(إنما الأعمال بالنية) بالإفراد وأفردها
لأن المصدر المفرد يقوم مقام الجمع، وإنما يجمع
لاختلاف الأنواع وأصلها نوية فقلبت الواو ياء ثم أدغمت
في الياء بعدها وجملة إنما في محل مفعول بالقول وجملة
سمعت مثلها ليقول وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق
بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى
إلى اثنين. الثاني: جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال
الصوتية هذا اختيار الفارسي ومن وافقه، واختار ابن
مالك ومن وافقه أن تكون الجملة الفعلية في محل حال إن
كان المتقدم معرفة كما وقع هنا أو صفة إن كان المتقدم
نكرة قالوا: ولا يجوز سمعت زيدًا يضرب أخاك وإن تعدى
إلى ذات لعدم المسموع نعم قد يجوز بتقدير سمعت صوت ضرب
زيد وقد الممت بشيء من هذا المبحث أوّل الكتاب وذكرته
هنا لبعد العهد به والألف واللام في الأعمال للعهد أي
العبادات المفتقرة إلى نيّة فيخرج من ذلك نحو إزالة
النجاسة والتروكات كلها والأعمال مبتدأ بتقدير مضاف أي
إنما صحة الأعمال والخبر والاستقرار الذي يتعلق به حرف
الجرّ والباء في بالنية للتسبب أي إنما الأعمال ثابت
ثوابها بسبب النيات، ويحتمل أن تكون للإلصاق لأن كل
عمل تلتصق به نيته (وإنما لامرئ) رجل أو امرأة (ما
نوى) وفي رواية لكل امرئ، وما موصولة بمعنى الذي وجملة
نوى صلة لا محل لها والعائد ضمير مفعول محذوف تقديره
ما نواه وإنما حذف لأنه ضمير منصوب متصل بالفعل ليس في
الصلة ضمير غيره، ويجوز أن تكون ما موصوفة فيكون
التقدير وإنما لامرئ جزاء شيء نواه فترجع الصلة صفة
والعائد على حاله، ويجوز أن تكون مصدرية حرفًا على
المختار فلا تحتاج إلى عائد على الصحيح والتقدير لكل
امرئ جزاء نيته والفاعل المقدر في نوى ضمير مرفوع متصل
مستتر تقديره لكل امرئ الذي نواه هو.
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر: وإلى
رسوله من شرطية موضعها رفع بالابتداء وبنيت لتضمنها
معنى حرف الشرط وخبرها في فعلها وقيل في جوابها وقيل
حيث كان الضمير العائد وقيل في فعلها وجوابها معًا
وكان ناقصة اسمها هجرته أي في تبين أو ظهر في الوجود
أن هجرته لله وإلى لانتهاء الغاية أي إلى رضا الله
ورسوله (فهجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر وإلى رسوله
الفاء سببية وهي جواب الشرط وجواب الشرط إذا كان جملة
اسمية فلا بد من الفاء أو إذا كقوله تعالى {وإن تصبهم
سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36]
وقاعدة
الشرط وجوابه اختلافهما فيكون الجزاء غير الشرط نحو من
أطاع أثيب ومن عصى عوقب ووقع هنا جملة الشرط هي جملة
الجزاء بعينها فهي بمثابة قولك من أكل أكل ومن شرب شرب
وذلك غير مفيد لأنه من تحصيل الحاصل. وأجيب: بأنه وإن
اتحدا في اللفظ لم يتحدا في المعنى، والتقدير فمن كانت
هجرته إلى الله ورسوله قصدًا فهجرته إلى الله ورسوله
ثوابًا وأجرًا قال ابن مالك من ذلك قوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث حذيفة ولو مت مت
على غير الفطرة وجاز ذلك لتوقف الفائدة على الفضلة
ومنه قوله تعالى {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء:
7] فلولا قوله في الأوّل على غير الفطرة وفي الثاني
لأنفسكم ما صح ولم يكن في الكلام فائدة.
(ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها
فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهجرته جواب الشرط ولم يقل
فهجرته إلى دنيا كما قال في الشرط والجزاء الأوّل
إشارة إلى تحقير الدنيا. قال في الفتح: ومناسبة ذكر
الحديث هنا أن اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على
تخصيص الألفاظ بالنية زمانًا ومكانًا وإن لم يكن في
اللفظ ما يقتضي ذلك فمن حلف أن لا يدخل دار زيد في شهر
أو سنة مثلاً أو حلف أن لا يكلم زيدًا مثلاً، وأراد في
منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في
الأولى ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية ولو أحلفه
الحاكم على حق ادّعى عليه به انعقدت يمينه على ما نواه
الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقًا فإن حلف بغير
استحلاف حاكم نفعته التورية لكنه إن
(9/401)
أبطل بها حق غيره أثم وإن لم يحنث ولو حلف
بالطلاق نفعته التورية وإن حلفه الحاكم لأن الحاكم ليس
له أن يحلفه بذلك قاله النووي والحديث سبق في مواضع.
