
شَيْئًا.
(4/144)
[باب عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
وَجَامِعِ الْقَضَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ أَيُّمَا
وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا
يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ
يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5 - بَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَجَامِعِ
الْقَضَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ
1509 - 1460 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: أَيُّمَا
وَلِيدَةٍ) أَيْ أَمَةٍ (وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا
فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا
يُوَرِّثُهَا) ، أَيْ أَنَّهَا لَا تُورَثُ بَعْدَ
مَوْتِهِ (وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) بِالْوَطْءِ
وَمُقَدِّمَاتِهِ وَالْخِدْمَةِ الْقَلِيلَةِ (فَإِذَا
مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ) وَالْحُرَّةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ،
وَبِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ
وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ;
لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا نَهَى عَنْهُ فَانْتَهَوْا صَارَ
إِجْمَاعًا، فَلَا عِبْرَةَ بِنُدُورِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ
ذَلِكَ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَةُ سَنَدِ الْإِجْمَاعِ،
وَقَدْ تَعَلَّقَ الْأَئِمَّةُ بِأَحَادِيثَ أَصَحُّهَا
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّا نُصِيبُ
سَبَايَانَا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي
الْعَزْلِ؟ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي الْبَيْعِ،
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ
يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ لِعَزْلِهِمْ
لِأَجْلِ مَحَبَّةِ الْأَثْمَانِ فَائِدَةٌ. وَحَدِيثُ: "
«مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ
عَائِشَةَ، وَقَدْ عَاشَتْ مَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ
إِبْرَاهِيمَ بَعْدَهُ، فَلَوْلَا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ
وَصْفِ الرِّقِّ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ: لَمْ يَتْرُكْ
أَمَةً، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ نَجَّزَ عِتْقَهَا خِلَافُ
الْأَصْلِ، وَلَمْ يُنْقَلْ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ وَلَا
يُعَارِضُهَا حَدِيثُ جَابِرٍ: " «كُنَّا نَبِيعُ
سَرَارِيَّنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَا نَرَى
بِذَلِكَ بَأْسًا» ". أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
وَفِي لَفْظٍ: " «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا
فَانْتَهَيْنَا» ". لِأَنَّهُمْ لَمَّا انْتَهَوْا صَارَ
إِجْمَاعًا فَلَا عِبْرَةَ بِنُدُورِ الْمُخَالِفِ
بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ مَعَ عِلْمِ سَنَدِ الْإِجْمَاعِ.
(4/144)
وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ وَلِيدَةٌ قَدْ
ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ أَوْ أَصَابَهَا بِهَا
فَأَعْتَقَهَا
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ
يُحِيطُ بِمَالِهِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ
الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ
الْمُحْتَلِمِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ
الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِنْ بَلَغَ الْحُلُمَ
حَتَّى يَلِيَ مَالَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1509 - 1461 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا
أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوهٍ
(أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ وَلِيدَةٌ)
أَمَةٌ (قَدْ ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ وَأَصَابَهَا)
أَيْ بِالنَّارِ، شَكَّ الرَّاوِي، وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: قَالَ:
أَقْعَدَ سُفْيَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
أَمَةً لَهُ عَلَى مِقْلَاةٍ لَهُ فَاحْتَرَقَ عَجُزُهَا،
فَأَتَتْ عُمُرَ (فَأَعْتَقَهَا) أَيْ حَكَمَ عُمَرُ
بِعِتْقِهَا لِوُقُوعِ الْحُكْمِ بِالْعِتْقِ
بِالْمُثْلَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي قِصَّةِ سَنْدَرَ مَعَ سَيِّدِهِ زِنْبَاعِ بْنِ
سَلَامَةَ الْجُذَامِيِّ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ
زِنْبَاعَ أَبَا رَوْحٍ وَجَدَ غُلَامًا مَعَ جَارِيَةٍ
لَهُ فَجَدَعَ أَنْفَهُ وَجَبَّهُ، فَأَتَى الْعَبْدُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ
لَهُ ذَلِكَ، «فَقَالَ لِزِنْبَاعٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى
هَذَا؟ فَذَكَرَهُ، فَقَالَ لِلْعَبْدِ: انْطَلِقْ
فَأَنْتَ حُرٌّ» ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَسَمَّى
الْعَبْدَ سَنْدَرَ، وَإِنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِ بِي، قَالَ: أُوصِي
بِكَ كُلَّ مُسْلِمٍ. وَرَوَى الْبَغَوِيُّ عَنْ سَنَدٍ
أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِزِنْبَاعِ بْنِ سَلَامَةَ
الْجُذَامِيِّ فَذَكَرَهُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ
الْقِصَّةَ عَنْ زِنْبَاعٍ نَفْسِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ)
أَيْ يَسْتَغْرِقُهُ (وَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ
الْغُلَامِ) الصَّبِيِّ وَلَوْ رَاهَقَ (حَتَّى
يَحْتَلِمَ) أَيْ يُنْزِلَ فِي الْمَنَامِ (أَوْ حَتَّى
يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْمُحْتَلِمِ) بِأَنْ يَبْلُغَ
بِغَيْرِ الِاحْتِلَامِ كَالسِّنِّ ; لِأَنَّ مِنَ
الرِّجَالِ مَنْ لَا يَحْتَلِمُ (وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ
عَتَاقَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ) وَإِنْ بَلَغَ
الْحُلُمَ (حَتَّى يَلِيَ مَالَهُ) بِرُشْدِهِ وَفَكِّ
الْحَجْرِ عَنْهُ.
(4/145)
[باب مَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي
الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ
قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَارِيَةً
لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي فَجِئْتُهَا وَقَدْ
فُقِدَتْ شَاةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا
فَقَالَتْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا
وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ
رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ
فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا فَقَالَتْ
أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ
الْوَاجِبَةِ
1511 - 1462 - (مَالِكٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ)
نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَهُوَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ
أُسَامَةَ، وَهُوَ هِلَالُ
(4/145)
بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، يُعْرَفُ أَبُوهُ
بِكُنْيَتِهِ وَهُوَ بِهَا أَشْهَرُ الْعَامِرِيُّ،
مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ، مَاتَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ
وَمِائَةٍ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ
خَفِيفَةٍ (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ) قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ وَهْمٌ
عِنْدَ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِي
الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِنَّمَا هُوَ
مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ كَمَا قَالَ كُلُّ مَنْ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِلَالٍ أَوْ غَيْرِهِ،
وَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ مَعْرُوفٌ فِي الصَّحَابَةِ
وَحَدِيثُهُ هَذَا مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ
الْحَكَمِ فَتَابِعِيٌّ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ مَعْرُوفٌ
يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ (أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارِيَةً) لَمْ تُسَمَّ
(كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي) زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي
نَاحِيَةِ أُحُدٍ (فَجِئْتُهَا وَقَدْ فُقِدَتْ) فِعْلٌ
مَاضٍ تَاؤُهُ مَضْمُومَةٌ أَوْ سَاكِنَةٌ كَمَا ضَبَطَهُ
فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ (شَاةٌ مِنَ الْغَنَمِ) وَفِي
نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَقَدْ فُقِدَتْ مِنْهَا شَاةٌ
(فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا، فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ
فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا) أَيْ غَضِبْتُ (وَكُنْتُ مِنْ بَنِي
آدَمَ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ،
تَقْدِيمٌ لِعُذْرِهِ فِي قَوْلِهِ: (فَلَطَمْتُ
وَجْهَهَا) ضَرَبْتُهَا عَلَيْهِ بِبَيَاضِ كَفِّي
(وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا؟) بِهَمْزَةِ
الِاسْتِفْهَامِ وَفَاءٍ فَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَفِي
رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: "
«فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً ثُمَّ انْصَرَفَتْ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَتْهُ، فَعَظُمَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَلَّا
أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ائْتِنِي بِهَا، فَجِئْتُ بِهَا
إِلَيْهِ» " (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ:
فِي السَّمَاءِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ عَلَى
حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّمَاءِ} [الملك: 16] (سورة الْمُلْكِ: الْآيَةَ: 16) ،
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]
(سورة فَاطِرٍ: الْآيَةَ: 10) وَقَالَ الْبَاجِيُّ:
لَعَلَّهَا تُرِيدُ وَصْفَهُ بِالْعُلُوِّ، وَبِذَلِكَ
يُوصَفُ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ الْعُلُوَّ، يُقَالُ مَكَانُ
فُلَانٍ فِي السَّمَاءِ، يَعْنِي عُلُوَّ حَالِهِ
وَرِفْعَتَهُ وَشَرَفَهُ. ( «فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟
فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقْهَا»
) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ فِي
رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ قَوْمٌ
مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَابْنُ بُكَيْرٍ،
وَقُتَيْبَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ فَزَادُوا: " «قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْيَاءُ كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَأْتُوا
الْكُهَّانَ، قُلْتُ: وَكُنَّا نَتَطَيَّرُ، قَالَ:
إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ
فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ» ". وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ بَعْضَ
هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ
(4/146)
بْنِ الْحَكَمِ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أُمُورٌ كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
نَأْتِي الْكُهَّانَ، قَالَ: فَلَا تَأْتُوهَا، قُلْتُ:
كُنَّا نَتَطَيَّرُ، قَالَ: ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ
أَحَدُكُمْ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ» ". فَقَالَ فِي
رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: مُعَاوِيَةُ بْنُ
الْحَكَمِ كَمَا قَالَ النَّاسُ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ
عُمَرُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هِلَالٍ فَرُبَّمَا كَانَ
الْوَهْمُ مِنْ هِلَالٍ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ
عَنْهُ فَقَالُوا مُعَاوِيَةُ، انْتَهَى. مُلَخَّصًا
وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَجْوِيزَ أَنَّ الْوَهْمَ مِنْهُ
لَمَّا حَدَّثَ مَالِكًا وَتَنَبَّهَ لَمَّا حَدَّثَ
غَيْرَهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ
أَنَّ مَعْنَ بْنَ عِيسَى قَالَ لِمَالِكٍ: النَّاسُ
يَقُولُونَ إِنَّك تُخْطِئُ أَسَامِيَ الرِّجَالِ،
تَقُولُ: عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِنَّمَا هُوَ
مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا حِفْظُنَا وَهَكَذَا
وَقَعَ فِي كِتَابِي، أَخْرَجَهُ أَبُو الْفَضْلِ
السُّلَيْمَانِيُّ.
