شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
94 - كتاب التمني
تفعل من الأمنية والجمع أمانيّ والتمني طلب ما لا طمع فيه
أو ما فيه عسر، فالأول نحو قول الطاعن في السن: ليت الشباب
يعود يومًا، فإن عود الشباب لا طمع فيه لاستحالته عادة،
والثاني نحو قول منقطع الرجاء من مال يحج به: ليت لي مالاً
فأحج منه فإن حصول المال ممكن ولكن فيه عسر ويمتنع ليت
غدًا يجيء فإن غدًا واجب المجيء. والحاصل أن التمني يكون
في الممتنع والممكن ولا يكون في الواجب وأما الترجي فيكون
في الشيء المحبوب نحو: لعل الحبيب قادم والإشفاق في الشيء
المكروه نحو: {فلعلك باخع نفسك} [الكهف: 6] أي قاتل نفسك
والمعنى أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من
إسلام قومك قاله في الكشاف فتوقع المحبوب يسمى ترجيًّا
وتوقع المكروه يسمى إشفاقًا. ولا يكون التوقع إلا في
الممكن، وأما قول فرعون: {لعلي أبلغ الأسباب * أسباب
السماوات} [غافر: 36، 37] فجهل منه أو إفك قاله في المغني
والإشفاق لغة الخوف يقال: أشفقت عليه بمعنى خفت عليه
وأشفقت منه بمعنى خفت منه وحذرته.
1 - باب مَا جَاءَ فِى التَّمَنِّى وَمَنْ تَمَنَّى
الشَّهَادَةَ
(باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة) بإثبات البسملة
وما بعدها لأبي ذر عن المستملى، وكذا هو عند ابن بطال لكن
بلا بسملة، وأثبتها السفاقسي لكن بحذف لفظ باب وللنسفي بعد
البسملة ما جاء في التمني وللقابسي بحذف الواو البسملة
وكتاب.
7226 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ
رِجَالاً يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِى وَلاَ
أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ، مَا تَخَلَّفْتُ لَوَدِدْتُ
أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ
أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا،
ثُمَّ أُقْتَلُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
بضم العين المهملة وفتح الفاء الحافظ أبو عثمان الأنصاري
المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال:
(حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير
مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبي
محمد المخزومي سيد التابعين (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه-
(قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(والذي نفسي بيده) في تصريف قدرته (لولا أن رجالاً يكرهون
أن يتخلفوا بعدي) عن الغزو معي لعجزهم عن آلة السفر من
مركوب وغيره (ولا أجد ما أحملهم) عليه (ما تخلفت) عن سرية
تغزو في سبيل الله (لوددت) بفتح اللام والواو وكسر الدال
المهملة الأولى وسكون الثانية واللام للقسم وفي الجهاد
والذي نفسي بيده لوددت (أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا)
بضم الهمزة فيهما كاللاحق (ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم
أحيا ثم أقتل) بتكرير ثم ست مرات وختمه بأقتل لأن الغرض
الشهادة فجعلها آخرًا والودّ كما قال الراغب: محبة الشيء
وتمني حصوله وتمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وددت أن موسى عليه
السلام صبر" فكأنه أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد
وتحريض المسلمين، وبهذا يجاب عن استشكال صدور هذا التمني
منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه يعلم أنه
لا يقتل وأجاب السفاقسي عنه باحتمال أن يكون قبل نزول آية
{والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] وتعقب بأن نزولها
كان في أوائل قدومه المدينة. والحديث صرح أبو هريرة بأنه
سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما
قدم أبو هريرة
(10/275)
في أوائل سنة سبع من الهجرة، وحكى ابن
الملقن أن بعضهم زعم أن قوله: لوددت مدرج من كلام أبي
هريرة. قال: وهو بعيد وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة.
ومطابقة الحديث للترجمة مستفادة من التمني في قوله: لوددت.
والحديث سبق في الجهاد في باب تمني الشهادة.