ولما فرغ من ذكر الإيمان شرع يذكر أبواب النذور فقال:
24 - باب إِذَا أَهْدَى مَالَهُ عَلَى وَجْهِ
النَّذْرِ وَالتَّوْبَةِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أهدى) شخص (ماله) أي
تصدق به (على وجه النذر والتوبة) بالمثناة الفوقية
والموحدة المفتوحتين بينهما واو ساكنة وللكشميهني
والقربة بالقاف المضمومة والراء الساكنة بدل الفوقية
والواو والجواب محذوف تقديره هل ينفذ ذلك إذا أنجزه أو
علقه والنذر بالذال المعجمة هو لغة الوعد بشرط أو
التزام ما ليس بلازم أو الوعد بخير أو شر وشرعًا
التزام قربة لم تتعين وأركانه صيغة ومنذور وناذر وشرطه
في الناذر إسلام واختيار ونفوذ تصرف فيما ينذره فيصح
من السكران لا من الكافر لعدم أهليته للقربة ولا من
مكره ولا ممن لا ينفذ تصرفه. وفي الصيغة لفظ يشعر
بالالتزام كلّله عليّ كذا أو عليّ كذا كعتق وصوم وصلاة
فلا يصح إلا بالنية كسائر العقود، وفي النذور كونه
قربة لم تتعين نفلاً كانت أو فرض كفاية لم يتعين كعتق
وعبادة فلو نذر غير القربة من واجب عيني كصلاة الظهر
مثلاً أو معصية كشرب خمر أو مكروه صوم الدهر لمن خاف
به الضرر أو فوت حق أو مباح كقيام وقعود سواء نذر فعله
أو تركه لم يصح نذره ولم يلزمه بمخالفته كفارة والنذر
ضربان نذر لجاج وهو التمادي في الخصومة ويسمى نذر
اللجاج
والغضب بأن يمنع نفسه أو غيرها من شيء أو يحث عليه أو
يحقق خبرًا غضبًا بالتزام قربة كإن كلمته أو إن لم
أكلمه أو إن لم يكن الأمر كما قلته فعليَّ كذا، وفيه
عند وجود الصفة ما التزمه أو كفارة يمين ونذر تبرر بأن
يلتزم قربة بلا تعليق كعليّ كذا، وكقول من شفي من مرضه
لله عليّ كذا لما أنعم الله عليّ من شفائي من مرضي أو
يتعلق بحدوث نعمة أو ذهاب نقمة كإن شفى الله مريضي
فعليّ كذا فيلزمه ذلك حالاً إن لم يعلقه أو عند وجود
الصفة إن علقه.
6690 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ
كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ - قَالَ: سَمِعْتُ
كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِى حَدِيثِهِ: {وَعَلَى
الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]
فَقَالَ فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى
أَنِّى أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ
مَالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري المعروف بابن
الطبراني كان أبوه من طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب)
عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن
يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (عبد الرَّحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك)
الأنصاري أبو الخطاب المدني ولأبي ذر كما في اليونينية
أخبرني عبد الرَّحمن بن عبد الله عن عبد الله بن كعب
بن مالك (وكان) عبد الله (قائد كعب) أبيه (من) بين
(بنيه حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد
الرَّحمن ومحمد وعبيد الله (قال: سمعت) أبي (كعب بن
مالك في حديثه) الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك
السوق هنا مختصرًا ({وعلى الثلاثة الذين خلفوا})
[التوبة: 118] (فقال في آخر حديثه إنّ من) شكر (توبتي
أن أنخلع) أي أن أعرى (من مالي) كما يعرى الإنسان إذا
خلع ثوبه (صدقة إلى الله ورسوله) إلى بمعنى اللام أي
صدقة خالصة لله ورسوله أو تتعلق بصفة مقدّرة أي صدقة
واصلة إلى الله أي إلى ثوابه وجزائه وإلى رسوله أي إلى
رضاه وحكمه وتصرفه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(امسك) بكسر المهملة (عليك بعض مالك فهو خير لك) فى
سنن أبي داود من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله
إلى الله وإلى رسوله صدقة قال: لا. قلت فثلثه قال: نعم
والضمير عائد على المصدر المستفاد من أمسك أي إمساكك
بعض مالك خير لك من أن تتضرر بالفقر والفاء في فهو
جواب شرط مقدّر أي أن تمسك فهو خير لك.
واستشكل إيراد هذا الحديث في النذور لأن كعبًا لم يصرح
بلفظ النذر ولا بمعناه والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر
في صدور النذر منه، وإنما الظاهر أنه يؤكد أمر توبته
بالتصدق بجميع ماله شكرًا لله تعالى على ما أنعم به
عليه. وأجيب: بأن المناسبة للترجمة أن معنى الترجمة أن
من أهدى أو تصدق بجميع ماله إذا تاب من ذنب أو إذا نذر
هل ينفذ ذلك إذ أنجزه أو علقه. وقصة
كعب هذه منطبقة على التنجيز لكنه لم يصدر منه تنجيز
وإنما استشار
(9/402)
فأشير عليه فإمساك البعض، واختلف في هذه
المسألة فقيل يلزمه الثلث إذا نذر التصدق بجميع ماله،
وقيل يلزمه جميع ماله، وقيل إن علقه بصفة فالقياس
إخراجه كله قاله أبو حنيفة، وقال إن كان نذر تبرر كإن
شفى الله مريضي لزمه كله وإن كان لجاجًا وغضبًا فهو
بالخيار بين أن يفي بذلك كله أو يكفر كفارة يمين وهو
قول الشافعي.
25 - باب إِذَا حَرَّمَ طَعَامَهُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى
مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
[التحريم: 1، 2] وَقَوْلُهُ: {لاَ تُحَرِّمُوا
طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:
87].
هذا (باب) بالتنوين (إذا حرم) شخص (طعامه) ولأبي ذر
طعامًا كأن يقول طعام كذا حرام عليّ أو نذرت لله أو
لله عليّ أن لا آكل كذا أو لا أشرب كذا وهذا من نذر
اللجاج والراجح عدم الانعقاد إلا أن قرنه بحلف فيلزمه
كفارة يمين.
(وقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك}) من شرب العسل أو مارية القبطية ({تبتغي مرضاة
أزواجك والله غفور رحيم}) قال في فتوح الغيب. تبتغي
إما تفسير لتحرم أو حال أو استئناف والفرق أنه على
التفسير ابتغاء مرضاتهنّ عين التحريم ويكون هو المنكر
وإنما ذكر التحريم للإبهام تفخيمًا وتهويلاً فإن
ابتغاء مرضاتهنّ عين التحريم ويكون هو المنكر وإنما
ذكر التحريم للإبهام تفخيمًا وتهويلاً فإن ابتغاء
مرضاتهن من أعظم الشؤون وعلى الحال الإنكار وارد على
المجموع دفعة واحدة، ويكون هذا التقييد مثل التقييد في
قوله {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة} [آل عمران:
130] وعلى الاستئناف لا يكون الثاني عين الأول لأنه
سؤال عن كيفية التحريم كأنه لما قيل له {لم تحرم ما
أحل الله لك} قال: كيف أحرّم؟ فأجيب تبتغي مرضاة
أزواجك وفيه تكرير الإنكار والتفسير الأول يعني
التفسير هو التفسير لما جمع من التفخيم والتعظيم ولذلك
أردفه بقوله: ({والله غفور رحيم}) جبرانًا له. فإن
قلت: تحريم ما أحل الله غير ممكن فكيف قال لم تحرم ما
يحل الله لك؟ أجيب بأن المراد بهذا التحريم هو
الامتناع من الانتفاع لا اعتقاد كونه حرامًا بعدما
أحله الله ({قد فرض الله لكم}) أي بين الله لكم ({تحلة
أيمانكم}) [التحريم: 1، 2] بالكفاءة أو شرع لكم
الاستثناء في أيمانكم وذلك أن يقول إن شاء الله عقبها
حتى لا يحنث وسقط لأبي ذر من قوله {والله غفور رحيم}
الخ.
(وقوله) تعالى: ({لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم})
[المائدة: 87] ما طاب ولذ من الحلال أي لا تمنعوا
أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا
مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا.
6691 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ
عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ
تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ
جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً، فَتَوَاصَيْتُ
أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَلْتَقُلْ: إِنِّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ،
أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا
فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لاَ بَلْ شَرِبْتُ
عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ
لَهُ» فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]
{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4]
لِقَوْلِهِ «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً». وَقَالَ لِى
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ «وَلَنْ
أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ فَلاَ تُخْبِرِى
بِذَلِكَ أَحَدًا».
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) أي ابن الصباح
الزعفراني قال: (حدّثنا الحجاج بن محمد) المصيصي (عن
ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: زعم
عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع عبيد بن عمير)
بالتصغير فيهما الليثي (يقول: سمعت عائشة) -رضي الله
عنها- (تزعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يمكث عند) أم المؤمنين (زينب بنت جحش
ويشرب عندها عسلاً فتواصيت أنا وحفصة) أم المؤمنين بنت
عمر (أن أيتنا) ولأبي ذر أن بتخفيف النون أيتنا بالرفع
(دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فلتقل) له (إني أجد منك ريح مغافير) بفتح الميم والغين
المعجمة وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية ساكنة فراء صمغ
له رائحة كريهة ينضجه شجر يسمى العرفط (أكلت مغافير)
استفهام محذوف الأداة (فدخل على إحداهما) قال ابن حجر:
لم أقف على تعيينها ويحتمل أن تكون حفصة (فقالت ذلك
له) أي إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(لا) ما أكلت مغافير وكان يكره الرائحة الخبيثة (بل
شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت {يا
أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} {إن تتوبا إلى
الله}) [التحريم: 1 - 4] خطاب (لعائشة وحفصة) على طريق
الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وجواب الشرط محذوف
والتقدير إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ({وإذ أسر
النبي إلى بعض أزواجه}) حفصة ({حديثًا}) [التحريم: 3]
سقط قوله حديثًا من اليونينية وثبت في غيرها (لقوله)
عليه الصلاة والسلام (بل شربت عسلاً) أي الحديث المسر
كان ذلك القول قال البخاري بالسند إليه:
(وقال لي إبراهيم بن موسى): أبو إسحاق الرازي الصغير
وسبق في التفسير بلفظ حدّثنا إبراهيم بن موسى (عن
هشام) أي ابن يوسف عن ابن جريج بالسند المذكور إلى
قوله: (ولن أعود له) للشرب فزاد قوله (وقد حلفت)
(9/403)
على عدم شرب العسل (فلا تخبري بذلك أحدًا).
وسبق الحديث في الطلاق بعين هذا الإسناد والمتن.
26 - باب الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}
[الإنسان: 7].
(باب) حكم (الوفاء بالنذر) أي فعله (وقوله) تعالى
({يوفون بالنذر} [الإنسان: 70] أي بما أوجبوا على
أنفسهم مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن
من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه
الله عليه أوفى ويؤخذ منه أن الوفاء بالنذر قربة
للثناء على فاعله لكنه مخصوص بنذر التبرر.
6692 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا
فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - يَقُولُ: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ؟
إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلاَ
يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ
الْبَخِيلِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بضم الواو
وفتح الحاء المهملة المخففة وبعد الألف ظاء معجمة
مكسورة قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح
اللام آخره حاء مهملة قال (حدّثنا سعيد بن الحارث)
الأنصاري قاضي المدينة (أنه سمع ابن عمر -رضي الله
عنهما- يقول: أو لم ينهوا عن النذر) بضم التحتية وفتح
الهاء وفيه حذف ذكره الحاكم في المستدرك من طريق
المعافى بن سليمان، والإسماعيلي من طريق أبي عامر
العقدي ومن طريق أبي داود واللفظ له قالا: حدّثنا فليح
عن سعيد بن الحارث قال: كنت عند ابن عمر فأتاه مسعود
بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال: يا أبا عبد
الرَّحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر
بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي
لئن الله سلم ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى فقدم
علينا وهو مريض ثم مات فما تقول؟ فقال ابن عمر: أو لم
تنهوا عن النذر ثم قال: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن النذر لا يقدم شيئًا) من قدر الله ومشيئته (ولا
يؤخر) بحذف ضمير النصب أي لا يؤخره (وإنما يستخرج
بالنذر من البخيل) أي لا يأتي بهذه القربة تطوعًا
ابتداء بل مقابلة لشفاء المريض ونحوه ذكره النووي
وغيره، والحديث من أفراده.
6693 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ
لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ
مِنَ الْبَخِيلِ».
