الأرض (وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت
السماوات في يومين) والحاصل أن خلق نفس الأرض قبل خلق
السماء ودحوها بعده ({وكان الله غفورًا}) وزاد أبو ذر
والأصيلي: رحيمًا (سمى نفسه) أي ذاته (ذلك) وهذه تسمية
مضت وللأصيلي بذلك (و) أما (ذلك) أي (قوله) ما قال من
الغفرانية والرحيمية (أي لم يزل كذلك) لا ينقطع (فإن
الله لم يرد) أن يرحم (شيئًا) أو يغفر له (إلا أصاب به
الذي أراد) قطعًا (فلا يختلف) بالجزم على النهي (عليك
القرآن فإن كلاًّ من عند الله). وعند ابن أبي حاتم
فقال له ابن عباس: هل بقي في قلبك شيء أنه ليس من
القرآن شيء إلا نزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه.
0000 - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بِهَذَا. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ}: مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا}:
أَرْزَاقَهَا. فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا: مِمَّا
أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ}: مَشَاييمَ. {وَقَيَّضْنَا
لَهُمْ قُرَنَاءَ}: قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. {تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ}: عِنْدَ الْمَوْتِ.
{اهْتَزَّتْ}: بِالنَّبَاتِ، وَرَبَتْ: ارْتَفَعَتْ،
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَكْمَامِهَا حِينَ تَطْلُعُ.
{لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}: بِعَمَلِي، أي أَنَا
مَحْقُوقٌ بِهَذَا. سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ:
قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ}: دَلَلْنَاهُمْ
عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ:
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}: وَكَقَوْلِهِ:
{هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}. وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ
الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسْعَدْنَاهُ، مِنْ ذَلِكَ
قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. {يُوزَعُونَ}: يُكَفَّوْنَ.
{مِنْ أَكْمَامِهَا}: قِشْرُ الْكُفُرَّى، هِيَ
الْكُمُّ. {وَلِيٌّ حَمِيمٌ}: الْقَرِيبُ. {مِنْ
مَحِيصٍ}: حَاصَ عنه حَادَ. {مِرْيَةٍ} وَ {مُرْيَةٍ}
وَاحِدٌ أَيِ امْتِرَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ.
{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}: الْوَعِيدُ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: الصَّبْرُ عِنْدَ
الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ فَإِذَا
فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ
عَدُوُّهُمْ {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
وهذا التعليق وصله المؤلّف حيث قال: (حدّثني) بالإفراد
ولأبي الوقت: قال أبو عبد الله أي البخاري حدّثنيه أي
الحديث السابق (يوسف بن عدي) بفتح العين وكسر الدال
المهملتين وتشديد التحتية ابن زريق التيمي الكوفي نزيل
مصر وليس له في هذا الجامع إلا هذا قال: (حدّثنا عبيد
الله بن عمرو) بضم العين في الأول مصغرًا وفتحها في
الثاني الرقي بالراء والقاف (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم
الهمزة مصغرًا الحريري (عن المنهال) بن عمرو الأسدي
المذكور (بهذا)
الحديث السابق، قيل: وإنما غير البخاري سياق الإسناد
عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن
صارت صورته صورة الموصول، وهذا ثابت لأبي ذر والأصيلي
وابن عساكر في نسخة.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ممنون}) ولأبي ذر
والأصيلي {لهم أجر غير ممنون} [فصلت: 8] أي غير
(محسوب) وقال ابن عباس غير مقطوع وقيل غير ممنون به
عليهم.
({أقواتها}) في قوله تعالى: {وقدّر فيها أقواتها}
[فصّلت: 10] قال مجاهد: (أرزاقها) أي من المطر فعلى
هذا فالأقوات للأرض لا للسكان أي قدّر لكل أرض حظها من
المطر وقيل أقواتًا تنشأ منها بأن خصّ حدوث كل قوت
بقطر من أقطارها وقيل أرزاق أهلها وقال محمد بن كعب
قدر أقوات الأبدان قبل أن يخلق الأبدان.
(في كل سماء أمرها) قال مجاهد (مما أمر به) بفتح
الهمزة والميم ولأبي ذر أمر بضم الهمزة وكسر الميم،
وعن ابن عباس فيما رواه عنه عطاء خلق في كل سماء خلقها
من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا
يعلمه إلا الله قال السدي فيما حكاه عنه في اللباب،
ولله في كل سماء بيت يحج إليه وتطوف به الملائكة كل
واحد منها مقابل الكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت
على الكعبة.
({نحسات}) بكسر الحاء في قراءة ابن عامر والكوفيين في
قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام
نحسات} [فصلت: 16] قال مجاهد أي (مشاييم) بفتح الميم
والشين المعجمة وبعد الألف تحتيتان الأولى مكسورة
والثانية ساكنة جمع مشومة أي من الشوم ونحسات نعت
لأيام والجمع بالألف والتاء مطرد في صفة ما لا يعقل
كأيام معدودات قيل كانت الأيام النحسات آخر شوّال من
الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم
الأربعاء.
({وقيضنا لهم قرناء}) [فصلت: 25] أي (قرناهم بهم) بفتح
القاف والراء والنون المشددة وسقط هذا التفسير لغير
الأصيلي والصواب إثبات إذ ليس للتالي تعلق به وقال
الزجّاج سببنا لهم قيل قدرنا للكفرة قرناء أي نظراء من
الشياطين يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو
القشر حتى أضلّوهم وفيه دليل على أن الله تعالى يريد
الكفر من الكافر.
({تنزل عليهم الملائكة}) [فصلت: 30] أي (عند الموت)
وقال قتادة إذ قاموا من قبورهم وقال وكيع بن الجراح
البشري تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند
البعث.
({اهتزت}) في قوله: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت}
[فصلت: 39] أي (بالنبات وربت) أي (ارتفعت) لأن النبت
إذا قرب أن يظهر تحركت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن
النبات (وقال غيره) أي غير مجاهد في معنى وربت أي
ارتفعت (من أكمامها) بفتح الهمزة جمع كم بالكسر (حين
تطلع) بسكون الطاء وضم اللام.
({ليقولن هذا لي}) [فصلت: 50] أي (بعملي) بتقديم الميم
على اللام أي (أنا محقوق
(7/327)
بهذا)
أي مستحق لي بعلمي وعملي، وما علم الأبله أن أحدًا لا
يستحق على الله شيئًا لأنه كان عاريًا من الفضائل
فكلامه ظاهر الفساد وإن كان موصوفًا بشيء من الفضائل
فهي إنما حصلت له بفضل الله وإحسانه واللام في ليقولن
جواب القسم لسبقه الشرط وجواب الشرط محذوف وقال أبو
البقاء ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة قال في الدرّ
وهذا لا يجوز إلا في شعر كقوله:
مَن يفعل الحسنات الله يشكرها
حتى أن المبرّد يمنعه في الشعر ويروي البيت.
مَن يفعل الخير فالرحمن يشكره
(سواء للسائلين) ولأبي ذر والأصيلي وقال غيره أي غير
مجاهد سواء للسائلين أي (قدرها سواء) وسواء نصب على
المصدر أي استوت استواء. وقال السدي وقتادة: المعنى
سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد
العبرة فيه فإنه يجده.
({فهديناهم}) في قوله: {وأما ثمود فهديناهم} [فصلت:
17] أي (دللناهم) دلالة مطلقة (على الخير والشر) على
طريقهما (كقوله) تعالى في سورة البلد ({وهديناه
النجدين}) أي طريق الخير والشر (وكقوله) تعالى في سورة
الإنسان ({هديناه النجدين}) [الإنسان: 3] (و) أما
(الهدى الذي هو الإرشاد) إلى البغية (بمنزلة) أي بمعنى
(أصعدناه) بالصاد في الفرع كغيره ولأبوي ذر والوقت
أسعدناه بالسين بدل الصاد قال السهيلي فيما نقله عنه
الزركشي والبرماوي وابن حجر وغيرهم بالصاد أقرب إلى
تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين لأنه إذا كان بالسين
كان من السعد والسعادة ضد الشقاوة وأرشدت الرجل إلى
الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير، فإذا قلت
أصعدناهم بالصاد خرج اللفظ إلى معنى الصعدات في قوله:
إياكم والقعود على الصعدات وهي الطرق وكذلك أصعد في
الأرض إذا سار فيها على قصد فإن كان البخاري قصد هذا
وكتبها في نسخته بالصاد التفاتًا إلى حديث الصعدات
فليس بمنكر. اهـ.
قال الشيخ بدر الدين الدماميني: لا أدري ما الذي أبعد
هذا التفسير مع قرب ظهوره فإن الهداية إلى السبيل
والإرشاد إلى الطريق إسعاد لذلك الشخص المهدي إذ سلوكه
في الطريق مُفْضٍ إلى السعادة ومجانبته لها مما يؤدي
إلى ضلاله وهلاكه. وأما قوله فإذا قلت: أصعدناه بالصاد
الخ ففيه تكلّف لا داعي له وما في النسخ صحيح بدونه.
اهـ.
(من ذلك) ولأبي ذر ومن ذلك أي من الهداية التي بمعنى
الدلالة الموصلة إلى البغية التي عبّر عنها المؤلّف
الإرشاد والإسعاد (قوله) تعالى بالأنعام: ({أولئك
الذين هدى الله فبهداهم اقتده}) [الأنعام: 90] ونحوه
مما هو كثير في القرآن.
({يوزعون}) في قوله تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى
النار فهم يوزعون} [فصلت: 19] أي (يكفون) بفتح الكاف
بعد الضم أي يوقف سوابقهم حتى يصل إليهم تواليهم
وهو معنى قول السدّي يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا.
({من أكمامها}) في قوله تعالى: {إليه يردّ علم الساعة
وما تخرج من ثمرات من أكمامها} [فصلت: 47] هو (قشر
الكفرّى) بضم الكاف وضم الفاء وفتحها وتشديد الراء
وعاء الطلع قال ابن عباس قبل أن ينشق (هي الكم) بضم
الكاف. وقال الراغب: الكم ما يغطي اليد من القميص وما
يغطي الثمرة وجمعه أكمام وهذا يدل على أنه مضموم الكاف
إذ جعله مشتركًا بين كم القميص وبين كم الثمرة ولا
خلاف في كم القميص أنه بالضم وضبط الزمخشري كم الثمرة
بكسر الكاف فيجوز أن يكون فيه لغتان دون كم القميص
جمعًا بين القولين (وقال غيره: ويقال للعنب إذا خرج
أيضًا كافور وكفرى) قاله الأصمعي وهذا ساقط لغير
المستملي ووعاء كل شيء كافوره ({ولي حميم}) أي الصديق
(القريب) وللأصيلي قريب.
({من محيص}) في قوله تعالى: {وظنوا ما لهم من محيص}
[فصلت: 48] يقال (حاص عنه حاد) والأصيلي أي حاد وزاد
أبو ذر عنه والمعنى أنهم أيقنوا أن لا مهرب لهم من
النار.
({مرية}) بكسر الميم في قوله تعالى: (ألا إنهم في مرية
من لقاء ربهم} [فصلت: 54] ({ومرية}) بضمها في قراءة
الحسن لغتان كخفية وخفية ومعناهما (واحد أي امتراء) أي
في شك من البعث والقيامة.
(7/328)
(وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد ({اعملوا
ما شئتم}) معناه (الوعيد) وللأصيلي هي وعيد.
(وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري ({بالتي}) ولأبي ذر
({ادفع بالتي هي أحسن}) [فصلت: 34] الصبر عند الغضب
والعفو (عند الإساءة فإذا فعلوه) أي الصبر والعفو
(عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم) وصار بينه وبينهم عداوة
({كأنه ولي حميم}) أي كالصديق القريب وسقط لأبي ذر
كأنه وليٌّ حميم ولغيره ادفع من قوله ادفع بالتي.
1 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ
يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ
وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ
لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}
(باب قوله: {وما كنتم}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في
قوله: {وما كنتم (تستترون}) تستخفون عند ارتكاب
القبائح خيفة أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا
جلودكم لأنكم تنكرون البعث والقيامة ولكن ذلك الاستتار
لأجل أنكم ({ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما
تعملون}) [فصلت: 22] من الأعمال التي تخفونها فلذلك
اجترأتم على ما فعلتم وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي
أن يتحقق أنه لا يمرّ عليه حال إلا وعليه رقيب وسقط
قوله ولا أبصاركم الخ للأصيلي ولأبي ذر ولا جلودكم الخ
وقالا الآية.
4816 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {وَمَا كُنْتُمْ
تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ}
[فصلت: 22] الآيَةَ، كَانَ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ
وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ أَوْ رَجُلاَنِ مِنْ
ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُرَوْنَ أَنَّ
اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ:
يَسْمَعُ بَعْضَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ
يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ،
فَأُنْزِلَتْ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ
يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ}
[فصلت: 22] الآيَةَ. [الحديث 4816 - طرفاه في 4817،
7521].
وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة
وبعد اللام الساكنة مثناة فوقية الخاركي بالخاء
المعجمة والراء المفتوحتين والكاف قال: (حدّثنا يزيد
بن زريع) بضم الزاي مصغرًا ابن الحارث البصري (عن روح
بن القاسم) بفتح الراء وبعد الواو الساكنة حاء مهملة
العنبري بالنون والموحدة (عن منصور) هو ابن المعتمر
(عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) بميمين مفتوحتين
بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن سخبرة الكوفي (عن
ابن مسعود) رضي الله عنه أنه قال في تفسير قوله تعالى:
({وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم} الآية) وزاد
أبو ذر بعد قوله سمعكم ولا أبصاركم وسقط للأصيلي أن
يشهد الخ (كان) ولأبوي ذر والوقت قال بدل كان وللأصيلي
وقال في نسخة قال: كان (رجلان من قريش) صفوان وربيعة
ابنا أمية بن خلف ذكره الثعلبي وتبعه البغوي (وختن
لهما) بفتح الخاء المعجمة والفوقية بعدها نون كل من
كان من قبل المرأة كالأب والأخ وهم الأختان (من ثقيف)
وفي نسخة من ثقيف بالخفض منوّنًا وهو عبد ياليل بن
عمرو بن عمير رواه البغوي في تفسيره وقيل حبيب بن عمرو
حكاه ابن الجوزي وقيل الأخنس بن شريق حكاه ابن بشكوال
(أو رجلان من ثقيف) وفي نسخة ثقيف بالجر والتنوين
(وختن لهما من قريش في بيت) الشك من أبي معمر الراوي
عن ابن مسعود، وأخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة
عن ابن مسعود بلفظ ثقفي وختناه قرشيان فلم يشك، وأخرجه
مسلم من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود فقال
ثلاثة نفر ولم ينسبهم، وعند ابن بشكوال القرشي الأسود
بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر
لم يسم (فقال بعضهم لبعض: أترون) بضم المثناة الفوقية
(أن الله يسمع حديثنا؟ قال بعضهم): ولأبي ذر فقال
بزيادة فاء وللأصيلي وابن عساكر وقال بالواو بدل الفاء
(يسمع بعضه) أي ما جهرنا به (وقال بعضهم: لئن كان يسمع
بعضه لقد يسمع كله) وبيان الملازمة كما قاله الكرماني
أن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة فالتخصيص تحكم
(فأنزلت {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا
أبصاركم} الآية).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة
والترمذي في التفسير وكذا النسائي.
2 - باب {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ
بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ
الْخَاسِرِينَ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وذلكم ظنكم الذي
ظننتم بربكم}) أنه لا يعلم كثيرًا مما تعملون
({أرداكم}) أي أهلككم أو طرحكم في النار ({فأصبحتم من
الخاسرين}) [فصلت: 23] سقط لغير الأصيلي قوله الذي
ظننتم الخ.
4817 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-
قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ
وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ كَثِيرَةٌ
شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ
يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ
جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ
الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا
فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ
أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ
أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ.
وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّثُنَا بِهَذَا فَيَقُولُ:
حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَوْ
حُمَيْدٌ، أَحَدُهُمْ أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، ثُمَّ
ثَبَتَ عَلَى مَنْصُورٍ، وَتَرَكَ ذَلِكَ مِرَارًا
غَيْرَ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ يَصْبِرُوا
فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [فصلت: 24] الآيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا منصور) هو ابن
المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله
بن سخبرة (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه-)
أنه (قال: اجتمع عند البيت) الحرام (قرشيان وثقفي أو
ثقفيان وقرشي) بالشك وتقدم قريبًا أسماؤهم (كثيرة)
(7/329)
بالتنوين (شحم بطونهم) بإضافة بطون لشحم
(قليلة) بالتنوين (فقه قلوبهم) بإضافة قلوب لفقه
والتاء في كثيرة وقليلة. قال الكرماني: إما أن يكون
الشحم مبتدأ واكتسب التأنيث من المضاف إليه وكثيرة
خبره وإما أن تكون التاء للمبالغة نحو رجل علاّمة وفيه
إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة (فقال أحدهم:
أترون) بضم التاء (أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر:
يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان
يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا) قال في الفتح:
فيه إشعار بأن هذا الثالث أفطن أصحابه وأخلق به أن
يكون الأخنس بن شريق لأنه أسلم بعد ذل وكذا صفوان بن
أمية (فأنزل الله عز وجل: {وما كنتم تستترون أن يشهد
عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} الآية) إلى
آخرها. قال الحميدي عبد الله بن الزبير (وكان سفيان)
بن عيينة (يحدّثنا بهذا) الحديث (فيقول: حدّثنا منصور)
هو ابن المعتمر (أو ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر
الجيم وبعد التحتية الساكنة مهملة عبد الله (أو حميد)
بضم الحاء مصغرًا ابن قيس أبو صفوان الأعرج مولى عبد
الله بن الزبير (أحدهم أو اثنان منهم ثم ثبت على منصور
وترك ذلك مرارًا غير واحدة) وللأصيلي غير مرة واحدة.
(قوله) تعالى: ({فإن يصبروا فالنار مثوى لهم}) [فصلت:
24] (الآية) أي سكن لهم أي إن أمسكوا عن الاستغاثة
لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مقامًا لهم
وسقطت الآية كلها لأبي ذر.
0000 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم
ابن بحر الصيرفي البصري قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن
سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان الثوري قال: حدّثني)
بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن
جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) هو
ابن مسعود (بنحوه) أي بنحو الحديث السابق ولأبي ذر
والأصيلي نحوه بإسقاط حرف الجر.
[42] سورة حم عسق
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {عَقِيمًا}: لاَ
تَلِدُ. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}: الْقُرْآنُ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}: نَسْلٌ بَعْدَ
نَسْلٍ. {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا}: لاَ خُصُومَةَ.
طَرْفٍ خَفِيٍّ: ذَلِيلٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ:
فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ: يَتَحَرَّكْنَ
وَلاَ يَجْرِينَ فِي الْبَحْرِ. {شَرَعُوا}:
ابْتَدَعُوا.
([42] سورة حم عسق)
مكية ثلاث وخمسون آية. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه
ولأبي ذر بسم الله الرحمن الرحيم قال البخاري: يذكر
بإسقاط العاطف (عن ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم
والطبري ({عقيمًا}) في قوله: {ويجعل من يشاء عقيمًا}
[الشورى: 50] أي (لا تلد) ولأبي ذر التي لا تلد.
({روحًا من أمرنا}) [الشورى: 52] قال ابن عباس فيما
رواه ابن أبي حاتم هو (القرآن) لأن القلوب تحيا به.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى:
({يذرؤكم فيه}) [الشورى: 11] بالذال المعجمة (نسل بعد
نسل) أي يخلقكم في الرحمن وقال القتبي أي في الروح
وخطأ من قال في الرحم لأنها مؤنثة.
({لا حجة بيننا}) [الشورى: 15] أي (لا خصومة) ولأبي ذر
لا حجة بيننا وبينكم لا خصومة بيننا وبينكم. قال في
اللباب: وهذه الآية نسختها آية القتال، وقال في
الأنوار: لا حجة بيننا وبينكم لا حجاج بمعنى لا خصومة
إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ
سوى العناد وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار
رأسًا حتى تكون منسوخة بآية القتال.
(طرف) ولأبي ذر من طرف (خفي) أي (ذليل) بالمعجمة كما
ينظر المصبور إلى السيف؛ فإن قلت: إنه تعالى قال في
صفة الكفار إنهم يحشرون عميًا، وقال هنا ينظرون من طرف
خفي؟ أجيب: بأنه لعلهم يكونون في الابتداء كذلك ثم
يصيرون عميًا.
(وقال غيره) غير مجاهد: (فيظللن رواكد على ظهره) أي
(يتحركن) يعني يضطربن بالأمواج (ولا يجرين في البحر)
لسكون الريح وقول صاحب المصابيح كأنه سقط منه لا يعني
قبل يتحركن ولهذا فسر رواكد بسواكن يندفع بما سبق.
({شرعوا}) في قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من
الدين} [الشورى: 21] أي (ابتدعوا) وهذا قول أبي عبيدة
وهذا ساقط لأبي ذر.
1 - باب قَوْلِهِ: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَى}
(باب قوله) تعالى: ({إلا المودة في القربى}) [الشورى:
23] أي أن تودّوني لقرابتي منكم أو تودوا أهل قرابتي
وقيل الاستثناء منقطع إذ ليست المودة من جنس الأجر
(7/330)
والمعنى: لا أسألكم أجرًا قطّ ولكن أسألكم
المودة وفي القربى حال منها أي إلا المودة ثابتة في
ذوي القربى متمكّنة في أهلها أو في حق القرابة ومن
أجلها قاله في الأنوار، فإن قلت: لا نزاع أنه لا يجوز
طلب الأجر على تبليغ الوحي. أجيب بأنه من باب قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع
الكتائب
يعني: أنا لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس
أجرًا لأن حصول المودّة بين المسلمين أمر واجب وإذا
كان كذلك فهو في حق أشرف الخلق أولى فقوله: {إلا
المودة في القربى} تقديره والمودة في القربى ليست
أجرًا فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة.
4818 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: -رضي
الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلاَّ
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
عَجِلْتَ، إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ
كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: "إِلاَّ أَنْ
تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ
الْقَرَابَةِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) العبدي البصري أبو بكر
بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري
المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد
الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي الكوفي أنه (قال
سمعت طاوسًا) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس رضي
الله تعالى عنهما أنه سئل عن قوله) تعالى: ({إلا
المودة في القربى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فحمل الآية على
أمر المخاطبين بأن يوادّوا أقاربه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عام لجميع المكلفين (فقال ابن
عباس) لسعيد (عجلت) بفتح العين وكسر الجيم وسكون اللام
أي أسرعت في تفسيرها (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن بطن من قريش إلا كان له
فيهم قرابة فقال):
(إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) فحمل الآية
على أن توادّوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من أجل القرابة التي بينه وبينكم فهو خاص
بقريش ويؤيده أن السورة مكية، وأما حديث ابن عباس
أيضًا عند ابن أبي حاتم قال: لما نزلت هذه الآية {قل
لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} [الشورى:
23] قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله
بمودّتهم؟ قال: فاطمة وولدها عليهم السلام. فقال ابن
كثير: إسناده ضعيف فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي
مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل،
والآية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية
فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من
الهجرة وتفسير الآية بما فسر به حبر الأمة وترجمان
القرآن ابن عباس أحق وأولى، ولا تنكر الوصاة بأهل
البيت واحترامهم وإكرامهم إذ هم من الذرية الطاهرة
التي هي أشرف بيت وجد على الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا
ولا سيما إذا كانوا متبعين للسُّنّة الصحيحة كما كان
عليه سلفهم كالعباس وبنيه علي وآل بيته وذريته - رضي
الله عنهم- أجمعين ونفعًا بمحبتهم.
[43] سورة حم الزُّخْرُفِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ} عَلَى إِمَامٍ.
{وَقِيلَهُ يَا رَبِّ} تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ
أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَلاَ
نَسْمَعُ قِيلَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
{وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}:
لَوْلاَ أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا،
لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ
فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ. وَهْيَ دَرَجٌ،
وَسُرُرُ فِضَّةٍ. {مُقْرِنِينَ}: مُطِيقِينَ.
{آسَفُونَا}: أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ}: يَعْمَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ}:
أَيْ تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لاَ
تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟ {وَمَضَى مَثَلُ
الأَوَّلِينَ}: سُنَّةُ الأَوَّلِينَ. {مُقْرِنِينَ}:
يَعْنِي الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ
وَالْحَمِيرَ. {يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ}:
الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا
{فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ}. {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا
عَبَدْنَاهُمْ} يَعْنُونَ الأَوْثَانَ، يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}
الأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. {فِي
عَقِبِهِ}: وَلَدِهِ. {مُقْتَرِنِينَ}: يَمْشُونَ
مَعًا. {سَلَفًا}: قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا
لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. {وَمَثَلًا}: عِبْرَةً.
{يَصِدُّونَ}: يَضِجُّونَ. {مُبْرِمُونَ}:
مُجْمِعُونَ. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: أَوَّلُ
الْمُؤْمِنِينَ. {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا
تَعْبُدُونَ} الْعَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ
الْبَرَاءُ وَالْخَلاَءُ، وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ
وَالْجَمِيعُ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ
يُقَالُ فِيهِ بَرَاءٌ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَوْ
قَالَ: {بَرِيءٌ} لَقِيلَ فِي الاِثْنَيْنِ بَرِيئَانِ
وَفِي الْجَمِيعِ بَرِيئُونَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ
إِنَّنِي بَرِيءٌ بِالْيَاءِ. وَالزُّخْرُفُ
الذَّهَبُ. {مَلاَئِكَةً يَخْلُفُونَ}: يَخْلُفُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ
لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ
مَاكِثُونَ}.
[43] سورة حم الزُّخْرُفِ
مكية إلا قوله: {واسأل من أرسلنا} وآيها تسع وثمانون
ولأبي ذر سورة حم الزخرف، وله ولابن عساكر بسم الله
الرحمن الرحيم وسقطت لغيرهما.
(وقال مجاهد) في قوله: ({على أمة})، من قوله: {إنّا
وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22] أي (على إمام) كذا
فسره أبو عبيدة عند عبد بن حميد عن مجاهد على ملة وعن
ابن عباس عند الطبري على دين.
({وقيله يا رب}) [الزخرف: 88] (تفسير: أيحسبون أنا لا
نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيلهم) وهذا يقتضي الفصل
بين المعطوف والمعطوف عليه بجمل كثيرة.
قال الزركشي: فينبغي حمل كلامه على أنه أراد تفسير
المعنى ويكون التقدير ويعلم قيله وهذا يرده ما حكاه
السفاقسي من إنكار بعضهم لهذا وقال إنما يصح ذلك أن لو
كانت التلاوة وقيلهم. اهـ.
وقيل: عطف على مفعول يكتبون المحذوف أي يكتبون ذلك
ويكتبون قيله كذا أو على مفعول يعلمون المحذوف أي
يعلمون ذلك ويعلمون قيله أو أنه مصدر أي قال قيله أو
بإضمار ْفعل أي الله يعلم قيل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاكيًا إلى ربه يا رب،
وقرأ عاصم وحمزة بخفض اللام وكسر الهاء وصلتها بياء
عطفًا على الساعة أي عنده علم قيله والقول والقال
(7/331)
والقيل بمعنى واحد جاءت المصادر على هذه
الأوزان.
(وقال) ولأبي ذر قال: (ابن عباس) فيما وصله ابن أبي
حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله:
({ولولا أن يكون الناس أمة واحدة}) [الزخرف: 33] أي
(لولا أن جعل) بلفظ الماضي وللأصيلي أن يجعل بصيغة
المضارع بالياء التحتية ولأبي ذر وابن عساكر أن أجعل
(الناس كفارًا لجعلت لبيوت الكفار) ولأبي ذر عن الحموي
بيوت الكفار (سقفًا) بفتح السين وسكون القاف على إرادة
الجنس وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ولأبي ذر سقفًا
بضمهما على الجمع وهي قراءة الباقين (من فضة ومعارج)
جمع معرج (من فضة وهي درج وسرر فضة) جمع سرير وهل قوله
من فضة يشمل المعارج والسّرر وعن الحسن فيما رواه
الطبري من طريق عوف عنه قال كفارًا يميلون إلى الدنيا
وقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل فكيف لو فعل وقال
في الأنوار لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار
في سعة وتنعمهم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه لجعلنا.
({مقرنين}). في قوله تعالى: {سبحان الذي سخر لنا هذا
وما كنا له مقرنين} [الزخرف: 13] أي (مطيقين) من أقرن
الشيء إذا أطاقه ومعنى الآية ليس عندنا من القوّة
والطاقة أن نقرن هذه الدابة والفلك أو نضبطها فسبحان
مَن سخر لنا هذا بقدرته وحكمته.
({آسفونا}) أي (أسخطونا) قاله ابن عباس فيما وصله ابن
أبي حاتم، وقيل أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان
وهذا من المتشابهات فيؤوّل بإرادة العقاب.
({يعش}) بضم الشين قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي
حاتم عن عكرمة عنه أي (يعمى) لكن قال أبو عبيدة من قرأ
بضم الشين فمعناه أنه تظلم عينه ومن فتحها فمعناه تعمى
عينه، وقال في الأنوار: {ومَن يعش عن ذكر الرحمن}
[الزخرف: 36] يتعامى ويعرض عنه بفرط اشتغاله
بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات وقرئ يعش بالفتح أي
يعمى يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشي إذا تعشى بلا
آفة كعرج وعرج اهـ.
وقول ابن المنير في الانتصاف وفي الآية نكتتان إحداهما
أن النكرة في سياق الشرط تعم وفي ذلك اضطراب للأصوليين
وإمام الحرمين يختار العموم وبعضهم حمل كلامه على
العموم البدلي لا الاستغراقي، فإن كان مراده عموم
الشمول فالآية حجة له من وجهين لأنه نكر الشيطان ولم
يرد إلا الكل لأن كل إنسان له شيطان فكيف بالعاشي عن
ذكر الله والثاني أنه أعاد الضمير مجموعًا في قوله:
{وإنهم ليصدونهم عن السبيل} [الزخرف: 37] ولولا عموم
الشمول لما جاز عود الضمير على واحد تعقبه العلاّمة
البدر الدماميني فقال في كلٍّ من الوجهين اللذين
أبداهما نظر، أما الأول فلا نسلم أنه أراد كل شيطان بل
المقصود أنه قيض لكل فرد من العاشين عن ذكر الله شيطان
واحد لا كل شيطان وذلك واضح، وأما الثاني فعود ضمير
الجماعة على شيء ليس بينه وبين العموم الشمولي تلازم
بوجه وعود الضمير في الآية بصيغة ضمير الجماعة إنما
كان باعتبار تعدّد الشياطين المفهومة مما تقدم إذ
معناه على ما قررناه أن كل عاش له شيطان فبهذا
الاعتبار جاء التعديل فعاد الضمير كما يعود على
الجماعة.
(وقال مجاهد) مما وصله الفريابي في قوله: ({أفنضرب
عنكم الذكر} [الزخرف: 5] أي تكذبون بالقرآن ثم لا
تعاقبون عليه) وقال الكلبي أفنترككم سدّى لا نأمركم
ولا ننهاكم.
({ومضى مثل الأوّلين}) [الزخرف: 8] أي (سُنّة
الأوّلين) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا.
({مقرنين}) وللأصيلي وما كنا له مقرنين (يعني الإبل
والخيل والبنال والحمير) وهو تفسير للمراد بالضمير في
له.
({ينشأ في الحلية}) أي (الجواري) اللاتي ينشأن في
الزينة أي النبات (جعلتموهن) وللأصيلي وأبي ذر يقول
جعلتموهن (للرحمن ولد {فكيف تحكمون}) بذلك ولا ترضونه
لأنفسكم.
({لو شاء الرحمن ما عبدناهم}) [الزخرف: 20] (يعنون
الأوثان) وقال قتادة يعنون الملائكة والمعنى وإنما لم
يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياهم لرضاه منا بعبادتها
(يقول الله تعالى) وللأصيلي
بقول الله تعالى بالموحدة ولأبي ذر وابن عساكر لقول
الله عز وجل ({ما لهم
(7/332)
بذلك من علم}) أي (الأوثان أنهم لا يعلمون)
نزل الأوثان منزلة مَن يعقل ونفى عنهم علم ما يصنع
المشركون من عبادتهم وقيل الضمير للكفار أي ليس لهم
علم ما ذكروهم من قولهم إن الله رضي عنا لعبادتنا وسقط
للأصيلي أنهم.
({في عقبه}) أي (ولده) فيكون منهم أبدًا مَن يوحّد
الله ويدعو إلى توحيده.
({مقترنين}) أي (يمشون معًا) قاله مجاهد أيضًا.
({سلفًا}) في قوله: {فجعلناهم سلفًا ومثلًا للآخرين}
[الزخرف: 56] هم (قوم فرعون سلفًا لكفار أمة محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {ومثلًا}) أي
(عبرة) لهم.
({يصدّون}) بكسر الصاد أي (يضجون) وقرأ نافع وابن عامر
والكسائي بضم الصاد فقيل هما بمعنى واحد وهو الضجيج
واللغط وقيل الضم من الصدود وهو الإعراض.
({مبرمون}) في قوله تعالى: {أم أبرموا أمرًا فإنا
مبرمون} [الزخرف: 79] أي (مجمعون) وقيل محكمون.
({أوّل العابدين}) أي (أوّل المؤمنين) قاله مجاهد
أيضًا.
({إنني}) ولأبي ذر والأصيلي وقال غيره أي غير مجاهد:
إنني ({براء مما تعبدون}) [الزخرف: 26] (العرب تقول
نحن منك البراء) منك (والخلاء) منك (والواحد والاثنان
والجميع من المذكر والمؤنث يقال فيه براء) بلفظ واحد
(لأنه مصدر) في الأصل وقع موقع الصفة وهي بريء (ولو
قال) ولأبي ذر ولو قيل ({بريء} لقيل في الاثنين بريئان
وفي الجميع بريئون}) وأهل نجد يقولون أنا بريء وهي
بريئة ونحن برآء (وقرأ عبد الله) يعني ابن مسعود (إنني
بريء بالياء) وصله الفضل بن شاذان في كتاب القراءة
عنه.
(والزخرف) في قوله: {ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها
يتكئون وزخرفًا} [الزخرف: 34] هو (الذهب) قاله قتادة
وفي قراءة عبد الله بن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب.
({ملائكة}) في قوله تعالى: {ولو نشاء لجعلنا منكم
ملائكة في الأرض} [الزخرف: 60] ({يخلفون}) أي (يخلف
بعضهم بعضًا) قاله قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق وزاد
في آخره مكان ابن آدم ومن في قوله منكم بمعنى بدل أي
بدلكم أو تبعيضية أي لولدنا منكم يا رجال ملائكة في
الأرض يخلفونكم كما تخلفكم أولادكم كما ولدنا عيسى من
أُنثى دون ذكر.
(قوله: {ونادوا}) ولأبي ذر باب بالتنوين ونادوا ({يا
مالك ليقض علينا ربك}) ليمتنا لنستريح {قال} مالك
مجيبًا لهم بعد ألف سنة أو أربعين أو مائة {إنكم
ماكثون} [الزخرف: 77] مقيمون في العذاب لا خلاص لكم
منه بموت ولا بغيره وسقط قوله قال إنكم
ماكثون لغير أبي ذر وابن عساكر وقال الآية.
4819 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو
عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}
وَقَالَ قَتَادَةُ: {مَثَلًا لِلآخِرِينَ} عِظَةً
لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُقْرِنِينَ}
ضَابِطِينَ يُقَالُ: فُلاَنٌ مُقْرِنٌ لِفُلاَنٍ
ضَابِطٌ لَهُ. وَالأَكْوَابُ: الأَبَارِيقُ الَّتِي
لاَ خَرَاطِيمَ لَهَا. وقال قتادة: {في أم الكتاب}
جملة الكتاب أصا الكتاب. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أَيْ
مَا كَانَ فَأَنَا أَوَّلُ الآنِفِينَ. وَهُمَا
لُغَتَانِ، رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبِدٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ
اللَّهِ: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ} وَيُقَالُ
أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْجَاحِدِينَ. مِنْ عَبِدَ
يَعْبَدُ {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا
أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5]
مُشْرِكِينَ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
رُفِعَ حَيْثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ
لَهَلَكُوا. {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا
وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} [الزخرف: 8] عُقُوبَةُ
الأَوَّلِينَ. {جُزْءًا} عِدْلًا.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي
السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا سفيان بن عيينة)
الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحجة (عن عمرو) هو
ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن صفوان بن
يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي حليف قريش واسم
أمه منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية أنه
(قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقرأ على المنبر: ({ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك})
وقرئ يا مال بكسر اللام على الترخيم وفيه إشعار بأنهم
لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام.
فإن قلت: كيف قال ونادوا يا مالك بعد ما وصفهم
بالإبلاس؟ أجيب: بأنها أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة
فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتًا لغلبة اليأس عليهم
ويستغيثون أوقاتًا لشدة ما بهم.
وهذا الحديث ذكره في باب صفة النار من بدء الخلق.
(وقال قتاة) في قوله تعالى: ({مثلًا}) من قوله تعالى:
{فجعلناهم سلفًا ومثلًا} ({للآخرين}) أي (عظة لمن
بعدهم) والعظة الموعظة وثبت قوله لمن بعدهم لأبي ذر.
(وقال غيره) أي غير قتادة في قوله: ({مقرنين}) من قوله
تعالى: {وما كنا له مقرنين} السابق ذكره أي (ضابطين
يقال فلان مقرن لفلان) أي (ضابط له) قاله أبو عبيدة.
(والأكواب) هي (الأباريق التي لا خراطيم لها) وقيل لا
عراوي لها ولا خراطيم معًا قال الجواليقي ليتمكن
الشارب من أين شاء فإن العروة تمنع من ذلك.
(وقال قتادة) فيما رواه عبد الرزاق ({في أم الكتاب}
جملة الكتاب أصل الكتاب) وأم كل شيء أصله والمراد
المحفوظ لأنه أصل الكتب السماوية
(7/333)
وسقط قوله وقال قتادة الخ لغير أبي ذر.
({أول العابدين}) في قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن
ولد فأنا أول العابدين} [الزخرف: 81] السابق تفسيره
قريبًا عن مجاهد بأول المؤمنين وفسره هنا بقوله (أي ما
كان) يريد أن إن في قوله إن كان نافية لا شرطية ثم
أخبر بقوله: {فأنا أول العابدين} أي الموحدين من أهل
مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية ومنع مكي أن تكون
نافية قال لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما
مضى دون ما هو آتٍ وهذا محُال وردّ عليه بأن كان قد
تدل على الدوام كقوله تعالى: {وكان الله غفورًا
رحيمًا} وعن ابن عباس فيما رواه الطبري قال يقول لم
يكن للرحمن ولد وقيل إن شرطية على بابها واختلف في
تأويله فقيل إن صح ذلك فأنا أول من يعبده لكنه لم يصح
البتة بالدليل القاطع وذلك أنه علق العبادة بكينونة
الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها مُحالًا
مثلها فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى
نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها كذا قرره في الكشاف
(فأنا أوّل الآنفين) أي المستنكفين وهذا تفسير قوله
أول العابدين لأنه مشتق من عبد بكسر الموحدة إذا أنف
واشتدت أنفته (وما) أي عابد وعبد (لغتان) يقال (رجل
عابد وعبد) بكسر الموحدة في ضبط الدمياطي والفرع
وغيرهما وقال ابن عرفة يقال عبد بالكسر يعبد بالفتح
فهو عبد وقلما يقال عابد والقرآن لا يجيء على القليل
ولا الشاذ ومراده أن تخريج من قال إن العابدين بمعنى
الآنفين لا يصح وقال الإمام فخر الدين وهذا التعليق
فاسد لأن هذه الآنفة حاصلة سواء حصل ذلك الزعم
والاعتقاد أو لم يحصل.
(وقرأ عبد الله) يعني ابن مسعود ({وقال الرسول يا رب})
أي موضع قوله تعالى (وقيله يا رب) السابق ذكره قريبًا
وهي قراءة شاذة مخالفة لخط المصحف (ويقال أول
العابدين) أي (الجاحدين) يقال عبدني حقي أي جحدنيه (من
عبد) بكسر الموحدة (يعبد) بفتحها كذا فيما وقفت عليه
من الأصول وقال السفاقسي ضبطوه هنا بفتح الباء في
الماضي وضمها في المستقبل قال ولم يذكر أهل اللغة عبد
بمعنى جحد ورد عليه بما ذكره محمد بن عزيز السختياني
صاحب غريب القرآن من أن معنى العابدين الجاحدين وفسر
على هذا إن كان له ولد فأنا أول الجاحدين.
وهذا معروف من قول العرب إن كان هذا الأمر قط يعني ما
كان وقال السدي معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول
العابدين أي من عبده بذلك ولكن لا ولد له وثبت هنا
قوله وقال قتادة في أم الكتاب جملة الكتاب أصل الكتاب
السابق قريبًا في رواية غير أبي ذر.
({أفنضرب عنكم الذكر صفحًا أن كنتم قومًا مسرفين})
[الزخرف: 5] بفتح الهمزة أي لأن كنتم. قال في الأنوار.
وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض، وقرأ نافع
وحمزة والكسائي بكسرها على أنها شرطية وإسرافهم كان
متحققًا وأن إنما تدخل على غير المحقق أو المحقق
المبهم الزمان وأجاب في الكشاف بأنه من الشرط الذي
يصدر عن المدلي بصحة الأمر والمتحقق لثبوته كقول
الأجير إن كنت عملت لك عملًا فوفني حقي وهو عالم بذلك
ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في إيصال حقي فعل من له
شك في استحقاقه إياه تجهيلًا له وقيل المعنى
على المجازاة والمعنى أفنضرب عنكم الذكر صفحًا متى
أسرفتم أي إنكم متروكون من الإنذار متى كنتم قومًا
مسرفين أي (مشركين) سقط مشركين لأبي ذر (والله لو أن
هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا) قاله
قتادة فيما وصله ابن أبي حاتم وزاد ولكن الله عاد
عليهم بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه وزاد
غير ابن أبي حاتم عشرين سنة أو ما شاء الله.
({فأهلكنا أشد منهم بطشًا}) [الزخرف: 8] أي من القوم
المسرفين.
((ومضى مثل الأولين) [الزخرف: 8] أي (عقوبة الأولين)
قاله قتادة فيما وصله عبد الرزاق.
({جزءًا}) في قوله تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءًا}
[الزخرف: 15] أي (عدلًا) بكسر العين وسكون الدال وفي
آل ملك عدلًا بفتح العين وسكون الدال أي مثلًا فالمراد
بالجزء هنا إثبات الشركاء لله تعالى لأنهم لما أثبتوا
الشركاء زعموا أن كل العبادة ليست لله بل
(7/334)
بعضها جزء له تعالى وبعضها جزء لغيره، وقيل
معنى الجعل أنهم أثبتوا لله ولدًا لأن ولد الرجل جزء
منه والأول أولى لأنّا إذا حملنا الآية على إنكار
الشريك لله والآية اللاحقة على إنكار الولد كان ذلك
جامعًا للرد على جميع المبطلين.
[44] سورة الدُّخَانِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {رَهْوًا}: طَرِيقًا يَابِسًا. {عَلَى
الْعَالَمِينَ}: عَلَى مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ.
{فَاعْتُلُوهُ}: ادْفَعُوهُ. {وَزَوَّجْنَاهُمْ
بِحُورٍ}: أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ
فِيهَا الطَّرْفُ. {تَرْجُمُونِ}: الْقَتْلُ.
وَرَهْوًا: سَاكِنًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
{كَالْمُهْلِ}: أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيْتِ. وَقَالَ
غَيْرُهُ {تُبَّعٍ}: مُلُوكُ الْيَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعًا لأَنَّهُ يَتْبَعُ
صَاحِبَهُ، وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعًا لأَنَّهُ
يَتْبَعُ الشَّمْسَ.
([44] سورة الدُّخَانِ)
مكية إلا قوله: {إنّا كاشفو العذاب} الآية وهي سبع أو
تسع وخمسون آية، ولأبي ذر: سورة حم الدخان (بسم الله
الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({رهوًا}) في قوله
تعالى: {واترك البحر رهوًا} [الدخان: 24] أي (طريقًا
يابسًا) زاد الفريابي كهيئته يوم ضربه وزاد أبو ذر
ويقال رهوًا ساكنًا يقال الخيل رهوًا أي ساكنة قال
النابغة:
والخيل تمرح رهوًا في أعنتها ... كالطير ينجو من
الشؤبوب ذي البرد
وعن أبي عبيدة رهوًا منفتحًا فرجًا على ما تركته روي
أنه لما انفلق البحر لموسى وطلع منه
خاف أن يدركه فرعون فأراد أن يضربه ليعود حتى لا يلحقه
فقيل له اتركه إنهم جند مغرقون.
({على العالمين}) ولأبي ذر على علم على العالمين (على
من بين ظهريه) أي اخترنا مؤمني بني إسرائيل على عالمي
زمانهم.
({فاعتلوه}) في قولها {خذوه فاعتلوه} [الدخان: 47] أي
(ادفعوه) دفعًا عنيفًا.
{وزوجناهم بحور} [الدخان: 54] (أنكحناهم) ولأبي ذر
بحور عين أنكحناهم (حورًا عينًا يحار فيها الطرف)
والعين جمع عيناء العظيمة العينين من النساء
الواسعتهما وليس المراد عقد التزويج ولأبي ذر هنا
فاعتلوه ادفعوه.
ويقال أن ({ترجمون}) في قوله: ({وإني عذت بربي وربكم
أن ترجمون} [الدخان: 20] المراد بالرجم هنا (القتل)
وقال ابن عباس ترجمون بالقتل وهو الشتم يقولون هو ساحر
وقال قتادة بالحجارة: (ورهوًا ساكنًا) كذا هو هنا في
اليونينية وفرعها وسبق ذكره لأبي ذر.
(وقال ابن عباس) فيما رواه ابن أبي حاتم في ({كالمهل})
من قوله: {إنّ شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل}
[الدخان: 43 - 45] هو (أسود كمهل الزيت) أي كدرديه أو
عكر القطران أو ما أذيب من الذهب والفضة أو من كل
المنطبعات كالحديد.
(وقال غيره) أي غير ابن عباس في ({تبع}) من قوله
تعالى: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] هم (ملوك
اليمن كل واحد منهم يسمى تبعًا لأنه يتبع صاحبه) وقيل
لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه وموضع تبع في الجاهلية
موضع الخليفة في الإسلام (والظل يسمى تبعًا لأنه يتبع
الشمس) قاله أبو عبيدة وقالت عائشة فيما رواه عبد
الرزاق كان تبع رجلًا صالحًا.
1 - باب: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ
بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قَالَ قَتَادَةُ (فَارْتَقِبْ)
فَانْتَظِرْ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({فارتقب يوم
تأتي السماء بدخان مبين}) [الدخان: 10] وسقط لغير أبي
ذر لفظ باب وقوله فارتقب فقط (قال قتادة) فيما وصله
عبد بن حميد (فارتقب) أي (فانتظر) وللأصيلي انتظر
بإسقاط الفاء.
4820 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ،
وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان المروزي
(عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون
السكري (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو ابن صبيح (عن
مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) هو ابن مسعود -رضي
الله عنه- أنه (قال: مضى خمس) من علامات الساعة
(الدخان) بتخفيف الخاء المذكور في قوله هنا: {يوم تأتي
السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] (والروم) في قوله:
{الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1 - 2] (والقمر) في
قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1]
(والبطشة) في قوله هنا: {يوم نبطش البطشة الكبرى}
[الدخان: 16] (واللزام) في قوله: {فسوف يكون لزامًا}
[الفرقان: 77] وهو الهلكة أو الأسر ويدخل في ذلك يوم
بدر كما فسره به ابن مسعود وغيره فيكون أربعًا أو
اللزام يكون في القيامة ولتحقق وقوعه عدّ ماضيًا.
وهذا الحديث سبق في الفرقان.
2 - باب {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({يغشى الناس}) أي
يحيط بهم الدخان ({هذا عذاب أليم}) [الدخان: 11] في
محل نصب بالقول وذلك القول حال أي قائلين ذلك وسقط لفظ
باب لغير أبي ذر.
4821 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ
هَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا
عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ
قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ
الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ
الْجَهْدِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَارْتَقِبْ
يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10
- 11] قَالَ: فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ
هَلَكَتْ قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ»،
فَاسْتَسْقَى، فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ {إِنَّكُمْ
عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ
الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ
أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ
الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَالَ:
يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا
أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين (عن
الأعمش) سليمان
(7/335)
بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح (عن
مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن
مسعود (إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا
قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة
الجوع (لأن قريشًا لما استعصوا على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حين أظهروا العصيان
ولم يتركوا الشرك (دعا عليهم بسنين) قحط (كسني يوسف)
الصديق عليه السلام المذكورة في سورته (فأصابهم قحط
وجهد حتى أكلوا العظام) زاد في الرواية الآتية إن شاء
الله تعالى والميتة (فجعل الرجل) منهم (ينظر إلى
السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد) من
ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار
وكثرة الغبار (فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل
({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا
عذاب أليم} قال) أي ابن مسعود (فأُتي) بضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقيل يا
رسول الله) والآتي هو أبو سفيان كما عند المؤلّف لكن
في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك
واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فهذا أولى
أن يفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي
سفيان، فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن
أسلم حينئذٍ ولأبي ذر فقيل يا رسول الله (استسق الله
لمضر فإنها قد هلكت) من القحط والجهد قال في الفتح
إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز
وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط
إلى مَن حولهم.
(قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لأبي سفيان أو لكعب
بن مرة: أتأمرني أن أستسقي المضر)؟ مع ما هم عليه من
معصية الله والإشراك به (إنك لجريء) أي ذو جراءة حيث
تشرك بالله وتطلب رحمته (فاستسقى) عليه الصلاة والسلام
وزاد أبو ذر لهم (فسقوا) بضم السين والقاف (فنزلت
{إنكم عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر غب الكشف
وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فلما
أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة
والذي في اليونينية أصابتهم بفوقية بعد الموحدة بعد
التوسع والراحة (عادوا إلى حالهم) من الشرك (حين
أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل ({يوم نبطش البطشة
الكبرى إنّا منتقمون}) [الدخان: 16] (قال: يعني يوم
بدر) ظرف ليوم.
3 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا
الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}
(باب قوله تعالى: {ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون})
[الدخان: 12] أي عذاب القحط والجهد أو عذاب الدخان
الآتي قرب قيام الساعة أو عذاب النار حين يدعون إليها
في القيامة أو دخان يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم،
ورجح الأول بأن القحط لما اشتد على أهل مكة أتاه أبو
سفيان فناشده الرحم ووعده إن كشف عنهم آمنوا فلما كشف
عادوا ولو حملناه على الآخرين لم يصح لأنه لا يصح أن
يقال لهم حينئذٍ إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم عائدون
وسقط قوله لغير أبي ذر.
4822 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ
مِنَ الْعِلْمِ أَنْ تَقُولَ: لِمَا لاَ تَعْلَمُ
اللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا
غَلَبُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ:
«اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ
يُوسُفَ». فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ، أَكَلُوا فِيهَا
الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجَهْدِ، حَتَّى
جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ،
قَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا
مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فَقِيلَ لَهُ: إِنْ
كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ،
فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فَانْتَقَمَ اللَّهُ
مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}
[الدخان: 15] إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا
مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16].
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا
وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح (عن الأعمش)
سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن
الأجدع أنه (قال: دخلت على عبد الله) يعني ابن مسعود
-رضي الله عنه- (فقال: إن من العلم أن تقول لما لا
تعلم الله أعلم) قد سبق في سورة الروم سبب قول ابن
مسعود هذا من وجه آخر عن الأعمش ولفظه عن مسروق بينا
رجل يحدّث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ
بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام
ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال من
علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم (إن الله)
تعالى (قال لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من
المتكلفين}) [ص: 86] والقول فيما لا يعلم قسم من
التكلف (إن قريشًا لما غلبوا النبي) بتخفيف اللام
وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني لما غلبوا على النبي
(-صَلَّى اللَّهُ
(7/336)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخروجهم عن طاعته
وتماديهم في كفرهم (واستعصوا عليه) بفتح الصاد (قال):
(اللهم أعنّي عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) في
الشدة والقحط (فأخدتهم سنة حتى أكلوا فيها العظام
والميتة من الجهد حتى يجعل أحدهم يرى ما بينه وبين
السماء كهيئة الدخان من) الظلمة التي في أبصارهم بسبب
(الجوع قالوا: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}) وعد
بالإيمان إن كشف عنهم عذاب الجوع (فقيل له) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن كشفنا عنهم) ذلك
العذاب (عادوا) إلى كفرهم (فدعا) عليه الصلاة والسلام
(ربه فكشف عنهم) ذلك (فعادوا) إلى الكفر (فانتقم الله
منهم يوم بدر) فذلك قوله تعالى: ({يوم}) ولأبوي ذر
والوقت وابن عساكر والأصيلي {فارتقب يوم} ({تأتي
السماء بدخان مبين} إلى قوله جل ذكره: ({إنّا
منتقمون}).
وهذا الحديث سبق في سورة ص.
4 - باب {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ
رَسُولٌ مُبِينٌ} الذِّكْرُ وَالذِّكْرَى وَاحِدٌ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({أنّى لهم الذكرى})
أي من أين لهم التذكّر والاتّعاظ ({وقد جاءهم}) ما هو
أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ({رسول مبين}) [الدخان:
13] ظاهر الصدق وهو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (الذكر والذكرى واحد) وسقط باب لغير أبي
ذر.
4823 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَعَا
قُرَيْشًا كَذَّبُوهُ، وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ،
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ
كَسَبْعِ يُوسُفَ». فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ
كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ،
فَكَانَ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَكَانَ يَرَى بَيْنَهُ
وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، مِنَ
الْجَهْدِ وَالْجُوعِ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَارْتَقِبْ
يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 15]
حَتَّى بَلَغَ {إِنَّا
كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}
[الدخان: 15] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَيُكْشَفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:
وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي البصري الأزدي
(عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن
مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلت على عبد الله)
يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (ثم قال) فيه حذف
اختصره والظاهر أن الذي اختصره قول مسروق بينا رجل
يحدّث في كندة إلى قوله؛ فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا
فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله
أعلم ثم قال: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما دعا قريشًا) إلى الإسلام (كذبوه
واستعصوا عليه فقال):
(اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف. فأصابتهم سنة
حصّت) بالحاء والصاد المشددة المهملتين أي أذهبت (كل
شيء) ولغير الأصيلي وأبي ذر يعني كل شيء (حتى كانوا
يأكلون الميتة وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين
السماء مثل الدخان من الجهد والجوع) زاد في الروم
فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم
وإن قومك قد هلكوا فادع الله (ثم قرأ}) عليه السلام
({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 15]).
زاد أبو ذر والأصيلي {يغشى الناس هذا عذاب أليم}
[الدخان: 11] (حتى بلغ {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم
عائدون}. قال عبد الله) يعني ابن مسعود (أفيكشف عنهم
العذاب)؟ بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًّا للمفعول
(يوم القيامة؟ قال) أي عبد الله (والبطشة الكبرى يوم
بدر) يريد تفسير قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى}
[الدخان: 16].
5 - باب {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ
مَجْنُونٌ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({ثم تولوا}) أي
أعرضوا ({عنه وقالوا معلم}) هذا القرآن من بعض الناس
وقال آخرون إنه ({مجنون}) [الدخان: 14] والجن يلقون
إليه ذلك حاشاه الله من ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4824 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ،
وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ،
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ
مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] فَإِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ
كَسَبْعِ يُوسُفَ» فَأَخَذَتْهُمُ السَّنَةُ حَتَّى
حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ
وَالْجُلُودَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَتَّى أَكَلُوا
الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ
الأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو
سُفْيَانَ فَقَالَ: أَيْ مُحَمَّدُ، إِنَّ قَوْمَكَ
هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ.
فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: «تَعُودُوا بَعْدَ هَذَا». فِي
حَدِيثِ مَنْصُورٍ: ثُمَّ قَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}
-إِلَى- {عَائِدُونَ} [الدخان: 15] أَيُكْشَفُ عَذَابُ
الآخِرَةِ؟ فَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ
وَاللِّزَامُ، وَقَالَ أَحَدُهُمُ: الْقَمَرُ وَقَالَ
الآخَرُ: الرُّومُ.
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) أبو محمد العسكري قال:
(أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (محمد) هو ابن جعفر الملقب
بغندر (عن شعبة) بن الحجاج وللأصيلي حدّثنا شعبة (عن
سليمان) بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر
كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن
الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود (إن الله
بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
{قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص:
86] فيه حذف اختصره أيضًا كما دلّ عليه السابق (فإن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما
رأى قريشًا استعصوا عليه) فلم يؤمنوا (فقال) ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر قال:
(اللهم أعني عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) بن
يعقوب عليهما السلام (فأخذتهم السنة حتى حصت) أذهبت
(كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال) ولأبوي ذر
الوقت والأصيلي وقال بالواو بدل الفاء (أحدهم) القياس
أن يقول أحدهما بالتثنية لأن المراد سليمان ومنصور
فيحتمل أن يكون
(7/337)
على قول إن أقل الجمع اثنان (حتى أكلوا الجلود
والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان).
استشكل بما سبق فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان
من الجوع. وأجيب: بالحمل على أن مبدأه كان من الأرض
ومنتهاه ما بين السماء والأرض وباحتمال وجود الأمرين
بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة
الأرض ووهجها من عدم المطر ويرون بينهم وبين السماء
مثل الدخان من فرط حرارة الجوع.
(فأتاه) عليه الصلاة والسلام (أبو سفيان فقال: أي محمد
إن قومك هلكلوا) ولغير أبي ذر والأصيلي قد هلكوا (فادع
الله أن يكشف عنهم). ما أصابهم (فدعا) لهم عليه الصلاة
والسلام أن يكشف الله عنهم (ثم قال: تعودوا) إلى الكفر
(بعد هذا) قال الزركشي: كذا وقع تعودوا بحذف نون الرفع
وصوابه تعودون بإثباتها. قال العلامة البدر الدماميني:
ليس حذفها خطأ بل هو ثابت في الكلام الفصيح نظمًا
ونثرًا ومنه قراءة الحسن واليزيدي تظاهرًا بتشديد
الظاء أي أنتما ساحران تتظاهران فحذف المبتدأ وهو ضمير
المخاطبين وأدغمت التاء في الظاء وحذفت النون تخفيفًا
وفي الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى
تحابوا وللأصيلي تعودون بإثبات النون على الأصل (في
حديث منصور) هو ابن المعتمر ثم قرأ ({فارتقب يوم تأتي
السماء بدخان مبين} -إلى- {عائدون}) قال ابن مسعود:
(أيكشف عذاب الآخرة)؟ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
أنكشف بالنون مبنيًّا للفاعل عنهم عذاب الآخرة (فقد
مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهم): سليمان
ومنصور وثالث معهما أو أحدهما كما مرّ (القمر) يعني
انشقاقه (وقال الآخر: الروم) يعني {غلبت الروم} ولأبي
ذر والروم بالواو.
6 - باب {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى
إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}
(باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}) [الدخان:
16] وسقط لأبي ذر يوم نبطش الخ.
4825 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ،
وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ،
وَالدُّخَانُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا
وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو
أبو الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن
مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: خمس قد مضين) أي وقعن
(اللزام) وهو الأسر والهلكة يوم بدر (والروم) أي
غلبتهم (والبطشة) الكبرى يوم بدر (والقمر) يعني
انشقاقه (والدخان) الحاصل لقريش بسبب القحط لكن أخرج
عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي قال آية الدخان لم
تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى
ينقدّ، ولمسلم من حديث أبي سريحة بمهملتين الأولى
مفتوحة حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري رفعه "لا
تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها
والدخان والدابة" الحديث.
[45] سورة الْجَاثِيَةِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {جَاثِيَةً}:
مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
{نَسْتَنْسِخُ}: نَكْتُبُ. {نَنْسَاكُمْ}:
نَتْرُكُكُمْ.
([45] سورة الْجَاثِيَةِ)
مكية وهي سبع أو ست وثلاثون آية ولأبي ذر سورة حم
الجاثية (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير
أبي ذر.
({جاثية}) في قوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية}
[الجاثية: 28] أي (مستوفزين) بالزاي (على الركب) من
الخوف. (وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله
تعالى: ({نستنسخ}) أي (نكتب) أي أمر الملائكة أن تكتب
أعمالكم وسقط لأبي ذر وقال مجاهد فقط.
({ننساكم}) في قوله تعالى: {اليوم ننساكم} [الجاثية:
34] أي (نترككم) في العذاب كما تركتم الإيمان والعمل
ولقاء هذا اليوم.
1 - باب {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} الآيَةَ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وما يهلكنا})
وما يفنينا ({إلا الدهر}) [الجاثية: 24] الأمر الزمان
وطول العمر واختلاف الليل والنهار (الآية). وزاد في
الفرع وما لهم
بذلك الذي قالوه من علم علموه إن هم إلا يظنون إذ لا
دليل لهم عليه وضرب على ذلك في الأصل.
4826 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا
الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية
المشددة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ولأبوي ذر والوقت قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم) أي يخاطبني
(7/338)
من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذّي
والله تعالى منزّه عن أن يصير في حقه الأذى إذ هو محال
عليه، وإنما هذا من التوسع في الكلام والمراد أن من
وقع ذلك منه تعرض لسخط الله عز وجل (يسب الدهر) يقول
إذا أصابه مكروه بؤسًا للدهر وتبًّا له (وأنا الدهر)
بالرفع في الفرع كالأصول المعتمدة وضبط الأكثرين
والمحققين أي أنا خالق الدهر (بيدي الأمر) الذي
ينسبونه إلى الدهر (أقلب الليل والنهار).
وروي نصب الدهر من قوله أنا الدهر أي أقلب الليل
والنهار في الدهر والرفع كما مر أوجه قال في شرح
المشكاة لأنه لا طائل تحته على تقدير النصب لأن تقديم
الظرف إما للاهتمام أو للاختصاص ولا يقتضي المقام ذلك
لأن الكلام مفرغ في شأن المتكلم لا في الظرف ولهذا عرف
الخبر لإفادة الحصر فكأنه قيل أنا أقلب الليل والنهار
لا ما تنسبونه إليه، قيل الدهر الثاني غير الأول وإنما
هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه أنا الداهر المصرف المدبر
المقدر لما يحدث فإذا سب ابن آدم الدهر من أجل أنه
فاعل هذه الأمور عاد سبّه إليّ لأني فاعلها، وإنما
الدهر زمان جعلته ظرفًا لمواقع الأمور قاله الشافعي
والخطابي وغيرهما. وهذا مذهب الدهرية من الكفار ومن
وافقهم من مشركي العرب المنكرين للمعاد والفلاسفة
الدهرية الدورية المنكرين للصانع المعتقدين أن في كل
ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه
وكابروا المعقول وكذبوا المنقول قال ابن كثير وقد غلط
ابن حزم ومَن نحا نحوه من الظاهرية في عدّهم الدهر من
الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم
وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير.
[46] سورة الأَحْقَافِ
(بِسم الله الرحمن الرحيم) وَقَالَ مُجَاهِدٌ
{تُفِيضُونَ} تَقُولُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ
(أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ
وَأَثَارَةٍ بَقِيَّةُ عِلْمٍ). وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]
لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ
{أَرَأَيْتُمْ} هَذِهِ الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ
تَوَعُّدٌ، إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ لاَ يَسْتَحِقُّ
أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ {أَرَأَيْتُمْ}
بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ: أَتَعْلَمُونَ
أَبَلَغَكُمْ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
خَلَقُوا شَيْئًا.
([46] سورة الأحقاف)
مكية وآيها أربع أو خمس وثلاثون، ولأبي ذر سورة حم
الأحقاف (بسم الله الرحمن الرحيم). (وقال مجاهد) مما
وصله الطبري في ({تفيضون}) من قوله تعالى: {هو أعلم
بما تفيضون فيه} [الأحقاف: 8] أي (تقولون) من التكذيب
بالقرآن والقول فيه بأنه سحر وهذا ساقط لأبي ذر (وقال
بعضهم: أثرة) بفتحات من غير ألف وعزيت لقراءة علي وابن
عباس وغيرهما (وأُثرة) بضم فسكون ففتح وعزيت لقراءة
الكسائي في غير المشهور (وأثارة) بالألف بعد المثلثة
وهي قراءة العامة مصدر على فعالة كضلالة ومراده قوله
تعالى: {إيتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم}
[الأحقاف: 4] هي (بقية علم) ولأبي ذر من علم وأثرة
وإثرة وإثارة برفع الثلاثة والتنزيل بالجر وبهذا قاله
أبو عبيدة والفرّاء.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({بدعًا من
الرسل}) [الأحقاف: 9] أي (لست بأوّل الرسل) ولأبي ذر
ما كنت بأول الرسل فكيف تنكرون نبوّتي وإخباري بأني
رسول الله.
(وقال غيره) أي غير ابن عباس ({أرأيتم}) من قوله: {قل
أرأيتم إن كان من عند الله} [الأحقاف: 10] (هذه الألف)
التي في أوّل أرأيتم المستفهم بها (إنما هي توعد)
لكفار مكة حيث ادعوا صحة ما عبدوه من دون الله (إن صح
ما تدّعون) بتشديد الدال في زعمكم ذلك (لا يستحق أن
يعبد) لأنه مخلوق ولا يستحق أن يعبد إلا الخالق (وليس
قوله: {أرأيتم} برؤية العين) التي هي الإبصار (إنما
هو) أي معناه (أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون) بسكون
الدال مخففة (من دون الله خلقوا شيئًا) ومفعولا أرأيتم
محذوفان تقديره أرأيتم حالكم إن كان كذا ألستم ظالمين
وجواب الشرط أيضًا محذوف تقديره فقد ظلمتم ولهذا
أُتِيَ بفعل الشرط ماضيًا وسقط من قوله وقال غيره إلى
هنا لأبي ذر.
1 - باب {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا
أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ
الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ
اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({والذي قال
لوالديه أُفٍّ لكما}) أي التأفيف لكما وهي كلمة كراهية
({أتعدانني أن أخرج}) من قبري حيًّا ({وقد خلت القرون
من قبلي}) فلم
يبعث أحد منهم ({وهما يستغيثان الله}) أي يسألان الله
أن يغيثه بالتوفيق للإيمان أو يقولان الغياث بالله منك
({ويلك}) أي يقولان له
(7/339)
ويلك ({آمن}) وصدّق بالبعث وويلك دعاء بالثبور
({إن وعد الله}) بالبعث ({حق فيقول}) لهما: ({ما هذا
إلا أساطير الأوّلين}) [الأحقاف: 17] أباطيلهم التي
كتبوها وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وله من قوله وقد خلت
القرون الخ وقال بعد قوله: {أن أخرج} إلى قوله {أساطير
الأوّلين}.
4827 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى
الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ
فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، لِكَىْ
يُبَايِعَ لَهُ، بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا: فَقَالَ:
خُذُوهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا
عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي
أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {وَالَّذِي قَالَ
لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي}
[الأحقاف: 17] فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ
الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ
الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال:
(حدثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (عن يوسف بن ماهك)
بفتح الهاء يصرف ولا يصرف ومعناه قمير مصغر القمر أنه
(قال: كان مروان) بن الحكم الأموي أميرًا (على الحجاز
استعمله معاوية) بن أبي سفيان عليه وعند النسائي أنه
كان عاملًا على المدينة وعند الإسماعيلي فأراد معاوية
أن يستخلف يزيد يعني ابنه فكتب إلى مروان بذلك فجمع
مروان الناس (فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع
له بعد أبيه) وفي رواية الإسماعيلي وقال إن الله أرى
أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا وأن يستخلفه فقد
استخلف أبو بكر عمر (فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر)
الصدّيق (شيئًا) لم يبينه ولأبي يعلى وابن أبي حاتم
فقال أي عبد الرحمن هرقلية إن أبا بكر والله ما جعلها
في أحد من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها معاوية إلا
كرامة لولده ولابن المنذر أجئتم بها هرقلية تبايعون
لأبنائكم (فقال) أي مروان لأعوانه (خذوه) أي عبد
الرحمن (فدخل بيت) أخته (عائشة) ملتجئًا بها (فلم
يقدروا عليه) أي امتنعوا أن يخرجوه من بيتها إعظامًا
لها وعند أبي يعلى فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب
عائشة فجعل يكلمها وتكلمه وسقط عليه من اليونينية وثبت
فى الفرع وغيره (فقال مروان: إن هذا) يعني عبد الرحمن
(الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما
أتعدانني} فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله
فينا) آل أبي بكر (شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل
عذري) عن قصة أهل الإفك.
وعند الإسماعيلي فقالت عائشة: كذبت والله ما نزلت فيه،
وفي رواية له والله ما أنزلت إلا في فلان ابن فلان
الفلاني، وفي رواية لو شئت أن أسمّيه لسميته، ولكن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعن
أبا مروان ومروان في صلبه، فالصحيح أن الآية نزلت في
الكافر العاقّ، ومَن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن
فقوله ضعيف لأن عبد الرحمن قد أسلم وحسن إسلامه وصار
من خيار المسلمين، ونفي عائشة أصح إسنادًا ممن روى
غيره وأولى بالقبول.
2 - باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا
مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ
مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ
فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
عَارِضٌ السَّحَابُ
(باب قوله) تعالى ({فلما رأوه}) أي العذاب ({عارضًا})
سحابًا عرض في أفق السماء والضمير عائد إلى السحاب
كأنه قيل فلما رأوا السحاب عارضًا ({مستقبل أوديتهم})
صفة لعارضًا وإضافته غير محضة فمن ثم ساغ أن يكون
نعتًا لنكرة ({قالوا هذا عارض ممطرنا}) صفة لعارض
أيضًا أي يأتينا بالمطر وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى
المطر قال الله تعالى أو هود عليه السلام ({بل هو ما
استعجلتم به}) من العذاب حيث قلتم فأتنا بما تعدنا إن
كنت من الصادقين ثم بيّن ماهيته فقال ({ريح}) أي هي
ريح ({فيها عذاب أليم}) [الأحقاف: 24] فما برحوا حتى
كانت الريح تجيء بالرجل فتطرحه وكان طول الرجل منهم
اثنتي عشرة ذراعًا وقيل ستون ذراعًا وقيل مائة ولهم
قصور محكمة بالبناء بالصخور فحملت الريح الصخور والشجر
ورفعتها كأنها جرادة وهدمت القصور واصطف لها الأطولون
الأشداء منهم فصرعتهم وألقت عليهم الصخور وسفت عليهم
الرمال فكانوا تحتها سبع ليالٍ وثمانية أيام لهم أنين،
ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال واحتملتهم فرمت
بهم في البحر ولم يصل إلى هود عليه السلام ومَن آمن به
من تلك الريح إلا نسيم، وكان عليه السلام قد جمع
المؤمنين إلى شجرة عند عين ماء وأدار عليهم خطأ خطه في
الأرض وسقط لغير أبي ذر باب قوله وله قالوا هذا عارض
الخ وقال بعد قوله أوديتهم الآية.
(قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) فيما وصله ابن أبي
حاتم في قوله (عارض) أي (السحاب) الذي يرى في ناحية
السماء وسمي بذلك لأنه يبدو في عرض السماء.
4828 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا
النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ
إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. [الحديث 4828 - طرفه في:
6092].