7227 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِى
نَفْسِى بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّى لأُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ
اللَّهِ، فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ
أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ
يَقُولُهُنَّ ثَلاَثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي
الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد
الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي
هريرة) رضى الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(والذي نفسي بيده وددت) بغير لام (أني لأقاتل) بلام
التأكيد من باب المفاعلة ولأبي ذر عن الكشميهني أقاتل (في
سبيل الله) بإسقاط اللام (فأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا
ثم أقتل) بتكرار ثم أربع مرات وزاد غير أبي ذر ثم أحيا ثم
أقتل ثم أحيا بتكرارها ثلاثًا كذا في الفرع وفي غيره
بإسقاط الأخيرة (فكان أبو هريرة) -رضي الله عنه- (يقولهن)
أي كلمات أقتل (ثلاثًا أشهد بالله) أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك وفائدته التأكيد وظاهره أنه
من كلام الراوي عن أبي هريرة أي أشهد بالله أن أبا هريرة
كان يقول أي كلمات أقتل ثلاث مرات.
2 - باب تَمَنِّى الْخَيْرِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ لِى أُحُدٌ
ذَهَبًا»
(باب تمني الخير. وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً في الرقاق بلفظه: (لو كان لي
أُحُد ذهبًا). وجواب لو قوله في الحديث الآتي إن شاء الله
تعالى في هذا الباب لأحببت الخ.
7228 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ كَانَ عِنْدِى أُحُدٌ
ذَهَبًا لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِىَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِى
مِنْهُ دِينَارٌ لَيْسَ شَىْءٌ أُرْصِدُهُ فِى دَيْنٍ
عَلَىَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق بن نصر)
نسبة إلى جده واسم أبيه إبراهيم البخاري قال: (حدّثنا عبد
الرزاق) بن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني (عن معمر) أبي
عروة بن راشد الأزدي مولاهم (عن همام) هو ابن منبه
الصنعاني أنه (سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لو كان عندي أُحُد) الجبل المعروف (ذهبًا) وفي رواية
الأعرج عن أبي هريرة عند أحمد في أوله: والذي نفسي بيده
وجواب لو قوله (لأحببت أن لا يأتي ثلاث) ولأبي ذر عن
الكشميهني عليّ ثلاث (وعندي منه دينار ليس شيء أرصده) بفتح
الهمزة وضم الصاد المهملة وفي نسخة الحافظ أبي ذر وهو في
نسخة مقروءة على الأصل أرصده بضم الهمزة وكسر الصاد (في
دين) بفتح الدال المهملة (عليّ) بتشديد الياء (أجد من
يقبله) والضمير للدينار أو للدين والجملة حالية.
قال الزركشي: وفي الكلام تقديم وتأخير اختل به الكلام
وأصله وعندي منه دينار أجد من يقبله ليس شيء أرصده في دين
ففصل بين الموصوف وهو دينار وصفته وهو قوله أجد بالمستثنى.
قال البدر الدماميني: لا اختلال إن شاء الله تعالى ولا
تقديم ولا تأخير والكلام مستقيم بحمد الله، وذلك بأن يجعل
قوله ليس شيئًا أرصده لدين عليّ صفة لدينار وإن كان نكرة
لكونه تخصص بالصفة وحاصل المعنى أنه لا يجب على تقدير ملكه
لأحد ذهبًا أن يبقى عنده بعد ثلاث ليال من ذلك المال دينار
موصوف بكونه ليس مرصدًّا لوفاء دين عليه في حال أن له
قابلاً لا يجده، وهذا معنى كما تراه لا اختلال فيه وليس في
الكلام على التقدير الذي قلناه تقديم ولا تأخير فتأمله.
وذكر الصغاني أن الصواب ليس شيئًا بالنصب، وقال في اللامع
إنه في رواية الأصيلي بالنصب ولغيره بالرفع ووجه الدلالة
على التمني من حديث مع أن لو إنما هي لامتناع الشيء
لامتناع غيره لا للتمني أن لو هنا شرطية بمعنى إن ومحبة
كون غير الواقع واقعًا هو نوع من التمني فغايته أن هذا
تمنٍّ على هذا التقدير. قال السكاكي: الجملة الجزائية جملة
خبرية مقيدة بالشرط فعلى هذا فهو تمنٍّ بالشرط قاله في
الكواكب.
والحديث سبق في الرقاق.
3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا
اسْتَدْبَرْتُ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
حجة الوداع: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) وجواب لو في
الحديث اللاحق.