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان الكوفي سكن
مكة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن
المعتمر أنه قال: (أخبرنا عبد الله بن مرة) بضم الميم
وتشديد الراء
الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء الهمداني بسكون
الميم الكوفي (عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما-
أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن النذر) أي عن عقد النذر (وقال):
(إنه لا يرد شيئًا) تعليل للنهي وصرح في هذا الحديث
بالنهي بخلاف السابق وهل النهي للتحريم على الأصل أو
لا فمنهم من تأوّله على الكراهة لأنه لو كان المراد به
التحريم لبطل حكمه وسقط لزوم الوفاء به لأنه بالنهي
للتحريم يصير معصية ولا يلزم وأيضًا فلو كان كذلك ما
أمر الله أن يوفى به، ولأحمد به فاعله لكنه ورد النهي
عنه تعظيمًا لشأنه لئلا يستهان به فيفرط في الوفاء به،
وحمله القرطبي على التحريم في حق من يخاف عليه أن
يعتقد أن النذر يوجب ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعله
لذلك قال: والأول يقارب الكفر، والثاني خطأ صراح وأما
من لا يعتقد ذلك فهو محمول على التنزيه فيكون مكروهًا
وهو ما نص عليه الشافعي، لكن قال القاضي حسين والمتولي
والغزالي والرافعي: إنه قربة لقوله تعالى {وما أنفقتم
من نفقة أو نذرتم من نذر} [البقرة: 27] الآية. ولأنه
وسيلة إلى القربة فيكون قربة.
قال في الفتح: وذهب أكثر الشافعية ونقله أبو علي
السنجي عن نص الشافعي إلى أنه مكروه لثبوت النهي عنه،
وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن دقيق العيد،
وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية
بالكراهة قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم
يقصد به خالص القربة وإنما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع
عنها ضررًا بما التزم وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم
رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها
انتهى.
والذي رأيته في شرح مختصر الشيخ خليل للشيخ بهرام
المالكي: إن النذر المطلق وهو الذي يوجبه الإنسان على
نفسه ابتداء شكرًا له تعالى مندوب قال ابن رشد: وهو
مذهب مالك، وأما المكرر وهو ما إذا نذر صوم كل خميس أو
كل اثنين أو نحو ذلك فمكروه قال في المدونة: مخافة
التفريط في الوفاء به واختلف في النذر المعلق في شرط
كقوله إن شفى الله مريضي أو نجاني من كذا أو رزقني كذا
فعليّ المشي إلى مكة أو صدقة كذا أو نحو
(9/404)
ذلك هل هو مكروه، وإليه ذهب الباجي وابن
شاس وغيرهما أو لا وإليه ذهب صاحب البيان انتهى.
وفرق بغضهم بين نذر اللجاج والغضب فحمل النهي الوارد
عليه وبين نذر التبرر إذ هو كما مرّ وسيلة إلى طاعة
وإذا كانت وسيلة الطاعة فيشكل القول بالكراهة على ما
لا يخفى، ويحتمل أن يكون سبب ذلك أن الناذر لما لم
يبذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار
كالمعارضة التي تقدح في نيّة المتقرب ويشير إلى هذا
التأويل قوله إنه لا يرد شيئًا (ولكنه يستخرج به) أي
بالنذر (من البخيل ما لم يكن يريد أن يخرجه).
والحديث مضى في القدر.
6694 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
يَأْتِى ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَىْءٍ لَمْ يَكُنْ
قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى
الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ
بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِى عَلَيْهِ مَا لَمْ
يَكُنْ يُؤْتِى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن
بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يأتي ابن آدم النذر بشيء) بنصب ابن على المفعولية
والنذر بالرفع على الفاعلية (لم يكن قدر له) بضم القاف
مبنيًّا للمفعول والجملة صفة لقوله بشيء وفي نسخة بغير
الفرع وعليها شرح في فتح الباري وهو في اليونينية لأبي
ذر لم أكن قدرته قال: وهذا من الأحاديث القدسية لكن
سقط منه التصريح بنسبته إلى الله تعالى (ولكن يلقيه
النذر إلى القدر قد قدر له) بضم القاف وكسر المهملة
المشددة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر قدرته له (فيستخرج
الله به) بالنذر (من البخيل) فيه التفات على رواية لم
أكن قدرته إذ كان نسق الكلام أن يقال فأستخرج به
ليوافق قوله قدرته (فيؤتي) بكسر المثناة الفوقية،
ولأبي ذر: فيؤتيني وله عن الحموي والمستملي يؤتيني
بحذف الفاء وله أيضًا عن الكشميهني يؤتني بحذف الياء
للجزم بدل من قوله يكن المجزوم بلم أي يعطني (عليه) أي
على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء (ما لم يكن
يؤتى) يعطي (عليه من قبل) أي من قبل النذر.
27 - باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَفِى بِالنَّذْرِ
(باب إثم من لا يفي بالنذر) قال في الفتح وسقط لغير
أبي ذر لفظ إثم:
6695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ
شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو جَمْرَةَ، حَدَّثَنَا
زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ
بْنَ حُصَيْنٍ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُكُمْ
قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ: لاَ أَدْرِى ذَكَرَ
ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا بَعْدَ قَرْنِهِ: «ثُمَّ
يَجِىءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ،
وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ
وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ
السِّمَنُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) القطان
ولأبي ذر عن يحيى بن سعيد (عن شعبة) بن الحجاج أنه
قال: (حدثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء
المفتوحة بينهما ميم ساكنة نصر بن عمران قال: (حدّثنا
زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال
المهملة بعدها ميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة
وكسر الراء المشددة بعدها موحدة (قال: سمعت عمران بن
حصين) الخزاعي أسلم مع أبي هريرة وكانت الملائكة تسلم
عليه -رضي الله عنه- (يحدّث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خيركم) أهل (قرني) الذين أنا فيهم وهم الصحابة (ثم
الذين يلونهم) وهم التابعون (ثم الدين يلونهم) وهم
أتباع التابعين (قال عمران) بن حصين -رضي الله عنه-:
(لا أدري ذكر) عليه الصلاة والسلام (ثنتين أو ثلاثًا)
ولأبي ذر اثنتين أو ثلاثة (بعد قرنه ثم يجيء قوم
ينذرون) بفتح أوّله وكسر المعجمة وضمها (ولا يفون)
بفتح التحتية بالنذر ولأبي ذر عن الكشميهني يوفون بضم
أوّله وواو قبل الفاء (ويخونون ولا يؤتمنون) لأنهم
يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يأمنهم أحد بعد ذلك
(ويشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة بدون
التحميل أو يؤدّونها بدون الطلب (ويظهر فيهم السمن)
بكسر المهملة وفتح الميم يتكثرون بما ليس فيهم من
الشرف أو يجمعون الأموال أو يغفلون عن أمر الدين أو هو
على حقيقته في معناه لكن إذا كان مكتسبًا لا خلقيًّا.