وبه قال: (حدّثنا أحمد
(7/340)
بن عيسى) كذا في رواية أبي ذر ابن عيسى وهو
الهمداني التستري المصري الأصل، وسقط ابن عيسى لغير
أبي ذر وقال الكرماني: إنه أحمد بن صالح المصري يعني
ابن الطبري، ولعله اعتمد على قول أبي علي بن السكن حيث
قال: هو أحمد بن صالح في المواضع كلها وكذا قاله ابن
منده، وقيل هو أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال
الحاكم أبو عبد الله هو أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى
لا يخلو أن يكون واحدًا منهما ولم يحدث عن ابن أخي ابن
وهب شيئًا ومن زعم أنه ابن أخي ابن وهب فقد وهم فاتفق
الرواة على أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى وقد عين أبو
ذر في روايته أنه ابن عيسى قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد
الله قال: (أخبرنا عمرو) هو ابن الحارث (أن أبا النضر)
سالمًا المدني (حدّثه عن سليمان بن يسار) ضد
اليمين (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: ما رأيت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضاحكًا
حتى أرى منه لهواته) بتحريك الهاء جمع لهاة وهي اللحمة
الحمراء المعلقة في أعلى الحنك (إنما كان يتبسم،
قالت):
4829 - قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ
رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ
فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ،
وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ
الْكَرَاهِيَةُ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا
يُومِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ
بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ
فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}». [الأحقاف:
24].
(وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف) بضم العين وكسر
الراء مبنيًّا للمفعول (في وجهه) الكراهية وذلك لأن
القلب إذا فرح تبلج الجبين وإذا حزن أربد الوجه فعبرت
عائشة عن الشيء الظاهر في الوجه بالكراهية لأنه ثمرتها
(قالت: يا رسول الله الناس) ولغير أبي ذر أن الناس
(إذا رأوا الغيم فرحوا) به (رجاء أن يكون فيه المطر
وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال):
(يا عائشة ما يومني) بواو ساكنة ونون مشددة ولأبي ذر
يؤمنني بنونين (أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح) هم
عاد قوم هود حيث أهلكوا بريح صرصر (وقد رأى قوم العذاب
فقالوا: {هذا عارض ممطرنا}) قد تقرر أن النكرة إذا
أُعيدت نكرة كانت غير الأولى، لكن ظاهر آية الباب أن
الذين عذبوا بالريح هم الذين قالوا هذا عارض.
وقد أجاب صاحب الكواكب الدراري عن ذلك بأن القاعدة
المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل
على الاتحاد فإن كان هناك قرينة كما في قوله: {وهو
الذي في السماء إله وفي الأرض إله} فلا وعلى تقدير
تسليم المغايرة مطلقًا فلعل عادًا قومان قوم بالأحقاف
أي في الرمال وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم. اهـ.
ويؤيد قوله الثاني قوله تعالى: {وأنه أهلك عادًا
الأولى} [النجم: 50] فإنه يشعر بأن ثم عادًا أخرى،
وعند الإمام أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري
قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمررت بالربذة
فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد
الله إن لي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حاجة فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها
فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله الحديث. وفيه
فقلت: أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال: وما
وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه، لكن يستعظمه؟ قلت: إن
عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له قيل فمر
بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنيه
جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى
جبال مهرة فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض
فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادًا ما كنت
تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى
سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رمادًا رمددًا لا
تبقي من عاد أحدًا رواه الترمذي والنسائي
وابن ماجة ذكره ابن كثير بطوله في تفسيره وابن حجر
مختصرًا. وقال: الظاهر أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر
مكة فيه.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف في الأدب ومسلم في
الاستسقاء وأبو داود في الأدب.
[47] سورة مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- {الذِينَ كَفَرُوا} [محمد: 1]
{أَوْزَارَهَا}: آثَامَهَا. حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ
مُسْلِمٌ. {عَرَّفَهَا}: بَيَّنَهَا. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}: وَلِيُّهُمْ.
عَزَمَ الأَمْرُ: جَدَّ الأَمْرُ. {فَلاَ تَهِنُوا}:
لاَ تَضْعُفُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أَضْغَانَهُمْ: جَسَدَهُمْ. {آسِنٍ}: مُتَغَيِّرٍ.
([47] سورة مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- {الذِينَ كَفَرُوا})
مدنية. وقيل مكية وآيها سبع أو ثمان وثلاثون آية ولأبي
ذر سورة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسم
الله الرحمن
الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر وتسمى السورة أيضًا
سورة القتال.
({أوزارها}) في قوله
(7/341)
تعالى: {فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع
الحرب أوزارها} [محمد: 4] أي (آثامها) أو آلاتها
وأثقالها وهو من مجاز الحذف أي حتى تضع أمة الحرب أو
فرقة الحرب أوزارها والمراد انقضاء الحرب بالكلية (حتى
لا يبقى إلا مسلم) أو مسالم والمعنى حتى يضع أهل الحرب
شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشدّ أو للمن
والفداء أو للمجموع يعني أن هذه الأحكام جارية فيهم
حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وقيل بنزول
عيسى وأسند الوضع إلى الحرب لأنه لو أسنده إلى أهله
بأن كان يقول حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة
ويتركوا الحرب وهي باقية كقول القائل:
خصومتي ما انفصلت ولكن ... تركتها في هذه الأيام
({عرفها}) في قوله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرّفها لهم}
[محمد: 6] أي (بينها) لهم وعرفهم منازلها بحيث يعلم كل
واحد منهم منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنة منذ خلق
أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة.
(وقال مجاهد) مما وصله الطبري ({مولى الذين آمنوا})
[محمد: 11] أي (وليهم) وسقط هذا لأبي ذر.
(عزم الأمر) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي (جد الأمر)
ولأبي ذر فإذا عزم الأمر أي جد الأمر وهو على سبيل
الإسناد المجازي كقوله:
قد جدت الحرب فجدوا
أو على حذف مضاف أي عزم أهل الأمر والمعنى إذا جد
الأمر ولزم فرض القتال خالفوا
وتخلفوا ({فلا تهنوا}) أي (لا تضعفوا) بعد ما وجد
السبب وهو الأمر بالجد والاجتهاد في القتال.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (أضغانهم) في
قوله تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} [محمد: 29]
أن لن يخرج الله أضعانهم أي (حسدهم) بالحاء المهملة
وقيل بغضهم وعدوانهم.
({آسن}) في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد:
15] أي (متغير) طعمه وسقط هذا لأبي ذر.
1 - باب {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وتقطعوا
أرحامكم}) [محمد: 22] بتشديد الطاء المكسورة على
التكثير ويعقوب بفتح التاء وسكون القاف وفتح الطاء
مخففة مضارع قطع وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4830 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
مُزَرَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ
الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ
فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ
قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ
الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ
مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ:
بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ» قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي
الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. [الحديث 4830
- أطرافه في: 4831، 4832، 5987، 7502].
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام
بينهما خاء معجمة ساكنة الكوفي قال: (حدّثنا سليمان)
بن بلال قال: (حدّثني) بالإفراد (معاوية بن أبي مزرد)
بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء وفي اليونينية بفتحها
مشددة بعدها دال مهملة اسمه عبد الرحمن بن يسار
بالتحتية والمهملة المخففة (عن) عمه (سعيد بن يسار عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خلق الله الخلق فلما فرغ منه) أي قضاه أو أتمه أو نحو
ذلك مما يشهد بأنه مجاز من القول فإنه سبحانه وتعالى
لن يشغله شأن عن شأن (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسمت
(فأخذت بحقو الرحمن) بفتح الحاء المهملة وفي اليونينية
بكسرها وكذا في الفرع مصلحة وكشط فوقها، وعند الطبري
بحقوي الرحمن بالتثنية والحقو الإزار والخصر ومشدّ
الإزار.
قال البيضاوي: لما كان من عادة المستجير أن يأخذ بذيل
المستجار به أو بطرف ردائه وإزاره وربما أخذ بحقو
إزاره مبالغة في الاستجارة فكأنه يشير به إلى أن
المطلوب أن يحرسه ويذبّ عنه ما يؤذيه كما يحرس ما تحت
إزاره ويذب عنه فإنه لاصق به لا ينفك عنه استعير ذلك
للرحم.
وقال الطيبي: وهذا مبني على الاستعارة التمثيلية التي
الوجه فيها منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول وذلك
أنه شبّه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى
الصلة والذبّ عنها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل
المستجار به وحقو إزاره ثم أدخل صورة حال المشبه في
جنس المشبه به واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملًا
في المشبه به من الألفاظ بدلائل قرائن الأحوال، ويجوز
أن تكون مكنية بأن يشبه الرحم بإنسان مستجير بمن يحميه
ويحرسه ويذبّ عنه ما يؤذيه ثم أسند على سبيل الاستعارة
التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ليكون قرينة
مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الاستعارة بأخذ الحقو
والقول وقوله بحقو الرحمن
(7/342)
استعارة أخرى مثلها وسقط قوله: بحقو الرحمن في
رواية أبي ذر كما في الفرع وأصله. وقال في الفتح: حذف
للأكثر مفعول أخذت قال وفي رواية ابن السكن فأخذت بحقو
الرحمن.
وقال القابسي أبى أبو زيد أن يقرأ لنا هذا الحرف
لأشكاله وقال هو ثابت لكن مع تنزيه الله تعالى ويحتمل
أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها أو على
طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضيلة
وأصلها وإثم قاطعها وتثنية حقو المروية عند الطبري
للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ
بيد واحدة.
(فقال) تعالى (له: مه) بفتح الميم وسكون الهاء اسم فعل
أي اكفف وانزجر. وقال ابن مالك: هي هنا ما الاستفهامية
حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت والشائع أن لا يفعل
ذلك بها إلا وهي مجرورة ومن استعمالها كما وقع هنا غير
مجرورة قول أبي ذؤيب الهذلي قدمت المدينة ولأهلها ضجيج
كضجيج الحجيج فقلت مه فقالوا قبض رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. اهـ.
فإن كان المراد الزجر فواضح وإن كان الاستفهام فالمراد
منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام فإنه تعالى
يعلم السر وأخفى.
(قالت هذا مقام العائذ) بالذال المعجمة أي قيامي هذا
قيام المستجر (بك من القطيعة) وفي حديث عبد الله بن
عمرو عند أحمد أنها تكلم بلسان طلق ذلق (قال) تعالى
(ألا) بالتخفيف (ترضين أن أصل من وصلك) بأن أتعطف عليه
وأرحمه لطفًا وفضلًا (وأقطع من قطعك) فلا أرحمه (قالت:
بلى يا رب) أي رضيت (قال) تعالى (فذاك) بكسر الكاف
إشارة إلى قوله ألا ترضين الخ زاد الإسماعيلي لك.
(قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (اقرؤوا إن شئتم {فهل
عسيتم}) أي فهل يتوقع منكم ({إن توليتم}) أحكام الناس
وتأمرتم عليهم أو أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه
({أن تفسدوا في الأرض}) بالمعصية والبغي وسفك الدماء
({وتقطعوا أرحامكم}).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي الأدب ومسلم
في الأدب والنسائي في التفسير.
4831 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ،
حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ
يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} ".
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بن محمد بن حمزة بن
مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق الأسدي الزبيري
المدني قال: (حدّثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي نزيل
المدينة (عن معاوية) بن أبي مزرد السابق قريبًا أنه
(قال: حدّثني) بالإفراد (عمي أبو الحباب) بضم الحاء
المهملة وبموحدتين بينهما ألف (سعيد بن يسار) بالسين
المهملة ضد اليمين (عن أبي هريرة بهذا) بالحديث السابق
(ثم) قال أبو هريرة (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم}).
4832 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
الْمُزَرَّدِ بِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاقْرَءُوا إِنْ
شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ}». {آسِنٍ}: مُتَغَيِّرٍ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذرة حدّثني بالإفراد (بشر بن
محمد) السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن
المبارك المروزي قل: (أخبرنا) ولغير أبي ذر حدّثنا
(معاوية بن أبي المزرد) باللام وكسر الراء وفي
اليونينية بفتحها (بهذا) الحديث إسنادًا ومتنًا (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم}) ومراد المؤلّف بإيراد
هذه الطريق وسابقتها الإعلام بأن الذي وقفه سليمان بن
بلال على أبي هريرة حيث قال: قال أبو هريرة: اقرؤوا إن
شئتم {فهل عسيتم} رفعه حاتم بن إسماعيل وابن المبارك
وكذا رفعه الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن ابن
المبارك أيضًا. قال الإمام النووي رحمه الله: لا خاف
أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية والصلة
درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها صلتها بالكلام ولو
بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. اهـ.
وفي حديث أبي بكرة مرفوعًا: ما من ذنب أحرى أن يعجل
الله عقوبته في الدنيا مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة
من البغي وقطيعة الرحم رواه أحمد، وعنده من حديث ثوبان
مرفوعًا: مَن سرّه النساء في الأجل والزيادة في الرزق
فليصل رحمه.
({آسن}) أي (متغير) وسبق هذا قريبًا.
[48] سورة الْفَتْحِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {بُورًا}: هَالِكِينَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}: السَّحْنَةُ وَقَالَ
مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ التَّوَاضُعُ. {شَطْأَهُ}:
فِرَاخَهُ. {فَاسْتَغْلَظَ}: غَلُظَ. {سُوقِهِ}:
السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ دَائِرَةُ
السَّوْءِ كَقَوْلِكَ رَجُلُ السَّوْءِ وَدَائِرَةُ
السَّوْءِ الْعَذَابُ. {تُعَزِّرُوهُ}: تَنْصُرُوهُ.
{شَطْأَهُ}: شَطْءُ السُّنْبُلِ. تُنْبِتُ الْحَبَّةُ
عَشْرًا أَوْ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا
فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَذَاكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {فَآزَرَهُ}: قَوَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ
وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ
ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ
قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا
يَنْبُتُ مِنْهَا.
([48]] سورة الفتح)
مدنية نزلت منصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الحديبية سنة ست من الهجرة وآيها تسع
(7/343)
وعشرون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط البسملة لغير أبي ذر.
(قال مجاهد) فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح
عنه ({بورًا}) في قوله تعالى: {وظننتم ظن السوء وكنتم
قومًا بورًا} [الفتح: 12] أي (هالكين) والبور الهلاك
وهو يحتمل أن يكون هنا مصدرًا أخبر به عن الجمع كقوله:
يا رسول الإله إن لساني ... راتق ما فتقت إذا أنا بور
ولذلك يستوي فيه المفرد والمذكر وضدهما ويحتمل أن يكون
جمع بائر كحائل وحول في المعتل وبازل وبزل في الصحيح
وسقط هذا لغير أبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى:
({سيماهم في وجوههم}) [الفتح: 29] هي (السحنة) بفتح
السين المهملة في اليونينية وهي في الفرع كذلك مصلحة
وتحت السين كشط وبذلك ضبطه ابن السكن والأصيلي. وقال
القاضي عياض: إنه الصواب عند أهل اللغة وفي كثير من
الأصول بكسرها والحاء المهملة ساكنة وجزم ابن قتيبة
بفتحها وأنكر السكون وقد أثبته الكسائي والفراء وهي
لين البشرة والنعمة، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني:
السجدة وكذا في رواية القابسي أي أثر السجدة فى الوجه:
لكن في التئام هذا مع قوله: {من أثر السجود} [الفتح:
29] قلق لا يخفى.
وعن ابن عباس في رواية عطية العوفي عنه نور وبياض في
وجوههم يوم القيامة وعن عطاء بن أبي رباح استنارة
وجوههم من كثرة صلاتهم أي ما يظهره الله تعالى في وجوه
الساجدين نهارًا إذا قاموا بالليل متهجدين فمَن توجه
إلى الله بكليته لا بدّ أن يظهر في وجهه نور تبهر منه
الأنوار. وعن شهر بن حوشب تكون مواضع السجود من وجوههم
كالقمر ليلة البدر وعن الضحاك صفرة الوجه. وروى السلمي
عن عبد العزيز المكي ليس هو الصفرة ولكنه نور يظهر على
وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك
للمؤمنين ولو كان ذلك في رنجي أو حبشي. قال ابن عطاء:
ترى عليهم خلع الأنوار لائحة وقال الحسن إذا رأيتهم
حسبتهم مرضى وما هم بمرضى.
(وقال منصور) هو ابن المعتمر فيما وصله علي بن المديني
عن جرير عنه (عن مجاهد) هو (التواضع) وزاد في رواية
زائدة عن منصور عند عبد بن حميد قلت ما كنت أراه إلا
هذا الأثر
الذي في الوجه فقال ربما كان بين عيني من هو أقسى
قلبًا من فرعون وقال بعضهم أن للحسنة نورًا في القلب
وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس فما
كمن في النفس ظهر على صفحات الوجه وفي حديث جندب بن
سفيان البجلي عند الطبراني مرفوعًا ما أسرّ أحد سريرة
إلا ألبسه الله رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ.
({شطأه}) في قوله: {كزرع أخرج شطأه} [الفتح: 29] أي
(فراخه) يقال: أشطأ الزرع إذا فرّخ وهل يختص ذلك
بالحنطة فقط أو بها وبالشعير فقط أو لا يختص خلاف
مشهور قال:
أخرج الشطء على وجه الثرى ... ومن الأشجار أفنان الثمر
({فاستغلظ}) أي (غلظ) بضم اللام ذلك الزرع بعد الدقة
ولأبي ذر تغلظ أي قوي.
({سوقه}) من قوله تعالى: {فاستوى على سوقه} [الفتح:
29] (الساق حاملة الشجرة) والجار متعلق باستوى ويجوز
أن يكون حالًا أي كائنًا على سوقه أي قائمًا عليها.
(ويقال دائرة السوء كقولك: رجل السوء) أي الفاسد كما
يقال رجل صدق أي صالح وهذا قول الخليل والزجّاج
واختاره الزمخشري وتحقيقه أن السوء في المعاني كالفساد
في الأجساد يقال ساء مزاجه ساء خلقه ساء ظنه كما يقال
فسد اللحم وفسد الهواء بل ما ساء فقد فسد وكل ما فسد
فقد ساء غير أن أحدهما كثير في الاستعمال في المعاني
والآخر في الإجرام قال تعالى: {ظهر الفساد في البر
والبحر} [الروم: 41] وقال: {ساء ما كانوا يعملون}
[التوبة: 9 وغيرها] وسقط لأبي ذر لفظ يقال فقط.
(ودائرة السوء العذاب) يعني حاق بهم العذاب بحيث لا
يخرجون منه وضم السين أبو عمرو وابن كثير بمعنى
المفتوح الفساد والرداءة والضم الهزيمة والبلاء أو
المضموم
(7/344)
العذاب والضرر والمفتوح الذم. ({يعزروه}) أي
(ينصروه) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالغيبة في ليؤمنوا
ويعزروه ويوقروه ويسبحوه رجوعًا إلى المؤمنين
والمؤمنات والباقون بالخطاب إسنادًا إلى المخاطبين
والظاهر أن الضمائر عائدة إلى الله وتفريقها بجعل
بعضها للرسول قول للضحاك ({شطأه}) هو (شطؤ السنبل)
ولأبي ذر شطأ بالألف بدل الواو صورة الهمزة (تنبت) بضم
أوّله وكسر ثالثه من الإنبات (الحبة) الواحدة (عشرًا)
من السنابل (أو ثمانيًا) ولأبي ذر وثمانيًا بإسقاط
الألف (وسبعًا) قال تعالى: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل}
[البقرة: 261] (فيقوى بعضه ببعض فذاك قوله تعالى:
{فآزره}) أي (قوّاه) وأعانه (ولو كانت واحدة لم تقم
على ساق وهو) أي ما ذكر (مثل ضربه الله للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ خرج) على كفار مكة
(وحده) يدعوهم إلى الله أو لما خرج من بيته وحده حين
اجتمع الكفار على أذاه (ثم قواه) عز وجل (بأصحابه)
المهاجرين والأنصار (كما قوّى الحبة بما يثبت) بفتح
أوله وضم ثالثه وبضم ثم كسر (منها) وقال غيره هو مثل
ضربه الله لأصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الإنجيل أنهم يكونون
قليلًا ثم يزدادون ويكثرون. وقال قتادة: مثل أصحاب
محمد في الإنجيل مكتوب له سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
1 - باب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إنا فتحنا لك
فتحًا مبينًا} [الفتح: 1] الأكثرون على أنه صلح
الحديبية، وقيل فتح مكة والتعبير عنه بالماضي لتحقّقه
قال في الكشاف وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو
شأن المخبر ما لا يخفى اهـ.
قال الطيبي لأن هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر يعظم
مناله ويعز الوصول إليه ولا يقدر على نيله إلا مَن له
قهر وسلطان ولذا ترى أكثر أحوال القيامة واردة على هذا
المنهج لأن فتح مكة من أمهات الفتوح وبه دخل الناس في
دين الله أفواجًا وأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالاستغفار والتأهّب للمسير إلى
دار القرار. وقال مجاهد: فتح خيبر وقيل فتح الروم وقيل
فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان وسقط لفظ
باب لغير أبي ذر.
4833 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ،
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا،
فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ
فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ،
ثُمَّ سَأَلَهُ فُلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ نَزَرْتَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ:
فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ
النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ
فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي
فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ
قُرْآنٌ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
«لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ
لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا}».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني مولى عمر
(عن أبيه) أسلم المخضرم المتوفى سنة ثمانين وهو ابن
أربع عشرة ومائة سنة زاد البزار من طريق محمد بن خالد
بن عثمة عن مالك سمعت عمر (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسير في بعض أسفاره)
هو سفر الحديبية كما في حديث ابن مسعود عند الطبراني
وظاهر قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإرسال لأن أسلم
لم يدرك هذه القصة لكن قوله في أثناء هذا الحديث فقال
عمر فحركت بعيري الخ يقضي بأنه سمعه من عمر ويؤيده
تصريح رواية البزار بذلك كما مر (وعمر بن الخطاب) -رضي
الله عنه- (يسير معه ليلًا فسأله عمر بن الخطاب) سقط
ابن الخطاب لأبي ذر (عن شيء فلم يجبه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لاشتغاله بما
كان من نزول الوحي (ثم سأله) عمر (فلم يجبه) عليه
الصلاة والسلام (ثم سأله فلم يجبه) تكرير السؤال
ثلاثًا يحتمل أنه
خشي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم
يكن سمعه (فقال عمر بن الخطاب ثكلت) بفتح المثلثة وكسر
الكاف أي فقدت (أم عمر) عمر دعا على نفسه بسبب ما وقع
منه من الإلحاح. وقال ابن الأثير: دعا على نفسه بالموت
والموت يعمّ كل أحد فإذن الدعاء كلا دعاء ولأبي ذر عن
الكشميهني ثكلتك أم عمر (نزرت) بزاي مفتوحة مخففة
وتثقل فراء ساكنة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ألححت عليه وبالغت في السؤال ثلاث مرات
(كل ذلك لا يجيبك قال) ولأبي ذر فقال (عمر: فحركت
بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن)
بتشديد ياء فيّ ولأبي ذر قرآن بإسقاط آلة التعريف (فما
نشبت) بفتح النون وكسر المعجمة وبعد الموحدة الساكنة
فوقية فما لبثت وما تعلقت بشيء (أن سمعت صارخًا) لم
يسم (يصرخ بي
(7/345)
فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، فجئت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت
عليه فقال) أي بعد أن ردّ عليّ السلام:
(لقد أُنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت
عليه الشمس) لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح
وغيرهما واللام في لهي للتأكيد (ثم قرأ) عليه الصلاة
والسلام ({إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}) [الفتح: 1].
وهذا الحديث أخرجه في المغازي.
4834 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ
الْحُدَيْبِيَةُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
بشار) بالمعجمة المشدّدة بندار العبدي البصري قال:
(حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي
الله عنه-) في قوله تعالى: ({إنّا فتحنا لك فتحًا
مبينًا} قال) هو (الحديبية) أي الصلح الواقع فيها
وجعله فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر
إليه قال الزهري فيما ذكره في اللباب لم يكن فتح أعظم
من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين
فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث
سنين خلق كثير وكثر سواد الإسلام.
4835 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ
قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ:
قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ
فَرَجَّعَ فِيهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ شِئْتُ
أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَفَعَلْتُ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي
البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا
معاوية بن قرة) بالقاف المضمومة والراء المشدّدة
المزني أبو إياس البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم
الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة البصري أنه
(قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يوم فتح مكة سورة الفتح فرجع فيها) أي ردّد صوته
القراءة زاد في التوحيد من طريق أخرى كيف ترجيعه قال
آآآ ثلاث مرات وهو محمول على إشباع المد في موضعه كما
قاله الطيبي.
ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى عند قوله باب: حسن
الصوت بالقراءة.
(قال معاوية) هو ابن قرة بالسند السابق: (لو شئت أن
أحكي لكم قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لفعلت).
وهذا الحديث قد ذكره في غزوة الفتح.
2 - باب قَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا}
هذا (باب) بالتنوين (قوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر}) [الفتح: 2] أي جميع ما فرط منك مما
يصح أن تعاتب عليه واللام في ليغفر متعلق بفتحنا وهي
لام العلة. وقال الزمخشري فإن قلت: كيف جعل فتح مكة
علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة ولكن لاجتماع
ما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة وإتمام النعمة
وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قال يسرّنا
لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين
وأغراض العاجل والآجل ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث
إنه جهاد للعدوّ سببًا للمغفرة والثواب. اهـ.
قال السمين: وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية فإن
اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح
والفتح معلل بها فكان ينبغي أن يقول كيف جعل فتح مكة
معللًا بالمغفرة ثم يقول لم يجعل معللًا. وقال ابن
عطية: أي إن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه
لك فكأنها لام الصيرورة وهو كلام ماشٍ على الظاهر
({ويتم نعمته عليك}) بإعلاء الدين وإخلاء الأرض من
معانديك ({ويهديك صراطًا مستقيمًا}) بما يشرعه لك من
الشرع العظيم والدين القويم وسقط لأبي ذر قوله ما تقدم
من ذنبك وما تأخر الخ وقال بعد {ليغفر لك الله} الآية.
4836 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ
أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: قَامَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ غَفَرَ
اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا
شَكُورًا».
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا
ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا زياد) زاد أبو ذر هو
ابن علاقة بكسر العين المهملة وفتح اللام المخففة
وبالقاف (أنه سمع المغيرة) هو ابن شعبة (يقول قام
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في صلاة
الليل (حتى تورمت قدماه) بتشديد الراء من طول القيام
(فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر
قال):
(أفلا) الفاء مسبب عن محذوف أي أأترك قيامي وتهجدي لما
غفر لي فلا (أكون عبدًا شكورًا) يعني غفران الله إياي
سبب لأن أقوم وأتهجد شكرًا له فكيف أتركه.
وهذا الحديث سبق في صلاة الليل.
4837 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا
حَيْوَةُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ سَمِعَ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ
مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ
أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا». فَلَمَّا
كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ.
وبه قال: (حدّثنا الحسن) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد حسن
(بن عبد العزيز) ابن الوزير الجذامي قال: (حدّثنا عبد
الله بن يحيى) المعافري قال: (أخبرنا حيوة) بفتح الحاء
المهملة
(7/346)
والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح المصري
(عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن النوفلي يتيم عروة
أنه (سمع عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-
أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
يقوم من الليل) أي يتهجد (حتى تتفطر) تتشقق (قدماه) من
كثرة القيام (فقالت) له (عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول
الله وقد غفر الله لك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
وقد غفر لك بضم الغين مبنيًّا للمفعول (ما تقدم من
ذنبك وما تأخر؟ قال):
(أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا) تخصيص العبد بالذكر
فيه إشعار بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى
والعبودية ليست إلا بالعبادة والعبادة عين الشكر (فلما
أكثر لحمه) بضم المثلثة وأنكر الداودي لفظة لحمه وقال
المحفوظ بدن أي كبر فكأن الراوي تأوّله على كثرة
اللحم. اهـ.
وقال ابن الجوزي: أحسب بعض الرواة لما رأى بدن ظنه كثر
لحمه وإنما هو بدّن تبدينًا أسن. اهـ.
وهو خلاف الظاهر وفي حديث مسلم عنها قالت لما بدن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثقل، لكن
يحتمل أن يكون معنى قوله ثقل أي ثقل عليه حمل لحمه وإن
كان قليلًا لدخوله في السن (صلى جالسًا فإذا أراد أن
يركع قام فقرأ) زاد في رواية هشام بن عروة عن أبيه
وعند المؤلّف في آخر أبواب التقصير نحوًا من ثلاثين
آية أو أربعين آية (ثم ركع).
فإن قلت: في حديث عائشة من طريق عبد الله بن شقيق عند
مسلم كان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ
قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد. أجيب: بالحمل على حالته
الأولى قبل أن يدخل في السن جميعًا بين الحديثين.
3 - باب {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا
وَنَذِيرًا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إنّا أرسلناك
شاهدًا}) على أمتك بما يفعلون
({ومبشرًا}) لمن أجابك بالثواب ({ونذيرًا}) [الفتح: 8]
مخوّفًا لمن عصاك بالعذاب وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ
أَبِي هِلاَلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، -رضي الله عنهما-
أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ. أَنْتَ
عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ.
لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ
بِالأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ
بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ
يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ
الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا،
وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله) زاد أبو ذر فقال عبد الله
بن مسلمة وكذا عند ابن السكن ولم ينسبه غيرهما فتردّد
أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء أو عبد الله
بن صالح كاتب الليث وأبو ذر وابن السكن حافظان فالمصير
إلى ما روياه أولى ومسلمة هو القعنبي قال: (حدّثنا عبد
العزيز بن أبي سلمة) دينار الماجشون (عن هلال بن أبي
هلال) ويقال ابن أبي ميمونة والصحيح ابن علي القرشي
العامري مولاهم المدني (عن عطاء بن يسار) بالسين
المهملة المخففة (عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي
الله عنهما- أن هذه الآية التي في القرآن {يا أيها
النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا} قال في
التوراة: يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا
ونذيرًا وحرزًا) بكسر الحاء المهملة وبعد الراء
الساكنة زاي معجمة أي حصنًا (للأميّيين) وهم العرب لأن
أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب (أنت عبدي ورسولي سميتك
المتوكل) أي على الله (ليس بفظ) بالظاء المعجمة أي ليس
بسيئ الخلق (ولا غليظ) بالمعجمة أيضًا ولا قاسي القلب
ولا ينافي قوله واغلظ عليهم إذ النفي محمول على طبعه
الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة وفيه التفات
من الخطاب إلى الغيبة إذ لو جرى على الأول لقال لست
بفظ (ولا سخاب) بالسين المهملة والخاء المعجمة
المشدّدة أي لا صياح (بالأسواق) ويقال صخاب بالصاد وهي
أشهر من السين بل ضعّفها الخليل (ولا يدفع السيئة
بالسيئة) كما قال الله تعالى له {ادفع بالتي هي أحسن}
[فصلت: 34] (ولكن يعفو ويصفح) ما لم تنتهك حرمات الله
(ولن يقبضه حتى) ولغير أبي ذر ولن يقبضه الله حتى
(يقيم به الملة العوجاء) ملة الكفر فينفي الشرك ويثبت
التوحيد (بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها) بكلمة
التوحيد (أعينًا عميًا) عن الحق وفي رواية القابسي
أعين عمى بالإضافة (وآذانًا صمًّا) عن استماع الحق
(وقلوبًا غلفًا) جمع أغلف أي مغطى ومغشى.
وهذا الحديث سبق في أوائل البيع.
4 - باب {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي
قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({هو الذي أنزل
السكينة}) الطمأنينة والثبات
({في قلوب المؤمنين}) [الفتح: 4] تحقيقًا للنصرة
والأكثرون على أن هذه السكينة غير التي في البقرة.
4839 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ
-رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ، وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِي
الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ
فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ،
فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «تِلْكَ
السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى)
(7/347)
بضم العين مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي (عن
إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن) جده (أبي
إسحاق عن البراء) بن عازب (رضي الله عنه) أنه (قال:
بينما) بالميم (رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو أسيد بن حضير (يقول أي سورة
الكهف كما عند المؤلّف في فضلها وعنده أيضًا في باب
نزول السكينة عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير قال
بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وهذا ظاهره
التعدّد وقد وقع نحو من هذه لثابت بن قيس بن شماس، لكن
في سورة البقرة (وفرس له مربوط) ولأبي ذر مربوطة (في
الدار فجعل) الفرس (ينفر) بنون وفاء مكسورة وراء مهملة
(فخرج الرجل) ليرى ما ينفر فرسه (فنظر فلم يرَ شيئًا
وجعل) الفرس (ينفر فلما أصبح) الرجل (ذكر ذلك للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(تلك) أي التي نفرت منها الفرس (السكينة) قيل هي ريح
هفافة لها وجه كوجه الإنسان.
وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع وقال الراغب ملك يسكن
قلب المؤمن وقال النووي المختار إنها شيء من المخلوقات
فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة (تنزلت بالقرآن) أي
بسببه ولأجله. قال التوربشتي: وإظهار هذه الأمثال
للعباد من باب التأييد الإلهي يؤيد به المؤمن فيزداد
يقينًا ويطمئن قلبه بالإيمان إذا كوشف بها.
5 - باب قَوْلِهِ: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ}
(باب قوله) عز وجل: ({إذ يبايعونك تحت الشجرة})
[الفتح: 18] متعلق بيبايعونك أو بمحذوف على أنه حال من
المفعول وكان عليه الصلاة والسلام جالسًا تحتها وسقط
باب قوله لغير أبي ذر.
4840 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا
وَأَرْبَعَمِائَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن
جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه
(قال: كنا يوم الحديبية) بتخفيف الياء وتشديدها لغتان
وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف وقال أبو عبيد البكري
أهل
العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون (ألفًا وأربعمائة).
وفي حديث البراء بن عازب عند المؤلّف في المغازي أربع
عشرة مائة، وعنه أيضًا من طريق زهير عند المؤلّف أيضًا
ألفًا وأربعمائة أو أكثر، وعن جابر خمس عشرة مائة، وعن
عبد الله بن أبي أوفى كان أصاب الشجرة ألفًا وثلاثمائة
وكانت أسلم ثمن المهاجرين بضم المثلثة والميم والجمع
بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة
فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألفًا
وأربعمائة ألغاه، وأما قول ابن أبي أوفى ألفًا
وثلاثمائة فيحمل على ما اطلع هو عليه وأطلع غيره على
زيادة لم يطّلع هو عليها والزيادة من الثقة مقبولة.
وهذا الحديث ذكره المؤلّف في المغازي.
4841 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ،
إِنِّي مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ نَهَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَذْفِ.
[الحديث 4841 - أطرافه في 5749، 6220].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) هو المديني ولأبي
ذر عن المستملي علي بن سلمة هو اللبقي بلام وموحدة
مفتوحتين ثم قاف مكسورة خفيفة وبه جزم الكلاباذي
والأكثرون بالأوّل قال: (حدّثنا شبابة) بفتح المعجمة
والموحدتين المخففتين بينهما ألف ابن سوّار بفتح
المهملة وتشديد الواو المدائني قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت عقبة بن
صهبان) بضم الصاد المهملة وسكون الهاء وبعد الموحدة
ألف فنون الأزدي البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم
الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة (المزني)
بالميم المضمومة والزاي المفتوحة والنون المكسورة
(ممن) ولغير أبي ذر أني ممن (شهد الشجرة نهى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخذف) بفتح
الخاء المعجية وسكون الدال المعجمة وبالفاء وهو الرمي
بالحصى من الأصبعين.
4842 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغَفَّلِ
الْمُزَنِيِّ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ.
(وعن عقبة بن صهبان) بالسند السابق أنه (قال: سمعت عبد
الله بن المغفل) بالتعريف ولأبي ذر مغفل (المزني في
البول في المغتسل) بفتح السين اسم لموضع الاغتسال زاد
أبو ذر عن الحموي والأصيلي فيما ذكره في الفتح وغيره
يأخذ منه الوسواس وعند النسائي والترمذي وابن ماجة
مرفوعًا نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: إن عامة
الوسواس منه. وقال الترمذي: غريب. وقال الحاكم على شرط
الشيخين ولم يخرجاه وقد أورد المؤلّف
(7/348)
الحديث الموقوف لبيان التصريح بسماع ابن صهبان
من ابن مغفل والمرفوع الأول لقوله إني ممن شهد الشجرة
لمطابقة الترجمة.
4843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ
ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رضي الله عنه-، وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد
بن الوليد) بن عبد الحميد البسري بالموحدة المضمومة
والمهملة الساكنة القرشي أبو عبد الله البصري من ولد
بسر بن أرطأة وقول العيني كالكرماني البشري بالموحدة
والمعجمة سهو وإنما هو بالمهملة قال (حدّثنا محمد بن
جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد)
الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد بن زيد (عن ثابت
بن الضحاك) الأشهلي (-رضي الله عنه- وكان من أصحاب
الشجرة) لم يذكر المتن بل اقتصر على المحتاج منه وفي
المغازي من طريق أخرى عن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك
أخبره أنه بايع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تحت الشجرة.
4844 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ
السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ
فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ
اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ. فَقَالَ
سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ،
فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْنِي
الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ
أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ
أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلاَهُمْ
فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ أُعْطِي
الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا. وَنَرْجِعُ وَلَمَّا
يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ
يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا
فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ
يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ
عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ:
إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا،
فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن إسحاق) بن الحصين أبو إسحاق
(السلمي) بضم السين وفتح اللام السرماري البخاري نسبة
إلى سرماري بفتح السين قرية من قرى بخارى قال: (حدّثنا
يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام ابن عبيد
الطنافسي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن سياه) بكسر
المهملة وبعد التحتية المخففة ألف فهاء منوّنة فارسي
معرب معناه الأسود (عن حبيب بن أبي ثابت) واسمه قيس بن
دينار الكوفي أنه (قال أتيت أبا وائل) بالهمزة شقيق بن
سلمة (أسأله) لم يذكر المسؤول عنه وفي رواية أحمد أتيت
أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين
قتلهم علي يعني الخوارج (فقال: كنا بصفين) بكسر الصاد
المهملة والفاء المشددة موضع بقرب الفرات كان به
الوقعة بين علي ومعاوية (فقال رجل) هو عبد الله بن
الكوّاء: (ألم تر إلى الذين يدعون) بضم الياء وفتح
العين وفي اليونينية بفتح الياء وضم العين (إلى كتاب
الله تعالى فقال علي: نعم) أنا أولى بالإجابة إذا دعيت
إلى العمل بكتاب الله وعند النسائي بعد قوله بصفين
فلما استحرّ القتل بأهل الشام قال عمرو بن العاص
لمعاوية أرسل المصحف إلى علي فادعه إلى كتاب الله فإنه
لن يأبى
عليك فأتى به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله. فقال
علي: أنا أولى بذلك بيننا كتاب الله فجاءته الخوارج
ونحن نسميهم يومئذٍ القراء وسيوفهم على عواتقهم،
فقالوا: يا أمير المؤمنين ما ننتظر لهؤلاء القوم ألا
نمشي إليهم بسيوفنا.
(فقال سهل بن حنيف): بضم الحاء وفتح النون (اتهموا
أنفسكم) في هذا الرأي وإنما قال ذلك لأن كثيرًا منهم
أنكروا التحكيم وقالوا لا حكم إلا لله فقال علي كلمة
حق أُريد بها باطل (فلقد رأيتنا) يريد رأيت أنفسنا
(يوم الحديبية يعني الصلح الذي كان بين النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) بين (المشركين ولو
نرى) بنون المتكلم مع غيره (قتالًا لقاتلنا فجاء عمر)
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال:
ألسنا على الحق وهم) يريد المشركين (على الباطل أليس
قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال) عليه الصلاة
والسلام:
(بلى، قال) عمر (ففيم أعطي) بضم الهمزة وكسر الطاء
ولأبي ذر نعطي بالنون بدل الهمزة (الدنية) بكسر النون
وتشديد التحتية أي الخصلة الدنية وهي المصالحة بهذه
الشروط الدالة على العجز (في ديننا ونرجع ولما يحكم
الله بيننا فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا ابن الخطاب
إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدًا، فرجع) عمر حال
كونه (متغيظًا) لأجل إذلال المشركين كما عرف من قوّته
في نصرة الدين وإذلال المشركين (فلم يصبر حتى جاء أبا
بكر) -رضي الله عنهما- (فقال: يا أبا بكر ألسنا على
الحق وهم على الباطل؟ قال: بل ابن الخطاب أنه رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت
التصلية لأبي ذر (ولن يضيعه الله أبدًا فنزلت سورة
الفتح). ومراد سهل بن حنيف بما ذكره أنهم أرادوا يوم
الحديبية أن يقاتلوا ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح
ثم ظهر أن الأصلح ما شرعه الرسول -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلح ليقتدوا بذلك ويطيعوا
عليًّا فيما أجاب إليه من التحكيم.
(7/349)
[49] سورة الْحُجُرَاتِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {لاَ تُقَدِّمُوا}: لاَ تَفْتَاتُوا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ.
{امْتَحَنَ}: أَخْلَصَ. {تَنَابَزُوا}: يُدْعَى
بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. يَلِتْكُمْ:
يَنْقُصْكُمْ. أَلَتْنَا: نَقَصْنَا.
([49] سورة الْحُجُرَاتِ)
مدنية وآيها ثمان عشرة ولأبي ذر: سورة الحجرات (بسم
الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى:
({لا تقدموا}) [الحجرات: 1] بضم أوله وكسر ثالثه أي
(لا تفتاتوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بشيء (حتى يقضي الله على لسانه) ما شاء
وقال الزركشي الظاهر أن هذه التفسير على قراءة ابن
عباس بفتح التاء والدال وكذا قيده
البياسي وهي قراءة يعقوب الحضرمي والأصل لا تتقدموا
فحذف إحدى التاءين وقال في المصابيح متعقبًا لقول
الزركشي ليس هذا بصحيح بل هذا التفسير متأتٍّ على
القراءة المشهورة أيضًا فإن قدم بمعنى تقدم قال
الجوهري وقدم بين يديه أي تقدم قال الله تعالى: {لا
تقدموا بين يدي الله} [الحجرات: 1] اهـ.
قال الإمام فخر الدين: والأصح أنه إرشاد عامّ يشمل
الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل افتيات وتقدم واستبداد
بالأمر وإقدام على فعل غير ضروري من غير مشاورة.
({امتحن}) في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله
قلوبهم للتقوى} [الحجرات: 3] قال مجاهد فيما وصله
الفريابي أي (أخلص) من امتحن الذهب إذا أذابه وميز
إبريزه من خبيثه.
({تنابزوا}) ولأبي ذر: ولا تنابزوا قال مجاهد فيما
وصله الفريابي بنحوه أي (لا يدعى) الرجل (بالكفر بعد
الإسلام) وقال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال
له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك وزاد
أبو ذر قبل قوله: تنابزوا باب بالتنوين وسقط لغيره.
(يلتكم) قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (ينقصكم) من
أجوركم (ألتنا) أي (نقصنا) وهذا الأخير من سورة الطور
وذكره استطرادًا.
1 - باب: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ} الآيَةَ. {تَشْعُرُونَ}: تَعْلَمُونَ
وَمِنْهُ الشَّاعِرُ
({لا ترفعوا}) ولأبي ذر باب بالتنوين لا ترفعوا
({أصواتكم فوق صوت النبي}) [الحجرات: 2] (الآية) أي
إذا كلمتموه لأنه يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام
ومن خشي قلبه ارتجف وضعفت حركته الدافعة فلا يخرج منه
الصوت بقوة ومن لم يخف بالعكس وليس المراد بنهي
الصحابة عن ذلك أنهم كانوا مباشرين ما يلزم منه
الاستخفاف والاستهانة كيف وهم خير الناس بل المراد أن
التصويت بحضرته مباين لتوقيره وتعزيره.
({تشعرون}) أي (تعلمون. ومنه الشاعر) والمعنى أنكم إن
رفعتم أصواتكم وتقدمتم فذلك يؤدي إلى الاستحقار وهو
يفضي إلى الارتداد وهو محبط وقوله: {وأنتم لا تشعرون}
إشارة إلى أن الردة تتمكن من النفس بحيث لا يشعر
الإنسان فإن مَن ارتكب ذنبًا لم يرتكبه في عمره تراه
نادمًا غاية الندامة خائفًا غاية الخوف فإذا ارتكبه
مرارًا قلّ خوفه وندامته ويصير عادة أعاذنا الله من
سائر المكروهات.
4845 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ
جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: كَادَ
الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ
-رضي الله عنهما- رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ
قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ
أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي
مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ
نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي قَالَ: مَا
أَرَدْتُ
خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيَةَ
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ
يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ. يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.
وبه قال: (حدّثنا يسرة بن صفوان بن جميل) بفتح التحتية
والسين المهملة المخففة وجميل بفتح الجيم وكسر الميم
(اللخمي) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة قال: (حدّثنا
نافع بن عمر) الجمحي المكي (عن أبي مليكة) بضم الميم
مصغرًا عبد الله أنه (قال: كاد الخيران) بفتح المعجمة
وتشديد التحتية الفاعلان للخير الكثير (أن يهلكا) بكسر
اللام وإثبات أن قبل وحذف نون الرفع في الفرع وأصله
نصب بأن ولأبي ذر يهلكان بنون الرفع مع ثبوت أن قبل
وقال في الفتح كاد الخيران يهلكان يعني بحذف أن وإثبات
نون الرفع لأبي ذر وفي رواية يهلكا بحذف النون نصب
بتقدير أن قال وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن نافع عن ابن
عمر بلفظ أن يهلكا ونسبها ابن التين لرواية أبي ذر
(أبا بكر) نصب خبر كاد (وعمر) عطف عليه (-رضي الله
عنهما-) ولأبي ذر أبو بكر وعمر بالرفع فيهما (رفعا
أصواتهما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حين قدم عليه ركب بني تميم) سنة تسع وسألوا
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يؤمر
عليهم أحدًا (فأشار أحدهما) هو عمر بن الخطاب كما عند
ابن جريج في الباب التالي (بالأقرع) واسمه فراس (بن
حابس أخي بني مجاشع) بضم الميم وبعد الجيم ألف فشين
معجمة فعين مهملة التميمي الدارمي (وأشار الآخر) هو
أبو بكر (برجل آخر قال نافع)
(7/350)
الجمحي (لا أحفظ اسمه) في الباب التالي أنه
القعقاع بن معبد بن زرارة (فقال أبو بكر لعمر) -رضي
الله عنهما- (ما أردت إلا خلافي) بتشديد اللام بعد
همزة مكسورة أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي، ولأبي ذر
عن الكشميهني في الفرع كأصله ونسبها الحافظ ابن حجر
لحكاية السفاقسي ما أردت إلى خلافي بلفظ حرف الجر وما
على هذه الرواية استفهامية أي أيّ شيء قصدت منتهيًا
إلى مخالفتي (قال) ولأبي ذر فقال أي عمر (ما أردت
خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله) تعالى:
({يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} الآية قال)
ولأبي ذر فقال (ابن الزبير) عبد الله (فما كان عمر)
-رضي الله عنه- (يسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد هذه الآية حتى يستفهمه) وفي
رواية وكيع في الاعتصام فكان عمر بعد ذلك إذا حدّث
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحديث
يحدّثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه (ولم يذكر
ذلك) عبد الله بن الزبير (عن أبيه) يريد جده لأمه
أسماء (يعني أبا بكر) الصديق وإطلاق الأب على الجد
مشهور.
وسياق هذا الحديث صورته صورة الإرسال لكن في آخره أنه
حمله عن عبد الله بن الزبير ويأتي في الباب اللاحق
التصريح بذلك.
4846 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَقَدَ
ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ
فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا
رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا
شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ
قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى، فَرَجَعَ
إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ،
فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ
لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا أزهر بن سعد) بسكون العين البصري الباهلي قال:
(أخبرنا ابن عون) عبد الله بن عون بن أرطبان (قال:
أنبأني) بالإفراد (موسى بن أنس) قاضي البصرة (عن) أبيه
(أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتقد ثابت بن قيس) خطيب الأنصار
وكان قد قعد في بيته حزينًا لما نزل قوله تعالى: {يا
أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}
[الحجرات: 2] الآية. وكان من أرفع الصحابة صوتًا (فقال
رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك) لأجلك (علمه) خبره
والرجل هو سعد بن معاذ كما في مسلم لكن قال ابن كثير
الصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ
موجودًا لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل
سنة خمس وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم والوفود إنما
تواتروا في سنة تسع من الهجرة قال في الفتح ويمكن
الجمع بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت والذي
نزل في قصة الأقرع أول السورة وفي تفسير ابن المنذر
أنه سعد بن عبادة وعند ابن جرير أنه عاصم بن عدي
العجلاني (فأتاه) أي فأتى الرجل ثابت بن قيس (فوجده
جالسًا في بيته منكسًا رأسه) بكسر الكاف (فقال له: ما
شأنك)؟ أي ما حالك (فقال) ثابت حالي (شرّ كان يرفع
صوته فوق صوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) كان الأصل أن يقول كنت أرفع صوتي لكنه
التفت من الحاضر إلى الغائب (فقد حبط عمله وهو من أهل
النار) لأنه كان يجهر بالقول بين يدي الرسول وكان
القياس عملي وأنا (فأتى الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره أنه قال: كذا وكذا) للذي
قاله ثابت (فقال موسى) بن أنس بالإسناد السابق إلى
ثابت (فرجع) الرجل المذكور (إليه) أي إلى ثابت (المرة
الآخرة) بمد الهمزة (ببشارة عظيمة) من الرسول (فقال)
عليه الصلاة والسلام للرجل:
(اذهب إليه) أي إلى ثابت (فقل له إنك لست من أهل النار
ولكنك من أهل الجنة) زاد في رواية أحمد قال فكنا نراه
يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان
يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت قد تحنط
ولبس كفنه وقاتلهم حتى قتل وهذا لا ينافي ما رُوِيَ في
العشرة المبشرين بالجنة لأن مفهوم العدد لا اعتبار له
فلا ينفي الزائد.
وهذا الحديث ذكره أواخر علامات النبوّة وتفرّد به من
هذا الوجه.
2 - باب {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ
الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}
هذا (باب) بالتنوين قوله تعالى: ({إن الذين ينادونك من
وراء الحجرات}) من خارجها ما أو قدامها والمراد حجرات
نسائه عليه الصلاة والسلام ومناداتهم من ورائها إما
بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها أو بأنهم
تفرقوا على الحجرات متطلبين له فأسند فعل الإبعاض إلى
الكل ({أكثرهم لا يعقلون}) [الحجرات: 4] إذ العقل
يقتضي حُسْن الأدب.
4847 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا الحَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ
رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ وَقَالَ عُمَرُ:
بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلَى أَوْ إِلاَّ خِلاَفِي
فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَتَمَارَيَا
حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي
ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
[الحجرات: 1] حَتَّى انْقَضَتِ الآيَةُ.
وبه قال: (حدّثنا
(7/351)
الحسن بن محمد) أبو علي الزعفراني البغدادي
واسم جده الصباح قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد
المصيصي الأعور ترمذي الأصل سكن بغداد ثم المصيصة (عن
ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني)
بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (أن عبد الله بن
الزبير) بن العوّام (أخبرهم: أنه قدم ركب من بني تميم
على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فسألوه أن يؤمر عليهم أحدًا (فقال أبو بكر) له عليه
الصلاة والسلام: (أمر) عليهم (القعقاع بن معبد) بفتح
الميم والموحدة (وقال عمر أمر) عليهم ولأبي ذر عن
المستملي والكشميهني بل أمر (الأقرع بن حابس) أخا بني
مجاشع (فقال أبو بكر) لعمر -رضي الله عنهما-: (ما
أردت) بذلك (إلى) بلفظ الجارة (أو) قال (إلا خلافي)
بكسر الهمزة وتشديد اللام أي إنما تريد مخالفتي (فقال
عمر: ما أردت خلافك فتماريا) فتجادلا وتخاصما (حتى
ارتفعت أصواتهما) في ذلك (فنزل في ذلك {يا أيها الذين
آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حتى انقضت
الآية).
وروى الطبري من طريق أبي إسحاق عن البراء قال: جاء رجل
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:
يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال: ذاك الله
تبارك وتعالى. ورُوِيَ من طريق معمر عن قتادة مثله
مرسلًا وزاد فأنزل الله {إن الذين ينادونك من وراء
الحجرات} [الحجرات: 4] الآية.
3 - باب قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى
تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}
(باب قوله) تعالى: ({ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم})
قال في الكشاف أنهم صبروا في موضع الرفع على الفاعلية
لأن المعنى ولو ثبت صبرهم قال أبو حيان هذا ليس مذهب
سيبويه بل مذهب سيبويه أن أنّ وما بعدها بعد لو في
موضع فاعل ومذهب المبرد أنها في موضع فاعل بفعل محذوف
كما زعم الزمخشري ومذهب سيبويه أنها في على رفع
الابتداء وحينئذٍ يكون اسم كان ضميرًا عائدًا على
صبرهم المفهوم من الفعل ({لكان خيرًا لهم}) [الحجرات:
5] لكان الصبر خيرًا لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ
الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب ولم يذكر
المؤلّف حديثًا هنا ولعله بيض له فلم يظفر بشيء على
شرطه.
[50] سورة ق
{رَجْعٌ بَعِيدٌ}: رَدٌّ. {فُرُوجٍ}: فُتُوقٍ
وَاحِدُهَا فَرْجٌ. {مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ}:
وَرِيدَاهُ فِي حَلْقِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَا
تَنْقُصُ الأَرْضُ}: مِنْ عِظَامِهِمْ. {تَبْصِرَةً}:
بَصِيرَةً. {حَبَّ الْحَصِيدِ}: الْحِنْطَةُ.
{بَاسِقَاتٍ}: الطِّوَالُ. {أَفَعَيِينَا}:
أَفَأَعْيَي عَلَيْنَا. {وَقَالَ قَرِينُهُ}:
الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ. {فَنَقَّبُوا}:
ضَرَبُوا. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}: لاَ يُحَدِّثُ
نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ. حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ
خَلْقَكُمْ {رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: رَصَدٌ. {سَائِقٌ
وَشَهِيدٌ}: الْمَلَكَانِ. {كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ}:
شَهِيدٌ شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ. {لُغُوبٍ}: النَّصَبُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ {نَضِيدٌ}: الْكُفُرَّى مَا دَامَ
فِي أَكْمَامِهِ وَمَعْنَاهُ مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى
بَعْضٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ
بِنَضِيدٍ. فِي {أَدْبَارِ النُّجُومِ وَأَدْبَارِ
السُّجُودِ} كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ الَّتِي فِي ق
وَيَكْسِرُ الَّتِي فِي الطُّورِ وَيُكْسَرَانِ
جَمِيعًا وَيُنْصَبَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
{يَوْمَ الْخُرُوجِ}: يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ.
([50] سورة ق)
مكية وهي خمس وأربعون آية، وزاد أبو ذر: بسم الله
الرحمن الرحيم.
({رجع بعيد}) [ق: 3] أي (رد) إلى الحياة الدنيا بعيد
أي غير كائن أي يبعد أن نبعث بعد الموت.
({فروج}) [ق: 6] أي (فتوق) بأن خلقها ملساء متلاصقة
الطباق (واحدها فرج) بسكون الراء.
({من حبل الوريد}) [ق: 16] قال مجاهد فيما رواه
الفريابي (وريداه في حلقه) والوريد عرق العنق ولغير
أبي ذر وريد في حلقه الحبل حبل العاتق وزاد أبو ذر:
واو قبل قوله الحبل، وقوله: من حبل الوريد هو كقولهم:
مسجد الجامع أي حبل العرق الوريد أو لأن الحبل أعم
فأضيف للبيان نحو بعير سانية أو يراد حبل العاتق فأضيف
إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لأنهما في عضو واحد.
(قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({ما
تنقص الأرض}) [ق: 4] أي ما تأكل (من عظامهم) لا يعزب
عن علمه شيء تعالى.
({تبصرة}) أي (بصيرة) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي
والنصب على المفعول من أجله أي تبصير أمثالهم أو بفعل
من لفظه أي بصرهم تبصرة أي خلق السماء تبصرة.
({حب الحصيد}) [ق: 9] هو (الحنطة) وصله الفريابي
أيضًا، أو سائر الحبوب التي تحصد وهو من باب حذف
الموصوف للعلم به أي وحب الزرع الحصيد نحو مسجد الجامع
أو من باب
إضافة الموصوف إلى صفته لأن الأصل والحب الحصيد أي
المحصود.
({باسقات}) هي (الطول) والبسوق الطول يقال بسق فلان
على أصحابه أي طال عليهم في الفضل.
({أفعيينا}) أي (أفأعيي علينا) أفعجزنا عن الإبداء حتى
نعجز عن الإعادة ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به، وهذا
تقريع لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث.
({وقال قرينه}) هو (الشيطان الذي قيض له) بضم القاف
وكسر التحتية المشددة آخره ضاد معجمة
(7/352)
قدر وقيل القرين الملك الموكل به.
({فنقبوا}) أي (ضربوا) بمعنى طافوا في البلاد حذر
الموت والضمير للقرون السابقة أو لقريش.
({أو ألقى السمع}) أي (لا يحدث نفسه بغيره) لإصغائه
لاستماعه.
({حين أنشأكم وأنشأ خلقكم}) وهذه بقية تفسير قوله:
{أفعيينا} وتأخيره لعله من بعض النساخ وسقط من قوله:
{أفعيينا} إلى هنا لأبي ذر.
({رقيب عتيد}) [ق: 18]. قال مجاهد فيما وصله الفريابي
(رصد) يرصد وينظر وقال ابن عباس فيما وصله الطبري يكتب
كل ما تكلم به من خير وشر وعن مجاهد حتى أنينه في
مرضه، وقال الضحاك: مجلسهما تحت الشعر على الحنك.
({سائق وشهيد}) [ق: 21]. (الملكان) ولأبي ذر: الملكين
بالنصب بنحو يعني أحدهما ({كاتب و}) الآخر ({شهيد})
وقيل السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف والشهيد هو
الكاتب والسائق لازم للبر والفاجر أما البر فيساق إلى
الجنة وأما الفاجر فيساق إلى النار.
({شهيد}) في قوله تعالى: {أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق:
37] قال مجاهد فيما وصله الفريابي (شاهد بالقلب) ولأبي
ذر عن الكشميهني بالغيب.
({لغوب}) [ق: 38] ولأبي ذر: من لغوب هو (النصب) ولأبي
ذر: نصب بالجر أي من نصب وهذا وصله الفريابي وهو ردّ
لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم
الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت فأكذبهم
الله بقوله: {وما مسّنا من لغوب} رواه عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة.
(وقال غيره): أي غير مجاهد ({نضيد}) في قوله تعالى:
{لها طلع نضيد} [ق: 10] (الكفرى) بضم الكاف والفاء
وتشديد الراء مقصورًا الطلع (ما دام في أكمامه) جمع كم
بالكسر (ومعناه منضود بعضه على بعض فإذا خرج من أكمامه
فليس بنضيد) وهذا عجيب فإن الأشجار
الطوال ثمارها بارزة بعضها على بعض لكل واحدة منها أصل
يخرج منه كالجوز واللوز والطلع كالسنبلة الواحدة تكون
على أصل واحد.
(في {إدبار النجوم}) بالطور.
({وأدبار السجود}) هنا (كان عاصم يفتح) هذه (التي في
ق) كابن عامر والكسائي وأبي عمرو جمع دبر وهو آخر
الصلاة وعقبها وجمع باعتبار تعدد السجود. (ويكسر التي
في الطور) موافقة للجمهور مصدرًا وهذا بخلاف آخرق فإن
الفتح لائق به لأنه يراد به الجمع لدبر السجود أي
أعقابه كما مرّ (ويكسران جميعًا) فكسر موضع ق نافع
وابن كثير وحمزة والطور الجمهور (وينصبان) أي يفتحان
فالأوّل عاصم ومَن معه والثاني المطوعي عن الأعمش
شاذًّا يعني أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله
تعالى: ({يوم الخروج}) أي (يخرجون) ولأبي ذر: يوم
يخرجون، وزاد أبو ذر وأبو الوقت إلى البعث (من القبور)
والإشارة في قوله ذلك يجوز أن تكون إلى النداء ويكون
قد اتسع في الظرف فأخبر به عن المصدر أو يقدر مضاف أي
ذلك النداء والاستماع نداء يوم الخروج واستماعه.
1 - باب قَوْلِهِ: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}
(باب قوله: {وتقول}) أي جهنم حقيقة ({هل من مزيد}) [ق:
30] سؤال تقرير بمعنى الاسترادة وهو رواية عن ابن عباس
فيكون السؤال وهو قوله هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها
أو هو استفهام بمعنى النفي والمعنى قد امتلأت ولم يبق
فيّ موضع لم يمتلئ وهذا مشكل لأنه حينئذ بمعنى الإنكار
والمخاطب الله تعالى ولا يلائمه معنى الحديث التالي،
وقيل السؤال لخزنتها والجواب منهم فلا بد من حذف مضاف
أي نقول لخزنة جهنم ويقولون والمزيد يجوز أن يكون
مصدرًا أي هل من زيادة وأن يكون اسم مفعول أي من شيء
تزيدونيه أحرقه أو أنها من السعة بحيث يدخلها من
يدخلها وفيها موضع للمزيد وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
4848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ بْنُ عُمَارَةَ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي
الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُلْقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ
هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فَتَقُولُ:
قَطْ قَطْ». [الحديث 4848 - طرفاه في: 6661، 1384].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) ابن أخت عبد
الرحمن بن مهدي الحافظ البصري قال: (حدّثنا حرمي بن
عمارة) بن أبي حفصة وحرمي علم لا نسبة للحرم، ووهم
الكرماني وسقط لغير أبي ذر ابن عمارة قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله
عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(يلقى في النار) أهلها (وتقول) مستفهمة (هل من مزيد)
فيّ أي لا أسمع غير
(7/353)
ما امتلأت به أو هل من زيادة فأزاد (حتى يضع)
وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند مسلم حتى
يضع رب العزة (قدمه) فيها أي يذللها تذليل من يوضع تحت
الرجل والعرب تضع الأمثال بالأعضاء ولا تريد أعيانها
كقولها للنادم سقط في يده أو المراد قدم بعض المخلوقين
فيكون الضمير لمخلوق معلوم (فتقول) النار (قط قط) بكسر
الطاء وسكونها فيهما كذا في الفرع، ويجوز التنوين مع
الكسر والمعنى حسبي حسبي قد اكتفيت.
4849 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ،
حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ سَعِيدُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ، وَأَكْثَرُ
مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ «يُقَالُ
لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ
مَزِيدٍ؟ فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ». [الحديث
4849 - طرفاه في: 4850، 7449].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
موسى القطان) الواسطي قال: (حدّثنا أبو سفيان الحميري)
بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وكسر
الراء واسمه (سعيد بن يحيى) بكسر العين (ابن مهدي)
بفتح الميم الواسطي قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي (عن
محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) قال محمد بن موسى
(رفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(وأكثر ما كان يوقفه) على الصحابي بسكون الواو من
الثلاثي المزيد فيه والفصيح يقفه من الثلاثي المجرد
(أبو سفيان) الحميري وقليلًا ما كان يرفعه (يقال) أي
يقول الله (لجهنم هل امتلأت) استفهام تحقيق لوعده
بملئها (وتقول) جهنم: ولأبي ذر فتقول بالفاء (هل من
مزيد فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط).
4850 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ،
فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي
لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ
وَسَقَطُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ
أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا
أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ
عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا،
فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ، حَتَّى يَضَعَ
رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ
وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَأَمَّا
الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ
لَهَا خَلْقًا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد
الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن
همام بتشديد الميم وفتح الهاء قال: (أخبرنا معمر) هو
ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى
ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تحاجّت الجنة والنار) تخاصمتا بلسان المقال أو الحال
(فقالت النار: أوثرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول
بمعنى اختصصت (بالمتكبرين والمتجبرين) مترادفان لغة
فالثاني تأكيد لسابقه أو المتكبر المتعظم بما ليس فيه
والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه أو الذي لا يكترث
بأمر الناس وسقطهم (وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا
ضعفاء الناس) الذين لا يلتفت إليهم لمسكنتهم (وسقطهم)
بفتحتين المحتقرون بين الناس الساقطون من أعينهم
لتواضعهم لربهم وذلتهم له (قال الله تبارك وتعالى)
ولأبي ذر: عز وجل (للجنة: أنت رحمتي) ولأبي ذر عن
الكشميهني: أنت رحمة وسماها رحمة لأن بها تظهر رحمته
تعالى كما قاله (أرحم بك من أشاء من عبادي) وإلاّ
فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفًا (وقال
للنار: إنما أنت عذاب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
عذابي (أعذّب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما)
بالهاء في الفرع كأصله وفي نسخة منكما (ملؤها فأما
النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله) في مسلم: حتى يضع الله
رِجله، وأنكر ابن فورك لفظ رِجله وقال: إنها غير
ثابتة. وقال ابن الجوزي: هي تحريف من بعض الرواة وردّ
عليهما برواية الصحيحين بها وأوّلت بالجماعة كرِجل من
جراد أي يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص،
وقال محيي السُّنَّة: القدم والرِجل في هذا الحديث من
صفات الله تعالى المنزّهة عن التكييف والتشبيه
فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيها واجب،
فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم والخائض فيها زائغ
والمنكر معطل والمكيف مشبه ليس كمثله شيء (فتقول)
النار إذا وضع رِجله فيها (قط قط قط) ثلاثًا بتنوينها
مكسورة ومسكنة، وعند أبي ذر: مرتين فقط كالروايتين
السابقتن (فهنالك تمتلئ ويُرْوى) بضم أوله وفتح ثالثه
(بعضها إلى بعض) تجتمع وتلتقي على مَن فيها ولا ينشئ
الله لها خلفًا (ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدًا)
لم يعمل سوءًا وللمعتزلة أن يقولوا إن نفي الظلم عمن
لم يذنب دليل على أنه إن عذبهم كان ظلمًا وهو عين
مذهبنا. والجواب إنّا وإن قلنا إنه تعالى وإن عذبهم لم
يكن ظالمًا فإنه لم يتصرف في ملك غيره، لكنه تعالى لا
يفعل ذلك لكرمه ولطفه مبالغة فنفي الظلم إثبات الكرم،
(وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقًا) لم تعمل
خيرًا حتى تمتلئ فالثواب ليس موقوفًا على العمل.
(7/354)
وفي حديث أن عند مسلم مرفوعًا: يبقى من الجنة
ما شاء الله ثم ينشئ الله لها خلقًا مما يشاء، وفي
رواية له ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها
خلقًا فيسكنهم فضل الجنة.
2 - باب: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}
(باب {وسبح}) ولغير أبي ذر: فسبح بالفاء والموافق
للتنزيل الأول ({بحمد ربك}) أي نزهه واحمده حيث وفقك
لتسبيحه فالمفعول محذوف للعلم به أي نزّه الله بحمد
ربك أي متلبسًا أو مقترنًا بحمد ربك وأعاد الأمر
بالتسبيح في قوله: ({ومن الليل فسبحه}) للتأكيد أو
الأول بمعنى الصلاة والثاني بمعنى التنزيه والذكر
({قبل طلوع الشمس}) صلاة الصبح ({وقبل الغروب}) [ق:
39] العصر، وقيل قبل الطلوع الصبح وقبل الغروب الظهر
والعصر ومن الليل العشاءان والتهجد.
4851 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ؛ عَنْ
جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ
لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ
سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ
تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا». ثُمَّ
قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 29].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (عن
جرير) هو ابن عبد الحميد (عن إسماعيل) بن أبي خالد
البجلي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة
والزاي البجلي (عن جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله
عنه- أنه (قال: كنا جلوسًا ليلة مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنظر إلى القمر ليلة أربع
عشرة) بسكون الشين (فقال):
(إنكم سترون ربكم) عز وجل (كما ترون هذا) القمر رؤية
محققة لا تشكّون فيها و (لا تضامون في رؤيته) بضم
الفوقية وفتح الضاد المعجمة وتخفيف الميم لا ينالكم
ضيم في رؤيته تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن
يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها بل تشتركون في رؤيته فهو
تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي (فإن استطعتم
أن لا تغلبوا) بضم أوله وفتح ثالثه بالاستعداد بقطع
أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم المانع (عن)
وللحموي والمستملي: على (صلاة قبل طلوع الشمس وقبل
غروبها فافعلوا) عدم المغلوبية التي لازمها الصلاة
كأنه قال: صلوا في هذين الوقتين (ثم قرأ) عليه الصلاة
والسلام ({وسبح}) بالواو كالتنزيل ولأبي ذر: فسبح
({بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}) وفضيلة
الوقتين معروفة إذ فيهما ارتفاع الأعمال مع ما يشعر به
سياق الحديث من النظر إلى وجه الله تعالى للمحافظ
عليهما.
والحديث قد مرّ في باب فضل صلاة العصر من كتاب الصلاة.
4852 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ
الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَأَدْبَارَ
السُّجُودِ} [ق: 40].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس واسمه عبد الرحمن
قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف
مهموز ممدود ابن عمر اليشكري (عن ابن أبي نجيح) عبد
الله واسم أبي نجيح يسار بالسين المهملة المخففة بعد
التحتية المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه قال: (قال
ابن عباس: أمره) عليه الصلاة والسلام ربه تعالى (أن
يسبح) ينزّه ربه عز وجل (في أدبار الصلوات كلها يعني
قوله {وأدبار السجود}) وقيل: أدبار السجود النوافل بعد
المكتوبات وقيل الوتر بعد العشاء.
[51] سورة وَالذَّارِيَاتِ
بسم الله الرحمن الرحيم. قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ {الذَّارِيَاتِ}: الرِّيَاحُ. وَقَالَ
غَيْرُهُ {تَذْرُوهُ}: تُفَرِّقُهُ. {وَفِي
أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}: تَأْكُلُ
وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ وَيَخْرُجُ مِنْ
مَوْضِعَيْنِ. {فَرَاغَ}: فَرَجَعَ. {فَصَكَّتْ}:
فَجَمَعَتْ أَصَابِعَهَا، فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا. وَ
{الرَّمِيمُ}: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ.
{لَمُوسِعُونَ}: أَيْ لَذُو سَعَةٍ. وَكَذَلِكَ عَلَى
{الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}: يَعْنِي الْقَوِيَّ.
{زَوْجَيْنِ}: الذَّكَرَ وَالأُنْثَى. {وَاخْتِلاَفُ}
الأَلْوَانِ: حُلْوٌ وَحَامِضٌ، فَهُمَا زَوْجَانِ.
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}: مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ.
{إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ
السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلاَّ
لِيُوَحِّدُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ
لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ، وَتَرَكَ بَعْضٌ،
وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ الْقَدَرِ.
وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {ذَنُوبًا}: سَبِيلًا. {صَرَّةٍ}: صَيْحَةٍ.
{الْعَقِيمُ}: الَّتِي لاَ تَلِدُ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {وَالْحُبُكُ}: اسْتِوَاؤُهَا، وَحُسْنُهَا.
{فِي غَمْرَةٍ}: فِي ضَلاَلَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ {تَوَاصَوْا}: تَوَاطَؤُوا. وَقَالَ
غَيْرُهُ: {مُسَوَّمَةً}: مُعَلَّمَةً، مِنَ
السِّيمَا. {قُتِلَ الإِنسَانُ}: لُعِنَ.
([51] سورة وَالذَّارِيَاتِ)
مكية وآيها ستون، ولأبي ذر سورة والذاريات.
(بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر.
(قال عليّ عليه السلام) كذا في الفرع كأصله ككثير من
النسخ وهو وإن كان معناه صحيحًا لكن ينبغي أن يساوى
بين الصحابة في ذلك إذ هو من باب التعظيم، والشيخان
وعثمان أولى بذلك منه، فالأولى الترضي، فقد قال
الجويني: السلام كالصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا
يفرد به غير الأنبياء وسواء في هذا الأحياء والأموات
وأما الحاضر فيخاطب به. اهـ.
({الذاريات}: الرياح) التي تذرو التراب ذروًا، وهذا
وصله الفريابي، وسقط لغير أبي ذر لفظ: الذاريات، وقيل:
الذاريات النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد.