7229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى
عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ
مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ. مَا سُقْتُ الْهَدْىَ
وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير بضم الموحدة وفتح الكاف أبو زكريا المصري قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن
خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
(10/276)
الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة)
بن الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- ولأبي ذر عن عروة عن
عائشة أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لو استقبلت من أمري ما استدبرت) وما موصول والعائد محذوف
أي الذي استدبرته والمعنى لو علمت في أول الحال ما علمت
آخرًا من جواز العمرة في أشهر الحج وجواب لو قوله: (ما
سقت) معي (الهدي) أي ما قرنت أو ما أفردت (ولحللت) أي
لتمتعت (مع الناس حين حلّوا) لأن صاحب الهدي لا يمكن له
الإحلال حتى يبلغ الهدي محله وقال ذلك صلوات الله وسلامه
عليه تطييبًا لقلوبهم لأنه يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محرم.
ومباحث ذلك مرت في الحج.
7230 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَبَّيْنَا
بِالْحَجِّ وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ
ذِى الْحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً
وَلْنَحِلَّ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ قَالَ:
وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا هَدْىٌ غَيْرَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَطَلْحَةَ وَجَاءَ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ مَعَهُ
الْهَدْىُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا:
أَنَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا
اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِى
الْهَدْىَ لَحَلَلْتُ». قَالَ: وَلَقِيَهُ سُرَاقَةُ
وَهْوَ يَرْمِى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ: أَلَنَا هَذِهِ خَاصَّةً؟ قَالَ: «لاَ بَلْ
لأَبَدٍ». قَالَ:
وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدِمَتْ مَكَّةَ وَهْىَ حَائِضٌ
فَأَمَرَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ تَنْسُكَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ
أَنَّهَا لاَ تَطُوفُ وَلاَ تُصَلِّى حَتَّى تَطْهُرَ،
فَلَمَّا نَزَلُوا الْبَطْحَاءَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ
وَأَنْطَلِقُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ
يَنْطَلِقَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ
عُمْرَةً فِى ذِى الْحَجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَجِّ.
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن عمر) بضم العين ابن شقيق الجرمي
بفتح الجيم البصر نزيل الري قال: (حدّثنا يزيد) من الزيادة
ابن زريع البصري (عن حبيب) بفتح الحاء المهملة وكسر
الموحدة الأولى ابن أبي قريبة أبي محمد المعلم البصري (عن
عطاء) أي ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري
-رضي الله عنهما- أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع (فلبينا
بالحج) مفردًا (وقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة فأمرنا
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نطوف
بالبيت) بضم الطاء وسكون الواو (وبالصفا والمروة وأن
نجعلها) أي الحجة (عمرة) وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة
(ولنحل) بسكون اللام وفتح النون وكسر الحاء المهملة من
العمرة ولأبي ذر ونحل (إلا من كان معه هدي) استثناء من
قوله فأمرنا وسقط لغير الحموي لفظ كان (قال) جابر: (ولم
يكن مع أحد منا هدي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وطلحة) بنصب غير على الاستثناء لغير أبي ذر
وجرها صفة لأحد لأبي ذر وطلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة
(وجاء علي) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (من اليمن معه
الهدي) فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"بما أهللت"؟ (فقال: أهللت بما أهلّ به رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا) أي المأمورون أن
يجعلوها عمرة (ننطلق) ولأبي ذر عن الكشميهني أننطلق (إلى
منى) بالتنوين (وذكر أحدنا يقطر) منيًّا لقربهم من الجماع
وحالة الحج تنافي الترفه وتناسب الشعث فكيف يكون ذلك (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما بلغه
ذلك:
(إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو كنت الآن
مستقبلاً زمن الأمر الذي استدبرته (ما أهديت) ما سقت الهدي
(ولولا أن معي الهدي لحللت) إذ وجوده مانع من فسخ الحج إلى
العمرة والتحلل منها (قال) جابر (ولقيه) عليه الصلاة
والسلام (سراقة) بن مالك بن جعشم الكناني بالنونين (وهو
يرمي جمرة العقبة فقال: يا رسول الله ألنا هذه خاصة؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا بل لأبدٍ)
بالتنوين، ولأبي ذر عن الكشميهني للأبد بزيادة لام أوله
(قال) جابر (وكانت عائشة) -رضي الله عنها- (قدمت مكة)
ولأبي ذر عن الكشميهني معه مكة (وهي حائض فأمرها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تنسك) بفتح
الفوقية وضم السين بينهما نون ساكنة (المناسك كلها) أي
تأتي بأفعال الحج كلها (غير أنها لا تطوف) بالبيت ولا بين
الصفا والمروة (ولا تصلي حتى تطهر فلما نزلوا البطحاء) وهو
المحصب وطهرت وطافت (قالت عائشة: يا رسول الله أتنطلقون
بحجة وعمرة وأنطلق بحجة) ولأبي ذر عن الكشميهني بحج مفرد
من غير عمرة (قال: ثم أمر) عليه الصلاة والسلام أخاها (عبد
الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه- (أن ينطلق معها
إلى التنعيم) لتعتمر منه (فاعتمرت عمرة في ذي الحجة بعد
أيام الحج).