(4/147)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا
مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدِينَ
أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ
أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَتْ نَعَمْ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1512 - 1463 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ
(عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ
(ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (أَنَّ رَجُلًا
مِنَ الْأَنْصَارِ) ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ لَكِنَّهُ
مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ لِلِقَاءِ عُبَيْدِ اللَّهِ
جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا
وُجِدَ مُرْسَلٌ قَطُّ ; إِذْ وَالْجَوَابُ مَا رَفَعَهُ
التَّابِعِيُّ وَهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ، وَمِثْلُ
هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَلَعَلَّهُ
أَرَادَ لِلِقَاءِ عُبَيْدِ اللَّهِ جَمَاعَةً مِنَ
الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ
رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ جَاءَ
بِأَمَةٍ لَهُ، وَهَذَا مَوْصُولٌ، وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ
بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً)
نَذَرَ عِتْقَهَا أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِكَفَّارَةِ
قَتْلٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً
أُعْتِقُهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:
أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ:
نَعَمْ) أَيْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ (قَالَ: أَتُوقِنِينَ
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ) أُوقِنُ
بِهِ» ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ
مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَلَيْسَ
بِمُؤْمِنٍ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. ( «قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقْهَا»
) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ " قَالَ
ابْنُ
(4/147)
عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ جَوَّدَ يَحْيَى
لَفْظَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ،
وَابْنُ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَذْكُرَا " فَإِنْ كُنْتَ
تَرَاهَا مُؤْمِنَةً، وَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
عَلَيَّ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَفَأَعْتِقُ هَذِهِ؟
وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ» ". الْحَدِيثَ، فَحَذَفَ مِنْهُ " أَنَّ عَلَيَّ
رَقَبَةً مُؤْمِنَةً " مَعَ أَنَّهُ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ
أَعْجَمِيَّةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَفَأَعْتِقُ هَذِهِ؟ فَقَالَ
لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ اللَّهُ؟
فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهَا: فَمَنْ
أَنَا؟ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ وَإِلَى السَّمَاءِ، أَيْ
أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا
مُؤْمِنَةٌ» ". أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ:
إِنَّهُ خَالَفَ حَدِيثَ ابْنِ شِهَابٍ فِي لَفْظِهِ
وَمَعْنَاهُ وَجَعَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ
شِهَابٍ يَقُولُ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّهُ جَاءَ
بِأَمَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ عَوْنٍ
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، انْتَهَى. فَإِنْ كَانَتِ
الْقِصَّةُ تَعَدَّدَتْ فَلَا خُلْفَ، وَإِنْ كَانَتْ
مُتَّحِدَةً فَيُمْكِنُ أَنَّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ فِيهِ
شَيْخَيْنِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَوَاهَا لَهُ عَنْ
نَفْسِهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَوَاهَا عَنْ قِصَّةِ
ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ قَالَتْ: نَعَمْ،
عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ أَنَّهُ
وَقَعَ مِنْهَا الْأَمْرَانِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ،
بِاللَّفْظِ حِينَ قَوْلِهِ أَتَشْهَدِينَ. . . إِلَخْ،
فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ حِينَ قَوْلِهِ " أَيْنَ
اللَّهُ؟ وَمَنْ أَنَا؟ " فَذَكَرَ كُلٌّ مِنَ
الزُّهْرِيِّ وَعَوْنٍ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْآخَرُ،
وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.
(4/148)
وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ
الْمَقْبُرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ
عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يُعْتِقُ
فِيهَا ابْنَ زِنًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ
ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1512 - 1464 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا،
كَيْسَانَ أَوِ ابْنِهِ سَعِيدٍ (أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ
أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ
رَقَبَةٌ هَلْ يُعْتَقُ فِيهَا ابْنُ زِنًى؟ فَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، يُجْزِئُهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ
الْمَدَارَ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ
لِنَسَبٍ.
(4/148)
وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ
فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عَلَيْهِ
رَقَبَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَلَدَ زِنًا
قَالَ نَعَمْ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1512 - 1465 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ فَضَالَةَ)
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (ابْنِ
عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، بِغَيْرِ إِضَافَةٍ
(الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَوَّلُ
مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ نَزَلَ دِمَشْقَ وَوَلِيَ
قَضَاءَهَا، وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ
قَبْلَهَا (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ
(4/148)
عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يَعْتِقَ وَلَدَ زِنًى؟ فَقَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ يُجْزِئُ
عَنْهُ) إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فِي الْقَتْلِ وَإِجْمَاعًا
وَفِي الظِّهَارِ خِلَافٌ.
(4/149)
[باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي
الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ]
حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ هَلْ
تُشْتَرَى بِشَرْطٍ فَقَالَ لَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ
أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ
أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي يُعْتِقُهَا فِيمَا
وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا
لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ
تَامَّةٍ لِأَنَّهُ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا لِلَّذِي
يَشْتَرِطُ مِنْ عِتْقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ
أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ فِي التَّطَوُّعِ
وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُعْتِقَهَا قَالَ مَالِكٌ إِنَّ
أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ فِيهَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا
يَهُودِيٌّ وَلَا يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ وَلَا
مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إِلَى
سِنِينَ وَلَا أَعْمَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَقَ
النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ
تَطَوُّعًا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ
فِي كِتَابِهِ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}
[محمد: 4] فَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا
الرِّقَابُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي
الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهَا إِلَّا رَقَبَةٌ
مُؤْمِنَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ فِي إِطْعَامِ
الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ
يُطْعَمَ فِيهَا إِلَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُطْعَمُ
فِيهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
7 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ
الْوَاجِبَةِ
1466 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ، هَلْ
تُشْتَرَى بِشَرْطٍ؟ فَقَالَ: لَا) تُشْتَرَى بِشَرْطِ
الْعِتْقِ (قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي
الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي
يُعْتِقُهَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ عَلَى أَنْ
يُعْتِقَهَا ; لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ
بِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّهُ) أَيْ بَائِعُهَا (يَضَعُ)
يُسْقِطُ (مِنْ ثَمَنِهَا) أَيْ بَعْضِهِ (لِلَّذِي
يَشْتَرِطُ مِنْ عِتْقِهَا) تَحْصِيلًا لِبَعْضِ
الثَّوَابِ
(وَلَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ
فِي التَّطَوُّعِ وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُعْتِقَهَا) إِذْ
يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي شِرَاءِ رَقَبَةٍ
وَيُعْتِقُوهَا تَطَوُّعًا فَوَاحِدٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ
أَوْلَى. (قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي
الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ
يُعْتَقَ فِيهَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ) وَلَا
غَيْرُهُمَا مِنَ الْكُفَّارِ بِالْأَوْلَى. (وَلَا
يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ
وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إِلَى سِنِينَ) أَيْ بَعْدَهَا
لِمَا فِيهِمْ مِنْ عَقْدِ الْحُرِّيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ
مُحَرَّرَةً لَمَا وَجَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (سورة النِّسَاءِ:
الْآيَةَ: 92) (وَلَا أَعْمَى) وَلَا نَحْوُهُ مِنَ
الْعُيُوبِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْفُرُوعِ.
(4/149)
(وَلَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ
يُعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ
تَطَوُّعًا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ
فِي كِتَابِهِ:) {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ
فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد: 4] (سورة مُحَمَّدٍ:
الْآيَةَ: 4) (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ شَدِّ
الْوَثَاقِ (وَإِمَّا فِدَاءً) بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى
مُسْلِمِينَ (فَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ) أَيِ الْإِطْلَاقُ
بِلَا شَيْءٍ (وَأَمَّا الرِّقَابُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي
ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ) فِي كَفَّارَةِ
الْأَيْمَانِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ (فَإِنَّهُ لَا
يُعْتَقُ فِيهَا إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ) لِأَنَّهُ
قَيَّدَ بِهَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ
الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ. (وَكَذَلِكَ فِي
إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَنْبَغِي
أَنْ يُطْعِمَ فِيهَا إِلَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَا
يُطْعِمَ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ)
مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَ.
(4/150)
[باب عِتْقِ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ
تُوصِيَ ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُصْبِحَ
فَهَلَكَتْ وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تُعْتِقَ
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ «أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ
الْقَاسِمُ إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي
هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَعَمْ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
8 - بَابُ عِتْقِ الْحَيِّ عَنِ الْمَيِّتِ
1516 - 1467 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ)
عَمْرِو بْنِ (أَبِي عَمْرَةَ) الْأَنْصَارِيِّ
الْمَدَنِيِّ، الثِّقَةِ فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ، رَوَى
عَنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي عَمْرَةَ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ، وَلَهُ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَمَا أَظُنُّهُ سَمِعَ
مِنْهُ وَلَا أَدْرَكَهُ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ عَمِّهِ
عَنْهُ، وَيَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ
الْوَاحِدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ أَبِي
الْمَوَالِي وَغَيْرُهُمْ، وَجَدُّهُ أَبُو عَمْرَةَ
صَحَابِيٌّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (أَنَّ أُمَّهُ
أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ
تُصْبِحَ فَهَلَكَتْ) مَاتَتْ (وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ
بِأَنْ تَعْتِقَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) ابْنُهَا
(فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) ابْنِ
(4/150)
الصِّدِّيقِ (أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ
عَنْهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ:) يَنْفَعُهَا (إِنَّ سَعْدَ
بْنَ عُبَادَةَ) سَيِّدَ الْخَزْرَجِ (قَالَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي)
عَمْرَةَ بِنْتَ مَسْعُودٍ الْخَزْرَجِيَّةَ
الصَّحَابِيَّةَ (هَلَكَتْ) مَاتَتْ وَأَنَا غَائِبٌ
مَعَكَ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ سَنَةَ خَمْسٍ
(فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نَعَمْ) زَادَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ " أَعْتِقْ
عَنْهَا " وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْقَاسِمَ لَمْ
يَلْقَ سَعْدًا، لَكِنَّ قِصَّةَ سَعْدٍ جَاءَتْ مِنْ
وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مُتَّصِلَةٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ،
فَلَعَلَّ الْقَاسِمَ رَوَاهُ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ،
فَقَدْ رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْهَا كَمَا مَرَّ قَرِيبًا
لَكِنْ بِلَفْظِ " أَنْ تَصَدَّقْ عَنْهَا " نَعَمْ، فِي
رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ
كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
سَعْدًا قَالَ: أَفَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ أُعْتِقَ
عَنْهَا؟ قَالَ: أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ. فَقَدْ وُجِدَ
الْعِتْقُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي قِصَّةِ سَعْدٍ مِنْ غَيْرِ
طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا لَا كَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ أَبِي
عُمَرَ: لَا يَكَادُ يُوجَدُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ
هَذَا، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فِي قِصَّةِ سَعْدٍ
إِنَّمَا هِيَ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا
جَائِزٌ عَنِ الْمَيِّتِ إِجْمَاعًا وَالْوَلَاءُ
لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ،
وَلِمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ،
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ
فَالْوَلَاءُ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْمُعْتِقِ، قَالَ -
أَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ -: وَجَدْتُ فِي أَصْلِ
سَمَاعِ أَبِي بِخَطِّهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ
بْنِ قَاسِمٍ حَدَّثَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ عَنْ سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَالِدَتِي كَانَتْ تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِي وَتَعْتِقُ
مِنْ مَالِي حَيَاتَهَا، فَقَدْ مَاتَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ
تَصَدَّقْتُ عَنْهَا أَوْ عَتَقْتُ عَنْهَا أَتَرْجُو
لَهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
دُلَّنِي عَلَى صَدَقَةٍ، قَالَ: اسْقِ الْمَاءَ، قَالَ:
فَمَا زَالَتْ جِرَارُ سَعِدٍ بِالْمَدِينَةِ» ".