(وقال غيره): غير عليّ ({تذروه}) في قوله تعالى:
{تذروه الرياح} [الكهف: 45] بالكهف. معناه (تفرقه)
ذكره شاهدًا لسابقه.
({وفي أنفسكم}) نسق على في الأرض فهو خبر عن آيات
أيضًا والتقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات ({أفلا
تبصرون}) [الذاريات: 21]. قال الفراء: (تأكل وتشرب في
مدخل واحد) الفم (يخرج من موضعين) القُبُل والدُّبُر.
({فراغ}) أي (فرجع) قاله الفراء أيضًا وقيل ذهب في
خفية من ضيفه فإن من أدب
المضيف أن يخفي أمره وأن يبادره بالقرى من غير أن يشعر
(7/355)
به الضيف حذرًا من أن يكفه ويعذره.
({فصكّت}) [الذاريات: 29] أي (فجمعت) ولأبي ذر: جمعت
(أصابعها فضربت به) بما جمعت (جبهتها) فعل المتعجب وهي
عادة النساء إذا أنكرن شيئًا، وقيل: وجدت حرارة دم
الحيض فضربت وجهها من الحياء وسقط به لغير المستملي
({والرميم} نبات الأرض إذا يبس وديس}) بكسر الدال من
الدوس وهو وطء الشيء بالأقدام والقوائم حتى يتفتت
ومعنى الآية ما تترك من شيء أتت عليه من أنفسهم
وأموالهم وأنعامهم إلا جعلته كالشيء الهالك البالي.
({لموسعون}) [الذاريات: 47] (أي لذوو سعة) بخلقنا قاله
الفراء، وقال غيره: لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة
كقولك: ما في وسعي كذا أي ما في طاقتي وقوّتي (وكذلك)
قوله تعالى: ({على الموسع قدره}) [البقرة: 236] (يعني
القويّ) قاله الفراء أيضًا.
({زوجين}) ولأبي الوقت: خلقنا زوجين نوعين وصنفين
مختلفين (الذكر والأنثى) من جميع الحيوان ({و}) كذا
({اختلاف} الألوان) كما في قوله تعالى: {واختلاف
ألسنتكم وألوانكم} [الروم: 22] إذ لو تشاكلت وكانت
نوعًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس وكذا اختلاف
الطعوم (حلو وحامض فهما) لما بينهما من الضدّية الذكر
والأنثى (زوجان) السماء والأرض والنور والظلمة
والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل.
({ففروا إلى الله}) [الذاريات: 5] أي (من الله إليه)
ولأبي الوقت معناه إليه يريد من معصيته إلى طاعته أو
من عذابه إلى رحمته أو من عقابه بالإيمان والتوحيد.
({إلا ليعبدون}) ولأبي ذر: ({وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون} [الذاريات: 56].
أي (ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين) الجن والإنس
(إلاّ ليوحدون) فجعل العام مرادًا به الخصوص لأنه لو
حمل على ظاهره لوقع التنافي بين العلة والمعلول لوجود
من لا يعبده كقولك:
هذا القلم بريته للكتابة ثم قد تكتب به وقد لا تكتب
وزاد زيد بن أسلم: وما خلقت الأشقياء منهم إلا ليعصون.
(وقال بعضهم): ذاهبًا إلى حمل الآية على العموم (خلقهم
ليفعلوا) التوحيد خلق تكليف واختيار أي ليأمرهم بذلك
(ففعل بعض) بتوفيقه له (وترك بعض) بخذلانه له، وطرده
فكلٌّ ميسر لما خلق له أو المعنى ليطيعون وينقادوا
لقضائي فكلٌّ مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله
تعالى متذلل لمشيئته لا يملك لنفسه خروجًا عما خلق
عليه، ولم يذكر الملائكة لأن الآية سيقت لبيان قبح ما
يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له وهذا خاص بالثقلين أو
لأن الملائكة مندرجون في الجن لاستتارهم (وليس فيه حجة
لأهل القدر) المعتزلة على أن إرادة الله لا تتعلق إلا
بالخير وأما الشر فليس مرادًا له لأن لا يلزم من كون
الشيء معللًا بشيء أن يكون ذلك الشيء مرادًا وأن لا
يكون غيره مرادًا وكذا لا حجة لهم في هذه الآية على أن
أفعال العباد معللة بالأغراض إذ لا يلزم
من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل موضع ونحن
نقول بجواز التعليل لا بوجوبه أو إن اللام قد ثبتت
لغير الغرض كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}
[الإسراء: 78].
وقوله: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1]. ومعناه المقارنة
فالمعنى هنا قرنت الخلق بالعبادة أي خلقتهم وفرضت
عليهم العبادة وكذا لا حجة لهم فيها على أن أفعال
العباد مخلوقة لهم لإسناد العبادة إليهم لأن الإسناد
إنما هو من جهة الكسب.
(والذنوب) في قوله تعالى: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا}
[الذاريات: 59]. لغة (الدلو العظيم) وقال الفراء:
العظيمة (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({ذنوبًا}
سبيلًا) وهذا مؤخر بعد تاليه عند غير أبي ذر وفي نسخة
سجلاًّ بفتح السين المهملة وسكون الجيم وزاد الفريابي
عنه فقال: سجلاًّ من العذاب مثل عذاب أصحابهم، وقال
أبو عبيدة: الذنوب النصيب والذنوب والسجل أقل ملء من
الدلو.
({صرة}) بالرفع ولأبي ذر: أي (صيحة) ولغيره بجرهما وهو
موافق للتلاوة.
({العقيم}) هي (التي لا تلد) ولأبي الوقت: تلقح شيئًا
كذا في الفرع وأصله بفتح التاء والقاف، وقال في الفتح:
وزاد أبو ذر ولا تلقح شيئًا.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- كما ذكره في بدء
الخلق ({والحبك}) في قوله
(7/356)
تعالى: {والسماء ذات الحبك} [الذاريات: 7]. هو
(استواؤها وحسنها) وقال سعيد بن جبير: ذات الزينة أي
المزينة بزينة الكواكب. قال الحسن: حبكت بالنجوم وقال
الضحاك: ذات الطرائق والمراد إما الطرائق المحسوسة
التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظّار
ويتوصل بها إلى المعارف.
({في غمرة}) [الذاريات: 11] ولأبي ذر: غمرتهم والأول
هو الموافق للتلاوة هنا (في ضلالتهم يتمادون) قاله ابن
عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (وقال غيره): غير ابن
عباس ({تواصوا}) أي (تواطؤوا) والهمزة التي حذفها
المؤلّف للاستفهام التوبيخي والضمير في به يعود على
القول المدلول عليه بقالوا أي أتواصى الأولون والآخرون
بهذا القول المتضمن لساحر أو مجنون والمعنى كيف اتفقوا
على قول واحد كأنهم تواطؤوا عليه.
(وقال غيره): أي غير ابن عباس ({مسوّمة}) أي (معلمة من
السيما) بكسر السين المهملة وسكون التحتية مقصورًا وهي
العلامة وسقط لأبي ذر: تواصوا تواطؤوا وقال: ({قتل
الإنسان} لعن) كذا في الفرع كأصله وآل ملك والناصرية
وفي غيرها قتل الخرّاصون لعنوا، والخراصون الكذابون،
ولم يذكر المؤلّف حديثًا مرفوعًا هنا، والظاهر أنه لم
يجده على شرطه. نعم قال في الفتح: يدخل حديث ابن مسعود
أقرأني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إني أنا الرزاق ذو القوّة المتين أخرجه أحمد والنسائي
وقال الترمذي: حسن صحيح وصححه ابن حبان.
[52] سورة وَالطُّورِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
قَتَادَةُ {مَسْطُورٍ}: مَكْتُوبٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
{الطُّورُ}: الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقٍّ
مَنْشُورٍ}: صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}:
سَمَاءٌ. الْمَسْجُورِ: الْمُوقَدِ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُهَا. فَلاَ
يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ
{أَلَتْنَاهُمْ}: نَقَصْنَا؟ وَقَالَ غَيْرُهُ:
{تَمُورُ}: تَدُورُ. {أَحْلاَمُهُمْ}: الْعُقُولُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْبَرُّ اللَّطِيفُ.
{كِسْفًا}: قِطْعًا. {الْمَنُونُ}: الْمَوْتُ. وَقَالَ
غَيْرُهُ. {يَتَنَازَعُونَ}: يَتَعَاطَوْنَ.
([52] سورة وَالطُّورِ)
مكية وآيها ثمان أو تسع وأربعون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لغير أبي ذر لفظ سورة
والبسملة.
(وقال قتادة) فيما وصله البخاري في خلق أفعال العباد
({مسطور}) أي (مكتوب) والمراد القرآن أو ما كتبه الله
في اللوح المحفوظ أو في قلوب أوليائه من المعارف
والحكم وسقط قول قتادة هذا لأبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({الطور}: الجبل
بالسريانية) وهو طور سينين جبل بمدين سمع فيه موسى
كلام الله عز وجل.
({رق منشور}) [الطور: 13] أي (صحيفة) وتنكيرهما
للتعظيم والإشعار بأنهما ليسا من المتعارف فيما بين
الناس.
({والسقف المرفوع}) [الطور: 5] هو (سماء) وسقط هذا
لأبي ذر.
(والمسجور) هو (الموقد) بالجر فيهما لغير أبي ذر
وإسقاط واو والمسجور أي المحمي بمنزلة التنور المسجور،
وقيل المملوء. واختاره ابن جرير ووجهه بأنه ليس موقد
اليوم فهو مملوء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الموقر
بالراء بدل الدال والأول هو الصواب وبرفعه كسابقه.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله الطبري (تسجر) البحار
(حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة) وهذا يكون يوم
القيامة.
(وقال مجاهد) مما سبق في الحجرات ({ألتناهم} نقصنا)
وسقط هذا لأبي ذر.
(وقال غيره) غير مجاهد ({تمور}) أي (تدور) وقال أبو
عبيدة تكفأ وأنشد الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مور السحابة لا ريث ولا
عجل
({أحلامهم}) هي (العقول) فالعقل يضبط المرء فيصير
كالبعير المعقول وبالاحتلام الذي هو البلوغ يصير
الإنسان مكلفًا وبه يكمل العقل.
(وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري (البر) أي (اللطيف)
قال في الفتح: هذا ساقط لأبي ذر والذي في اليونينية
وفرعها علامة أبي ذر مع كتابة إلى على قوله البرّ وعلى
قوله اللطيف لا.
({كسفًا}) بسكون السين أي (قطعًا) بكسر القاف وسكون
الطاء. وقال البرماوي وغير هذا على قراءة فتح السين
كقربة وقرب ومن قرأه بالسكون على التوحيد فجمعه أكساف
وكسوف. اهـ.
وقيل إن الفتح قراءة شاذة وأنكرها بعضهم وأثبتها أبو
البقاء وقد قال أبو عبيدة الكسف جمع كسفة مثل السدر
جمع سدرة.
({المنون}) هو (الموت) فعول من منه إذا قطعه.
(وقال غيره) غير ابن عباس ({يتنازعون}) أي (يتعاطون)
هم وجلساؤهم بتجاذب وتجاذبهم تجاذب ملاعبة لا تجاذب
منازعة وفيه نوع لذة.
1 - باب
4853 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي
فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ
رَاكِبَةٌ»، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى إِلَى جَنْبِ
الْبَيْتِ يَقْرَأُ: بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف)
(7/357)
التنبسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد
بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة (عن عروة) بن الزبير
(عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة عن أم سلمة) أم
المؤمنين أنها (قالت: شكوت إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي أني كنت
مريضة لا أقدر على الطواف ماشية (فقال) لي عليه الصلاة
والسلام:
(طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) الصبح
(إلى جنب البيت) الحرام (يقرأ بالطور وكتاب مسطور).
وهذا الحديث سبق في الحج.
4854 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثُونِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ
-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ
بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ {أَمْ
خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ
* أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ
يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ
هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور 35 - 37] كَادَ قَلْبِي
أَنْ يَطِيرَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا أَنَا
فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ: فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ،
لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثوني) أصحابي (عن
الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم)
القرشي النوفلي (عن أبيه -رضي الله عنه-) أنه (قال:
سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ
في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير
شيء}) خلقهم فوجدوا بلا خالق ({أم هم الخالقون})؟
[الطور: 35] لأنفسهم وهذا باطل ({أم خلقوا السماوات
والأرض بل لا يوقنون}) [الطور: 36] بأنهم خلقوا أي هم
معترفون وهو معنى قوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] أو لا يوقنون بأن
الله خالق واحد ({أم عندهم خزائن ربك}) خزائن رزق ربك
({أم هم المسيطرون}) [الطور: 37] المتسلطون على
الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا (كاد قلبي أن يطير) مما
تضمنته من بليغ الحجة وفيه وقوع خبر كاد مقرونًا بأن
في غير الضرورة قال ابن مالك وقد خفي ذلك على بعض
النحويين والصحيح جوازه إلا أن وقوعه غير مقرون بأن
أكثر وأشهر من وقوعه بها. اهـ.
ولأبي ذر قال: كاد قلبي يطير فزاد قال وأسقط أن.
(قال سفيان) بن عيينة (فأما أنا فإنما سمعت الزهري
يحدّث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) أنه قال:
(سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ
في المغرب بالطور لم) ولأبي ذر ولم (أسمعه) أي ولم
أسمع الزهري (زاد الذي قالوا لي) يعني قوله: فلما بلغ
إلى آخره، وقد كان جبير بن مطعم قدم على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد وقعة بدر في فداء
الأسارى، وكان إذ ذاك مشركًا وكان سماعه هذه الآية من
هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام
بعد.
[53] سورة وَالنَّجْمِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {ذُو مِرَّةٍ}: ذُو قُوَّةٍ. {قَابَ
قَوْسَيْنِ}: حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ.
{ضِيزَى}: عَوْجَاءُ. {وَأَكْدَى}: قَطَعَ عَطَاءَهُ.
{رَبُّ الشِّعْرَى}: هُوَ مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ.
{الَّذِي وَفَّى}: وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ.
{أَزِفَتِ الآزِفَةُ}: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ.
{سَامِدُونَ}: الْبَرْطَمَةُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ
يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ. وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ {أَفَتُمَارُونَهُ}: أَفَتُجَادِلُونَهُ،
وَمَنْ قَرَأَ أَفَتَمْرُونَهُ يَعْنِي
أَفَتَجْحَدُونَهُ. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ}: بَصَرُ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
{وَمَا طَغَى}: وَلاَ جَاوَزَ مَا رَأَى.
{فَتَمَارَوْا}: كَذَّبُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ {إِذَا
هَوَى}: غَابَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {أَغْنَى
وَأَقْنَى}: أَعْطَى فَأَرْضَى.
([53] سورة وَالنَّجْمِ)
مكية وآيها إحدى أو اثنتان وستون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر.
وقال مجاهد: ({ذو مرة}) [النجم: 6] أي (ذو قوّة) في
خلقه وزاد الفريابي عنه جبريل وقال ابن عباس منظر حسن
فإن قلت قد علم كونه ذا قوّة بقوله شديد القوى فكيف
يفسر ذو مرة بقوّة؟ أجيب: بأن ذو مرة بدل من شديد
القوى لا وصف له أو المراد بالأول قوته في العلم،
وبالثاني قوّة جسده فقدم العلمية على الجسدية ({قاب
قوسين}) [النجم: 9] أي (حيث الوتر من القوس) قاله
مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا وفيه مضافان محذوفان
أي فكان مقدار مسافة قربه عليه الصلاة والسلام منه
تعالى مثل مقدار مسافة قاب وهذا ساقط لأبي ذر.
({ضيزى}) [النجم: 22] قال مجاهد فيما وصله الفريابي
أيضًا (عوجاء) وقال الحسن غير معتدلة وقيل جائزة حيث
جعلتم له البنات التي تستنكفون عنهن وهي فعلى بضم
الفاء من الضيز وهو الجور لأنه ليس في كلام العرب فعلى
بكسر الفاء صفة وإنما كسرت محافظة على تصحيح الياء
كبيض وإلاّ فلو بقيت الضمة انقلبت الياء واوًا وفي
نسخة حدباء.
({وأكدى}) [النجم: 34] أي (قطع عطاءه) قال:
فأعطى قليلًا ثم أكدى عطاءه ... ومن يبذل المعروف في
الناس يحمد
وهو من قولهم: أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة
الصلبة فترك الحفر.
({رب الشعرى}) [النجم: 49] قال مجاهد فيما وصله
الفريابي (هو) أي الشعرى (مرزم الجوزاء) بكسر الميم
الأولى وهي العبور وقال السفاقسي وهي الهنعة عبدها أبو
كبشة وخالف قريشًا في عبادة الأوثان.
({الذي وفى}) أي
(7/358)
(وفى ما فرض عليه) وقال الحسن عمل ما أمر به
وبلغ رسالات ربه إلى خلقه وقيل قيامه بذبح ابنه.
({أزفت الآزفة}) [النجم: 57] أي (اقتربت الساعة) التي
كل يوم تزداد قربًا فهي كائنة قريبة وزادت في القرب
وهذا ساقط لأبي ذر.
({سامدون}) قال مجاهد هي (البرطمة) بالموحدة المفتوحة
والراء الساكنة والطاء المهملة والميم المفتوحتين،
ولأبي ذر عن الكشميهني البرطنة بالنون بدل الميم
الغناء فكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا، وقيل:
السامد اللاهي وقيل الهائم. (وقال عكرمة يتغنون بـ)
اللغة (الحميرية) يقولون يا جارية اسمدي لنا أي غني
(وقال إبراهيم) النخعي فيما وصله سعيد بن منصور في
قوله تعالى: {{أفتمارونه}) أي (أفتجادلونه) من المراء
وهو المجادلة (ومن قرأ أفتمرونه) بفتح التاء وسكون
الميم من غير ألف وهم حمزة والكسائي ويعقوب وخلف (يعني
أفتجحدونه) ولأبي ذر عن الحموي: أفتجحدون بحذف الضمير
من مراه حقه إذا جحده وقيل أفتغلبونه في المراء من
ماريته فمريته.
({ما زاغ}) ولأبي ذر وقال ما زاغ ({البصر}) أي (بصر
محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عما رآه
تلك الليلة ({وما طغى}) [النجم: 17] أي (ولا) ولأبي ذر
عن الكشميهني وما (جاوز ما رأى) بل أثبته إثباتًا
صحيحًا مستيقنًا أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر
برؤيتها وما جاوزها ({فتماروا}) في سورة القمر أي
(كذبوا) ويحتمل وقوع ذلك هنا من ناسخ.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق ({إذا هوى})
في قوله تعالى: {والنجم إذا هوى} [النجم: 1] أي (غاب)
أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع والنجم الثريا.
(وقال ابن عباس) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى:
({أغنى وأقنى}) أي (أعطى فأرضى) وقال مجاهد أقنى أرضى
بما أعطى وقنع قال الراغب وتحقيقه أنه جعل له قنية من
الرضا.
1 - باب
4855 - حَدَّثَنَا يَحْيَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها-
يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ
شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ
مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ
أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لاَ
تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] {وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ
وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]
وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ
فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] وَمَنْ حَدَّثَكَ
أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ
رَأَى جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِي
صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى الختي بالخاء
المعجمة والفوقية المشددة قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن
الجرّاح بن فليح الرؤاسي براء مضمومة فهمزة مفتوحة
فمهملة الكوفي (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي
مولاهم العجلي (عن عامر) الشعبي (عن مسروق) هو ابن
الأجدع الهمداني أنه (قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها-
يا أمتاه) بضم الهمزة وتشديد الميم وبعد الفوقية ألف
فهاء ساكنة قال في الفتح والأصل يا أم والهاء للسكت
فأضيف إليها ألف الاستغاثة فأبدلت تاء ثم زيدت هاء
السكت بعد الألف (هل رأى محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه)؟ ليلة الإسراء (فقالت: لقد
قفّ) بفتح القاف وتشديد الفاء أي قام (شعري) فرعًا
(مما قلت) هيبة من الله واستحالة لوقوع ذلك في الدنيا
وليس هو إنكارًا منها لجواز الرؤية مطلقًا كقول
المعتزلة ولأبي ذر مما قلته (أين أنت من ثلاث) أي كيف
يغيب فهمك عن ثلاث (من حدّثكهن فقد كذب) في حديثه (من
حدّثك أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى ربه) ليلة المعراج (فقد كذب) وعند مسلم فقد أعظم
على الله الفرية (ثم قرأت) مستدلة لذلك بطريق
الاستنباط ({لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو
اللطيف الخبير}) [الأنعام: 103].
وفي مسلم: أنها سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى}
[النجم: 13] فقال: إنما هو جبريل. وعند ابن مردويه
أنها قالت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: لا إنما
رأيت جبريل منهبطًا واحتجاجها بالآية خالفها فيه ابن
عباس، ففي الترمذي عن عكرمة عنه قال: رأى محمد ربه.
قلت: أليس يقول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار}
[الأنعام: 153] قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو
نوره وقد رأى ربه مرتين فالمنفي في الآية إحاطة
الأبصار لا مجرد الرؤية بل في تخصيص الإحاطة بالنفي ما
يدل على الرؤية أو يُشعِر بها كما تقول لا تحيط به
الأفهام وأصل المعرفة حاصل.
ثم استدلت أيضًا بقوله تعالى: ({وما كان لبشر أن يكلمه
الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب}) [الشورى: 51] وأجيب:
بأن هذه الآية لا تدل على نفي الرؤية مطلقًا بل على أن
البشر لا يرى الله في حال التكلم فنفي الرؤية مقيد
بهذه الحالة دون غيرها.
(ومن حدّثك أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت {وما تدري نفس ماذا
تكسب
(7/359)
غدًا}) [لقمان: 34] أي تعمل.
(ومن حدّثك أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(كتم) شيئًا مما أمر بتبليغه ولأبي ذر أنه قد كتم (فقد
كذب ثم قرأت ({يا أيها الرسول بَلّغ ما أنزل إليك من
ربك}) [المائدة: 67] (الآية. ولكنه) عليه الصلاة
والسلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن (رأى جبريل
عليه السلام في صورته) له ستمائة جناح (مرتين) مرة
بالأرض في الأفق الأعلى ومرة في السماء عند سدرة
المنتهى.
وهذا الحديث أخرجه في التفسير والتوحيد مقطعًا ومسلم
في الإيمان والترمذي والنسائي في التفسير.
2 - باب: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}
حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فكان قاب
قوسين أو أدنى}) [النجم: 9] أي (حيث الوتر من القوس)
والدنوّ من الله لا حدّ له. قال القشيري في مفاتيح
الحجج: أخبر الله بقوله: {فكان قاب قوسين أو أدنى} أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلغ من الرتبة
والمنزلة القدر الأعلى مما لا يفهمه الخلق ولغير أبي
ذر قوله تعالى: {قاب قوسين أو أدنى} وإسقاط ما بعده
ولفظ باب.
4856 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ:
سَمِعْتُ زِرًّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ
مَا أَوْحَى} قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ
أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا
الشيباني) بالشين المعجمة سليمان بن أبي سليمان فيروز
الكوفي (قال: سمعت زرًّا)
بكسر الزاي وتشديد الراء ابن حبيش (عن عبد الله) بن
مسعود في قوله ({فكان قاب قوسين أو أدنى}) أي أقرب
({فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال) زر (حدّثنا ابن مسعود
عبد الله (أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(رأى جبريل له ستمائة جناح) أي مرتين كما سبق، وفي
سائرها على صورة دحيّة الكلبي وغيره لأن في الملك قوة
يتشكل بها في أي صورة أراد.
3 - باب قَوْلِهِ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا
أَوْحَى}
(باب قوله) تعالى: ({فأوحى إلى عبده ما أوحى}) [النجم:
10] أي جبريل أوحى (باب قوله) تعالى: ({فأوحى إلى عبده
ما أوحى}) [النجم: 10] أي جبريل أوحى إلى عبد الله
محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أوحى
جبريل وفيه تفخيم للموحى به أو الله إليه وقيل الضمائر
كلها الله قال جعفر بن محمد فيما رواه السلمي فأوحى
إلى عبده قال بلا واسطة فيما بينه وبينه سرًّا إلى
قلبه لا يعلم به أحد سواه. اهـ. وسقط الباب ولاحقه
لغير أبي ذر.
4857 - حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ
زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ
مَا أَوْحَى} [النجم: 9 - 10] قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ
سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
وبه قال: (حدّثنا طلق بن غنام) بفتح الطاء المهملة
وسكون اللام وبعدها قاف وغنام بفتح الغين المعجمة
وتشديد النون النخعي قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة
الكوفي (عن الشيباني) سليمان أنه (قال: سألت زرًّا) هو
ابن حبيش (عن قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى
فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: أخبرنا عبد الله) بن
مسعود (أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى جبريل) ولأبي ذر أنه محمد رأى جبريل صلى الله
عليهما وسلم (له ستمائة جناح) وزاد النسائي يتناثر
منها تهاويل من الدرّ والياقوت وهذا الذي ذهب إليه ابن
مسعود هو مذهب عائشة.
4 - باب {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ
الْكُبْرَى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({لقد رأى}) والله لقد
رأى محمد ({من آيات ربه الكبرى}) [النجم: 18] الكبرى
من آياته أو الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف أي شيء
من آيات ربه وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وما بعده.
4858 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- {لَقَدْ رَأَى
مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَأَى
رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة
بعدها تحتية ساكنة فمهملة ابن عقبة بن محمد السوائي
قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن
علقمة) بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الكوفي ولد
في
حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن عبد
الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- {لقد رأى من آيات ربه
الكبرى} [النجم: 18] قال: رأى) عليه السلام (رفرفًا
أخضر قد سدّ الأفق).
وعند النسائي والحاكم عن ابن مسعود قال: أبصر نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل عليه
السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال
البيهقي: فالرفرف جبريل عليه السلام على صورته على
رفرف والرفرف البساط وعن ابن عباس فيما رواه القرطبي
في قوله: {دنا فتدلّى} [النجم: 8] أنه على التقديم
والتأخير أي تدلى الرفرف لمحمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع
فدنا من ربه قال فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات
وسمعت كلام ربي، فعلى هذا الرفرف ما يجلس عليه كالبساط
ونحوه، وأصل الرفرف ما كان من الديباج رقيقًا حسن
الصنعة ثم اشتهر استعماله في الستر.
(7/360)
5 - باب {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ
وَالْعُزَّى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({أفرأيتم اللات
والعزى}) [النجم: 19] اللات صنم لثقيف بالطائف أو
لقريش بنخلة والعزى سمرة لغطفان كانوا يعبدونها.
4859 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي
قَوْلِهِ: {اللاَّتَ وَالْعُزَّى}: كَانَ الَّلاَتُ
رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي بالفاء
وسقط لأبي ذر ابن إبراهيم قال: (حدّثنا أبو الأشهب)
بفتح الهمزة وسكون المعجمة وبعد الهاء المفتوحة موحدة
جعفر بن حيان العطاردي البصري قال: (حدّثنا أبو
الجوزاء) أوس بن عبد الله الربعي بفتح الراء والموحدة
بعدها عين مهملة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه
قال (في قوله) تعالى: ({اللات والعزى} كان اللات رجلًا
يلت سويق الحاج) قيل هذا التفسير على قراءة رويس
بتشديد التاء أما على قراءة مَن خففها فلا يلائمها
وأجيب باحتمال أن يكون أصله التشديد وخفف لكثرة
الاستعمال وكان الكسائي يقف عليها بالهاء، وقيل إن اسم
الرجل عمرو بن لحي، وقيل صرمة بن غنم وكان يلت السمن
والسويق عند صخرة ويطعمه الحاج، فلما مات عبدوا ذلك
الحجر الذي كان عنده إجلالًا لذلك الرجل وسموه باسمه،
وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس كان يلت السويق على
الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه، وسقط لغير أبي
ذر في قوله:
4860 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ فِي حَلِفِهِ
وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ
أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ». [الحديث 4860 - أطرافه
في: 6107 6301 6650].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر)
بعين ساكنة بين فتحتين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من حلف) بغير الله (فقال في حلفه) بفتح المهملة وكسر
اللام يمينه (واللات والعزى) كيمين المشركين (فليقل)
متداركًا لنفسه (لا إله إلا الله) المبرأ من الشرك
فإنه قد ضاهى بحلفه بذلك الكفار حيث أشركهما بالله في
التعظيم إذ الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة
العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى به مخلوق قال ابن
العربي: من حلف بهما جادًّا فهو كافر ومن قال جاهلًا
أو ذاهلًا يقول كلمة التوحيد تكفر عنه وترد قلبه عن
السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وتنفي عنه ما جرى به
من اللغو (ومن قال لصاحبه: تعال) بفتح اللام (أقامرك)
بالجزم جواب الأمر (فليتصدق) أي بشيء كما في مسلم
ليكفر عنه ما اكتسبه من إثم دعائه صاحبه إلى معصية
القمار المحرم بالاتفاق وقرن القمار بذكر الحلف باللات
والعزى لكونهما من فعل الجاهلية.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النذور والأدب والاستئذان
ومسلم وأبو داود والترمذي في الأيمان والنذور وابن
ماجة في الكفارات.
6 - باب {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ومناة الثالثة
الأخرى} [النجم: 20]) صفة لمناة وقال أبو البقاء
الأخرى توكيد لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى. وقال
الزمخشري: والأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار
كقوله: {قالت أخراهم لأولاهم} [الأعراف: 38] أي
ضعفاؤهم لأشرافهم ويجوز أن تكون الأوّلية والتقدم
عندهم للآت والعزى. اهـ.
قال صاحب الدر وفيه نظر لأن الأخرى إنما تدل على
الغيرية وليس بها تعرض لمدح ولا ذم فإن جاء شيء
فلقرينة خارجية، وقيل الأخرى صفة للعزى لأن الثانية
أخرى بالنسبة إلى الأولى وقال في الأنوار الثالثة
الأخرى صفتان للتأكيد كقوله يطير بجناحيه ومعنى الآية
هل رأيتم هذه الأصنام حق الرؤية فإن رأيتموها علمتم
أنها لا تصلح للألوهية والمقصود إبطال الشركاء وإثبات
التوحيد.
4861 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ
قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ:
إِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ بِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ
الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لاَ يَطُوفُونَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ} [البقرة: 158] فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْمُسْلِمُونَ، قَالَ سُفْيَانُ: مَنَاةُ
بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ، وَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ
عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ فِي
الأَنْصَارِ، كَانُوا هُمْ وَغَسَّانُ قَبْلَ أَنْ
يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ مِثْلَهُ، وَقَالَ
مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ
رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ
لِمَنَاةَ، وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا
لاَ نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا
لِمَنَاةَ نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي
قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري)
محمد بن مسلم (سمعت عروة) بن الزبير بن العوّام يقول:
(قلت لعائشة - رضي الله عنها- فقالت) فيه حذف ذكره في
باب {من الصفا والمروة من شعائر الله} من البقرة بلفظ
قلت لعائشة وأنا يومئذٍ حديث السن: أرأيت قول الله:
{من الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو
اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} [البقرة: 158] فما
أرى على أحد شيئًا أن لا يطوّف بهما فقالت (إنما كان
من أهل)
(7/361)
أحرم (بمناة) بالموحدة باسمها أو عندها ولأبي
ذر لمناة مجرورًا بالفتحة لأنه لا ينصرف وهو باللام
لأجلها (الطاغية) بالجر بالكسرة صفة لمناة باعتبار
طغيان عبدتها أو مضاف إليها والمعنى أحرم باسم مناة
القوم الطاغية (التي بالمشلل) بضم الميم وفتح المعجمة
وفتح اللام الأولى مشدّدة أي مناة الكائنة بالمثلل (لا
يطوفون بين الصفا والمروة) تعظيمًا لصنمهم مناة حيث لم
يكن في المسعى وكان فيه صنمان لغيرهم أساف ونائلة
(فأنزل الله تعالى) ردًّا ({إن الصفا والمروة من شعائر
الله} فطاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والمسلمون}) معه بهما.
(قال سفيان) بن عيينة (مناة) كائن (بالمشلل) موضع (من
قديد) بضم القاف مصغرًا من ناحية البحر وهو الجبل الذي
يهبط إليها منه، (وقال عبد الرحمن بن خالد) الفهمي
بالفاء المصري أميرها لهشام مما وصله الذهلي والطحاوي
(عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال عروة) بن الزبير
(قالت عائشة) -رضي الله عنها- (نزلت) آية {إن الصفا}
(في الأنصار) الأوس والخزرج (كانوا هم وغسان) قال
الجوهري اسم قبيلة (قبل أن يسلموا يهلون) يحرمون
(لمناة مثله) أي مثل حديث ابن عيينة.
(وقال معمر) بفتحتين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد مما
وصله الطبري (عن الزهري عن عروة عن عائشة) أنها قالت
(كان رجال من الأنصار ممن كان يهلّ لمناة ومناة صنم)
كائن (بين مكة والمدينة) وكان لخزاعة وهذيل وسمي بذلك
لأن دم الذبائح كان يمنى عندها أي يذبح (قالوا: يا نبي
الله كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة)
حيث لم يكن بينهما (نحوه) أي نحو الحديث السابق.
7 - باب {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({فاسجدوا لله واعبدو}
[النجم: 62]) أي واعبدوه دون الآلهة وسقط لفظ باب لغير
أبي ذر.
4862 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَجَدَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ
وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ. تَابَعَهُ
ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ
عُلَيَّةَ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري
البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا
أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سجد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسجد معه المسلمون) لله
(والمشركون) لأنها أوّل سجدة نزلت، فأرادوا معارضة
المسلمين بالسجود لمعبودهم، وأما قول مَن قال إن ذلك
وقع منهم بلا قصد فمعارض بما زاده ابن مسعود من أن
الذي استثناه منهم أخذ كفًّا من حصى فوضع جبهته عليه،
فإذًا ذلك ظاهر في القصد وكذا قوله إنهم خافوا في ذلك
المجلس من مخالفتهم لأن المسلمين حينئذٍ هم الذين
كانوا خائفين من المشركين لا العكس، والظاهر أن سبب
سجودهم ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من
طرق عن شعبة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عباس قال:
قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بمكة: والنجم فلما بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة
الثالثة الأخرى} [النجم: 19] ألقى الشيطان في أمنيته
لم تلاوته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال
المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا
فنزلت آية {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا
إذا تمنى ألقى} [الحج: 52] الآية. وقد رُوِي من طرق
ضعيفة ومنقطعة لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلًا مع
أن لها طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصحيح يحتج
بهما من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد
بعضها ببعض وحينئذٍ فيتعين تأويل ما ذر وأحسن ما قيل
إن الشيطان قال ذلك محاكيًا نغمة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما سكت -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحيث سمعه من دنا إليه
فظنها من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأشاعها، ويؤيده تفسير ابن عباس تمنى بتلا، وأما قول
الكرماني وما قيل أن ذلك كان سببًا لسجودهم لا صحة له
عقلًا ولا نقلًا فهو مبني على القول ببطلان القصة من
أصلها وأنها موضوعة وقد سبق ما في ذلك والله الموفق
(و) سجد معه (الجن والإنس) ذكر الجن والإنس بعد
المسلمون الصادق بهما ليدفع توهم اختصاصه بالإنس.
(تابعه) أي تابع عبد الوارث (ابن طهمان) بفتح المهملة
وسكون الهاء ولأبي ذر إبراهيم بن طهمان فيما وصله
الإسماعيلي (عن
(7/362)
أيوب) السختياني (ولم يذكر ابن علية) بضم
العين المهملة وفتح اللام والتحتية المشددة إسماعيل في
تحديثه عن أيوب (ابن عباس) بل أرسله. ولا يقدح ذلك في
الحديث لاتفاق عبد الوارث وابن طهمان على وصله وهما
ثقتان وسبق الحديث في أبواب السجود في باب سجود
المسلمين مع المشركين.
4863 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي
أَبُو أَحْمَدَ يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-
قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ
وَالنَّجْمِ، قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ،
إِلاَّ رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ
فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ
كَافِرًا، وَهْوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ.
وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي) بالصاد المهملة الجهضمي
البصر قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر أخبرنا (أبو
أحمد) محمد بن عبد الله (يعني الزبيري) بضم الزاي وفتح
الموحدة قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسرائيل) بن يونس
(عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن الأسود بن
يزيد) بن قيس النخعي خال إبراهيم النخعي (عن عبد الله)
بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أوّل سورة أنزلت
فيها سجدة {والنجم} قال) ابن مسعود: (فسجد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد فراغه من
قراءتها (وسجد) معه (من خلفه إلا رجلًا رأيته أخذ
كفًّا من تراب فسجد عليه) وفي رواية شعبة في أبواب
السجود فرفعه إلى وجهه فقال يكفيني هذا (فرأيته بعد
ذلك قتل كفرًا) ببدر (وهو أمية بن خلف).
وعند ابن سعد أنه الوليد بن المغيرة وقيل سعيد بن
العاص بن أمية وقيل غير ذلك والمعتمد الأول، وعند
النسائي بإسناد صحيح أنه المطلب بن أبي وداعة وأنه أبى
أن يسجد وأنه كان قبل أن يسلم فلما أسلم قال فلا أدع
السجود فيها أبدًا فتعيين ابن مسعود محمول على ما
اطّلع عليه.
[54] سورة اقْتَرَبَتِ [القمر: 1]
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ
مُجَاهِدٌ: {مُسْتَمِرٌّ}: ذَاهِبٌ. {مُزْدَجَرٌ}:
مُتَنَاهٍ. {وَازْدُجِرَ}: فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا.
{دُسُرٍ}: أَضْلاَعُ السَّفِينَةِ. {لِمَنْ كَانَ
كُفِرَ}: يَقُولُ كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ.
{مُحْتَضَرٌ}: يَحْضُرُونَ الْمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ
جُبَيْرٍ {مُهْطِعِينَ} النَّسَلاَنُ الْخَبَبُ:
السِّرَاعُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {فَتَعَاطَى}:
فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا. {الْمُحْتَظِرِ}:
كَحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ. {ازْدُجِرَ}:
افْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ. {كُفِرَ}: فَعَلْنَا بِهِ
وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ
وَأَصْحَابِهِ. {مُسْتَقِرٌّ}: عَذَابٌ حَقٌّ يُقَالُ
{الأَشَرُ}: الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ.
([54] سورة اقْتَرَبَتِ)
مكية وآيها خمس وخمسون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة ولفظ سورة لغير
أبي ذر.
(وقال) ولأبي ذر وقال: (مجاهد) مما وصله الفريابي
({مستمرّ}) [القمر: 2] أي (ذاهب) سوف يذهب ويبطل من
قولهم مرّ الشيء واستمرّ إذا ذهب وقيل مطرد قال في
الأنوار وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخرى مترادفة
ومعجزات متتابعة حتي قالوا ذلك.
({مزدجر}) [القمر: 4] قال مجاهد فيما وصله الفريابي
أيضًا (متناه) بصيغة الفاعل أي نهاية وغاية في الزجر
لا مزيد عليها والدال بدل من تاء الافتعال وأصله مزتجر
قلبت التاء دالًا لأن تاء الافتعال تقلب دالًا بعد
الزاي لأن الزاي حرف مجهور والتاء مهموس فأبدلوها إلى
حرف مجهور قريب من التاء وهو الدال ({وازدجر}) قال
مجاهد (فاستطير جنونًا) فيكون من مقولتهم أي ازدجرته
الجنّ وذهبت بلبه أو هو من كلام الله تعالى أخبر عنه
أنه زجر عن التبليغ بأنواع الأذية.
({دسر}) قال مجاهد: (أضلاع السفينة) وقيل المسامير
وقيل الخيوط التي تشد بها السفن وقيل صدرها.
({لمن كان كفر}) [القمر: 14] (يقول كفر) مبنيًّا
للمفعول من كفران النعمة (له) لنوح (جزاء من الله) أي
فعلنا بنوح وبهم ما فعلنا من فتح أبواب السماء وما
بعده من التفجير ونحوه جزاء من الله بما صنعوا بنوح
وأصحابه وقيل المعنى فعلنا به وبهم من إنجاء نوح
وإغراق قومه ثوابًا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه
السلام.
({محتضر}) يعني قوم صالح (يحضرون الماء) يوم غب الإبل
فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون.
(وقال ابن جبير) سعيد فيما وصله ابن المنذر ({مهطعين}
النسلان}) بفتح النون والسين المهملة هو تفسير للإهطاع
الدالّ عليه {مهطعين} والنسلان هو (الخبب) بالمعجمة
والموحدتين المفتوحة أولاهما ضرب من العدو (السراع)
بكسر المهملة تأكيد له وقيل الإهطاع الإسراع مع مدّ
العنق وقيل النظر.
(وقال غيره) غير ابن جبير ({فتعاطى}) أي (فعاطها) بألف
بعد العين فطاء فهاء فألف (بيده فعقرها) قال السفاقسي:
لا أعلم لقوله فعاطها وجهًا إلا أن يكون من المقلوب
الذي قدّمت عينه على لامه لأن العطو التناول فيكون
المعنى فتناولها بيده وأما عوط فلا أعلمه في كلام
العرب، وتعقبه في المصابيح فقال في ادعائه أنه لا يعلم
مادة عوط في كلام
(7/363)
العرب نظر، وذلك لأن الجوهري ذكر المادة وقال
فيها يقال: عاطت الناقة تعوط يعني إذا حمل عليها أول
سنة فلم تحمل ثم حمل عليها السنة الثانية فلم تحمل
أيضًا فهذه المادة موجودة في كلام العرب، والظن
بالسفاقسي علم ذلك فإنه كثير النظر في الصحاح ويعتمد
عليه في النقل.
فإن قلت: لكن هذا المعنى غير مناسب لما نحن فيه؟ قلت:
هو لم ينكر المناسبة وإنما أنكر وجود المادة فيما
يعلمه والظاهر أنه سهو منه. اهـ.
وسقطت لفظ فعاطها لأبي ذر، والمعنى فنادوا صاحبهم
المستغيث وهو قدار بن سالف وكان أشجعهم فتعاطى آلة
العقر أو الناقة.
({المحتظر}) في قوله تعالى: {فكانوا كهشيم المحتظر}
[القمر: 31] قال ابن عباس فيما رواه ابن المنذر
(كحظار) بكسر الحاء المهملة وتفتح وبالظاء المشالة
المعجمة المخففة منكسر (من الشجر محترق) وعن قتادة
فيما رواه عبد الرزاق كرماد محترق.
({ازدجر}) [القمر: 9] قال الفراء (افتعل من زجرت) صارت
تاء الافتعال دالًا وقد مرّ تقريره قريبًا وأعاده هنا
لينبّه عليه.
({كفر} فعلنا به وبهم) بنوح وقومه (ما فعلنا) من نصرة
نوح وإجابة دعائه وغرق قومه (جزاء لما صنع) بضم الصاد
(بنوح وأصحابه) من الأذى، وقد سبق نحو من هذا.
({مستقر}) قال الفراء (عذاب حق) وقال غيره: يستقر بهم
حتى يسلمهم إلى النار (يقال: {الأشر}) بفتح الهمزة
والشين المعجمة والراء المخففة (المرح) بفتح الميم
والراء (والتجبّر) بالجيم والموحدة المشددة المضمومة
قاله أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: {سيعلمون غدًا من
الكذاب الأشر} [القمر: 26].
1 - باب {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً
يُعْرِضُوا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وانشق القمر})
ماض على حقيقته وهو قول عامة المسلمين إلا من لا يلتفت
إلى قوله حيث قال إنه سينشق يوم القيامة فأوقع الماضي
موقع المستقبل لتحققه وهو خلاف الإجماع ({وإن يروا})
كفار قريش ({آية}) معجزة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ({يعرضوا}) [القمر: 1، 2] عن تأملها
والإيمان بها وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وتاليه لغير
المستملي.
4864 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً
دُونَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْهَدُوا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (وسفيان) هو
ابن عيينة أو الثوري لأن كلاًّ منهما يروي (عن الأعمش)
سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر)
بسكون العين بين فتحتين عبد الله بن سخبرة بفتح
المهملة وسكون المعجمة (عن ابن مسعود) عبد الله رضي
الله- عنه أنه (قال: انشق القمر على عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فرقتين) بكسر
الفاء قطعتين لما سأله كفار قريش أن يريهم آية (فرقة)
نصب بدل من سابقه المنصوب على الحال (فوق الجبل وفرقة
دونه) ولأبي ذر فرقة برفعهما على الاستئناف (فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اشهدوا) هذه المعجزة العظيمة الباهرة وقال ليث عن
مجاهد: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأبي بكر: اشهد يا أبا بكر، وهذه المعجزة
من أمهات المعجزات الفائقة على معجزات سائر الأنبياء
لأن معجزاتهم عليهم السلام لم تتجاوز الأرضيات.
وهذا الحديث قد سبق في علامات النبوّة في باب سؤال
المشركين أن يريهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- آية.
4865 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ لَنَا: «اشْهَدُوا،
اشْهَدُوا».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط ابن
عبد الله لغير أبي ذر قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال
(أخبرنا ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم عبد الله
(عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن
سخبرة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه
(قال: انشق القمر ونحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمكة (فصار فرقتين) بكسر الفاء
(فقال) عليه الصلاة والسلام (لنا: اشهدوا اشهدوا)
مرّتين.
4866 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ
حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
-رضي الله عنهما- قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِي
زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري (قال:
حدّثني) بالإفراد (بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ابن
مضر القرشي المصري (عن جعفر) هو ابن ربيعة بن شرحبيل
ابن حسنة المصري (عن عراك بن مالك عن عبيد الله) بضم
العين مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: انشق القمر في زمان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا نص
يرد على القائل أنه إنما ينشق يوم القيامة قال
(7/364)
الواحدي؛ والقائل هو عثمان بن عطاء عن أبيه
وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وجوب وقوعه وأما
امتناع الخرق والالتئام فقول اللئام وفي قراءة حذيفة
وقد انشق أي قد كان انشقاق القمر فتوقعوا قرب الساعة
أي إذ كان انشقاقه من أشراطها وذلك أن قد إنما هي جواب
وقوع.
4867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً
فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(حدّثنا يونس بن محمد) البغدادي قال: (حدّثنا شيبان)
بالشين المعجمة المفتوحة ابن عبد الرحمن التيمي مولاهم
النحوي البصري نزيل الكوفة (عن قتادة) بن دعامة (عن
أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: سأل أهل مكة) المشركون
(أن يريهم) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (آية) تشهد لنبوّته (فأراهم انشقاق القمر).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في باب سؤال المشركين بهذا
السند، وقال فيه أن أهل مكة سألوا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يريهم آية.
4868 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: انْشَقَّ
الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج
وفي نسخة حدّثنا شعبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس)
-رضي الله عنه- أنه (قال انشق القمر فرقتين) وهذه
الأحاديث الخمسة مدارها عن ابن مسعود وابن عباس وأنس
فأما حديث ابن مسعود ففيه التصريح بحضوره ذلك حيث قال
ونحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال لنا اشهدوا، وأما أنس فلم يحضر ذلك لأنه كان
بالمدينة ابن أربع أو خمس سنين وكان الانشقاق بمكة قبل
الهجرة بنحو خمس سنين وأما ابن عباس فلم يكن إذ ذاك
ولد لكن روى ذلك عن جماعة من الصحابة.
2 - باب {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ
كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ}
قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ،
حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({تجري})
السفينة ({بأعيننا}) بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا
({جزاء}) نصب على المفعول له ناصبه ففتحنا وما بعده أو
على المصدر بفعل مقدر أي جزيناهم جزاء ({لمن كان كفر})
أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها فإن كل نبي
نعمة من الله على أمته ({ولقد تركناها}) السفينة أو
الفعلة ({آية}) لمن يعتبر حتى شاع خبرها واستمرّ ({فهل
من مدكر}) [القمر: 14، 15] متعظ وسقط لأبي ذر ولقد
تركناها الخ، ولغيره لفظ باب.
(قال قتادة) فيما وصله عبد الرزاق (أبقى الله سفينة
نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة) وزاد عبد الرزاق على
الجوديّ، وعند ابن أبي حاتم عنه قال: أبقى الله
السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها
أوائل هذه الأمة. وكم من سفينة بعدها صارت رمادًا.
وقال ابن كثير: الظاهر يعني من قوله (ولقد تركناها
آية) أن المراد من ذلك جنس السفن كقوله تعالى: {وآية
لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [يس: 41].
4869 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ {فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ} [القمر: 15].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود
-رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ: {فهل من مدَّكر}) بالدال
المهملة وأصله كما مر مذتكر بذال معجمة فاستثقل الخروج
من حرف مجهور وهو الذال إلى حرف مهموس وهو التاء
فأبدلت التاء دالًا مهملة لتقارب مخرجيهما ثم أدغمت
المعجمة في المهملة بعد قلب المعجمة إليها للتقارب
وقرأ بعضهم مذكر بالمعجمة، ولذا قال ابن مسعود أنه
عليه السلام قرأها مدكر يعني بالمهملة.
3 - باب {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَسَّرْنَا
هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ولقد يسرنا
القرآن للذكر فهل من مدَّكر}) [القمر: 17] أي سهلنا
لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس كما قال
تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدَّبروا آياته
وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وسقط الباب ولاحقه لغير
أبي ذر.
(قال مجاهد) فيما وصله الفريابي {يسرنا} أي (هوّنّا
قراءته) وليس شيء يقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن وثبت لفظ
يسرنا وقال غيره هيأ فرسه إذا ألجمه ليركبه قال:
فقمت إليها باللجام ميسرًا ... هنالك يجزيني الذي كنت
أصنع
4870 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ
يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل بن
مغربل الأسدي البصري (عن يحيى) بن
(7/365)
سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي
إسحاق) السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (من عبد الله) بن
مسعود (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يقرأ: {فهل من مدكر}) أي
فهل من متذكر بهذا القرآن الذي يسّرنا حفظه ومعناه.
4 - باب {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ
كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}
(باب) قوله تعالى: ({أعجاز نخل منقعر}) قال في الأنوار
أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض وقيل شبهوا
بالأعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم وتذكير
منقعر للحمل على اللفظ والتأنيث في قوله: {أعجاز نخل
خاوية} للمعنى ({فكيف كان عذاب ونذر}) [القمر: 20، 21]
استفهام تعظيم ووعيد والنذر جمع نذير مصدر بمعنى
الإنذار.
4871 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّهُ سَمِعَ
رَجُلًا سَأَلَ الأَسْوَدَ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
أَوْ مُذَّكِرٍ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
يَقْرَؤُهَا {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ:
وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
دَالًا.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا زهير) هو ابن معاوية (عن أبي إسحاق) السبيعي
(أنه سمع رجلًا) قال الحافظ ابن حجر لم أعرف اسمه (سأل
الأسود) بن يزيد ({فهل من مدكر}) بالدال المهملة (أو
مذكر) بالمعجمة (فقال: سمعت عبد الله) بن مسعود
(يقرأها) ولأبي ذر يقرؤها بالواو بعد الراء بدل الألف
({فهل من مدكر}) زاد أبو ذر عن
الكشميهني دالًا يعني مهملة (قال) ابن مسعود (وسمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأها)
بألف صورة الهمزة أو واو كما مر ({فهل من مدكر} دالًا)
مهملة.
5 - باب {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ *
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ
مِنْ مُدَّكِرٍ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فكانوا كهشيم
المحتظر}) بكسر الظاء المشالة المعجمة قراءة الجمهور
اسم فاعل قال ابن عباس المحتظر هو الرجل يجعل لغنمه
حظيرة بالشوك والشجر فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو
الهشيم وقرأ الحسن بفتحها فقيل هو مصدر أي كهشيم
الاحتظار وقيل اسم مكان ({ولقد يسرنا القرآن للذكر})
[القمر: 31، 32] يسرنا تلاوته على الألسن وعن ابن عباس
لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد أن
يتكلم بكلام الله عز وجل ({فهل من مدَّكِر}) سقط لأبي
ذر ولقد يسرنا الخ وقال بعد قوله المحتظر الآية وسقط
لغيره لفظ باب.
4872 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ {فَهَلْ
مِنْ مُدَّكِرٍ} الآيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وتسكين
الموحدة قال: (أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (أبي)
عثمان الأزدي المروزي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي
إسحاق) السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عبد الله) بن
مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ {فهل من مدكر} الآية)
سقط لفظ الآية لأبي ذر.
6 - باب {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ
مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ولقد صبحهم
بكرة}) بالصرف لأنه نكرة ولو قصد به وقت بعينه امتنع
للتأنيث والتعريف ({عذاب مستقر}) دائم متصل بعذاب
الآخرة ({فذوقوا عذابي ونذر}) [القمر: 38، 39] يريد
العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي
أهلكوا به فلذلك حسن التكرير زاد أبو ذر إلى قوله:
{فهل من مدكر}.
4873 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ
الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَرَأَ
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب قال في الفتح هو ابن
المثنى أو ابن بشار بالمعجمة أو ابن الوليد قال:
(حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود) هو ابن
يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قرأ
{فهل من مدكر}) بالدال المهملة وسقط أنه لغير أبي ذر.
0000 - باب {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولقد أهلكنا
أشياعكم}) أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السالفة
({فهل من مدّكر}) [القمر: 51] من يتذكر ويعلم أن ذلك
حق فيخاف ويعتبر وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4874 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَرَأْتُ
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ}.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى الختي بالخاء المعجمة
والفوقية المشددة المكسورة قال: (حدّثنا وكيع) الرؤاسي
بضم الراء وهمزة فمهملة الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس
(عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود بن يزيد) بن
قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه
(قال: قرأت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- {فهل من مذَّكِرٍ}) بالذال المعجمة (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فهل من
مدّكر) بالمهملة والتكرير في فهل من مدّكر بالسورة بعد
القصص المذكورة في السورة استدعاء لأفهام السامعين
ليعتبروا.
7 - باب قَوْلِهِ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ
الدُّبُرَ}
هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({سيهزم الجمع
ويولون الدبر}) [القمر: 45] اسم جنس وحسن هنا لوقوعه
فأصلة بخلاف
(7/366)
ليولنّ الأدبار وسقط لفظ باب لغير أبي ذر
ويولون الدبر وقال بعد الجمع الآية.
4875 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا
خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ح.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ
مُسْلِمٍ عَنْ وُهَيْبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ،
اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لاَ تُعْبَدْ بَعْدَ
الْيَوْمِ»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ:
حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَحْتَ عَلَى
رَبِّكَ وَهْوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهْوَ
يَقُولُ: «{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ
الدُّبُرَ}».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح
الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها
موحدة منصرف وسقط لأبي ذر ابن عبد الله فنسبه لجده
قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال:
(حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن
ابن عباس) زاد في غير الفرع هنا لفعل ح لتحويل السند.
(وحدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن يحيى الذهلي قال:
(حدّثنا عفان بن مسلم) الصفار البصري (عن وهيب) بضم
الواو مصغرًا ابن خالد البصري قال: (حدّثنا خالد)
الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
هو في قبة) جملة حالية والقبة كما في النهاية من
الخيام بيت صغير (يوم) غزوة (بدر):
(اللهم إني أنشدك) بفتح الهمزة وضم المعجمة (عهدك)
بالنصر (ووعدك) بإحدى الطائفتين (اللهم إن تشأ) هلاك
المؤمنين فالمفعول محذوف أو قوله (لا تعبد) بالجزم
(بعد اليوم) في حكم المفعول والجزاء هو المحذوف (فأخذ
أبو بكر) -رضي الله عنه- (بيده) عليه الصلاة والسلام
(فقال: حسبك) يكفيك ما قلته (يا رسول الله ألححت)
بحاءين مهملتين بالغت وأطلت (على ربك) في الدعاء (وهو
يثب) يقوم (في الدرع فخرج) عليه الصلاة والسلام (وهو
يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}) [القمر: 45] زاد
أبو ذر: الآية.
وهذا الحديث مر في الجهاد في باب ما قيل في درع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
8 - باب قَوْلِهِ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يَعْنِي مِنَ
الْمَرَارَةِ
(باب قوله) تعالى: ({بل الساعة}) يوم القيامة
({موعدهم}) موعد عذابهم ({والساعة}) أي عذابها
({أدهى}) أعظم بلية ({وأمرّ}) [القمر: 46] أشد مرارة
من عذاب الدنيا (يعني من المرارة) لا من المرور.
4876 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ
مَاهَكَ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ. {بَلِ
السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى
وَأَمَرُّ}. [الحديث 4876 - أطرافه في: 4993].
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي
الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (هشام بن يوسف)
الصنعاني القاضي (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد
العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يوسف بن ماهك)
بفتح الهاء والكاف معناه القمير مصغر القمر (قال: إني
عند عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (قالت: لقد
أنزل) بهمزة مضمومة ولأبي ذر نزل بإسقاطها وفتح النون
والزاي (على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بمكة وإني لجارية) حديثة السن (ألعب: {بل الساعة
موعدهم والساعة أدهى وأمرّ}.
4877 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ
خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قَالَ: وَهْوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ:
«أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ
شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ
الْيَوْمِ أَبَدًا»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ
وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ
أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهْوَ فِي الدِّرْعِ،
فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: «{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ
مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}»
[القمر: 45 - 46].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) غير منسوب هو ابن
شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله
الطحان (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عكرمة) مولى
ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وهو في قبة
له يوم) وقعة (بدر) سقط لفظ له لأبي ذر.
(أنشدك) أي أطلبك (عهدك) أي نحو ولقد سبقت كلمتنا
لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون (ووعدك) في {وإذ
يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} [الأنفال: 7]
(اللهم إن شئت) هلاك المؤمنين (لم تعبد بعد اليوم
أبدًا) لأنه خاتم النبيين (فأخذ أبو بكر بيده) عليه
الصلاة والسلام (وقال: حسبك) مناشدتك (يا رسول الله
فقد ألححت على ربك) في السؤال (وهو) عليه السلام يثب
(في الدرع) يقوم (فخرج وهو يقول) جملة حالية كالسابقة
({سيهزم الجمع}) بضم الياء مبنيًّا للمفعول وقرئ ستهزم
بالفوقية خطابًا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الجمع نصب مفعول به وأبو حيوة في رواية
يعقوب سنهزم بنون العظمة الجمع نصب أيضًا ({ويولون
الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}) مما لحقهم
يوم بدر.
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في باب تأليف
القرآن من فضائل القرآن.
[55] سورة الرَّحْمَنِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {بِحُسْبانٍ}: كَحُسْبَانِ الرَّحَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ}: يُرِيدُ
لِسَانَ الْمِيزَانِ. {وَالْعَصْفُ}: بَقْلُ الزَّرْعِ
إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ
فَذَلِكَ الْعَصْفُ. {وَالرَّيْحَانُ} فِي كَلاَمِ
العَرَبِ: الرِّزْقِ. {وَالرَّيْحَانُ}: رِزْقُهُ.
{وَالْحَبُّ}: الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ {وَالْعَصْفُ}: يُرِيدُ الْمَأْكُولَ مِنَ
الْحَبِّ. {وَالرَّيْحَانُ}: النَّضِيجُ الَّذِي لَمْ
يُؤْكَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ {الْعَصْفُ}: وَرَقُ
الْحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ {الْعَصْفُ}:
التِّبْنُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: {الْعَصْفُ}:
أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ تُسَمِّيهِ النَّبَطُ هَبُورًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {الْعَصْفُ}: وَرَقُ الْحِنْطَةِ.
{وَالرَّيْحَانُ}: الرِّزْقُ. وَالْمَارِجُ: اللَّهَبُ
الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ
إِذَا أُوقِدَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ
{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ}: لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ
مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ. {وَرَبُّ
الْمَغْرِبَيْنِ}: مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ.
وَالصَّيْفِ {لاَ يَبْغِيَانِ}: لاَ يَخْتَلِطَانِ.
{الْمُنْشَآتُ}: مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ،
فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ
بِمُنْشَأَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {كَالْفَخَّارِ}:
كَمَا يُصْنَعُ الْفَخَّارُ. {الشُّوَاظُ}: لَهَبٌ
مِنْ نَارٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَنُحَاسٌ}:
النُّحَاسُ الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ
يُعَذَّبُونَ بِهِ. {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}: يَهُمُّ
بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
فَيَتْرُكُهَا. {مُدْهَامَّتَانِ}: سَوْدَاوَانِ مِنَ
الرِّيِّ. {صَلْصَالٍ}: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ
فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ
مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، يُقَالُ صَلْصَالٌ
كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ عِنْدَ الإِغْلاَقِ،
وَصَرْصَرَ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ: يَعْنِي كَبَبْتُهُ.
{فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ،
وَأَمَّا الْعَرَبُ فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً
كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى} فَأَمَرَهُمْ
بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ
أَعَادَ الْعَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا كَمَا أُعِيدَ
النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُهَا {أَلَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَمَنْ فِي الأَرْضِ} ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} وَقَدْ
ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ {مَنْ فِي
السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}. وَقَالَ غَيْرُهُ
{أَفْنَانٍ}: أَغْصَانٍ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ
دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ
{فَبِأَيِّ آلاَءِ}: نِعَمِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ
{رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: يَعْنِي الْجِنَّ
وَالإِنْسَ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ {كُلَّ يَوْمٍ
هُوَ فِي شَأْنٍ}: يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ
كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {بَرْزَخٌ}: حَاجِزٌ.
{الأَنَامُ}: الْخَلْقُ. {نَضَّاخَتَانِ}:
فَيَّاضَتَانِ. {ذُو الْجَلاَلِ}: ذُو الْعَظَمَةِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ {مَارِجٌ}: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ،
يُقَالُ مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا
خَلاَّهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مَرَجَ
أَمْرُ النَّاسِ. {مَرِيجٍ}: مُلْتَبِسٌ. {مَرَجَ}:
اخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ مِنْ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ:
تَرَكْتَهَا. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}: سَنُحَاسِبُكُمْ،
لاَ يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهْوَ مَعْرُوفٌ
فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ يُقَالُ: لأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ،
وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ لآخُذَنَّكَ عَلَى
غِرَّتِكَ.
([55] سورة الرحمن)
مكية أو مدنية أو متبعضة وآيها ست وسبعون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى:
({بحسبان}) [الرحمن: 5] أي (كحسبان الرحى) أي يدوران
(7/367)
في مثل قطب الرحى والحسبان قد يكون مصدر حسبته
أحسبه بالضم حسبًا وحسابًا وحسبانًا مثل الغفران
والكفران والرجحان أو جمع حساب كشهاب وشهبان أي يجريان
في منازلهما بحساب لا يغادران ذلك.
(وقال غيره) أي غير مجاهد وسقط من قوله وقال مجاهد إلى
آخر قوله وقال غيره لغير أبي ذر ({وأقيموا الوزن} يريد
لسان الميزان) قاله أبو الدرداء وعند ابن أبي حاتم رأى
ابن عباس رجلًا يزن قد أرجح فقال أقم اللسان كما قال
الله تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط} [الرحمن: 9].
({والعصف}) في قوله تعالى: {والحب ذو العصف} هو (بقل
الزرع إذا قطع منه شيء
قبل أن يدرك) الزرع (فذلك العصف) والعرب تقول خرجنا
نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك ({والريحان})
[الرحمن: 12] (في كلام العرب الرزق) وهو مصدر في الأصل
أطلق على الرزق وقال قتادة الذي يشم أول بقلة طيبة
الريح سميت ريحانًا لأن الإنسان يراح لها رائحة طيبة
أي بشم ({والريحان} رزقه: {والحب} الذي يؤكل منه) أي
من الزرع (وقال بعضهم {والعصف} يريد المأكول من الحب)
وسقطت واو العصف لأبي ذر ({والريحان} النضيج}) فعيل
بمعنى المنضوج (الذي لم يؤكل) قاله الفراء وأبو عبيدة
(وقال غيره {والعصف} ورق الحنطة وقال الضحاك) مما وصله
ابن المنذر ({والعصف} التبن}) رزقًا للدواب.
(وقال مالك) الغفاري قال أبو زرعة لا يعرف اسمه وقال
غيره اسمه غزوان بمعجمتين وهو كوفي تابعي ({العصف} أول
ما ينبت تسميه النبط) بفتح النون والموحدة وبالطاء
المهملة الفلاحون (هبورًا) بفتح الهاء وضم الموحدة
مخففة وبعد الواو الساكنة راء دقاق الزرع.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({العصف} ورق الحنطة:
{والريحان} الرزق) والريحان بوزن فعلان من ذوات الواو
أصله روحان من الرائحة فأبدلت الواو ياء للفرق بينه
وبين الروحان وهو كل شيء له روح.
(والمارج) في قوله تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار}
[الرحمن: 15] هو (اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو
النار إذا أوقدت) وزاد غيره والأحمر وهذا مشاهد في
النار ترى الألوان الثلاثة مختلطًا بعضها ببعض والجان
اسم جنس كالإنسان أو أبو الجن إبليس وسقط واو المارج
لأبي ذر.
(وقال بعضهم عن مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله
تعالى: ({رب المشرقين} للشمس في الشتاء مشرق ومشرق في
الصيف: {ورب المغربين}) [الرحمن: 17] (مغربها في
الشتاء و) مغربها في (الصيف) وقيل مشرقًا الشمس والقمر
ومغرباهما وذكر غاية ارتفاعهما وغاية انحطاطهما إشارة
إلى أن الطرفين يتناولان ما بينهما كلقولك في وصف ملك
عظيم له المشرق والمغرب فيفهم منه أن له ما بينهما
ويؤيده قوله تعالى: {رب المشارق والمغارب} [المعارج:
40].
({لا يبغيان}) في قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا
يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20] أي (لا يختلطان) قاله
مجاهد فيما وصله الفريابي والبحران قال ابن عباس بحر
السماء وبحر الأرض قال سعيد بن جبير يلتقيان في كل عام
وقال قتادة بحر فارس والروم أو البحر المالح والأنهار
العذبة أو بحر المشرق والمغرب والبرزخ الحاجز قال
بعضهم الحاجز هو القدرة الإلهية.
({المنشآت}) قال مجاهد فيما وصله الفريابي هي (ما رفع
قلعه من السفن) بكسر القاف وسكون اللام ويجوز فتحها
(فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة) ولأبي ذر بمنشآت
بالفوقية
المجرورة في الكتابة بدل المربوطة وقرأ حمزة وأبو بكر
بكسر الشين اسم فاعل أي تنشئ السير إقبالًا وإدبارًا
أو اللاتي تنشئن الأمواج أو الرافعات الشرع ونسبة
الرفع إليها مجاز والباقون بفتح الشين اسم مفعول أي
أنشأها الله أو الناس أو رفعوا شراعها.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({كالفخار}) أي (كما
يصنع الفخار) بضم الياء وفتح النون مبنيًّا للمفعول
وذلك أنه أخذ تراب الأرض فعجنه فصار طينًا ثم انتقل
فصار كالحمأ المسنون ثم يبس فصار صلصالًا كالفخار ولا
يخالف هذا قوله تعالى: {خلقه من تراب} [آل عمران: 59]
ونحوه.
({الشواظ}) قال: مجاهد (لهب من نار) وقال غيره الذي
معه دخان، وقيل اللهب الأحمر، وقيل الدخان الخارج من
(7/368)
اللهب وقول مجاهد هذا ثابت لأبي ذر.
(وقال مجاهد: {ونحاس} النحاس) هو (الصفر) يذاب ثم (يصب
على رؤوسهم يعذبون به) ولأبي ذر فيعذبون به، وقيل:
النحاس الدخان الذي لا لهب معه قال الخليل: وهو معروف
في كلامهم وأنشد للأعشى:
يضيء كضوء سراج السليط ... لم يجعل الله فيه نحاسا
وسقط قوله النحاس لغير أبي ذر.
({خاف مقام ربه}) قال مجاهد هو الرجل (يهم) بفتح الياء
وضم الهاء (بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيتركها) من
خوفه ومقام مصدر مضاف لفاعله أي قيام ربه عليه وحفظه
لأعماله أو لمفعوله أي القيام بحقوق الله فلا يضيعها
والمقام مكان فالإضافة الأذنى ملابسة لما كان الناس
يقومون بين يدي الله للحساب قيل فيه مقام الله والمعنى
خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية فمقام مصدر
بمعنى القيام وثبت في اليونينية وآل ملك والناصرية هنا
ما سبق لأبي ذر وهو قوله الشواظ لهب من نار.
({مدهامتان}) قال مجاهد: (سوداوان من الري) والإدهام
لغة السواد وشدة الخضرة، وقال ابن عباس خضروان.
({صلصال}) أي (طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار)
أي صوّت كما يصوت الخزف إذا جف وضرب لقوّته (ويقال
منتن) بضم الميم وكسر التاء (يريدون به صل) اللحم يصل
بالكسر صلولًا أنتن (يقال صلصال كما يقال صر الباب عند
الإغلاق وصرصر) يريد أن صلصال مضاعف كصرصر (مثل كبكبته
يعني كببته) ومنه {فكبكبوا فيها} [الشعراء: 94] أصله
كبوا وفي هذا النوع وهو ما تكررت فاؤه وعينه خلاف فقيل
وزنه فعفع كررت الفاء والعين ولا لام للكلمة قاله
الفراء وغيره، وغلط لأن أقل الأصول ثلاثة فاء وعين
ولام، وقيل وزنه فعفل، وقيل فعل بتشديد العين وأصله
صلل، فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس فاء
الكلمة وهو مذهب كوفي وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم
يختل المعنى بسقوط الثالث نحو لملم وكبكب فإنك تقول
فيهما لم
وكب فلو لم يصح المعنى بسقوطه كسمسم قال فلا خلاف في
أصالة الجميع وقوله صلصال الخ سقط لأبي ذر.
({فاكهة ونخل ورمان} قال) ولغير أبي ذر وقال (بعضهم):
قيل هو الإمام أبو حنيفة وجماعة كالفراء (ليس الرمان
والنخل بالفاكهة) لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما
يعطف على غيره لأن العطف يقتضي المغايرة فلو حلف لا
يأكل فاكهة فأكل رطبًا أو رمانًا لم يحنث، (وأما العرب
فإنها تعدها فاكهة) وإنما أعاد ذكرهما لفضلهما على
الفاكهة فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان
فاكهة ودواء فهو من ذكر الخاص بعد العام تفضيلًا له
(كقوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى})
[البقرة: 238]. (فأمرهم بالمحافظة على كل الصلوات ثم
أعاد العصر تشديدًا لها) أي تأكيدًا لتعظيمها (كما
أعبد النخل والرمان) هنا (ومثلها) أي مثل فاكهة ونخل
ورمان قوله تعالى: ({ألم تر أن الله يسجد له مَن في
السماوات ومَن في الأرض}) [الحج: 18] (ثم قال: {وكثير
من الناس وكثير حق عليه العذاب} وقد ذكرهم في أول)
ولأبي ذر: وقد ذكرهم الله عز وجل في أول (قوله: {من في
السماوات ومن في الأرض}).
والحاصل أنه من عطف الخاص على العام واعترض بأنها نكرة
في سياق الإثبات فلا عموم وأجيب: بأنها نكرة في سياق
الامتنان فتعم أو ليس المراد بالعام والخاص ما اصطلح
عليه في الأصول بل كل ما كان الأول فيه شاملًا للثاني.
قال العلاّمة البدر الدماميني: متى اعتبر الشمول جاء
الاستغراق وهو الذي اصطلح عليه في الأصول، ولعل المراد
كل ما كان الأول صادقًا على الثاني سواء كان هنا
استغراق أو لم يكن.
ثم هنا فائدة لا بأس بالتنبيه عليها وهي أن الشيخ أبا
حيان نقل قولين في المعطوفات إذا اجتمعت هل كلها
معطوفة على الأول أو كل واحد منها معطوف على ما قبله.