وسبق الحديث في باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف
بالبيت من كتاب الحج.
4 - باب قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"لَيْتَ كَذَا وَكَذَا"
(باب قول النبي) والذي في اليونينية قوله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ليت كذا وكذا).
7231 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ
رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ أَرِقَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ
فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِى
يَحْرُسُنِى اللَّيْلَةَ»، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ
السِّلاَحِ قَالَ: «مَنْ هَذَا» قِيلَ: سَعْدٌ يَا رَسُولَ
اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ فَنَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ
بِلاَلٌ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ...
بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة
البجلي الكوفي القطواني بفتح القاف والطاء المهملة قال:
(حدّثنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق قال:
(حدّثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (سمعت
(10/277)
عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي المدني
حليف بني عدي أبا محمد ولد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبيه صحبة مشهورة -رضي الله عنه-
(قال: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (أرق) بفتح الهمزة وكسر
الراء سهر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات
ليلة) ذات مقحمة (فقال):
(ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة، إذ سمعنا صوت
السلاح قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من
هذا؟ قيل) ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني ثم قال (سعد)
بسكون العين ابن أبي وقاص (يا رسول الله جئت أحرسك فنام
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمعنا
غطيطه) بفتح الغين المعجمة وكسر الطاء المهملة الأولى صوت
النائم ونفخه، وفي باب الحراسة في الغزو من الجهاد من طريق
علي بن مسهر عن يحي بن سعيد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قدم المدينة قال: "ليت رجلاً"
الخ. وعند مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد سهر رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة
ليلة فقال: "ليت رجلاً" وظاهره أن السهر والقول معًا كانا
بعد قدومه المدينة بخلاف رواية البخاري في باب الحراسة
المذكورة فإن ظاهرها أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده
وهو محمول على التقديم والتأخير كما قدمته في الباب
المذكور، وليس المراد بقدومه المدينة أول ما قدم إليها في
الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا سعد.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن ليت حرف تمنٍّ يتعلق
بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلاً ومنه حديث الباب فإن
كلاًّ من الحراسة والمبيت بالمكان الذي تمناه قد وجد.
والحديث سبق في الجهاد في باب الحراسة.
(قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري (وقالت عائشة)
-رضي الله عنها- (قال بلال) عند مرضه أول قدومهم في الهجرة
(ألا) بالتخفيف (ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي
إذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال والخاء المعجمة نبت طيب
الرائحة (وجليل). بالجيم الثمامة وهو نبت قصير لا يطول
قالت عائشة: (فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بقوله.
وسبق موصولاً بتمامه في مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الهجرة وموضع الدلالة منه
قولها فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5 - باب تَمَنِّى الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ
(باب تمنِّي القرآن والعلم).
7232 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَاسُدَ
إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ
فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ:
لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا
يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِى
حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ
لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي
مولاهم الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن
عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن بلال (عن أبي صالح)
ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تحاسد) بفوقية قبل الحاء المهملة وألف بعدها وضم السين
المهملة وفي كتاب العلم: لا حسد والحسد تمني زوال النعمة
عن المنعم عليه والمراد به هنا الغبطة وأطلق الحسد عليها
مجازًا وهو أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن
يزول عنه أي لا غبطة (إلا في اثتين) بتاء التأنيث أي لا
حسد محمودًا في شيء إلا في خصلتين وفي الاعتصام اثنين بغير
تاء أي في شيئين (رجل) بالرفع بتقدير إحدى الاثنتين خصلة
رجل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (آتاه الله)
أعطاه الله (القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار)
ساعاتهما ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من آناء الليل
والنهار (يقول) سامعه (لو أوتيت) أعطيت (مثل ما أوتي) أعطي
(هذا) من تلاوة القرآن آناء الليل والنهار (لفعلت كما
يفعل) لقرأت كما يقرأ (و) الثاني (رجل آتاه الله مالاً
ينفقه في حقه فيقول) الذي يراه ينفقه (لو أوتيت) أعطيت
(مثل ما أوتي) أعطي (هذا) من المال (لفعلت كما يفعل).