والحديث سبق في الشهادات وفضائل الصحابة والرقاق.
28 - باب النَّذْرِ فِى الطَّاعَةِ {وَمَا
أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ
نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270]
(باب) حكم (النذر في الطاعة) وقوله تعالى ({وما أنفقتم
من نفقة}) في سبيل الله أو في سبيل الشيطان ({أو نذرتم
من نذر}) في طاعة الله أو معصيته ({فإن الله يعلمه})
لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه. والجملة جواب الشرط إن
كانت ما شرطية أو زائدة في الخبر إن كانت موصولة ووحد
الضمير في قوله يعلمه والسابق شيئان النفقة والنذر لأن
العطف بأو وهي لأحد الشيئين تقول زيد أو عمرو
(9/405)
أكرمته ولا يجوز كرمتهما بل يجوز أن تراعي
الأول نحو زيد أو هند منطلق أو الثاني نحو زيد أو هند
منطلقة، والآية من هذا ولا يجوز أن تقول منطلقان ({وما
للظالمين}) الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون أموالهم في
المعاصي أو ينذرون في المعاصي أو لا يفون بالنذور ({من
أنصار}) [البقرة: 270] من ينصرهم من الله ويمنعهم من
عقابه وسقط لأبي ذر قوله {فإن الله يعلمه} إلى آخر
الآية.
6696 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ
فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ
يَعْصِهِ». [الحديث 6696 - طرفه في 6700].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة (عن طلحة بن عبد الملك)
الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن القاسم) بن محمد
بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي
الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من نذر أن يطيع الله) عز وجل كأن يصلّي الظهر مثلاً
في أول وقته أو يصوم نفلاً كيوم الخميس ونحوه من
المستحب من العبادات البدنية والمالية (فليطعه) بالجزم
جواب الشرط والأمر
للوجوب ومقتضاه أن المستحب ينقلب بالنذر واجبًا ويتقيد
بما قيده به الناذر (ومن نذر أن يعصيه) ولأبي ذر: أن
يعصي الله كشرب الخمر (فلا يعصه) والمعنى من نذر طاعة
الله وجب عليه الوفاء بنذره ومن نذر أن يعصيه حرم عليه
الوفاء بنذره لأن النذر مفهومه الشرعي إيجاب المباح
وهو إنما يتحقق في الطاعات، وأما المعاصي فليس فيها
شيء مباح حتى يجب بالنذر فلا يتحقق فيها النذر.
والحديث أخرجه أبو داود في النذر وكذا الترمذي
والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات.
29 - باب إِذَا نَذَرَ أَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ
إِنْسَانًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا نذر) شخص (أو حلف أن
لا يكلم إنسانًا في الجاهلية) قبل الإسلام (ثم أسلم)
الناذر هل يجب عليه الوفاء أو لا؟
6697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو
الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنِّى نَذَرْتُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ
لَيْلَةً فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ: «أَوْفِ
بِنَذْرِكَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر أن) أباه (عمر) -رضي
الله عنهما- (قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية)
أي الحال التي كنت عليها قبل الإِسلام من الجهل بالله
ورسوله وشرائع الدين وغير ذلك (أن أعتكف) أي الاعتكاف
(ليلة) لا يعارضه رواية يوفما لأن اليوم يطلق على مطلق
الزمان ليلاً كان أو نهارًا أو أن النذر كان ليوم
وليلة، ولكن يكتفى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر فرواية
يوم أي بليلته ورواية ليلة أي مع يومها، فعلى الأول
يكون حجة على من شرط الصوم في الاعتكاف لأن الليل ليس
محلاًّ للصوم (في المسجد الحرام) حول الكعبة ولم يكن
إذ ذاك جدار يحوط عليها (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(أوف بنذرك) بفتح الهمزة وهذا تمسك به من قال بصحة نذر
الكافر ومن منع وهو الصحيح يحمل الحديث على أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأمره
بالاعتكاف إلا تشبيهًا بما نذر لا عين ما نذر وتسميته
بالنذر من مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف.
والحديث سبق في آخر الاعتكاف وسبق في غزوة حنين تعيين
زمن سؤال عمر ولفظه لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نذر كان نذره
في الجاهلية اعتكاف وفي فرض الخمس قال عمر: فلم أعتكف
حتى كان بعد حنين.
30 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ
وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا
عَلَى نَفْسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءٍ فَقَالَ: صَلِّى
عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
(باب) حكم (من مات وعليه نذر) هل يقضى عنه أم لا (وأمر
ابن عمر) -رضي الله عنهما- (امرأة جعلت أمها على نفسها
صلاة بقباء) بالصرف (فقال) لها: (صلي عنها. وقال ابن
عباس) -رضي الله عنهما- (نحوه) أي نحو قول ابن عمر مما
وصله مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على
نفسها مشيًا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأتى عبد
الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها. وأخرجه ابن أبي
شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس
قال: إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه، ومن طريق عون بن
عبد الله بن عتبة أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام
فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس: اعتكفي عن أمك، لكن في
الموطأ قال مالك: إنه بلغه أن ابن عمر كان يقول: لا
يصلّي أحد عن أحد
(9/406)
ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائي نحوه
عن ابن عباس وجمع بأن الإِثبات في حق من مات والنفي في
حق الحيّ.