فإن قلنا بالثاني لم يكن عطف الرمان على النخل من باب
عطف الخاص على العام بل من عطف أحد
(7/369)
المتباينين على الآخر ومن هذه الفائدة يتجه لك
المنازعة في قولهم إن قوله تعالى: {من كان عدوًّا لله
وملائكته ورسله وجبريل} [البقرة: 98]. من عطف الخاص
على العام وليس كذلك فأما إن قلنا بالقول الأول فجبريل
معطوف على لفظ الجلالة وإن قلنا بالثاني فهو معطوف على
رسله، والظاهر أن المراد بهم الرسل من بني آدم لعطفهم
على الملائكة فليس منه.
(وقال غيره): غير مجاهد أو غير البعض المفسر باب حنيفة
-رحمه الله- ({أفنان}) أي (أغصان) تتشعب من فروع
الشجرة وقال النابغة:
بكاء حمامة تدعو هديلًا ... مفجعة على فنن تغني
وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل.
({وجنى الجنتين دان}) [الرحمن: 54] أي (ما يجتنى) من
ثمر شجرهما (قريب) تدنو
الشجرة حتى يجتنيها ولي الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا
وقوله وقال غيره إلى هنا ساقط لأبي ذر.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله الطبري ({فبأي آلاء})
أي (نعمه) جمع الألى وهي النعمة.
(وقال قتادة): فيما وصله ابن أبي حاتم ({ربكما تكذبان}
يعني الجن والإنس) كما دلّ عليه قوله تعالى: {للأنام}
وقوله: {أيها الثقلان} وذكرت آية {فبأي آلاء} إحدى
وثلاثين مرة والاستفهام فيها للتقرير لما روى الحاكم
عن جابر قال: قرأ علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال:
ما لي أراكم سكوتًا للجن كانوا أحسن منكم ردًّا ما
قرأت عليهم هذه الآية من مرة من {فبأي آلاء ربكما
تكذبان} [الرحمن: 16] إلاّ قالوا: ولا بشيء من نعمك
ربنا نكذب فلك الحمد، وقيل المراد بالآلاء القدرة،
وقال محمد بن علي الترمذي: هذه السورة من بين السور
علم القرآن لأنها سورة صفة الملك والقدرة لافتتاحها
باسمه الرحمن ليعلم أن جميع ما يصفه بعد من أفعاله
وملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة ثم ذكر الإنسان وما
منّ عليه به ثم حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما
نجم وشجر ورفع السماء ووضع الميزان والأرض للأنام
وخاطب الثقلين فقال سائلًا لهما: {فبأي آلاء ربكما
تكذبان} أي بأي قدرة ربكما تكذبان وإنما كان تكذيبهم
أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من قدرته
وملكه شريكًا يملك معه ويقدر معه تعالى الله. وقال
القتيبي: إن الله تعالى عدّد في هذه السورة نعماءه
وذكر خلقه وآلاءه ثم أتبع كل خلة وضعها وكل نعمة بهذه
الآية وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبّههم على النّعم
ويقررهم بها، وقال الحسين بن الفضل: التكرير طرد
للغفلة وتأكيد للحجة وسقط قوله تكذبان لغير أبي ذر.
(وقال أبو الدرداء): عويمر بن مالك -رضي الله عنه- مما
وصله ابن حبان في صحيحه وابن ماجة في سننه مرفوعًا في
قوله تعالى: ({كل يوم هو في شأن}) [الرحمن: 29] (يغفر
ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين) وأخرجه
البيهقي في الشعب موقوفًا وللمرفوع شاهد عن ابن عمر
أخرجه البزار، وقيل يخرج كل يوم عساكر عسكرًا من
الأصلاب إلى الأرحام وآخر من الأرحام إلى الأرض وآخر
من الأرض إلى القبور ويقبض ويبسط ويشفي سقيفًا ويسقم
سليمًا ويبتلي معافى ويعافي مبتلى ويعز ذليلًا ويذل
عزيزًا.
فإن قلت: قد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم
القيامة. فالجواب: أن ذلك شؤون يبديها لا شؤون
يبتدئها.
(وقال ابن عباس): في قوله تعالى: ({برزخ}) أي (حاجز)
من قدرة الله.
({الأنام}) هم (الخلق) ونقله النووي في التهذيب عن
الزبيدي، وقيل الحيوان، وقيل بنو آدم خاصة وقيل
الثقلان.
({نضاختان}) أي (فياضتان) بالخير والبركة، وقيل
بالماء، وقال ابن مسعود وابن عباس أيضًا: ينضخ على
أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة
كما ينضخ رش المطر،
وقال سعيد بن جبير بأنواع الفواكه والماء، وسقط من
قوله: وقال ابن عباس إلى هنا لأبي ذر.
({ذو الجلال}) [الرحمن: 27] أي (ذو العظمة) وذو الثاني
سقط لأبي ذر. (وقال غيره): غير ابن عباس ({مارج}) أي
(خالص من النار) من غير دخان. قال في الأنوار في قوله:
من مارج من صاف من دخان من نار بيان لمارج (يقال مرج
الأمير رعيته إذا خلاهم) بتشديد
(7/370)
اللاّم أي تركهم (يعدو) بالعين المهملة (بعضهم
على بعض) أي يظلم بعضهم بعضًا ومنه (مرج أمر الناس
اختلط) واضطرب، ولأبي ذر: ويقال مرج أمر الناس ومرج
بفتح الراء في الفرع وضبطها العيني بالكسر.
({مريج}) من قوله: {في أمر مريج} [ق: 5] أي (ملتبس)
وسقطت هذه لأبي ذر.
({مرج}) أي (اختلط) {البحران} ولأبي ذر البحرين بالياء
بدل ألف الرفع (من مرجت دابتك) إذا (تركتها) ترعى،
وسقط لأبي ذر من.
({سنفرغ لكم})، أي (سنحاسبكم) فهو مجاز عن الحساب وإلا
فالله تعالى (لا يشغله شيء عن شيء وهو) أي لفظ سنفرغ
لكم (معروف في كلام العرب يقال لأتفرغن لك وما به شغل)
وإنما هو وعيد وتهديد كأنه (يقول لآخذنك على غرتك)
غفلتك.
1 - باب قَوْلِهِ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}
(باب قوله) تعالى: ({ومن دونهما}) أي الجنتين
المذكورتين في قوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}
[الرحمن: 46] (جتان) لمن دونهم من أصحاب اليمين
فالأوليان أفضل من اللتين بعدهما، وقيل بالعكس، وقال
الترمذي الحكيم المراد بالدون هنا القرب أي هما أدنى
إلى العرش وأقرب أو هما دونهما بقربهما من غير تفضيل.
4878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا
وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا
فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ
يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ
عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». [الحديث 4878 -
أطرافه في: 4880، 7444].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) نسبه لجده
واسم أبيه محمد البصري الحافظ قال: (حدّثنا عبد العزيز
بن عبد الصمد العمي) بفتح العين المهملة وتشديد الميم
المكسورة البصري قال: (حدّثنا أبو عمران) عبد الملك بن
حبيب (الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو وكسر النون (عن
أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه) عبد الله بن قيس
أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(جنتان) مبتدأ (من فضة) خبر قوله ({آنيتهما}) والجملة
خبر المبتدأ الأول ومتعلق من فضة محذوف أي آنيتهما
كائنة من فضة (وما فيهما) عطف على آنيتهما (وجتان)
مبتدأ وقوله (من ذهب) خبر لقوله (آنيتهما) والجملة خبر
الأول أيضًا (وما فيهما) فاللتان من ذهب للمقربين
واللتان من فضة لأصحاب اليمين كما في حديث عند ابن أبي
حاتم يأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد (وما بين
القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبر على
وجهه في جنة عدن) ظرف للقوم والمراد بالوجه الذات
والرداء شيء من صفاته اللازمة لذاته المقدسة عما يشبه
المخلوقات، والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في
التوحيد.
2 - باب قَوْلِهِ: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي
الْخِيَامِ}
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُورٌ سُودُ الْحَدَقِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَقْصُورَاتٌ} مَحْبُوسَاتٌ.
قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِنَّ قَاصِرَاتٌ لاَ يَبْغِينَ غَيْرَ
أَزْوَاجِهِنَّ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({حور مقصورات
في الخيام}) [الرحمن: 72]. جمع خيمة من در مجوّف وسقط
لفظ باب لغير أبي ذر.
(وقال ابن عباس: حور سود الحدق) ولأبي ذر: الحور السود
(وقال مجاهد: {مقصورات} محبوسات قصر طرفهن) بضم القاف
مبنيًا للمفعول (وأنفسهن على أزواجهن قاصرات لا يبغين
غير أزواجهن) فلا يبغين بدلًا. قال الترمذي الحكيم في
قوله: {حور مقصورات في الخيام} بلغنا في الرواية أن
سحابة من العرش مطرت فخلقن من قطرات الرحمة ثم ضرب على
كل واحدة خيمة على شاطى الأنهار سعتها أربعون ميلًا
وليس لها باب حتى إذا حلّ ولّي الله بالخيمة انصدعت عن
باب ليعلم ولّي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة
والخدم لم تأخذها، وقد اختلف أيما أتم حسنًا الحور أم
الآدميات؟ فقيل: الحور لما ذكر ولقوله في صلاة الجنازة
وأبدله زوجًا خيرًا من زوجه، وقيل: الآدميات أفضل
بسبعين ألف ضعف.
4879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ،
حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً
مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ
مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا
يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ
الْمُؤْمِنُونَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ
آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا
آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ
وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ
رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ
عَدْنٍ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر:
حدّثني (عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي قال: (حدّثنا
أبو عمران) عبد الملك (الجوني) بفتح الجيم (عن أبي بكر
بن عبد الله بن قيس عن أبيه) أبي موسى الأشعري
-رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة) بفتح الواو مشدّدة
ذات جوف واسع (عرضها ستون ميلًا) والميل ثلث فرسخ
أربعة آلاف خطوة (في كل زاوية منها أهل) للمؤمن (ما
يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون) قال الدمياطي:
صوابه المؤمن بالإفراد. قال في الفتح وغيره وأجيب:
بجواز أن يكون من مقابلة المجموع بالمجموع (وجنتان من
فضة آنيتهما) مبتدأ
(7/371)
قدم خبره وهما خبر جنتان (وما فيهما) أي من
فضة كذلك (وجنتان من كذا) من ذهب كما سبق (آنيتهما وما
فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاَّ
رداء الكبر على وجهه) ذاته (في جنة عدن) ظرف للقوم أو
نصب على الحال من القوم كأنه قال كائنين في جنة عدن
ولا دلالة فيه على أن رؤية الله غير واقعة إذ لا يلزم
من عدمها في جنة عدن أو في ذلك الوقت عدمها مطلقًا أو
رداء الكبر غير مانع منها.
[56] سورة الْوَاقِعَةِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {رُجَّتْ}: زُلْزِلَتْ. {بُسَّتْ}: فُتَّتْ
لُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ. {الْمَخْضُودُ}:
الْمُوقَرُ حَمْلًا وَيُقَالُ أَيْضًا لاَ شَوْكَ
لَهُ. {مَنْضُودٍ}: الْمَوْزُ. {وَالْعُرُبُ}:
الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {ثُلَّةٌ}:
أُمَّةٌ. {يَحْمُومٍ}: دُخَانٌ أَسْوَدُ.
{يُصِرُّونَ}: يُدِيمُونَ. {الْهِيمُ}: الإِبِلُ
الظِّمَاءُ. {لَمُغْرَمُونَ}: لَمُلْزَمُونَ.
{رَوْحٌ}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ. {وَرَيْحَانٌ}:
الرِّزْقُ. {وَنَنْشِئَكُمْ} فِي أَيِّ خَلْقٍ
نَشَاءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {تَفَكَّهُونَ}:
تَعْجَبُونَ. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً: وَاحِدُهَا
عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيهَا أَهْلُ
مَكَّةَ الْعَرِبَةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ
الْغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ،
وَقَالَ فِي {خَافِضَةٌ} لِقَوْمٍ إِلَى النَّارِ.
{وَرَافِعَةٌ}: إِلَى الْجَنَّةِ. {مَوْضُونَةٍ}:
مَنْسُوجَةٍ وَمِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ. وَالْكُوبُ
لاَ آذَانَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَالأَبَارِيقُ
ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَى. {مَسْكُوبٍ}: جَارٍ.
{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
{مُتْرَفِينَ}: مُتَمَتِّعِينَ. مَدِينينَ:
مُحَاسَبينَ. {مَا تُمْنُونَ}: هِيَ النُّطْفَةُ فِي
أَرْحَامِ النِّسَاءِ. {لِلْمُقْوِينَ}:
لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ.
{بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}: بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ،
وَيُقَالُ بِمَسْقِطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ
وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ. {مُدْهِنُونَ}:
مُكَذِّبُونَ مِثْلُ {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}
{فَسَلاَمٌ لَكَ}: أَيْ مُسَلَّمٌ لَكَ. إِنَّكَ مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأُلْغِيَتْ "إِنَّ" وَهْوَ
مَعْنَاهَا كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مُصَدَّقٌ،
مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ إِنِّي
مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ
لَهُ، كَقَوْلِكَ فَسَقْيًا مِنَ الرِّجَالِ إِنْ
رَفَعْتَ السَّلاَمَ فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ.
{تُورُونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ. أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ.
{لَغْوًا}: بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا}: كَذِبًا.
([56] سورة الْوَاقِعَةِ)
مكية وآيها تسع وتسعون ولأبي ذر سورة الواقعة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({رجت}) من قوله:
{إذا رجت الأرض رجًّا} [الواقعة: 4]. أي (زلزلت) يقال
رجه يرجه رجًّا إذا حركه وزلزله أي تضطرب فرقًا من
الله حتى ينهدم ما عليها من بناء وجبل.
وقال في قوله: ({بست} فتت) أي (لتت كما يلت السويق)
بالسمن أو بالزيت وقيل سيرت من قولهم بس الغنم أي
ساقها.
({المخضود}) هو (الموقر حملًا) بفتح القاف والحاء حتى
لا يبين ساقه من كثرة ثمره بحيث تنثني أغصانه (ويقال
أيضًا لا شوك له) خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة
ثمرة وسقط لأبي ذر قوله الموقر حملًا ويقال أيضًا
({منضود}) في قوله: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] هو
(الموز) واحده طلحة، وقال السدي: طلح الجنة يشبه طلح
الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل وقوله منضود أي
متراكب وهذا ساقط لأبي ذر.
((والعُرب}) بضم الراء وسكونها في قوله تعالى:
{فجعلناهن أبكارًا عربًا} [الواقعة: 36] هن (المحببات
إلى أزواجهن) بفتح الموحدة المشددة.
({ثلة}) أي (أمة) {من الأولين} من الأمم الماضية من
لدن آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام، {وقليل من
الآخرين} [الواقعة: 14] ممن آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعلنا الله منهم بكرمه. قال في
الأنوار ولا يخالف ذلك قوله عليه الصلاة والسلام أن
أمتي يكثرون سائر الأمم لجواز أن يكون سابقو سائر
الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة وتابعو هذه أكثر من
تابعيهم.
({يحموم}) أي (دخان أسود) بالجر، ولأبي ذر: يحموم دخان
أسود برفع يحموم وتالييه وقيل اليحموم واد في جهنم.
({يصرون}) أي (يديمون) على الحنث أي الذنب العظيم.
({الهيم}) في قوله تعالى: {فشاربون الهيم} [الواقعة:
55] هي (الإبل الظماء) التي لا تروى من داء معطش
أصابها قال ذو الرمة:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ... صداها ولا يقضي
عليها هيامها
وسقط هذا لأبي ذر.
({لمغرمون}) أي (لملزمون) غرامة ما أنفقنا ولأبي ذر:
لملومون.
({روح}) في قوله تعالى: {فأما إن كان من المقربين
فروح} [الواقعة: 88، 89]. أي (جنة ورخاء) وقيل معناه
فله راحة وهو تفسير باللازم وسقط هذا لأبي ذر.
({وريحان}) ولأبي ذر: الريحان (الرزق) يقال خرجت أطلب
ريحان الله أي رزقه وقال الوراق: الروح النجاة من
النار والريحان دخول الجنة دار القرار.
({وننشئكم}) بفتح النون الأولى والشين، ولأبي ذر:
{ننشئكم} بضم ثم كسر موافقة للتلاوة وزاد فيما لا
تعلمون أي ({في أيّ خلق نشاء}) وقال الحسن البصري: أي
نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم أو نبعثكم
على غير صوركم في الدنيا فيجمل المؤمن بقبح الكافر.
(وقال غيره): غير مجاهد ({تفكهون}) أي (تعجبون) مما
نزل بكم في زرعكم قاله الفراء، وقيل تندمون وحقيقته
تلقون الفكاهة عن أنفسكم من الحزن فهو من باب تحرّج
وتأثم ولأبي ذر: تعجبون بفتح العين وتشديد الجيم
({عربًا} مثقلة) بتشديد القاف (واحدها عروب مثل صبور
وصببر يسميها أهل مكة العربة) بفتح العين العين وكسر
الراء (وأهل المدينة الغنجة) بفتح الغين المعجمة وكسر
النون (وأهل العراق الشكلة) بفتح المعجمة وكسر الكاف
وهذا كله ساقط لأبي ذر وقرأ حمزة وشعبة بسكونها
(7/372)
وهو كرسل ورسل وفرش وفرش.
(وقال) غير مجاهد (في) قوله تعالى: ({خافضة}) أي هي
خافضة (لقوم إلى النار) ولأبي ذر بقوم بالموحدة بدل
اللام ({ورافعة}) بآخرين (إلى الجنة) وحذف المفعول من
الثاني لدلالة السابق عليه أو هي ذات خفض ورفع.
({موضونة}) أي (منسوجة) أصله من وضنت الشيء أي ركبت
بعضه على بعض (ومنه وضين الناقة) وهو حزامها لتراكب
طاقاته، وقيل موضونة أي منسوجة بقضبان الذهب مشبكة
بالدرّ والياقوت.
(والكوب) في قوله تعالى: ({بأكواب وأباريق} [الوقعة:
18] إناء (لا آذان له ولا عروة) وقوله: بأكواب متعلق
بيطوف (والأباريق ذوات الآذان والعرى) وهو جمع إبريق
وهو من آنية الخمر سمي بذلك لبريق لونه من صفائه.
({مسكوب}) أي (جار) لا ينقطع، وسقط من قوله موضونة إلى
هنا لأبي ذر.
({وفرش مرفوعة}) أي (بعضها فوق بعض) وفي الترمذي عن
أبي سعيد مرفوعًا قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض
ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام.
({مترفين}) أي (متمتعين) بالحرام ولأبي ذر عن
الكشميهني متمتعي بفوقية بين الميمين.
وفتح التاء المشددة كذا في فرع اليونينية من التمتع
وفي فرع آخر ممتعين بميمين بعدهما فوقية مشددة مفتوحة
من الإمتاع، وفي نسخة متنعمين بفوقية قبل النون وبعد
العين ميم من التنعم (مدينين) أي (محاسبين) ومنه إنّا
لمدينون أي محاسبون أو مجزيون، وسقط هذا لغير أبي ذر.
({ما تمنون} هي النطفة) والمعنى ما تصبونه من المني
ولأبي ذر من النطف يعني (في أرحام النساء) أي أأنتم
تصوّرون منه الإنسان أم نحن المصوّرون.
({للمقوين}) أي (للمسافرين والقيّ) بكسر القاف (القفر)
التي لا شيء فيها وسقط للمقوين الخ لأبي ذر.
({بمواقع النجوم}) أي (بمحكم القرآن) ويؤيده وإنه لقسم
وإنه لقرآن كريم. (ويقال بمسقط النجوم إذا سقطن) بكسر
قاف بمسقط أي بمغارب النجوم السمائية إذا غربن. قال في
الأنوار: وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها
والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره (ومواقع وموقع)
الجمع والمفرد (واحد) فيما يستفاد منها لأن الجمع
المضاف والمفرد المضاف كلاهما عامّان بلا تفاوت على
الصحيح وبالإفراد قرأ حمزة والكسائي ({مدهنون}) أي
(مكذبون) قاله ابن عباس وغيره، وقيل متهاونون كمن يدهن
في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونًا به (مثل
{لو تدهن فيدهنون}) يكذبون.
({فسلام لك} أي مسلم) بتشديد اللام ولأبي ذر فسلم بفاء
بدل الميم وكسر السين وسكون اللام (لك) أي ({إنك من
أصحاب اليمين} وألغيت) تركت (إنَّ) من قوله: إنك (وهو
معناها) وإن ألغيت (كما تقول) لرجل (أنت مصدق) بفتح
الدال المشددة (مسافر عن قليل) أي أنت مصدق أنك مسافر
عن قليل فتحذف لفظ إن (إذ كان) الذي قلت له ذلك (قد
قال إني مسافر عن قليل) وفي نسخة عن قريب بدل قليل
(وقد يكون) لفظ السلام كالدعاء له) للمخاطب من أصحاب
اليمين (كقولك فسقيا من الرجال) بفتح السين نصب أي
سقاك الله سقيا (إن رفعت السلام فهو من الدعاء) وإن
نصبت لا يكون دعاء ولم يقرأ به أحد.
({تورون}) أي (تستخرجون) من (أوريت أوقدت) يقال أوريت
الزند أي قدحته فاستخرجت ناره.
({لغوًا}) أي (باطلًا) ولا ({تأثيمًا}) أي (كذبًا)
رواه ابن عباس فيما ذكره ابن أبي حاتم وسقط قوله تورون
إلى هنا لأبي ذر.
1 - باب قَوْلِهِ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}
(باب قوله: {وظل ممدود}) [الواقعة: 30] دائم باقٍ لا
يزول، لا تنسخه الشمس.
4881 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-،
يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً
يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا، مِائَةَ عَامٍ لاَ
يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ
مَمْدُودٍ}».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن في الجنة شجرة) قيل هي طوبى (يسير الراكب في ظلها)
في نعيمها أو ناحيتها (مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن
شئتم: {وظل ممدود}) فالجنة كلها ظل لا شمس معه وليس هو
ظل الشمس بل ظل يخلفهُ الله تعالى. قال الربيع بن أنس:
ظل العرش.
(7/373)
[57] سورة الْحَدِيدُ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ:
مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ}:
مُعَمَّرِينَ فِيهِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ}: مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الْهُدَى.
{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}: جُنَّةٌ وَسِلاَحٌ.
{مَوْلاَكُمْ}: أَوْلَى بِكُمْ. {لِئَلاَّ يَعْلَمَ
أَهْلُ الْكِتَابِ}: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ.
يُقَالُ الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
{أَنْظِرُونَا}: انْتَظِرُونَا.
([57] سورة الْحَدِيدُ)
مدنية أو مكية وآيها تسع وعشرون، ولأبي ذر: سورة
الحديد والمجادلة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
(قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد): فيما وصله الفريابي في
قوله تعالى: ({وجعلكم مستخلفين}) [الحديد: 7] أي
(معمرين فيه) بتشديد الميم المفتوحة.
({من الظلمات إلى النور}) [الحديد: 9] أي (من الضلالة
إلى الهدى) وصله الفريابي أيضًا وسقط من قوله: جعلكم
إلى هنا لأبي ذر.
وقال: {فيه بأس شديد} ({ومنافع للناس}) [الحديد: 25]
أي (جنة) بضم الجيم وتشديد النون ستر (وصلاح) للأعداء
وما من صنعة إلا والحديد آلتها.
({مولاكم}) في قوله تعالى: {مأواكم النار هي مولاكم}
[الحديد: 15] أي هي (أولى بكم) من كل منزل على كفركم
وارتيابكم ({لئلا يعلم أهل الكتاب} ليعلم أهل الكتاب)
فلا صلة (يقال الظاهر على كل شيء علمًا والباطن كل شيء
علمًا) وفي نسخة على كل شيء بإثبات الجار كالسابق
ومراده قوله والظاهر والباطن وقيل الظاهر وجوده لكثرة
دلائله والباطن لكونه غير مدرك بالحواس.
({أنظرونا}) بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الظاء المعجمة
وهي قراءة حمزة (انتظرونا).
[58] سُورة الْمُجَادِلَةُ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يُحَادُّونَ}: يُشَاقُّونَ
اللَّهَ. {كُبِتُوا}: أُخْزِيُوا مِنَ الْخِزْيِ.
{اسْتَحْوَذَ} غَلَبَ.
([58] سُورة الْمُجَادِلَةُ)
مدنية أو العشر الأُول مكي والباقي مدني وآيها اثنتان
وعشرون وسقط لفظ المجادلة لأبي ذر.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي وسقط وقال مجاهد
لأبي ذر ({يحادون}) [المجادلة: 5] أي (يشاقون الله)
وسقطت الجلالة لأبي ذر، وعن قتادة يعادون الله.
وقال مجاهد أيضًا في قوله تعالى: ({كبتوا}) أي
(أخزيوا) بكسر الزاي وبعدها ياء مضمومة ولأبي ذر أخزوا
بضم الزاي وإسقاط الياء (من الخزي) وهذه ساقطة لأبي ذر
ولأبي الوقت وابن عساكر: أحزنوا من الحزن.
({استحوذ}) [المجادلة: 19] أي (غلب) قاله أبو عبيدة.
[59] سورة الْحَشْرِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). الْجَلاَءَ
الإِخْرَاجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ.
[59] سورة الْحَشْرِ
مدنية وآيها أربع وعشرون ولأبي ذر: سورة الحشر.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
(الجلاء) هو (الإخراج من أرض إلى أرض) وسقط لغير أبي
ذر الإخراج قاله قتادة فيما وصله ابن أبي حاتم.
4882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ
التَّوْبَةِ؟ قَالَ التَّوْبَةُ هِيَ الْفَاضِحَةُ،
مَا زَالَتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ، حَتَّى
ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ
ذُكِرَ فِيهَا. قَالَ: قُلْتُ سُورَةُ الأَنْفَالِ؟
قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ قَالَ: قُلْتُ سُورَةُ
الْحَشْرِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال:
(حدّثنا سعيد بن سليمان) الضبي الملقب بسعدويه قال:
(حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير مصغرًا أيضًا
قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة جعفر بن أبي وحشية
إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت
لابن عباس) -رضي الله عنهما- (سورة التوبة قال:
التوبة) هو استفهام إنكاري بدليل قوله: {هي الفاضحة)
لأنها تفضح الناس حيث تظهر معايبهم (ما زالت تنزل
ومنهم ومنهم) مرتين ومراده ومنهم الذين يؤذون النبي
ومنهم من يلمزك في الصدقات ومنهم من يقول ائذن لي
ومنهم من عاهد الله (حتى ظنوا أنه لم تبق) ولأبي ذر عن
الكشميهني لن تبقي (أحدًا منهم إلا ذكر فيها قال) سعيد
بن جبير (قلت) لابن عباس (سورة الأنفال) ما سبب
نزولها؟ (قال: نزلت في) غزوة (بدر قال: قلت: سورة
الحشر) فيم نزلت؟ (قال: نزلت في بني النضير) بفتح
النون وكسر الضاد المعجمة قبيلة من اليهود.
4883 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ
عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ:
قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني: بالإفراد (الحسن
بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء البصري الطحان قال:
(حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني البصري قال: (أخبرنا
أبو عوانة عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد) هو
ابن جبير أنه (قال: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما-
سورة الحشر؟ قال: قل سورة النضير) قال الزركشي: وإنما
كره ابن عباس تسميتها بالحشر لأن الحشر يوم القيامة،
وزاد في الفتح وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير،
وقال ابن إسحاق: كان إجلاء بني النضير مرجع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أُحُد، وقال
ابن عباس: من شك أن الحشر بالشام فليقرأ آية
(7/374)
لأول الحشر فكان أول حشر إلى الشام. قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخرجوا إلى أرض
المحشر ثم تحشر الخلائق يوم القيامة إلى الشام، وقيل
الحشر الثاني نار تحشرهم يوم القيامة.
1 - باب قَوْلِهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}
نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً
(باب قوله) تعالى: ({ما قطعتم من لينة}) [الحشر: 5] أي
من (نخلة) فعلة (ما لم تكن عجوة أو برنية) ضرب من
التمر وقيل اللينة النخلة مطلقًا، وقيل ما تمرها لون
وهو نوع من التمر أيضًا، وقيل تمر شديد الصفرة يرى
نواه من خارج يغيب فيها الضرس، وقيل هي أغصان الشجر
للينها وما شرطية في موضع نصب بقطعتم ومن لينة بيان
لها وفبإذن الله جواب الشرط لا بدّ من حذف مضاف تقديره
فقطعها باذن الله، وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
4884 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ
الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو
ابن سعد الإمام (عن نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّق نخل بني النضير) لما نزل بهم
وكانوا تحصنوا بحصونهم (وقطعـ) ـها إهانة لهم وإرهابًا
وإرعابًا لقلوبهم (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح
الواو وبعد التحتية الساكنة راء موضع بقرب المدينة
ونخل لبني النضير فقالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن
الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها (فأنزل
الله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها}) الضمير
عائد على ما وأنت لأنه مفسر باللينة ({قائمة على
أصولها فبإذن الله}) أي خيركم في ذلك ({وليخزي})
بالإذن في القطع ({الفاسقين}) اليهود في اعتراضهم بأن
قطع الشجر المثمر فساد واستدلّ به على جواز هدم ديار
الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم.
2 - باب {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({ما أفاء الله على
رسوله}) [الحشر: 7] قال الزمخشري: لم يدخل العاطف على
هذه الجملة لأنها بيان للأولى وسقط باب لغير أبي ذر.
4885 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ
الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ:
كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ
عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَاصَّةً، يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ
سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ فِي السِّلاَحِ
وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة عن عمرو) هو ابن
دينار (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن مالك بن أوس بن
الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة (عن
عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كانت أموال
بني النضير) الحاصلة منهم للمسلمين من غير مشقة (مما
أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) مما أعاده عليه بمعنى صيّره له أو ردّه
عليه فإنه كان حقيقًا بأن يكون له لأنه تعالى خلق
الإنسان لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى
طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين (مما لم يوجف
المسلمون) بكسر الجيم مما لم يسرع المسلمون المسير ولم
يقاتلوا (عليه) الأعداء (بخيل) بفرسان (ولا ركاب) بكسر
الراء بل يسار عليها إنما خرجوا إليهم من المدينة مشاة
لم يركب إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ونزل الأعداء من حصونهم من الرعب الواقع في
قلوبهم من هيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فكانت) أموالهم أي معظمها (لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة) في حياته ومن ذكر
معه في قوله: فَلِلَّهِ وللرسول ولذي القربى أي من بني
هاشم وبني المطلب واليتامى وهم أطفال المسلمين الذين
هلك آباؤهم وهم فقراء والمساكين وهم ذوو الحاجات من
المسلمين وابن السبيل وهو المنقطع في سفره من المسلمين
على ما كان يقسمه عليه الصلاة والسلام من أن لكلٍّ
منهم خُمس الُخمس وله عليه الصلاة والسلام الباقي وهو
أربعة أخماس وخُمس الخُمس فهي أحد وعشرون سهمًا يفعل
فيها ما يشاء (ينفق على أهله منها نفقة سنته) تطييبًا
لقلوبهم وتشريعًا للأمة ولا يعارضه حديث أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يدّخر شيئًا لغد
لأنه كان قبل السعة أو
لا يدّخر لنفسه بخصوصها (ثم يجعل ما بقي) بعد (في
السلاح) ما يقاتل به الكفار كالسيف وغيره من آلات
الحديد (والكراع) بضم الكاف الخيل (عدة) بضم العين
يستعان بها (في سبيل الله) وأما بعده -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصرف ما كان له من خمُس الخُمس
لمصالحنا كسدّ ثغور وقضاة وعلماء والأخماس الأربعة
للمرتزقة وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام لهم، وقال
المالكية: لا يخمس الفيء بل هو موكول إلى اجتهاد
الإمام، واستدلوا بهذا الحديث، واستدلّ الشافعية بآية:
{ما أفاء الله على رسوله} [الحشر: 7] الآية
(7/375)
وهي وإن لم يكن فيها تخميس فإنه مذكور في آية
الغنيمة فحمل المطلق على المقيد.
وهذا الحديث ذكره في الجهاد والخُمس والمغازي.
3 - باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وما آتاكم
الرسول}) وما أعطاكم من الفيء أو أمر ({فخذوه})
[الحشر: 7] لأنه حلال لكم أو فتمسكوا به لأنه واجب
الطاعة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ
اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ
وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ،
الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ
امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ
يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي
أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي
لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ، وَمَنْ
هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ
مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا
تَقُولُ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ
وَجَدْتِيهِ: أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا} قَالَتْ: بَلَى: قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ
نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ
يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي،
فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا
شَيْئًا. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا
جَامَعَتْنَا. [الحديث 4886 - أطرافه في: 4887، 5931،
5939، 5943، 5948].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن
إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن
مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: لعن الله الواشمات)
بالشين المعجمة جمع واشمة فاعلة الوشم وهو أن يغرز عضو
من الإنسان بنحو الإبرة حتى يسيل الدم ثم يحشى بنحو
كحل فيصير أخضر (والموتشمات) جمع موتشمة التي يفعل بها
ذلك وهذا الفعل حرام على الفاعل والمفعول به اختيارًا
ويصير موضعه نجسًا تجب إزالته إن أمكن بالعلاج فإن لم
يكن إلا بجرح يخاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة أو
شين فاحش في عضو ظاهر فلا ولا يصح الاقتداء به ما دام
الوضم باقيًا وكان الوشم متعديًا أو أمكنه إزالته من
غير ضرر، وقال الحنفية: تصح القدوة به وإن كان
متمكّنًا من إزالته (و) لعن
(المتنمصات) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشددة
بينهما فوقية فنون والصاد مهملة جمع متنمصة الطالبة
إزالة شعر وجهها بالنتف ونحوه وهو حرام إلا ما ينبت
بلحية المرأة أو أشار بها فلا بل يستحب (والمتفلجات)
بالفاء والجيم جمع متفلجة وهي التي تفرق ما بين
ثناياها بالمبرد إظهارًا للصغر وهي عجوز لأن ذلك يكون
للصغار غالبًا وذلك حرام (للحسن) أي لأجل التحسين لما
فيه من التزوير فلو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن
فلا، ويجوز أن تتعلق اللام بالأفعال المذكورة والأظهر
تعلقها بالأخير (المغيرات خلق الله) كالتعليل لوجوب
اللعن وهو صفة لازمة لمن تصنع الوشم والنمص والفلج
(فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب). قال
الحافظ ابن حجر: لا يحرف اسمها وقد أدركها عبد الرحمن
بن عباس كما في الطريق التي بعد (فجاءت) إلى ابن مسعود
(فقالت) له: (أنه بلغني أنك) ولأبي ذر: عنك أنك (لعنت
كيت وكيت) تعني الواشمات الخ. (فقال) ابن مسعود لها:
(وما لي لا ألعن مَن لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومَن هو في كتاب الله) عطف على من
لعن أي ما لي لا ألعن من هو في كتاب الله ملعون لأن
فيه وجوب الانتهاء عما نهاه الرسول لقوله: {وما نهاكم
عنه فانتهوا} [الحشر: 7] ففاعل ذلك ظالم، وقد قال الله
تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18].
(فقالت) أم يعقوب: (لقد قرأت ما بين اللوحين) دفّتي
المصحف وكانت قارئة للقرآن (فما وجدت فيه ما تقول) من
اللعن (فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) فيه وإثبات
الباء في قرأتيه ووجدتيه لغة، والأفصح حذفها في خطاب
المؤنث في الماضي لكنها تولدت من إشباع كسر التاء
واللام في لئن موطئة للقسم والثانية لجوابه الذي سدّ
مسدّ جواب الشرط (أما قرأت) بتخفيف الميم قوله تعالى:
({وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}
قالت: بلى) قرأته (قال) ابن مسعود (فإنه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد نهى عنه) بفتح الهاء
وهذه الآية وإن كان سبب نزولها أموال الفيء فلفظها عام
يتناول كل ما أمر به الشارع عليه الصلاة والسلام أو
نهى عنه. ولذا استنبط ابن مسعود منها ذلك، ويحتمل أن
يكون سمع اللعن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كما في بعض طرق الحديث.
(قالت) أم يعقوب لابن مسعود: (فإني أرى أهلك) زينب بنت
عبد الله الثقفية (يفعلونه) ولمسلم فقالت: إني أرى
شيئًا من هذا على امرأتك (قال) ابن مسعود لها:
(فاذهبي) إلى أهلي (فانظري فذهبت) إليها (فنظرت فلم
تر) بها (من حاجتها) التي ظنت أن زوج ابن مسعود كانت
تفعله (شيئًا) فعادت إليه وأخبرته (فقال: لو كانت) أي
زينب (كذلك) تفعل الذي ظننته (ما جامعتنا) بفتح الميم
والعين وسكون الفوقية ما صاحبتنا، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي ما جامعتها
(7/376)
أي ما وطئتها وكلاهما كناية عن الطلاق.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس.
4887 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنه- قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ، فَقَالَ:
سَمِعْتُهُ مِنِ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا أُمُّ
يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ حَدِيثِ
مَنْصُورٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال:
(حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي البصري (عن سفيان) الثوري
أنه (قال: ذكرت لعبد الرحمن بن عابس) بعين مهملة فألف
فموحدة مكسورة فسين مهملة الكوفي (حديث منصور) هو ابن
المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن
عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لعن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي
ذر: لعن الله بدل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (الواصلة) التي تصل شعرها بآخر تكثره به
فإن كان الذي يتصل به شعر آدمي فحرام اتفاقًا لحرمة
الانتفاع به كسائر أجزائه لكرامته بل يدفن وإن كان من
غيره فإن كان نجسًا من ميتة أو انفصل حيًّا مما لا
يؤكل فحرام لنجاسته وإن كان طاهرًا وأذن الزوج فيه جاز
وإلاّ فلا.
(فقال): أي عبد الرحمن بن عابس (سمعته من امرأة يقال
لها أم يعقوب عن عبد الله) بن مسعود (مثل حديث منصور)
أي ابن المعتمر السابق.
4 - باب {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالإِيمَانَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({وَالَّذِينَ
تَبَوَّءُوا الدَّارَ}) المدينة ({والإيمان}) [الحشر:
9] أي ألفوه وهم الأنصار وسقط باب لغير أبي ذر.
4888 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي
الله عنه أُوصِى الْخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ
الأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ.
وَأُوصِى الْخَلِيفَةَ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ
تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُهَاجِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ
وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي ونسبه
لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا أبو
بكر يعني ابن عياش) المقرئ راوي عاصم، وسقط يعني ابن
عياش لغير أبي ذر (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد
المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن عمرو بن
ميمون) بفتح العين الأودي الكوفي أبي يحيى أنه (قال:
قال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد أن طعنه أبو
لؤلؤة العلج الطعنة التي مات منها (أوصي) أنا
(الخليفة) من بعدي (بالمهاجرين الأوّلين) الذين هاجروا
قبل بيعة الرضوان أو الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين
شهدوا بدرًا (أن يعرف لهم حقهم) بفتح همزة أن (وأوصي
الخليفة) أيضًا (بالأنصار الذين تبوأوا الدار
والإيمان) صفة للأنصار وضمن تبوأوا معنى لزموا فيصح
عطف الإيمان عليه إذ الإيمان لا يتبوّأ أو هو نصب
بمقدّر أي واعتقدوا أو تجوز في الإيمان، فجعل لاختلاطه
بهم وثباتهم عليه كالمكان المحيط بهم وكأنهم نزلوه،
وحينئذ فيكون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة
واحدة وفيه خلاف أو سمى المدينة لأنها دار الهجرة
ومكان ظهور الإيمان بالإيمان أو نصب على المفعول معه
أي مع الإيمان (من قبل أن يهاجر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم بسنتين (أن يقبل من محسنهم
ويعفو عن مسيئهم) ما دون الحدود وحقوق العباد.
5 - باب قَوْلِهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}
الآيَةَ
الْخَصَاصَةُ: الْفَاقَةُ. {الْمُفْلِحُونَ}:
الْفَائِزُونَ بِالْخُلُودِ. الْفَلاَحُ: الْبَقَاءُ.
حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ: عَجِّلْ. وَقَالَ الْحَسَنُ
{حَاجَةً}: حَسَدًا.
هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({ويؤثرون على
أنفسهم} الآية) وسقط باب لغير أبي ذر.
(الخصاصة) في قوله تعالى: {ولو كان بهم خصاصة} [الحشر:
9].
(الفاقة) ولأبي ذر: فاقة وقيل حاجة إلى ما يؤثرون به.
({المفلحون}) هم (الفائزون بالخلود) قاله الفراء.
(الفلاح) ولأبي ذر: والفلاح (البقاء) قال لبيد:
نحلّ بلادًا كلها حل قبلنا ... ونرجو فلاحًا بعد عاد
وحمير
(حي على الفلاح) أي (عجل) أي أقبل مسرعًا، وقال ابن
التين: لم يقله أحد من أهل اللغة إنما قالوا معناه هلم
وأقبل.
(وقال الحسن) البصري وسقطت الواو لأبي ذر ({حاجة}) في
قولى: {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} [الحشر:
9] أي (حسدّا) وصله عبد الرزاق عنه. وسقط لفظ باب لغير
أبي ذر.
4889 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا
فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ
الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَصَابَنِي الْجَهْدُ. فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ
فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ
رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ
اللَّهُ»؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ:
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ
فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ تَدَّخِرِيهِ
شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلاَّ قُوتُ
الصِّبْيَةِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ
الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي
السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ.
فَفَعَلَتْ: ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ ضَحِكَ
مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يعقوب
بن إبراهيم بن كثير) الدورقي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة قال: (حدّثنا فضيل بن غزوان) بضم الفاء
وفتح المعجمة مصغرًا وغزوان بغين مفتوحة فزاي ساكنة
معجمتين قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي
سلمان (الأشجعي) بالمعجمة والجيم (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: أتى رجل) هو أبو هريرة كما وقع
مفسرًا في رواية الطبري (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أصابني الجهد)
المشقّة
والجوع
(7/377)
(فأرسل) عليه الصلاة والسلام (إلى نسائه)
أمهات المؤمنين يطلب منهن ما يضيفه به (فلم يجد عندهن
شيئًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ألا) بتخفيف اللام للتحضيض (رجل يضيف) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي يضيفه بزيادة الضمير والتحتية مضمومة
والضاد المعجمة مفتوحة بعدها تحتية مشددة فيهما (هذه
الليلة يرحمه الله) بصيغة المضارع، ولأبي ذر عن
الكشميهني رحمه الله (فقام رجل من الأنصار) هو أبو
طلحة وتردد الخطيب هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي
آخر يكنى أبا طلحة وليس هو أبا المتوكل الناجي لأنه
تابعي إجماعًا (فقال: أنا يا رسول الله) أضيفه (فذهب
إلى أهله فقال لامرأته) أم سليم: هذا (ضيف رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تدّخريه)
بتشديد الدال المهملة أي لا تمسكي عنه (شيئًا) من
الطعام (قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية) بكسر
الصاد جمع صبي أنس وإخوته (قال: فإذا أراد الصبية
العَشاء) بفتح العين (فنوّميهم) حتى لا يأكلوا، وقول
البرماوي كالكرماني وهذا القدر كان فاضلًا عن قدر
ضرورتهم وإلا فنفقة الأطفال واجبة والضيافة سُنّة فيه
نظر لأنها صرّحت بقولها: والله ما عندي إلا قوت الصبية
فلعلها علمت صبرهم لقلة جوعهم وهيأت لهم ذلك ليأكلوه
على عادة الصبيان للطلب من غير جوع يضر (وتعالي) بفتح
اللام وسكون الياء (فأطفئي السراج) بهمزة قطع (ونطوي
بطوننا الليلة) أي نجمعها لأن الجوع يطوي جلد البطن
(ففعلت) زوجته ذلك (ثم غدا الرجل على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه
الصلاة والسلام: (لقد عجب الله عز وجل أو ضحك) بالشك
من الراوي أي رضي وقبل (من فلان وفلانة) أبي طلحة وأم
سليم أو غيرهما على الخلاف (فأنزل الله عز وجل:
{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}) [الحشر: 9].
وهذا الحديث ذكره في باب قول الله تعالى: {ويؤثرون على
أنفسهم} من مناقب الأنصار.
[60] سورة الْمُمْتَحِنَةِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً}: لاَ
تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ. فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ
هَؤُلاَءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ هَذَا.
{بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِرَاقِ
نِسَائِهِمْ. كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ.
([60] سورة الْمُمْتَحِنَةِ)
قال السهيلي بكسر الحاء المختبرة أضيف إليها الفعل
مجازًا كلما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عن عيوب
المنافقين، ومن قال الممتحنة بفتح الحاء فإنه أضافها
إلى المرأة التي نزلت فيها، والمشهور أنها أم كلثوم
بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمن بن عوف وهي
مدنية وآيها ثلاث عشرة، ولأبي ذر: سورة الممتحنة: بسم
الله الرحمن الرحيم.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({لا
تجعلنا فتنة}) [الممتحنة: 5] أي (لا تعذبنا بأيديهم.
فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا). وزاد
في رواية الفريابي: ولا بعذاب من عندك.
({بعصم الكوافر}) [الممتحنة: 10] جمع كافرة كضوارب في
ضاربة قال مجاهد: (أمر أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الميم مبنيًّا
للمفعول (بفراق نسائهم كن كوافر بمكة) لقطع إسلامهم
بالنكاح.
1 - باب {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({لا تتخذوا
عدوّي وعدوّكم}) [الممتحنة: 1] أي كفار مكة ({أولياء})
في العون والنصرة وقوله: عدوي وعدوكم مفعول الاتخاذ
والعدوّ لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوق
وأضاف العدوّ لنفسه تعالى تغليظًا في جريمتهم، وسقط
الباب ولاحقه لغير أبي ذر.
4890 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ
كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله
عنه- يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ
وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا
رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا
كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا». فَذَهَبْنَا تَعَادَى
بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ،
فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي
الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ،
فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ
لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ
عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فِيهِ مِنْ
حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ
بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ»؟ قَالَ:
لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي
كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا
أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ
إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ
إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَمَا
فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا عَنْ
دِينِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ». فَقَالَ
عُمَرُ: دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ
عُنُقَهُ. فَقَالَ: «إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا
يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - اطَّلَعَ
عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ عَمْرٌو وَنَزَلَتْ
فِيهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} قَالَ: لاَ
أَدْرِى الآيَةَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَوْلُ عَمْرٍو.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار)
بفتح العين (قال: حدّثني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن
علي) بن أبي طالب (أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع) بضم
العين وفتح الموحدة مصغرًا واسم أبي رافع أسلم مولى
رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كاتب علي
يقول سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا
والزبير) بن العوّام (والمقداد) بن الأسود (فقال):
(انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما
ألف موضع بين مكة والمدينة (فإن بها ظعينة) بفتح
المعجمة وكسر المهملة امرأة في هودج اسمها
(7/378)
سارة بالمهملة والراء (معها كتاب فخذوه منها)
قال علي (فذهبنا تعادى) بفتخ التاء والعين والدال
المهملتين بينهما ألف أي تتباعد وتتجارى (بنا خيلنا
حتى أتينا الروضة) المذكورة (فإذا نحن بالظعينة فقلنا)
لها (أخرجي الكتاب) الذي معك بهمزة قطع مفتوحة وكسر
الراء (فقالت) ولأبي ذر قالت: (ما معي من كتاب فقلنا
لتخرجن الكتاب) بضم التاء وسكون المعجمة وكسر الراء
والجيم (أو لتلقين الثياب) بنون التوكيد الشديدة
وإثبات التحتية مكسورة بعد القاف والأصل حذفها لأن
النون الثقيلة إذا اجتمعت مع الياء الساكنة حذفت الياء
للساكنين وأثبتها مشاكلة لتخرجن (فأخرجته من عقاصها)
بكسر العين وبالقاف شعرها المضفور (فأتينا به النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله به
لغير الكشميهني (فإذا فيه) في الكتاب (من حاطب بن أبي
بلتعة) بالحاء والطاء المكسورة المهملتين بعدها موحدة
وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها فوقية (إلى
ناس) بضم الهمزة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني إلى
ناس (من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من تجهيزه للجيش
الكثير لمكة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) له (ما هذا) الكتاب (يا حاطب؟ قال: لا
تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش) بالحلف
والولاء (ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين
لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ)
أي حين (فاتني) ذلك (من النسب فيهم أن أصطنع إليهم
يدًا) أي يد منّة عليهم (يحمون) بها (قرابتي وما فعلت
ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه قد صدقكم) بتخفيف
الدال (فقال عمر) -رضي الله عنه- (دعني) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: فدعني (يا رسول الله فأضرب) بالنصب
(عنقه فقال) عليه الصلاة والسلام (إنه شهد بدرًا وما)
ولأبي ذر فما (يدريك لعل الله عز وجل اطّلع على أهل
بدر) الذين حضروا وقعتها (فقال) مخاطبًا لهم خطاب
تكريم (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد غفرت لكم)
عبّر عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه. قال القرطبي:
والمعنى أنهم حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة
تأهّلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم
ومعنى الترجي هنا كما قاله النووي راجع إلى عمر لأن
وقوع هذا الأمر محقق عند الرسول.
(قال عمرو) هو ابن دينار بالإسناد السابق: (ونزلت فيه)
أي في حاطب بن أبي بلتعة ({يا أيها الذين آمنوا لا
تتخذوا عدوي وعدوكم}) وزاد أبو ذر: أولياء (قال) أبي
سفيان بن عيينة (لا أدري الآية في الحديث) عن علي (أو
قول عمرو) يعني ابن دينار موقوفًا عليه.
0000 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قِيلَ لِسُفْيَانَ فِي
هَذَا فَنَزَلَتْ: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} قَالَ
سُفْيَانُ: هَذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ حَفِظْتُهُ
مِنْ عَمْرٍو، وَمَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَمَا
أُرَى أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني (قيل) ولأبي ذر
قال: قيل (لسفيان) بن عيينة (في هذا) أي في أمر حاطب
(فنزلت) ولأبي ذر نزلت ({لا تتخذوا عدوي}) زاد أبو ذر
({وعدوّكم أولياء}) الآية.
(قال سفيان: هذا في حديث الناس) ورواياتهم وأما الذي
(حفظته) أنا (من عمرو) يعني ابن دينار هو الذي رويته
عنه من غير ذكر النزول (ما تركت منه حرفًا وما أرى)
بضم الهمزة مما أظن (أحدًا حفظه) من عمرو (غيري) فلم
يجزم سفيان برفع هذه الزيادة وسقط قوله حدّثنا علي إلى
هنا لأبي الهيثم.
2 - باب {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({إذا جاءكم
المؤمنات مهاجرات}) [الممتحنة: 10] من الكفار بعد
الصلح معهم في الحديبية على أن من جاء منهم إلى
المؤمنين يرد.
4891 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ
إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ
بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} -إِلَى
قَوْلِهِ- {غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ
عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ
الْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ بَايَعْتُكِ»،
كَلاَمًا، وَلاَ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ
امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا
يُبَايِعُهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ: «قَدْ بَايَعْتُكِ
عَلَى ذَلِكَ». تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق)
هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي أو ابن إبراهيم
بن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (يعقوب بن
إبراهيم بن سعد) بسكون العين بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف وسقط ابن سعد لغير أبي ذر قال: (حدّثنا ابن أخي
ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن
مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن
الزبير (أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحن) أي
يختبر
(7/379)
(من هاجر إليه) من مكة إلى المدينة قبل عام
الفتح (من المؤمنات بهذه الآية) فيما يتعلق بالإيمان
مما يرجع إلى الظاهر دون الاطّلاع على ما في القلوب
كما قال الله تعالى: {الله أعلم بإيمانهن} فإنه
المطّلع على ما في قلوبهن (بقول الله تعالى: {يا أيها
النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك}) -إلى قوله- ({غفور
رحيم}) [الممتحنة: 12] وفي الشروط كان يمتحنهن بهذه
الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات فامتحنوهن} -إلى- {غفور رحيم} وعن قتادة فيما
أخرجه عبد الرزاق أنه عليه الصلاة والسلام كان يمتحن
من هاجر من النساء بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام
وحبًّا لله ورسوله وزاد مجاهد ولا خرج بك عشق
رجل منا ولا فرار من زوجك وعند البزار أن الذي كان
يخلفهن عن أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(قال عروة) بالسند السابق (قالت عائشة) -رضي الله
عنها- (فمن أقرّ بهذا الشرط) شرط الإيمان (من
المؤمنات) وفي الطبراني من طريق العوفي عن ابن عباس
قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله، وهذا لا ينافي ما روي أنه كان
يمتحنهن بأنهن ما خرجن من بغض زوج إلى آخر ما ذكر لأنه
زيادة بيان لقوله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام فإذا
قالت ذلك (قال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: قد بايعتك كلامًا) أي بالكلام لا باليد
كما كان يبايع الرجال بالمصافحة باليدين (ولا والله ما
مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا
بقوله) للمرأة (قد بايعتك على ذلك) بكسر الكاف.
قال في الفتح: وكان عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما
جاء عن أم عطية عند ابني خزيمة وحبان والبزار في قصة
المبايعة فمدّ يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من
داخل البيت: ثم قال: اللهم اشهد فإن فيه إشعارًا بأنهن
كن يبايعنه بايديهن. وأجيب: بأن مدّ اليد لا يستلزم
المصافحة فلعله إشارة إلى وقوع المبايعة وكذا قوله في
الباب اللاحق فقبضت امرأة منا يدها لا دلالة فيه أيضًا
على المصافحة، فيحتمل أن يكون المراد بقبض اليد التأخر
عن القبول، نعم يحتمل أنهن كن يأخذن بيده الكريمة مع
وجود حائل ويشهد له ما رواه أبو داود في مراسيله عن
الشعبي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين
بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال: "لا
أصافح النساء".
وهذا الحديث ذكره أيضًا في الطلاق.
(تابعه) أي تابع ابن أخي ابن شهاب (يونس) بن يزيد
الأيلي فيما وصله المؤلّف في الطلاق (ومعمر) هو ابن
راشد فيما وصله أيضًا في الأحكام (وعبد الرحمن بن
إسحاق) القرشي فيما وصله ابن مردويه في تفسيره ثلاثتهم
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال إسحاق بن
راشد) الجزري الحراني فيما وصله الذهلي في الزهريات
(عن الزهري عن عروة) بن الزبير (وعمرة) بنت عبد الرحمن
فجمع بينهما.
3 - باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إذا جاءك
المؤمنات}) يوم الفتح ({يبايعنك}) [الممتحنة: 12] سقط
باب لغير أبي ذر.
4892 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ
سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَنْ لاَ
يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} "، وَنَهَانَا عَنِ
النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا
فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلاَنَةُ أُرِيدُ أَنْ
أَجْزِيَهَا، فَمَا
قَالَ: لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ،
فَبَايَعَهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد
البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح
الفوقية وتشديد النون قال: (حدّثنا أيوب) السختياني
(عن حفصة بنت سيرين) أُم الهذيل الأنصارية البصرية (عن
أم عطية) نسيبة بنت الحارث (-رضي الله عنها-) أنها
(قالت بايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقرأ علينا {أن لا يشركن بالله شيئًا}
ونهانا عن النياحة) رفع الصوت على الميت بالندب وهو
عدّ محاسنه كواكهفاه واجبلاه (فقبضت امرأة) هي أم عطية
(يدها) عن المبايعة (فقالت أسعدتني فلانة) أي قامت معي
في نياحة على ميت لي تواسيني قال الحافظ ابن حجر لم
أقف على اسم فلانة (أريد أن أجزيها) بفتح الهمزة وسكون
الجيم وكسر الزاي المعجمة بالإسعاد (فما قال لها النبي
شيئًا) بل سكت (فانطلقت) من عنده (ورجعت) إليه عليه
الصلاة والسلام (فبايعها).
وللنسائي قال: فاذهبي فاسعديها. قالت: فذهبت فساعدتها
(7/380)
ثم جئت فبايعته وعند مسلم أن أُم عطية قالت
إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدّ
لي من أن أسعدهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إلا آل فلان" وحمله النووي على
الترخيص لأم عطية في آل فلانة خاصة. قال: فلا تحل
النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح
الحديث. وللشارع أن يخص من العموم ما شاء انتهى.
وأورد عليه حديث ابن عباس عند ابن مردويه وفيه قال:
لما أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله
شيئًا الآية. قالت خولة بنت حكيم: يا رسول الله كان
أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني وقد مات
أخوها الحديث. وحديث أم سلمة وأسماء بنت يزيد
الأنصارية عند الترمذي قالت: قلت: يا رسول الله إن بني
فلان أسعدوني على عمي ولا بدّ لي من قضائهن فأبى قالت
فراجعته مرارًا فأذن لي ثم لم أنح بعد ذلك.
وعند أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت
عجوزًا لنا فيمن بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: فأخذ علينا ولا تَنُحْن
فقالت عجوز: يا نبي الله إن ناسًا كانوا أسعدونا على
مصائب أصابتنا وأنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن
أسعدهم قال: اذهبي فكافئيهم قالت فانطلقت فكافأتهم ثم
إنها أتت فبايعته وحينئذٍ فلا خصوصية لأُم عطية،
والظاهر أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم
تحريم فيكون الإذن لمن ذكر وقع لبيان الجواز مع
الكراهة ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فورد
حينئذٍ الوعيد الشديد.
وفي حديث أبي مالك الأشعري عند أبي يعلى أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "النائحة
إذا لم تُتب قبل موتها تُقام يوم القيامة عليها سربال
من قطران ودرع من جرب".
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام.
4893 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ
الزُّبَيْرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ: {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ
إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لِلنِّسَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (حدّثنا أبي) جرير بن
حازم الجهضمي (قال: سمعت الزبير) ابن خرّيت بكسر الخاء
المعجمة وتشديد الراء وبعد التحتية الساكنة فوقية
البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي
الله عنهما- يقول (في قوله) تعالى: ({ولا يعصينك في
معروف}) [الممتحنة: 12] (قال إنما هو) يعني النوح أو
لا يخلون الرجل بالمرأة أو أعم (شرط شرطه الله للنساء)
أي عليهن وهذا لا ينفي أن يكون شرطًا للرجال أيضًا فقد
بايعهم في العقبة على ذلك لأن مفهوم اللقب لا اعتبار
به.
4894 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ،
حَدَّثَنَاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ
سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه-
قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتُبَايِعُونِي عَلَى
أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ
تَزْنُوا، وَلاَ تَسْرِقُوا»، وَقَرَأَ آيَةَ
النِّسَاءِ وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ قَرَأَ
الآيَةَ «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ
مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ،
فَهْوَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ
شَاءَ غَفَرَ لَهُ» تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (حدّثناه) هو من تقديم الاسم على الفعل أي حدّثنا
الزهري بالحديث الذي يريد أن يذكره (قال: حدّثني)
بالإفراد (أبو إدريس) عائذ الله بالمعجمة الخولاني
بفتح الخاء المعجمة أنه (سمع عبادة بن الصامت -رضي
الله عنه- قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أتبايعوني) ولأبي ذر أتبايعونني (على أن لا تشركوا
بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا) فيه حذف المفعول
ليدل على العموم (وقرأ آية النساء) {يا أيها النبي إذا
جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا}
[الممتحنة: 12] الآية. وسقطت واو وقرأ لأبي ذر (وأكثر
لفظ سفيان) بن عيينة (قرأ الآية) بدون لفظ النساء
ولأبي ذر عن الكشميهني: قرأ في الآية والأولى أولى
(فمن وفى) بالتخفيف (منكم) بأن ثبت على العهد (فأجره
على الله) فضلًا منه عليه بأن يدخله الجنة (ومن أصاب
من ذلك شيئًا) غير الشرك (فعوقب) زاد أحمد به أي بسببه
في الدنيا بأن أقيم عليه الحد (فهو كفارة له) فلا
يعاقب عليه في الآخرة كما عليه الأكثر لأن الحدود
كفارات (ومن أصاب منها شيئًا من ذلك) مما يوجب الحد
ولأبي ذر عن الكشميهني من ذلك شيئًا (فستره الله فهو)
مفوّض (إلى الله إن شاء عذبه) عدلًا (وإن شاء غفر له)
فضلًا ولأبي ذر غفر له منها (تابعه) أي تابع سفيان
(عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد عن الزهري
وزاد أبو ذر عن المستملي في الآية ووصله مسلم عن عبد
بن حميد عن عبد الرزاق
(7/381)
عقب رواية سفيان وقال في آخره وزاد في الحديث
فتلا علينا آية النساء {أن لا يشركن بالله شيئًا} هذه
المبايعة كانت ليلة
العقبة الأولى كما وقع البحث فيه في كتاب الإيمان
فراجعه.
4895 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي
ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ
أَخْبَرَهُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ: شَهِدْتُ الصَّلاَةَ يَوْمَ
الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم-، فَكُلُّهُمْ
يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ
بَعْدُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ
حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ
يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلاَلٍ
فَقَالَ: «{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ
الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ
يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ
يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ
يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ
أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12]».
حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ
حِينَ فَرَغَ: «أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ»، وَقَالَتِ
امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ
يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ يَدْرِي الْحَسَنُ مَنْ هِيَ
قَالَ: «فَتَصَدَّقْنَ» وَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ
فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي
ثَوْبِ بِلاَلٍ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال:
(حدّثنا هارون بن معروف) البغدادي المروزي الضرير قال:
(حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري الفقيه (قال:
وأخبرني) عطف على محذوف (ابن جريج) عبد الملك بن عبد
العزيز (أن الحسن بن مسلم) اسم جده يناق بالتحتية
وتشديد النون وبعد الألف قاف المكي (أخبره عن طاوس)
اليماني (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: شهدت
الصلاة يوم) عيد (الفطر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) مع (أبي بكر وعمر وعثمان -رضي
الله عنهم-) في خلافتهم (فكلهم يصلّيها) أي صلاة العيد
(قبل الخطبة ثم يخطب بعد فنزل نبي الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما فرغ من الخطبة
(فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده) بفتح الجيم
وتشديد اللام المكسورة (ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء
مع بلال فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات
يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا
يزنين ولا يقتلن أولادهن}) يريد وأد البنات ({ولا
يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن}) أي بولد
ملقوط ينسبنه إلى الزوج (حتى فرغ من الآية كلها ثم قال
حين فرغ: أنتن على ذلك) بكسر الكاف خطابًا للنساء أي
على المذكور في الآية (وقالت) ولأبي ذر فقالت بالفاء
بدل الواو (امرأة واحدة) منهن (لم يجبه غيرها نعم يا
رسول الله لا يدري الحسن) بن مسلم الراوي (من هي) وقيل
إنها أسماء بنت يزيد (قال) عليه الصلاة والسلام
(فتصدقن، وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ) بفتحات
وآخره معجمة الخواتيم العظام أو حلق من فضة لا فصّ
فيها (والخواتيم) الصغار (في ثوب بلال) ليتصدق به عنهن
فيمن يستحق.
[61] سورة الصَّفِّ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}: مَنْ
يَتَّبِعُنِي إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
{مَرْصُوصٌ}: مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَقَالَ
غَيْرُهُ: بِالرَّصَاصِ.
([61] سورة الصّفّ)
مدنية أو مكية وآيها أربع عشرة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({من
أنصاري إلى الله}) [الصف: 14] أي (من يتبعني إلى الله)
بتشديد الفوقية بعد التحتية ولأبي ذر عن الكشميهني من
تبعني بإسقاط التحتية.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله
تعالى: ({مرصوص}) [الصف: 14] أي (ملصق بعضه ببعض)
ولأبي ذر إلى بعض (وقال غيره) أي غير يحيى ولأبي ذر
وقال يحيى هو ابن زياد الفراء كما قال الحافظ أبو ذر
(بالرصاص) بفتح الراء.
1 - باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ}
(قوله تعالى من) ولأبي ذر باب بالتنوين {يأتي من بعدي
اسمه أحمد} [الصف: 6] قال في الدر يحتمل النقل من
الفعل المضارع أو من أفعل التفضيل والظاهر الثاني وعلى
كِلا الوجهين فمنعه من الصرف للعلمية والوزن الغالب
إلا أنه على الأوّل يمتنع معرفة وينصرف نكرة وعلى
الثاني يمتنع تعريفًا وتنكيرًا لأنه تخلف العلمية
الصفة وإذا نكر بعد كونه علمًا جرى فيه خلاف سيبويه
والأخفش وهي مسألة مشهورة عند النحاة وأنشد حسان يمدحه
عليه الصلاة والسلام وصرفه:
صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك
أحمد
فأحمد بدل أو بيان للمبارك.
4896 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ
-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ
لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ،
وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ
الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ
النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (محمد بن
جبير) بن مطعم (عن أبيه) جبير (-رضي الله عنه-) أنه
(قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(إن لي أسماء أنا محمد) لجمعه جلائل الخصال المحمودة
وهذا البناء يدل على بلوغ النهاية في الحمد (وأنا
أحمد) أفعل من الحمد قطع متعلقه للمبالغة (وأنا الماحي
الذي يمحو الله الكفر) لأنه بعث والدنيا مظلمة بالكفر
فأتى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنور
الساطع حتى محاه (وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على
قدمي) بكسر
(7/382)
الميم وتخفيف التحتية أي على أثري وزمان
نبوّتي ليس بعدي نبي وقيل المراد أنه يحشر أوّل الناس
يوم القيامة. قال الطيبي: وهو من الإسناد المجازي لأنه
سبب في حشر الناس لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر
(وأنا العاقب) أي الذي يخلف في الخير من كان قبله.
[62] سورة الْجُمُعَةِ
([62] سورة الجمعة)
مدنية وآيها إحدى عشرة ثبت لفظ سورة لأبي ذر، وكذا بسم
الله الرحمن الرحيم باب بالتنوين.
1 - باب قَوْلُهُ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا
يَلْحَقُوا بِهِمْ} وَقَرَأَ عُمَرُ {فَامْضُوا إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ}
(قوله) تعالى: {وآخرين منهم}) قال في الدر: مجرور
عطفًا على الأميين أي وبعث في آخرين من الأميين ({لما
يلحقوا بهم}) [الجمعة: 3] صفة لآخرين أو آخرين منصوب
عطفًا على الضمير المنصوب في يعلمهم أي: ويعلم آخرين
لم يلحقوا بهم وسيلحقون وكل من تعلم شريعة محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخر الزمان
فرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
معلّمه بالقوّة لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل
الجسيم.
(وقرأ عمر) بن الخطاب فيما رواه الطبري ({فامضوا إلى
ذكر الله}) وهذا ساقط لغير الكشميهني.
4897 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ
ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}
قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ
يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلاَثًا وَفِينَا
سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَلَى
سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ
الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ. أَوْ رَجُلٌ مِنْ
هَؤُلاَءِ». [الحديث 4897 - طرفه في: 4898].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني
بالإفراد (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (سليمان بن بلال)
التيمي مولاهم (عن ثور) باسم الحيوان المعروف بابن زيد
الديلي بكسر الدال المهملة بعدها تحتية ساكنة (عن أبي
الغيث) سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزلت عليه سورة الجمعة)
زاد مسلم فلما قرأ: ({وآخرين منهم لما يلحقوا بهم}
قال: قلت: من هم)؟ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
قالوا: من هم؟ (يا رسول الله. فلم يراجعه) عليه الصلاة
والسلام
السائل أي لم يعد عليه الجواب (حتى سأل ثلاثًا وفينا
سلمان الفارسي وضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يده على سلمان ثم قال):
(لو كان الإيمان عند الثريا) النجم المعروف (لناله
رجال أو رجل من هؤلاء) الفرس بقرينة سلمان، والشك من
سليمان بن بلال للجزم برجال من غير شك في الرواية
اللاحقة. وزاد أبو نعيم في آخره برقَة قلوبهم ومن وجه
آخر يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة عليّ.
قال القرطبي: وقد ظهر ذلك في العيان فإنه ظهر فيهم
الذين وكثر وإن وجود ذلك فيهم دليلًا من أدلة صدقه
عليه الصلاة والسلام.
4898 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد
الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر: أخبرنا (عبد العزيز) هو الدراوردي كما جزم
به أبو نعيم والجياني ثم المزني قال: (أخبرني)
بالإفراد (ثور) هو ابن زيد الديلي (عن أبي الغبث) سالم
(عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لناله رجال من هؤلاء) قال ابن كثير: ففي
هذا الحديث دليل على عموم بعثته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جميع الناس لأنه فسر قوله:
{وآخرين منهم} بفارس، ولذا كتب كتبه إلى فارس والروم
وغيرهم من الأمم يدعوهم إلى الله وإلى اتّباع ما جاء
به. وعند ابن أبي حاتم عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعًا:
إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون
الجنة بغير حساب، ثم قرأ {وآخرين منهم} الآية.
2 - باب {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وإذا رأوا
تجارة}) [الجمعة: 11] زاد أبو ذر: {أو لهوًا} وسقط باب
لغير أبي ذر.
4899 - حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ
عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَعَنْ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنهما- قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَثَارَ النَّاسُ، إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ
رَجُلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا رَأَوْا
تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (حفص بن عمر) الحوضي قال:
(حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (حصين) بضم الحاء وفتح الصاد
المهملتين ابن عبد الرحمن (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح
الجيم وسكون العين (وعن أبي سفيان) طلحة بن نافع وأبو
سفيان ليس على شرط البخاري وإنما أخرج له مقرونًا
بسالم فاعتماده عليه لا على أبي سفيان
وكلٍّ منهما روى (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي
الله عنهما-) أنه (قال: أقبلت عير) بكسر العين إبل
تحمل الميرة وزعم مقاتل بن حيان أنها كانت لدحية بن
خليفة قبل أن يسلم وكان معها طبل (يوم الجمعة ونحن مع
النبي
(7/383)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند
أحمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خطب (فثار الناس) بالمثلثة تفرقوا عنه (إلاّ اثنا)
بالرفع وفي نسخة إلا اثني (عشر رجلًا، فأنزل الله)
تعالى: ({وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضّوا إليها})
أعاد الضمير على التجارة دون اللهو لأنها أهم في السبب
أو المراد إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها أو لهوًا
انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، وزاد
أبو ذر: وتركوك قائمًا وهي جملة حالية من فاعل انفضّوا
وقد مقدّرة عند بعضهم.
[63] سورة الْمُنَافِقِينَ
1 - باب قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إِلَى
{لَكَاذِبُونَ}
([63] سورة الْمُنَافِقِينَ)
سقط لغير أبي ذر وهي مدنية وآيها إحدى عشرة.
(قوله: ({إذا}) ولأبي ذر: بسم الله الرحمن الرحيم باب
أي في قوله تعالى: إذا ({جاءك المنافقون}) جواب الشرط
({قالوا نشهد إنك لرسول الله}) إلى ({لكاذبون})
[المنافقون: 1] وسقط إلى {لكاذبون} لأبي ذر، وقال بعد
قوله: {لرسول الله} الآية. وقيل: الجواب محذوف، وقيل
حال أي إذا جاؤوك قائلين كيت وكيت فلا تقبل منهم
وقوله: {والله يعلم إنك لرسوله} جملة معترضة بين قوله:
{نشهد إنك لرسول الله} وقوله: {والله يشهد} لفائدة
أبداها الزمخشري في كشافه وهي أنه لو قال قالوا نشهد
إنك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والله يشهد أنهم لكاذبون لكان يوهم أن قولهم هذا كذب
فوسط بينهما قوله: {والله يعلم إنك لرسوله} ليميط هذا
الإيهام.
قال الطيبي: وهذا نوع من التتميم لطيف المسلك، وقال في
المصابيح: واستدلّ بقوله تعالى: {والله يشهد أن
المنافقين لكاذبون} على أن الكذب هو عدم مطابقة الخبر
لاعتقاد المخبر ولو كان خطأ فإنه تعالى جعلهم كاذبين
في قولهم: إنك لرسول الله لعدم مطابقته لاعتقادهم، وإن
كان مطابقًا للواقع وردّ هذا الاستدلال بأن المعنى
لكاذبون في الشهادة وفي ادّعائهم المواطأة، فالتكذيب
راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرًا كاذبًا غير
مطابق للواقع وهو أن هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص
الاعتقاد بشهادة أن والجملة الاسمية؛ وبأن المعنى أنهم
لكاذبون في تسمية هذا الخبر شهادة لأن الشهادة ما تكون
على وفق الاعتقاد والمعنى أنهم لكاذبون في قولهم إنك
لرسول الله، لكن لا في الواقع بل في زعمهم الفاسد
واعتقادهم الباطل لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع
فيكون كذبًا باعتبار اعتقادهم وإن كان صدقًا في نفس
الأمر فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم لكاذبون في هذا
الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب إلا بمعنى عدم
المطابقة للواقع اهـ.