(4/151)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ فِي نَوْمٍ نَامَهُ فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ
عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رِقَابًا كَثِيرَةً قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا
أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1517 - 1468 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ)
الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أَسْلَم
قُبَيْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَشَهِدَ الْيَمَامَةَ
وَالْفُتُوحَ، وَمَاتَ (فِي نَوْمٍ نَامَهُ) فَجْأَةً فِي
طَرِيقِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ
بَعْدَهَا (فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ) شَقِيقَتُهُ (عَائِشَةُ
زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رِقَابًا كَثِيرَةً) لِأَنَّهَا دُونَ قَوْلِ سَعْدٍ:
«أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ» ، مَرَّ.
وَالْعِتْقُ مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ،
وَمَرَّتْ رِوَايَةُ: أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ فَلَعَلَّهَا
سَمِعَتْ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا
سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُرْوَى
فِي الْعِتْقِ عَنِ الْمَيِّتِ مَا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ وَائِلَةَ
(4/151)
بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: " «كُنَّا عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقُلْنَا: إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ
مَاتَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَعْتِقُوا عَنْهُ يَعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ
مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» ". ذَكَرَهُ فِي
التَّمْهِيدِ.
(4/152)
[باب فَضْلِ عِتْقِ الرِّقَابِ وَعِتْقِ
الزَّانِيَةِ وَابْنِ الزِّنَا]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرِّقَابِ أَيُّهَا
أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ
أَهْلِهَا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
9 - بَابُ فَضْلِ عِتْقِ الرِّقَابِ وَعِتْقِ الزَّانِيَةِ
وَابْنِ الزِّنَى
1518 - 1469 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا لِيَحْيَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ،
وَمُطَرِّفٍ، وَابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَرَوْحِ بْنِ
عُبَادَةَ، وَأَرْسَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا حَدَّثَ
بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ
مُرْسَلًا، وَهُوَ عِنْدَنَا فِي مُوَطَّأِ أَبِي مُصْعَبٍ
عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ هِشَامٍ عَنْهُ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ
ابْنُ الْجَارُودِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ عَنْ
عَائِشَةَ غَيْرُ مَالِكٍ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ
أَرْسَلَهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ
هِشَامٍ يُخَالِفُونَهُ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَهُ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْفَتْحِ، ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
نَحْوَ عِشْرِينَ نَفْسًا رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ،
وَخَالَفَ مَالِكٌ فَأَرْسَلَهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ،
وَرَوَاهُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ وَطَائِفَةٌ " فَقَالَتْ
عَائِشَةُ "، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ
مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ: الرِّوَايَةُ الْمُرْسَلَةُ عَنْ
مَالِكٍ أَصَحُّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ هِشَامٍ كَمَا قَالَ
الْجَمَاعَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرِّقَابِ أَيُّهَا
أَفْضَلُ) فِي الْعِتْقِ، وَالسَّائِلُ أَبُو ذَرٍّ كَمَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي حَدِيثٍ فِيهِ قُلْتُ:
فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَغْلَاهَا ثَمَنًا)
بِالْعَيْنِ مُعْجَمَةٌ وَمُهْمَلَةٌ رِوَايَتَانِ، قَالَ
ابْنُ قُرْقُولٍ: وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ،
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
هِشَامٍ: أَكْثَرُهَا ثَمَنًا، وَهُوَ يُبَيِّنُ
الْمُرَادَ (وَأَنْفَسُهَا) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ
أَكْثَرُهَا رَغْبَةً (عِنْدَ أَهْلِهَا) لِمَحَبَّتِهِمْ
فِيهَا؛ لِأَنَّ عِتْقَ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا
خَالِصًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:
92] (سورة آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةَ: 92) قَالَ
النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فِيمَنْ
أَرَادَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً، أَمَّا لَوْ
كَانَ مَعَ الشَّخْصِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَرَادَ
أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رَقَبَةً فَيَعْتِقَهَا فَوَجَدَ
رَقَبَةً نَفِيسَةً وَرَقَبَتَيْنِ مَفْضُولَتَيْنِ
فَالرَّقَبَتَانِ أَفْضَلُ، قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ
الضَّحِيَّةِ، فَالْوَاحِدَةُ السَّمِينَةُ فِيهَا
أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا فَكُّ الرَّقَبَةِ
وَهُنَاكَ طِيبُ اللَّحْمِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ
يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
(4/152)
الْأَشْخَاصِ، فَرُبَّ شَخْصٍ وَاحِدٍ
إِذَا عَتَقَ انْتَفَعَ بِالْعِتْقِ وَانْتَفَعَ بِهِ
أَضْعَافَ مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّفْعِ بِعِتْقٍ أَكْثَرَ
عَدَدًا مِنْهُ، وَرُبَّ مُحْتَاجٍ إِلَى كَثْرَةِ
اللَّحْمِ لِتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ الَّذِي
يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْتَفِعُ هُوَ
بِطِيبِ اللَّحْمِ، فَالضَّابِطُ أَنَّ مَهْمَا كَانَ
أَكْثَرَ نَفْعًا كَانَ أَفْضَلَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ
كَثُرَ، وَاحْتُجَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ عِتْقَ
الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ إِذَا كَانَتْ أَغْلَى ثَمَنًا
فَمِنَ الْمُسْلِمَةِ أَفْضَلُ، وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ
وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: الْمُرَادُ أَغْلَى ثَمَنًا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ
فِي جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ، لَكِنَّ الْفَضْلَ
التَّامَّ إِنَّمَا هُوَ فِي عِتْقِ الْمُؤْمِنِ. وَعَنْ
مَالِكٍ: أَنَّ عِتْقَ الْأَغْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ وَإِنْ
كَانَ كَافِرًا، يَعْنِي لِظَاهِرِ حَدِيثِهِ هَذَا،
قَالَ: وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَلِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنَ
الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ كَالشَّهَادَةِ وَالْجِهَادِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ الْمُرَجَّحُ أَنَّ عِتْقَ
الذَّكَرِ أَفْضَلُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ،
وَالنَّسَائِيِّ مَرْفُوعًا: " «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ
أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ
مِنَ النَّارِ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا بِعَظْمٍ مِنْهُ،
وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً
مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنَ النَّارِ» ". فَجُعِلَ
عِتْقُ الذَّكَرِ كَامْرَأَتَيْنِ. وَمِنْ جِهَةِ
الْمَعْنَى أَنَّ مَنَافِعَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ
كَالْجِهَادِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ
الطَّاعَةَ مِنْهُمْ أَوْجَهُ، وَالرِّقَّ فِيهِمْ
أَكْثَرُ حَتَّى إِنَّ الْجَوَارِيَ مَنْ لَا يَرْغَبُ فِي
الْعِتْقِ وَتَضِيعُ مَعَهُ، وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ
بِسِرَايَةِ الْحُرِّيَّةِ فِيمَنْ تَلِدُ الْأُنْثَى
كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ
يُقَابِلُهُ مَا ذُكِرَ أَنَّ عِتْقَ الْأُنْثَى غَالِبًا
يَسْتَلْزِمُ ضَيَاعَهَا، وَأَنَّ فِي عِتْقِ الذَّكَرِ
مِنَ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَا
يَصْلُحُ لِلْإِنَاثِ.
(4/153)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًا
وَأُمَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1518 - 1470 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًى
وَأُمَّهُ) أَيْ وَالِدَتَهُ الَّتِي زَنَتْ بِهِ.
(4/153)
[باب مَصِيرِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَتْ بَرِيرَةُ
فَقَالَتْ إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ
فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ
عَائِشَةُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ
عَنْكِ عَدَدْتُهَا وَيَكُونَ لِي وَلَاؤُكِ فَعَلْتُ
فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ
ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ
أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ إِنِّي قَدْ
عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ
يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا
فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ
الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ
رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ
اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ
اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا
الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
10 - بَابُ مَصِيرِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ
1519 - 1471 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ) عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
(عَنْ) خَالَتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ
بَرِيرَةُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَرَاءَيْنَ بِلَا
نَقْطٍ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٍ
(4/153)
بِوَزْنِ فَعِيلَةٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ
الْبَرِيرِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، وَقِيلَ كَأَنَّهَا
فَعِيلَةٌ مِنَ الْبُرِّ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ
كَمَبْرُورَةٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كَرَحِيمَةٍ،
هَكَذَا وَجَّهَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ:
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ
اسْمُهَا بَرَّةَ، وَقَالَ: " لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ»
". فَلَوْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مِنَ الْبِرِّ لَشَارَكَتْهَا
فِي ذَلِكَ، وَكَانَتْ بَرِيرَةُ لِنَاسٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ كَمَا عِنْد أَبِي نُعَيْمٍ، وَقِيلَ لِنَاسٍ
مِنْ بَنِي هِلَالٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ،
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَقِيلَ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ
جَحْشٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ زَوْجَهَا مُغِيثٌ هُوَ
الَّذِي كَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ، وَقِيلَ لِآلِ
عُقْبَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَوْلَى
عُقْبَةَ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ، فَذَكَرَتْ لَهُ قِصَّةَ بَرِيرَةَ،
أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَكَانَتْ بَرِيرَةُ تَخْدِمُ
عَائِشَةَ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ كَمَا فِي حَدِيثِ
الْإِفْكِ، وَعَاشَتْ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ
وَتَفَرَّسَتْ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
أَنَّهُ يَلِي الْخِلَافَةَ فَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ،
وَرَوَاهُ هُوَ عَنْهَا كَمَا قَدَّمْتُهُ. (فَقَالَتْ:
إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي) يَعْنِي سَادَاتَهَا،
وَالْأَهْلُ فِي الْأَصْلِ الْآلُ (عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ)
بِوَزْنِ جَوَارٍ، وَالْأَصْلُ أَوَاقِيُّ بِشَدِّ
الْيَاءِ فَحُذِفَتْ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ تَخْفِيفًا
وَالثَّانِيَةُ عَلَى طَرِيقَةِ قَاضٍ (فِي كُلِّ عَامٍ
أُوقِيَّةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ
دِرْهَمًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ،
وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ: أَنْ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا
تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْسُ
أَوَاقٍ نَجَمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ، وَجَزَمَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّهَا غَلَطٌ، وَيُمْكِنُ
الْجَمْعُ بِأَنَّ التِّسْعَ أَصْلٌ وَالْخَمْسَ كَانَتْ
بَقِيَتْ عَلَيْهَا، وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ
وَغَيْرُهُ، وَيُعَكَّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ
قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَلَمْ
تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَأُجِيبُ
بِأَنَّهَا كَانَتْ حَصَّلَتِ الْأَرْبَعَ أَوَاقٍ قَبْلَ
أَنْ تَسْتَعِينَ بِعَائِشَةَ ثُمَّ جَاءَتْهَا وَقَدْ
بَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسَةٌ، وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ
بِأَنَّ الْخَمْسَ هِيَ الَّتِي كَانَتِ اسْتَحَقَّتْ
عَلَيْهَا بِحُلُولِ نُجُومِهَا مِنْ جُمْلَةِ التِّسْعِ
الْأَوَاقِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ
عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ
أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ مَا تَبَقَّى
(فَأَعِينِينِي) بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤَنَّثِ مِنَ
الْإِعَانَةِ، وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ
الْبُخَارِيِّ " فَأَعْيَتْنِي " بِصِيغَةِ الْخَبَرِ
الْمَاضِي مِنَ الْإِعْيَاءِ، أَيْ أَعْجَزَتْنِي
الْأَوَاقِيُّ عَنْ تَحْصِيلِهَا وَهُوَ مُتَّجِهُ
الْمَعْنَى، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
هِشَامٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ:
فَأَعْتِقِينِي، مِنَ الْعِتْقِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ،
لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ
الْأَوَّلُ. (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ)
بِكَسْرِ الْكَافِ، مَوَالِيكِ (أَنْ أَعُدَّهَا) أَيِ
التِّسْعَ أَوَاقٍ (لَهُمْ) ثَمَنًا (عَنْكِ عَدَدْتُهَا)
فِيهِ أَنَّ الْعَدَّ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَعْلُومَةِ
الْوَزْنِ يَكْفِي عَنِ الْوَزْنِ، وَأَنَّ الْمُعَامَلَةَ
حِينَئِذٍ كَانَتْ بِالْأَوَاقِيِّ، وَزَعَمَ
(4/154)
بَعْضُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ
كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالْعَدِّ حَتَّى قَدِمَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْوَزْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ
لِأَنَّ قِصَّةً بَرِيرَةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ
ثَمَانِ سِنِينَ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَ
عَائِشَةَ أَنْ أَعُدَّهَا أَيْ أَدْفَعَهَا لَا حَقِيقَةَ
الْعَدِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ
الْآتِيَةِ: أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً
وَاحِدَةً (وَيَكُونَ) عَطْفًا عَلَى " أَعُدَّهَا "
(وَلَاؤُكِ لِي) بَعْدَ أَنْ أُعْتِقَكِ (فَعَلْتُ)
جَوَابُ الشَّرْطِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ
عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا إِذَا
بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَمْ يَقَعْ
ذَلِكَ ; إِذْ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى
عَائِشَةَ بِطَلَبِهَا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهَا،
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ كِلَاهُمَا
عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ، فَقَالَ
بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً
وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي
فَعَلْتُ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ
تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تَعْتِقَهَا ; إِذِ
الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ
رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي
(فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ
ذَلِكَ) الَّذِي قَالَتْهُ عَائِشَةُ (فَأَبَوْا
عَلَيْهَا) أَيِ امْتَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ
لِعَائِشَةَ (فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا) إِلَى
عَائِشَةَ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَالِسٌ) عِنْدَهَا (فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ:
إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ
الْكَافِ الَّذِي قُلْتِيهِ (فَأَبَوْا عَلَيَّ إِلَّا
أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ) اسْتِثْنَاءٌ مُفْرَّغٌ ;
لِأَنَّ فِي أَبَى مَعْنَى النَّفْيِ، قَالَ
الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: فَإِنْ قُلْتَ:
كَيْفَ جَازَ أَبَى اللَّهُ إِلَّا كَذَا وَلَا يُقَالُ
كَرِهْتُ وَأَبْغَضْتُ إِلَّا زَيْدًا؟ قُلْتُ: قَدْ
أَجْرَى أَبَى مَجْرَى لَمْ يُرِدْ، أَلَا تَرَى كَيْفَ
قُوبِلَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِقَوْلِهِ: وَيَأْبَى اللَّهُ، وَكَيْفَ أُوقِعَ مَوْقِعَ
وَلَا يُرِيدُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.
(فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) مِنْ بَرِيرَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ
(فَسَأَلَهَا) أَيْ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةِ
الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ: «مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ» ؟
(فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ) بِهِ عَلَى سَبِيلِ
التَّفْصِيلِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي
أُسَامَةَ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ
رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ
هِشَامٍ: فَجَاءَتْنِي بَرِيرَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ لِي: فِيمَا
بَيْنِي وَبَيْنَهَا مَا رَدُّ أَهْلِهَا، فَقُلْتُ:
لَاهَا اللَّهِ إِذًا وَرَفَعْتُ صَوْتِي
وَانْتَهَرْتُهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: خُذِيهَا) أَيِ اشْتَرِيهَا مِنْهُمْ،
لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَقَالَ: ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي،
فَهَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ خُذِيهَا، وَكَذَا
رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
عَائِشَةَ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ
قَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قُلْتُ: نَعَمْ
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ التَّالِي: لِهَذَا
أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ
(4/155)
تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا
(فَاشْتَرِطِي) بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤَنَّثِ مِنَ
الشَّرْطِ (لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ) فَعَبَّرَ بِإِنَّمَا الَّتِي لِلْحَصْرِ
وَهُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ
عَمَّا عَدَاهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا لَزِمَ مِنْ
إِثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ
(فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ) الشِّرَاءَ وَالْعِتْقَ، قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ: كَذَا رَوَاهُ
أَصْحَابُ هِشَامٍ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ عَنْ
هِشَامٍ، وَاسْتُشْكِلَ صُدُورُ إِذْنهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ يُفْسِدُ
الْبَيْعَ، وَخِدَاعِ الْبَائِعِينَ، وَشَرْطِ مَا لَا
يَصِحُّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ، وَلِذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ
يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي
الْأُمِّ إِلَى تَضْعِيفِ رِوَايَةِ هِشَامٍ
الْمُصَرِّحَةِ بِالِاشْتِرَاطِ لِانْفِرَادِهِ بِهَا
دُونَ أَصْحَابِ أَبِيهِ، وَرِوَايَاتُ غَيْرِهِ قَابِلَةٌ
لِلتَّأْوِيلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ هِشَامًا رَوَى
بِالْمَعْنَى مَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ كَمَا
ظَنَّ، وَأَثْبَتَ الرِّوَايَةَ آخَرُونَ، وَقَالُوا:
هِشَامٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى
صِحَّتِهِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ، قَالَ ابْنُ
خُزَيْمَةَ: وَكَلَامُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ غَلَطٌ،
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي التَّوْجِيهِ فَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ
عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بِلَفْظِ: "
وَأَشْرِطِي " بِهَمْزَةِ قَطْعٍ بِغَيْرِ فَوْقِيَّةٍ،
وَمَعْنَاهُ أَظْهِرِي لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ،
وَالِاشْتِرَاطُ الْإِظْهَارُ، قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ
يَذْكُرُ رَجُلًا نَزَلَ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ إِلَى
نَبْقَةٍ يَقْطَعُهَا لِيَتَّخِذَ مِنْهَا قَوْسًا:
فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ ... وَأَلْقَى
بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا
أَيْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ لَمَّا حَاوَلَ أَنْ يَفْعَلَ،
انْتَهَى. فَأَنْكَرَ غَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
بِأَنَّ الَّذِي فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ
وَغَيْرِهِمَا عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ
كَرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ " وَاشْتَرِطِي "
بِالْفَوْقِيَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى
عَلَى كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:
7] (سورة الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 7) قَالَهُ
الشَّافِعِيُّ، وَالْمُزَنِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ
وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إِنَّهُ لَا
يَصِحُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْكَرَ الِاشْتِرَاطَ
وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَمْ يُنْكِرْهُ، فَإِنْ
قِيلَ: إِنَّمَا أَنْكَرَ إِرَادَةَ الِاشْتِرَاطِ فِي
أَوَّلِ الْأَمْرِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ
يَأْبَى ذَلِكَ. وَضَعَّفَهُ أَيْضًا ابْنُ دَقِيقِ
الْعِيدِ بِأَنَّ اللَّامَ لَا تَدُلُّ بِوَضْعِهَا عَلَى
الِاخْتِصَاصِ النَّافِعِ بَلْ عَلَى مُطْلَقِ
الِاخْتِصَاصِ، فَلَا بُدَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ
مِنْ قَرِينَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَمْرُ فِي
اشْتَرِطِي لِلْإِبَاحَةِ عَلَى جِهَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ، فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ
كَأَنَّهُ قَالَ: اشْتَرِطِي أَوْ لَا تَشْتَرِطِي.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ
الْبُخَارِيِّ: اشْتَرِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا
شَاءُوا. وَقِيلَ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ
الْبَائِعِ الْوَلَاءَ بَاطِلٌ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ
بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ بَرِيرَةَ، فَلَمَّا
أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِطُوا مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ عُلِمَ
بُطْلَانُهُ، أَطْلَقَ الْأَمْرَ مُرِيدًا التَّهْدِيدَ
عَلَى مَآلِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}
[التوبة: 105] (سورة التَّوْبَةِ: الْآيَةَ: 105)
وَكَقَوْلِ مُوسَى: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ}
[يونس: 80] (سورة يُونُسَ: الْآيَةَ: 80) فَلَيْسَ
بِنَافِعِكُمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: اشْتَرِطِي لَهُمْ
(4/156)
فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ،
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَبَّخَهُمْ فِي خُطْبَتِهِ
بِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ
اللَّهِ بِإِبْطَالِهِ ; إِذْ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْ بَيَانَ
ذَلِكَ لَبَدَأَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي الْخُطْبَةِ لَا
بِتَوْبِيخِ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى
الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ: الْأَمْرُ فِيهِ
بِمَعْنَى الْوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْأَمْرُ
وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ} [فصلت: 40] (سورة فُصِّلَتْ: الْآيَةَ: 40)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا كَانَ مَنِ اشْتَرَطَ
خِلَافَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَ
فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَأَدَبٌ، كَانَ مِنْ أَدَبِ
الْعَاصِينَ أَنْ تُعَطَّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطُهُمْ
لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَرْتَدِعَ غَيْرُهُمْ،
وَذَلِكَ مِنْ أَيْسَرِ الْأَدَبِ، وَقِيلَ: مَعْنَى "
اشْتَرِطِي " اتْرُكِي مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا شَرَطُوهُ
وَلَا تُظْهِرِي نِزَاعَهُمْ فِيمَا طَلَبُوهُ مُرَاعَاةً
لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ إِلَيْهِ،
وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ التَّرْكِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] (سورة
الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ: 102) أَيْ بِتَرْكِهِمْ
يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ
إِبَاحَةَ الْإِضْرَارِ بِالسِّحْرِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ
الْعِيدِ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إِلَّا
أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ
عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ. وَقَالَ
النَّوَوِيُّ: أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّ هَذَا
الْحُكْمَ خَاصٌّ بِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ،
وَأَنَّ سَبَبَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ
هَذَا الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَهُوَ
كَفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا
بِتِلْكَ الْحَجَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ مَا
كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ
الضَّرَرَيْنِ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِزَالَةَ أَشَدِّهِمَا،
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ،