6698 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ الأَنْصَارِىَّ اسْتَفْتَى النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَذْرٍ كَانَ
عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ،
فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا فَكَانَتْ
سُنَّةً بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم
العين (ابن عبد الله) ولأبي ذر زيادة ابن عتبة (أن عبد
الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن سعد بن
عبادة الأنصاري) -رضي الله عنه- (استفتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نذر كان على أمه) عمرة
(فتوفيت قبل أن تقضيه) والنذر المذكور قيل كان صيامًا
وقيل كان عتقًا وقيل صدقة وقيل نذرًا مطلقًا أو كان
معينًا عند سعد (فأفتاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن يقضيه عنها) قال الزهري (فكانت سنة
بعد) أي صار قضاء الوارث ما على الموروث طريقة شرعية
وهو أعم من أن يكون وجوبًا أو ندبًا كذا قاله في الفتح
تبعًا للكواكب. قال العيني: معنى التركيب ليس كذلك
وإنما معناه فكانت فتوى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة يعمل بها بعد إفتائه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، والضمير في كانت
يرجع إلى الفتوى بدليل قوله فأفتاه وهو من قبيل قوله
{اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي فإن العدل
يدل عليه قوله اعدلوا والجمهور على أن من مات وعليه
نذر ماليّ أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا
إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، ويحتمل أن
يكون سعد قضى نذر أمه من تركتها إن كان ماليًا أو تبرع
به.
والحديث يأتي في الحيل أيضًا إن شاء الله تعالى.
6699 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِى بِشْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَتَى
رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِى نَذَرَتْ أَنْ
تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ
عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ»؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَاقْضِ اللَّهَ فَهْوَ أَحَقُّ
بِالْقَضَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين
المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري أنه (قال:
سمعت سعيد بن جبير) يحدث (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: أتى رجل) هو عقبة بن عامر الجهني
-رضي الله عنه- (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال له): يا رسول الله (إن أختي) لم تسم
(نذرت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قد نذرت (أن تحج
وإنها ماتت) ولم تف بنذرها (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو كان عليها دين) لمخلوق (أكنت قاضيه)؟ عنها (قال:
نعم قال: فاقض الله) حقه (فهو أحق بالقضاء). من الخلق
وسبق في باب الحج عن الميت بلفظ أنّ امرأة قالت إن أمي
نذرت الخ ولا منافاة لاحتمال وقوع الأمرين معًا كما
قاله الكرماني وسبق ذلك في الباب المذكور.
31 - باب النَّذْرِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِى
مَعْصِيَةٍ
(باب) حكم (النذر فيما لا يملك) الناذر (و) حكم النذر
(في معصية) ولأبي ذر عن المستملي ولا في معصية.
6700 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ،
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ،
وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد
البصري (عن مالك) الإمام (عن طلحة بن عند الملك)
الأيلي (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي
الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من نذر أن يطيع الله) عز وجل (فليطعه ومن نذر أن
يعصيه فلا يعصيه). فيه دليل على أن من نذر طاعة يلزمه
الوفاء به ولا يلزمه الكفارة فلو نذر صوم العيد لا يجب
عليه شيء ولو نذر نحر ولده فباطل وإليه ذهب مالك
والشافعي فأما إذا نذر مطلقًا كان قال: علي نذر ولم
يسم شيئًا فعليه كفارة اليمين وكذا إن نذر شيئًا لم
يطقه.
ومطابقة الحديث للترجمة في الجزء الثاني لا في الأول،
وقبل يؤخذ وسبق الحديث قريبًا.
6701 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا
نَفْسَهُ». وَرَآهُ يَمْشِى بَيْنَ ابْنَيْهِ. وَقَالَ
الْفَزَارِىُّ: عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِى ثَابِتٌ،
عَنْ أَنَسٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل البصري (عن
ثابت) البناني ولأبي ذر حدثني بالإفراد ثابت (عن أنس)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لشيخ قيل هو أبو إسرائيل كما
نقله مغلطاي عن الخطيب:
(إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ورآه يمشي بين ابنيه)
لم يسميا قال: ما بال هذا قالوا: نذر أن يمشي فأمره أن
يركب لعجزه عن المشي (وقال الفزاري): بفتح الفاء
والزاي المخففة وبعد الألف راء مكسورة مروان بن معاوية
مما وصله في الحج (عن حميد) الطويل أنه قال: (حدثني)
بالإفراد (ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه-
وأشار بهذا إلى أن
(9/407)
حميدًا صرح بالتحديث كما في رواية أبي ذر
في الطريق الأولى.
6702 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ
بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل (عن ابن جريج) عبد
الملك بن عبد العزيز (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول)
المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن
اليماني من أبناء الفرس (عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى رجلاً يطوف بالكعبة) وآخر يقوله (بزمام أو غيره)
أو غير زمام (فقطعه) والشك من الراوي.
6703 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ
الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ وَهْوَ يَطُوفُ
بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا
بِخِزَامَةٍ فِى أَنْفِهِ فَقَطَعَهَا النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثُمَّ
أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي
الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج)
عبد الملك (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان
الأحول أن طاوسًا أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ
وهو) أي والحال أنه (يطوف بالكعبة بإنسان) حال كونه
(يقود إنسانًا بخزامة في أنفه) بكسر الخاء المعجمة
وفتح الزاي المخففة حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز
الذي بين منخري البعير يشدّ بها الزمام ليسهل انقياده
إذا كان صعبًا ولم يسم واحد من الإنسانين المذكورين،
ويحتمل أن يكونا بشرًّا وابنه طلقًا كما في الطبراني
كما سبق في باب الكلام في الطواف من الحج (فقطعها) أي
الخزامة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيده ثم أمره) أي القائد (أن يقوده بيده).
فإن قلت: ما المطابقة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب:
بأن في رواية النسائي من وجه آخر عن ابن جريج التصريح
بأنه نذر ذلك.