4900 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ
فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لاَ
تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى
يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَلَوْ رَجَعْنَا مِنْ
عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا
قَالُوا فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَدَّقَهُ فَأَصَابَنِي هَمٌّ
لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي
الْبَيْتِ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى
أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَقَتَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فَبَعَثَ
إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ
صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ». [الحديث 4900 - أطرافه في:
4901، 4902، 4903، 4904].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين
المعجمة والدال المهملة المخففة قال: (حدّثنا إسرائيل)
بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي (عن زيد بن أرقم) أنه (قال: كنت في غزاة) هي
غزوة تبوك كما عند النسائي وعند أهل المغازي أنها غزوة
بني المصطلق ورجحه ابن كثير بأن عبد الله بن أبي لم
يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش لكن
أيد في الفتح القول بأنها غزوة تبوك بقوله في رواية
زهير الآتية إن شاء الله تعالى في سفر أصاب الناس فيه
شدة (فسمعت عبد الله بن أُبيّ) هو ابن سلول رأس النفاق
(يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين
(حتى ينفضوا) يتفرقوا (من حوله) وسمعته يقول (ولو)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولئن (رجعنا من عنده)
ولأبي ذر إلى المدينة من عنده (ليخرجن الأعز) يريد
نفسه (منها الأذل) يريد الرسول عليه الصلاة والسلام
وأصحابه قال زيد بن أرقم: (فذكرت ذلك) الذي قاله عبد
الله بن أبي (لعمي) هو سعد بن عبادة كما عند الطبراني
وابن مردويه وليس هو عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه
الخزرج (أو لعمر) بن الخطاب بالشك، وعند الترمذي كسائر
الروايات الآتية عمي بدون شك (فذكره النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعاني) عليه الصلاة
والسلام (فحدّثته) بذلك (فأرسل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عبد الله بن أبي
وأصحابه) فسألهم عن ذلك (فحلفوا ما قالوا) ذلك (فكذبني
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
(7/384)
بتشديد الذال المعجمة (وصدقه) بتشديد المهملة
أي صدق عبد الله بن أبي (فأصابني همّ لم يصبني مثله
قط) في الزمن الماضي (فجلست في البيت فقال لي عمي: ما
أردت إلى أن كذّبك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بتشديد المعجمة في الفرع وقف تنكز ما أردت
إلا بتشديد اللام وفي فرع غيره كثير إلى الجارة وهو
الذي في اليونينية (ومقتك) وعند النسائي: ولامني قومي
(فأنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون}) وعند
النسائي فنزلت: {الذين يقولون لا تنفقوا على من عند
رسول الله حتى ينفضوا} حتى بلغ: {لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 7، 8]
(فبعث إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقرأ) ما أنزل الله عليه من ذلك (فقال: إن الله قد
صدقك يا زيد).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والترمذي في التفسير
وكذا النسائي.
2 - باب {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}
يَجْتَنُّونَ بِهَا
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({اتخذوا
أيمانهم}) حلفهم الكاذب ({جنة}) [المنافقون: 2]
يستترون (بها) عن أموالهم ودمائهم وسقط لفظ باب لغير
أبي ذر.
4901 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ
مَعَ عَمِّي، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ
ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَقَالَ
أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ
لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ،
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَ عَمِّي
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا:
فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَّبَنِي، فَأَصَابَنِي هَمٌّ
لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكَ
الْمُنَافِقُونَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ
مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 7، 8] فَأَرْسَلَ
إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا
إسرائيل) بن يونس (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن زيد بن
أرقم
(7/385)
-رضي الله عنه-) أنه قال: (كنت مع عمي) سعد بن
عبادة أو عبد الله بن رواحة لأنه كان في حجره قاله
الكرماني (فسمعت عبد الله بن أبي) بالتنوين (ابن سلول)
بنصب ابن صفة لعبد الله وسلول اسم أمه غير منصرف
والألف ثابتة في ابن (يقول: لا تنفقوا على من عند رسول
الله حتى ينفضوا) من حوله (وقال) عبد الله بن أبي
(أيضًا: لئن رجعنا) وسقط لفظ أيضًا لأبي ذر (إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها) أي من المدينة (الأذل،
فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي) ذلك (لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عبد الله بن أبي
وأصحابه فحلفوا) لما حضروا وذكر لهم ذلك أنهم (ما
قالوا) ذلك (فصدقهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذّبني فأصابني همّ لم يصبني
مثله) وزاد الكشميهني قط (فجلست في بيني) كئيبًا
حزينًا (فأنزل الله عز وجل: {إذا جاءك المنافقون} -إلى
قوله:- {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول
الله} -إلى قوله:- {ليخرجن الأعز منها الأذل}). وقرأ
الحسن: لنخرجن بالنون ونصب الأعز على المفعول والأذل
على الحال أي لنخرجن الأعز ذليلًا، وضعف بأن الحال لا
تكون إلا نكرة والأذل معرفة ومنهم من جوّزها والجمهور
جعلوا أل مزيدة على حدّ أرسلها العراك وأدخلوا الأول
فالأول (فأرسل إليَّ) بالتشديد (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأها علي ثم قال: إن
الله قد صدقك) فيما قلته.
3 - باب قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ
كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ
يَفْقَهُونَ}
(باب قوله): عز وجل: ({ذلك}) أي سوء عملهم ({بأنهم
آمنوا}) بسبب أنهم آمنوا
ظاهرًا ({ثم كفروا}) سرًّا ({فطبع}) ختم ({على
قلوبهم}) بالكفر ({فهم لا يفقهون}) [المنافقون: 3]
حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته وسقط باب قوله لغير أبي
ذر.
4902 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الْحَكَمِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ
الْقُرَظِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ
-رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أُبَيٍّ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا
إِلَى الْمَدِينَةِ، أَخْبَرْتُ بِهِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَمَنِي
الأَنْصَارُ، وَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ
مَا قَالَ: ذَلِكَ فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ
فَنِمْتُ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ: فَقَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ». وَنَزَلَ {هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا} [المنافقون: 7] الآيَةَ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ زَيْدٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا أنه
(قال: سمعت محمد بن كعب القرظي) بالقاف والظاء المعجمة
(قال: سمعت زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: لما قال
عبد الله بن أُبيّ) رأس النفاق لأصحابه (لا تنفقوا على
من عند رسول الله) من المهاجرين وكان الأنصار يواسونهم
لما قدموا المدينة (وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى
المدينة) أي إلى آخر قوله المحكي في الآية (أخبرت به
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد إنكار
عبد الله ذلك أو أخبرته على لسان عمي (فلامني الأنصار)
على ذلك (وحلف عبد الله بن أُبيّ) أنه (ما قال ذلك
فرجعت إلى المنزل) مهمومًا حزينًا (فنمت فدعاني) أي
فطلبني (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر فأتاني رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتيته فقال):
(إن الله قد صدقك ونزل) قوله تعالى: ({هم الذين يقولون
لا تنفقوا}) الآية.
(وقال ابن أبي زائدة): هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة
فيما وصله النسائي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن
عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن ابن أبي ليلى) عبد
الرحمن (عن زيد) هو ابن
(7/386)
أرقم -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
4 - باب {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ
أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ
كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسِبُونَ كُلَّ
صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ
قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}
(باب) قوله عز وجل: ({وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم})
لحسن منظرهم كما يأتي ({وإن يقولوا تسمع لقولهم})
لفصاحتهم ({كأنهم خُشب مسنّدة}) جملة مستأنفة أو خبر
مبتدأ محذوف تقديره كأنهم أو في محل نصب على الحال من
الضمير في قولهم أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب
منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحًا خالية عن
العلم والنظر ({يحسبون كل صيحة}) تصاح واقعة ({عليهم})
لما في قلوبهم من الرعب وعليهم هو المفعول الثاني
للحسبان
وقوله: ({هم العدوّ}) جملة مستأنفة أخبر الله عنهم
بذلك ({فاحذرهم}) فلا تأمنهم على سرك لأنهم عيون
لأعدائك ينقلون إليهم أسرارك ({فاتلهم الله}) أهلكهم
({أنّى يؤفكون}) [المنافقون: 4] أي كيف يصرفون عن
الإيمان بعد قيام البرهان وسقط لأبي ذر قوله: كأنهم
الخ وقال الآية بعد قوله لقولهم وسقط لغيره لفظ باب.
4903 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ
فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ
لأَصْحَابِهِ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ،
وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ
لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ،
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ، فَاجْتَهَدَ
يَمِينَهُ مَا فَعَلَ قَالُوا كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ
فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقِي فِي {إِذَا جَاءَكَ
الْمُنَافِقُونَ} فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ
فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {خُشُبٌ
مُسَنَّدَةٌ} قَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ
شَيْءٍ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني
الجزري قال: (حدّثنا زهير بن معاوية) الجعفي الكوفي
قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو السبيعي (قال: سمعت زيد
بن أرقم) -رضي الله عنه- (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) غزوة تبوك أو بني
المصطلق (أصاب الناس فيه شدّة) من قلة الزاد وغيره.
قال ابن حجر: وهو يؤيد أنها غزوة تبوك (فقال عبد الله
بن أُبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى
ينفضوا من حوله) كذا في قراءة عبد الله وهو مخالف لرسم
المصحف ويحتمل أن يكون من تفسير عبد الله (وقال: لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وأخرج
الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود عن عروة أن هذا
القول وقع من عبد الله بن أبي بعد أن قفلوا من الغزو.
قال زيد: (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأخبرته فأرسل إلى عبد الله بن أُبيّ
فسأله) عن ذلك (فاجتهد يمينه) في اليونينية فاجتهد
يمينه بسكون الدال أي بذل وسعه وبالغ فيها أنه (ما
فعل) أي ما قال ذلك (قالوا) يعني الأنصار (كذب زيد
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بتخفيف المعجمة ورسول نصب على المفعولية (فوقع في نفسي
مما قالوا شدة حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في {إذا
جاءك المنافقون} فدعاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليستغفر لهم) مما قالوا (فلوّوا
رؤوسهم) عطفوها إعراضًا واستكبارًا عن استغفار الرسول
عليه الصلاة والسلام لهم وقوله: ({خشب}) بإسكان الشين
وضمها ({مسندة} قال: كانوا رجالًا أجمل شيء).
قال الحافظ ابن حجر: وهذا وقع في نفس الحديث وليس
مدرجًا فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد
شيخ المؤلّف فيه بهذه الزيادة، وكذا أخرجه الإسماعيلي
من وجه آخر عن زهير.
5 - باب قَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا
يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا
رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ
مُسْتَكْبِرُونَ}
حَرَّكُوا اسْتَهْزَءُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ
لَوَيْتُ
(باب قوله: {وإذا قيل}) ولأبي ذر: باب بالتنوين وإذا
قيل ({لهم تعالوا}) معتذرين ({يستغفر لكم رسول الله})
عدّ هذه النحاة من الأعمال لأن تعالوا يطلب رسول الله
مجرورًا بإلى أي تعالوا إلى رسول الله ويستغفر يطلبه
فاعلًا فأعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف من الأول إذ
التقدير تعالوا إليه، ولو أعمل الأول لقيل: تعالوا إلى
رسول الله يستغفر لكم فيضمر في يستغفر فاعل قاله في
الدر ({لوّوا رؤوسهم}) بالتشديد للتكثير ونافع
بالتخفيف مناسبًا لما جاء في القرآن من مستقبله نحو:
يلوون ولا ينافي التكثير هذا جواب إذا ({ورأيتهم
يصدون}) يعرضون عن الاستغفار ويصدون حال لأن الرؤية
بصرية ({وهم مستكبرون}) [المنافقون: 5]. حال أيضًا
وأتى بيصدون مضارعًا ليدل على التجدد والاستمرار وسقط
ورأيتهم الخ لأبي ذر وقال بعد قوله: {رؤوسهم} إلى
قوله: {وهم مستكبرون} (حركوا) هو تفسير قوله لوّوا
رؤوسهم (استهزؤوا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ويقرأ بالتخفيف) كما مرّ (من لويت) معتل
العين واللام وسقط ويقرأ الخ لغير الكشميهني.
4904 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ:
لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا
الأَذَلَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَه
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَصَدَّقَهُمْ، فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ
فَحَلَفُوا مَا قَالُوا وَكَذَّبَنِي النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصَابَنِي
غَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي
بَيْتِي وَقَالَ عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ
كَذَّبَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمَقَتَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَرَأَهَا وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا
أو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن
أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن زيد
بن أرقم) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت مع عمي) قيل
زيادة على ما مرّ أنه ثابت بن قيس بن زيد وهو أخو أرقم
بن زيد أو أراد عمه زوج أمه ابن رواحة وكانوا في غزاة
بني المصطلق أو تبوك، وعورض بأن المسلمين كانوا بتبوك
أعزّاء والمنافقين أذلة وبأن ابن أبي لم يشهدها إنما
كان في الخوالف كما مرّ والإعادة لمزيد الإفادة.
(فسمعت عبد الله بن أُبي ابن سلول يقول): أي لأصحابه
(لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ فذكرت
ذلك لعمي فذكره عمي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وصدقهم) أي صدق رسول الله عليه الصلاة
والسلام
ابن أُبيّ وأصحابه لما حلفوا على عدم صدور المقالة
المذكورة ولأبوي ذر والوقت (فدعاني) رسول الله-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فحدّثته) بما قال ابن
أُبيّ (فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه) فسألهم
(فحلفوا ما قالوا) ذلك (وكذّبني النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصابني همّ لم يصبني مثله قط
فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردت إلى أن كذبك النبي)
وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ومقتك فأنزل الله تعالى): وفي نسخة عز وجل
({إذا جاءك المنانقون قالوا نشهد إنك لرسول الله}
وأرسل) ولأبي ذر: فأرسل بالفاء بدل الواو (إليّ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأها وقال: إن
الله قد صدقك).
قيل: وليس في الحديث ما ترجم به. وأجيب: بأن عادة
المؤلّف أن يشير إلى أصل الحديث، وفي مرسل الحسن فقال
قوم لعبد الله بن أُبيّ: فلو أتيت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستغفر لك فجعل يلوي
رأسه فنزلت.
6 - باب قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ
لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ}
هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({سواء عليهم
أستغفرت لهم}) يا محمد وهمزة أستغفرت مفتوحة من غير
مدّ في قراءة الجمهور وهي همزة التسوية التي أصلها
للاستفهام ({أم لم تستغفر لهم لمن يغفر الله لهم})
لرسوخهم في الكفر ({إن الله لا يهدي القوم الفاسقين})
[المنافقون: 6].
وسقط لأبي ذر: أم لم تستغفر لهم الخ وقال بعد قوله:
أستغفرت لهم الآية، وسقط لغيره لفظ باب.
4905 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ قَالَ
سُفْيَانُ مَرَّةً فِي جَيْشٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ
الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ
الْمُهَاجِرِىُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمِعَ
ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى
جَاهِلِيَّةٍ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ
رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ
الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا
مُنْتِنَةٌ». فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ
رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ
مِنْهَا الأَذَلَّ فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا
الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ
النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».
وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،
حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ثُمَّ إِنَّ
الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ، قَالَ سُفْيَانُ:
فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ
جَابِرًا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): هو ابن دينار
(سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-
قال: كنا في غزاة) قال ابن إسحاق: غزوة بني المصطلق
(قال سفيان) بن عيينة (مرة في جيش) بدل في غزاة (فكسع)
بكاف
فسين فعين مهملتين بفتح أي ضرب (رجل من المهاجرين) هو
جهجاه بن قيس بفتح الجيمين وسكون الهاء الأولى أو ابن
سعيد الغفاري وكان أجيرًا لعمر بن الخطاب يقود فرسه
بيده أو رجله (رجلًا من الأنصار) هو سنان بن وبرة
الجهني حليف لابن أُبيّ ابن سلول على دبره (فقال
الأنصاري: يا للأنصار) بفتح اللام للاستغاثة (وقال
المهاجري يا للمهاجرين) بفتح اللام للاستغاثة أيضًا،
وفي تفسير ابن مردويه أن ملاحاتهما كانت بسبب حوض شربت
منه ناقة الأنصاري (فسمع ذاك) ولأبي ذر ذلك باللام
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال):
(ما بال) ما شأن (دعوى الجاهلية) ولأبي ذر: الجاهلية
يريد يا لفلان ونحوه (قالوا: يا رسول الله كسع رجل من
المهاجرين رجلًا من الأنصار فقال) عليه الصلاة والسلام
(دعوها) أي اتركوا دعوى الجاهلية (فإنها منتنة) بضم
الميم وسكون النون وكسر الفوقية أي كلمة خبيثة قبيحة
(فسمع بذلك عبد الله بن أُبيّ) رأس النفاق (فقال:
فعلوها) بحذف همزة الاستفهام أي افعلوا الأثرة يريد
شركناهم في ما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا.
وعند ابن إسحاق فقال عبد الله بن أُبيّ أقد فعلوها
نافرونا وكاثرونا في بلادنا ما مثلنا وجلابيب قريش هذه
إلاّ كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، ثم أقبل على من
عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم
بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم
لتحوّلوا عنكم من بلادكم إلى غيرها.
(أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها
الأذل فبلغ) ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقام عمر رضي الله تعالى عنه (فقال: يا
رسول الله دعني أضرب)
(7/387)
بالجزم (عنق هذا المنافق) ابن أُبيّ (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعه)
اتركه (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) أدخله
معهم اعتبارًا بظاهر أمره ويتحدّث رفع على الاستثناف
والكسر على جواب الأمر، وزاد ابن إسحاق فقال: مر به
عبادة بن بشر بن وقش فليقتلنه فقال: لا ولكن أذن
بالرحيل فراح في ساعة ما كان يرحل فيها فلقيه أسيد بن
حضير فسأله عن ذلك فأخبره فقال: فأنت يا رسول الله
الأعز وهو الأذل. قال: وبلغ عبد الله بن عبد الله بن
أُبيّ ما كان من أمر أبيه فأتى النبي-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: بلغني أنك تريد قتل أبي
فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك
رأسه فقال: بل نرفق به ونحسن صحبته.
(وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة
ثم إن المهاجرين كثروا بعد) أي بعد هذه القصة لما
انضاف إليهم من مسلمة الفتح وغيرهم وهو يؤيد أن القصة
لم تكن بتبوك لأن المهاجرين كثروا بها جدًّا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأخرجه
الترمذي في التفسير والنسائي في السير والتفسير.
(قال سفيان) بن عيينة (فحفظته) أي الحديث ولأبي ذر
تحفظته بفوقية مفتوحة بدل الفاء
وتشديد الفاء مفتوحة (من عمرو) هو ابن دينار (قال
عمرو: سمعت جابرًا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني الكسع
أن تضرب بيدك على شيء أو برجلك ويكون أيضًا إذا رميته
بشيء يسوءه.
7 - باب قَوْلِهِ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ
تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى
يَنْفَضُّوا وَيَتَفَرَّقُوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لاَ يَفْقَهُونَ}
هذا (باب) بالتنوين (قوله: {هم الذين}) ولأبي ذر باب
بالتنوين أي في قوله عز وجل: {هم الذين} ({يقولون})
للأنصار ({لا تنفقوا على من عند رسول الله}) من فقراء
المهاجرين ({حتى ينفضوا ويتفرقوا}) هو تفسير ينفضوا.
({ولله خزائن السماوات والأرض}) بيده الأرزاق والقسم
فهو يرزق رسوله ومن عنده ({ولكن المنافقين لا يفقهون})
[المنافقون: 7] ذلك لجهلهم بالله، فإن قلت: فلِمَ قال
هنا لا يفقهون وقال في الآية اللاحقة لا يعلمون؟ أجيب:
بأن إثبات الفقه لنسان أبلغ من إثبات العلم له فنفي
العلم أبلغ من نفي الفقه فآثر ما هو أبلغ لما هو أدعى
له، وسقط لفظ قوله: ويتفرقوا إلى آخره لأبي ذر وقال
بعد قوله: حتى ينفضوا الآية.
4906 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ
سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى
مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ
بْنُ أَرْقَمَ، وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ»، وَشَكَّ
ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ
فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ:
هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ
لَهُ بِأُذُنِهِ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ابن
أخت إمام الأئمة مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (إسماعيل
بن إبراهيم بن عقبة عن) عنه (موسى بن عقبة) الإمام في
المغازي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن
الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
الهاشمي المدني (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه-
(يقول: حزنت) بكسر الزاي (على من أصيب) بالقتل
(بالحرة) بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين عند
الوقعة بها سنة ثلاث وستين لما خلع أهل المدينة بيعة
يزيد بن معاوية فأرسل يزيد جيشًا كثيرًا فاستباحوا
المدينة وقتل من الأنصار خلق كثير جدًّا وكان أنس
يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار.
قال أنس: (فكتب إليّ زيد بن أرقم و) الحال أنه (بلغه
شدّة حزني) على من أصيب من الأنصار (يذكر أنه سمع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وشك ابن الفضل)
عبد الله (في أبناء أبناء الأنصار)
هل ذكرهم أم لا وهو ثابت عند مسلم من غير شك (فسأل
أنسًا بعض من كان عنده) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف
السائل ويحتمل أن يكون النضر بن أنس فإنه روى حديث
الباب عن زيد بن أرقم (فقال هو) أي زيد بن أرقم (الذي
يقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فيه (هذا الذي أوفى الله) أي صدق (له بإذنه)؟.
قال الكرماني: كأنه جعل إذنه في السماع كالضامنة
بتصديق ما سمعت فلما نزل القرآن به صارت كأنها وافية
بضمانها وزاد في النهاية خارجة عن التهمة فيما أدّته
إلى اللسان في مرسل الحسن أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بإذنه فقال وفي الله بإذنك يا
غلام وإن عليه الصلاة والسلام لما حلف له ابن أُبي قال
لابن أرقم لعله أخطأ سمعك، وللكشميهني بأذنه بفتح
الهمزة والذال أي أظهر صدقه فيما
(7/388)
أخبر.
وهذا الحديث من أفراد البخاري.
8 - باب {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا
الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ
يَعْلَمُونَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يقولون لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله
العزة}) [المنافقين: 8] الغلبة والقوة ({ولرسوله
وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}) من فرط جهلهم
وغرورهم أنه تعالى معزٌّ أوليائه بطاعتهم له ومذلّ
أعدائه لمخالفتهم أمره وسقط لأبي ذر ما بعد قوله الأذل
ولغيره باب.
4907 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ، قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنهما- يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ
فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ
الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا
لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا
لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا
هَذَا»؟ فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ
الأَنْصَارِيُّ، يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ
الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». قَالَ جَابِرٌ:
وَكَانَتِ الأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ ثُمَّ
كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ، فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَوَقَدْ فَعَلُوا وَاللَّهِ
لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رضي الله عنه: دَعْنِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا
يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من
عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله
عنهما- يقول: كنا في غزاة) سبق أنها غزوة بني المصطلق
(فكسع) بالعين والسين المهملتين (رجل من المهاجرين)
يسمى
جهجاهًا الغفاري (رجلًا من الأنصار) يسمى سنانًا
الجهني أي ضرب بيده على دبره (فقال الأنصاري: يا
للأنصار) أغيثوني (وقال المهاجري: يا للمهاجرين)
أغيثوني (فسمعها الله) بتشديد الميم (رسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ما هذا؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من
الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار) مستغيثًا بهم
(وقال المهاجري: يا للمهاجرين) مستغيثًا بهم (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعوها) أي
كلمة الاستغاثة (فإنها منتنة) بضم الميم خبيثة.
(قال جابر) بالسند السابق (وكانت الأنصار حين قدم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر) من
المهاجرين (ثم كثر المهاجرون بعد) أي بعد هذه القصة
(فقال عبد الله بن أُبيّ: أوَقد فعلوا) الأثرة (والله
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وفي
الترمذي فقال غير عمرو فقال له ابنه عبد الله بن عبد
الله بن أُبيّ والله لا تنقلب أي إلى المدينة حتى
تقول: إنك أنت الذليل ورسول الله العزيز ففعل (فقال
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) بعد أن بلغ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك (دعني يا
رسول الله أضرب) بالجزم (عنق هذا المنافق) ابن أُبيّ
(قال) ولأبي ذر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا) زاد في
نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي ثابتة
في اليونينية (يقتل أصحابه).
فإن قلت: الصحابي لا بدّ أن يكون مسلمًا والإسلام
والنفاق لا يجتمعان، وهذا كان رأس المنافقين فكيف
أدخله في الأصحاب؟ أجيب: أدخله فيهم باعتبار الظاهر
لنطقه بالشهادتين، وفي قتله تنفير غيره عن الإسلام
والتزام مفسدة لدفع أعظم المفسدين جائز.
[64] سورة التَّغَابُنِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هُوَ الَّذِي إِذَا
أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِىَ وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ
اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّغَابُنُ غَبْنُ
أَهْلِ الجَنَّةِ أَهْلِ النَّارِ. {إِنِ
ارْتَبْتُمْ}: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا أَتَحِيضُ أَمْ
لاَ تَحِيضُ. {فَاللاَّتِي قَعَدْنَ عَنِ المَحِيضِ
وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ}.
([64] سورة التَّغَابُنِ)
قيل: مكية، وقيل مدنية وآيها ثمان عشرة ولأبي ذر زيادة
والطلاق.
(بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر.
(وقال علقمة) بن قيس فيما وصله عبد الرزاق (عن عبد
الله) بن مسعود في قوله تعالى: ({ومن يؤمن بالله يهد
قلبه}) [التغابن: 11] مجزوم بالشرط (هو الذي إذا
أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من الله) عز وجل فيسلم
لقضائه وعن محيي السُّنّة فيما ذكره في فتوح الغيب يهد
قلبه يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه
وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي (التغابن) هو (غبن
أهل الجنة أهل النار) لنزول أهل الجنة منازل أهل النار
لو كانوا سعداء، وبالعكس مستعار من تغابن التجار كذا
قرره القاضي كالكشاف، لكن قال في فتوح الغيب لا يستقيم
باعتبار الأشقياء لأنهم لا يغبنون لسعداء بنزولهم في
منازلهم من النار إلا بالاستعارة التهكمية، ولذا قال
في الكشاف: وفيه تهكم بالأشقياء لأن نزولهم ليس بغبن،
وجعل الواحدي التغابن من طرف واحد للمبالغة حيث قال
يوم التغابن يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل وأهل
الإيمان أهل الكفر ولا غبن أبين من هذا هؤلاء يدخلون
الجنة وهؤلاء يدخلون النار وأحسن منهما ما ذكره محيي
السُّنَّة قال: هو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ
والمراد فالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة
فظهر يومئذٍ غبن كل كافر بترك الإيمان وغبن
(7/389)
كل مؤمن بتقصيره في الإحسان.
({إن ارتبتم}) أي (إن لم تعلموا أتحيض أم لا تحيض
{فاللائي قعدن عن المحيض}) يئسن منه لكبرهن ({واللائي
لم يحضن بعد}) كذا قال مجاهد فيما وصله الفريابي ولابن
المنذر عنه التي كبرت ولم تبلغ ({فعدتهن ثلاثة أشهر})
[الطلاق: 4] في غير المتوفى عنها زوجها أما هي فعدتها
ما في يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا وسقط قوله
التغابن الخ لغير الحموي.
[65] سورة الطَّلاَقِ
1 - باب {وَبَالَ أَمْرِهَا}: جَزَاءَ أَمْرِهَا
([65] سورة الطَّلاَقِ)
مدنية وآيها اثنتا عشرة وسقطت لأبي ذر.
(باب {وبال أمرها}) [الطلاق: 9] أي (جزاء أمرها) قاله
مجاهد فيما وصله عبد بن حميد.
4908 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ
عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ:
«لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ
ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ
يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ
يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَهُ
اللَّهُ». [الحديث 4908 - أطرافه في: 5251، 5252،
5253، 5258، 5264، 5332، 5333، 7160].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله
بن بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل)
بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(قال أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (عبد الله بن
عمر) ابن الخطاب (-رضي الله عنهما- أخبره أنه طلق
امرأته) آمنة بنت غفار بغين معجمة ففاء كما ضبطه ابن
نقطة فيما أفاده في مقدمة فتح الباري وإن تسميتها بذلك
في الجزء التاسع من حديث قتيبة
جمع سعيد العيار، وللكشميهني طلق امرأة له (وهي حائض
فذكر عمر لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه طلقها وهي حائض (فتغيظ) أي غضب (فيه
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن
الطلاق في الحيض بدعة (ثم قال ليراجعها) إلى عصمته (ثم
يمسكها حتى تطهر) من حيضها (ثم تحيض فتطهر) بالنصب
فيهما عطفًا على السابق (فإن بدا) ظهر (له أن يطلقها
فليطلقها) حال كونها (طاهرًا قبل أن يمسها) يجامعها
(فتلك العدة كما أمره الله) ولأبي ذر كما أمر الله عز
وجل أي في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1]
وطلاق البدعة حرام والمعنى فيه تضرر المطلقة بطول مدة
التربص لأن زمن الحيض لا يحسب من العدة ومثله النفاس
ولآدائه فيما بقي إلى الندم عند ظهور الحمل فإن
الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل وعند الندم قد لا
يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وهذا الحديث أخرجه
أيضًا في الطلاق والأحكام وأخرجه أصحاب السُّنن في
الطلاق.
2 - باب {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ
وَاحِدُهَا ذَاتُ حَمْلٍ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وأولات
الأحمال أجلهن}) أي انقضاء عدتهن مطلقات أو متوفي عنهن
أزواجهن ({أن يضعن حملهن ومن يتق الله}) في أحكامه
فيراعي حقوقها ({يجعل له من أمره يسرًا}) [الطلاق: 4]
في الدنيا والأخرى (وأولات الأحمال: واحدها) وفي نسخة
واحدتها (ذات حمل) قاله أبو عبيدة وسقط باب لغير أبي
ذر وثبت وأولات الأحمال الخ للكشميهني.
4909 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
سَلَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ:
أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا
بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ
الأَجَلَيْنِ قُلْتُ أَنَا: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يَعْنِي أَبَا
سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلاَمَهُ
كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا،
فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ
وَهْيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ
بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا.
[الحديث 4909 - أطرافه في: 5318].
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن حفص) بسكون العين الطلحي
الكوفي قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن
يحيى) بن أبي كثير صالح البصري سكن اليمامة أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف
(قال: جاء رجل) قال ابن حجر لم أقف على اسمه (إلى ابن
عباس) -رضي الله عنهما- (وأبو هريرة) -رضي الله عنه-
والواو للحال (جالس عنده فقال أفتني) بقطع الهمزة (في
امرأة ولدت بعد) وفاة (زوجها بأربعين ليلة) هل انقضت
عدتها بولادتها أم لا (فقال ابن عباس آخر الأجلين)
عدّتها ولأبي ذر آخر بالنصب أي تتربص آخر الأجلين
أربعة أشهر وعشرًا وإن ولدت قبلها فإن مضت ولم تلد
تتربص حتى تلد قال أبو سلمة (قلت أنا) قال:
الله تعالى: ({وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن})
[الطلاق: 4] زاد الإسماعيلي فقال ابن عباس إنما ذاك في
الطلاق (قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة)
قاله على عادة العرب وإلا فليس هو ابن أخيه حقيقة
(فأرسل ابن عباس غلامه كريبًا) نصب عطف بيان (إلى أم
سلمة) -رضي الله عنها- (يسألها) عن ذلك (فقالت قتل زوج
سبيعة) بنت الحارث (الأسلمية) بضم السين المهملة وفتح
الموحدة وبعد التحتية الساكنة مهملة سعد بن خولة شهد
بدرًا والمشهور أنه مات (وهي حبلى فوضعت بعد موته
بأربعين ليلة فخطبت) بضم الخاء المعجمة
(7/390)
مبنيًّا للمفعول (فأنكحها رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان أبو السنابل فيمن
خطبها) بفتح السين المهملة وبعد النون ألف فموحدة غلام
ابن بعكك بموحدة بوزن جعفر وبعكك هو ابن الحارث بن
عميلة بفتح العين القرشي قيل اسمه عمرو، وقيل غير ذلك
أسلم يوم الفتح وكان من المؤلّفة وكان شاعرًا وبقي
زمنًا بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيما جزم به ابن سعد، لكن نقل الترمذي عن البخاري أنه
قال: لا نعلم أن أبا السنابل عاش بعد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا قال:
وعند ابن عبد البر أن أبا السنابل تزوّج سبيعة بعد ذلك
وأولدها سنابل بن أبي السنابل ووقع في الموطأ فخطبها
رجلان أحدهما شاب وكهل فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم
تحلي، وأفاد محمد بن وضاح فيما حكاه ابن بشكوال وغيره
أن اسم الشاب الذي خطبها هو وأبو السنابل فآثرته على
أبي السنابل أبو البشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن
الحارث.
وتأتي بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى في
العدد في باب: {وأولات الأحمال أجلهن} وأخرجه مسلم
والترمذي والنسائي في الطلاق وقال المؤلّف بالسند
إليه.
4910 - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: وَأَبُو
النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ
فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ
أَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ فَذَكَرَ آخِرَ
الأَجَلَيْنِ، فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ
بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،
قَالَ: فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ، قَالَ
مُحَمَّدٌ فَفَطِنْتُ لَهُ فَقُلْتُ إِنِّي إِذًا
لَجَرِيءٌ، إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ وَهْوَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ
فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ
ذَاكَ، فَلَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ
عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَهَبَ يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ
سُبَيْعَةَ، فَقُلْتُ هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ
عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا
التَّغْلِيظَ وَلاَ تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا
الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ
الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
(وقال سليمان بن حرب) الواشحي (وأبو النعمان) محمد بن
الفضل عارم شيخًا المؤلّف مما وصله الطبراني في الكبير
قالا (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن
أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين أنه (قال: كنت
في حلقة) بسكون اللام وقد تفتح (فيها عبد الرحمن بن
أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي (وكان أصحابه
يعظمونه فذكر) ولأبي ذر فذكروا أي أصحابه
(آخر الأجلين) أي أقصاهما للمتوفى عنها زوجها في العدة
(فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث) الأسلمية (عن عبد
الله بن عتبة) بن مسعود قال الحافظ ابن حجر وساق
الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن زيد بهذا الإسناد
قصة سبيعة بتمامها (قال) ابن سيرين (فضمر لي بعض
أصحابه) بتشديد الميم آخره زاي معجمة ولأبي ذر فضمر
بتخفيف الميم قال ومعناه عض له شفته غمزًا وقال عياض
للقابسي فضمرني بالراء مع التخفيف ولأبي الهيثم فضمزني
بنون وتحتية ساكنة بعد الزاي مخففًا وللأصيلي فضمن
بنون بعد التشديد وللباقين فضمن بكسر الميم مخففة قال
وهذا كله غير مفهوم المعنى وأشبهها رواية أبي الهيثم
بالزاي لكن مع تشديد الميم وزيادة نون بعدها ياء أي
أسكتني يقال ضمز سكت وضمز غيره ولابن السكن فغمض لي
فإن صحّت فمعناها من تغميض عينيه له على المسكوت.
(قال محمد) هو ابن سيرين: (ففطنت له) بكسر الطاء وتفتح
أي لإنكاره (فقلت إني إذًا لجريء إن كذبت على عبد الله
بن عتبة وهو في ناحية الكوفة فاستحيا) مما صدر من
الإشارة إلى الإنكار عليّ (وقال) ابن أبي ليلى: (لكن
عمه) يعني ابن مسعود ولأبي ذر لكن عمه بتخفيف النون
(لم يقل ذاك) قال ابن سيرين (فلقيت) بكسر القاف (أبا
عطية مالك بن عامر) الهمداني الكوفي التابعي (فسألته)
عن ذلك تثبيتًا (فذهب) مالك (يحدّثني حديث سبيعة) مثل
ما حدّث به عبد الله بن عتبة عنها ولأبي ذر بحديث
سبيعة (فقلت) له أي ليستخرج ما عنده في ذلك عن ابن
مسعود لما وقع من التوقف فيما أخبر به ابن أبي ليلى
عنه (هل سمعت عن عبد الله) بن مسعود (فيها شيئًا؟
فقال: كنا عند عبد الله) بن مسعود (فقال أتجعلون عليها
التغليظ) أي طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة
الأشهر (ولا تجعلون عليها الرخصة) إذا وضعت لأقل من
أربعة أشهر وعشر (لنزلت) أي والله لنزلت فهو جواب قسم
محذوف (سورة النساء القصرى) سورة الطلاق (بعد الطولى)
البقرة ({وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن})
[الطلاق: 4] بعد قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة:
234] وهو عام في كل مَن مات عنها زوجها يشمل الحامل
وغيرها وآية سورة الطلاق شاملة للمطلقة والمتوفى عنها
زوجها لكن حديث سبيعة نص بأنها تحلّ بوضع الحمل فكان
فيها بيان المراد بقوله: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرًا} أنه
(7/391)
حق من لم تضع وإلى ذلك أشار ابن مسعود بقوله
إن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة وليس مراده أنها
ناسخة لها بل مراده أنها مخصصة لها فإنها أخرجت منها
بعض متناولاتها.
[66] سورة التَّحْرِيمِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
([66] سورة التَّحْرِيمِ)
مدنية وآيها اثنتا عشرة ولأبي ذر سورة {لِمَ تحرِّم}.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
1 - باب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(باب) وهو ساقط لغير الكشميهني ({يا أيها النبي لم
تحرّم ما أحل الله لك}) [التحريم: 1] من شرب العسل أو
مارية القبطية. قال ابن كثير والصحيح أنه كان في
تحريمه العسل، وقال الخطابي: الأكثر على أن الآية نزلت
في تحريم مارية حين حرمها على نفسه، ورجحه في فتح
الباري بأحاديث عند سعيد بن منصور والضياء في المختارة
والطبراني في عِشْرَة النساء وابن مردويه والنسائي،
ولفظه عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له أمة يطؤها فلم تزل به
حفصة وعائشة -رضي الله عنهما- حتى حرمها فأنزل الله
تعالى: ({يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضاة أزواجك}) حال من فاعل تحرم أي لم تحرم مبتغيًا
به مرضاة أزواجك أو تفسير لتحريم أو مستأنف فهو جواب
للسؤال ومرضاة اسم مصدر وهو الرضا ({والله غفور
رحيم}).
قال في فتوح الغيب: أردفه بقوله غفور رحيم جبرانًا له
ولولا الإرداف به لما قام بصولة ذلك الخطاب على أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ارتكب عظيمة
بل كان ذلك من باب ترك الأولى والامتناع من المباح
وإنما شدد ذلك رفعًا لمحله وربا لمنزلته ألا ترى كيف
صدر الخطاب بذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وقرن بياء البعيد وها التنبيه أي تنبيه
لجلالة شأنك فلا تبتغ مرضاة أزواجك فيما أبيح لك، وسقط
لأبي ذر تبتغي الخ وقال بعد: {أحل الله لك} الآية.
4911 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا
هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-
قَالَ: فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الحديث 4911 - أطرافه في: 5266].
ْوبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد
المعجمة الزهراني قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن
يحيى) بن أبي كثير بالمثلثة (عن ابن حكيم) بفتح الحاء
المهملة وكسر الكاف ولأبي ذر هو يعلى بن حكيم الثقفي
البصري (عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: في الحرام) إذا قال هذا عليّ حرام أو أنت عليّ
حرام (يكفِّر) بكسر الفاء كفارة يمين وعند الشافعي إن
نوى طلاقًا أو ظهارًا وقع المنوي لأن كلاًّ منهما
يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام أو نواهما
معًا أو مرتبًا تخير وثبت ما اختاره منهما ولا يثبتان
جميعًا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه
وإن نوى تحريم عينها أو نحوها كوطئها أو فرجها أو
رأسها أو لم ينوِ شيئًا فلا تحرم عليه لأن الأعيان وما
ألحق بها لا توصف بذلك وعليه كفارة يمين، وكذا إذا قال
لأمته ذلك فإنها تحرم عليه وعليه كفارة يمين أخذًا من
آية الباب.
(وقال ابن عباس: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة}) [الأحزاب: 21] في كفارة اليمين.
4912 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ،
وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ
عَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ
أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ
مَغَافِيرَ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ
عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَلَنْ
أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لاَ تُخْبِرِي بِذَلِكِ
أَحَدًا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم
بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن
يوسف) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي (عن ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح
(عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشرب عسلًا عند)
أم المؤمنين (زينب بنت جحش) ولأبي ذر بنت جحش (ويمكث
عندها فواطأت) بهمزة ساكنة في الفرع. وقال العيني:
هكذا في جميع النسخ أي بترك الهمزة وأصله فواطأت
بالهمزة، وقال في المصابيح لامه همزة إلا أنها أبدلت
هنا ياء على غير قياس ولأبي ذر فتواطأت بزيادة فوقية
قبل الواو مع الهمزة أيضًا مصححًا عليه في الفرع أي
توافقت (أنا وحفصة) أم المؤمنين بنت عمر (عن) ولابن
عساكر والأصيلي على (أيتنا) أي أيّ زوجة منا (دخل
عليها) عليه الصلاة والسلام (فلتقل له أكلت مغافير)
استفهام محذوف الأداة ومغافير بفتح الميم والمعجمة
وبعد الألف فاء جمع مغفور بضم الميم وليس في كلامهم
مفعول بالضم إلا قليلًا
(7/392)
والمغفور صمغ حلو له رائحة كريهة ينضحه شجر
يسمى العرفط بعين مهملة وفاء مضمومتين بينهما راء
ساكنة آخره طاء مهملة وزاد في الطلاق من طريق حجاج عن
ابن جريج فدخل على إحداهما فقالت له: (إني أجد منك ريح
مغافير قال) عليه الصلاة والسلام:
(لا) ما أكلت مغافير وكان يكره الرائحة الكريهة (ولكني
كنت أشرب عسلًا عند زينب ابنة جحش) ولأبي ذر بنت جحش
(فلن أعود له وقد حلفت) على عدم شربه (لا تخبر بذلك
أحدًا) وقد اختلف في التي شرب عندها العسل ففي طريق
عبيد بن عمير السابقة أنه كان عند زينب وعند المؤلّف
من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في الطلاق أنها
حفصة بنت عمر ولفظه قالت: كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب العسل والحلواء وكان
إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن
فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغرت
فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل
فسقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها
شربة فقلت أما والله لنحتالن له فقلت لسودة بنت زمعة
إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي له ما هذه الريح
التي أجد منك؟ الحديث، وفيه: وقولي أنت يا صفية ذاك
وعند ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن
عباس أن شربه كان عند سودة وأن عائشة وحفصة هما اللتان
تظاهرتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير وإن اختلفا
في صاحبة العسل فيحمل على التعدّد أو رواية ابن عمير
أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرين حفصة
وعائشة، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في
المظاهرة بعائشة.
وفي كتاب الهبة عن عائشة أن نساء النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنَّ حزبين أنا وسودة
وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات
في حزب، وهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولذا غارت
عائشة منها لكونها من غير حزبها ويأتي مزيد بحث لفوائد
هذا الحديث إن شاء الله تعالى في الطلاق بعون الله.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق والأيمان
والنذور ومسلم في الطلاق وأبو داود في الأشربة
والنسائي في الأيمان والنذور وعشرة النساء والطلاق
والتفسير.
2 - باب قَوْلِهِ: {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ
وَاللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ}
هذا (باب) بالتنوين أي في (قوله) جل وعلا: ({تبتغي
مرضاة أزواجك}) أي رضاهن ({قد فرض الله لكم}) أي شرع
لكم ({تحلة أيمانكم}) تحليلها بالكفارة وقد كفر عليه
الصلاة والسلام قال مقاتل أعتق رقبة في تحريم مارية
وقال الحسن لم يكفر لأنه مغفور له ({والله مولاكم})
متولي أمركم ({وهو العليم}) بما يصلحكم ({الحكيم})
[التحريم: 2] المتقن في أفعاله وأحكامه وسقط لغير أبي
ذر لفظ باب وقوله {والله مولاكم} الخ.
4913 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ
يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ سَمِعَ
ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ أَنَّهُ
قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا
فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا
بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ
لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ،
ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
أَزْوَاجِهِ، فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ،
قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأُرِيدُ أَنْ
أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا
أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ، قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ مَا
ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي
فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ، قَالَ:
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا
حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ
وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا
فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِي
لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا:
مَالَكِ وَلِمَا هَا هُنَا، فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي
أَمْرٍ أُرِيدُهُ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ
وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَظَلَّ
يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ
رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى
حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ
لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ
غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ إِنَّا
لَنُرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي
أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. يَا بُنَيَّةُ
لاَ يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا
حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا يُرِيدُ عَائِشَةَ
قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ
سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا، فَكَلَّمْتُهَا
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى
تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَزْوَاجِهِ
فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ
بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ. فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا
وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ
أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا
آتِيهِ بِالْخَبَرِ وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ
مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يَسِيرَ إِلَيْنَا فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا
مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ
الْبَابَ فَقَالَ: افْتَحِ افْتَحْ فَقُلْتُ جَاءَ
الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ
اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَزْوَاجَهُ فَقُلْتُ رَغَمَ أَنْفُ
حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ فَأَخَذْتُ ثَوْبِيَ فَأَخْرُجُ
حَتَّى جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ
يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْوَدُ
عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ هَذَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لِي قَالَ عُمَرُ:
فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمَّا
بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ
حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا
مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ،
فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ
فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ»؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ
وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى
أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن
عمرو الأويسي القرشي العامري المدني الأعرج قال:
(حدّثنا سليمان بن بلال) المدني (عن يحيى) بن سعيد
الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء مصغرين
مولى زيد بن الخطاب (أنه سمع ابن عباس -رضي الله
عنهما- يحدث أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن
الخطاب) -رضي الله عنه- (عن آية فما أستطيع أن أسأله
هيبة له) أي لأجل الهيبة الحاصلة له (حتى خرج حاجًّا
فخرجت معه فلما رجعت) ولأبي ذر رجعنا (وكنا ببعض
الطريق) وهو مرّ الظهران (عدل) عن الطريق المسلوكة
الجادة منتهيًا (إلى) شجر (الأراك لحاجة له) كناية عن
التبرّز (قال فوقفت له حتى فرغ) من حاجته (ثم سرت معه
فقلت له يا أمير المؤمنين مَن اللتان تظاهرتا) أي
تعاونتا (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من أزواجه) لإفراط غيرتهما حتى حرم على
نفسه ما حرم (فقال: تلك حفصة وعائشة قال: فقلت: والله
إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هية
لك. قال: فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فاسألني)
عنه (فإن كان لي علم خبرتك به) بتشديد الموحدة من
خبرتك (قال: ثم قال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما
نعدّ للنساء أمرًا) أي شأنًا بحيث يدخلن المثورة
(7/393)
قال الكرماني فإن قلت: إن ليست مخففة من
الثقيلة لعدم اللام ولا نافية وإلا لزم أن يكون العدّ
ثابتًا لأن نفي النفي إثبات وأجاب بأن ما تأكيد للنفي
المستفاد منها (حتى أنزل الله فيهن ما أنزل) نحو قوله
تعالى: {وعاشروهن
بالمعروف} [النساء: 19] (وقسم لهن ما قسم) نحو {وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] (قال: فبينا)
بغير ميم (أنا في أمر أتأمره) أتفكّر فيه (إذ قالت
امرأتي لو صنعت كذا وكذا قال: فقلت لها: ما لك ولما ها
هنا فيما) ولأبي ذر عن الكشميهني وفيم بواو من غير ألف
وله عن الحموي والمستملي وما (تكلفك في أمر أريده
فقالت لي عجبًا لك يا ابن الخطاب) من مقالتك هذه (ما
تريد أن تراجع أنت) بفتح الجيم أي ترادد في الكلام
(وإن ابنتك) تريد حفصة (لتراجع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يظل يومه غضبان) غير
مصروف (فقام عمر فأخذ رداءه مكانه) ثم نزل (حتى دخل
على حفصة) ابنته وبدأ بها لمنزلتها منه (فقال لها: يا
بنية إنك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان) وفي
رواية عبيد الله بن أبي ثور عند المؤلّف في باب الغرفة
والعلية من المظالم فقلت أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليوم حتى
الليل (فقالت حفصة: والله إنّا لنراجعه) لنرادده في
الكلام (فقلت: تعلمين إني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا بنية لا
يغرّنك هذه التي أعجبها حسنها) بالرفع على الفاعلية
(حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إياها يريد عائشة) برفع حب بدل اشتمال من الفاعل وهو
هذه والتي نعت.
ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم أعجبها حسنها
وحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إياها بواو العطف فحمل بعضهم رواية الباب على أنها من
باب حذف حرف العطف لثبوته في رواية مسلم وهو يردّ على
تخصيص حذف حرف الجر بالشعر وضبطه بعضهم بالنصب على نزع
الخافض.
قال في المصابيح: يريد أنه مفعول لأجله والأصل لحب
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم
حذفت اللام فانتصب على أنه مفعول له ولا نزاع في جوازه
والمعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا
يؤاخذها بذلك فإنها تدل بحسنها وبحب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها فلا تغتري أنت بذلك
لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك
من الإدلال مثل الذي لها وعند ابن سعد في رواية أخرى
أنه ليس لك مثل حظوة عائشة ولا حسن زينب بنت جحش.
(قال) عمر (ثم خرجت) من عند حفصة (حتى دخلت على أم
سلمة لقرابتي منها) لأن أم عمر كانت مخزومية كأم سلمة
وهي بنت عم أمه (فكلمتها) في ذلك (فقالت: أم سلمة
عجبًا لك يا ابن الخطاب في كل شيء) من أمور الناس
غالبًا (حتى تبتغي) أي تطلب (أن تدخل بين رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأزواجه فأخذتني)
منعتني أم سلمة بكلامها (والله أخذًا كسرتني) به (عن
بعض ما كنت أجد) من الغضب (فخرجت من عندها وكان لي
صاحب من الأنصار) هو أوس بن خولى كما نقله ابن بشكوال
وقيل هو عتبان بن مالك (إذا غبت) عن مجلس رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أتاني بالخبر)
من الوحي وغيره (وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر) من
الوحي وغيره (ونحن نتخوّف ملكًا من ملوك غسان) بفتح
المعجمة وتشديد المهملة غير منصرف وهو جبلة بن الأيهم
رواه الطبراني عن ابن عباس أو الحارث بن أبي شمر (ذكر
لنا أنه يريد أن يسير إلينا) ليغزونا (فقد امتلأت
صدورنا منه) خوفًا (فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب)
وفي النكاح فرجع إلينا عشاء (فضرب بابي) ضربًا
شديدًا (فقال افتح افتح) مرتين للتأكيد فخرجت إليه
فقال حدث اليوم أمر عظيم (فقلت: جاء الغساني؟ فقال)
لا: (بل أشد من ذلك) أي بالنسبة إلى عمر لمكان حفصة
بنته (اعتزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أزواجه) وفي باب موعظة الرجل ابنته طلق
رسول الله نساءه وإنما وقع الجزم
(7/394)
بالطلاق لمخالفة العادة بالاعتزال فظن الطلاق
(فقلت: رغم أنف حفصة) بكسر الغين المعجمة وفتحها أي
لصق بالرغام وهو التراب ولأبي ذر رغم الله أنف حفصة
(وعائشة) وخضهما بالذكر لكونهما كانتا السبب في ذلك
(فأخذت ثوبي) بكسر الموحدة (فأخرج) من منزلي (حتى جئت
فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في مشربة له) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء أي
غرفة وفي المظالم والنكاح فجمعت عليّ ثيابي فصليت صلاة
الفجر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فدخل مشربة له (يرقى) بفتح الياء أو بضمها مبنيًّا
للمفعول أي يصعد (عليها بعجلة) بفتح العين المهملة
والجيم بدرجة (وغلام لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسود) هو رباح (على رأس الدرجة)
قاعد (فقلت له: قل) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا عمر بن الخطاب) يستأذن في
الدخول فدخل الغلام واستأذنه عليه الصلاة والسلام
(فأذن لي. قال عمر: فقصصت) لما دخلت (على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الحديث، فلما
بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ضحك بلا صوت (وإنه لعلى حصير ما
بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن
عند رجليه) بالتثنية (قرظًا) بقاف وراء فظاء معجمة
مفتوحات ورق السلم الذي يدبغ به (مصبوبًا) أي مسكوبًا
ولأبي ذر مصبورًا بالراء بدل الموحدة أي مجموعًا من
الصبرة وهي الكوم من الطعام (وعند رأسه أهب معلقة)
بفتح الهمزة والهاء وبضمهما جمع إهاب جلد دبغ أم لم
يدبغ أو قبل أن يدبغ (فرأيت أثر الحصير في جنبه) عليه
الصلاة والسلام (فبكيت) لذلك (فقال):
(ما يبكيك) يا ابن الخطاب (فقلت يا رسول الله إن كسرى
وقيصر فيما هما فيه) من زينة الدنيا ونعيمها (وأنت
رسول الله) المستحق لذلك لا هما (فقال) عليه الصلاة
والسلام (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا) الفانية
كزينتها ونعيمها (ولنا الآخرة) الباقية ولهم بضمير
الجمع على إرادتهما ومن تعبهما أو كان على مثل حالهما.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وفي خبر الواحد
واللباس ومسلم في الطلاق.
3 - باب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ
حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ
اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ
بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ
أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ} [التحريم: 3] النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(بسم الله الرحمن الرحيم).
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وإذ أسرّ
النبي}) العامل فيه اذكر فهو مفعول به لا ظرف ({إلى
بعض أزواجه}) حفصة ({حديثًا}) تحريم العسل أو مارية
({فلما نبأت به})
فلما أخبرت حفصة عائشة ظنًّا منها أن لا حرج في ذلك
({وأظهره الله}) أطلعه ({عليه عرف بعضه}) لحفصة على
سبيل العتب ({وأعرض عن بعض}) تكرمًا منه وحلمًا ({فلما
نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير})
[التحريم: 3] وثبت لأبي ذر باب إلى قوله حديثًا وقال
بعدهُ إلى الخبير وأصل نبأ وأنبأ وأخبر وخبر أن تتعدى
إلى اثنين إلى الأول بنفسها والثاني بحرف الجر وقد
يحذف الأول للدلالة عليه، وقد جاءت الاستعمالات الثلاث
في هذه الآيات فقوله:
فلما نبأت به تعدى لاثنين حذف أوّلهما والثاني مجرور
بالباء أي نبأت به غيرها، وقوله: فلما نبأها به
ذكرهما، وقوله: من أنباك هذا ذكرهما وحذف الجار وسقط
لفظ باب لغير أبي ذر إلى آخر حديثًا (فيه) أي في هذا
الباب (عائشة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) كما سبق في الباب الذي قبل من طريق عبيد
بن عمير.
4914 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ
أَسْأَلَ عُمَرَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَمَا أَتْمَمْتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَ: عَائِشَةُ
وَحَفْصَةُ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا
سفيان) هو ابن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد)
الأنصاري (قال: سمعت عبيد بن حنين) بتصغيرهما (قال:
سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أردت أن أسأل
عمر) زاد أبو ذر ابن الخطاب (-رضي الله عنه-) عن آية
فمكثت سنة لا أستطيع أن أسأله هيبة له فحججت معه فلما
رجعنا (فقلت) له (يا أمير المؤمنين مَن المرأتان
اللتان تظاهرتا) تعاونتا (على رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى حرم على نفسه ما حرم
(فما أتممت كلامي حتى قال): هما (عائشة وحفصة) الحديث
المسوق قبل بتمامه واختصره هنا.
4 - باب قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ
فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}: صَغَوْتُ وَأَصْغَيْتُ
مِلْتُ، لِتَصْغَى لِتَمِيلَ. {وَإِنْ تَظَاهَرَا
عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ
ذَلِكَ ظَهِيرٌ} عَوْنٌ: تَظَاهَرُونَ تَعَاوَنُونَ.
{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}: وَقَالَ مُجَاهِدٌ
أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى
اللَّهِ وَأَدِّبُوهُمْ
(باب قوله: {إن تتوبا}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في
قوله: {إن تتوبا} ({إلى الله}) خطاب لحفصة وعائشة
وجواب الشرط ({فقد صغت
(7/395)
قلوبكما}) أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة
وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة الرسول بحب ما
يحبه وكراهة ما يكرهه يقال: (صغوت) بالواو (وأصغيت)
بالياء أي (ملت) فالأوّل ثلاثي والثاني مزيد فيه
(لتصغى) في قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون
بالآخرة} [الأنعام: 113] أي (لتميل) أو جواب الشرط
محذوف تقديره فذاك واجب عليكما أو فتاب الله عليكما
وأطلق قلوب على قلبين لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما
هو كالكلمة الواحدة، واختلف في ذلك والأحسن الجمع ثم
الإفراد ثم التثنية.
وقال ابن عصفور لا يجوز الإفراد إلا في الضرورة ({وإن
تظاهرا عليه}) بما يسوءه ({فإن الله هو مولاه}) ناصره
وهو يجوز أن يكون فصلًا ومولاه الخبر وأن يكون مبتدأ
ومولاه خبره والجملة خبران ({وجبريل}) رئيس الكروبيين
({وصالح المؤمنين}) أبو بكر وعمر وصالح مفرد لأنه كتب
بالحاء دون واو الجمع وجوّزوا أن يكون جمعًا بالواو
والنون حذفت النون للإضافة وكتب بلا واو اعتبارًا
بلفظه لأن الواو سقطت للساكنين كيدع الداع ({والملائكة
بعد ذلك ظهير}) [التحريم: 4] أي ({عون} تظاهرون) أي
(تعاونون) وقوله وجبريل عطف على على اسم إن بعد
استكمال خبرها وحينئذٍ فجبريل وتاليه داخلان في ولاية
الرسول عليه الصلاة والسلام وجبريل ظهير له لدخوله في
عموم الملائكة والملائكة مبتدأ خبره ظهير ويجوز أن
يكون الكلام تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتدأ وما
بعده عطف عليه وظهير خبره فتختص الولاية بالله ويكون
جبريل قد ذكر في المعاونة مرتين مرة بالتنصيص ومرة في
العموم وهو عكس قوله: {من كان عدوًّا لله وملائكته
ورسله وجبريل [البقرة: 98] فإنه ذكر الخاص بعد العام
تشريفًا له وهنا ذكر العام بعد الخاص ولم يذكر الناس
إلا الأول قاله في الدرّ وسقط لأبي ذر من قوله صغوت
إلى آخر قوله بعد ذلك ولغيره لفظ باب.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({قوا
أنفسكم وأهليكم}) [التحريم: 6] أي (أوصوا أنفسكم) بفتح
الهمزة وسكون الواو بعدها صاد مهملة من الإيصاء
(وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم) ولغير أبي ذر أوصوا
أهليكم بتقوى الله وأدّبوهم.
4915 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ
ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ
عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَمَكُثْتُ سَنَةً فَلَمْ أَجِدْ لَهُ
مَوْضِعًا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا فَلَمَّا
كُنَّا بِظَهْرَانَ ذَهَبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ
فَقَالَ: أَدْرِكْنِي بِالْوَضُوءِ فَأَدْرَكْتُهُ
بِالإِدَاوَةِ فَجَعَلْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ
وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ
تَظَاهَرَتَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا أَتْمَمْتُ
كَلاَمِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ.
قَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ
يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ
مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ
سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي
قال. (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد) الأنصاري (قال: سمعت عبيد بن حنين) بتصغيرهما
(يقول سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: أردت)
ولأبي ذر كنت أريد (أن أسأل عمر) بن الخطاب -رضي الله
عنه- (عن المرأتين اللتين تظاهرتا) تعاونتا (على رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي
ذر ما بعد تظاهرتا
(فمكثت سنة فلم أجد له) أي للسؤال (موضعًا حتى خرجت
معه حاجًّا فلما كنا بظهران) بفتح المعجمة وسكون الهاء
وبالراء والنون بقعة بين مكة والمدينة غير منصرف حين
رجعنا (ذهب عمر لحاجته) كناية عن التبرّز (فقال:
أدركني بالوضوء) بفتح الواو أي بالماء (فأدركته
بالإداوة) بكسر الهمزة المطهرة (فجعلت أسكب عليه) زاد
أبو ذر عن الكشميهني الماء أي للوضوء (ورأيت موضعًا)
للسؤال (فقلت: يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان
تظاهرتا) على رسول الله من أزواجه (قال ابن عباس فما
أتممت كلامي حتى قال) عمر: هما (عائشة وحفصة) وساق
بقية الحديث واختصره هنا للعلم به من سابقه.
(قوله: {عسى}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله تعالى:
عسى ({ربه إن طلقكن}) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ({أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن}) خبر عسى
وطلقكن شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو
متقدم أي إن طلقكن فعسى وعسى من الله واجب ولم يقع
التبديل لعدم وقوع الشرط ({مسلمات}) مقرّات بالإسلام
({مؤمنات}) مخلصات ({قانتات}) طائعات ({تائبات}) من
الذنوب ({عابدات}) متعبدات أو متذللات لأمر الرسول
عليه الصلاة والسلام ({سائحات}) صائمات أو مهاجرات
({ثيبات}) جمع ثيب من تزوّجت ثم بانت ({وأبكارًا})
[التحريم: 5] أي عذارى وقوله مسلمات الخ إما نعت أو
حال أو منصوب على
(7/396)
الاختصاص والثيب وزنها فعل من ثاب يثوب رجع
لأنها ثابت بعد زوال عذرتها وأصلها ثيوب كسيد وميت
أصلهما سيود وميوت فأعل الإعلال المشهور، وقال
الزمخشري في كشافه وأخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط
بين الثيبات والأبكار لأنهما صفتان متنافيتان لا
يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بدٌّ من
الواو. اهـ.
وذهب القاضي الفاضل إلى أن هذه الواو واو الثمانية
وتبجح باستخراجها وزيادتها على المواضع الثلاثة
الواقعة في القرآن وهي {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم
ويقولن خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة
ثامنهم كلبهم} [الكهف: 22] وآية الزمر إذ قيل فتحت في
آية النار لأن أبوابها سبعة وفتحت في آية الجنة إذ
أبوابها ثمانية وقوله: {والناهون عن المنكر} [التوبة:
112] فإنه لوصف الثامن.
قال ابن هشام: والصواب أن هذه الواو وقعت بين صفتين
هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة فلا يصح
إسقاطها إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة وواو الثمانية
عند القائل بها صالحة للسقوط ثم إن أبكارًا صفة تاسعة
لا ثامنة إذ أول الصفات خيرًا منكنّ لا مسلمات فإن
أجاب: بأن مسلمات وما بعده تفصيل لخيرًا منكنّ، فلهذا
لم تعدّ قسمة لها قلنا وكذلك ثيبات وأبكارًا تفصيل
للصفات السابقة فلا نعدهما معهن.
وفي معجم الطبراني الكبير عن بريدة قال: وعد الله نبيه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الآية أن
يزوّجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت
عمران وبدأ بالثيب قبل البكر لأن زمن آسية قبل مريم،
أو
لأن أزواجه عليه الصلاة والسلام كلهم ثيب إلا عائشة.
قيل: وأفضلهن خديجة فالتقديم من جهة قبلية الفضل
وقبلية الزمان لأنه تزوّج الثيب منهن قبل البكر.
وفي حديث ضعيف عند ابن عساكر عن ابن عباس أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على خديجة
وهي في الموت فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك
فأقرئيهن مني السلام" فقالت: يا رسول الله وهل تزوّجت
قبلي؟ قال: "لا ولكن الله زوّجني مريم بنت عمران وآسية
امرأة فرعون وكلثم أخت موسى". وروي نحوه بإسناد ضعيف
من حديث أبي أمامة عند أبي يعلى وسقط لأبي ذر قوله
مسلمات الخ. وقال بعد منكنّ الآية.
4916 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ -رضي الله
عنه- قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: اجْتَمَعَ نِسَاءُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى
رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ
أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما
الواسطي نزيل البصرة قال: (حدّثنا هشيم) بن بشير
مصغرين (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- اجتمع نساء
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة
عليه) بفتح الغين المعجمة (فقلت لهن) رضوان الله
عليهن: ({عسى ربه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا
منكنّ} فنزلت هذه الآية) ولأبي ذر عن الكشميهني فقلت
له أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
قال في الكشاف فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيرًا منهن
ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟
وأجاب: بأنه عليه الصلاة والسلام إذا طلقهن لعصيانهن
له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن
من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنزول على هواه
ورضاه خيرًا منهن، وقال في الأنوار: وليس في الآية ما
يدل على أنه لم يطلق حفصة لأن تعليق طلاق الكل لا
ينافي تطليق واحدة.
وهذا الحديث سبق بتمامه في باب ما جاء في القبلة من
كتاب الصلاة.
[67] سورة {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ}
التَّفَاوُتُ: الاِخْتِلاَفُ، وَالتَّفَاوُتُ
وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ}: تَقَطَّعُ.
{مَنَاكِبِهَا}: جَوَانِبِهَا. {تَدَّعُونَ}:
وَتَدْعُونَ مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ.
وَيَقْبِضْنَ: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ صَافَّاتٍ: بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ.
{وَنُفُورٍ}: الْكُفُورُ.
([67] سورة {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ})
مكية وآيها ثلاثون ولغير أبي ذر سورة الملك وقوله
({تبارك}) أي تنزه عن صفات المحدثين و ({الذي بيده
الملك}) [الملك: 1] بقبضة قدرته التصرف في الأمور
كلها.
(التفاوت) قال الفراء (الاختلاف والتفاوت) بالألف
والتخفيف (والتفوّت) بغير ألف والتشديد وبها قرأ حمزة
والكسائي (واحد) في المعنى كالتعهد والتعاهد.
({تميز}) أي (تقطع) من الغيظ قال في الأنوار وهو تمثيل
لشدة اشتعالها بهم
(7/397)
ويجوز أن يراد غيظ الزبانية ({مناكبها}) في
قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها} [الملك: 15] أي
(جوانبها).
قال في فتوح الغيب قوله: مناكبها استعارة تمثيلية أو
تحقيقية لأن القصد الأرض أما ناحيتها أو جبالها فنسبة
الذلول إليها ترشيح ونسبة المشي تجريد. قال الراغب:
المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف ومنه استعير للأرض
المنكب في قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها} كما استعير
لها الظهر في قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا
ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر: 45].
({تدعون}) بالتشديد في قوله تعالى: {وقيل هذا الذي نتم
به تدعون} [الملك: 27] (وتدعون) بسكون الدال مخففًا
وهي قراءة يعقوب زاد أبو ذر واحد (مثل تذكرون)
بالتشديد (وتذكرون) بالتخفيف وقيل التشديد من الدعوى
أي تدعون أنه لا جنة ولا نار وقيل من الدعاء أي
تطلبونه وتستعجلونه وعلى التخفيف قيل إن الكفار كانوا
يدعون على الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه -رضي
الله عنهم- بالهلاك.
(ويقبضن) أي (يضربن بأجنحتهن. وقال مجاهد) فيما وصله
الفريابي في قوله: (صافات) هو (بسط أجنحتهن) وسقط قوله
ويقبضن إلى هنا لأبي ذر.
({ونفور}) في قوله تعالى: {بل لجوا في عتوّ ونفور}
[الملك: 21] قال مجاهد هو (الكفور) فيما وصله عبد بن
حميد.
[68] سورة ن الْقَلَمِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يَتَخَافَتُونَ: يَنْتَجُونَ السِّرَارَ
وَالكَلاَمَ الخَفِيَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: حَرْدٍ
جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
لَضَالُّونَ أَضْلَلْنَا. مَكَانَ جَنَّتِنَا. وَقَالَ
غَيْرُهُ {كَالصَّرِيمِ}: كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ
اللَّيْلِ وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ،
وَهْوَ أَيْضًا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ
مُعْظَمِ الرَّمْلِ. وَالصَّرِيمُ أَيْضًا
الْمَصْرُومُ مِثْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ.
([68] سورة ن الْقَلَمِ)
مكية وآيها ثنتان وخمسون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) وسقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر ونون من أسماء الحروف، وقيل اسم الحوت. وروى
أبو جعفر عن ابن عباس أول ما خلق الله القلم قال: اكتب
القدر فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، ثم
خلق النون ورفع بخار الماء ففتقت منه السماء
وبسطت الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض،
وكذا رواه ابن أبي حاتم، وذكر البغوي وغيره أن على ظهر
هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السماوات والأرض وعلى ظهرها
ثور له أربعون ألف قرن وعلى متنه الأرضون السبع وما
فيهن وما بينهن فالله أعلم، والقلم هو الذي خط اللوح
أو الذي يخط به وأقسم به لكثرة فوائده وجواب القسم
الجملة المنفية.
(وقال ابن عباس يتخافتون) من قوله فانطلقوا وهم
يتخافتون أي (ينتجون) بفتح التحتية وسكون النون وفتح
الفوقية بعدها جيم (السرار والكلام الخفي) وسقط هذا
لغير أبي ذر (وقال قتادة حرد) بالجر ولأبي ذر بالرفع
أي في قوله تعالى: {وغدوا على حرد قادرين} [القلم: 25]
أي (جد) بكسر الجيم (في أنفسهم) وقيل الحرد الغضب
والحنق وقيل: المنع من حاردت الإبل انقطع لبنها والسنة
قلّ مطرها قاله أبو عبيدة وقادرين حال من فاعل غدوا
وعلى حرد متعلق به.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (الضالون) أي
(اضللنا مكان جنتنا) فتُهنا عنها ثم لما رجعوا عما
كانوا فيه وتيقنوا أنها هي قالوا بل نحن محرومون أي بل
هي هذه ولكن لا حظ لنا ولا نصيب.
(وقال غيره) أي غير ابن عباس ({كالصريم}) في قوله
تعالى: {فأصبحت كالصريم} [القلم: 20] أي (كالصبح
انصرم) انقطع (من الليل والليل انصرم) انقطع (من
النهار) فالصريم يطلق على الليل لسواده وعلى النهار
وعلى الصبح فهو من الأضداد، وقال شمر: الصريم الليل
والنهار لانصرام هذا عن ذاك وذاك عن هذا (وهو أيضًا كل
رملة انصرمت) انقطعت (من معظم الرمل والصريم أيضًا
المصروم مثل قتيل ومقتول) فعيل بمعنى مفعول وفي
التفسير أي كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه
شيء أو كالليل باحتراقها واسودادها أو كالنهار
بابيضاضها من فرط اليبس هذا.
1 - باب {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}
(باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({عتل}) غليظ جاف
({بعد ذلك زنيم}) [القلم: 13] أي دعيّ ينسب إلى قوم
ليس منهم مأخوذ من زنمتي الشاة وهما المتدليتان من
أُذنها وحلقها فاستعير للدعي لأنه كالمعلق بما ليس منه
وسقط باب لغير أبي ذر.