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ
التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبِأَنَّ
الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ
اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ كَانَ مُقَارِنًا
لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَابِقًا
عَلَيْهِ، فَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ " اشْتَرِطِي "
مُجَرَّدُ وَعْدٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَتُعُقِّبَ
بِاسْتِبْعَادِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَأْمُرُ شَخْصًا أَنْ يَعِدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا
يَفِي بِذَلِكَ الْوَعْدِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ
الْحُكْمُ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ
الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي
الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ جَائِزًا فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ
بِالْخُطْبَةِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ
وَسِيَاقُ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَدْفَعُ فِي وَجْهِ هَذَا
الْجَوَابِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُ الْحَدِيثِ
أَنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ،
وَالْإِنْسَانُ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ
وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ، وَلَوْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِهِ
فَكَذَلِكَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ،
وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَ وَلَائِهِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ فِي
نَقْلِهِ عَنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لَمْ يَعْبَأْ
بِاشْتِرَاطِهِمُ الْوَلَاءَ، وَقِيلَ: اشْتَرِطِي
وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَقْدِ، بَلْ
بِمَنْزِلَةِ لَغْوِ الْكَلَامِ وَأَخَّرَ إِعْلَامَهُمْ
لِيَكُونَ رَدُّهُ وَإِبْطَالُهُمْ قَوْلًا شَهِيرًا
يُخْطَبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ظَاهِرًا، وَهُوَ
أَبْلَغُ فِي النَّكِيرِ وَآكَدُ فِي التَّغْيِيرِ،
انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَوَّلُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ
بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ) خَطِيبًا (فَحَمِدَ اللَّهَ
(4/157)
وَأَثْنَى عَلَيْهِ) بِمَا هُوَ أَهْلُهُ
(ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الْحَمْدِ
وَالثَّنَاءِ، وَفِيهِ الْقِيَامُ فِي الْخُطْبَةِ
وَابْتِدَاؤُهَا بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَأَمَّا بَعْدُ
(فَمَا) بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ أَمَّا، وَفِي رِوَايَةِ
التِّنِّيسِيِّ بِلَا فَاءٍ عَلَى الْقَلِيلِ (بَالُ) أَيْ
حَالُ (رِجَالٍ) وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ وَالْعِشْرَةِ
فَلَمْ يُوَاجِهْهُمْ بِالْخِطَابِ وَلَمْ يُصَرِّحْ
بِأَسْمَائِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْرِيرُ
شَرْعٍ عَامٍّ لِلْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ
وَلِلصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا
بِخِلَافِ قِصَّةِ عَلِيٍّ فِي خِطْبَتِهِ بِنْتَ أَبِي
جَهْلٍ فَكَانَتْ خَاصَّةً بِفَاطِمَةَ فَلِذَا عَيَّنَهَا
( «يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ»
) أَيْ لَيْسَتْ فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ مِنْ كِتَابِهِ
أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ
بِاتِّبَاعِهِ جَازَ أَنْ يُقَالَ: لِمَا حَكَمَ بِهِ
حُكْمُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ
الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي
نَصِّ الْكِتَابِ وَلَا دَلَالَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ. زَادَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَوْ إِجْمَاعِ
الْأُمَّةِ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: أَيْ لَيْسَ فِي
حُكْمِ اللَّهِ جَوَازُهُ أَوْ وُجُوبُهُ ; لِأَنَّ كُلَّ
شَرْطِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الْقُرْآنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ
قَدْ يُشْتَرَطُ الْكَفِيلُ فَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ،
وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ شَرْطٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ
نُجُومِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَبْطُلُ. وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ لَيْسَ مَشْرُوعًا فِي كِتَابِ
اللَّهِ تَأْصِيلًا وَلَا تَفْصِيلًا، وَمَعْنَى هَذَا
أَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يُوجَدُ تَفْصِيلُهُ فِي
كِتَابِ اللَّهِ كَالْوُضُوءِ، وَمِنْهَا مَا يُوجَدُ
تَأْصِيلُهُ دُونَ تَفْصِيلِهِ كَالصَّلَاةِ، وَمِنْهَا
مَا أُصِّلَ أَصْلُهُ لِدَلَالَةِ الْكِتَابِ عَلَى
أَصْلِيَّةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ
الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ فَكُلُّ مَا يُقْتَبَسُ مِنْ هَذِهِ
الْأُصُولِ تَفْصِيلًا فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ تَأْصِيلًا. ( «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ) جَوَابُ مَا
الْمَوْصُولَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَعْنَى الشَّرْطِ (
«وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ
وَغَيْرُهُ: خَرَجَ مَخْرَجَ التَّكْثِيرِ؛ لِأَنَّ
الْعُمُومَ فِي قَوْلِهِ: مَا كَانَ. . . إِلَخْ، دَالٌّ
عَلَى بُطْلَانِ جَمِيعِ الشُّرُوطِ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى
مِائَةِ شَرْطٍ، يَعْنِي أَنَّ الشُّرُوطَ الْغَيْرَ
مَشْرُوعَةٍ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَيُسْتَفَادُ
مِنْهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَشْرُوعَةَ صَحِيحَةٌ،
وَقَالَ الْمَازَرِيُّ: الشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ: شَرْطُ
الْعَقْدِ كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّصَرُّفِ فَلَا خِلَافَ
فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ.
وَشَرْطٌ لَا يَقْتَضِهِ بَلْ هُوَ مُصْلِحٌ لَهُ كَرَهْنٍ
وَحَمِيلٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَلْزَمُ إِلَّا بِشَرْطٍ.
وَشَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِلْعَقْدِ، فَهَذَا اضْطَرَبَ فِيهِ
الْعُلَمَاءُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ
الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ مَعًا لِحَدِيثِ: " «مَنْ أَدْخَلَ
فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» " وَلِمَا
فِي الْعَقْدِ مِنَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ
وُضِعَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنَ
الْمُعَاوَضَةِ، فَيَجِبُ بُطْلَانُ مَا قَابَلَهُ وَهُوَ
مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ مَا
سِوَاهُ فَيَجِبُ فَسْخُ الْجَمِيعِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ
الشَّرْطُ خَاصَّةً (قَضَاءُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمُهُ
(أَحَقُّ) بِالِاتِّبَاعِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ.
(وَشَرْطُ اللَّهِ) أَيْ قَوْلُهُ: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي
الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] (سورة
الْأَحْزَابِ: الْآيَةَ: 5)
(4/158)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] (سورة الْحَشْرِ: الْآيَةُ 7)
لِآيَةٍ قَالَهَا الدَّاوُدِيُّ. قَالَ عِيَاضٌ:
وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ» ". وَقَوْلُهُ: " «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ»
". وَقَوْلُهُ: " «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ
النَّسَبِ» ". (أَوْثَقُ) أَقْوَى بِاتِّبَاعِ حُدُودِهِ
الَّتِي حَدَّهَا وَأَفْعَلُ فِيهِمَا لَيْسَ عَلَى
بَابِهِ إِذْ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْحَقِّ
وَالْبَاطِلِ، وَقَدْ جَاءَ أَفْعَلُ لِغَيْرِ
التَّفْضِيلِ كَثِيرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ
عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنَ الْجَوَازِ. ( «وَإِنَّمَا
الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثًى
وَاحِدًا أَوْ جَمْعًا ; لِأَنَّ " مَنْ " لِلْعُمُومِ لَا
لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا يَحْلِفُ خِلَافًا
لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَا لِلْمُلْتَقَطِ خِلَافًا
لِإِسْحَاقَ، وَفِيهِ جَوَازُ السَّجْعِ غَيْرِ
الْمُتَكَلَّفِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَجْعِ الْكُهَّانِ
وَشَبَّهَهُ لِتَكَلُّفِهِ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى مَطْوِيِّ
الْغَيْبِ، وَجَوَازُ كِتَابَةِ الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ،
وَكِتَابَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ
الزَّوْجُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهَا لَوْ
كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى فِرَاقِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ
لِلْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ مَنْعُ السَّيِّدِ مِنْ عِتْقِ
أَمَتِهِ الَّتِي تَحْتَهُ وَإِنْ أَدَّى إِلَى بُطْلَانِ
نِكَاحِهَا، وَجَوَازُ سَعْيِ الْمُكَاتَبَةِ وَسُؤَالِهَا
وَاكْتِسَابِهَا وَتَمْكِينِ السَّيِّدِ لَهَا مِنْ
ذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ إِذَا عَلِمَ حِلَّ كَسْبِهَا،
وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ
عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حِلَّهُ أَوْ غَيْرِ
الْمُكَاتَبَةِ، وَأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ
حِينِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطَ عَجْزُهُ خِلَافًا
لِمَنْ شَرَطَهُ، وَجَوَازُ السُّؤَالِ لِمَنِ احْتَاجَ
إِلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ،
وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُ مَالِ الْكِتَابَةِ،
وَالْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَتَشْدِيدِ
صَاحِبِ السِّلْعَةِ فِيهَا، وَتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ
الرَّشِيدَةِ لِنَفْسِهَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ
مُتَزَوِّجَةً خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ
لَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ
مُقَامَهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُذِنَ لَهُ فِي
التِّجَارَةِ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَجَوَازُ رَفْعِ
الصَّوْتِ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ، وَأَنَّهُ
يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْعِتْقِ
إِظْهَارُ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ الرَّقَبَةِ لِيُسَاهِلُوهُ
فِي الثَّمَنِ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الرِّيَاءِ
وَإِنْكَارِ الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ
وَانْتِهَارِ الرَّسُولِ فِيهِ، وَأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا
بِيعَ بِالنَّقْدِ فَالرَّغْبَةُ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا
إِذَا بِيعَ بِالنَّسِيئَةِ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ
عَجَّلَ بَعْضَ كِتَابَتِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ عَلَى أَنْ
يَضَعَ عَنْهُ سَيِّدُهُ الْبَاقِيَ يُجْبَرُ، وَجَوَازُ
الْكِتَابَةِ عَلَى قِيمَةِ الرَّقِيقِ وَأَقَلَّ مِنْهَا
وَأَكْثَرَ ; لِأَنَّ مِنَ الثَّمَنِ الْمَنَجَّزِ
وَالْمُؤَجَّلِ فَرْقًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَذَلَتْ
عَائِشَةُ الْمُؤَجَّلَ نَاجِزًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
قِيمَتَهَا بِالتَّأْجِيلِ أَكْثَرُ مِمَّا كُوتِبَتْ بِهِ
وَكَانَ أَهْلُهَا بَاعُوهَا بِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ
بِالْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (سورة النُّورِ:
الْآيَةَ: 33) الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ وَالْوَفَاءِ
بِمَا وَقَعَتِ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ
الْمُرَادُ بِهِ الْمَالَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ
الْمَالُ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنِ الْعَبْدَ لَا
يَمْلِكُ، فَنُسِبَ إِلَى التَّنَاقُضِ لِأَنَّ الْمَالَ
الَّذِي فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ
يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ؟ وَمَنْ يَقُولُ: الْعَبْدُ
يَمْلِكُ، لَا يُرَدُّ هَذَا عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ:
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. وَفِيهِ جَوَازُ مَنْ لَا
حِرْفَةَ لَهُ وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَلَفَ
عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَذَلِكَ أَنْ بَرِيرَةَ
اسْتَعَانَتْ عَلَى
(4/159)
كِتَابَتِهَا، فَلَوْ كَانَ لَهَا حِرْفَةٌ
أَوْ مَالٌ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ؛ لِأَنَّ
كِتَابَتَهَا لَمْ تَكُنْ حَالَّةً. وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ
مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ
عَائِشَةَ ابْتَاعَتْ بَرِيرَةَ مُكَاتَبَةً، وَهِيَ لَمْ
تَقْبِضْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا. وَجَوَازُ أَخْذِ
الْكِتَابَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَالرَّدِّ عَلَى
مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ.