والحديث سبق في الحج وذكره هنا من وجهين الأول بعلوّ
والثاني بنزول كما ترى.
6704 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ
فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ
وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ
وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ
وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري
قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: بينا) بغير ميم
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) أي
يوم الجمعة كما عند الخطيب في المبهمات وجواب بينا
قوله (إذا هو برجل قائم) زاد أبو داود في الشمس (فسأل)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنه) أي عن اسمه
أو عن حاله (فقالوا): هو (أبو إسرائيل) قيل اسمه قشير
بقاف وشين معجمة مصغر، وقيل يسير بتحتية ثم مهملة مصغر
أيضًا وقيل قيصر بقاف وصاد مهملة باسم ملك الروم وقيل
بالسين المهملة مصغر أيضًا وقيل بغير راء في آخره.
وزاد الخطيب في مبهماته فقال: إنه رجل من قريش وقال
ابن الأثير في الصحابة كغيره أنه أنصاري. قال في
الفتح: والأوّل أولى يعني كونه قرشيًّا ولا يشاركه أحد
من الصحابة في كنيته (نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل)
من الشمس (ولا يتكلم ويصوم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مره) أي مر أبا إسرائيل ولأبي داود مروه (فليتكلم
وليستظل) من الشمس (وليقعد وليتم صومه) لأنه قربة
بخلاف البواقي والظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- علم منه أن الصوم لا يشق عليه.
والحديث أخرجه أبو داود في الأيمان وابن ماجة في
الكفارات.
(قال عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي: (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن عكرمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرسلاً لم يذكر ابن عباس. قال في
الفتح: تمسك بهذا من يرى أن الثقات إذا اختلفوا في
الوصل والإرسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة
العلم إلا أن وهيبًا وعبد الوهاب ثقتان، وقد وصله وهيب
وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك، والذي عرفناه
بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة
بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح إلا إن استووا فيقدم
الوصل، والواقع هنا أن من وصله أكثر ممن أرسله. قال
الإسماعيلي: وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي
جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي. قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله: وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال
فيستوي الطرفان فيرجح
الوصل، وقد جاء الحديث المذكور من وجه آخر فازداد قوّة
أخرجه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل.
32 - باب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا
فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوِ الْفِطْرَ
(باب) حكم (من نذر أن يصوم أيامًا) معينة (فوافق النحر
أو الفطر) هل يجوز له الصيام أو البدل أو الكفارة.
6705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ،
حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ أَبِى حُرَّةَ الأَسْلَمِىُّ
أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لاَ يَأْتِىَ
عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلاَّ صَامَ فَوَافَقَ يَوْمَ
أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لَمْ يَكُنْ
يَصُومُ يَوْمَ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَلاَ يَرَى
صِيَامَهُمَا.
وبه قال:
(9/408)
(حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء
بن مقدم (المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال
المهملة المشددة الثقفي مولاهم البصري قال: (حدّثنا
فضيل بن سليمان) النميري بالنون مصغرًا أبو سليمان
البصري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) مولى آل الزبير
قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (حكيم بن أبي
حرة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء المشددة (الأسلمي)
المدني وأبو حرة لا يعرف اسمه وليس له في البخاري إلا
هذا الحديث أورده متابعة لزياد بن جبير في الطريق التي
بعد (أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) حال
كونه (سئل) بضم السين وكسر الهمزة مبنيًّا للمفعول لم
يسم السائل فيحتمل أن يكون رجلاً وأن يكون امرأة (عن
رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم إلا صام فوافق يوم أضحى)
بفتح الهمزة (أو فطر) تحتمل أو الشك أو التقسيم (فقال)
ابن عمر -رضي الله عنهما-: ({لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21] قدوة (لم يكن) رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يصوم يوم الأضحى
و) لا يوم (الفطر ولا يرى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (صيامهما). وقال في الكواكب قوله: ولا نرى
بلفظ المتكلم فيكون من جملة مقول عبد الله أي المخبر
به عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي بعضها
يرى بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم. قال
الحافظ ابن حجر: وقع في رواية يوسف بن يعقوب القاضي
بلفظ لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر
بصيامهما فتعين الاحتمال الأول يعني أنه من مقول ابن
عمر اهـ.
وقد أجمعوا على أنه لا يجوز صوم يوم عيد الفطر ولا عيد
النحر لا تطوّعًا ولا نذرًا ولو نذر لم ينعقد نذره عند
الجمهور وعند الحنابلة روايتان في وجوب القضاء. وقال
أبو حنيفة: لو أقدم فصام وقع ذلك عن نذره.
6706 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ
زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ
عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ
أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاَثَاءَ، أَوْ أَرْبِعَاءَ
مَا عِشْتُ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ
النَّحْرِ فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ
النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ
فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ، لاَ يَزِيدُ
عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي أحد
الأعلام قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح
الراء آخره عين مهملة مصغرًا البصري (عن يونس) بن عبيد
أحد أئمة البصرة (عن زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح
الموحدة ابن حية بالتحتية المشددة ابن مسعود بن معتب
البصري أنه (قال: كنت مع ابن عمر) -رضي الله عنهما-
(فسأله رجل) أي يسم (فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء
أو أربعاء ما عشت) بكسر الموحدة في أربعاء والمدّ مع
الهمزة لا ينصرف كسابقه لألف التأنيث فيهما كحمراء
ويجمعان على ثلاثاوات وأربعاوات ويوم بغير تنوين
لإضافته لما بعده (فوافقت هذا اليوم يوم النحر فقال)
ابن عمر: (أمر الله) عز وجل (بوفاء النذر) حيث قال
تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] (ونهينا) بضم
النون وكسر الهاء (أن نصوم) هذا اليوم (يوم النحر) وفي
باب صوم يوم النحر من كتاب الصيام: ونهى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم هذا اليوم (فأعاد
عليه) أي فأعاد الرجل السؤال على ابن عمر (فقال مثله)
أي مثل القول الأول (لا يزيد عليه) ورعًا منه حيث توقف
في الجزم بأحد الجوابين لتعارض الدليلين عنده لكن سياق
الكلام يقتضي ترجيحه للمنع.