4917 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-،
{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}، قَالَ رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ: لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمود)
هو ابن غيلان العدوي مولاهم المروزي ولأبي ذر عن
المستملي محمد قال
(7/398)
الحافظ ابن حجر وكأنه الذهلي قال: (حدّثنا
عبيد الله بن موسى)
بضم العين مصغرًا العبسي مولاهم الكوفي وهو شيخ
المؤلّف روى عنه بالواسطة وسقط لغير أبي ذر ابن موسى
(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي
حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم
الأسدي (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) في قوله تعالى: ({عتل بعد ذلك زنيم} قال): هو
(رجل من قريش) قيل هو الوليد بن المغيرة وقيل أسود بن
عبد يغوث وقيل الأخنس بن شريق وليس هو عبد الرحمن بن
الأسود فإنه يصغر عن ذلك (له زنمة) في عنقه (مثل زنمة
الشاة) يعرف بها وقيل كان للوليد بن المغيرة ستة أصابع
في كل يد أصبع زائدة.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير وعند ابن جرير
عن سعيد بن جبير الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف
الشاة بزنمتها والزنيم الملصق وقال الضحاك كانت له
زنمة في أصل أذنه مثل زنمة الشاة.
4918 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ
حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ،
كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى
اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ
النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».
[الحديث 4918 - أطرافه في: 6071، 6657].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن معبد بن خالد) بفتح الميم
وسكون المهملة وفتح الموحدة الكوفي الجدلي بفتح الجيم
والمهملة وتخفيف اللام (قال: سمعت حارثة بن وهب
الخزاعي قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف) بكسر العين في
الفرع كالأصل اليونيني أي متواضع خامل وبفتحها ضبطه
الدمياطي وقال النووي إنه رواية الأكثرين وغلط ابن
الجوزي من كسر أي يستضعفه الناس ويحتقرونه وعند أحمد
من حديث حذيفة الضعيف المتضعف ذو الطمرين لا يؤبه له
(لو أقسم على الله لأبرّه) أي لو حلف يمينًا طمعًا في
كرم الله بإبراره أو لو دعاه لأجابه (ألا أخبركم بأهل
النار كل عتلّ) فظ غليظ أو شديد الخصومة أو الفاحش
الآثم أو الغليظ العنيف أو المجموع المنوع أو القصير
البطن (جوّاظ مستكبر) بفتح الجيم والواو المشددة آخره
ظاء معجمة الكثير اللحم المختال في مشيته وقيل الفاجر
وقيل الأكول والمراد كما قاله الكرماني وغيره أن أغلب
أهل الجنة هؤلاء كما أن أغلب أهل النار القسم الآخر
وليس المراد الاستيعاب في الطرفين.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والنذور ومسلم في
صفة الجنة والترمذي في صفة جهنم أعاذنا الله منها
بمنّه وكرمه والنسائي في التفسير وابن ماجة في الزهد.
2 - باب {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يوم يكشف عن
ساق}) [القلم: 42] هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة
للحساب والجزاء يقال كشفت الحرب عن ساق إذا اشتد الأمر
فيها فهو كناية إذ لا كشف ولا ساق وسقط لفظ باب لغير
أبي ذر.
4919 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ،
فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ،
وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِياءً
وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ
طَبَقًا وَاحِدًا».
وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن خالد بن يزيد) من الزيادة
السكسكي الجمحي الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال)
الليثي المدني (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب
(عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري
الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يكشف ربنا عن
ساقه) في حديث أبي موسى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: عن نور عظيم رواه أبو
يعلى بسند فيه ضعف وعن قتادة فيما رواه عبد الرزاق عن
شدّة أمر وعن ابن عباس عند الحاكم قال هو يوم كرب
وشدّة وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص بن ميسرة عن زيد
بن أسلم يكشف عن ساق قال الإسماعيلي هذه أصح لموافقتها
لفظ القرآن والله تعالى يتعالى عن شبه المخلوقين
(فيسجد له) تعالى (كل مؤمن ومؤمنة) متلذذين لا على
سبيل التكليف (ويبقى من) ولأبي ذر فيبقى كل من (كان
يسجد في الدنيا رياء) ليراه الناس (وسمعة) ليسمعوه
(فيذهب ليسجد) ولأبي ذر يسجد (فيعود ظهره طبقًا
واحدًا) بفتح الطاء المهملة والموحدة لا ينثني للسجود
ولا ينحني له قال الهروي يصير فقارة واحدة كالصفيحة
فلا يقدر على السجود.
ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في حديث الشفاعة
بعون الله ومنّه.
(7/399)
[69] سورة الْحَاقَّةِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {عِيشَةٍ
رَاضِيَةٍ}: يُرِيدُ فِيهَا الرِّضَا. {الْقَاضِيَةَ}:
الْمَوْتَةَ الأُولَى الَّتِي مُتُّهَا ثُمَّ أُحْيَا
بَعْدَهَا. {مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}: أَحَدٌ
يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {الْوَتِينَ}: نِيَاطُ الْقَلْبِ. قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ {طَغَى}: كَثُرَ وَيُقَالُ
بِالطَّاغِيَةِ بِطُغْيَانِهِمْ وَيُقَالُ طَغَتْ
عَلَى الْخَزَّانِ كَمَا طَغَى الْمَاءُ عَلَى قَوْمِ
نُوحٍ.
([69] سورة الحاقة)
مكية وآيها إحدى وخمسون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر.
({عيشة راضية}: يريد فيها الرضا).
ولأبي ذر والنسفيّ وقال سعيد بن جبير عيشة الخ.
({القاضية}) ولأبي ذر القاضية (الموتة الأولى التي
متّها ثم أحيا) ولأبي ذر لم أحي (بعدها) قاله: الفراء
ورواية أبي ذر أوجه إذ مراده أنها تكون القاطعة لحياته
فلا يبعث بعدها.
({من أحد عنه حاجزين}) [الحاقة: 47] قال الفراء: (أحد
يكون للجمع وللواحد) ولأبي ذر للجميع والواحد ومراده
أن أحدًا في سياق النفي بمعنى الجمع فلذا قال حاجزين
بصيغة الجمع وضمير عنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({الوتين}:
نياط القلب) وهو عرق متصل به إذا انقطع مات صاحبه.
(قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({طغى}) أي
(كثر) الماء حتى علا فوق الجبال وغيرها زمن الطوفان
خمسة عشر ذراعًا. (ويقال بالطاغية) أي (بطغيانهم) قاله
أبو عبيدة وزاد وكفرهم (ويقال: طغت) أي الريح (على
الخزان) بضم الخاء وفي اليونينية بفتحها فخرجت بلا ضبط
فأهلكت ثمود (كما طغى الماء على قوم نوح) عليه السلام.
[70] سورة {سَأَلَ سَائِلٌ}
الْفَصِيلَةُ: أَصْغَرُ آبَائِهِ الْقُرْبَى إِلَيْهِ
يَنْتَمِي مَنِ انْتَمَى. {لِلشَّوَى}: الْيَدَانِ
وَالرِّجْلاَنِ وَالأَطْرَافُ وَجِلْدَةُ الرَّأْسِ
يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْتَلٍ
فَهُوَ شَوًى. وَالْعِزُونَ: الْجَمَاعَاتُ
وَوَاحِدُهَا عِزَةٌ.
([70] سورة {سَأَلَ سَائِلٌ})
مكية وآيها أربع وأربعون (الفصيلة) ولأبي ذر والفصيلة
(أصغر آبائه القربى) الذي فصل عنه (إليه ينتمي من
انتمى) قاله الفراء. وفي نسخة وهي لأبي ذر ينتهي
بالهاء بدل ينتمي بالميم، وسقط لأبي ذر قوله من انتمى.
({للشوى}) أي (اليدان والرجلان والأطراف وجلدة الرأس
يقال لها شواة) وقيل الشوى جلد الإنسان (وما كان غير
مقتل فهو شوى) قاله الفراء (والعزون الجماعات) ولأبي
ذر عزين وله أيضًا العزون حلق بكسر الحاء المهملة وفتح
اللام وجماعات وله أيضًا الحلق والجماعات (وواحدها)
ولأبي ذر واحدتها (عزة) وكانوا يتحلقون حلقًا ويقولون
استهزاء بالمسلمين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها
قبلهم.
[71] سورة {إِنَّا أَرْسَلْنَا}
أَطْوَارًا طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا يُقَالُ
عَدَا طَوْرَهُ أَيْ قَدْرَهُ. وَالْكُبَّارُ أَشَدُّ
مِنَ الْكُبَارِ وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ
لأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً وَكُبَّارٌ الْكَبِيرُ
وَكُبَارًا أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ وَالْعَرَبُ
تَقُولُ رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ وَحُسَانٌ
مُخَفَّفٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ. دَيَّارًا مِنْ دَوْرٍ
وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ كَمَا قَرَأَ
عُمَرُ الْحَيُّ الْقَيَّامُ وَهْيَ مِنْ قُمْتُ
وَقَالَ غَيْرُهُ {دَيَّارًا}: أَحَدًا. {تَبَارًا}:
هَلاَكًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مِدْرَارًا}:
يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. {وَقَارًا}: عَظَمَةً.
([71] سورة {إِنَّا أَرْسَلْنَا})
مكية وآيها تسع أو ثمان وعشرون ولأبي ذر سورة نوح.
(أطوارًا) أي (طورًا كذا وطورًا كذا) وقال قتادة فيما
رواه عبد الرزاق أطوارًا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم
خلفًا والنصب على الحال أي منتقلين من حال إلى حال أو
مختلفين من بين مسيء ومحسن وصالح وطالح (يقال عدا طوره
أي قدره) أي تجاوزه.
(والكبار) بتشديد الموحدة (أشد) أي أبلغ في المعنى (من
الكبار) بتخفيفها (وكذلك جمال) بضم الجيم وتشديد الميم
(وجميل) المخفف (لأنها) يعني المشددة (أشد مبالغة) من
المخففة (وكبارًا) ولأبي ذر وكذلك كبار (الكبير وكبار
أيضًا بالتخفيف) فيهما وسقط وكبار أيضًا لأبي ذر
(والعرب تقول رجل حسان وجمال) بضم أولهما وتشديد
ثانيهما (وحسان مخفف وجمال مخفف) قاله أبو عبيدة.
(ديارًا) مشتق (من دور) بفتح الدال وسكون الواو (ولكنه
فيعال) بفتح الفاء وسكون التحتية (من الدوران) لأن
أصله ديوار فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء
ولو كان فعالًا بتشديد العين لكان دوّارًا (كما قرأ
عمر) بن الخطاب (الحي القيام وهي من قمت) لأن أصله
قيوام فلا يقال وزنهُ فعال بل فيعال كما في الديار
(وقال غيره) لم يتقدم ذكر أحد فيعطف عليه ولعله سقط من
ناسخ (ديارًا أحدًا) قاله أبو عبيدة (تبارًا هلاكًا)
قاله أبو عبيدة أيضًا.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (مدرارًا يتبع
بعضها) ولأبي ذر بعضه (بعضًا).
(وقارًا) أي (عظمة) قاله ابن عباس أيضًا فيما وصله
سعيد بن منصور وابن أبي حاتم.
(7/400)
1 - باب {وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ
وَيَعُوقَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ودًّا ولا
سواعًا ولا يغوث ويعوق}) [نوح: 23] ضم واو ودًّا نافع
وفتحها غيره ونون يغوثًا ويعوقًا المطوعي للتناسب ومنع
صرفهما الباقون للعلمية والمعجمة أو للعلمية والوزن إن
كانا عربيين وثبت الباب وتأليه لأبي ذر.
4920 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ
عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-:
صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ
فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ
بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ
لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ،
ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَأ.
وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ. وَأَمَّا
نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلاَعِ،
أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ.
فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى
قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ
الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا
بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا. فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى
إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ
عُبِدَتْ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني الإفراد (إبراهيم
بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو
ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريح) عبد الملك بن عبد
العزيز (وقال عطاء) هو الخراساني وهو معطوف على محذوف
بينه الفاكهاني من وجه آخر عن ابن جريج قال في قوله
تعالى: {ودًّا ولا سواعًا} [نوح: 23] الآية. قال أوثان
كان قوم نوح يعبدونها وقال عطاء (عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس وابن جريج
لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني إنما أخذ الكتاب من
ابنه عثمان فنظر فيه لكن البخاري ما أخرجه إلا أنه من
رواية عطاء بن أبي رباح لأن الخراساني ليس على شرطه
ولقائل أن يقول هذا ليس بقاطع في أن عطاء المذكور هو
الخراساني فيحتمل أن يكون هذا الحديث عند ابن جريج عن
الخراساني وابن أبي رباح جميعًا قال في المقدمة وهذا
جواب إقناعي وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب
السديد ولا بد للجواد من كبوة (صارت الأوثان) بالمثلثة
جمع وثن (التي كانت في قوم نوح) يعبدونها (في العرب
بعد) فعبدوها وكانت غرقت في الطوفان فلما نضب الماء
عنها أخرجها إبليس فبثها في الأرض (أما ودّ كانت لكلب)
هو ابن وبرة من قضاعة (بدومة الجندل) بفتح الدال من
دومة ولأبي ذر دومة بضمها والجندل بفتح الجيم وسكون
النون مدينة من الشام مما يلي العراق (وأما سواع كانت
لهذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة مصغرًا ابن مدركة
بن إلياس بن مضر وكانوا بقرب مكة (وأما يغوث فكانت)
بالفاء قبل الكاف (لمراد) بضم الميم وتخفيف الراء أبي
قبيلة من اليمن (ثم لبني غطيف) بضم الغين المعجمة وفتح
الطاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء مصغرًا بطن من
مراد (بالجوف) بفتح الجيم وبعد الواو فاء المطمئن من
الأرض أو واد باليمن ولأبي ذر عن الكشميهني بالجرف
بالراء المضمومة بدل الواو وضم الجيم (عند سبأ) مدينة
بلقيس وسقط عند سبأ لأبي ذر (وأما يعوق فكانت لهمدان)
بسكون الميم وبالدال المهملة قبيلة (وأما نسر فكانت
لحمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وبعد التحتية
المفتوحة راء (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف آخره عين
مهملة اسم ملك من ملوك اليمن (أسماء رجال) أي هذه
الخمسة أسماء رجال ولأبي ذر ونسر أسماء رجال أي نسر
وأخواته أسماء رجال (صالحين من قوم نوح فلما هلكوا) أي
الرجال الصالحون (أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا)
بكسر الصاد المهملة (إلى مجالسهم التي كانوا
يجلسون) فيها (أنصابًا) جمع نصب ما نصب لغرض (وسموها
بأسمائهم ففعلوا) ذلك (فلم تعبد) تلك الأنصاب (حتى إذا
هلك أولئك) الذين نصبوها (وتنسخ) بفتح الفوقية والنون
والمهملة المشدّدة والخاء المعجمة من تفعل أي تغير
(العلم) بها وزالت المعرفة بحالها ولأبي ذر عن
الكشميهني ونسخ بنون مضمومة فمهملة مكسورة مبنيًّا
للمفعول (عبدت) بعد ذلك.
72 - سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}
1 - باب قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لِبَدًا} أَعْوَانًا
([72] سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ})
مكية وآيها ثمان وعشرون وسقط لأبي ذر إليّ. (قال ابن
عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (لبدًا) بكسر اللام
ولأبي ذر بضمها وهي قراءة هشام.
(أعوانًا) جمع عون وهو الظهير.
4921 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ
إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ
الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ،
وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ
الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا:
حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ،
وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالَ: مَا حَالَ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ مَا
حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ
الَّذِي حَدَثَ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ
الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا
الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا
نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَخْلَةَ وَهْوَ
عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي
بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا
الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا
الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ،
فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا
قَوْمَنَا، إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي
إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ. وَلَنْ نُشْرِكَ
بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ
الْجِنِّ} [الجن: 1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ
قَوْلُ الْجِنِّ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر
الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي
البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- أنه (قال: انطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طائفة من أصحابه
(7/401)
عامدين) قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم العين
المهملة وفتح الكاف المخففة وبعد الألف معجمة بالصرف
وعدمه موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في
واد بين مكة والطائف يقيمون به شوّالًا كله يتبايعون
ويتفاخرون وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى
الطائف، ورجع منها سنة عشر من المبعث لكن استشكل قوله
في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن
معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وأجيب بالتعدد أو أنه
لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق. (وقد حيل
بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب)
بضمتين جمع شهاب، والذي تظاهرت عليه الأخبار أن ذلك
كان أول المبعث وهو يؤيد تغاير زمان القصتين وأن مجيء
الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه عليه الصلاة
والسلام إلى الطائف بسنتين ولا يعكر عليه قوله إنهم
رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الصبح لأنه كان عليه الصلاة
والسلام يصلّي قبل الإسراء صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة
قبل غروبها.
(فرجعت الشياطين) إلى قومهم (فقالوا) لهم (ما لكم؟
قالوا) ولغير أبي ذر فقالوا: (حيل بيننا وبين خبر
السماء وأرسلت علينا الشهب قال) إبليس بعد أن حدّثوه
بالذي وقع ولأبي ذر فقال: (ما حال بينكم وبين خبر
السماء إلا ما حدث) لأن السماء لم تكن تحرس إلا أن
يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر قاله السدي
(فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) أي سيروا فيها
(فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث فانطلقوا فضربوا مشارق
الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم
وبين خبر السماء. قال: فانطلق) الشياطين (الذين توجهوا
نحو تهامة) بكسر الفوقية وكانوا من جن نصيبين (إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخلة)
بفتح النون وسكون الخاء المعجمة غير منصرف للعلمية
والتأنيث موضع على ليلة من مكة (وهو) عليه الصلاة
والسلام (عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة
الفجر فلما سمعوا القرآن) منه عليه الصلاة والسلام
(تسمعوا له) بتشديد الميم أي تكلفوا سماعه (فقالوا:
هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا الى
قومهم فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا)
يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانيه (يهدي إلى
الرشد) الإيمان والصواب (فآمنا به) بالقرآن (ولن نشرك)
بعد اليوم (بربنا أحدًا. وأنزل عز وجل على نبيه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قل أُوحي إليّ
أنه استمع}) لقراءتي ({نفرّ من الجن}) [الجن: 1] ما
بين الثلاثة إلى العشرة. قال ابن عباس: (وإنما أوحي
إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قول الجن)
لقومهم إنّا سمعنا الخ وزاد الترمذي. قال ابن عباس
وقول الجن لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون
عليه لبدًا قال: لما رأوه يصلّي وأصحابه يصلون بصلاته
يسجدون بسجوده قال فعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا
لقومهم ذلك، وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام لم يرهم
ولم يقرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم وهو يقرأ فسمعوه
فأخبر الله بذلك رسوله.
وهذا الحديث سبق في باب الجهر بقراءة صلاة الفجر من
كتاب الصلاة.
[73] سورة الْمُزَّمِّلِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَتَبَتَّلْ: أَخْلِصْ. وَقَالَ
الْحَسَنُ {أَنْكَالًا}: قُيُودًا. {مُنْفَطِرٌ بِهِ}:
مُثْقَلَةٌ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {كَثِيبًا
مَهِيلًا}: الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وَبِيلًا}:
شَدِيدًا.
([73] سورة المزّمّل)
مكية وآيها تسع عشرة أو عشرون ولأبي ذر زيادة
والمدثّر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (وتبتل) أي (أخلص)
وقال غيره: انقطع إليه (وقال الحسن) البصري فيما وصله
عبد بن حميد ({أنكالًا}) أي (قيودًا) واحدها نكل بكسر
النون.
({منفطر به}) أي (مثقلة به) وفي اليونينية مثقلة
بالتخفيف قاله الحسن أيضًا فيما وصله عبد بن حميد
والتذكير على تأويل السقف والضمير لذلك اليوم (وقال
ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم: ({كثيبًا مهيلًا}
الرمل السائل) بعد اجتماعه ({وبيلًا}) أي (شديدًا)
قاله ابن عباس فيما وصله الطبري.
(7/402)
[74] سورة الْمُدَّثِّرِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {عَسِيرٌ}: شَدِيدٌ. {قَسْوَرَةٍ}: رِكْزُ
النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
الأَسَدُ وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ.
{مُسْتَنْفِرَةٌ}: نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ.
([74] سورة الْمُدَّثِّرِ)
مكية وآيها ست وخمسون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر.
(قال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم ({عسير}) أي
(شديد) عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم
الصبح فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى هذه الآية شهق
شهقة ثم خرّ ميتًا.
({قسورة}) ولأبي ذر بالرفع أي (ركز الناس) بكسر الراء
آخره زاي أي حسّهم (وأصواتهم) وصله سفيان بن عيينة في
تفسيره عن ابن عباس (وقال أبو هريرة): فيما وصله عبد
بن حميد (الأسد وكل شديد قسورة) وعند النسفي وقسور
وزاد في اليونينية يقال ولأبي ذر عسير شديد قسورة ركز
الناس وأصواتهم وكل شديد قسورة. قال أبو هريرة:
القسورة قسور الأسد الركز الصوت.
({مستنفرة}) أي (نافرة مذعورة) بالذال المعجمة قاله
أبو عبيدة.
1 - باب
4922 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ
قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]
قُلْتُ:
يَقُولُونَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
[العلق: 1] فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنْ ذَلِكَ
وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ، فَقَالَ
جَابِرٌ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا حَدَّثَنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ
جِوَارِي هَبَطْتُ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عَنْ
يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ
شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي
فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ
شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا.
فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا
عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ: فَدَثَّرُونِي
وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، فَنَزَلَتْ: {يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ} [المدثر: 1 - 3]».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (يحيى) هو ابن
موسى البلخي أو ابن جعفر قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن
الجراح (عن علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وبالنون
الخفيفة (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة أنه قال:
(سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أول ما نزل
من القرآن؟ قال: {يا أيها المدّثر} قلت: يقولون: {اقرأ
باسم ربك الذي خلق} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد
الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- عن ذلك وقلت له مثل
الذي قلت، فقال جابر: لا أحدّثك إلا ما حدّثنا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(جاورت) أي اعتكفت (بحراء) بالصرف (فلما قضيت جواري)
بكسر الجيم أي اعتكافي (هبطت) من الجبل الذي فيه الغار
(فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ونظرت أمامي فلم
أر شيئًا ونظرت خلفي فلم أر شيئًا فرفعت رأسي فرأيت
شيئًا) وفي باب كيف كان بدء الوحي فرفعت بصري فإذا
الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء
والأرض فرعبت منه (فأتيت خديجة فقلت دثروني) أي غطوني
(وصبوا علي ماءً باردًا قال: فدثروني وصبوا عليّ ماءً
باردًا) قال: (فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *
قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}) [المدثر: 1 -
3] وليس في هذا الحديث أن أول ما نزل: {يا أيها
المدثر} وإنما استخرج ذلك جابر باجتهاده وظنه لا يعارض
الحديث الصحيح الصريح السابق أول هذا الجامع أنه
{اقرأ}.
2 - باب قَوْلُهُ: {قُمْ فَأَنْذِرْ}
(باب قوله: ({قم فأنذر}) أي خوّف أهل مكة النار إن لم
يؤمنوا، وسقط هذا لأبي ذر.
4923 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
وَغَيْرُهُ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ» مِثْلَ حَدِيثِ
عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْمُبَارَكِ. {وَرَبُّكَ فَكَبِّرْ}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
بشار) بالموحدة والشين المعجمة العبدي البصري بندار
قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) العنبري مولاهم
(وغيره) هو أبو داود
الطيالسي كما في مستخرج أبي نعيم (قالا: حدّثنا حرب بن
شداد) بالشين المعجمة وتشديد الدال المهملة وحرب بفتح
الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة (عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد
الله) وسقط ابن عبد الله لأبي ذر (-رضي الله عنهما- عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(جاورت بحراء مثل حديث عثمان بن عمر) البصري (عن علي
بن المبارك) ولم يخرج المؤلّف رواية عثمان المذكور
التي أحال عليها وهي عند محمد بن بشار شيخ المؤلّف فيه
أخرجه أبو عروبة في كتاب الأوائل قال: حدّثنا محمد بن
بشار، حدّثنا عثمان بن عمر، أنبأنا على بن المبارك
قاله في فتح الباري.
({وربك فكبّر}) وصفه بالكبرياء ولأبي ذر باب قوله وربك
فكبر.
4924 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ
أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أَنَّهُ
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَقَالَ
أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]
فَقَالَ: لاَ أُخْبِرُكَ إِلاَّ بِمَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي
هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ، فَنُودِيتُ
فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ
شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ
دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا.
وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *
قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}» [المدثر: 1 -
3].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) أبو يعقوب المروزي
قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث البصري قال:
(حدّثنا حرب) هو ابن شداد قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن
أبي كثير (قال: سألت أبا سلمة) بن عبد الرحمن (أيّ
القرآن أنزل أول؟ فقال: {يا أيها المدثر} فقلت أنبئت)
بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أُخبرت أنه ({اقرأ باسم
ربك الذي خلق} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله)
الأنصاري (أي القرآن أنزل أول؟ فقال: {يا أيها المدثر}
فقلت: أنبئت أنه {اقرأ باسم ربك الذي خلق}) سقط قوله
الذي خلق لغير أبي ذر (فقال) جابر: (لا أخبرك إلا بما
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال رسول الله
(7/403)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(جاورت) في غار (حراء) بالصرف (فلما قضيت جواري هبطت
فاستبطنت) أي وصلت إلى بطن (الوادي فنوديت فنظرت أمامي
وخلفي وعن يميني وعن شمالي فإذا هو) يعني الملك (جالس
على العرش) ولأبي ذر على كرسي بدل عرش (بين السماء
والأرض فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا عليّ ماءً
باردًا وأنزل عليّ) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ({يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ}) والظاهر أن الذي أنبأ يحيى بن أبي كثير
عروة بن الزبير والذي أنبأ أبا سلمة عائشة فإن
الحديث مشهور عن عروة عن عائشة، ويحتمل أن يكون مراده
بأوّلية المدثر أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي أو
مقيدة بالإنذار لا أوّلية مطلقة.
3 - باب {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وثيابك
فطهّر}) [المدثر: 4] أي عن النجاسة أو قصرها خلاف جر
العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها النجاسة وسقط لفظ
باب لغير أبي ذر.
4925 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ،
فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ
سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي
فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ
عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،
فَجَثِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ
زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي. فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}
-إِلَى- {وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]
قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ وَهْيَ الأَوْثَانُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله
بن بكير المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن
عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري
قال المصنف: (وحدّثني) بالإفراد وفي بعض النسخ ح
لتحويل السند. وحدّثني بالإفراد أيضًا (عبد الله بن
محمد) المسندي قال (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام
الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري
فأخبرني) بالإفراد. ولأبي ذر قال الزهري: قال أخبرني
بالإفراد وفي غير اليونينية قال الزهري فأخبرني (أبو
سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يحدّث عن
فترة الوحي) أي في حال التحديث عن احتباس الوحي عن
النزول (فقال في حديثه):
(فبينا) بغير ميم (أنا أمشي) جواب بينا قوله (إذ سمعت
صوتًا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني
بحراء) هو جبريل (جالس على كرسي بين السماء والأرض
فجثثت) بجيم مفتوحة في الفرع كأصله مضمومة في غيرهما
فهمزة مكسورة فمثلثة ساكنة ففوقية فزعت (منه رعبًا) أي
خوفًا ولأبي ذر: فجثثت بمثلثتين ففوقية من غير همزة
قاله الكرماني. من الجث وهو القطع (فرجعت) إلى خديجة
(فقلت زملوني زملوني) مرتين (فدثروني) غطّوني (فأنزل
الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({يا أيها المدثر} -إلى-)
قوله: ({والرجز فاهجر} قبل أن تفرض الصلاة) فيه إشعار
بأن الأمر بتطهير الثياب كان قبل فرض الصلاة (و) الرجز
(هي الأوثان) وأنّث الضمير في قوله وهي باعتبار أن
الخبر جمع وفسر بالجمع نظرًا إلى الجنس قاله الكرماني.
4 - باب {وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} يُقَالُ الرِّجْزُ
وَالرِّجْسُ الْعَذَابُ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({والرجز
فاهجر}) [المدثر: 5] أي دم على هجره (يقال الرجز)
بالزاي (والرجس) بالسين (العذاب) هذا قول أبي عبيدة
وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ
شِهَابٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي
جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَبَيْنَا أَنَا
أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ،
فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا
الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى
كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَئِثْتُ
مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ
أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي،
فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَاهْجُرْ}
[المدثر: 1 - 5] قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزَ،
الأَوْثَانَ ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن
خالد (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري: (سمعت أبا
سلمة) بن عبد الرحمن (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن
عبد الله) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدّث عن فترة الوحي):
(فبينا) بغير ميم (أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء
فرفعت بصري قبل السماء) بكسر القاف وفتح الموحدة أي
جهتها (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) وهو جبريل (قاعد
على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه) بفتح الجيم في
اليونينية وفي غيرها بضمها وكسر الهمزة وسكون المثلثة
بعدها فوقية خفت منه (حتى هويت) بفتح الهاء والواو
وسقطت (إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني) مرتين
(فزملوني) بفتح الميم المشددة (فأنزل الله تعالى: {يا
أيها المدثر * قم فأنذر} -إلى قوله- {فاهجر}) [المدثر:
1 - 5] وسقط: قم فأنذر لغير أبي ذر.
(قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بالسند السابق: (والرجز
الأوثان ثم) بعد نزول {يا أيها المدثر} (حمي الوحي) أي
أكثر (وتتابع) ولم يكتف بقوله حمي لأنه لا يستلزم
الاستمرار والدوام.
(7/404)
[75] سورة الْقِيَامَةِ
([75] سورة الْقِيَامَةِ)
مكية أربعون آية.
1 - باب وَقَوْلُهُ:
{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {سُدًى}: هَمَلًا. {لِيَفْجُرَ
أَمَامَهُ}:
سَوْفَ أَتُوبُ، سَوْفَ أَعْمَلُ. {لاَ وَزَرَ}: لاَ
حِصْنَ.
(وقوله) عز وجل: ({لا تحرك به}) [القيامة: 16] أي
بالقرآن والخطاب للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ({لسانك}) قبل أن يتم جبريل وحيه ({لتعجل
به}) مخافة أن ينفلت منك (وقال ابن عباس) فيما وصله
الطبري ({سدّى}) [القيامة: 36] معناه (هملًا) بفتحتين
أي مهملًا لا يكلف بالشرائع ولا يجازى.
({ليفجر أمامه}) [القيامة: 5] قال ابن عباس فيما وصله
الطبري من طريق العوفي يقول الإنسان (سوف أتوب سوف
أعمل) عملًا صالحًا قبل يوم القيامة حتى يأتيه الموت
على شرّ، ولابن أبي حاتم عنه قال: هو الكافر يكذب
بالحساب ويفجر أمامه أي يدوم على فجوره بغير توبة.
({لا وزر}) [القيامة: 11] قال ابن عباس: أي (لا حصن)
أي لا ملجأ: قال الشاعر:
لعمرك ما للفتى من وزر ... من الموت يدركه والكبر
4927 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ -
وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ.
وَوَصَفَ سُفْيَانُ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ}.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا موسى بن أبي
عائشة) الكوفي الهمداني قال سفيان (وكان) أي ابن أبي
عائشة (ثقة) وصفه بذلك تأكيدًا (عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل عليه
الوحي حرك به لسانه، ووصف سفيان) بن عيينة كيفية
التحريك وفي رواية سعيد بن منصور: وحرك سفيان شفتيه
(يريد) عليه الصلاة والسلام بهذا التحريك (أن يحفظه)
أي القرآن (فأنزل الله) تعالى: ({لا تحرك به لسانك
لتعجل به}) لتأخذه على عجلة مخافة تفلته.
2 - باب {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}
هذا (باب) بالتنوين ({إن علينا جمعه وقرآنه})
[القيامة: 17] أي قراءته فهو مصدر مضاف للمفعول
والفاعل محذوف والأصل وقراءتك إياه والقرآن مصدر بمعنى
القراءة وسقط لأبي ذر إن علينا الخ ولفظ باب لغيره.
4928 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ
أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}. قَالَ:
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ
إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: {لاَ
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}: يَخْشَى أَنْ يَتْفَلِتَ
مِنْهُ. {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}: أَنْ
نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ أَنْ
تَقْرَأَهُ. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يَقُولُ: أُنْزِلَ
عَلَيْهِ
{فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
بَيَانَهُ} أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا
ابن باذام العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي
إسحاق السبيعي (عن موسى بن أبي عائشة) الكوفي (أنه سأل
سعيد بن جبير عن قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك} قال)
ابن جبير مجيبًا لموسى: (وقال) ولأبي ذر: قال (ابن
عباس) -رضي الله عنهما-: (كان) أي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحرك شفتيه إذا أنزل
عليه) بهمزة مضمومة ولأبي ذر نزل عليه بحذفها (فقيل
له) على لسان جبريل: ({لا تحرك به لسانك}) وكان (يخشى
أن يتفلت منه) أي القرآن والذي في اليونينية ينفلت
بالنون بعد التحتية بدل الفوقية ({إن علينا جمعه
وقرآنه}) سقط وقرآنه لأبي ذر أي (أن نجمعه في صدرك) أي
ضمنًا أن نحفظه عليك {إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له
لحافظون} [الحجر: 9] وتكلفنا جمعه (وقرآنه أن تقرأه)
بلسانك ({فإذا قرآناه} يقول: أنزل عليه) مع جبريل
({فاتبع قرآنه}) قراءته ({ثم إن علينا بيانه})
[القيامة: 18] أي (أن نبينه على لسانك) وفسره غير ابن
عباس ببيان ما أشكل من معانيه وفيه دليل على جواز
تأخير البيان عن وقت الخطاب.
3 - باب {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ
فَاتَّبِعْ اعْمَلْ بِهِ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فإذا قرأناه
فاتبع قرآنه}) [القيامة: 18] وسقط لفظ باب لغير أبي
ذر. (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (قرأناه)
أي (بيناه فاتبع) أي (اعمل به) وقال ابن عباس أيضًا
فيما ذكره ابن كثير: ثم إن علينا بيانه نبين حلاله
وحرامه.
4929 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ
بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ
جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ
لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ
يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي
فِي {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}: {لاَ
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17]
قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ
وَقُرْآنَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ} فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ثُمَّ
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} عَلَيْنَا أَنْ
نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا
أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ
كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}
[القيامة: 35] تَوَعُّدٌ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني
قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم
القاف وبعد الراء الساكنة طاء مهملة الكوفي (عن موسى
بن أبي عائشة) الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس)
-رضي الله عنهما- (في قوله) تعالى: ({لا تحرك به لسانك
لتعجل به} قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل جبريل عليه بالوحي وكان)
عليه الصلاة
والسلام (مما يحرك به لسانك وشفتيه) بالتثنية واقتصر
في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة في بدء الوحي
على ذكر الشفتين، وكذلك إسرائيل عن ابن أبي عائشة في
الباب السابق قريبًا واقتصر سفيان على اللسان
(7/405)
والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان
غالبًا أو المراد يحرك به فمه المشتمل على الشفتين
واللسان لكن لما كان اللسان هو الأصل في النطق اقتصر
في الآية عليه قاله في الفتح.
(فيشتد عليه) حالة نزول الوحي لثقله ولذا كان يلحقه
البرحاء (وكان يعرف منه) ذلك الاشتداد حالة النزول
عليه، وعند ابن أبي حاتم من طريق يحيى التيمي عن ابن
أبي عائشة وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه
يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن
يفرغ من آخره (فأنزل الله) تعالى بسبب اشتداده عليه
(الآية التي في) سورة ({لا أقسم بيوم القيامة}) وهي
قوله تعالى: ({لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا
جعه وقرآنه} قال: علينا أن نجمعه في صدرك) وعن قتادة
فيما رواه الطبري أن معنى جمعه تأليفه (وقرآنه) أي
تقرؤه أنت ({فإذا قرآناه}) عليك بلسان جبريل ({فاتبع
قرآنه}) أي (فإذا أنزلناه فاستمع) زاد أبو عوانة في
بدء الوحي وأنصت ({ثم إن علينا بيانه}) أي (علينا أن
نبينه بلسانك قال) أي ابن عباس (فكان) عليه الصلاة
والسلام (إذا أتاه جبريل أطرق) أي سكت (فإذا ذهب)
جبريل (قرأه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (كما وعد الله) زاد أبو ذر عز وجل على
الوجه الذي ألقاه عليه.
({أولى لك فأولى}) [القيامة: 35]. (توعد) وتهديد
والكلمة اسم فعل واللام للتبيين أي وليك ما تكره يا
أبا جهل وقرب منك، وقوله: فأولى أي فهو أولى بك من
غيره وثبت أولى الخ لأبي ذر.
[76] سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). يُقَالُ
مَعْنَاهُ {أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}، وَهَلْ تَكُونُ
جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ،
يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا،
وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ
يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. {أَمْشَاجٍ}: الأَخْلاَطُ.
مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ، الدَّمُ
وَالْعَلَقَةُ، وَيُقَالُ: إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ،
كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ.
وَيُقَالَ سَلاَسِلًا وَأَغْلاَلًا، وَلَمْ يُجْرِ
بَعْضُهُمْ. {مُسْتَطِيرًا}: مُمْتَدًّا الْبَلاَءُ.
وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ: يُقَالَ يَوْمٌ
قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ
وَالْقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصِيبُ أَشَدُّ
مَا يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ فِي الْبَلاَءِ. وَقَالَ
مَعْمَرٌ {أَسْرَهُمْ}: شِدَّةُ الْخَلْقِ وَكُلُّ
شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ فَهْوَ مَأْسُورٌ.
([76] سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ})
مكية وآيها إحدى وثلاثون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر
(يقال) وفي بعض النسخ وقال يحيى يعني ابن زياد الفراء
(ومعناه {أتى على الإنسان} [الدهر: 1] (وهل تكون
جحدًا) أي نفيًا (وتكون خبرًا) يخبر بها عن أمر مقرر
فتكون على بابها للاستفهام التقريري ولذلك فسر بقد
وأصله أهل كقوله:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذي
الأكم
(وهذا) الذي في الآية (من الخبر) الذي بمعنى قد
والمعنى كما في الكشاف أقد أتى على التقرير والتقريب
جميعًا أي أتى على الإنسان قبل زمن قريب حين من الدهر
لم يكن فيه شيئًا مذكورًا أي كان شيئًا منسيًّا غير
مذكور أو هي للاستفهام التقريري لمن أنكر البعث كأنه
قيل لمن أنكر البعث {هل أتى على الإنسان حين من الدهر
لم يكن شيئًا مذكورًا} فيقول: نعم فيقال له من أحدثه
وكوّنه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته
وهو معنى قوله: ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون
أي فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئًا بعد أن لم
يكن قادر على إعادته بعد موته وعدمه فهي هنا للاستفهام
التقريري لا للاستفهام المحض وهذا هو الذي يجب أن يكون
لأن الاستفهام لا يرد من الباري جل وعلا إلا على هذا
النحو وما أشبهه (يقول: كان) الإنسان (شيئًا فلم يكن
مذكورًا) بل كان شيئًا منسيًّا غير مذكور بالإنسانية
(وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح)
والمراد بالإنسان آدم وحين من الدهر أربعون سنة أو
المراد الجنس وبالحين مدة الحمل.
({أمشاج}) أي (الأخلاط) وهي (ماء المرأة وماء الرجل)
يختلطان في الرحم فأيهما علا على الآخر كان الشبه له
ثم ينتقل بعده من طور إلى طور ومن حال إلى حال وهي
(الدم والعلقة) ثم المضعة ثم عظمًا يكسوه لحمًا ثم
ينشئه خلقًا آخر.
وعند ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: من الرجل الجلد
والعظم ومن المرأة الشعر والدم، وقيل إن الله تعالى
جعل في النطفة أخلاطًا من الطبائع التي تكون في
الإنسان من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فعلى
هذا يكون التقدير من نطفة ذات أمشاج وأمشاج نعت لنطفة
ووقع الجمع صفة لمفرد لأنه في معنى
(7/406)
الجمع لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة
وكلٌّ منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص
ولذلك يصير كل جزء منهما مادّة عضو.
(ويقال إذا خلط) شيء بشيء (مشيج) بفتح الميم بوزن فعيل
(كقولك له خليط) وسقط لفظ له لغير أبي ذر (وممشوج مثل
مخلوط).
(ويقال) ولأبي ذر في نسخة ويقرأ (سلاسلًا وأغلالًا)
بتنوين سلاسلًا وأغلالًا وهي قراءة نافع وهشام وأبي
بكر والكسائي للتناسب لأن ما قبله وما بعده منوّن
منصوب، وقال الكسائي وغيره من أهل الكوفة إن بعض العرب
يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا أفعل التفضيل، وعن
الأخفش يصرفون مطلقًا وهم بنو أسد لأن الأصل في
الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها وإن هذا الجمع قد
يجمع وإن كان قليلًا قالوا صواحب وصواحبات فلما جمع
شابه المفرد فانصرف.
(ولم يجزه بعضهم) بضم الياء وكسر الجيم وبعد الزاي
الساكنة هاء أي لم يجز التنوين بعضهم كذا في الفرع
وسقطت الهاء في غيره وفي اليونينية بالراء بدل الزاي
وسكون الجيم وضبطه في الفتح بالراء المكسورة من غير
هاء. قال: والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسل وبعضهم لم
يجرها أي لم يصرفها. قال: وهو اصطلاح قديم يقولون
للاسم المصروف مجرى، قال: وذكر عياض أن في رواية
الأكثر بالزاي وهو الأوجه، وقال العيني: لم يبين وجه
الأوجهية بل الراء أوجه على ما لا يخفى وفي البرماوي
ولم يجز بعضهم بجيم مكسورة وزاي من الجواز وعند
الأصيلي ولم يجر براء مشددة أي لم يصرفه، وقال في
الكشاف فأغلظ وأساء، إن صاحب هذه القراءة ممن ضري
برواية الشعر ومرن لسانه على صرف ما لا ينصرف. قال في
الانتصاف: هو يعني الزمخشري يرى أن القراءات المستفيضة
غير موقوفة على النقل والتواتر وجعل التواتر من جملة
غلط اللسان والحق أنها متواترة عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي لغة من صرف في منثور
الكلام جميع ما لا ينصرف إلا أفعل والقراءات تشتمل على
اللغات المختلفة.
({مستطيرًا}) قال الفرّاء (ممتدًّا) والشر (البلاء)
والشدة (والقمطرير) هو (الشديد) الكريه (يقال يوم
قمطرير) شديد (ويوم قماطر) بضم القاف وبعد الميم ألف
فطاء مكسورة فراء قال الشاعر:
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها ... ولج بها اليوم
الشديد القماطر
والقمطرير أصله كما قال الزجاج من اقمطرت الناقة إذا
رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورنت بأنفها (والعبوس) في
قوله ({يومًا عبوسًا} [الدهر: 10] (والقمطرير) بفتح
القاف (والقماطر) بضمها (والعصيب) في قوله: {يوم عصيب}
(أشد ما يكون من الأيام في البلاء) وأطولها.
(وقال معمر): بسكون العين بين ميمين مفتوحتين آخره راء
هو أبو عبيدة بن المثنى قال في الفتح: وليس هو ابن
راشد ({أسرهم}) أي (شدة الخلق) بفتح الخاء المعجمة
وسكون اللام وفي التفسير أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب
(وكل شيء شددته من قتب) بفتح القاف والفوقية آخره
موحدة ولأبي ذر وغبيط بغين معجمة مفتوحة فموحدة مكسورة
فتحتية ساكنة فطاء مهملة رحل للنساء يشد على الهودج
وفي نسخة مأسور الغبيط شيء تركبه النساء يشبه المحفة
(فهو مأسور) مربوط وسقط لأبي ذر عن المستملي من قوله
معمر إلى هنا، وثبت له من روايته عن الحموي
والكشميهني، وزاد في غير الفرع أصله قبله وعليه شرح في
الفتح وقال: إنه ثبت للنسفي.
وقال الحسن أي البصري النضرة في الوجه أي حسنًا فيه
وإضاءة والسرور في القلب، وقال ابن عباس -رضي الله
عنهما-: الأرائك هي السرر، وقال مقاتل: السرر في
الحجال من الدر والياقوت، وقال البراء مما وصله سعيد
بن منصور في قوله تعالى: {وذللت قطوفها} [الدهر: 14].
يقطفون
ثمارها كيف شاؤوا قيامًا وقعودًا ومضطجعين وعلى أي حال
كانوا.
وقال مجاهد: في قوله {سلسبيلًا} [الدهر: 18] أي حديد
الجرية في مسيله وعن بعضهم فيما حكاه ابن جرير
(7/407)
إنما سميت بذلك لسلاستها في الحلق، وقال قتادة
مستعذب ماؤها، وروى محيي السُّنَّة عن مقاتل سميت
سلسبيلًا لأنها تسيل عليهم في طرقهم ومنازلهم تنبع من
أصل العرش من جنة عدن إلى سائر الجنان ويؤيده قوله
تسمى وأما إذا جعلت صفة كما قال الزجاج فمعنى تسمى
توصف.
[77] سورة وَالْمُرْسَلاَتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ. {جِمَالاَتٌ}: حِبَالٌ.
{ارْكَعُوا}: صَلُّوا. {لاَ يَرْكَعُونَ}: لاَ
يُصَلُّونَ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لاَ
يَنْطِقُونَ}، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ}، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى
أَفْوَاهِهِمْ}، فَقَالَ: إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ:
مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيْهِمْ.
([77] سورة وَالْمُرْسَلاَتِ)
ولأبي ذر سورة والمرسلات وهي مكية وآيها خمسون.
(وقال مجاهد) في قوله تعالى: ({جمالات}) [المرسلات:
33] أي (حبال) بالحاء المهملة أي حبال السفن وهذا إنما
يكون على قراءة رويس جمالات بضم الجيم وأما على قراءة
الكسر فجمع جمال أو جمالة جمع جمل للحيوان المعروف
وسقط لغير أبي ذر وقال: مجاهد:
({اركعوا}) أي (صلوا: {لا يركعون}) [المرسلات: 48] (لا
يصلون) فأطلق الركوع وأراد الصلاة من إطلاق الجزء
وإرادة الكل وثبت لا يركعون لأبي ذر.
(وسئل ابن عباس) عن قوله تعالى ({لا ينطقون})
[المرسلات: 35] وعن قوله جل وعلا ({والله ربنا ما كنا
مشركين}) [الأنعام: 23] وعن قوله عز وجل ({اليوم نختم
على أفواههم}) [يس: 65] ما الجمع بين ذلك (فقال)
مجيبًا عنه (أنه) أي يوم القيامة (ذو ألوان مرة
ينطقون) فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا ولا يكتمون الله
حديثًا (ومرة يختم عليهم) أي على أفواههم ومرة يختصمون
ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون فيختم على أفواههم
وسقط لغير أبي ذر على أفواههم ولا يركعون.
4930 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُنْزِلَتْ
عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاَتِ} وَإِنَّا
لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ
فَابْتَدَرْنَاهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ
جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا
وُقِيتُمْ شَرَّهَا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدثنا (محمود) هو
ابن غيلان قال: (حدثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا
ابن موسى وهو شيخ المؤلّف أخرج هذا الحديث عنه
بالواسطة (عن إسرائيل) بن يونس (عن منصور) هو ابن
المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن
عبد الله) يعني ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال:
كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في غار بمنى (وأنزلت) بالواو
ولأبي ذر فأنزلت (عليه {والمرسلات} وإنا لنتلقاها) أي
والمرسلات (من فيه) فمه (فخرجت حية) تقع على الذكر
والأنثى ودخلت الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة
(فابتدرناها) أي تسابقنا أيّنا يدركها أوّلًا ليقتلها
(فسبقتنا فدخلت جحرها) بتقديم الجيم على الحاء المهملة
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
وفيت شركم كما وقيتم شرها) بضم الواو وكسر القاف مخففة
فيهما.
4931 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ
عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا، وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ أَسْوَدُ بْنُ
عَامِرٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو
مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ: قَالَ:
يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة وبعد
المهملة هاء تأنيث (ابن عبد الله) الصفار الخزاعي قال:
(أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي (عن إسرائيل)
بن يونس (عن منصور) يعني ابن المعتمر (بها) أي الحديث
المذكور (وعن إسرائيل) أيضًا بالإسناد السابق (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن
علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (مثله) أي مثل
الحديث السابق أيضًا والحاصل أنه زاد لإسرائيل شيخًا
آخر وهو الأعمش (وتابعه) أي تابع يحيى بن آدم فيما
وصله الإمام أحمد (أسود بن عامر) الملقب بشاذان الشامي
(عن إسرائيل) بن يونس.
(وقال حفص) هو ابن غياث فيما وصله بعد باب (وأبو
معاوية) محمد بن خازم الضرير فيما وصله مسلم (وسليمان
بن قرم) بقاف مفتوحة فراء ساكنة فميم الضبي بالضاد
المعجمة والموحدة الكوفي وهو ضعيف الحفظ وليس له في
الجامع سوى هذا التعليق السابق في بدء الخلق الثلاثة
(عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود) شاذان (قال) ولأبي
ذر وقال (يحيى بن حماد) الشيباني البصري شيخ المؤلّف
فيما وصله الطبراني (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري
(عن مغيرة) بن مقسم الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن
علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود ومراده بهذا أن
مغيرة وافق إسرائيل في شيخ إبراهيم وأنه علقمة (وقال
ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي فيما وصله أحمد (عن عبد
الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود الملقب بشاذان (عن
عبد الله) بن مسعود ومراده أن للحديث أصلًا عن الأسود
من غير
(7/408)
رواية طريق الأعمش ومنصور.
0000 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ
عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي غَارٍ: إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلاَتِ}
فَتَلَقَّيْنَاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ
بِهَا، إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَيْكُمُ،
اقْتُلُوهَا» قَالَ فَابْتَدَرْنَاهَا فَسَبَقَتْنَا
قَالَ: فَقَالَ: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ
شَرَّهَا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير)
هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم)
النخعي (عن الأسود) بن عامر أنه (قال: قال عبد الله)
بن مسعود (بينا) بغير ميم (نحن مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار) بمنى وجواب بينا
قوله (إذ نزلت عليه {والمرسلات} فتلقيناها من فيه، وإن
فاه) أي فمه (لرطب بها) لم يجف ريقه لأنه كان أوّل
زمان نزولها (إذ خرجت حيّة فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(عليكم اقتلوها قال: فابتدرناها) أي تسابقنا أينا
يدركها أوّلًا (فسبقتنا) زاد في السابقة فدخلت جحرها
(قال) ابن مسعود (فقال) عليه الصلاة والسلام (وقيت
شركم كما وقيتم شرها) منصوب مفعول ثان.
1 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ
كَالْقَصْرِ}
(باب قوله: {إنها}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله
إنها أي النار ({ترمي بشرر}) وهو ما تطاير منها
متفرقًا ({كالقصر}) [المرسلات: 32] من البناء في عظمه
وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4932 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ،
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}، قَالَ:
كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلاَثَةَ
أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ. فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ،
فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. [الحديث 4932 - طرفه في:
4933].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا)
ولأبي ذر حدّثنا (سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبد
الرحمن بن عابس) بعين مهملة وبعد الألف موحدة مكسورة
فمهملة النخعي الكوفي (قال: سمعت ابن عباس) -رضي الله
عنهما- (يقول) في قوله تعالى ({إنها ترمي بشرر
كالقصر}) بفتح القاف والصاد في الفرع مصلحة مصححًا
عليها كاليونينية وهي قراءة ابن عباس والحسن جمع قصرة
بالفتح أعناق الإبل والنخل وأصول الشجر (قال: كنا نرفع
الخشب بقصر) بباء الجرّ وفتح القاف والصاد المهملة
والتنوين مصححًا عليها في الفرع وضبطها في الفتح بكسر
الموحدة والقاف وفتح الصاد كالكرماني (ثلاث أذرع) بنصب
ثلاثة ويجوز إضافة بقصر إلى ثلاثة أي بقدر ثلاثة أذرع
(أو أقل فنرفعه للشتاء) أي لأجل الشتاء والاستسخان به
(فنسميه القصر) بفتحتين وكان ابن عباس فسر قراءته بما
ذكر وسقط لغير أبي ذر كالقصر قال:
2 - باب قَوْلِهِ: {كَأَنَّهُ جِمَالاَتٌ صُفْرٌ}
(باب قوله: {كأنه}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله
تعالى كأنه ({جمالات صُفْرٌ}) [المرسلات: 33] في
هيئتها ولونها وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4933 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {تَرْمِي بِشَرَرٍ
كَالقَصْرِ} [المرسلات: 32] قَالَ: كُنَّا نَعْمِدُ
إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ
فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ، فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ.
{كَأَنَّهُ جِمَالاَتٌ صُفْرٌ}: حِبَالُ السُّفْنِ،
تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني الإفراد (عمرو بن
علي) بفتح العين وسكون الميم الفلاس البصري قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (أخبرنا سفيان)
الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عابس)
النخعي (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) يقول في
قوله تعالى: ({ترمي بشرر كالقصر}) بفتحتين (قال: كنا
نعمد) بكسر الميم (إلى الخشبة) ولأبي ذر إلى الخشب
(ثلاثة أذرع وفوق ذلك) ولأبي ذر عن المستملي أو فوق
ذلك (فنرفعه للشتاء) أي لأجل الشتاء والاستسخان به
(فنسميه القصر) بفتحتين. وقال أبو حاتم القصر أصول
الشجر الواحدة قصرة وفي الكشاف هي أعناق الإبل وأعناق
النخيل نحو شجرة وشجر: ({كأنه جمالاتٌ صفر}) بكسر
الجيم وفي الفرع كأصله بضمها هي (حبال السفن تجمع)
بعضها إلى بعض لتقوى (حتى تكون كأوساط الرجال) وهذا من
تتمة الحديث كما قاله في الفتح.
3 - باب {هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({هذا يوم لا
ينطقون}) [المرسلات: 35].
4934 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ بْنِ غِياثٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ، إِذْ نَزَلَتْ
عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاَتِ} فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا
وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ
لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «اقْتُلُوهَا». فَابْتَدَرْنَاهَا
فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا
وُقِيتُمْ شَرَّهَا». قَالَ عُمَرُ: حَفِظْتُهُ مِنْ
أَبِي فِي غَارٍ بِمِنًى.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) وسقط لغير أبي
ذر ابن غياث قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا
الأعمش) سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم)
النخعي (عن الأسود) بن عامر (عن عبد الله) بن مسعود
أنه (قال: بينما) بالميم (نحن مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار) بمنى (إذ نزلت
عليه {والمرسلات} فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه
وإن فاه لرطب بها إذ
وثبت) ولأبي ذر عن الكشميهني إذ وثب بالتذكير (علينا
حيّة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (اقتلوها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
اقتلوه (فابتدرناها) لنقتلها (فذهبت، فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقيت شركم كما
وقيتم شرها قال عمر) بن حفص بن غياث شيخ المؤلّف:
(حفظته) أي الحديث ولأبي ذر عن الكشميهني حفظت بحذف
الضمير المنصوب (من أبي) حفص وزاد (في غار بمنى).
(7/409)
[78] سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}
قَالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا}: لاَ
يَخَافُونَهُ. {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: لاَ
يُكَلِّمُونَهُ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ.
{صوابًا}: حَقًّا فِي الدُّنْيا وَعَمِلَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَهَّاجًا}: مُضِيئًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: {غَسَّاقًا}: غَسَقَتْ عَيْنُهُ،
وَيَغْسِقُ الجُرْحَ يَسِيلُ كَأَنَّ الغَسَّاقَ
وَالغَسِيقَ وَاحِدٌ. {عَطَاءً حِسَابًا}: جَزَاءً
كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي، أَيْ كَفَانِي.
([78] سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ})
مكية وآيها أربعون.
(قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد) فيما وصله الفريابي في
قوله تعالى ({لا يرجون حسابًا}) [النبأ: 27] أي (لا
يخافونه) لإنكارهم البعث.
({لا يملكون منه خطابًا}) أي (لا يكلمونه) خوفًا منه
(إلا أن يأذن لهم) في الكلام ولأبي ذر عن الكشميهني
والحموي لا يملكونه بدل لا يكلمونه.
({صوابًا}) أي (حقًّا في الدنيا وعمل به) وقيل قال لا
إله إلا الله.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({وهاجًا}) أي
(مضيئًا) من وهجت النار إذا أضاءت.
(وقال غيره) غير ابن عباس ({غساقًا}) أي (غسقت عينه)
غسقًا أظلمت وقال ابن عباس الغساق الزمهرير يحرقهم
برده وقيل هو صديد أهل النار وثبت من قوله صوابًا إلى
هنا لأبي ذر (ويغسق الجرح يسيل) منه ماء أصفر (وكأن
الغساق والغسيق واحد) وسقط هذا لغير أبي ذر وذكره
المؤلّف في بدء الخلق ({عطاءً حسابًا}) أي (جزاءً
كافيًا) مصدر أقيم مقام الوصف (أعطاني ما أحتسبني أي
كفاني) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق عطاء حسابًا
أي كثيرًا.
1 - باب {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ
أَفْوَاجًا} زُمَرًا
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يوم ينفخ في
الصور فتأتون}) من قبوركم إلى الموقف ({أفواجًا})
[النبأ: 18] أي (زمرًا).
4935 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا
بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالَ:
أَرْبَعُونَ، يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ:
أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ:
أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: ثُمَّ
يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ
كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ
شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى، إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا
وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ
الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو
ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن
خازم الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي
صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ما بين النفختين) نفخة الإماتة ونفخة البعث (أربعون،
قال): وفي سورة الزمر من طريق عمر بن حفص بن غياث عن
أبيه عن الأعمش قالوا بالجمع أي أصحاب أبي هريرة له
(أربعون يومًا قال) أبو هريرة (أبيت) أي امتنعت من
الأخبار بما لا أعلم (قال) أصحابه (أربعون شهرًا قال)
أبو هريرة (أبيت قال) السائل: (أربعون سنة قال) أبو
هريرة: (أبيت) أي امتنعث عن تعيين ذلك وعند ابن مردويه
من حديث ابن عباس قال بين النفختين أربعون سنة (قال:
ثم ينزل الله من الماء ماء فينبتون) أي الأموات (كما
ينبت البقل ليس من الإنسان) أي غير الأنبياء (شيء إلا
يبلى إلا عظمًا واحدًا) بالنصب على الاستثناء ولأبي ذر
إلا عظم واحد (وهو عجب الذنب) بفتح العين وسكون الجيم
وهو عظم لطيف في رأس العصعص بين الأليتين (ومنه يركب
الخلق يوم القيامة).
وهذا الحديث سبق بالزمر.
[79] سورة وَالنَّازِعَاتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الآيَةَ الْكُبْرَى}: عَصَاهُ،
وَيَدُهُ. يُقَالُ: النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ
سَوَاءٌ، مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالْبَاخِلِ
وَالْبَخِيلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّخِرَةُ
الْبَالِيَةُ وَالنَّاخِرَةُ الْعَظْمُ الْمُجَوَّفُ
الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحَافِرَةِ}: الَّتِي أَمْرُنَا
الأَوَّلُ إِلَى الْحَيَاةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ:
{أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرْسَى
السَّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِى.
([79] سورة وَالنَّازِعَاتِ)
مكية وآيها خمس أو ست وأربعون.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى:
({الآية الكبرى}) [النازعات: 20] هي (عصا) التي قلبت
حيّة (ويده) البيضاء من آياته التسع.
(ويقال الناخرة والنخرة) بالألف أبو بكر وحمزة
والكسائي وبحذفها الباقون (سواء) في المعنى
أي بالية (مثل الطامع والطمع) بفتح الطاء وكسر الميم
(والباخل والبخيل) بالتحتية بعد المعجمة وفي نسخة
والبخل بحذفها والناخرة اسم فاعل والنخرة صفة مشبهة.
قال العيني: وفي تمثيليه بالطامع الخ نظر لما ذكر من
أن الناخر اسم فاعل الخ والتفاوت بينهما في التذكير
والتأنيث ولو قال مثل صانعة وصنعة ونحو ذلك لكان أصوب
وسقط يقال لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والناحل
والنحيل بالنون والحاء المهملة فيهما بدل سابقهما.
(وقال بعضهم) فارقًا بينهما (النخرة البالية والناخرة
العظم المجوّف الذي تمر فيه الريح فينخر) أي يصوّت حتى
يسمع له نخير. (وقال ابن عباس) مما رواه ابن أبي حاتم
({الحافرة}) من قوله: {أئنا لمردودون في الحافرة}
[النازعات: 10] (التي أمرنا) ولأبي ذر إلى أمرنا
(الأول إلى الحياة) بعد أن نموت من قولهم رجع فلان في
حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها
بمشيه وقيل الحافرة
(7/410)
الأرض التي فيها قبورهم ومعناه أئنا لمردودون
ونحن في الحافرة.
(وقال غيره) غير ابن عباس ({أيان مرساها}) [النازعات:
42] أي (متى منتهاها) ومستقرها (ومرسى السفينة) بضم
الميم (حيث تنتهي) والضمير في مرساها للساعدة وقوله
تعالى: {فيما أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها}
[النازعات: 43] أي ليس علمها إليك ولا إلى أحد بل
مردّها إلى الله تعالى فهو الذي يعلم وقتها على
التعيين.
1 - باب
4936 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ،
حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ:
هَكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ،
«بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» {الطَّامَّةُ}:
تَطُمُّ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون
القاف قال: (حدّثنا الفضيل بن سليمان) بضم الفاء
والسين مصغرين النميري بالتصغير البصري قال: (حدّثنا
أبو حازم) بحاء مهملة فزاي معجمة سلمة قال: (حدّثنا
سهل بن سعد) الساعدي (رضي الله عنه قال):
(رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال بإصبعيه) بالتثنية أي ضم بينهما (هكذا بالوسطى
والتي تلي الإبهام) وهي المسبحة وأطلق القول وأراد به
الفعل (بعثت) بضم الباء الموحدة مبنيًّا للمفعول أي
أرسلت (والساعة) يوم القيامة (كهاتين) الإصبعين
والساعة نصب مفعول معه ويجوز الرفع عطفًا على ضمير
الرفع المتصل مع عدم الفاصل وهو قليل وفي رواية أبي
ضمرة عن أبي حازم عند ابن جرير وضم بين إصبعيه الوسطى
والتي تلي الإبهام وقال ما مثلي ومثل الساعة إلاّ
كفرسي رهان.
قال القاضي عياض: وقد حاول بعضهم في تأويله إن نسبة ما
بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى وإن
جملتها سبعة آلاف سنة واستند إلى أخبار لا تصح وذكر ما
أخرجه أبو
داود في تأخير مدة الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة
فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب مما بين
السبابة والوسطى في الطول. قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك
لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار فلو كان ذلك ثابتًا
لم يقع خلافه انتهى. فالصواب الإعراض عن ذلك وتأتي إن
شاء الله تعالى بعونه ومنه بقية مبحث ذلك في الرقاق.
({الطامة}) [النازعات: 34] (تطم على كل شيء) بكسر
الطاء في المستقبل عند أبي ذر.
[80] سورة عَبَسَ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {عَبَسَ}:
كَلَحَ وَأَعْرَضَ. وَقَالَ غَيْرُهُ. {مُطَهَّرَةٍ}:
لاَ يَمَسُّهَا إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وَهُمُ
الْمَلاَئِكَةُ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}: جَعَلَ الْمَلاَئِكَةَ
وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ
عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ
حَمَلَهَا أَيْضًا. {سَفَرَةٍ}: الْمَلاَئِكَةُ،
وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، سَفَرْتُ أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ،
وَجُعِلَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ
اللَّهِ وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ
بَيْنَ الْقَوْمِ وَقَالَ غَيْرُهُ تَصَدَّى:
تَغَافَلَ عَنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لَمَّا يَقْضِ}:
لاَ يَقْضِ أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {تَرْهَقُهَا}: تَغْشَاهَا شِدَّةٌ.
{مُسْفِرَةٌ}: مُشْرِقَةٌ. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ. {أَسْفَارًا}:
كُتُبًا. {تَلَهَّى}: تَشَاغَلَ. يُقَالُ وَاحِدُ
الأَسْفَارِ سِفْرٌ.
([80] سورة عَبَسَ)
مكية وآيها إحدى وأربعون.
(بسم الله الرحمن الرحيم). سقطت البسملة لغير أبي ذر.
({عبس}) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وزاد أبو ذر وتولى (كلح) بفتحتين قال في الصحاح:
الكلوح تكشر في عبوس وقد كلح الرجل كلوحًا وكلاحًا
(وأعرض) هو تفسير وتولى أي أعرض بوجهه الكريم لأجل أن
جاءه الأعمى عبد الله بن أم مكتوم وعنده صناديد قريش
يدعوهم إلى الإسلام فقال: يا رسول الله علمني مما علمك
الله وكرر ذلك ولم يعلم أنه مشغول بذلك، فكره رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعه لكرمه
وعبس وأعرض عنه فعوتب في ذلك بما نزل عليه في هذه
السورة فكان بعد ذلك يقول له إذا جاء: مرحبًا بمن
عاتبني الله فيه ويبسط له رداءه (وقال غيره): سقط هذا
لأبي ذر وهو الصواب كما لا يخفى.
({مطهرة}) من قوله: {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة} [عبس:
13 - 14] (لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة وهذا
مثل قوله) عز وجل: ({فالمدبرات أمرًا}) [النازعات: 5]
قال الكرماني: لأن التدبير لمحمول خيول الغزاة فوصف
الحامل يعني الخيول به فقيل فالمدبرات (جعل الملائكة
والصحف مطهرة) بفتح الهاء المشدّدة (لأن الصحف يقع
عليها التطهير فجعل التطهير لمن حملها أيضًا) بضم جيم
جعل مبنيًّا للمفعول وهذا قاله الفراء. وقيل: مطهرة
منزهة عن أيدي الشياطين.
({سفرة}) [عبس: 15] بالخفض ولأبي ذر بالرفع والأول
موافق للتنزيل (الملائكة وأحدهم سافر سفرت) أي بين
القوم (أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله
وتأديته) إلى أنبيائه (كالسفير الذي يصلح بين القوم)
ومنه قوله:
فما أدع السفارة بين قومي ... ولا أمشي بغش إن مشيت
وقيل: السفرة جمع سافر وهو الكاتب ومثله كاتب وكتبة،
ولأبي ذر وتأديبه بالموحدة بعد التحتية
(7/411)
من الأدب فليتأمل.
(وقال غيره) سقط لأبي ذر كالسابق (تصدى) أي (تغافل
عنه) قال الحافظ أبو ذر ليس هذا بصحيح وإنما يقال تصدى
للأمر إذا رفع رأسه إليه فأما تلهى فتغافل وتشاغل عنه
انتهى لأنه لم يتغافل عن المشرك إنما تغافل عمن جاءه
يسعى.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({لما يقض}) [عبس:
23] أي (لا يقضي أحد) من لدن آدم إلى هذه الغاية (ما
أمر به) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول إذ لم يخل أحد من
تقصير ما (وقال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم
({ترهقها}) أي (تغشاها) قترة أي (شدة) وقيل سواد
وظلمة.
({مسفرة}) أي (مشرقة) مضيئة.
({بأيدي سفرة} وقال ابن عباس): وفي نسخة بإسقاط الواو
وهو الأوجه في معنى بأيدي سفرة (كتبة) أي من الملائكة
ينسخون من اللوح المحفوظ أو الوحي ({أسفارًا}) أي
(كتبًا) ذكره استطرادًا.
({تلهى}) [عبس: 15] أي (تشاغل يقال واحد الأسفار سفر)
وهي الكتب العظام وسقط يقال لأبي ذر.
4937 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ
أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ
عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ
الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ
أَجْرَانِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال سمعت
زرارة بن أوفى) بفتح الفاء والهمزة (يحدث عن سعد بن
هشام) الأنصاري (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(مثل الذي يقرأ القرآن) بفتح الميم والمثلثة صفته (وهو
حافظ له) لا يتوقف فيه ولا يشق عليه لجودة حفظه
وإتقانه كونه (مع السفرة الكرام) جمع سافر ككاتب وكتبة
وهم الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله ولأبي
ذر زيادة البررة أي المطيعين أو المراد أن يكون رفيقًا
للملائكة السفرة لاتصاف بعضهم بحمل كتاب الله، أو
المراد أنه عامل بعملهم وسالك مسالكهم
من كون أنهم يحفظونه ويؤذونه إلى المؤمنين ويكشفون لهم
ما يلتبس عليهم (ومثل الذي) أي وصفة الذي (يقرأ وهو
يتعاهده وهو عليه شديد) لضعف حفظه مثل من يحاول عبادة
شاقة يقوم بأعبائها مع شدتها وصعوبتها عليه (فله
أجران) أجر القراءة وأجر التعب، وليس المراد أن أجره
أكثر من أجر الماهر بل الأول أكثر ولذا كان مع السفرة
ولمن رجح ذلك أن يقول الأجر على قدر المشقّة لكن لا
نسلم أن الحافظ الماهر خالٍ عن مشقة لأنه لا يصير كذلك
إلا بعد عناء كثير ومشقة شَديدة غالبًا والواو في قوله
وهو حافظ وهو يتعاهده ولاحقه الثلاثة للحال وجواب
المبتدأ الذي هو مثل محذوف تقديره كونه في الأول ومثل
من يحاول في الثاني كما مرّ.
[81] سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
{انْكَدَرَتْ}: انْتَثَرَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ
{سُجِّرَتْ}: ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلاَ يَبْقَى قَطْرَةٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {الْمَسْجُورُ}: الْمَمْلُوءُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ {سُجِرَتْ}: أفْضى بَعْضُهَا إِلَى
بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا. {وَالْخُنَّسُ}:
تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ. وَتَكْنِسُ
تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ. {تَنَفَّسَ}:
ارْتَفَعَ النَّهَارُ. {وَالظَّنِينُ}: الْمُتَّهَمُ.
وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ
{النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}: يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ قَرَأَ -رضي الله
عنه- {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}.
{عَسْعَسَ}: أَدْبَرَ.
([81] سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ})
مكية وآيها تسع وعشرون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر.
({انكدرت}: انتثرت) من السماء وسقطت على الأرض (وقال
الحسن) البصري فيما وصله الطبري ({سجرت}) في قوله
تعالى: {وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6] أي (ذهب)
ولأبي ذر يذهب (ماؤها فلا يبقى) فيها (قطرة) ولأبي ذر
فلا تبقى بالفوقية. وقال ابن عباس أوقدت فصارت نارًا
تضطرم.
(وقال مجاهد) فيما وصله الطبري: ({المسجور} المملوء)
وسبق بسورة الطور (وقال غيره) غير مجاهد ({سجرت} أفضى)
ولأبي ذر أفضي بضم الهمزة وكسر الضاد (بعضها إلى بعض
فصارت بحرًا واحدًا) وهو معنى قول السدّي فيما أخرجه
ابن أبي حاتم.
({والخنس} تخنس) بفتح التاء وكسر النون (في مجراها
ترجع) وراءها بينا ترى النجم في آخر البرج إذا كرّ
راجعًا إلى قوله (وتكنس) بكسر النون (تستتر) تخفي تحت
ضوء الشمس (كما تكنس الظباء) بالجمع ولأبي ذر كما يكنس
الظبي أي يستتر في كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان
الشجر والمراد النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ
وزهرة وعطارد.
({تنفس}) [التكوير: 18] أي (ارتفع النهار) وقال ابن
الخازن في تنفسه قولان أحدهما أن في إقباله روحًا
ونسيمًا فجعل ذلك نفسًا على المجاز الثاني أنه شبه
الليل بالمكروب المحزون فإذا حصل له التنفس وجد راحة
فكأنه تخلص من الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة
لطيفة.
({والظنين}) بالظاء في قراءة ابن كثير وأبي عمرو
(7/412)
والكسائي (المتهم) من الظنة وهي التهمة
(والضنين) بالضاد (يضنّ به) أي لا يبخل بالتبليغ
والتعليم.