وَمَشْرُوعِيَّةُ إِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ بِالصَّدَقَةِ،
وَجَوَازُ التَّأْقِيتِ فِي الدُّيُونِ فِي كُلِّ شَهْرٍ
كَذَا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَلَا
يَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ
بِانْقِضَاءِ الشَّهْرِ الْحُلُولُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ، وَنَظَرَ فِيهِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ قَوْلَ
بَرِيرَةَ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، أَيْ فِي غُرَّتِهِ
مَثَلًا، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ
الْكِتَابَةِ وَالدُّيُونِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا
عَجَزَ حَلَّ لِسَيِّدِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ
الْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا فَرْقَ
بَيْنَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ
مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَصَّرَ فِي بَيَانِ
تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَإِلَّا يَصِيرُ الْأَجَلُ
مَجْهُولًا، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْعِ
إِلَّا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ أَكْثَرُوا فِي
حَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ، فَمِنْهُمْ مَنْ
أَجَادَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَلَطَ وَأَتَى بِمَا لَا مَعْنَى
لَهُ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: فِيهِ إِبَاحَةُ الْبُكَاءِ
فِي الْمَحَبَّةِ لِبُكَاءِ زَوْجِ بَرِيرَةَ، وَذُكِرَ
فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي النِّكَاحِ أَنَّ ابْنَ
خُزَيْمَةَ، وَابْنَ جَرِيرٍ أَلَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا
كِتَابًا فِي ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَبَلَّغَ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ فَوَائِدَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ
أَكْثَرُهَا مُسْتَبْعَدٌ مُتَكَلَّفٌ، كَمَا وَقَعَ
نَظِيرُ ذَلِكَ لِلَّذِي صَنَّفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى
حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ فَبَلَغَ بِهِ أَلْفَ
فَائِدَةٍ وَوَاحِدَةً. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
الْبُيُوعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي
الشُّرُوطِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَجَمَاعَةٌ بِكَثْرَةٍ
عَنْ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَطُرُقُهُ
كَثِيرَةٌ عِنْدَهُمْ.
(4/160)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً
تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ
وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا
يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1520 - 1472 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ) وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهَا،
وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَفَرُّدِهِ عَنْ
مَالِكٍ بِذَلِكَ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ
الشَّافِعِيَّ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي
عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَمْ
يُرِدْ بِعْنَ هُنَا الرِّوَايَةَ عَنْهَا نَفْسِهَا بَلْ
فِي السِّيَاقِ شَيْءٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عَنْ
قِصَّةِ عَائِشَةَ فِي أَنَّهَا (أَرَادَتْ أَنْ
تَشْتَرِيَ جَارِيَةً) هِيَ بَرِيرَةُ (تُعْتِقُهَا)
بِالرَّفْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِتُعْتِقَهَا بِلَامٍ،
وَفِي أُخْرَى فَتُعْتِقَهَا بِالْفَاءِ بَدَلَ اللَّامِ،
فَهُوَ بِالنَّصْبِ (فَقَالَ أَهْلُهَا) مَوَالِيهَا
(نَبِيعُكِهَا) بِكَسْرِ الْكَافِ (عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا
لَنَا فَذَكَرَتْ) عَائِشَةُ (ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ مَا سَأَلَهَا
حِينَ سَمِعَ إِخْبَارَ بَرِيرَةَ لَهَا
(4/160)
كَمَا مَرَّ (فَقَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ)
بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وَلِيَحْيَى
النَّيْسَابُورِيِّ بِدُونِهَا (ذَلِكِ) بِكَسْرِ
الْكَافِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، وَلَيْسَ فِيهِمَا
شَيْءٌ مِنَ الْإِشْكَالِ الْوَاقِعِ فِي رِوَايَةِ
هِشَامٍ السَّابِقَةِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَعَلَّ
هِشَامًا أَوْ عُرْوَةَ حِينَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ، رَأَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ
تَشْتَرِطَ لَهُمُ الْوَلَاءَ فَلَمْ يَقِفْ مِنْ حَفِظَهُ
عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ
هِشَامًا ثِقَةٌ، حَافِظٌ، حَدِيثُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى
صِحَّتِهِ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ، فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ
بِمَا مَرَّ.
(فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) بِلَامِ
الِاخْتِصَاصِ، أَيْ أَنَّ الْوَلَاءَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ
أَعْتَقَ، قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَجَوَّزَ غَيْرُهُ
أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] (سورة
الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةَ: 1) أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ،
وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ
لِغَيْرِ مَنْ أَعْتَقَ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: فِيهِ
حُجَّةٌ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ أَنَّهُ
لَا وَلَاءَ لِمُلْتَقِطِ اللَّقِيطِ خِلَافًا
لِإِسْحَاقَ، وَلَا لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ
خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْوَلَاءُ فِي جَمِيعِهِمْ
لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ
وَارِثٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ
يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَيَرِثَهُ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ
عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ
الْحُكْمَ لِلْمَذْكُورِ وَتَنْفِيهِ عَمَّا سِوَاهُ،
وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِتَحْقِيقِ الْمُتَّصِلِ
وَتَمْحِيقِ الْمُنْفَصِلِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: " إِنَّمَا
" مُرَكَّبَةٌ مِنْ " إِنَّ " الَّتِي هِيَ حَرْفُ نَفْيٍ،
وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحُرُوفِ عَلَى مَعَانِيهَا، ثُمَّ
الضَّمِّ، وَلَمَّا اسْتَحَالَ رَدُّ النَّفْيِ إِلَى
نَفْسِ الْمُثْبَتِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَجَبَ
حَمْلُهُ عَلَى إِثْبَاتِهِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ
عَمَّا سِوَاهُ، وَبِهِ عُرِفَ الْمُتَّصِلُ وَتَمْحِيقُ
الْمُنْفَصِلِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ قُتَيْبَةَ
بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ
مَالِكٍ بِهِ.
(4/161)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ
بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ
أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً
وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ
لِأَهْلِهَا فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا
وَلَاؤُكِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ
أَنَّ عَائِشَةَ «ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا
وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1521 - 1473 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ)
الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ،
الْمُكْثِرَةِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ
تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) تَطْلُبُ
مِنْهَا الْإِعَانَةَ عَلَى مَا كُوتِبَتْ بِهِ، قَالَ
الْحَافِظُ: صُورَةُ سِيَاقِهِ الْإِرْسَالُ وَلَمْ
تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ
الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يَحْيَى: سَمِعْتُ
عَمْرَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، فَظَهَرَ أَنَّهُ
مَوْصُولٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ
مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: عَنْ عَائِشَةَ أَنْ
بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا
(فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ) سَادَاتُكِ
(أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً) أَيْ
أَدْفَعَهُ عَاجِلًا فِي مَرَّةٍ، تَشْبِيهًا بِصَبِّ
الْمَاءِ وَهُوَ انْسِكَابُهُ (وَأُعْتِقَكِ)
(4/161)
بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّصْبِ عَطْفًا
عَلَى " أَصُبَّ " (فَعَلْتُ) ذَلِكَ (فَذَكَرَتْ)
بِإِسْكَانِ التَّاءِ (ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا)
لِمَوَالِيهَا (فَقَالُوا: لَا) نَبِيعُكِ بِشَرْطِ
الْعِتْقِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا وَلَاؤُكِ، قَالَ
مَالِكٌ: قَالَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ) شَيْخُهُ (فَزَعَمَتْ
عَمْرَةُ) الزَّعْمُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ
الْمُحَقَّقِ أَيْ قَالَتْ (أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا،
فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) لَا لِغَيْرِهِ،
وَظَاهِرُهُ جَوَازُ بِيعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ إِذَا
رَضِيَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ، قَوْلُ
أَحْمَدَ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ
وَأَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُمْ عَلَى تَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ،
وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَأَجَابُوا عَنْ
قِصَّةِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا
وَاسْتَدَلُّوا بِاسْتِعَانَةِ بَرِيرَةَ عَائِشَةَ فِي
ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي اسْتِعَانَتِهَا مَا يَسْتَلْزِمُ
الْعَجْزَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَنْ
لَا مَالَ عِنْدَهُ وَلَا حِرْفَةَ لَهُ، قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ
بَرِيرَةَ أَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ النَّجْمِ وَلَا
أَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَلَمْ
يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ اسْتِفْصَالُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَشْبَهُ مَا قِيلَ
إِنَّهَا عَجَزَتْ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ
أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى مِنَ
الْحُقُوقِ إِلَّا مَا وَجَبَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهَا " كَاتَبْتُ أَهْلِي "
فَقَالَ: مَعْنَاهُ رَاوَضْتُهُمْ وَاتَّفَقْتُ مَعَهُمْ
عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَقَعِ الْعَقْدُ فَبَعْدَ
رَدِّ ذَلِكَ بِيعَتْ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى بَيْعِ
الْمُكَاتَبِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ
ظَاهِرِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: الَّذِي اشْتَرَتْهُ
عَائِشَةُ كِتَابَةُ بَرِيرَةَ لَا رَقَبَتُهَا، وَقَدْ
أَجَازَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: يُؤَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي
فَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لَهُ. وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرَأَيَاهُ غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ لَا
يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ النُّجُومُ أَوِ الرَّقَبَةُ،
وَاسْتَبْعَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا، وَقِيلَ:
إِنَّهُمْ بَاعُوهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَإِذَا وَقَعَ
الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ عَلَى أَصَحِّ
الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ،
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْطُلُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
الْقَاسِمِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ،
وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ
عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عِنْدَ
أَصْحَابِ السُّنَنِ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.
(4/162)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» قَالَ مَالِكٌ
فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى
أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ
وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ أَنَّ
رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ مَا
جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ فَإِذَا
جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لَهُ وَأَنْ
يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَتِلْكَ
الْهِبَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1522 - 1474 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ
(4/162)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ) بِفَتْحِ
الْوَاوِ مَمْدُودٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَلِيِّ؛ وَأَمَّا
مِنَ الْإِمَارَةِ فَالْوِلَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ،
وَقِيلَ فِيهِمَا بِالْوَجْهَيْنِ، وَيُطْلَقُ عَلَى
مَعَانٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هَنَا وَلَاءُ الْإِنْعَامِ
بِالْعِتْقِ.