لأنفقته كما أنفق.
والحديث يأتي في التوحيد.
0000 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو
ابن عبد الحميد (بهذا) الحديث السابق.
وفيه إشارة إلى أن له فيه شيخين عثمان بن أبي شيبة وقتيبة
بن سعيد كلاهما عن جرير، وسقط ذلك في رواية أبي ذر.
6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّى
{وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا
اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ
عَلِيمًا} [النساء: 32].
(باب ما يكره من التمني) وهو الذي يكون فيه إثم كالذي يكون
داعيًا إلى الحسد والبغضاء ({ولا تتمنوا ما فضل الله به
بعضكم على بعض}) [النساء: 32] لأن ذلك التفضيل قسمة من
الله تعالى
(10/278)
صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد
وبما ينبغي لكل من بسط له في الرزق أو قبض، فعلى كل واحد
أن يرضى بما قسم له ولا يحسد أخاه على حظه فالحسد كما مرّ
أن يتمنى أن يكون ذلك الشيء له ويزول عن صاحبه والغبطة أن
يتمنى مثل ما لغيره والأول: منهي عنه لما فيه من الاعتراض
على الله تعالى في فعله وفي حكمته، وربما أعتقد في نفسه
أنه حق بتلك النعم من ذلك الإنسان، وهذا اعتراض على الله
تعالى في حكمته فيما يلقيه في الكفر وفساد الدين، وأما
الثاني: وهو الغبطة فجوّزه قوم ومنعه آخرون قالوا: لأنه
ربما كانت تلك النعمة مفسدة في دينه ومضرّة عليه في الدنيا
ولذا قالوا: لا يقول اللهم أعطني دارًا مثل دار فلان وزوجة
مثل زوجة فلان بل ينبغي أن يقول: اللهم أعطني ما يكون
صلاحًا في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي وإذا تأمل الإنسان لم
يجد دعاء أحسن مما ذكره الله تعالى في القرآن تعليمًا
لعباده وهو قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] ولما قال
الرجال: نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء
كالميراث، وقالت النساء: يكون وزرنا على نصف وزر الرجال
كالميراث نزل ({للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما
اكتسبن}) وليس ذلك على حسب الميراث ({واسألوا الله من
فضله}) فإن خزائنه لا تنفذ ولا تتمنوا ما للناس من الفضل
({إن الله كان بكل شيء عليمًا}) [النساء: 32] فالتفضيل عن
علم بمواضع الاستحقاق وسقط قوله: (للرجال نصيب} إلى آخر
قوله: {من فضله} ولأبي ذر، وقال إلى قوله: {إن الله كان
بكل شيء عليمًا}.
7233 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا
أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ - رضى الله عنه - لَوْلاَ
أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ
لَتَمَنَّيْتُ».
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الحاء والراء
فيهما ابن سليمان البجلي البوراني الكوفي قال: (حدّثنا أبو
الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي (عن عاصم) هو
ابن سليمان المعروف بالأحول (عن النضر) بالنون المفتوحة
والمعجمة الساكنة (ابن أنس) أنه (قال: قال أنس -رضي الله
عنه-: لولا أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تتمنوا) بفوقيتين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال:
لا تمنوا (الموت لتمنيت) الموت بلفظ الماضي وحذف إحدى
التاءين، وإنما نهى عن تمني الموت لما فيه من المفسدة وهي
طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد ولأن
الله تعالى قدّر الآجال فمتمني الموت غير راضٍ بقضاء الله
وقدره ولا مسلّم لقضائه نعم إذا خاف على دينه والوقوع في
الفتنة فيجوز بلا كراهة.
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات.
7234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ
ابْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْنَا
خَبَّابَ بْنَ الأَرَثِّ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى
سَبْعًا فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ
بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام بالتشديد والتخفيف
قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان
(عن ابن أبي خالد) إسماعيل واسم أبي خالد سعد البجلي (عن
قيس) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي أنه (قال:
أتينا خبّاب بن الأرتّ) بالمثناة الفوقية المشددة وخباب
بالمعجمة المفتوحة والموحدتين أولاهما مشددة بينهما ألف
التيمي حليف بني زهرة البدري حال كوننا (نعوده وقد اكتوى)
في بطنه (سبعًا) أي سبع كيّات (فقال: لولا أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت
لدعوت به) على نفسي وقال ذلك لأنه ابتلي في جسده ببلاء
شديد.