(وقال عمر) بن الخطاب فيما وصله عبد بن حميد ({النفوس}
زوجت يزوّج) بفتح الواو مشددة الرجل (نظيره من أهل
الجنة والنار ثم قرأ) عمر (-رضي الله عنه-: {احشروا
الذين ظلموا وأزواجهم}) [الصافات: 22] وأخرج الفراء من
طريق عكرمة قال: يقرن الرجل في الجنة بقرينه الصالح في
الدنيا ويقرن الرجل الذي كان يعمل السوء في الدنيا
بقرينه الذي كان يعينه في النار، وقيل يزوّج المؤمنون
بالحور العين ويزوّج الكافرون بالشياطين. حكاه القرطبي
في تذكرته.
({عسعس}) [التكوير: 17] أي (أدبر) وقال الحسن: أقبل
ظلامه وهو من الأضداد ويدل على أن المراد هنا أدبر
قوله والصبح إذا تنفس أي امتدّ ضوءه حتى يصير نهارًا.
[82] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ {فُجِّرَتْ}: فَاضَتْ.
وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ {فَعَدَلَكَ}:
بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ
بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ.
وَمَنْ خَفَّفَ يَعْنِي فِي أَىِّ صُورَةٍ شَاءَ:
إِمَّا حَسَنٌ وَإِمَّا قَبِيحٌ، وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ.
([82] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ})
مكية وآيها تسع عشرة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر.
(وقال الربيع بن خيثم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة
فيما رواه عبد بن حميد في قوله تعالى: {فجرت})
[الانفطار: 3] أي (فاضت) قال الزركشي: ينبغي قراءته
بالتخفيف فإنها القراءة المنسوبة للربيع صاحب هذا
التفسير.
(وقرأ الأعمش وعاصم) وكذا حمزة والكسائي ({فعدلك})
(الانفطار: 7] (بالتخفيف وقرأه) ولأبي ذر: وقرأ (أهل
الحجاز) وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي (بالتشديد
وأراد معتدل الخلق) أي جعله متناسب الأطراف فلم يجعل
إحدى يديه أطول ولا إحدى عينيه أوسع (ومن خفف يعني في
أي صورة شاء إما حسن وإما قبيح وطويل وقصير) ولأبي ذر:
أو طويل أو قصير قاله الفراء.
[83] سورة {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {بَلْ رَانَ}: ثَبْتُ الْخَطَايَا.
{ثُوِّبَ}: جُوزِيَ. الرحيق: الخمر. {خِتَامُهُ
مِسْكٌ}: طِينُهُ. التَّسْنِيمُ: يَعْلُو شَرَابَ
أَهْلِ الجَنَّة. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُطَفِّفُ لاَ
يُوَفِّي غَيْرَهُ.
([83] سورة {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ})
مكية أو مدنية وآيها ستّ وثلاثون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير
أبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({بل
ران}) [المطففين: 14] وسقط لغير أبي ذر أي (ثبت
الخطايا) بفتح المثلثة وسكون الموحدة بعدها مثناة
فوقية حتى غمرتها والران الغشاوة على القلب كالصدأ على
الشيء الصقيل من سيف ونحوه قال:
وكم ران من ذنب على قلب فاجر ... فتاب من الذنب الذي
ران فانجلى
وأصل الرين الغلبة ومنه رانت الخمر على عقل شاربها،
ومعنى الآية أن الذنوب غلبت على قلوبهم وأحاطت بها،
وفي الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: إن
العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة فإن هو نزع
واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو
الران الذي ذكر الله في كتابه: كلا بل ران على قلوبهم.
({ثوب}) [المطففين: 36] أي (جوزي) قاله مجاهد فيما
وصله الفريابي. (الرحيق) أي (الخمر) الخالص من الدنس
({ختامه مسك}) [المطففين: 26] أي (طينه) أو آخر شربه
يفوح منه رائحة المسك.
(التنسيم يعلو شراب أهل الجنة) أي ينصب عليهم من علو
في غرفهم ومنازلهم أو يجري في الهواء متسنمًا ينصب في
أوانيهم على قدر ملئها فإذا امتلأت أمسك وهذا ثابت
للنسفي وحده من قوله الرحيق الخ ...
(وقال غيره) غير مجاهد (المطفف) هو الذي (لا يوفي
غيره) حقه في المكيال والميزان والطفف النقص ولا يكاد
المتطفف يسرق في الكيل والوزن إلا الشيء التافه الحقير
وقوله غيره بعد قوله لا يوفي ثابت في رواية أبي ذر عن
الكشميهني.
1 - بَاب {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ}
({يوم يقوم الناس}) من قبورهم ({لرب العالمين})
[المطففين: 6] لأجل أمره وحسابه وجزائه وهذه الآية
ثبتت لأبي ذر.
4938 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] حَتَّى يَغِيبَ
أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ».
[الحديث 4938 - أطرافه في: 6531].
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي
المدني قال: (حدّثنا معن) هو ابن عيسى القزاز قال:
(حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم والحديث من
غرائبه وليس في موطئه (عن نافع عن
(7/413)
عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي)
ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
({يوم يقوم الناس لرب العالمين}) [المطففين: 6] يوم
القيامة وتدنو الشمس منهم مقدار ميل (حتى يغيب أحدهم
في رشحه) بفتح الراء وسكون المعجمة في الفرع وضبطه في
الفتح والمصابيح بفتحتين جميعًا عرقه لأنه يخرج من
بدنه شيئًا فشيئًا كما يترشح الإناء المتحلل الأجزاء،
وفي رواية سعيد بن داود حتى أن العرق يلجم أحدهم (إلى
أنصاف أذنيه).
قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه إضافة الجمع إلى المثنى
وهل هو مثل صغت قلوبكما؟ وأجاب: بأنه لما كان لكل شخص
أُذنان بخلاف القلب لا يكون مثله بل يصير من باب إضافة
الجمع إلى الجمع حقيقة ومعنى انتهى.
وحكى القاضي أبو بكر بن العربي أن كل أحد يقوم عرقه
معه وهو خلاف المعتاد في الدنيا فإن الجماعة إذا وقفوا
في الأرض المعتادة أخذهم الماء أخذًا واحدًا لا
يتفاوتون فيه وهذا من القدرة التي تخرق العادات
والإيمان بها من الواجبات، ويأتي لذلك إن شاء الله
تعالى في محله بعون الله تعالى وفضله وكرمه.
[84] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}
قَالَ مُجَاهِدٌ {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}: يَأْخُذُ
كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. {وَسَقَ}: جَمَعَ
مِنْ دَابَّةٍ. {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: لاَ
يَرْجِعَ إِلَيْنَا.
([84] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ})
ثبت لفظ سورة لأبي ذر.
(قال) ولأبي ذر: وقال (مجاهد): فيما وصله الفريابي في
قوله تعالى: ({كتابه بشماله}) [الحاقة: 5] أي (يأخد
كتابه من وراء ظهره) تجعل يده من وراء ظهره فيأخذ بها
كتابه وتغل يمناه إلى عنقه.
({وسق}) [الانشقاق: 17] أي (جمع) ما دخل عليه (من
دابة) وغيرها.
({ظن أن لن يحور} [الانشقاق: 14]. أي (لا يرجع إلينا)
ولا يبعث والحور الرجوع.
1 - باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فَسَوْفَ
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}) [الانشقاق: 8].
سوف من الله واجب والحساب اليسير هو عرض عمله عليه كما
يأتي إن شاء الله تعالى في هذا الحديث وثبت التبويب
وتاليه لأبي ذر.
4939 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) الفلاس قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن الأسود) الجمحي أنه
(قال: سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله قال: (سمعت عائشة)
-رضي الله عنها- (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (سليمان بن
حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الجهضمي
البصري (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد
الله (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي
يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ أَحَدٌ
يُحَاسَبُ إِلاَّ هَلَكَ». قَالَتْ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ،
أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ
يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ».
وقال المؤلّف أيضًا: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا
(مسدد) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الدال
المهملة الأولى ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان
(عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة) بالصاد المهملة
المفتوحة والغين المعجمة المكسورة الباهلي البصري (عن
ابن أبي مليكة عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق
(عن عائشة -رضي الله عنها-) فهذه ثلاثة أسانيد صرح في
الأوّلين منها بأن ابن أبي مليكة حمل الحديث عن عائشة
بغير واسطة، وفي الثالث بواسطة القاسم بن محمد عنها
فحمله النووي على أنه سمعه من عائشة وسمعه من القاسم
عنها فحدّث به على الوجهين. قال في الفتح: وهو مجرد
احتمال وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مليكة له من
عائشة كما في السند الأول فانتفى القول بإسقاط رجل من
السند وتعين الحمل على أنه سمعه من عائشة ثم من القاسم
عنها أو بالعكس والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما
ليس في
روايته بغير واسطة. (قالت: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت يا رسول الله جعلني
الله فداءك)، بالهمز (أليس يقول الله عز وجل: {فأما من
أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} قال)
عليه الصلاة والسلام: (ذاك) بكسر الكاف (العرض يعرضون)
بأن تعرض عليه أعماله فيعرف الطاعة والمعصية ثم يثاب
على الطاعة ويتجاوز عن المعصية ولا يطالب بالعذر فيه
(ومن نوقش الحساب) بضم النون وكسر القاف مبنيًا
للمفعول والحساب نصب بنزغ الخافض أي من استقصى أمره في
الحساب (هلك) بالعذاب في النار أو أن نفس عرض الذنوب
والتوقيف على
(7/414)
قبيح ما سلف والتوبيخ عذاب وفيه بحث يأتي إن
شاء الله تعالى في الرقاق.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق ومسلم في صفة النار
والترمذي والنسائي في التفسير.
2 - باب {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({لتركبنّ طبقًا
عن طبق}) [الانشقاق: 19] أصله لتركبونن فحذفت نون
الرفع لتوالي الأمثال والواو لالتقاء الساكنين وفتح
الباء ابن كثير وحمزة والكسائي خطابًا للواحد والباقون
بضمها خطابًا للجمع وسقط لفظ باب وما بعده لغير أبي
ذر.
4940 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ،
أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ
جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}:
حَالًا بَعْدَ حَالٍ، قَالَ: هَذَا نَبِيُّكُمْ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (سعيد بن
النضر) بسكون الضاد المعجمة البغدادي قال: (أخبرنا
هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير قال: (أخبرنا أبو
بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (جعفر بن إياس) بكسر
الهمزة وتخفيف الياء ابن أبي وحشية (عن مجاهد) المفسر
أنه (قال: قال ابن عباس) في قوله تعالى: ({لتركبن})
بضم الموحدة وفي اليونينية بفتحها ({طبقًا عن طبق}) أي
(حالًا بعد حال. قال: هذا نبيكم -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني يكون ذلك الظفر والغلبة على
المشركين حتى يختم لك بجميل العاقبة فلا يحزنك تكذيبهم
وتماديهم في كفرهم، وقيل سماء بعد سماء كما وقع في
الإسراء، والمعنى على الجمع لترك بن أيها الناس حالًا
بعد حال وأمرًا بعد أمر وذلك في موقف القيامة أو
الشدائد والأهوال الموت ثم البعث ثم العرض أو حال
الإنسان حالًا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم
كهل ثم شيخ.
[85] سورة الْبُرُوجِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الأُخْدُودِ}: شَقٌّ فِي
الأَرْضِ. {فَتَنُوا}: عَذَّبُوا. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: الوَدُودُ: الحَبِيبُ: المَجِيدُ الكَرِيمُ.
([85] سورة البروج)
مكية وآيها اثنتان وعشرون وسقط لغير أبي ذر سورة.
(قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد) فيما رواه عبد بن حميد في
قوله: ({الأخدود}) [البروج: 4] هو (شق في الأرض) وقال
غيره المستطيل في الأرض. وروى مسلم عن صهيب أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: كان
فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر فلما كبر قال للملك
إني قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أعلّمه السحر فبعث
إليه غلامًا يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد
إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مرّ
بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى
الراهب فقال له: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا
خشيت أهلك فقل حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى
على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر
أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان
أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة
حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب
فأخبره فقال له الراهب: أي بنيّ أنت اليوم أفضل مني قد
بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل
عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس
سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا
كثيرة فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني. قال:
إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله عز وجل فإن آمنت
بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى
الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من ردّ
عليك بصرك؟ فقال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: الله
ربي وربك فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام فجيء
بالغلام فقال له الملك: أي بنيّ قد بلغ من سحرك ما
تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. قال: إني لا أشفي
أحدًا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على
الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا
بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقّه به حتى وقع
شقّاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى
فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء
بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من
أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به
الجبل فإذا بلغتم به ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ
فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم
اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى
الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم
الله فدفعه إلى
(7/415)
نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في
قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلاّ فاقذفوه
فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم
السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما
فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست
بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع
الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من
كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله ربّ
هذا الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع
الناس في صعيد واحد فصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من
كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله
ربّ هذا الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده
في صدغه موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام
آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت
تحذره قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس، فأمر
بالأخدود بأفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال: مَن
لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا
حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها
فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق.
({فتنوا}) [البروج: 10] أي (عذبوا) قاله مجاهد فيما
وصله الفريابي.
(وقال ابن عباس الودود) هو (الحبيب) المتودد إلى
أوليائه بالكرامة (المجيد) أي (الكريم) وقول ابن عباس
هذا ساقط في الفرع كأصله ثابت في رواية النسفيّ وحده.
[86] سورة الطَّارِقِ
هُوَ النَّجْمُ، وَمَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ
طَارِقٌ. {النَّجْمُ الثَّاقِبُ}: المُضِيءُ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {ذَاتِ الرَّجْعِ} سَحَابٌ يَرْجِعُ
بِالْمَطَرِ {ذَاتِ الصَّدْعِ} الأرض تَتصدَّعُ
بِالنَّباتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَوْلٌ
فَصْلٌ}: لَحَقٌّ. {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: إِلاَّ
عَلَيهَا حَافِظٌ.
([86] سورة الطَّارِقِ)
ثبت لفظ سورة لأبي ذر وهي مكية وآيها سبع عشرة.
(هو) أي الطارق (النجم وما أتاك ليلًا فهو طارق) ولا
يسمى ذلك بالنهار فسمي به النجم لظهوره ليلًا ({النجم
الثاقب}) هو (المضيء) وهذا كله ثابت للنسفي وحده ساقط
في الفرع كأصله.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({ذات الرجع})
[الطارق: 11] هي (سحاب يرجع المطر) ولأبي ذر ترجع
بالفوقية بدل التحتية وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء
السحاب).
({ذات}) ولأبي ذر وذات ({الصدع}) [الطارق: 12]. هي
(الأرض تتصدع بالنبات) والعيون.
(وقال ابن عباس: {لقول فصل}) [الطارق: 13] أي (لحق)
وجدّ يفصل بين الحق والباطل.
({لما عليها حافظ}) [الطارق: 4] أي (إلا عليها حافظ)
وهذا التفسير على تشديد ميم لما وهي قراءة عاصم وابن
عامر وحمزة وإن نافية وثبت قوله وقال ابن عباس إلى
آخره للنسفي وحده وسقط من الفرع كأصله.
[87] سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {قّدَّرَ فَهَدَى}: قَدَّرَ
لِلإِنسَانِ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ. {وَهَدَى
الأَنْعَامَ}: لِمَراتِعَها.
([87] سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى})
ثبت سورة الأعلى لأبي ذر وهي مكية وآيها تسع عشرة.
ومعنى ({سبح اسم ربك}) أي نزّه ربك (الأعلى) عما يصفه
الملحدون فالاسم صلة وبه يحتج من جعل الاسم والمسمى
واحدًا لأن أحدًا لا يقول سبحان اسم الله بل سبحان
الله وقال قوم: أي نزّه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له
معظِّم ولذكره محترم فجعلوا الاسم بمعنى التسمية فكما
أنه يجب تنزيه ذاته وصفاته عن النقائص يجب تنزيه
الألفاظ الموضوعة لها عن سوء الأدب.
وقد سبق في أول هذا المجموع مزيد لذلك والله الموفق.
(وقال مجاهد) في قوله ({قدّر فهدى}) [الأعلى: 3] أي
(قدّر للإنسان الشقاء والسعادة) ({وهدى الأنعام}
لمراتعها) وصله الطبري وثبت للنسفي وحده.
4941 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ
-رضي الله عنه- قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ
مَكْتُومٍ، فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ،
ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلاَلٌ وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ
فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلاَئِدَ
وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَاءَ فَمَا
جَاءَ، حَتَّى قَرَأْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان (قال
أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن
الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن
البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: أول مَن قدم
علينا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) المدينة من المهاجرين (مصعب بن عمير) بضم
العين مصغرًا وضم ميم مصعب (وابن أم مكتوم) عمرو بن
قيس العامر (فجعلا يقرئاننا القرآن) أي ما نزل منه (ثم
جاء) المدينة أيضًا (عمار) يعني ابن ياسر (وبلال)
المؤذن (وسعد) يعني ابن أبي وقاص (ثم جاء) أيضًا (عمر
بن
(7/416)
الخطاب) -رضي الله عنه- (في) جملة (عشرين) من
الصحابة ذكر منهم ابن إسحاق زيد بن الخطاب وسعيد بن
زيد بن عمرو وعمرًا وعبد الله ابني سراقة وخنيس بن
حذافة وواقد بن عبد الله وخولي بن أبي خولي وأخاه
هلالًا وعياش بن أبي ربيعة وخالدًا وإياسًا وعامرًا
وعاقلًا بني البكير وهم الثلاثة عشر فلعل الباقي كانوا
أتباعًا لهم (ثم جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به)
أي كفرحهم به فهو نصب بنزع الخافض (حتى رأيت الولائد)
جمع وليدة الصبية والأمة (والصبيان يقولون: هذا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جاء)
حذفت التصلية لأبي ذر قال: لأن الصلاة عليه إنما كان
ابتداء مشروعيتها
في السنة الخامسة من الهجرة، والظاهر أنه يشير إلى آية
الأمر بها وهذا غير متجه لأنه قد ورد في حديث الإسراء
ذكر الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والإسراء كان بمكة فلا وجه للإنكار قال
البراء: (فما جاء) عليه الصلاة والسلام المدينة (حتى
قرأت: {سبح اسم ربك الأعلى} في سورة مثلها) وزاد في
الهجرة من المفصل وثبت لفظ مثلها لأبي ذر.
[88] سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}:
النَّصَارَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {عَيْنٍ آنِيَةٍ}:
بَلَغَ إِنَاهَا وَحَانَ شُرْبُهَا. {حَمِيمٍ آنٍ}:
بَلَغَ إِنَاهُ. {لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً}:
شَتْمًا. الضَّرِيعُ: نَبْتٌ يُقَالَ لَهُ:
الشِّبْرِقُ، يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ
إِذَا يَبِسَ وَهْوَ سَمٌّ {بِمُسَيْطِرٍ}:
بِمُسَلَّطٍ وَيُقْرَأُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {إِيَابَهُمْ}: مَرْجِعَهُمْ.
([88] سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ})
مكية وآيها ست وعشرون ولأبي ذر سورة هل أتاك بسم الله
الرحمن الرحيم وسقط له حديث الغاشية ولغيره البسملة.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله
تعالى: ({عاملة ناصبة) [الغاشية: 3] (النصارى) وزاد
ابن أبي حاتم واليهود والثعلبي والرهبان يعني أنهم
عملوا ونصبوا في الدين على غير دين الإسلام فلا يقبل
منهم وقيل عاملة ناصبة في النار كجر السلاسل وخوضها في
النار خوض الإبل في الوحل والصعود والهبوط في تلالها
ووهادها.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({عين آنية})
[الغاشية: 5] بلغ (إناها) بكسر الهمزة بعد النون ألف
غير مهموز وقتها في الحر فلو وقعت منها قطرة على جبال
الدنيا لذابت وقال أبو ذر إناها حينها. (وحان شربها:
{حميم آن} بلغ إناه) أي حان ({لا تسمع فيها}) أي الجنة
({لاغية}) [الغاشية: 11]. أي (شتمًا) ولا غيره من
الباطن.
(الضريع) ولأبي ذر ويقال الضريع (نبت) له شوك (يقال له
الشبرق) بكسر المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة
(تسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس وهو سم) لا تقر به
دابة لخبثه.
({بمسيطر}) [الغاشية: 22] أي (بمسلط) فتقتلهم وتكرههم
على الإيمان وهذا منسوخ بآية القتال. (ويقرأ) مصيطر
(بالصاد والسين) وهذه قراءة هشام وهي على الأصل.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن المنذر في قوله
({إيابهم}) [الغاشية: 25] أي (مرجعهم) بعد الموت.
[89] سورة وَالْفَجْرِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْوَتْرُ: اللَّهُ. {إِرَمَ ذَاتِ
الْعِمَادِ}: الْقَدِيمَةِ. وَالْعِمَادُ: أَهْلُ
عَمُودٍ لاَ يُقِيمُونَ. {سَوْطَ عَذَابٍ}: الَّذِي
عُذِّبُوا بِهِ. {أَكْلًا لَمًّا}: السَّفُّ وَ
{جَمًّا}: الْكَثِيرُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ كُلُّ شَيْءٍ
خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ. السَّمَاءُ شَفْعٌ.
{وَالْوَتْرُ}: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ
غَيْرُهُ {سَوْطَ عَذَابٍ}: كَلِمَةٌ تَقُولُهَا
الْعَرَبُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ يَدْخُلُ
فِيهِ السَّوْطُ. {لَبِالْمِرْصَادِ}: إِلَيْهِ
الْمَصِيرُ. {تَحَاضُّونَ}: تُحَافِظُونَ.
وَيَحُضُّونَ: يَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ.
{الْمُطْمَئِنَّةُ}: الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
المُطْمَئِنَّةُ}: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ قَبْضَهَا اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللَّهِ
وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَرَضِيَتْ عَنِ
اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَمَرَ بِقَبْضِ
رُوحِهَا وَأَدْخَلَهَا اللَّهُ الْجَنَّةَ وَجَعَلَهُ
مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ.
{جَابُوا}: نَقَبُوا، مِنْ جِيبَ الْقَمِيصُ قُطِعَ
لَهُ جَيْبٌ. يَجُوبُ الْفَلاَةَ: يَقْطَعُهَا.
{لَمًّا}: لَمَمْتُهُ أَجْمَعَ، أَتَيْتُ عَلَى
آخِرِهِ.
([89] سورة وَالْفَجْرِ)
مكية وآيها تسع وعشرون وثبت سورة لأبي ذر.
(قال مجاهد الوتر: الله) لانفراده بالألوهية وحذف ما
بعد مجاهد لأبي ذر.
({إرم ذات العماد}) [الفجر: 7] أي (القديمة) يعني
عادًا الأولى ولأبي ذر يعني القديمة وفي اليونينية إرم
ذات بكسر الهمز وسكون الراء وفتح الميم ورويت عن
الضحاك لكن بفتح الهمزة وأصله إرم على وزن فعل كفخذ
فخفف (والعماد) رفع مبتدأ خبره (أهل عمود) أي خيام (لا
يقيمون) في بلد وكانوا سيّارة ينتجعون الغيث وينتقلون
إلى الكلأ حيث كان، وعن ابن عباس إنما قيل لهم ذات
العماد لطولهم واختار الأول ابن جرير وردّ الثاني. قال
ابن كثير: فأصاب وحينئذٍ فالضمير يعود على القبيلة
قال: وأما ما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية من
ذكر مدينة يقال لها إرم ذات العماد مبنية بلبن الذهب
والفضة وأن حصباءها لآلئ وجواهر وترابها بنادق المسك
إلى غير ذلك من الأوصاف وأنها تنتقل فتارة تكون بالشام
وتارة باليمن وأخرى بغيرهما من الأرض فمن خرافات
الإسرائيليين وليس لذلك حقيقة.
وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم من
(7/417)
طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن أبي قلابة في
هذه القصة أيضًا وذكر عجائبها فقال في افتح فيها ألفاظ
منكرة وراويها عبد الله بن أبي قلابة لا يعرف. وفي
إسناده ابن لهيعة ومثله ما يخبر به كثير من الكذبة
المتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض بها قناطير الذهب
والفضة والجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير، لكن
عليها موانع تمنع من الوصول إليها فيحتالون على أموال
ضعفة العقول والسفهاء فيأكلونها بحجة صرفها في بخورات
ونحوها من الهذيانات وتراهم ينفقون على حفرها الأموال
الجزيلة ويبلغون في العمق غاية ولا
يظهر لهم إلا التراب والحجر الكدان فيفتقر الرجل منهم
وهو مع ذلك لا يزداد إلا طلبًا حتى يموت.
({سوط عذاب}) [الفجر: 13] (الذي) ولأبي ذر الذين
(عذبوا به) وعن قتادة مما رواه ابن أبي حاتم كل شيء
عذب به فهو سوط عذاب.
({أكلًا لمَّا}) [الفجر: 19] (السفّ) من سففت إلى أسفه
سفًّا.
(وجما الكثير) أي يحبون جمع المال وسقط واو جمًّا لأبي
ذر.
(وقال مجاهد) في قوله تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر:
3] (كل شيء خلقه) تعالى (فهو شفع السماء شفع) أي للأرض
كالذكر والأنثى ({والوتر}) بفتح الواو وتكسر هو (الله
تبارك وتعالى) وسبق.
(وقال غيره) غير مجاهد ({سوط عذاب} كلمة تقولها العرب
لكل نوع من العذاب يدخل فيه السوط) قاله الفراء.
({لبالمرصاد}) [الفجر: 14] (إليه المصير) وقال ابن
عباس بحيث يسمع ويرى وقيل يرصد أعمال بني آدم لا يفوته
شيء منها.
({تحاضون}) بفتح التاء والحاء فألف وبها قرأ الكوفيون
أي (تحافظون وتحضون) بغير ألف (تأمرون بإطعامه)
المساكين.
({المطمئنة}) [الفجر: 27] هي (المصدقة بالثواب) وهي
الثابتة على الإيمان (وقال الحسن) البصري فيما وصله
ابن أبي حاتم ({يا أيها النفس المطمئنة}) [الفجر: 27]
إذا أراد الله عز وجل (قبضها اطمأنت إلى الله واطمأن
الله إليها) إسناد الاطمئنان إلى الله مجاز يراد به
لازمه وغايته من نحو إيصال الخير وفيه المشاكلة ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي واطمأن إليه بتذكير الضمير أي
إلى الشخص (ورضيت عن الله ورضي الله عنها) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي عنه (فأمر) بالفاء ولأبي ذر وأمر
(بقبض روحها وأدخلها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
أيضًا وأدخله (الله الجنة وجعله من عباده الصالحين)
وقال عطاء النفس المطمئنة هي العارفة بالله التي لا
تصبر عن الله طرفة عين.
(وقال غيره) غير الحسن ({جابوا}) أي (نقبوا) بالتخفيف
أي نقبوا الصخر وأصل الجيب القطع مأخوذ (من جيب
القميص) أي (قطع له جيب) وكذلك قولهم فلان (يجوب
الفلاة) أي (يقطعها) وجيب بفتح الجيم وجر الموحدة بمن
والقميص خفض وبكسر الجيم ونصب الموحدة والقميص رفع
وسقط لفظ من لأبي ذر.
({لمًّا}) في قوله تعالى: ({ويأكلون التراث أكلًا
لمًّا} (لممته أجمع أتيت على آخره) قاله أبو عبيدة
وسبق معناه وسقط لأبي ذر.
[90] سورة {لاَ أُقْسِمُ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {بِهَذَا الْبَلَدِ}: مَكَّةَ،
لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ
الإِثْمِ. {وَوَالِدٍ}: آدَمَ {وَمَا وَلَدَ}.
{لُبَدًا}: كَثِيرًا. وَالنَّجْدَيْنِ: الْخَيْرُ
وَالشَّرُّ. {مَسْغَبَةٍ}: مَجَاعَةٍ. {مَتْرَبَةٍ}:
السَّاقِطُ فِي التُّرَابِ. يُقَالُ: {فَلاَ اقْتَحَمَ
الْعَقَبَةَ}: فَلَمْ يَقْتَحِمِ الْعَقَبَةَ فِي
الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ الْعَقَبَةَ فَقَالَ:
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ *
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ}. {فِي
كَبَدٍ}: شِدَّةٍ.
([90] سورة {لاَ أُقْسِمُ})
مكية وآيها عشرون ولأبي ذر سورة: لا أقسم.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({بهذا البلد}: مكة)
ولأبي ذر {وأنت حل بهذا البلد} [البلد: 2] مكة (ليس
عليك ما على الناس فيه من الإثم) أي أنت على الخصوص
تستحله دون غيرك لجلالة شأنك كما جاء لم تحل لأحد قبلي
ولا تحل لأحد بعدي وأنت على هذا من باب التقديم
للاختصاص نحو أنا عرفت وقال الواحدي إن الله تعالى لما
ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها مع كونها حرامًا
فوعد نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يحلها له يقاتل فيها وأن يفتحها على يده ويكون فيها
حلاًّ والجملة اعتراض بين المقسم به وما عطف عليه.
({ووالد} آدم {وما ولد}) [البلد: 3] أي من الأنبياء
والصالحين من ذريته لأن الكافر وإن كان من ذريته لكن
لا حرمة له حتى يقسم به أو المراد بوالد إبراهيم وبما
ولد محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما
بمعنى من قال في الأنوار وإيثار ما على من لمعنى
التعجب كما في قوله تعالى: ({والله أعلم بما وضعت} [آل
عمران: 36].
({لبدًا}) [البلد: 6] بضم اللام وفتح الموحدة لأبي ذر
جمع
(7/418)
لبدة كغرفة وغرف وهي قراءة العامة ولغير أبي
ذر لبدًا بكسر اللام أي (كثيرًا) من تلبد الشيء إذا
اجتمع.
(والنجدين) هما (الخير والشر) قال الزجاج النجدان
الطريقان الواضحان والنجد المرتفع من الأرض والمعنى
ألم نبين له طريقي الخير والشر وقال ابن عباس النجدين
الثديين وهما مما يقسم به العرب تقول أما ونجديها ما
فعلت تريد ثديي المرأة لأنهما كالنجدين للبطن.
({مسغبة}) [البلد: 14] أي (مجاعة) والسغب الجوع.
({متربة}) ولأبي ذر برفع الثلاثة أي (الساقط في
التراب) ليس له بيت لفقره.
(يقال {فلا اقتحم العقبة}) [البلد: 11، 14] (فلم يقتحم
العقبة) فلم يجاوزها (في الدنيا) ليأمن (ثم فسر العقبة
فقال: {وما أدراك}) أي أعلمك ({ما العقبة}) التي
يقتحمها وبين سبب جوازها بقوله ({فك رقبة}) برفع الكاف
على إضمار مبتدأ أي هو فك وخفض رقبة بالإضافة من
الرق بإعاقتها ({أو إطعام}) بهمزة مكسورة وألف بعد
العين ورفع ميم إطعام منوّنًا وقراءة ابن كثير وأبي
عمرو والكسائي فك بفتح الكاف فعلًا ماضيًا رقبة نصب
أطعم فعلًا ماضيًا أيضًا ({في يوم ذي مسغبة}) [البلد:
11، 14] مجاعة وهذا تنبيه على أن النفس لا توافق
صاحبها في الإنفاق لوجه الله تعالى البتة فلا بد من
التكلف وحمل المشقّة على النفس والذي يوافق النفس
الافتخار والمراواة فكأنه تعالى ذكر هذا المثل بإزاء
ما قال أهلكت مالًا لبدًا والمراد بيان الإنفاق المفيد
وإن ذلك الإنفاق مضرّ قاله صاحب الفرائد فيما حكاه في
فتوح الغيب.
({في كبد}) [البلد: 4] أي (شدة) أي شدة خلق وقال ابن
عباس في نصب وقيل شدة مكايد مصائب الدنيا وشدائد
الآخرة وهذا ثابت للنسفي وحده.
[91] سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {ضُحَاهَا}: ضَوْؤُهَا. {إِذَا تَلاَهَا}:
تَبِعَهَا. {وَطَحَاهَا}: دَحَاهَا. {دَسَّاهَا}:
أَغْوَاهَا. {فَأَلْهَمَهَا}: عَرَّفَهَا الشَّقَاءَ
وَالسَّعَادَة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِطَغْوَاهَا}:
بِمَعَاصِيهَا. {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}: عُقْبَى
أَحَدٍ.
([91] سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا})
مكية وآيها خمس عشرة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي
ذر.
(وقال مجاهد: {ضحاها}) أي (ضوءها: {إذا تلاها}) أي
(تبعها) طالعًا عند غروبها ({وطحاها}) أي (دحاها).
({دساها}) أي (أغواها) وأصله دسسها فكثر الأمثال فأبدل
من ثالثها حرف علة.
({فألهمها}) أي (عرّفها الشقاء والسعادة) وهذا كله
ثابت للنسفي ساقط من الفرع كأصله.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({بطغواها}) أي
(بمعاصيها).
({ولا يخاف عقباها}) أي (عقبى أحد).
4942 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي
عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}
انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي
رَهْطِهِ». مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ. وَذَكَرَ
النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ يَجْلِدُ
امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ
يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ». ثُمَّ وَعَظَهُمْ
فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ وَقَالَ: «لِمَ
يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ»؟ وَقَالَ أَبُو
مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِثْلُ أَبِي
زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أنه أخبره
عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم وفتحها
وبالعين المهملة وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين
-رضي الله عنهما- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) فخطب وذكر ما قصده من
الموعظة أو غيرها (وذكر الناقة) المذكورة في هذه
السورة وهي ناقة صالح (و) ذكر (الذي عقر) ها وهو قدار
بن سالف وهو أحيمر ثمود الذي قال الله تعالى فيه
فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
({إذ انبعث أشقاها} انبعث) قام (لها رجل عزيز) شديد
قوي (عارم) بعين وراء مهملتين جبار صعب مفسد خبيث
(منيع) قوي ذو منعة (في رهطه) قومه (مثل أبي زمعة) جد
عبد الله بن زمعة المذكور في عزته ومنعته في قومه ومات
كافرًا بمكة (وذكر) عليه الصلاة والسلام في خطبته
(النساء) أي ما يتعلق جهن استطرادًا فذكر ما يقع من
أزواجهن (فقال: يعمد) بكسر الميم أي يقصد (أحدكم يجلد)
ولأبي ذر فيجلد (امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من
آخر يومه) أي يجامعها (ثم وعظهم) عليه الصلاة والسلام
(في ضحكهم). ولأبي ذر عن الكشميهني في ضحك (من الضرطة
وقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل) وكانوا في الجاهلية إذا
وقع ذلك من أحد منهم في مجلس يضحكون فنهاهم عن ذلك.
(وقال أبو معاوية) محمد بن خازم مما وصله إسحاق بن
راهويه في مسنده (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير
(عن عبد الله بن زمعة) أنه قال (قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مثل أبي زمعة
(7/419)
عم الزيير بن العوّام) أي عمه مجازًا لأنه
الأسود بن المطلب بن أسد والعوام بن خويلد بن أسد فنزل
ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا الاعتبار كذا
جزم الدمياطي باسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد قاله في
فتح الباري.
[92] سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {بِالْحُسْنَى}: بِالْخَلَفِ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {تَرَدَّى}: مَاتَ. {وَتَلَظَّى}:
تَوَهَّجُ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ:
تَتَلَظَّى.
([92] سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى})
مكية وآيها إحدى وعشرون.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت سورة والبسملة لأبي ذر.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({بالحسنى})
ولأبي ذر {وكذب بالحسنى} (بالخلف) أي لم يوقن أن الله
سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته (وقال مجاهد) فيما وصله
الفريابي ({تردى}) أي (مات) وقيل تردى في حفرة القبر
وقيل في قعر جهنم ({وتلظى}) أي (توهج)
وتتوقد (وقرأ عبيد بن عمير) بضم عينهما مصغرين فيما
وصله سعيد بن منصور (تتلظى) بتاءين على الأصل.
1 - باب {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى ({والنهار إذا
تجلى}) أي ظهر بزوال ظلمة الليل وثبت باب وما بعده
لأبي ذر.
4943 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ فِي
نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّأْمَ،
فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا
فَقَالَ: أَفِيكُمْ مَنْ يَقْرَأُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ؟ فَأَشَارُوا إِلَيَّ،
فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَرَأْتُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَالذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3] قَالَ: آنْتَ
سَمِعْتَهَا مِنْ فِي صَاحِبِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهَا مِنْ فِي النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَؤُلاَءِ
يَأْبَوْنَ عَلَيْنَا.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) السوائي العامري قال:
(حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن الأعمش)
سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس أنه
(قال: دخلت في نفر من أصحاب عبد الله) يعني ابن مسعود
(الشام فسمع بنا أبو الدرداء) عويمر بن مالك (فأتانا
فقال: أفيكم) بهمزة الاستفهام الاستخباري (من يقرأ)؟
القرآن (فقلنا: نعم، قال: فأيكم أقرأ)؟ أي أحفظ أو
أحسن قراءة قال علقمة (فأشاروا إليّ) بتشديد الياء
(فقال: اقرأ فقرأت ({والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى
والذكر والأنثى}) بحذف {وما خلق} وبالخفض (قال) أي أبو
الدرداء ولأبي الوقت فقال: (آنت سمعتها) بمد الهمزة
(من في صاحبك)؟ عبد الله بن مسعود أي من فمه (قلت: نعم
قال) أبو الدرداء (وأنا سمعتها من في النبي) أي من فمه
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذلك (وهؤلاء)
يعني أهل الشام (يأبون علينا) بفتح الموحدة ويقولون
المتواترة وما خلق الذكر والأنثى.
2 - باب {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وما خلق الذكر
والأنثى}) [الليل: 13] ثبت باب لأبي ذر.
4944 - حَدَّثَنَا عُمَرُ حَدَّثَنَا أَبِي،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي
الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ:
أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ؟
قَالَ كُلُّنَا: قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظُ؟
وَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ، قَالَ: كَيْفَ
سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
قَالَ عَلْقَمَةُ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} قَالَ:
أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ هَكَذَا، وَهَؤُلاَءِ
يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ {وَمَا خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وَاللَّهِ لاَ أُتَابِعُهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) سقط ابن حفص لغير أبي ذر
قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش)
سليمان (عن إبراهيم) النخعي أنه (قال: قدم أصحاب عبد
الله) يعني ابن مسعود هم علقمة بن قيس وعبد الرحمن
والأسود ابنا يزيد النخعي (على أبي الدرداء) وهذا
صورته صورة إرسال لأن إبراهيم لم يحضر القصة لكن في
الرواية السابقة عن إبراهيم عن علقمة وحينئذٍ فلا
إرسال في هذه الرواية (فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ
على قراءة عبد الله) يعني ابن مسعود (قال) أي علقمة
(كلنا) يقرأ على قراءته (قال) أبو الدرداء (فأيكم
يحفظ) ولأبي ذر أحفظ (وأشاروا) ولأبي ذر فأشاروا (إلى
علقمة) بن قيس (قال) أبو الدرداء: (كيف سمعته)؟ يعني
ابن مسعود (يقرأ: {والليل إذا يغشى} قال علقمة:
{والذكر والأنثى}) بالخفض (قال) أبو الدرداء (أشهد أني
سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ
هكذا وهؤلاء) أي أهل الشام (يريدوني) ولأبي ذر
يريدونني (على أن أقرأ {وما خلق الذكر والأنثى} والله
لا أتابعهم) على هذه القراءة قال ذلك لما تيقنه من
سماع ذلك من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولعله لم يعلم بنسخه ولم يبلغه مصحف عثمان
المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ.
3 - باب قَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
قوله (فأما) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى
({فأما من أعطى}) الطاعة ({واتقى}) المعصية.
4945 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ،
فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ
كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ
النَّارِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ
نَتَّكِلُ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ».
ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} -إِلَى قَوْلِهِ-
{لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن سعد
بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها في الثاني
مصغرًا أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي ختن أبي عبد
الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن السلمي) بضم السين
وفتح اللام (عن عليّ) هو ابن أبي طالب (رضي الله عنه)
أنه (قال: كنا مع النبي
(7/420)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقيع
الغرقد) مقبرة المدينة منّ الله عليّ بالدفن بها مع
خاتمة الإسلام (في جنازة) لم يسم صاحبها (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده
من النار) موضع قعوده منهما كناية عن كونه من أهل
الجنة أو النار باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما
لا يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن
الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار
ومقعد من الجنة فيجب أن يقال إن الواو بمعنى أو وقد
ورد بلفظ أو من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن
الأعمش في الباب الآتي بعد الباب اللاحق (فقالوا: يا
رسول الله أفلا نتّكل)؟ أي أفلا نعتمد على كتابنا الذي
قدر الله علينا وعند ابن مردويه في تفسيره من طريق
جابر أن السائل عن ذلك سراقة بن جعشم وفي مسند أحمد
أنه أبو بكر وفي مسند عمر لأبي بكر المروزي والبزار
أنه عمر وقيل في الراوي (فقال) عليه الصلاة والسلام
(اعملوا فكلٌّ ميسر) أي مهيأ لما خلق له ثم قرأ ({فأما
من أعطى واتقى * وصدّق بالحسنى} -إلى قوله- {للعسرى})
[الليل: 5 - 10] وسقط لأبي ذر وصدق الخ وقال بعد قوله:
{واتقى} الآية.
4 - باب قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
هذا (باب قوله: ({وصدق بالحسنى}) أي بالكلمة الحسنى
وهي ما دل على حق ككلمة التوحيد والباب وتاليه ثابتان
لأبي ذر.
0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عَلِيٍّ، -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا قُعُودًا
عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
الواحد) بن زياد البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان
(عن سعد بن عبيدة) بالتصغير (عن أبي عبد الرحمن)
السلمي (عن عليّ -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا قعودًا
عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر
الحديث) السابق زاد أبو ذر نحوه.
5 - باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله جل وعلا ({فسنيسره
لليسرى}) أي للجنة وثبت باب لأبي ذر.
4946 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
سُلَيْمَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي
الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ
عُودًا يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ
النَّارِ، أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ
مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5] الآيَةَ، قَالَ
شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي بِهِ مَنْصُورٌ فَلَمْ
أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ.
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة الفرائضي العسكري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر
حدّثنا (محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن سليمان) الأعمش (عن سعد بن عبيدة عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن علي -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان في
جنازة) لم يسم صاحبها (فأخذ عودًا ينكتُ) بمثناة نوقية
يضرب به (في الأرض) فعل المتفكّر في شيء مهمّ (فقال):
(ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من النار أو من
الجنة. قالوا): قيل السائل سراقة وقيل علي الراوي وقيل
عمر (يا رسول الله أفلا نتكل) أي نعتمد على كتابنا
وندع العمل (قال) عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل
ميسر) زاد في رواية في الباب اللاحق لما خلق له أما من
كان من أهل السعادة فسيصير لعمل السعادة وأما من كان
من أهل الشقاوة فسيصير لعمل الشقاوة ثم قرأ ({فأما من
أعطى واتقى * وصدّق بالحسنى} [الليل: 5] الآية.
وقال الخطابي: في قولهم ألا نتكل على كتابنا مطالبة
منهم بأمر يوجب تعطيل العبودية وروم أن يتخذوا حجة
لأنفسهم في ترك العمل فأعلمهم -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق
له بأمرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن هو العلامة
الموجبة في علم الربوبية وظاهر هو القسمة اللازمة في
حق العبودية وهي أمارة مخيلة غير مفيدة حقيقة للعلم
ونظيره الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب والأجل المضروب
في العمر مع المعالجة بالطب فإنك تجد المغيب فيهما علة
موجبة والظاهر البادي سببًا مخيلًا وقد اصطلح الناس
خاصتهم وعامتهم أن الظاهر فيهما لا يترك لسبب الباطن.
قال في فتوح الغيب: تلخيصه عليكم بشأن العبودية وما
خلقتم لأجله وأمرتم به وكلوا أمر الربوبية الغيبية إلى
صاحبها فلا عليكم بشأنها.
(قال شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق: (وحدّثني به)
بالحديث المذكور (منصور) هو ابن المعتمر (فلم أنكره من
حديث سليمان) أي الأعمش بل وافق حديثه فما أنكر منه
شيئًا.
6 - باب قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ
وَاسْتَغْنَى}
(باب قوله) عز وجل: ({وأما من بخل}) بما أمر به
({واستغنى} بشهوات الدنيا) وثبت لأبي ذر باب قوله.
4947 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-
قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ
الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ». فَقُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لاَ،
اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ». ثُمَّ قَرَأَ:
«{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} -إِلَى
قَوْلِهِ- {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}».
وبه قال: (حدّثتا يحيى) هو ابن موسى البلخي المشهور
بخت قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم
الراء وبالهمزة بعدها سين
(7/421)
مهملة (عن الأعمش) سليمان (عن سعد بن عبيدة)
ختن أبي عبد الرحمن (عن أبي عبد الرحمن) السلمي (عن
علي -رضي الله عنه-) وفي اليونينية عليه السلام أنه
(قال: كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في جنازة في بقيع الغرقد (فقال):
(ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده
من النار. فقلنا) ولأبي ذر قلنا: (يا رسول الله أفلا
نتكل) أي على كتابنا وندع العمل (قال: لا اعملوا فكلٌّ
ميسر) أي لما خلق له (ثم
قرأ) عليه الصلاة والسلام ({فأما من أعطى واتقى* وصدّق
بالحسنى *فسنيسره لليسرى}) فسنهيئه للخلة التي تؤدي
إلى يسر (إلى قوله: {فسنيسره للعسرى}) للخلة المؤدية
للعسر والشدة لدخول النار. قال الطيبي: وأما وجه تأنيث
اليسرى والعسرى فإن كان المراد منهما جماعة الأعمال
فذلك ظاهر وإن كان المراد عملًا واحدًا فيرجع التأنيث
إلى الحالة أو الفعلة ويجوز أن يراد الطريقة اليسرى
والعسرى.
7 - باب قَوْلِهِ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}
قوله: {وكذب} ولأبي ذر (باب) بالتنوين أي في (قوله) جل
وعلا: ({وكذب بالحسنى}).
4948 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ:
كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ،
فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ
مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ
بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ
أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاَّ كُتِبَ
مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ
كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً». قَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى
كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا
مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ
السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ
الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ
الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ
فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ،
وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ
أَهْلِ الشَّقَاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ
أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:
5] الآيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو ابن محمد بن
أبي شيبة ونسبه لجده لشهرته به العبسي الكوفي قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو
ابن المعتمر (عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن
السلمي عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا في
جنازة) لم يسم صاحبها (في بقيع الغرقد) مقبرة المدينة
(فأتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة) بكسر الميم
وسكون الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة والراء عصا
(فنكس) بفتح النون والكاف مشددة بعدها سين مهملة (فجعل
ينكت بمخصرته) في الأرض (ثم قال) عليه الصلاة والسلام:
(ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة) مولودة (إلا كتب
مكانها) الذي تصير إليه (من الجنة والنار وإلا قد
كتبت) ولأبي ذر عن الكشميهني وإلا كتبت بإسقاط قد وله
عن الحموي والمستملي أو قد كتبت (شقية أو سعيدة) ولأبي
ذر أو قد كتبت سعيدة (قال) ولأبي ذر فقال (رجل: يا
رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان
منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة) ولأبي ذر
إلى عمل أهل السعادة (ومن كان منا من أهل الشقاء)
ولأبي ذر من أهل الشقاوة (فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة)
ولأبي ذر أهل الشقاء (قال) عليه الصلاة والسلام: (أما
أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل
الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء) ولأبي ذر عن
الكشميهني الشقاوة (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام
({فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى} الآية) إلى
آخرها.
8 - باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فسنيسره
للعسرى}) وسقط لغير أبي ذر باب.
4949 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ
عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَنَازَةٍ،
فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ
فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلاَّ وَقَدْ
كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ
الْجَنَّةِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ
نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟
قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ
لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ
فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا
مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ
لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنَى} [الليل: 5]» الآيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان أنه (قال: سمعت سعد بن
عبيدة) بسكون العين الأولى وضم الثانية (يحدّث عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه) أنه (قال: كان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جنازة)
بالبقيع (فأخد شيئًا فجعل ينكت) بالفوقية (به الأرض)
في الرواية السابقة فجعل ينكت بمخصرته في الأرض
(فقال):
(ما منكم من أحد إلا وقد) ولأبي ذر إلا قد (كتب مقعده)
أي موضع قعوده (من النار ومقعده) موضع قعوده (من
الجنة. قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا)
المكتوب في الأزل (وندع العمل) أي نتركه إذ لا فائدة
فيه مع سبق القضاء لكل واحد منا بالجنة أو النار (قال)
عليه الصلاة والسلام مجيبًا لهم (اعملوا فكلٌّ ميسر)
مهيأ (لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر
لعمل أهل السعاة وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل
أهل الشقاوة) ولأبي ذر عن الكشميهني فسييسر بسين بعد
الفاء بدل الياء وعن الحموي والمستملي الشقاء بالمد
وإسقاط الواو والهاء وسقط لأبي ذر لفظ أهل قال المظهري
جوابه عليه الصلاة والسلام بقوله اعملوا هو من أسلوب
الحكيم منعهم عليه
(7/422)
الصلاة والسلام عن الاتكال وترك العمل وأمرهم
بالتزام ما يجب على العبد من امتثال أمر مولاه
وعبوديته وتفويض الأمر إليه. قال تعالى: {وما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] ولا يدخل أحد
الجنة بعمله (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({فأما من
أعطى واتقى* وصدق بالحسنى} الآية).
وقد ذكر ابن جرير أن هذه الآية نزلت في الصديق ثم روى
بسنده إلى عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق
على الإسلام بمكة وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن
فقال له أبوه أي
بني أراك تعتق أناسًا ضعافًا فلو أنك تعتق رجالًا
جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت
إنما أريد ما عند الله قال فحدّثني بعض أهل بيتي أن
هذه الآية أنزلت فيه {فأما من أعطى} إلى آخرها وذكر
غير واحد من المفسرين أن قوله تعالى {وسيجنبها الأتقى}
[الليل: 17] إلى آخرها نزلت فيه أيضًا حتى أن بعضهم
حكى إجماع المفسرين عليه ولا شك أنه داخل فيها وأولى
لأمة بعمومها ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع
الأوصاف الحميدة.
[93] سُورَةُ وَالضُّحَى
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {إِذَا سَجَى}: اسْتَوَى، وَقَالَ غَيْرُهُ:
أَظْلَمَ وَسَكَنَ. {عَائِلًا}: ذُو عِيَالٍ.
([93] سُورَةُ وَالضُّحَى)
مكية وآيها إحدى عشرة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي
ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: ({إذا سجى}) ولأبي
ذر إذا سجا مكتوب بالألف بدل الياء (استوى. وقال غيره)
غير مجاهد معناه (أظلم) ولأبي ذر سجا أظلم قاله الفراء
وقال الفراء وقال ابن الأعرابي اشتدّ ظلامه (و) قيل
(سكن) ومنه سجا البحر يسجو سجوًّا أي سكنت أمواجه
وليلة ساجية ساكنة الريح ({عائلًا}) قال أبو عبيدة: أي
(ذو عيال) يقال أعال الرجل أي كثر عياله وعال أي
افتقر.
1 - باب قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا
قَلَى}
هذا (باب قوله: {ما ودعك}) ما تركك منذ اختارك ({ربك
وما قلى}) وما أبغضك منذ أحبك وحذف المفعول استغناء
بذكره فيما ممبق ومراعاة للفواصل وثبت باب لأبي ذر.
4950 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ -رضي الله عنه-
قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ
ثَلاَثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا
مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ
قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ
لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي
الكوفي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا
زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا
الأسود بن قيس) العبدي (قال: سمعت جندب بن سفيان) بضم
الجيم والدال المهملة وفتحها أيضًا وهو جندب بن عبد
الله بن سفيان البجلي (-رضي الله عنه- قال: اشتكى) مرض
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم
يقم) للتهجد (ليلتين) وفي
نسخة ليلة بالإفراد (أو ثلاثًا) بالشك والنصب على
الظرفية (فجاءت امرأة) هي العوراء بنت حرب أخت أبي
سفيان وهي حمالة الحطب زوج أبي لهب كما عند الحاكم
(فقالت) متهكمة: (يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد
تركك لم أره قربك) فتح القاف وكسر الراء قربه يقربه
بفتح الراء متعديًا ومنه لا تقربوا الصلاة وأما قرب
بضمها فهو لازم تقول قرب الشيء إذا دنا وقربته بالكسر
أي دنوت منه وهنا متعدٍّ (من ليلتين أو ثلاثًا) نصب
وفي نسخة أو ثلاث ولأبي ذر أو ثلاثة خفض بمنذ (فأنزل
الله عز وجل ({والضحى}) وقت ارتفاع الشمس أو النهار
كله ({والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}) وقدم
الليل على النهار في السورة السابقة باعتبار الأصل
والنهار في هذه باعتبار الشرف.
2 - باب قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا
قَلَى}
تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا
أَبْغَضَكَ.
(باب قوله: {ما}) وللمستملي باب بالتنوين أي في قوله
تعالى ما ({ودعك ربك وما قلى} تقرأ) ودعك (بالتشديد)
في الدال وهي قراءة العامة (وبالتخفيف) وهي قراءة عروة
وهشام ابنه وأبي حيوة وابن أبي عبلة وهما (بمعنى واحد)
أي (ما تركك ربك. وقال ابن عباس) مما وصله ابن أبي
حاتم (ما تركك وما أبغضك).
4951 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ
قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ قَالَتِ
امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرَى صَاحِبَكَ
إِلاَّ أَبْطَأَكَ. فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ
رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة
المشدّدة بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر غندر) ولأبي
ذر إسقاط محمد بن جعفر وقال حدّثنا غندر قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن الأسود بن قيس) العبدي أنه (قال:
سمعت جندبًا البجلي) بفتح الموحدة والجيم يقول (قالت
امرأة) هي خديجة أم المؤمنين توجعًا
(7/423)
وتأسفًا (يا رسول الله: ما أرى) بضم الهمزة ما
أظن ولأبي ذر ما أرى بفتحها (صاحبك) جبريل (إلا
أبطأك}) أي جعلك بطيئًا في القراءة لأن بطأه في
الإقراء بطء في قراءته أو هو من باب حذف حرف الجر
وإيصال الفعل به قاله الكرماني (فنزلت {ما ودعك ربك
وما قلى}).
وهذا الحديث سبق في باب ترك القيام للمريض.
[94] سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ لك}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {وِزْرَكَ}: فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
{أَنْقَضَ}: أَثْقَلَ.
{مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ
أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ،
كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]: وَلَنْ يَغْلِبَ
عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فَانْصَبْ}:
فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ {أَلَمْ نَشْرَحْ لك صَدْرَكَ}: شَرَحَ
اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ.
([94] سورة {ألم نشرح لك})
مكية وآيها ثمان.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ لك والبسملة لأبي
ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: ({وزرك}) أي الكائن
(في الجاهلية) من ترك الأفضل والذهاب إلى الفاضل.
({أنقض}) أي (أثقل) بمثلثة فقاف فلام كذا في الفرع
كأصله وعزاها في الفتح لابن السكن وفي نسخة أتقن وقال
القاضي عياض إنها كذا في جميع النسخ بفوقية وبعد القاف
نون وهو وهم والصواب الأول وأصله الصوت والنقيض صوت
المحامل والرحال بالحاء المهملة ({مع العسر يسرًا} قال
ابن عيينة) سفيان: (أي مع ذلك العسر يسرًا آخر) لأن
النكرة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى فاليسر هنا
اثنان والعسر واحد قال الفراء إذا ذكرت العرب نكرة ثم
أعادتها منكرة مثلها صارتا اثنتين كقولك إذا كسبت
درهمًا فأنفق درهمًا فإن الثاني غير الأوّل فإذا
أعادتها معرفة فهي هي أي نحو قوله تعالى: {كما أرسلنا
إلى فرعون رسولًا* فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 15 -
16] وذكر الزجاج نحوه وقال السيد في الأمالي: وإنما
كان العسر معرفًا واليسر منكرًا لأن الاسم إذا تكرر
منكرًا فالثاني غير الأول كقولك جاءني رجل فقلت لرجل
كذا وكذا وكذلك إن كان الأول معرفة والثاني نكرة نحو
حضر الرجل فأكرمت رجلًا (كقوله) جل وعلا: ({هل تربصون
بنا إلا إحدى الحسنيين}) [التوبة: 52] أي كما ثبت
للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر "ولن
يغلب عسر يسرين" رواه سعيد بن منصور وعبد الرزاق من
حديث ابن مسعود بلفظه قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو كان العسر في جحر
لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ولن يغلب عسر يسرين" ثم
قال: {إن مع العسر يسرًا *إن مع العسر يسرًا} [الشرح:
5 - 6] وإسناده ضعيف وعن جابر عند ابن مردويه قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أوحي
إليّ أن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا ولن يغلب
عسر يسرين".
(وقال مجاهد) فيما وصله ابن المبارك في الزهد:
({فانصب}) أي (في حاجتك إلى ربك) وقال ابن عباس: إذا
فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء
وارغب إليه في المسألة.
(ويذكر عن ابن عباس) مما وصله ابن مردويه بإسناد فيه
راوٍ ضعيف في قوله تعالى: ({ألم نشرح لك صدرك} شرح
الله صدره للإسلام) وقيل ألم نفتح قلبك ونوسعه للإيمان
والنبوة والعلم
والحكمة والاستفهام إذا دخل على النفي قرره فصار
المعنى قد شرحنا وسقط لغير أبي ذر لك صدرك.
[95] سورة وَالتِّينِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ
الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ. يُقَالُ: {فَمَا
يُكَذِّبُكَ}؟ فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ
النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؟ كَأَنَّهُ
قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ
بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب؟ ِ
([95] سورة وَالتِّينِ)
مكية أو مدنية وآيها ثمان وثبت لفظ سورة لأبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (هو التين والزيتون
الذي يأكل الناس) وخصهما بالقسم لأن التين فاكهة طيبة
لا فضل لها وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع
لأنه يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل
رمل المثانة ويفتح سدة الكبد والطحال ويسمن البدن
ويقطع البواسير وينفع من النقرس ويشبه فواكه الجنة
لأنه بلا عجم ولا يمكث في المعدة ويخرج بطريق الرشح،
وأما الزيتون ففاكهة وإدام ودواء وله دهن لطيف كثير
المنافع وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية فلما
كان فيهما
(7/424)
هذه المنافع الدالّة على قدرة خالقهما لا جرم
أقسم الله بهما، وعن ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم
مسجد نوح الذي بني على الجودي، وقيل التين مسجد أصحاب
الكهف والزيتون مسجد إيلياء.
(يقال: {فما يكذبك}) أي (فما الذي يكذبك بأن الناس
يدانون بأعمالهم) يجُازون بها ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي يدالون باللام بدل النون والأول هو الصواب
(كأنه قال: ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب) زاد
الفراء بعد ما تبين له كيفية خلقه وما استفهامية في
محل رفع بالابتداء والخبر الفعل بعدها والمخاطب الرسول
وقيل الإنسان على طريقة الالتفات.
1 - باب
4952 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ. أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ
قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى
الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.
{تَقْوِيمٍ}: الْخَلْقِ.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) البرساني قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال أخبرني) بالإفراد (عدي)
هو ابن ثابت (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله
عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان في سفر فقرأ في) صلاة (العشاء في إحدى الركعتين)
في النسائي في الركعة الأولى (بالتين والزيتون) وفي
كتاب الصحابة لابن السكن في ترجمة ورقة بن خليفة رجل
من أهل اليمامة أنه
قال: سمعنا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأتيناه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وأسهم
لنا وقرأ في الصلاة بالتين والزيتون إنا أنزلناه في
ليلة القدر. قال في الفتح: فيمكن إن كانت في الصلاة
التي عين البراء بن عازب أنها العشاء أن يقال قرأ في
الأولى بالتين وفي الثانية بالقدر.
({تقويم}) قال مجاهد (الخلق) بفتح الخاء وسكون اللام
يعني أنه خص الإنسان بانتصاب القامة وحسن الصورة وكل
حيوان منكب على وجهه وقوله في أحسن تقويم صفة لمحذوف
أي في تقويم أحسن تقويم وسقط لأبي ذر تقويم الخلق.
[96] سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى
بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي
الْمُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاجْعَلْ بَيْنَ
السُّورَتَيْنِ خَطًّا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ
{نَادِيَهُ}: عَشِيرَتَهُ. {الزَّبَانِيَةَ}:
الْمَلاَئِكَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ {الرُّجْعَى}:
الْمَرْجِعُ. {لَنَسْفَعَنْ}: لَنَأْخُذَنْ.
{وَلَنَسْفَعَنْ}: بِالنُّونِ وَهْيَ الْخَفِيفَةُ.
{سَفَعْتُ} بِيَدِهِ: أَخَذْتُ.
([96] سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ})
مكية وآيها تسع عشرة.
وقولها ({اقرأ باسم ربك}) أي اقرأ القرآن مفتتحًا
باسمه مستعينًا به وسقط لفظ سورة لغير أبي ذر.
(وقال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حدّثنا (فتيبة)
بن سعيد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن يحيى بن
عتيق) الطفاوي بضم الطاء وبالفاء (عن الحسن) البصري
(قال: اكتب في المصحف في أوّل الإمام) أول القرآن الذي
هو الفاتحة (بسم الله الرحمن الرحيم) فقط (واجعل بين
السورتين خطًّا) يكون علامة فاصلة بينهما من غير بسملة
وهو مذهب حمزة حيث قرأ بالبسملة أول الفاتحة فقط.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ناديه}) أي
(عشيرته) فليستنصر بهم وأصل النادي المجلس الذي يجمع
الناس ولا يسمى ناديًا ما لم يكن فيه أهله.
({الزبانية}) أي (الملائكة) وسموا بذلك لأنهم يدفعون
أهل النار إليها بشدّة مأخوذ من الزبن وهو الدفع (وقال
معمر) أبو عبيدة ({الرجعى}) هي (المرجع) في الآخرة
وفيه تهديد لهذا الإنسان من عاقبة الطغيان وسقط معمر
لغير أبي ذر وحينئذٍ فيكون من قول مجاهد والأول أوجه
لوجوده عن أبي عبيد ({لنسفعن}) أي (لنأخذن) بناصيته
فلنجرنه إلى النار ولغير أبي ذر قال لنأخذن ({ولنسفعن}
بالنون وهي الخفيفة) وفي رسم المصحف بالألف (سفعت
بيده) بفتح السين والفاء وسكون العين أي (أخذت) قاله
أبو عبيدة أيضًا.
1 - باب
هذا (باب) بالتنوين بدون ترجمة وهو ثابت لأبي ذر.
4953 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
وحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
رِزْمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ سَلْمَوَيْهِ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَتْ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ
يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ
الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ فَكَانَ
يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ. قَالَ:
وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ. اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ
الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ،
وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى
خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا، حَتَّى
فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ،
فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي
حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ
فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيِةَ حَتَّى بَلَغَ
مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ
قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي
الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ
أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
[العلق: 1 - 5]». فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْجُفُ
بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ:
«زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، فَزَمَّلُوهُ. حَتَّى
ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ
خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»؟
فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ
أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،
فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ
الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ. وَتَكْسِبُ
الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى
نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ
حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَهْوَ
ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ
امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ
يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ
الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ،
فَقَالَتْ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ
ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا
تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ
وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
مُوسَى، لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا. لَيْتَنِي أَكُونُ
حَيًّا ذَكَرَ حَرْفًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ مُخْرِجِيَّ
هُمْ»؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ
بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ أُوذِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي
يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ
لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ
الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) القرشي المصري ونسبه
لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله وسقط ابن بكير لغير
أبي ذر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن
عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري
قال المؤلّف:
(وحدّثني) بالإفراد وسقطت الواو لغير أبي ذر (سعيد بن
مروان) بكسر العين أبو عثمان البغدادي نزيل نيسابور
قال: (حدّثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر
الراء وسكون الزاي قال: (أخبرنا أبو صالح) سليمان
ولقبه (سلمويه) بفتح السين المهملة
(7/425)
واللام وسكنها أبو ذر ابن صالح الليثي المروزي
قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن المبارك (عن
يونس بن يزيد) من الزيادة أنه (قال: أخبرني) بالإفراد
(ابن شهاب) الزهري (أن عروة بن الزبير) بن العوّام
(أخبره أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- (قالت) واللفظ للسند
الثاني (كان أول ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في بدء الوحي من الوحي
(الرؤيا الصادقة في النوم) وعائشة لم تدرك ذلك فيحمل
على أنها سمعت ذلك منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ويؤيده قولها الآتي إن شاء الله تعالى
فجاءه الملك فقال اقرأ الخ وفي باب بدء الوحي الرؤيا
الصالحة في النوم (فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت) مجيئًا
(مثل فلق الصبح) عبر به لأن شمس النبوة قد كانت مبادئ
أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها (ثم حبب
إليه الخلاء) بالمد أي الاختلاء لأن فيه فراغ القلب
والانقطاع عن الخلق (فكان يلحق) بفتح الحاء المهملة
بعد اللام الساكنة آخره قاف وفي بدء الوحي يخلو ولابن
إسحاق يجاور (بغار حراء) بالصرف على إرادة المكان جبل
على يسار الذاهب إلى منى (فيتحنث فيه) بالمثلثة بعد
النون (قال) عروة أو من دونه من الرواة (والتحنث) هو
(التعبد الليالي ذوات العدد) مع أيامهن واقتصر على
الليالي لأنهن أنسب للخلوة وزاد عبيد بن عمير عند ابن
إسحاق فيطعم من يرد عليه من المساكين وعنده أيضًا أنه
كان يعتكف فيه شهر رمضان (قبل أن يرجع إلى أهله) عياله
(ويتزوّد لذلك) التعبد أو الخلوة (ثم يرجع إلى خديجة
فيتزوّد بمثلها) بالموحدة، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي لمثلها باللام بدل الموحدة والضمير لليالي
أو الخلوة أو العبادة أو المرة السابقة ويحتمل أن يكون
المراد أنه يتزوّد لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك
الشهر الذي جرت عادته أن يخلو فيه قال في الفتح وهذا
عندي أظهر (حتى فجئه) بكسر الجيم أي أتاه (الحق) وهو
الوحي مفاجأة (وهو في غار حراء) جملة في موضع الحال
(فجاءه الملك) جبريل (فقال: اقرأ. فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما أنا بقارئ) ما نافية واسمها أنا وخبرها بقارئ أي
ما أحسن أن أقرأ (قال فأخذني) جبريل (فغطني) أي ضمني
وعصرني (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم والنصب أي بلغ
الغط مني الجهد وبضم الجيم والرفع أي بلغ الجهد مبلغه
(ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ فأخذني
فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال:
اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ فأخدني فغطني الثالثة حتى بلغ
مني الجهد) وإنما فعل به ذلك ليفرغه عن النظر إلى أمر
الدنيا ويقبل بكليته إلى ما يلقي إليه (ثم أرسلني قال
{اقرأ باسم ربك}) قال الحافظ ابن حجر لعل الحكمة في
تكرير الإقراء الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ
الوحي بسببه في ثلاث القول والعمل والنية وإن الوحي
يشتمل على ثلاثة التوحيد والأحكام والقصص وفي تكرير
الغط الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقعت له عليه
الصلاة والسلام وهي الحصر في الشعب وخروجه في الهجرة
وما وقع يوم أُحُد في الإرسالات الثلاث إلى حصول
التيسير له عقب الثلاث المذكورة ({الذي خلق}) الخلائق
({خلق الإنسان}) الجنس ({من علق}) جمع علقة وهي القطعة
اليسيرة من الدم الغليظ ({اقرأ وربك الأكرم}) الذي لا
يوازيه كريم ولا يعادله في الكرم نظير ({الذي علم})
الخط ({بالقلم}) قال قتادة القلم نعمة من الله عز وجل
عظيمة لولا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش ({علم
الإنسان}) من العلوم والخط والصناعات ({ما لم يعلم}
الآيات) قبل تعليمه وسقط لأبي ذر قوله {الذي علم
بالقلم} وقال الآيات إلى قولها {علم الإنسان ما لم
يعلم} وهي خمس آيات وتاليها إلى آخرها نزل في أبي جهل
وضم إليها (فرجع بها) أي بالآيات الخمس أو بسبب تلك
الغطة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ترجف بوادره) جمع بادرة وهي اللحمة التي بين الكتف
والعنق تضطرب عند الفزع ولأبي ذر عن الكشميهني فؤاده
أي قلبه (حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني)
مرتين
(7/426)
للحموي والمستملي من التزميل وهو التلفيف وطلب
ذلك ليسكن ما حصل له من الرعدة من شدة هول الأمر وثقله
(فزملوه) بفتح الميم كما أمرهم (حتى ذهب عنه الروع)
بفتح الراء أي الفزع (قال لخديجة: أي خديجة ما لي لقد)
ولأبي ذر عن الكشميهني قد (خشيت على نفسي) أن لا أطيق
حمل أعباء الوحي لما لقيته عند لقاء الملك (فأخبرها
الخبر قالت خديجة) له عليه الصلاة والسلام: (كلا) أي
لا خوف عليك (أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا) بالخاء
المعجمة والزاي المكسورة وفي مرسل عبيد بن عمير أبشر
يا ابن عم واثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون
نبي هذه الأمة (فوالله إنك لتصل الرحم) أي القرابة
(وتصدق الحديث وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام
الضعيف المنقطع واليتيم (وتكسب المعدوم) بفتح التاء
وكسر السين تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك (وتقري
الضيف) بفتح أوّله من الثلاثي (وتعين على نوائب الحق)
حوادثه.
(فانطلقت به خديجة) مصاحبة له (حتى أتت به ورقة بن
نوفل) أي ابن أسد (وهو ابن عم خديجة أخي) ولأبي ذر أخو
(أبيها) لأنه ورقة بن نوفل بن أسد وهي خديجة بنت خويلد
بن أسد (وكان) ورقة (امرأ تنصّر في الجاهلية وكان يكتب
الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله
أن يكتب) أي كتابته وذلك لتمكنه في دين النصارى
ومعرفته بكتابهم (وكان) ورقة (شيخًا كبيرًا) حال كونه
(قد عمي فقالت خديحة: يا عم) ولأبي ذر يا ابن عم (اسمع
من ابن أخيك) تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأن الأب الثالث لورقة هو الأخ للأب الرابع
لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي
اسمع منه الذي يقوله. (قال) له عليه الصلاة والسلام
(ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر ما رأى فقال) له
(ورقة: هذا الناموس) أي جبريل (الذي أنزل) بضم الهمزة
(على موسى) وفي رواية الزبير بن بكار على عيسى وقد سبق
في بدء الوحي مبحث ذلك (ليتني) وفي بدء الوحي يا ليتني
بأداة النداء (فيها) في مدة النبوّة أو الدعوة (جدعًا)
بفتح الجيم والمعجمة أي: ليتني شاب فيها (ليتني أكون
حيًّا ذكر) ورقة بعد ذلك (حرفًا) وهي في الرواية
الأخرى إذ يخرجك قومك أي من مكة (قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو مخرجي هم)
بفتح الواو وتشديد التحتية وهم مبتدأ ومخرجي خبره
مقدمًا وقدم الهمزة على العاطف لأن الاستفهام له الصدر
نحو أو لم ينظروا والاستفهام للإنكار
وبقية المباحث سبقت أوّل الكتاب (قال ورقة: نعم لم يأت
رجل بما جئت به) من الوحي (إلا أُوذي) بضم الهمزة وكسر
الذال المعجمة وفي بدء الوحي إلا عُودِيَ (وإن يدركني)
بالجزم بإن الشرطية (يومك) فاعل يدركني أي يوم انتشار
نبوّتك (حيًّا أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا
مؤزرًا) قومًا بليغًا صفة لنصر المنصوب على المصدرية
(ثم لم ينشب ورقة) لم يلبث (أن توفي وفتر الوحي) أي
احتبس (فترة حتى حزن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللحموي النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
زاد في التعبير من طريق معمر عن الزهري فيما بلغنا
حزنًا غدًا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال
فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له
جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا فيسكن لذلك
جأشه وتقرّ نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدًا
لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له
مثل ذلك. وهذه الزيادة خاصة برواية معمر والقائل فيما
بلغنا الزهري وليس موصولًا. نعم يحتمل أن يكون بلغه
بالإسناد المذكور وسقط قوله فيما بلغنا عند ابن مردويه
في تفسيره من طريق محمد بن كثير عن معمر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والأوّل هو المعتمد،
وقوله غدًا بالغين المعجمة من الذهاب غدوة أو بالعين
المهملة من العدوة وهو الذهاب بسرعة وأما إرادته عليه
الصلاة والسلام إلقاء نفسه من رؤوس شواهق الجبال
فحزنًا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة وحمله
القاضي عياض على أنه لما أخرجه من
(7/427)
تكذيب من بلغه كقوله تعالى: {لعلك باخع نفسك
على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف:
6] أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه فخشي أن يكون
عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع عن ذلك
فيعترض به.