(وَعَنْ هِبَتِهِ) أَيِ الْوَلَاءِ، وَكَانُوا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ يَنْقُلُونَ الْوَلَاءَ بِالْبَيْعِ
وَغَيْرِهِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ
أَفْرَادِ ابْنِ دِينَارٍ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ فِيهِ
إِلَيْهِ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ حَتَّى
قَالَ مُسْلِمٌ: النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ عَلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ
عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ سَبْعَةٍ فِي صَحِيحِهِ، وَأَوْرَدَهُ
غَيْرُهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ حَدَّثُوا بِهِ
عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ ابْنُ
المَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَالصَّوَابُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا،
وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ، وَجَمِيعُ الْأَئِمَّةِ لَمْ
يَذْكُرُوا عُمَرَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ
دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ
لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ»
". قَالَ الْأُبِّيُّ: هَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَةِ الْوَلَاءِ
شَرْعًا، وَلَا تَجِدُ تَعْرِيفًا أَتَمَّ مِنْهُ،
وَالْمَعْنَى أَنَّ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْعَتِيقِ
نِسْبَةً تُشْبِهُ نِسْبَةَ النَّسَبِ وَلَيْسَتْ بِهِ،
وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْعَبْدَ لِمَا فِيهِ مِنَ
الرِّقِّ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعْتِقُ
صَيَّرَهُ مَوْجُودًا، كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ
مَعْدُومًا فَتَسَبَّبَ الْأَبُ فِي وُجُودِهِ، انْتَهَى.
وَأَصْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَى "
الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ " أَنَّ اللَّهَ
أَخْرَجَهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى النَّسَبِ حُكْمًا كَمَا
أَنَّ الْأَبَ أَخْرَجَهُ بِالنُّطْفَةِ إِلَى الْوُجُودِ
حِسًّا ; لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ كَالْمَعْدُومِ فِي
حَقِّ الْأَحْكَامِ لَا يَقْضِي وَلَا يَلِي وَلَا
يَشْهَدُ، فَأَخْرَجَهُ سَيِّدُهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى
وُجُودِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِهَا، فَلَمَّا
شَابَهَ حُكْمَ النِّسَبِ أُنِيطَ بِالْعِتْقِ فَلِذَا
جَاءَ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُلْحِقَ
بِرُتْبَةِ النَّسَبِ، فَنَهَى عَنْ بَيْعِهِ وَعَنْ
هِبَتِهِ، وَأَجَازَ بَعْضُ السَّلَفِ نَقْلَهُ
وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ.
(قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ
سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ: أَنَّ
ذَلِكَ لَا يَجُوزُ) لَا يَصِحُّ (وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ) بِنَصِّ الْحَدِيثِ، وَبِهَذَا قَالَ
الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَنَّ
رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ) عَتِيقَهُ (أَنْ يُوَالِيَ
مَنْ شَاءَ مَا جَازَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَلَاءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ» ) هَكَذَا وَرَدَ أَيْضًا بِدُونِ
إِنَّمَا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْخَطِيبِ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ( «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ
الْوَلَاءِ» ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، حَقُّ مِيرَاثِ
الْمُعْتِقِ مِنَ
(4/163)
الْعَتِيقِ (وَعَنْ هِبَتِهِ، فَإِذَا
جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ) أَيِ
الْوَلَاءَ (لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (أَوْ يَأْذَنَ لَهُ
أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْهِبَةُ)
الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، فَلِذَا لَا يَجُوزُ.
(4/164)
[باب جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلَاءَ إِذَا
أُعْتِقَ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اشْتَرَى
عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ
امْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ
هُمْ مَوَالِيَّ وَقَالَ مَوَالِي أُمِّهِمْ بَلْ هُمْ
مَوَالِينَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلَائِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
11 - بَابُ جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلَاءَ إِذَا أُعْتِقَ
1523 - 1475 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ الزُّبَيْرَ
بْنَ الْعَوَّامِ) الْحَوَارِيِّ (اشْتَرَى عَبْدًا
فَأَعْتَقَهُ، وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ) جَمْعُ ابْنٍ
(مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ
قَالَ: هُمْ) أَيْ بَنُوهُ (مَوَالِيَّ) بِيَاءِ
الْإِضَافَةِ (وَقَالَ: مَوَالِي أُمِّهِمْ بَلْ هُمْ
مَوَالِينَا) لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ (فَاخْتَصَمُوا إِلَى
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (فَقَضَى
عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلَائِهِمْ) دُونَ مَوَالِي
أُمِّهِمْ.
(4/164)
وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ
أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ
وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ لِمَنْ وَلَاؤُهُمْ فَقَالَ
سَعِيدٌ إِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ
فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ قَالَ مَالِكٌ
وَمَثَلُ ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْمَوَالِي
يُنْسَبُ إِلَى مَوَالِي أُمِّهِ فَيَكُونُونَ هُمْ
مَوَالِيَهُ إِنْ مَاتَ وَرِثُوهُ وَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً
عَقَلُوا عَنْهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ أُلْحِقَ
بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَكَانَ
مِيرَاثُهُ لَهُمْ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَيُجْلَدُ
أَبُوهُ الْحَدَّ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ
الْمُلَاعِنَةُ مِنْ الْعَرَبِ إِذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا
الَّذِي لَاعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ بِمِثْلِ هَذِهِ
الْمَنْزِلَةِ إِلَّا أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ
مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ لِعَامَّةِ
الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يُلْحَقْ بِأَبِيهِ وَإِنَّمَا
وَرَّثَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ الْمُوَالَاةَ مَوَالِيَ
أُمِّهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ لِأَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلَا عَصَبَةٌ فَلَمَّا ثَبَتَ
نَسَبُهُ صَارَ إِلَى عَصَبَتِهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ
الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي وَلَدِ الْعَبْدِ
مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَبُو الْعَبْدِ حُرٌّ أَنَّ
الْجَدَّ أَبَا الْعَبْدِ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ ابْنِهِ
الْأَحْرَارِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ يَرِثُهُمْ مَا دَامَ
أَبُوهُمْ عَبْدًا فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ
الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِيهِ وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ
كَانَ الْمِيرَاثُ وَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ وَإِنْ
الْعَبْدُ كَانَ لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ
أَحَدُهُمَا وَأَبُوهُ عَبْدٌ جَرَّ الْجَدُّ أَبُو
الْأَبِ الْوَلَاءَ وَالْمِيرَاثَ قَالَ مَالِكٌ فِي
الْأَمَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ
ثُمَّ يَعْتِقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا
أَوْ بَعْدَمَا تَضَعُ إِنَّ وَلَاءَ مَا كَانَ فِي
بَطْنِهَا لِلَّذِي أَعْتَقَ أُمَّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ
الْوَلَدَ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ
تُعْتَقَ أُمُّهُ وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي
تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّ
الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إِذَا
عَتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي
الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا
لَهُ فَيَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ إِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ
الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ
لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1523 - 1476 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنَ
امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، لِمَنْ وَلَاؤُهُمْ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ:
إِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ) صِفَةٌ
كَاشِفَةٌ لِ " عَبْدٍ " لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ
إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ
(فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ) وَإِنْ عُتِقَ
قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْوَلَاءُ (قَالَ
مَالِكٌ: وَمَثَلُ) بِفُتْحَتَيْنِ (ذَلِكَ وَلَدُ
الْمُلَاعَنَةِ مِنَ الْمَوَالِي) صِفَةٌ لَهَا (يُنْسَبُ
إِلَى مَوَالِي أُمِّهِ
(4/164)
فَيَكُونُونَ هُمْ مَوَالِيَهُ إِنْ مَاتَ
وَرِثُوهُ وَإِنَّ جَرَّ جَرِيرَةً) فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى
مُفَعْوِلَةٍ، مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَنْبٍ،
وَالْمَعْنَى: وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً (عَقَلُوا عَنْهُ)
لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ (فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ
أُلْحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ
وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ
وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَدَّ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ.
(وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلَاعَنَةُ) بِفَتْحِ
الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا (مِنَ الْعَرَبِ) أَيِ الْأَحْرَارِ
أَصَالَةً (إِذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لَاعَنَهَا
بِوَلَدِهَا صَارَ بِمِثْلِ) أَيْ صِفَةِ (هَذِهِ
الْمَنْزِلَة إِلَّا أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ
مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ لِعَامَّةِ
الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَلْحَقْ بِأَبِيهِ) فَإِنِ
اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَ بِهِ (وَإِنَّمَا وَرَّثَ) بِشَدِّ
الرَّاءِ (وَلَدُ) فَاعِلٌ (الْمُلَاعَنَةِ الْمُوَالَاةَ)
بِالْجَرِّ صِفَةٌ (مَوَالِيَ أُمِّهِ) مَفْعُولٌ (قَبْلَ
أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
لَهُ نَسَبٌ وَلَا عَصَبَةٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ)
بِاعْتِرَافِ أَبِيهِ (صَارَ إِلَى عَصَبَتِهِ) أَيْ عَادَ
إِلَيْهِمْ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
فِي وَلَدِ الْعَبْدِ مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَبُو
الْعَبْدِ حُرٌّ: أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْعَبْدِ يَجُرُّ
وَلَاءَ وَلَدِ ابْنِهِ الْأَحْرَارِ مِنَ امْرَأَةٍ
حُرَّةٍ تَرِثُهُمْ مَا دَامَ أَبُوهُمْ عَبْدًا، فَإِنْ
عَتَقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِيهِ،
وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ) أَيِ اسْتَمَرَّ
(الْمِيرَاثُ وَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ، وَإِنِ) بِكَسْرِ
الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (الْعَبْدُ كَانَ
لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَأَبُوهُ
عَبْدٌ حُرٌّ) سَحَبَ (الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ الْوَلَاءَ
وَالْمِيرَاثَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
(4/165)
(قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ
وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ، ثُمَّ يُعْتَقُ
زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَوْ بَعْدَمَا
تَضَعُ: إِنَّ وَلَاءَ مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا لِلَّذِي
أَعْتَقَ أُمَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَدْ كَانَ
أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ أُمُّهُ)
فَثَبَتَ لِمُعْتِقِهَا فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ (وَلَيْسَ
هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ
الْعَتَاقَةِ ; لِأَنَّ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ
بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ
وَلَاءَهُ) أَيْ سَحَبَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ
يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لَهُ
فَيَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ) فِي عِتْقِهِ (إِنَّ وَلَاءَ
الْمُعْتَقِ) بِالْفَتْحِ (لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ
الْمُعَتِقُ حَقِيقَةً (لَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ إِلَى
سَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ) لِأَنَّهُ
ثَبَتَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ.