والحديث سبق في الطب في باب تمني المريض الموت.
7235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ - اسْمُهُ سَعْدُ
بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ
إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا
مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال:
(حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر)
هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي عبيد) بضم
العين وفتح الموحدة (اسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن
أزهر) وسقط لفظ اسمه وابن أزهر لأبي ذر (أن رسول الله)
ولأبي ذر عن أبي هريرة أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يتمنى) قال التوربشتي: الياء المثناة بالتحتية في قوله
لا يتمنى مثبته في رسم الخط في كتب الحديث فلعله نهي ورد
على صيغة الخبر، والمراد منه لا يتمنَّ فأُجري مجرى
الصحيح،
ويحتمل أن بعض الرواة أثبتها في الخط فروي على ذلك. وقال
البيضاوي: هو نهي أُخرج في صورة النفي للتأكيد، ولأبي ذر
عن الكشميهني لا يتمنين (أحدكم الموت) زاد في رواية أنس
السابقة في الطب من ضرٍّ أصابه
(10/279)
(إما محسنًا فلعله يزداد) خيرًا (وإما
مسيئًا فلعله يستعتب) بنصب محسنًا ومسيئًا. قال الزركشي:
تبعًا لابن مالك حيث قال في توضيحه: تقديره إما يكون
محسنًا وإما يكون مسيئًا فحذف يكون مع اسمها مرتين وأبقى
الخبر وأكثر ما يكون ذلك بعد إن ولو كقوله:
انطق بحق وإن مستخرجًا إحنًا ... فإن ذا الحق غلاّب وإن
غلبا
وكقوله:
علمتك منّانًا فلست بآمل ... نداك ولو غرثان ظمآن عاريا
وفي لعل في هذين الموضعين شاهد على مجيء لعل للرجاء المجرد
من التعليل وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو:
{واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189] لعلي أرجع إلى
الناس لعلهم يعلمون، ومعنى يستعتب يطلب العتبى أي الرضا
عنه، وتعقبه في المصابيح فقال: اشتمل كلامه على أمرين
ضعيفين قابلين للنزاع. أما الأول: فجزمه بأن كلاًّ من قوله
محسنًا ومسيئًا خبر ليكون محذوفة مع احتمال أن يكونا حالين
من فاعل يتمنى وهو أحدكم، وعطف أحد الحالين على الآخر وأتى
بعد كل حال بما ينبه على علة النهي عن تمني الموت والأصل
لا يتمنى أحدكم الموت محسنًا أو مسيئًا أي سواء كان على
حالة الإحسان أو الإساءة أما إن كان محسنًا فلا يتمنى
الموت لعله يزداد إحسانًا على إحسانه فيضاعف أجره وثوابه،
وأما إن كان مسيئًا فلا يتمنى أيضًا إذ لعله يندم على
إساءته ويطلب الرضا عنه فيكون ذلك سببًا لمحو سيئاته التي
اقترفها، وأما الثاني فادّعاؤه أن أكثر مجيء لعل للترجي
المصحوب بالتعليل، وهذا ممنوع. وهذه كتب النحاة الأكابر
طافحة بالإعراض عن ذكر هذا القيد، ولو سلم فليس في هذا
الحديث شاهد على مجيئها للترجي المجرد لإمكان اعتبار
التعليل معه وقد فهمت صحة اعتباره مما قررناه فتأمله اهـ.
وقد سبق في باب تمني المريض الموت من الطب مزيد على ما هنا
فليراجع.
وفي الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة
أو محنة بعدوّ ونحوه من مشاق الدنيا وأما إذا خاف ضررًا أو
فتنة فلا كراهة فيه، وفي مناسبة الأحاديث الثلاثة للآية
المسوقة قبلها غموض إلا إن كان أراد أن المكروه من التمني
هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل عليه الحديث، وحاصل ما في
الآية الزجر عن الحسد، وحاصل ما في الحديث الحث على الصبر
لأن تمني الموت غالبًا ينشأ عن وقوع أمر يختار الذي يقع به
الموت على الحياة فإذا نهي عن تمني الموت كان كأنه أمر
بالصبر على ما نزل به، ومجمع الآية والحديث الحث على الرضا
بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى قاله في فتح الباري.