وبقية مبحث ذلك سبقت في الصيام من الباب المذكور.
33 - باب هَلْ يَدْخُلُ فِى الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ
الأَرْضُ وَالْغَنَمُ وَالزُّرُوعُ وَالأَمْتِعَةُ؟
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ: لِلنَّبِىِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَبْتُ أَرْضًا
لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ، أَنْفَسَ مِنْهُ. قَالَ:
«إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ
بِهَا» وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ أَمْوَالِى
إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةَ
الْمَسْجِدِ.
هذا (باب) بالتنوين (هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض
والغنم والزروع) بلفظ الجمع، ولأبي ذر: والزرع
(والأمتعة).
(وقال ابن عمر، قال عمر) -رضي الله عنه- فيما وصله
المؤلّف في الوصايا (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أصبت أرضًا) وكان بها نخل، وعند أحمد من
رواية أيوب أن عمر أصاب من يهود بني حارثة أرضًا يقال
لها ثمغ بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها غين معجمة أرض
تلقاء المدينة (لم أصب مالاً قط أنفس) أجود (منه)
والنفيس الجيد المغتبط به وسمي نفيسًا لأنه يأخذ
بالنفس وفيه إطلاق المال على الأرض فيطلق على كل متمول
كما هو المعروف من كلام العرب قال تعالى: {ولا تؤتوا
السفهاء أموالكم}
[النساء: 5] فلم يخص شيئًا دون شيء وقال بعضهم: هو
العين كالذهب والفضة وقيل غير ذلك (قال) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر بعد أن قال له فكيف
تأمرني به كما في الوصايا: (إن شئت حبست) بالتخفيف وفي
اليونينية بالتشديد أي
(9/409)
وقفت (أصلها وتصدقت بها) أي بثمرها.
(وقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري -رضي الله عنه-
مما وصله أيضًا في الوصايا (للنبي: -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب أموالي إليّ) بتشديد الياء
(بيرحاء) بفتح الموحدة وسكون التحتية وضم الراء وفتحها
بالصرف، ولأبي ذر بعدمه وفيها لغات أخرى كثيرة سبقت في
الزكاة وهذا الاسم (لحائط له) فاللام للتبيين كهي في
نحو: (هيت لك} [يوسف: 23] والحائط البستان (مستقبلة
المسجد) أنث باعتبار البقعة.
6707 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ،
عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ، عَنْ أَبِى
الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ،
فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِلاَّ
الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، فَأَهْدَى
رَجُلٌ مِنْ بَنِى الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ:
رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلاَمًا يُقَالُ لَهُ:
مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى وَادِى الْقُرَى، حَتَّى
إِذَا كَانَ بِوَادِى الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ
يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ،
فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«كَلاَّ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ
الَّتِى أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ
لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ
نَارًا» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ
بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «شِرَاكٌ مِنْ
نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك) إمام الأئمة (عن ثور بن زيد) بالمثلثة
(الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (عن أبي
الغيث) سالم (مولى ابن مطيع) بضم الميم وكسر الطاء
المهملة بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر) أي يحضر أبو
هريرة غزوة خيبر إلا بعد الفتح (فلم نغنم ذهبًا ولا
فضة إلا الأموال والثياب والمتاع) كذا في الفرع وأصله
وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة والثياب
بإثبات الواو كالذي بعده. وقال في الفتح: إلاّ الأموال
المتاع والثياب كذا للأكثر أي بحذف الواو من المتاع
قال ولابن القاسم والقعنبي والمتاع بالعطف قال وقال
بعضهم في تنزيل ذلك على لغة دوس أي القائلين أن المال
غير العين كالعروض والثياب نظر لأنه استثنى الأموال من
الذهب والفضة فدلّ على أنه منها إلا أن يكون منقطعًا
فتكون إلا بمعنى لكن كذا قال الحافظ ابن حجر، والذي
يظهر أن الاستثناء من الغنيمة التي في قوله: فلم نغنم
فنفى أن يكونوا غنموا وأثبت أنهم غنموا المال فدلّ على
أن المال عنده غير العين وهو المطلوب (فأهدى رجل من
بني الضبيب) بضاد مضمومة معجمة وباءين موحدتين أولاهما
مفتوحة بينهما تحتية ساكنة (يقال له رفاعة بن زيد)
بكسر الراء وتخفيف الفاء ابن وهب الجذامي ثم الضبيبي
ممن وفد على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا يقال
له مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين
وكان أسود (فوجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح واو فوجه، وقال العيني كالكرماني
بالبناء للمجهول، وفي غزوة خيبر من المغازي ثم انصرفنا
مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(إلى وادي القرى) بضم القاف وفتح الراء مقصورًا موضع
بقرب المدينة (حتى إذا كان بوادي القرى بينما) بميم
بلا فاء (مدعم يحط رحلاً لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سهم عائر) بالعين المهملة
وبعد الألف همزة فراء لا يدرى راميه فأصابه (فقتله
فقال الناس: هنيئًا له الجنة) وفي المغازي هنيئًا له
الشهادة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كلاًّ والذي نفسي بيده إن الشملة) بفتح الشين المعجمة
وسكون الميم الكساء (التي أخذها يوم خيبر من المغانم
لم تصبها المقاسم) وإنما غلّها (لتشتعل) بنفسها (عليه
نارًا) تعذيبًا له لغلوله أو أنها سبب لعذابه في النار
(فلما سمع ذلك الناس جاء رجل) أي أعرف اسمه (بشراك أو
شراكين) بكسر الشين فيهما سير أو سيرين يكونان على ظهر
القدم عند لبس النعل (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (شراك
من نار أو شراكان من نار).
والحديث مرّ في المغازي.