(4/166)
[باب مِيرَاثِ الْوَلَاءِ]
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ
لَهُ ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ
فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا
وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ
مَالَهُ وَوَلَاءَهُ مَوَالِيهِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي
وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ
وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَقَالَ ابْنُهُ قَدْ أَحْرَزْتُ مَا
كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنْ الْمَالِ وَوَلَاءِ الْمَوَالِي
وَقَالَ أَخُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا أَحْرَزْتَ
الْمَالَ وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا أَرَأَيْتَ
لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا
فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى
لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
12 - بَابُ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ
1524 - 1477 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ
(ابْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ،
تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ أَحَدِ
الْفُقَهَاءِ (أَنَّ الْعَاصِي بْنَ هِشَامٍ) أَخَا
الْحَارِثِ (هَلَكَ) قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا
(وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ) أَيْ
شَقِيقَانِ (وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ
وَاللَّامِ الثَّقِيلَةِ، أَيِ امْرَأَةٍ أُخْرَى،
وَالْجَمْعُ عَلَّاتٌ إِذَا كَانَ الْأَبُ وَاحِدًا
وَالْأُمَّهَاتُ شَتَّى، قِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِلَلِ
وَهُوَ الشُّرْبُ بَعْدَ الشُّرْبِ ; لِأَنَّ الْأَبَ
لَمَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَ
(4/166)
كَأَنَّهُ شَرِبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى،
قَالَ الشَّاعِرُ:
أَفِي الْوَلَائِمِ أَوْلَادٌ لِوَاحِدَةٍ ... وَفِي
الْعِيَادَةِ أَوْلَادٌ لِعَلَّاتٍ
(فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا
وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ
مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ
ضَمِيرِ وَرِثَهُ (ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ
وَوَلَاءَ الْمُوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ)
لِأَبِيهِ (فَقَالَ: ابْنُهُ قَدْ أَحْرَزْتُ) ضَمَمْتُ
وَمَلَكْتُ (مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنَ الْمَالِ
وَوَلَاءِ الْمَوَالِي، فَقَالَ أَخُوهُ) أَخُو
الْمَيِّتِ، وَهُوَ عَمُّ الْمُنَازِعِ (لَيْسَ كَذَلِكَ
إِنَّمَا أَحْرَزْتَ الْمَالَ، وَأَمَّا وَلَاءُ
الْمَوَالِي فَلَا، أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (لَوْ
هَلَكَ أَخِي) الْأَوَّلُ الَّذِي وَرِثَ أَبُوكَ مِنْهُ
الْمَالَ وَالْوَلَاءَ (الْيَوْمَ بَعْدَ مَوْتِ
شَقِيقِهِ) الَّذِي هُوَ أَبُوكَ (أَلَسْتُ أَرِثُهُ
أَنَا؟) دُونَكَ ; لِأَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ مُقَدَّمٌ
عَلَى ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ (فَاخْتَصَمَا إِلَى
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى عُثْمَانُ لِأَخِيهِ
بِوَلَاءِ الْمُوَالِي) دُونَ ابْنِهِ، وَفِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْعَاصِيَ قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ كَافِرًا فَكَيْفَ يَمُوتُ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ
وَيَتَحَاكَمُ إِلَيْهِ فِي إِرْثِهِ؟ وَالَّذِي يَرْفَعُ
الْإِشْكَالَ أَنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ فِي الْإِرْثِ
تَأَخَّرَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ، لَكِنَّ مَنْ يُقْتَلُ
يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا لَا يُتَحَاكَمُ فِي إِرْثِهِ
إِلَى عُثْمَانَ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ وَجَدْتُ أَنَّ
الَّذِي تَحَاكَمَ إِلَى عُثْمَانَ وَلَدُ الْعَاصِي بْنِ
هِشَامٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَعِيدٌ الَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ: تَعْجِيلُ
الْمَنْفَعَةِ وَسَهْوُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ
يَتَخَاصَمْ فِي إِرْثِ الْعَاصِي، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي
صَدْرِ الْخَبَرِ لِبَيَانِ أَنَّهُ خَلَّفَ شَقِيقَيْنِ
وَوَاحِدًا لِأُمٍّ أُخْرَى، وَالَّذِي تَخَاصَمَ إِلَى
عُثْمَانَ إِنَّمَا هُوَ ابْنُ الْعَاصِي وَابْنُ ابْنِهِ
الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ وَرِثَ
شَقِيقُهُ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ لِمَوْتِهِ بِلَا
وَلَدٍ فَاخْتَصَمَا فِي وَلَاءِ مَوَالِيهِ دُونَ
إِرْثِهِ لَا ذِكْرَ لِمِيرَاثِ الْعَاصِي أَصْلًا فَلَا
إِشْكَالَ.
(4/167)
وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ
أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ
فَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ
امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا
وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا ثُمَّ مَاتَ
ابْنُهَا فَقَالَ وَرَثَتُهُ لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي
قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ فَقَالَ الْجُهَنِيُّونَ
لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا
فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ
نَرِثُهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ
لِلْجُهَنِيِّينَ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1525 - 1478 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ
(أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْد
أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ (فَاخْتَصَمَ
إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ
وَفَتْحِ
(4/167)
الْهَاءِ (وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ) بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (وَكَانَتِ
امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ كُلَيْبٍ) بِضَمِّ الْكَافِ، مُصَغَّرٌ (فَمَاتَتِ
الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ) عُتَقَاءً
لَهَا (فَوَرِثَهَا ابْنُهَا) لَمْ يُسَمَّ (وَزَوْجُهَا)
إِبْرَاهِيمُ (ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا، فَقَالَتْ
وَرَثَتُهُ: لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي) لِأَنَّهُ (قَدْ
كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ) ضَمَّهُ وَحَازَهُ (فَقَالَ
الْجُهَنِيُّونَ: لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُمْ مَوَالِي
صَاحِبَتِنَا فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ
وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ، فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ
لِلْجُهَنِيِّينَ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي) دُونَ وَرَثَةِ
الِابْنِ.
(4/168)
وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ
أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ
وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ مَوَالِيَ
أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ
مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَرِثُ الْمَوَالِيَ الْبَاقِي
مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا هَلَكَ هُوَ فَوَلَدُهُ
وَوَلَدُ إِخْوَتِهِ فِي وَلَاءِ الْمَوَالِي شَرَعٌ
سَوَاءٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1525 - 1479 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ
بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ
هُوَ عَتَاقَةً) بِفَتْحِ السِّينِ وَوَهِمَ مَنْ
كَسَرَهَا (ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ
هَلَكَا) مَاتَا (وَتَرَكَ أَوْلَادًا، فَقَالَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَرِثُ الْمَوَالِي) كَذَا رَوَاهُ
يَحْيَى وَهُوَ خَطَأٌ وَصَوَابُهُ الْوَلَاءُ كَذَا
قِيلَ، وَالرِّوَايَةُ صَوَابٌ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ
وَلَاءُ الْمَوَالِي وَهُوَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ
وَالْفَاعِلُ الِابْنُ (الْبَاقِي مِنْ) بَنِيهِ
(الثَّلَاثَةِ فَإِذَا هَلَكَ هُوَ) أَيِ الثَّالِثُ
(فَوَلَدُهُ وَوُلَدُ إِخْوَتِهِ فِي وَلَاءِ الْمَوَالِي
شَرْعٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَتُسَكَّنُ
لِلتَّخْفِيفِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ (سَوَاءٌ) فَهُوَ
عَطْفُ بَيَانٍ.
(4/168)
[باب مِيرَاثِ السَّائِبَةِ وَوَلَاءِ مَنْ
أَعْتَقَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ]
وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ
السَّائِبَةِ قَالَ يُوَالِي مَنْ شَاءَ فَإِنْ مَاتَ
وَلَمْ يُوَالِي أَحَدًا فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ
وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ
قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي السَّائِبَةِ
أَنَّهُ لَا يُوَالِي أَحَدًا وَأَنَّ مِيرَاثَهُ
لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلَهُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ عَبْدُ
أَحَدِهِمَا فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ
إِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِلْمُسْلِمِينَ
وَإِنْ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ
بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا
قَالَ وَلَكِنْ إِذَا أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ أَوْ
النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَ
الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ
النَّصْرَانِيُّ الَّذِي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ
الَّذِي أَعْتَقَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ لِأَنَّهُ
قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ أَوْ
النَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ مَوَالِيَ أَبِيهِ
الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إِذَا أَسْلَمَ
الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الَّذِي
أَعْتَقَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ حِينَ أُعْتِقَ
مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ
الْيَهُودِيِّ الْمُسْلِمَيْنِ مِنْ وَلَاءِ الْعَبْدِ
الْمُسْلِمِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا
لِلنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ فَوَلَاءُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ
لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
13 - بَابُ مِيرَاثِ السَّائِبَةِ وَوَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ
الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ
هِيَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ سَائِبَةٌ، يُرِيدُ
بِهِ الْعِتْقَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ
وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ الْعِتْقَ بِلَفْظِ سَائِبَةٍ
لِاسْتِعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ لَهَا فِي الْأَنْعَامِ،
وَلِقَوْلِهِ إِنَّهُ أَمْرٌ تَرَكَهُ النَّاسُ وَتَرَكُوا
الْعَمَلَ بِهِ.
1527 - 1480 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ
السَّائِبَةِ، فَقَالَ: يُوَالِي مَنْ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ
وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ
وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ) وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ
السَّلَفِ. وَقَالَ (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ
فِي السَّائِبَةِ أَنَّهُ لَا يُوَالِي أَحَدًا وَأَنَّ
مِيرَاثَهُ لِلْمُسْلِمِينَ) وَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ
عَنْهُمْ (وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَثِيرٌ مِنَ
السَّلَفِ. وَقَالَ ابْنُ المَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ،
وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ،
وَقِيلَ: يَشْتَرِي بِتَرِكَتِهِ رِقَابًا فَتُعْتَقُ.
(مَالِكٌ: فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ
عَبْدُ أَحَدِهِمَا فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ
عَلَيْهِ) فَيَمْضِي عِتْقُهُ نَظَرًا لِتَشَوُّفِ
الشَّرْعِ لِلْعِتْقِ (أَنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ
الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ
أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ
إِلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ
لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُمْ (وَلَكِنْ
إِذَا أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِمَا
ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (قَبْلَ أَنْ
يُسْلِمَ الْيَهُودِيُّ أَوِ
(4/169)
النَّصْرَانِيُّ الَّذِي أَعْتَقَهُ ثُمَّ
أَسْلَمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ ;
لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ
أَعْتَقَهُ) وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ وَإِنَّمَا مُنِعَ
مِنْهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ
لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ رَجَعَ لَهُ
الْوَلَاءُ (وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ
وَرِثَ مَوَالِيَ أَبِيهِ الْيَهُودِيِّ إِذَا أَسْلَمَ
الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ (قَبْلَ أَنْ
يُسْلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ) وَهُمَا كَافِرَانِ (وَإِنْ
كَانَ الْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (حِينَ أُعْتِقَ) بِضَمِّ
أَوَّلِهِ (مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ
النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ الْمُسْلِمَيْنِ)
بِالتَّثْنِيَةِ صِفَةٌ لِلْوَلَدَيْنِ (مِنْ وَلَاءِ
الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ
لِلْيَهُودِيِّ وَلَا لِلنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ، فَوَلَاءُ
الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) لَا
يَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْلِمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ الْكَافِرِ.
(4/170)
|