7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلاَ اللَّهُ مَا
اهْتَدَيْنَا
(باب قول الرجل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لولا الله ما
اهتدينا).
7236 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ
شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ
بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ
الأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ
بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ:
لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... نَحْنُ وَلاَ
تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
إِنَّ الأُلَى -وَرُبَّمَا قَالَ- إِنَّ الْمَلاَ قَدْ
بَغَوْا عَلَيْنَا.
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا. يَرْفَعُ
بِهَا صَوْتَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله قال: (أخبرني)
بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة بن أبي رواد البصري (عن
شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد
الله السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه
(قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل
معنا التراب) ونحن نحفر الخندق (يوم الأحزاب ولقد رأيته)
صلوات الله وسلامه عليه حال كونه (وارى) بألف وفتح الراء
من غير همز أي غطى (التراب بياض بطنه) حال كونه (يقول)
يرتجز بكلام ابن رواحة عبد الله أو هو من كلام عامر بن
الأكوع، وسبق لذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني: إن التراب
لموار بياض إبطيه بكسر الهمزة وسكون الموحدة وفتح الطاء
المهملة تثنية إبط والجملة حالية.
(لولا أنت ما اهتدينا) قال ابن بطال: لولا عند العرب يمتنع
بها الشيء لوجود غيره تقول: لولا زيد ما صرت إليك أي كان
مصيري إليك من أجل زيد، وكذلك لولا الله ما اهتدينا أي
كانت هدايتنا من قبل الله (ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن)
بنون التأكيد الخفيفة (سكينة) وقارًا وطمأنينة (علينا إن
الأولى) بضم الهمزة فلام مفتوحة الذين (وربما قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن الملأ قد بغوا علينا إذ
أرادوا فتنة أبينا أبينا) مرتين من الإباء أي امتنعنا
(يرفع بها صوته).
والحديث ومباحثه مرَّا في غزوة
(10/280)
الخندق.
8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّمَنِّى لِقَاءَ الْعَدُوِّ
وَرَوَاهُ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب كراهية التمني لقاء العدو) بنصب لقاء على المفعولية
ولأبي ذر تمني بإسقاط الألف واللام لقاء بالجر على الإضافة
وللأصيلي وابن عساكر التمني للقاء العدوّ بزيادة لام قبل
التي بعدها القاف. (ورواه) أي كراهية تمني لقاء العدو
(الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسبق
أواخر الجهاد.
7237 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِى
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَكَانَ
كَاتِبًا لَهُ - قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِى أَوْفَى فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا
اللَّهَ الْعَافِيَةَ».
وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر:
حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن
عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي البغدادي أصله من
الكوفة قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري
بفتح الفاء والزاي (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي
(عن سالم) بالتنوين (أبي النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة
الساكنة (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما القرشي
(وكان) أبو النضر (كاتبًا له) أي لمولاه عمر أنه (قال: كتب
إليه) أي لعمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) علقمة
الصحابيّ -رضي الله عنه- كتابًا (فقرأته فإذا فيه أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تتمنوا) بفتح النون المشددة (لقاء العدوّ وسلوا الله
العافية) من المكاره والبليات في الدنيا والآخرة. فإن قلت:
لا ريب أن تمني الشهادة محبوب فكيف ينهى عن تمني لقاء
العدوّ وهو يفضي إلى المحبوب؟ أجيب: بأن حصول الشهادة أخص
من اللقاء لإمكان تحصيل الشهادة مع نصرة الإسلام ودوام عزه
واللقاء قد يفضي إلى عكس ذلك فنهى عن تمنيه ولا ينافي ذلك
في تمني الشهادة.
9 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً}.
(باب ما يجوز من اللو) بألف ولامين وواو ساكنة مخففة في
الفرع وأصله ويروى بتشديدها.