وأما ما روى ابن إسحاق عن بعضهم أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وذكر جواره بحراء
قال: فجاءني وأنا نائم فقال: اقرأ وذكر نحو حديث عائشة
-رضي الله عنها- في غطه له وإقرائه {اقرأ باسم ربك}
[العلق: 1]. قال: فانصرف عني وهببت من نومي كأنما
صوّرت في قلبي ولم يكن أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، ثم
قلت لا تحدّث عني قريش بهذا أبدًا لأعمدنّ إلى حالق من
الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلنّها. فأجاب عنه القاضي
بأنه إنما كان قبل لقائه جبريل وقيل إعلام الله له
بالنبوّة وإظهاره واصطفائه بالرسالة. نعم خرّج الطبري
من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب أن ذلك بعد لقاء
جبريل فذكر نحو حديث الباب وفيه فقال: يا محمد أنت
رسول الله حقًّا. قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق
جبل أي علوه. وأجيب: بأن ذلك لضعف قوته عن تحمل ما
حمله من أعباء النبوّة وخوفًا مما يحصل له من القيام
بها من مباينة الخلق جميعًا كما يطلب الرجل إلى أخيه
من غمٍّ يناله في العاجل ما يكون فيه زواله عنه ولو
أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلًا.
4954 - قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ
الْوَحْيِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «بَيْنَا أَنَا
أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ،
فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي
جَاءَنِي
بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ، فَفَرِقْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ:
زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَدَثَّرُوهُ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ
فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ * وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَهْيَ الأَوْثَانُ الَّتِي
كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ، قَالَ
ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ.
(قال محمد بن شهاب) الزهري بالإسناد الأول من السندين
المذكورين أول هذا الباب: (فأخبرني) بالإفراد عروة بما
سبق وأخبرني (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف وسقط ابن
عبد الرحمن لغير أبي ذر (أن جابر بن عبد الله الأنصاري
-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يحدّث عن فترة الوحي) ولم
يدرك جابر زمان القصة وهو محمول على أن يكون سمعه من
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال في
حديثه):
(بينا) بغير ميم (أنا أمشي سمعت) وفي بدء الوحي إذ
سمعت (صوتًا من السماء فرفعت بصري) ولأبي ذر عن
الكشميهني رأسي (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو
جبريل عليه السلام (جالس على كرسي بين السماء والأرض)
وجالس رفع خبر عن الملك (ففرقت) بكسر الراء وسكون
القاف أي خفت (منه فرجعت) إلى أهلي بسبب الفرق (فقلت)
لهم (زملوني زملوني) مرتين (فدثروه) بالهاء (فأنزل
الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ
فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ}) عن النجاسة أو قصرها ({والرجز فاهجر})
دُمْ على هجرها.
(قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بالسند السابق (و)
الرجز: (هي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدونـ)
ـها (قال: ثم تتابع الوحي) وأنّث ضمير الرجز بقوله وهي
اعتبارًا بالجنس.
2 - باب قَوْلِهِ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}
(قوله) جل وعلا: ({خلق}) ولأبي ذر باب خلق ({الإنسان
من علق}).
4955 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.
فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ
عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1 -
3].
وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) يحيى بن عبد الله المصري
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم
العين بن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن
الزبير (أن عائشة - رضي الله عنها- قالت: أول) ولأبي
ذر عن عائشة أول (ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من الوحي (الرؤيا الصالحة)
ولأبي ذر عن الكشميهني الصادقة زاد في رواية في النوم
وهي تأكيد وإلاّ فالرؤيا مختصة بالنوم (فجاءه الملك
فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *
خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الأَكْرَمُ}) وسقط السهيلي من هذا الأمر ثبوت البسملة
في أول الفاتحة لأن هذا الأمر هو أول شيء نزل من
القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن.
3 - باب قَوْلِهِ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}
(باب قوله: {اقرأ}) ولأبي ذر بالتنوين اقرأ ({وربك
الأكرم}).
4956 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي
عُقَيْلٌ، قَالَ مُحَمَّدُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، جَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ
الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1
- 4].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني الإفراد (عبد الله
بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام
قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين ابن راشد (عن الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند كما مرّ.
(وقال الليث) بن سعد فيما وصله المؤلّف في بدء الوحي
(حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (قال
محمد) هو ابن مسلم بن شهاب الزهري (أخبرني) بالإفراد
(عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
قالت: (أول ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
(7/428)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرؤيا الصادقة) بالقاف
ولم يقل هنا في النوم ثم (جاءه الملك) جبريل (فقال
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ
الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) الحديث
اختصره هنا.
4 - باب {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى ({الذي علم
بالقلم}) ثبت هذا لأبي ذر.
4957 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ
-رضي الله عنها-: فَرَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ:
«زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) هو ابن خالد
(عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: سمعت عروة) بن الزبير
يقول (قالت عائشة رضي الله عنها فرجع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خديجة فقال: زملوني
زملوني) مرتين (فذكر الحديث) كما سبق.
4 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلاَّ لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ
كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}
(باب قوله تعالى: {كلا لئن لم ينته}) عما هو عليه من
الكفر ({لنسفعن بالناصية}) لنجرن
بناصيته إلى النار ({ناصية كاذبة خاطئة}) بدل من
الناصية ووصفها بذلك مجاز وإنما المراد صاحبها وسقط
ناصية الخ ولأبي ذر وثبت له لفظ باب.
5 - باب
4958 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا
يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى
عُنُقِهِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ فَعَلَهُ
لأَخَذَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ». تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ
خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ
الْكَرِيمِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) قال الكرماني: هو إما ابن موسى
وإما ابن جعفر قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن
معمر) هو ابن راشد (عن عبد الكريم) بن مالك (الجزري)
بالجيم المفتوحة والزاي (عن عكرمة) أنه قال: (قال ابن
عباس) -رضي الله عنهما-: (قال أبو جهل) عمرو بن هشام
ولم يدرك ابن عباس القصة فيحمل على سماعه ذلك منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لئن رأيت محمدًا
يصلّي عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ) ذلك (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه
الصلاة والسلام:
(لو فعله لأخذته الملائكة) وأخرج النسائي من طريق أبي
حازم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نحو حديث ابن عباس
وزاد في آخره فلم يفجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل ينكص
على عقبيه ويتقي بيده، فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني
وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو دنا
لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا" (تابعه) أي تابع عبد
الرزاق فيما وصله عبد العزيز البغوي في منتخب المسند
له (عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني من شيوخ المؤلّف
(عن عبيد الله) بضم العين ابن عمرو بفتح العين الرقي
(عن عبد الكريم) الجزري.
[97] سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}
يُقَالُ الْمَطْلَعُ هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعُ
الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ. أَنْزَلْنَاهُ
الْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ، إنا
أَنْزَلْنَاهُ مَخْرَجَ الْجَمِيعِ، وَالْمُنْزِلُ
هُوَ اللَّهُ وَالْعَرَبُ تُوَكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ
فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ لِيَكُونَ أَثْبَتَ
وَأَوْكَدَ.
([97] سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ})
مكية أو مدنية وآيها خمس ولغير أبي ذر سورة القدر وفي
نسخة {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1].
(يقال المطلع) بفتح اللام (هو الطلوع والمطلع) بكسرها
وهي قراءة الكسائي (الموضع الذي يطلع منه أنزلناه)
ولأبي ذر وقال أنزلناه (الهاء كناية عن القرآن) قال في
الأنوار: فخمه بإضماره من غير ذكره شهادة له بالنباهة
المغنية عن التصريح كما عظمه بأن أسند إنزاله إليه أي
بقوله: {إنا
أنزلناه) خرج (مخرج الجميع، والمنزل هو الله تعالى.
والعرب تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجميع ليكون)
ولأبي ذر عن المستملي ليكن (أثبت وأوكد) والنحاة
يعبّرون بقولهم المعظم نفسه كما نبه عليه السفاقسي
وثبت "إنا" من قوله: {إنّا أنزلناه} لأبي ذر.
[98] سورة {لَمْ يَكُنْ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
{مُنْفَكِّينَ}: زَائِلِينَ. {قَيِّمَةٌ}:
الْقَائِمَةُ. {دِينُ الْقَيِّمَةِ}: أَضَافَ الدِّينَ
إِلَى الْمُؤَنَّثِ.
([98] سورة {لَمْ يَكُنْ})
مكية أو مدنية وآيها ثمان.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي
ذر.
({منفكين}) [البيّنة: 1] أي (زائلين) أي عمّا هم عليه.
({قيّمة}) أي (القائمة. {دين القيّمة} أضاف الدين إلى
المؤنث) على تأويل الذين بالملة أو التاء تاء المبالغة
كعلامة.
1 - باب
4959 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي
الله عنه- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ
أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[البينة: 1]» قَالَ: وَسَمَّانِي قَالَ: «نَعَمْ.
فَبَكَى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة
المشددة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة
(عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال: (قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي) هو ابن
كعب:
(إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا})
وعند الترمذي إن الله أمرني
(7/429)
أن أقرأ عليك القرآن: قال فقرأ عليه: {لم يكن
الذين كفروا من أهل الكتاب} [البيّنة: 1] وزاد الحاكم
من وجه آخر عن زر بن حبيش عن أُبي بن كعب أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ عليه لم يكن
وقرأ فيها إن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا
النصرانية ولا المجوسية من يفعل خيرًا فلن يكفره، وخص
أُبَيًّا للتنويه به في أنه أقرأ الصحابة فإذا قرأ
عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع عظيم
منزلته كان غيره بطريق لتبع له. وقال الحافظ ابن كثير:
وإنما قرأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه
السورة تثبيتًا له وزيادة لإيمانه لأنه كان نكر على
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قراءة شيء من القرآن على
خلاف ما أقرأه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فاستقرأهما عليه الصلاة والسلام وقال لكلٍّ
منهما أصبت. قال أبي: فأخذني الشك فضرب عليه الصلاة
والسلام في صدره
قال ففضت عرقًا وكأنما أنظر إلى الله فرقًا وأخبره
عليه الصلاة والسلام أن جبريل أتاه فقال: إن الله
يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف رواه أحمد
والنسائي وأبو داود ومسلم. فلما نزلت هذه السورة قرأها
عليه الصلاة والسلام قراءة إبلاغ وإنذار لا قراءة تعلم
واستذكار.
(قال) أبي له عليه الصلاة والسلام (وسماني) لك (قال)
عليه الصلاة والسلام (نعم. فبكى) أبي فرحًا وسرورًا أو
خشوعًا وخوفًا من التقصير في شكر تلك النعمة وعند أبي
نعيم في أسماء الصحابة حديث مرفوع لفظه "إن الله ليسمع
قراءة {لم يكن الذين كفروا} فيقول أبشر عبدي فوعزتي
لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى" لكن قال الحافظ عماد
الدين: إنه حديث غريب جدًّا.
2 - باب
4960 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ
أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ». قَالَ أُبَيٌّ:
آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ. قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكَ».
فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي. قَالَ قَتَادَةُ:
فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ {لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البيّنة:
1].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (حسان بن حسان) أبو
علي المصري (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن
دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبي): (إن الله
أمرني أن أقرأ عليك القرآن) مطلق فيتناول {لم يكن
الذين كفروا} غيرها (قال أُبي: آلله) بمدّ الهمزة
(سماني لك. قال: الله سماك) زاد الكشميهني لي (فجعل
أُبي يبكي. قال قتادة) بن دعامة: (فأنبئت) ظاهره أنه
من غير أنس (أنه) عليه الصلاة والسلام (قرأ عليه) على
أُبي ({لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب}).
4961 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ أَبُو
جَعْفَرٍ الْمُنَادِي حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ
الْقُرْآنَ». قَالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ قَالَ:
«نَعَمْ». قَالَ وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ
الْعَالَمِينَ قَالَ: «نَعَمْ» فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن
أبي داود أبو جعفر المنادي) بكسر الدال. وعند النسفيّ
حدّثنا أبو جعفر المنادي قيل: وهم البخاري في تسميته
أحمد وأن اسم أبي جعفر هذا محمد بن عبيد بن يزيد وأبو
داود كنية أبيه وأجيب بأن البخاري أعرف باسم شيخه من
غيره فليس وهمًا قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون
الواو ثم حاء مهملة ابن عبادة قال: (حدّثنا سعيد بن
أبي عروبة) بعين مهملة مفتوحة فراء مضمومة وبعد الواو
الساكنة موحدة (عن
قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) وسقط ابن مالك لأبي
ذر -رضي الله عنه- (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأُبي بن كعب):
(إن الله أمرني أن أقرئك القرآن) أي أعلمك بقراءتي
عليك كيف تقرأ فلا منافاة بين قوله أقرأ عيك وأقرئك
وقد يقال كان في قراءة أُبي قصور فأمر الله رسوله عليه
الصلاة والسلام أن يقرئه على التجويد وأن يقرأ عليه
ليتعلم منه حسن القراءة وجودتها (قال: آلله سماني لك)
استفسره لأنه جوّز أن يكون أمره أن يقرأ على رجل من
أمته غير معين فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات (قال:
نعم. قال وقد ذكرت عند رب العالمين. قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم. فذرفت) بفتح
المعجمة والراء تساقطت بالدموع (عيناه) وفي الحديث
استحباب القراءة على أهل العلم وإن كان القارئ أفضل من
المقروء عليه.
فائدة: ذكر العلاّمة حسين بن علي بن طلحة الرجراجي
المغربي في الباب السابع عشر من كتابه الفوائد الجميلة
في الآيات الجليلة في السور التي تلقى على الحلماء في
المناظرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه قال: إن الملائكة المقربين ليقرؤون
سورة لم يكن منذ خلق الله السماوات والأرض لا يفترون
عن قراءتها كذا قال والعهدة عليه.
(7/430)
[99] سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ
زِلْزَالَهَا}
قَوْلِهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ} يُقَالُ: أَوْحَى لَهَا أَوْحَى إِلَيْهَا،
وَوَحَى لَهَا وَوَحَى إِلَيْهَا وَاحِدٌ.
([99] سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا})
مصدر مضاف لفاعله أي اضطرابها المقدّر لها عند النفخة
الأولى أو الثانية.
(قوله: ({فمن}) ولأبي ذر سورة إذا زلزلت. بسم الله
الرحمن الرحيم باب: {فمن} ({يعمل مثقال ذرة}) زنة نملة
صغيرة ({خيرًا يره}) [الزلزلة: 7] جواب الشرط في
الموضعين يرَ ثوابه وهي مدنية أو مكية وآيها تسع
(يقال: أوحى لها) أي (أوحى إليها ووحى لها ووحى إليها)
بغير ألف في الآخرين (واحد) في المعنى فاللام بمعنى
إلى وإنما أوثرت على إلى لموافقة الفواصل وقيل اللام
بمعنى من أجل والموحى إليه محذوف أي أوحى إلى الملائكة
من أجل الأرض، والصواب أن الأمر بالكلام للأرض نفسها
وأذن لها أن تخبر عما عمل عليها قيل إن الله تعالى
يخلق في الأرض الحياة والنطق حتى تخبر بما أمرها الله
تعالى، وهذا مذهب أهل السُّنَّة.
وقال الزجاج: أوحى لها القرار فاستقرت وهذا ساقط
للحموي.
4962 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ:
لِرَجُلٍ أَجْرٌ،
وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا
الَّذِي لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ،
فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْجِ
وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ. وَلَوْ أَنَّهَا
قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ
شَرَفَيْنِ، كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا
حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ
فَشَرِبَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِي بِهِ
كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهْيَ لِذَلِكَ
الرَّجُلِ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا
وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي
رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ.
وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً
فَهْيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ». فَسُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ
الْحُمُرِ، قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ
فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ
الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 و8]».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس
المدني قال: (حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر (مالك) الإمام
الأعظم (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان
(السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الخيل لثلاثة، لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما)
الرجل (الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل
الله) تعالى (فأطال لها) في الحبل الذي ربطها به حتى
تسرح للرعي (في مرج) موضع كلأ وسقط لها لأبي ذر (أو
روضة) بالشك (فما أصابت) أي ما أكلت وشربت ومشت (في
طيلها ذلك) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية أي حبلها
المربوطة فيه (في المرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
من المرج (والروضة) بغير ألف قبل الواو (كان له) أي
لصاحبها (حسنات) في الآخرة (ولو أنها قطعت طيلها)
المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية وتشديد النون أي عدت
بمرح ونشاط (شرفًا) بفتح المعجمة والراء والفاء (أو
شرفين) شوطًا أو شوطين فبعدت عن الموضع الذي ربطها
صاحبها فيه ترعى ورعت في غيره (كانت آثارها) بالمثلثة
في الأرض بحوافرها عند مشيها (وأرواثها) بالمثلثة
(حسنات له) لصاحبها في الآخرة (ولو أنها مرت بنهر)
بفتح الهاء وسكونها (فشربت منه) بغير قصد صاحبها (ولم
يرد أن يسقي به كان ذلك) أي شربها وإرادته أن يسقيها
(حسنات له) في الآخرة (فهي) بالفاء ولأبي ذر وهي (لذلك
الرجل) الذي ربطها (أجر).
أما الذي هي له ستر فهو (رجل ربطها تغنيّا) أي استغناء
عن الناس (وتعففًا) عن سؤالهم يتردد عليها لحاجاته
(ولم ينس حق الله في رقابها) بأن يؤدي زكاة تجارتها
(ولا ظهورها) بتأنَّ يركب عليها في سبيل الله (فهي) أي
الخيل ولأبي ذر عن الكشميهني فهو أي ذلك الفعل الذي
فعله (له ستر) يحجبه عن الفاقة.
(و) أما الذي هي عليه وزر فهو (رجل ربطها فخرًا) أي
لأجل الفخر (ورياء) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه
(ونواء) بكسر النون وفتح الواو ممدودًا أي عداوة زاد
في الجهالة لأهل الإسلام (فهي على ذلك) الرجل (وزر
فسئل) بالفاء وضم السين مبنيًّا للمجهول والسائل
صعصعة بن ناجية ولأبي ذر وسئل (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) هل لها حكم
الخيل (قال: ما أنزل الله عليّ فيها إلا هذه الآية
الفاذة) بالفاء والمعجمة المشددة القليلة المثل
المنفردة في معناها (الجامعة) لكل الخيرات والسرور
({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره* ومن يعمل مثقال ذرة
شرًّا يره}) [الزلزلة: 7 و8] روى الإمام أحمد عن صعصعة
بن معاوية عمّ الفرزدق أنه أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ الآية فقال حسبي لا أبالي أن
لا أسمع غيرها.
1 - باب {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله جل وعلا ({وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}) [الزلزلة:
8] ثبت لفظ باب لأبي ذر.
4963 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: «لَمْ يُنْزَلْ
عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ
الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن
مصر (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب)
عبد الله المصري
(7/431)
قال: (أخبرني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد
بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (سُئل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) أي عن صدقة
الحمر (فقال):
(لم ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (عليّ فيها شيء إلا هذه
الآية الجامعة الفاذة) أي المنفردة في معناها فذ الرجل
عن أصحابه إذا شدّ عنهم ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا
يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}). فقال ابن عباس
-رضي الله عنهما-: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو
شرًّا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة، فأما
المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله له سيئاته
ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فتردّ حسناته تحسيرًا
ويعذب بسيئاته. قال في فتوح الغيب: وهذا يساعده النظم
والمعنى والأسلوب.
أما النظم فإن قوله: {فمن يعمل} تفصيل لما عقب به من
قوله: {يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم} [الزلزلة:
6] فيجب التوافق والأعمال جمع مضاف يفيد الشمول
والاستغراق ويصدر الناس مقيد بقوله (أشتاتًا) فيفيد
أنهم على طرائق شتى للنزول في منازلهم من الجنة والنار
بحسب أعمالهم المختلفة ومن ثمة كانت الجنة ذات درجات
والنار ذات دركات.
وأما المعنى فإنها وردت لبيان الاستقصاء في عرض
الأعمال والجزاء عليها لقوله تعالى: {ونضع الموازين
القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] الآية.
وأما الأسلوب فإنها من الجوامع الحاوية لفوائد الدين
أصلًا وفرعًا.
[100] سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْكَنُودُ: الْكَفُو. يُقَالُ
{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}: رَفَعْنَ بِهِ غُبَارًا.
{لِحُبِّ الْخَيْرِ}: مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ.
{لَشَدِيدٌ}: لَبَخِيلٌ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ:
شَدِيدٌ. {حُصِّلَ}: مُيِّزَ.
([100] سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ)
مكية أو مدنية وآيها إحدى عشرة والعاديات جمع عادية
وهي الجارية بسرعة والمراد الخيل ولأبي ذر سورة
والعاديات وله زيادة والقارعة.
(وقال مجاهد): مما وصله الفريابي (الكنود) هو (الكفور)
من كند النعمة كنودًا.
(يقال {فأثرن به نقعًا}) قال أبو عبيدة أي (رفعن به
غبارًا) وقوله {فأثرن} عطف الفعل على الاسم لأن الاسم
في تأويل الفعل لوقوعه غير صلة لأل، والضمير في به
للصبح أي فأثرن في وقت الصبح غبارًا أو للمكان وإن لم
يجر له ذكر لأن الإثارة لا بد لها من مكان وروى البزار
والحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلًا فلبث
شهرًا لا يأتيه خبرها فنزلت {والعاديات ضبحًا} ضبحت
بأرجلها {فالموريات قدحًا} قدحت الحجارة فأورت
بحوافرها {فالمغيرات صبحًا} صبحت القوم بغارة {فأثرن
به نقعًا} التراب {فوسطن به جمعًا} صبحت القوم جميعًا
وفي إسناده ضعف.
({لحب الخير}) أي (من أجل حب الخير) فاللام تعليلية أي
لأجل حب المال ({لشديد}) أي (لبخيل) وقيل لقوي مبالغ
فيه (ويقال للبخيل شديد) وزاد في الكشاف متشدد قال
طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش
المتشدد
وقوله: يعتام أي يختار وعقيلة كل شيء أكرمه والفاحش
البخيل الذي جاوز الحد في البخل يقول أرى الموت يختار
كرام الناس وكرائم الأموال التي يضن بها.
({حُصِّل}) أي (ميز) وقيل جمع في الصحف أي أظهر محصلًا
مجموعًا كإظهار اللب من القشر.
[101] سورة الْقَارِعَةِ
{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ
يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ
بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ. {كَالْعِهْنِ}: كَأَلْوَانِ
الْعِهْنِ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ كَالصُّوفِ.
([101] سورة القارعة)
مكية وآيها عشر وسقطت لأبي ذر.
({كالفراش المبثوث}) أي (كغوغاء الجراد يركب بعضه
بعضًا كذلك الناس) يوم القيامة (يجول بعضهم في بعض)
وإنما شبه الناس بذلك عند البعث لأن الفراش إذا ثار لم
يتجه لجهة واحدة بك كل واحدة تذهب إلى غير جهة أخرى
فدلّ بهذا التشبيه على أن الناس في البعث يفزعون فيذهب
كل واحد إلى غير جهة الآخر وقال في الدرّ وفي تشبيه
(7/432)
الناس بالفراش مبالغات شتى منها الطيش الذي
يلحقهم وانتشارهم في الأرض وركوب بعضهم بعضًا والكثرة
والضعف والذلة والمجيء من غير ذهاب والقصد إلى الداعي
من كل جهة والتطاير إلى النار ({كالعهن}) أي (كألوان
العهن) أي المختلفة قاله الفراء.
(وقرأ عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (كالصوف)
يعني أن الجبال تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير
كالصوف المتطاير عند الندف وإذا كان هذا تأثير القارعة
في الجبال العظيمة الصلدة فكيف حال الإنسان الضعيف عند
سماع صوت القارعة وسقط لأبي ذر كالعهن الخ.
[102] سورة {أَلْهَاكُمُ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {التَّكَاثُرُ}: مِنَ الأَمْوَالِ
وَالأَوْلاَدِ.
[102] سورة {أَلْهَاكُمُ}
مكية أو مدنية وآيها ثمان.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر
كالسورة.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن
المنذر ({التكاثر} من الأموال والأولاد) أي شغلكم ذلك
عن طاعة الله.
[103] سورة وَالْعَصْرِ
وَقَالَ يَحْيَى الدَّهْرُ أَقْسَمَ بِهِ.
([103] سورة وَالْعَصْرِ)
مكية وآيها ثلاث.
(وقال يحيى) بن زياد الفراء العصر هو (الدهر أقسم به)
تعالى أي بالدهر لاشتماله على الأعاجيب والعِبر، وقيل
التقدير ورب العصر وثبتت البسملة لأبي ذر كالعصر
الثاني وسقط له وقال يحيى.
[104] سورة {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
{الْحُطَمَةُ}: اسْمُ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى.
([104] سورة {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ})
مكية وآيها تسع.
والهمزة واللمزة فيما قاله ابن عباس بالنميمة المفرقون
بين الأحبّة وقيل الهمزة الذي يعيبك في الغيب واللمزة
الذي يعيبك في الوجه.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر
كالسورة.
({الحطمة} اسم النار مثل سقر ولظى) وقيل اسم للدركة
الثالثة منها وسميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها
والمعنى: (يا أيها الهمزة اللمزة) الذي يأكل لحوم
الناس ويكسر من أعراضهم إن وراءك الحطمة التي تأكل
لحوم الناس وعظامهم أي وتكسر العظام.
[105] {أَلَمْ تَرَ}
قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَمْ تَرَ}: أَلَمْ تَعْلَمْ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَبَابِيلَ}: مُتَتَابِعَةً
مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مِنْ
سِجِّيلٍ}: هِيَ سَنْكِ وَكِلْ.
([105] {أَلَمْ تَرَ})
مكية وآيها خمس وسقط لأبي ذر ({ألم تر}).
(قال مجاهد: ({ألم تر}) أي (ألم تعلم) يا محمد وإنما
قال ذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم
يدرك قصة أصحاب الفيل لأن مولده عليه الصلاة والسلام
في تلك السنة وهو وإن لم يشهدها فقد شاهد آثارها وسمع
بالتواتر أخبارها فكأنه رآها وهذا ثابت لأبي ذر عن
المستملي وليس هذا من تفسير مجاهد فالصواب إسقاط قوله
قال مجاهد.
(قال مجاهد): فيما وصله الفريابي عنه ({أبابيل}) أي
(متتابعة مجتمعة) نعت لطير لأنه اسم جمع قال ابن عباس
-رضي الله عنهما- كانت طيرًا لها خراطيم وأكف كأكف
الكلاب وقيل غير ذلك وأبابيل قيل لا واحد له كأساطير
وقيل واحده أبول كعجول وعجاجيل، وقيل إبال.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري في
قوله تعالى: ({من سجيل} هي سنك) بفتح السين المهملة
وبعد النون الساكنة كاف مكسورة الحجر (وكل) بكسر الكاف
وبعدها لام الطين فارسي معرب، وقيل السجيل الديوان
الذي كتب فيه عذاب الكفار والمعنى ترميهم بحجارة من
جملة العذاب المكتوب المدوّن مما كتب الله في ذلك
الكتاب.
(7/433)
[106] سورة {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لإِيلاَفِ}: أَلِفُوا ذَلِكَ فَلاَ
يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
{وَآمَنَهُمْ}: مِنْ كُلِّ عَدُوِّهِمْ فِي
حَرَمِهِمْ.
([106] سورة {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ})
مكية وآيها أربع ولأبي ذر سورة لإيلاف وسقط له لفظ
قريش.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({لإيلاف} ألفوا ذلك)
الارتحال (فلا يشق عليهم في الشتاء) إلى اليمن (و) لا
في (الصيف) إلى الشام في كل عام فيستعينون بالرحلتين
للتجارة على المقام بمكة لخدمة البيت الذي هو فخرهم
وفي متعلق هذا اللام أوجه فقيل بسابقها لأن الله تعالى
ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة فجعلهم
كعصف مأكولًا {لإيلاف قريش} أي أهلك أصحاب الفيل لتبقى
قريش وما ألفوا ويؤيده أنهما في مصحف أُبيّ سورة واحدة
وقيل متعلقة بمقدر أي أعجب لنعمتي على قريش، وقيل
فليعبدوا وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى
الشرط أي فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لإيلافهم
فإنها أظهر نعمة عليهم.
({وآمنهم}) أي (من كل عدوّ هم في حرمهم) وقيل آمنهم من
الجذام فلا يصيبهم ببلدهم وقيل بمحمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[107] سورة {أَرَأَيْتَ}
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ {لإِيلاَفِ}: لِنِعْمَتِي
عَلَى قُرَيْشٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يَدُعُّ}:
يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ، يُقَالُ هُوَ مِنْ دَعَعْتُ،
يُدَعُّونَ يُدْفَعُونَ. {سَاهُونَ}: لاَهُونَ.
{وَالْمَاعُونَ}: الْمَعْرُوفَ كُلُّهُ. وَقَالَ
بَعْضُ الْعَرَبِ {الْمَاعُونُ}: الْمَاءُ. وَقَالَ
عِكْرِمَةُ أَعْلاَهَا: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ،
وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ.
([107] سورة {أَرَأَيْتَ})
مكية أو مدنية وآيها سبع ولأبي ذر سورة أرأيت.
(وقال ابن عيينة) سفيان فيما ذكره في تفسير ({لإيلاف}
لنعمتي على قريش) وعند أبي ذر هذا مقدم على سورة أرأيت
وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
(وقال مجاهد {يدع} يدفع) أي اليتيم (عن حقه يقال: هو
من دععت يدعون) أي (يدفعون).
({ساهون}) أي (لاهون) عن الصلاة تهاونًا.
({والماعون}) هو (المعروف كله) كالقصعة والدلو (وقال
بعض العرب) فيما حكاه الفراء
({الماعون} الماء. وقال عكرمة: أعلاها الزكاة المفروضة
وأدناها عارية المتاع).
كالمنخل والغربال والدلو والإبرة.
[108] سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرِ}
([108] سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرِ})
مكية أو مدنية وآيها ثلاث وثبت لأبي ذر لفظ سورة.
1 - باب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {شَانِئَكَ}:
عَدُوَّكَ
(باب وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن
مردويه في قوله تعالى: ({شانئك}) أي (عدوك) وسقط
للحموي وقال ابن عباس: فقط.
4964 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ،
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ:
«أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ
اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا
جِبْرِيلُ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا
شيبان) بن عبد الرحمن التيمي مولاهم أبو معاوية البصري
نزيل الكوفة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (قتادة) بن
دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما عرج
بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى
السماء قال):
(أتيت على نهر حافتاه) بتخفيف الفاء جانباه (قباب
اللؤلؤ مجوّف) ولغير أبي ذر مجوفًا (فقلت: ما هذا يا
جبريل؟ قال: هذا الكوثر) زاد البيهقي الذي أعطاك ربك
فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكًا أذفر، وأخرجه
المؤلّف بهذا في الرقاق من طريق همام عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- والكوثر بوزن فوعل من الكثرة وهو وصف
مبالغة في المفرط الكثرة.
4965 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ
الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}
[الكوثر: 1] قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، شَاطِئَاهُ
عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ
النُّجُومِ. رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ وَأَبُو الأَحْوَصِ
وَمُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وبه قال: (حدّثنا خالد بن يزيد الكاهلي) أبو الهيثم
المقري الكحال قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده
(أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن أبي عبيدة)
عامر بن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- (عن عائشة)
-رضي الله عنها- (قال): أي أبو عبيدة (سألتها) يعني
عائشة (عن قوله تعالى) ولأبي ذر عن قول الله عز وجل:
({إنا أعطيناك الكوثر} قالت): هو (نهر) في الجنة
(أُعطيه نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
زاد النسائي في بطنان الجنة (شاطئاه) أي جانباه (عليه)
أي على الشاطئ. قال البرماوي كالكرماني: والضمير في
عليه عائد إلى جنس الشاطئ ولهذا لم يقل عليهما
قال وفي بعضها شاطئاه در مجوّف (در مجوّف) بفتح الواو
ومشددة صفة لدر وخبره الجار والمجرور والجملة خبر
المبتدأ الأول الذي هو شاطئاه (آنيته
(7/434)
كعدد النجوم رواه) ولأبي ذر ورواه
(زكريا) بن أبي زائدة فيما رواه عليّ بن المديني عن
يحيى بن زكريا عن أبيه (وأبو الأحوص) سلام بن سليم
فيما وصلة أبو بكر بن أبي شيبة بلفظ الكوثر نهر بفناء
الجنة شاطئاه درمجوّف وفيه من الأباريق عدد النجوم
ولفظ رواية زكريا قريب من هذه (ومطرّف) هو ابن طريف
بالطاء المهملة، فيما وصله النسائي، الثلاثة (عن أبي
إسحاق) السبيعي
4966 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله
عنهما - أَنَّهُ قَالَ فِى الْكَوْثَرِ هُوَ الْخَيْرُ
الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو
بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّ
النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِى الْجَنَّةِ.
فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِى فِى الْجَنَّةِ
مِنَ الْخَيْرِ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ
* وبه قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال
(حدثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا الواسطي قال (حدثنا)
ولأبي ذر أخبرنا (أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
جعفر بن أبي وحشية الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- أنه قال في الكوثر هو الخير
الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر) جعفر بالسند السابق
(قلت لسعيد بن جبير فإن الناس) كأبي إسحاق وقتادة
(يزعمون أنه) أي الكوثر (نهر في الجنة فقال سعيد النهر
الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه) وهذا
تأويل من سعيد جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس -رضي
الله عنهم- فلا تنافي بينهما لأن النهر فرد من أفراد
الخير الكثير نعم ثبت التصريح بأنه نهر من لفظ النبي
-صلى الله عليه وسلم- ففي مسلم من طريق المختار بن
فلفل عن أنس -رضي الله عنه- بينما نحن عند النبي -صلى
الله عليه وسلم- إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً
فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال "نزلت عليَّ سورة
فقراً بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر}
إلى آخرها ثم "قال أتدرون ما الكوثر" قلنا: الله
ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير
فالمصير إليه أولى ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد بحث
لذلك في كتاب الرقاق بعون الله تعالى
واشتملت هذه السورة مع كونها أقصر سور القرآن على معان
بديعة وأساليب بليغة إسناد الفعل للمتكلم المعظم نفسه
وإيراده بصيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه كأتى أمر الله
وتأكيد الجملة بان والاتيان بصيغة تدل على مبالغة
الكثرة والالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله
لربك.
[109] سورة قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
يُقَالُ (لَكُمْ دِينُكُمْ) الْكُفْرُ. (وَلِىَ دِينِ)
الإِسْلاَمُ وَلَمْ يَقُلْ دِينِى، لأَنَّ الآيَاتِ
بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ كَمَا قَالَ يَهْدِينِ
وَيَشْفِينِ. وَقَالَ غَيْرُهُ (لاَ أَعْبُدُ مَا
تَعْبُدُونَ) الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِىَ
مِنْ عُمُرِى (وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا
أَعْبُدُ). وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ (وَلَيَزِيدَنَّ
كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
طُغْيَانًا وَكُفْرًا).
*سورة {قل يا أيها الكافرون} *
مكية وآيها ست وثبت لفظ سورة لأبي ذر * (يقال لكم
دينكم) أي (الكفر ولي دين) أي (الإسلام) وهذا قبل
الأمر بالجهاد وقال في الأنوار لكم دينكم الذي أنتم
عليه لا تتركونه ولي دين الذي أنا عليه لا أرفضه فليس
فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد ليكون منسوخاً
بآية القتال اللهم إلا إذا فسر بالمشاركة وتقرير كل من
الفريقين على دينه (ولم يقل ديني) بالياء بعد النون
(لأن الآيات) التي قبلها (بالنون فحذفت الياء) رعاية
لتناسب الفواصل وهو نوع من أنواع البديع (كما قال) فهو
(يهدين ويشفين) بحذف الياء فيهما لذلك قاله الفراء
(وقال غيره) أي غير الفراء وسقط ذا لأبي ذر وهو الصواب
لأنه لم يسبق في كلام المصنف عزو فتصويب الحافظ بن حجر
رحمه الله لإثباته فيه نظر لا يخفى (لا أعبد ما تعبدون
إلا آن ولا أجيبكم فيما بقي من عمري) أن أعبد ما
تعبدون (ولا أنتم عابدون ما أعبد وهم الذين قال) الله
تعالى (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك
طغياناً وكفراً) وما في هذه السورة بمعنى الذي فان كان
المراد بها الأصنام كما في الآية الأول والثالثة فواضح
لأنهم غير عقلاء وما أصلها أن تكون لغير العقلاء وإذا
أريد بها الباري تعالى كما في الثانية والرابعة فاستدل
به من جوّز وقوعها على أهل العلم ومن منع جعلها مصدرية
والتقدير ولا أنتم عابدون عبادتي أي مثل عبادتي وقال
أبو مسلم ما في الأوليين بمعنى الذي والمقصود المعبود
[وما في الأخرى] (1) مصدرية أي لا أعبد عبادتكم
المبنية على الشك وترك النظر ولا أنتم تعبدون مثل
عبادتي المبنية على اليقين والحاصل أنها كلها بمعنى
الذي أو مصدرية أو الأوليان بمعنى الذي والأخريان
مصدريتان وهل التكرار للتأكيد أم لا
_________
(1) قوله [وما في الأخرى]، المناسب: (الأخريين)، كما
يُعلم مما بعد. ا. هـ.
(7/435)
[110] سورة إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
* {سورة إذا جاء نصر الله} *
مدنية وآيها ثلاث * (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت
البسملة لغير أبي ذر وثبت لفظ سورة له*
4967 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ
حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
أَبِى الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى
الله عنها - قَالَتْ مَا صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله
عليه وسلم - صَلاَةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إِلاَّ
يَقُولُ فِيهَا «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ،
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى».
[الحديث 4967 - أطرافه في 794، 817، 4293، 4968]
وبه قال (حدثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء ابن سفيان
البلخي الكوفي قال (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم
(عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن
مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها) أنها
(قالت ما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن)
نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا بقول فيها) في
الصلاة (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) هضماً
لنفسه واستقصار لعمله أو استغفر لأمته وقدّم التسبيح
ثم الحمد على الاستغفار على طريقة النزول من الخالق
إلا الخلق
*وهذا الحديث قد سبق في باب التسبيح والدعاء في السجود
من كتاب الصلاة*
4968 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى
الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله
عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِى رُكُوعِهِ
وَسُجُودِهِ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا
وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى». يَتَأَوَّلُ
الْقُرْآنَ.
[الحديث 4968 - أطرافه في 794، 817، 4293، 4967].
وبه قال (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (حدثنا جرير)
هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي
الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن
عائشة -رضي الله عنها) أنها (قالت كان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يكثر) أي بعد نزول سورة إذا جاء نصر
الله (أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا
وبحمدك اللهم اغفر لي يتأوّل القرآن) يعمل بما أمر به
من التسبيح والتحميد والاستغفار فيه في قوله تعالى
فسبح بحمد ربك واستغفره في أشرف الأوقات والأحوال
1 - باب (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ
اللَّهِ أَفْوَاجًا)
*هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى (ورأيت الناس
يدخلون في دين الله) أي الإسلام (أفواجاً) جماعات بعد
ما كان يدخل فيه واحد واحد وذلك بعد فتح مكة جاء العرب
من أقطار الأرض طائعين ونصب أفواجاً على الحال من فاعل
يدخلون
وثبت لفظ باب لأبي ذر*
4969 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله
عنه - سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قَالُوا فَتْحُ
الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ قَالَ مَا تَقُولُ يَا
ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَجَلٌ أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ
لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نُعِيَتْ لَهُ
نَفْسُهُ.
[الحديث 4969 - أطرافه في 3627، 4294، 4430، 4970]
وبه قال (حدثنا عبد الله بن أبي شيبة) أخو عثمان قال
(حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) هو الثوري
ولأبي ذر قال حدثنا سفيان (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس
ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم الكوفي (عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما (أن عمر -رضي الله عنه- سألهم) أي أشياخ بدر كما
في الرواية اللاحقة إن شاء الله تعالى (عن قوله تعالى
إذا جاء نصر الله والفتح قالوا) أي الأشياخ (فتح
المدائن والقصور قال) عمر (ما تقول يا ابن عباس قال)
أقول (أجل أو مثل) بالتنوين فيهما (ضرب لمحمد -صلى
الله عليه وسلم- نعيت له نفسه) بضم النون وكسر العين
مبنياً للمفعول من نعي الميت ينعاه نعياً إذا أذاع
موته وأخبر به
2 - باب (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). تَوَّابٌ عَلَى الْعِبَادِ،
وَالتَّوَّابُ مِنَ النَّاسِ التَّائِبُ مِنَ
الذَّنْبِ.
* (قوله فسبح) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى
فسبح (بحمد ربك) أي متلبسا بحمده (واستغفره إنه كان
تواباً تواب على العباد) أي رجاع عليهم بالمغفرة وقبول
التوبة (والتواب من الناس التائب من الذنب) الذي
اقترفه قاله الفراء
4970 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ،
فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِى نَفْسِهِ فَقَالَ
لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ
مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ
عَلِمْتُمْ. فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ - فَأَدْخَلَهُ
مَعَهُمْ - فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ
إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ. قَالَ مَا تَقُولُونَ فِى قَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا نَحْمَدُ
اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ
عَلَيْنَا. وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا
فَقَالَ لِى أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ
فَقُلْتُ لاَ. قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ
لَهُ، قَالَ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)
وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا
تَقُولُ.
[الحديث 4970 - أطرافه في 3627، 4294، 4430، 4969]
* وبه قال (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال
(حدثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) جعفر
بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- أنه (قال كان عمر) -رضي الله عنه- (يدخلني)
عليه في مجلسه (مع أشياخ بدر) الذين شهدوا وقعتها من
المهاجرين والأنصار (فكأن بعضهم) بالهمزة وتشديد النون
وهو عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة كما صرح به في
علامات النبوة (وجد) غضب (في نفسه فقال) لعمر (لم تدخل
هذا معنا) أي وعادتك أن تدخل الناس عليك على قدر
منازلهم في السابقة (ولنا أبناء مثله) في السن فلم
تدخلهم (فقال عمر إنه) أي ابن عباس (من حيث علمتم) من
جهة قرابته
من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو من جهة ذكائه
وزيادة معرفته، وعند عبد الرزاق: إن له لساناً سؤلاً
وقلباً عقولاً، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي أنه من قد علمتم (فدعا) بحذف ضمير
المفعول أي دعا عمر ابن عباس ولأبي ذر عن الكشميهني
فدعاه (ذات يوم فأدخله معهم) أي مع الأشياخ وفي غزوة
الفتح فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم (فما رئيت) بضم
الراء وكسر الهمزة أي ما ظننت ولغير أبي
(7/436)
ذر فما ربت بكسر الراء وسكون الموحدة (أنه
دعاني يومئذ إلا ليريهم) مني مثل ما رأى هو مني من
العلم. وعند ابن سعد فقال: أما إني سأريكم اليوم ما
تعرفون به فضيلته ثم (قال) لهم: (ما تقولون في قوله
تعالى) ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({إذا جاء
نصر الله والفتح} فقال بعضهم: أمرنا نحمد) ولأبي ذر:
أن نحمد (الله ونستغفره إذا نصرنا) بضم النون على
عدونا (وفتح علينا) وفي الباب السابق قالوا: فتح
المدائن والقصور (وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا فقال) عمر
(لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما
تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أعلمه له) ولأبي ذر علمه بتشديد اللام
وإسقاط الهمزة (قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} وذلك
علامة أجلك). وعند ابن سعد فهو آيتك في الموت {فسبح
بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا} [النصر: 3] لأن
الأمر بالاستغفار يدل على دنوّ الأجل وكان -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد نزولها يكثر من قول
سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. (فقال عمر)
لابن عباس -رضي الله عنهما-: (ما أعلم منها إلا ما
تقول) زاد أحمد فقال عمر: فكيف تلومونني على حب ما
ترون؟
[111] سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {تَبَابٌ}:
خُسْرَانٌ. {تَتْبِيبٌ}: تَدْمِيرٌ.
([111] سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ})
مكية وآيها خمس وسقط قوله وتب لأبي ذر وثبت له سورة
وأسند الفعل لليدين في قوله: ({تبت يدا أبي لهب وتب})
[المسد: 1] مجازًا لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وإن
كان المراد جملة المدعوّ عليه وقوله تبت دعاء وتب
إخبار أي وقد وقع ما دعي عليه به أو كلاهما دعاء،
ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص لأن اليدين
بعض وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة قاله في الدر.
وقال الإمام: يجوز أن يراد بالأول هلاك عمله، وبالثاني
هلاك نفسه ووجهه أن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه وعمله
فأخبر الله تعالى أنه محروم من الأمرين ويوضحه أن
قوله: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} [المسد: 2] إشارة
إلى هلاك عمله، وقوله: {سيصلى نارًا ذات لهب} [المسد:
3] إشارة إلى هلاك نفسه.
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.
({تباب}) في قوله عز وجل: {وما كيد فرعون إلا في تباب}
[فاطر: 37] (خسران).
({تتبيب}) في قوله تعالى: {وما زادوهم غير تتبيب}
[هود: 101] (تدمير).
1 - باب
4971 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}
وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى
صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ، «يَا صَبَاحَاهْ»
فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ،
فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ، أَنَّ
خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ
أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ»؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا
عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ
بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». قَالَ أَبُو لَهَبٍ:
تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا؟ ثُمَّ
قَامَ. فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ} وَقَدْ تَبَّ. هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ
يَوْمَئِذٍ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي
قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا
الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدثنا عمرو بن مرة)
بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله
الجملي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين})
[الشعراء: 214] (ورهطك منهم المخلصين) تفسير لقوله
عشيرتك أو قراءة شاذة قرأها ابن عباس ثم نسخت تلاوتها
(خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حتى صعد الصفا) بكسر عين صعد (فهتف) أي صاح:
(يا صباحاه) بسكون الهاء في اليونينية كلمة يقولها
المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا
يغيرون في الصباح وكأن القائل يا صباحاه يقول قد غشينا
الصباح فتأهبوا للعدوّ (فقالوا): يعني قريشًا (من
هذا)؟ أي فقيل: هذا محمد (فاجتمعوا إليه فقال) لهم:
(أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا) أي عسكرًا (تخرج من سفح
هذا الجبل) أسفله حيث يسفح فيه الماء (أكنتم مصدقي)
أصله مصدقين لي سقطت النون لإضافته إلى ياء المتكلم
وأدغمت ياء الجمع في ياء المتكلم (قالوا: ما جربنا
عليك كذبًا قال: فإني نذير) منذر (لكم بين يدي عذاب
شديد. قال أبو لهب) لعنه الله: (تبًّا لك) نصب على
المصدر بإضمار فعل أي ألزمك الله هلاكًا وخسرانًا (ما
جمعتنا إلا لهذا) ولأبي ذر عن المستملي ألهذا جمعتنا؟
(ثم قام) صلوات الله وسلامه عليه (فنزلت: ({تبت يدا
أبي لهب وتب}) [المسد: 1] سقط وتب لأبي ذر (وقد تب
هكذا قرأها الأعمش يومئذ) وهي تؤيد أنها إخبار بوقوع
ما دعي به عليه ولم يدرك ابن
(7/437)
عباس هذه القصة.
2 - باب قَوْلِهِ: {وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ
مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}
(باب قوله): {وتب} ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله
عز وجل: ({وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب}) [المسد: 3]
ما الأولى نافية أو استفهام إنكار وعلى الثاني تكون
منصوبة المحل بما بعدها أي أي شيء أغنى المال وقدمت
لأن لها صدر الكلام والثانية بمعنى الذي فالعائد محذوف
أو مصدرية أي وكسبه.
4972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى
الْبَطْحَاءِ، فَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَنَادَى:
«يَا صَبَاحَاهْ». فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ
فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ
الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ
أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي»؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
«فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا
جَمَعْتَنَا تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} إِلَى آخِرِهَا.
قَوْلِهِ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) السلمي مولاهم
البيكندي قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم
بالخاء والزاي المعجمتين الضرير قال: (حدّثنا الأعمش)
سليمان (عن عمرو بن مرة) الجملي بفتح الجيم والميم (عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى البطحاء)
مسيل وادي مكة (فصعد إلى الجبل) يعني الصفا ورقي عليه
(فنادى):
(يا صباحاه. فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم) أي
أخبروني (إن حدّثتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أكنتم
تصدقوني)؟ ولأبي ذر: تصدقونني (قالوا: نعم. قال: فإني
نذير) منذر (لكم بين يدي عذاب شديد) أي قدامه (فقال
أبو لهب) عليه اللعنة: (ألهذا جمعتنا)؟ بهمزة
الاستفهام الإنكاري (تبًّا لك) أي ألزمك الله تبًّا
وزاد في سورة الشعراء سائر اليوم أي بقيته (فأنزل الله
عز وجل: {تبت يدا أبي لهب} إلى آخرها) أي خسرت جملته
وعادة العرب أن تعبر ببعض الشيء عن كله.
(قوله: {سيصلى}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله
تعالى: سيصلى ({نارًا ذات لهب}) أبي تلهب وتوقد.
4973 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا
لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا
أَبِي لَهَبٍ}.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص
بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثني)
بالإفراد (عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
-رضي الله عنهما-) أنه قال: (قال أبو لهب) لعنه الله
لما صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
على الصفا واجتمعوا إليه وقال: إني نذير لكم بين يدي
عذاب شديد (تبًّا لك ألهذا) جمعتنا؟ فنزلت ({تبت يدا
أبي لهب}) وزاد أبو ذر إلى آخرها قيل وخص اليد لأنه
رمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجر
فأدمى عقبه فلذا ذكرها وإن كان المراد جملة بدنه وذكره
بكنيته دون اسمه عبد العزى لأنه لما كان من أهل النار
ومآله إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديرًا
أن يذكر بها.
3 - باب {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَمَّالَةُ الْحَطَبِ تَمْشِي
بِالنَّمِيمَةِ. {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}
يُقَالُ: مِنْ مَسَدٍ لِيفِ الْمُقْلِ وَهْيَ
السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ.
({وامرأته}) ولأبي ذر باب قوله تعالى: وامرأته أم جميل
العوراء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب ({حمالة
الحطب}) الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه لتعقرهم بذلك وهو
قول ابن عباس.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (حمالة الحطب تمشي)
إلى المشركين (بالنميمة) توقع بها بين النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبينهم وتلقي العداوة
بينهم وتوقد نارها كما توقد النار للحطب فكنى عن ذلك
بحملها الحطب.
({في جيدها}) عنقها ({حبل من مسد} يقال من مسد ليف
المقل) وذلك هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هي
ذات يوم حاملة الحزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح
أتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها (و) قيل (هي
السلسلة التي في النار) من حديد درعها سبعون ذراعًا
تدخل في فمها وتخرج من دبرها ويكون سائرها في عنقها
فتلت من جديد فتلًا محكمًا، وهذه الجملة حال من حمالة
الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدّر.
[112] قَوْلُهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). يُقَالُ: لاَ
يُنَوَّنُ {أَحَدٌ} أَيْ وَاحِدٌ.
([112] قَوْلُهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ})
ولأبي ذر: سورة الصمد وهي مكية أو مدنية وآيها أربع أو
خمس.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.
(يقال) هو قول أبي عبيدة في المجاز (لا ينوّن {أحد})
في الوصل فيقال أحد الله بحذف التنوين لالتقاء
الساكنين ورويت قراءة عن زيد بن علي وأبان بن عثمان
والحسن وأبي عمرو في رواية عنه كقوله:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وقوله:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلاّ قليلًا
(7/438)
على إرادة التنوين فحذف لالتقاء الساكنين فبقي
الله منصوبًا لا مجرورًا للإضافة وذاكر جرّ
عطفًا على مستعتب أي ذكرته ما كان بيننا من المودة
فوجدته غير راجع بالعتاب من قبح ما فعل والحمد هو
التنوين وكسره لالتقاء الساكنين (أي واحد) يريد أن
أحدًا واحدًا بمعنى وأصل أحد وحد بفتحتين قال:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على
مستأنس وحد
فأبدلت الواو همزة وأكثر ما يكون في المكسورة
والمضمومة كوجوه ووسادة وقيل ليسا مترادفين. قال في
شرح المشكاة والفرق بينهما من حيث اللفظ من وجوه.
الأول: أن أحدًا لا يستعمل في الإثبات على غير الله
تعالى فيقال: الله أحد ولا يقال زيد أحد كما يقال زيد
واحد وكأنه بني لنفي ما يذكر معه من العدد.
الثاني: أن نفيه يعم ونفي الواحد قد لا يعم ولذلك صح
أن يقال ليس في الدار واحد بل فيها اثنان ولا يصح ذلك
في أحد ولذلك قال الله تعالى: {لستن كأحد من النساء}
[الأحزاب: 32] ولم يقل كواحدة.
الثالث: أن الواحد يفتح به العدد ولا كذلك الأحد.
الرابع: أن الواحد تلحقه التاء بخلاف الأحد.
ومن حيث المعنى أيضًا وجوه:
الأول: أن أحدًا من حيث الثناء أبلغ من واحد كأنه من
الصفات المشبهة التي بنيت لمعنى الثبات ويشهد له
الفروق اللفظية المذكورة.
الثاني: أن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التثني والنظير
كوحدة الشمس والواحد يكثر إطلاقه بالمعنى الأول والأحد
يغلب استعماله في الثاني ولذلك لا يجمع. قال الأزهري:
سئل أحمد بن يحيى عن الآحاد أنه جمع أحد فقال: معاذ
الله ليس للأحد جمع ولا يبعد أن يقال جمع واحد
كالأشهاد في جمع شاهد ولا يفتح به الأحد.
الثالث: ما ذكره بعض المتكلمين في صفات الله تعالى
خاصة وهو أن الواحد باعتبار الذات والأحد باعتبار
الصفات وحظ العبد أن يغوص لجة التوحيد وشمتغرق فيه حتى
لا يرى من الأزل إلى الأبد غير الواحد الصمد.
قال الشيخ أبو بكر بن فورك: الواحد في وصفه تعالى له
ثلاثة معان. أحدها: أنه لا قسم لذاته وأنه غير متبعض
ولا متحيز. والثاني: أنه لا شبيه له والعرب تقول فلان
واحد في عصره أي لا شبيه له. والثالث: أنه واحد على
معنى أنه لا شريك له في أفعاله يقال فلان متوحد في هذا
الأمر أي ليس يشركه فيه أحد اهـ.
والضمير في "هو" فيه وجهان:
أحدهما: أنه يعود على ما يفهم من السياق فإنه جاء في
سبب نزولها عن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انسب لنا ربك
فنزلت. رواه الترمذي والطبري والأول من وجه آخر مرسلًا
وقال: هذا أصح وصحح الموصول ابن خزيمة والحاكم وحينئذ
فجوز أن يكون الله مبتدأ واحد خبره والجملة خبر الأول
ويجوز أن يكون الله بدلًا واحد الخبر وأن يكون الله
خبرًا أول واحد خبرًا ثانيًا وأن يكون أحد خبر مبتدأ
محذوف أي هو أحد.
والثاني: أنه ضمير الشأن لأنه موضع تعظيم والجملة بعده
خبره مفسرة ولم يثبت لفظ الأحد في جامع الترمذي
والدعوات للبيهقي نعم ثبت اللفظان في جامع الأصول.
1 - باب
4974 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ
آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ،
فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ
أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ
إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ:
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ،
لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي
كُفْوًا أَحَدٌ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة
قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(قال الله تعالى: كذبني ابن آدم) بتشديد الذال المعجمة
أي بعض بني آدم وهم من أنكر البعث (ولم يكن له ذلك)
التكذيب (وشتمني ولم يكن له ذلك) الشتم (فأما تكذيبه
إياي فقوله لن يعبدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون
عليّ من إعادته وأما شتمه إيّاي فقوله اتخذ الله
ولدًا) وإنما كان شتمًا لما فيه من التنقيص لأن الولد
إنما يكون عن والد يحمله ثم يضعه ويستلزم ذلك سبق نكاح
والناكح يستدعي باعثًا له على ذلك والله تعالى منزّه
عن ذلك (وأنا الأحد الصمد) فعل بمعنى مفعول كالقنص
والنقص (لم ألد
(7/439)
ولم أُولد) لأنه لما كان تعالى واجب الوجود
ذاته قديمًا موجودًا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود
محدثًا انتفت عنه الوالدية ولما كان لا يشبهه أحد من
خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد
انتفت عنه الوالدية ولأبي ذر لم يلد ولم يولد (ولم يكن
لي كفوًا أحد) أي مكافئًا ومماثلًا فلي متعلق بكفوًا
وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو اسم يكن
عن خبرها رعاية للفاصلة، وقوله لم يكن لي بعد قوله لم
يلد التفات.
قال الشيخ عز الدّين بن عبد السلام -رحمه الله تعالى-
السلوب الواجبة لله تعالى على قسمين أحدهما سلب نقيصة
كالسنة والنوم والموت، والثاني ليس سلبًا للنقص بل
سلبًا للمشارك في الكمال كسلب الشريك، وأما قوله
تعالى: {لم يلد ولم يولد} فإنه سلب للنقص إذ الولد
والوالد
لا يكونان إلا من جسمين وهما من الأغيار والأغيار نقص
وإن كانا يدلان بالتزام على أن الولد مثل الوالد فيعود
إلى سلب المشاركة في الكمال.
2 - باب قَوْلِهِ: {اللَّهُ الصَّمَدُ}
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ، قَالَ
أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى
سُؤْدَدُهُ
(قوله: {الله الصمد}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي قوله
عز وجل: {الله الصمد} (والعرب تسمي أشرافها الصمد. قال
أبو وائل): بالهمز شقيق بن سلمة مما وصله الفريابي (هو
السيد الذي انتهى سُؤدَدُه) وقال ابن عباس: الذي تصمد
إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم وهو من صمد إذا قصد
وهو الموصوف به على الإطلاق فإنه مستغنٍ عن غيره
مطلقًا وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته. وقال
الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه وعن الحسن الصمد
الحي القيوم الذي لا زوال له، وعن عكرمة الذي لم يخرج
منه شيء ولا يطعم، وعن الضحاك والسدي الذي لا جوف له!
وعن عبد الله بن يزيد الصمد نور يتلألأ وكل هذه
الأوصاف صحيحة في صفاته تعالى على ما لا يخفى.
4975 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ،
أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ، أَنْ يَقُولَ إِنِّي
لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ
إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا،
وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ
وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ». {لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ}
{كُفُوًا} وَكَفِيئًا وَكِفَاءً وَاحِدٌ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) المروزي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام قال:
(أخبرني معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن
أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر. قال الله تعالى كما في
الفرع كأصله.
(كذبني ابن آدم) المنكر للبعث (ولم يكن له ذلك)
التكذيب (وشتمني ولم يكن له ذلك) الشتم، وثبت ذلك
للكشميهني (أما) ولأبي ذر فأما (تكذيبه إيّاي أن يقول
إني لن أعيده كما بدأته) بغير فاء قبل همزة أن، وبه
استدلّ من جوّز حذف الفاء من جواب أما (وأما شتمه
إيّاي أن يقول) بغير فاء أيضًا (اتخذ الله ولدًا وأنا
الصمد الذي لم ألد ولم أُولد ولم يكن لي كفوًا أحد)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولم يكن له على طريق
الالتفات.
({لم يلد ولم يُولد * ولم يكن له كفوًّا أحد}) قدّم لم
يلدان كان العرف سبق المولود لأنه الأهم لقولهم ولد
الله وقوله ولم يولد كالحجة على أنه لم يلد، وقال في
هذه السورة لم يلد وفي الإسراء لم يتخذوا ولدًا لأن من
النصارى من يقول عيسى ولد الله حقيقة ومنهم من يقول إن
الله
اتخذه ولدًا تشريفًا فنفى الأمرين وسقط قوله لم يلد
الخ لأبي ذر.
({كفوًّا}) بضمتين (وكفيئًا) بفتح الكاف وبعد الفاء
المكسورة تحتية فهمزة بوزن فعيل.
(وكفاء) بكسر الكاف وفتح الفاء ممدودًا (واحد) في
المعنى. ونقل في فتوح الغيب عن الغزالي أنه قال:
الواحد هو الواحد الذي هو مدفوع الشركة والأحد الذي لا
تركيب فيه فالواحد نفي للشريك والمثل والأحد نفي
للكثرة في ذاته فالصمد الغني المحتاج إليه غيره وهو
أحدي الذات وواحديّ الصفات، لأنه لو كان له شريك في
ملكه لما كان غنيًّا يحتاج إليه غيره بل كان محتاجًا
في قوامه ووجوده إلى أجزاء تريبية فالصمد دليل على
الوحدانية والأحدية، ولم يلد دليل على أن وجوده
المستمر ليس مثل وجود الإنسان الذي يبقى نوعه بالتوالد
والتناسل بل هو وجود مستمر أزلي ولم يولد دليل على أن
وجوده ليس مثل وجود الإنسان الذي يتحصل بعد العدم،
ويبقى دائمًا إما في جنة عالية لا يفنى وإما في هاوية
لا ينقطع ولم يكن له كفوًّا أحد دليل على أن الوجود
الحقيقي الذي له تعالى هو الوجود الذي يفيد وجود غيره
ولا يستفيد هو
(7/440)
الوجود من غيره فقوله تعالى أحد دليل على
إثبات ذاته المقدسة المنزهة والصمدية تقتضي نفي الحاجة
عنه واحتياج غيره إليه ولم يلد إلى آخر السورة سلب ما
يوصف به غيره عنه ولا طريق في معرفته تعالى أوضح من
سلب صفات المخلوقات عنه.
ولما اشتملت هذه السورة مع قصرها على جميع المعارف
الإلهية والرد على مَن ألحد فيها جاء أنها تعدل ثلث
القرآن كما سيأتي ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى في
كتاب فضائل القرآن، وهل يحمل ذلك على الأجزاء أو على
غيرها فذهب الفقهاء والمفسرون إلى أن لقارئها من
الثواب ثلث ما لقارئ جملته وليس في الجواب أكثر من أن
الله يهب ما يشاء لمن يشاء، وأجاب المتكلفون بجواب
يمكن إرادته قالوا: القرآن ثلاثة أقسام: قسم فيما يجوز
أن يوصف به وما لا يجوز، وقسم من أمر الدنيا، وقسم من
أمر الآخرة ولم تتضمن سورة الإخلاص غير القسم الواحد
فصارت تعدل ثلثه ولهذا سميت سورة الإخلاص لأنها خلصت
في صفاته خاصة، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في
محله قريبًا بعون الله وقوته وسقط قوله: كفوًّا
وكفيئًا الخ لغير أبي ذر.
[113] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ
مُجَاهِدٌ {الفَلَقُ}: الصُّبْحُ. {غَاسِقٍ}:
اللَّيْلُ. {إِذَا وَقَبَ}: غُرُوبُ الشَّمْسِ.
يُقَالُ: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْحِ.
{وَقَبَ}: إِذَا دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ.
([113] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ})
مكية أو مدنية وآيها خمس.
(بسم الله الرحمن الرحيم). ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي
ذر.
(وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({الفلق}: الصبح)
لأن الليل يفلق عنه ويفرق فعل بمعنى مفعول أي مفلوق
وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدّل وحشة الليل
بسرور النور وقيل هو كل ما يفلقه الله كالأرض عن
النبات والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد، وثبت
قوله الفلق الصبح لأبي ذر وسقط لغيره.
({وغاسق}) بالرفع وبالجر وهو الموافق للتنزيل (الليل)
أي العظيم ظلامه.
({إذا وقب}) أي (غروب الشمس يقال: أبين من فرق وفلق
الصبح) الأول بالراء والثاني باللام.
({وقب}: إذا دخل في كل شيء وأظلم) بغروب الشمس، وقيل
المراد القمر فإنه يكسف فيغسق ووقوبه دخوله في الكسوف.
وفي حديث عائشة عند الترمذي والحاكم أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بيدها فأراها القمر
حين طلع وقال: تعوّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب.
قال في شرح المشكاة لما سحر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استشفى بالمعوّذتين لأنهما من
الجوامع في هذا الباب فتأمل في أولاهما كيف خص وصف
المستعاذ به برب الفلق أي بفالق الإصباح لأن هذا الوقت
وقت فيضان الأنوار ونزول الخيرات والبركات وخص
المستعاذ منه بما خلق فابتدأ بالعام في قوله: {من شر
ما خلق} أي من شر خلقه ثم ثنى بالعطف عليه ما هو شره
أخفى وهو نقيض انفلاق الصبح من دخول الظلام واعتكاره
المعني بقوله: {ومن شر غاسق إذا وقب} [الفلق: 3] لأن
انبثاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب ومنه قولهم
الليل أخفى للويل.
4976 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ وَعَبْدَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ
حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ
الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "قِيلَ
لِي" فَقُلْتُ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث
4976 - طرفه في: 4937].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني الثقفي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عاصم) هو ابن أبي النجود
بفتح النون وبالجيم المضمومة آخره دال مهملة أحد
القراء السبعة (وعبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن
أبي لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدة الأسدي كلاهما (عن
زر بن حبيش) بكسر الزاي وتشديد الراء وحبيش بضم الحاء
المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة مصغرًا وسقط ابن حبيش
لأبي ذر أنه (قال: سألت أبيّ بن كعب عن المعوّذتين)
بكسر الواو المشددة وعند ابن حبان وأحمد من طريق حماد
بن سلمة بن عاصم قلت لأُبيّ بن كعب إن ابن مسعود لا
يكتب المعوّذتين في مصحفه (فقال) أُبيّ (سألت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنهما
(فقال): ولأبي ذر قال (قيل لي) بلسان جبريل (فقلت) قال
أبي (فنحن نقول كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وعند الحافظ أبي يعلى عن علقمة قال: كان عبد الله يحك
المعوّذتين من المصحف ويقول: إنما أمر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتعوّذ بهما
ولم يكن عبد الله يقرأ بهما، ورواه عبد الله ابن
الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد وزاد ويقول: إنهما
ليستا من كتاب
(7/441)
الله وهذا مشهور عند كثير من القرّاء والفقهاء
أن ابن مسعود كان لا يكتبهما في مصحفه، وحينئذ فقول
النووي في شرح المهذّب أجمع المسلمون على أن
المعوّذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد شيئًا منها
كفر، وما نقل عنه ابن مسعود باطل ليس بصحيح فيه نظر
كما نبه عليه في الفتح إذ فيه طعن في الروايات الصحيحة
بغير مستند وهو غير مقبول وحينئذ فالمصير إلى التأويل
أولى، وقد تأوّل القاضي أبو بكر الباقلاني ذلك بأن ابن
مسعود لم ينكر قرآنيتهما وإنما أنكر إثباتهما في
المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيء إلا إن
كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن في
كتابته فيه وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك فليس فيه جحد
لقرآنيتهما، وتعقب بالرواية السابقة الصريحة التي فيها
ويقول إنهما ليستا من كتاب الله.
وأجيب: بإمكان حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى
التأويل المذكور قاله في فتح الباري، ويحتمل أيضًا أنه
لم يسمعهما من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولم يتواترا عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله
ذلك إلى قول الجماعة فقد أجمع الصحابة عليهما
وأثبتوهما في المصاحف التي بعثوها إلى سائر الآفاق.
[114] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْوَسْوَاسِ إِذَا
وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ
ثَبَتَ عَلَى قَلْبِهِ.
([114] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ})
مكية أو مدنية وآيها ست، فإن قلت: إنه تعالى رب جميع
العالمين فلِمَ خص الناس؟ أجيب: لشرفهم أو لأن المأمور
هو الناس.
وسقط لفظ سورة لغير أبي ذر.
(ويُذكر عن ابن عباس) ولأبي ذر وقال ابن عباس:
(الوسواس إذا ولد) بضم الواو وكسر اللام (خنسه
الشيطان) اعترضه السفاقسي بأن المعروف في اللغة خنس
إذا رجع وانقبض، وقال الصغاني الأولى نخسه مكان خنسه
فإن سلمت اللفظة من الانقلاب والتصحيف فالمعنى أزاله
عن مكانه لشدّة نخسه وطعنه بإصبعه في خاصرته (فإذا ذكر
الله عز وجل ذهب وإذا لم يذكر الله) بضم أوله مبنيًّا
للمفعول (ثبت على قلبه) والتعبير بيذكر أولى لأن
إسناده إلى ابن عباس ضعيف أخرجه الطبراني وغيره.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال: الوسواس
هو الشيطان يولد المولود والوسواس على قلبه فهو يصرفه
حيث شاء فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل جثم على قلبه
فوسوس، وعند سعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم قال:
سأل عيسى عليه السلام ربه أن يريه
موضع الشيطان من ابن آدم فأراه فإذا رأسه مثل رأس
الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر العبد ربه
خنس وإذا ترك منّاه وحدّثه وقوله: {يوسوس في صدور
الناس} [الناس: 5] هل يختص ببني آدم أو يعم بني آدم
والجن فيه قولان. ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس
تغليبًا.
4977 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي
لُبَابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ح. وَحَدَّثَنَا
عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ
كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ
ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ
أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي "قِيلَ لِي":
فَقُلْتُ. قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبدة بن أبي
لبابة) بضم اللام وبين الموحدتين الخفيفتين ألف الأسدي
(عن زر بن حبيش) قال سفيان: (وحدّثنا) أيضًا (عاصم) هو
ابن أبي النجود (عن زر) أنه (قال: سألت أُبيّ بن كعب
قلت) له يا (أبا المنذر): هي كنية أُبيّ (إن أخاك) في
الدين (ابن مسعود) عبد الله (يقول: كذا وكذا) يعني أن
المعوّذتين ليستا من القرآن كما مرّ التصريح به في
حديث (فقال أُبيّ: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنهما (فقال لي: قيل لي) بلسان
جبريل ولأبي ذر فقيل لي (فقلت) كما قيل لي (قال) أُبي:
(فنحن نقول كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا مما اختلف فيه ثم ارتفع
الخلاف ووقع الإجماع عليه فلو أنكر أحد اليوم قرآنيته
كفر.
وفي مسلم من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألم تر آيات
أنزلت هذه الليلة لم يرَ مثلهن قط {قل أعوذ برب الفلق}
[الفلق: 1] و {قل أعوذ برب الناس} [الناس: 1]. وعنه
أيضًا أمرني رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن أقرأ بالمعوّذات في دُبر كل صلاة، رواه
أبو داود والترمذي، وعند النسائي عنه أيضًا أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ بهما في صلاة
الصبح، وقد روي ذلك من طرق قد
(7/442)
تفيد التواتر يطول إيرادها والله الموفق للصواب.
تمّ التفسير والله أعلم بأسرار كتابه في يوم الاثنين
الحادي والعشرين من شعبان سنة عشر وتسعمائة أحسن الله
تعالى بمنّه وكرمه عاقبتنا وللمسلمين فيها وكفانا كل
مهمة ويسر إكمال هذا المجموع ونفع به وجعله خالصًا
لوجهه الكريم أستودعه تعالى ذلك فإنه الحفيظ الجواد
الكريم الرؤوف الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم آمين.