واستشكل بأن لو حرف وأهل العربية لا يجيزون دخول الألف
واللام على الحروف قاله القاضي عياض. وأجيب: بأن "اللو"
هنا مسمى بها فهي اسم زيد فيه واو أخرى ثم أدغمت الأولى في
الثانية على القاعدة المقررة في بابها فلا بدع إذًا في
دخول علامات الأسماء عليها إذا لم تدخل وهي حرف إنما دخلت
وهي اسم. وقال صاحب النهاية: الأصل لو ساكنة الراو وهي حرف
من حروف المعاني يمتنع بها الشيء لامتناع غيره غالبًا فلما
سمي بها زيد فيها فلما أرادوا إعرابها أتى فيها بالتعريف
لتكون علامة لذلك ومن ثم شدّد الواو وقد سمع بالتشديد
منونًا قال:
أُلام على لو ولو كنت عالمًا ... بإدبار لوّ لم تفتني
أوائله
وقال آخر:
ليت شعري وأين منى ليت ... إن ليتًا وإن لوًّا عناء
وقال الشيخ تقيّ الدين السبكي رحمه الله: لو إنما لا
يدخلها الألف واللام إذا بقيت على الحرفية أما إذا سمي بها
فهي من جملة الحروف التي سمعت التسمية بها من حروف الهجاء
ومن حروف المعاني ومن شواهده قوله:
وقدمًا أهلكت لوّ كثيرًا ... وقبل اليوم عالجها قدار
فأضاف إليها واوًا أخرى وأدغمها وجعلها فاعلاً. قال:
ومقصود البخاري -رحمه الله- بالترجمة وأحاديثها أن النطق
بلو لا يكره على الإطلاق وإنما يكره في شيء مخصوص يؤخذ ذلك
من قوله من اللو فأشار إلى التبعيض ولورودها في الأحاديث
الصحيحة، وقيل: إن البخاري أشار بقوله ما يجوز من اللّو
إلى أن اللّو في الأصل لا يجوز إلا ما استثنى. وعند
النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن عجلان عن الأعرج عن أبي
هريرة يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "المؤمن القويّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"
وفي كل خير احرص على ما ينفعك ولا تعجز فإن غلبك أمر فقل
قدّر الله وما شاء فعل وإياك واللّو فإن اللّو تفتح عمل
الشيطان. هذا لفظ ابن ماجة ولفظ النسائي قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والباقي سواء
إلا أنه قال: وما شاء وإياك. وأخرجه النسائي والطبري
والطحاوي من طريق عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان
فقال عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج، ولفظ النسائي وفي
كل خير وفيه احرص على ما ينفعك واستغن بالله ولا تعجز،
وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت
(10/281)
كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل.
قال في الفتح: هذه الطريق أصح طرق هذا الحديث وقوله: فإن
اللّو تفتح عمل الشيطان أي تلقي في القلب معارضة القدر
فيوسوس به الشيطان، ولا معارضة بين ما ورد من الأحاديث
الدالّة على الجواز والدالّة على النهي لأن النهي مخصوص
بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فالمعنى لا تقل لشيء لم يقع لو
أني فعلت كذا لوقع قاضيًا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط
مشيئة الله، وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله
موقنًا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله
وإرادته قاله الطبري. وقال غيره: الظاهر أن النهي عن إطلاق
ذلك فيما لا فائدة فيه أما من قاله تأسفًا على ما فاته من
طاعة الله فلا بأس به.
(وقوله تعالى: {لو أن لي بكم قوة}) أي لو قويت بنفسي على
دفعكم وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم وحذفه كما قال ابن
بطال لأنه يخص بالنفي ضروب المنع، وإنما أراد لوط عليه
السلام العدّة من الرجال وإلاّ فهو يعلم أن له من الله
ركنًا شديدًا ولكنه أجرى الحكم على الظاهر، ولو تدل على
امتناع الشيء لامتناع غيره تقول: لو جاءني زيد لأكرهتك
معناه أني امتنعت من إكرامك لامتناع مجيء زيد وتكون بمعنى
الشرطية نحو: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}
[البقرة: 221] أي وإن أعجبتكم وللتقليل نحو "التمس ولو
خاتمًا من حديد". وللعرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا
وللحض نحو: لو فعلت كذا بمعنى الفعل وبمعنى التمني نحو:
فلو أن لنا كرّة أي فليت لنا كرّة، ولهذا نصب فنكون في
جوابها كما نصب فأفوز
في جواب ليت، واختلف هل هي الامتناعية أشربت معنى التمني،
أو المصدرية أو قسم برأسه ورجح الأخير ابن مالك.
7238 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ
الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ
أَهِىَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً
مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» قَالَ: لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ
أَعْلَنَتْ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي
الله عنه- أنه (قال: ذكر ابن عباس) -رضي الله عنهما-
(المتلاعنين) بفتح النون الأولى على التثنية وقصتهما (فقال
عبد الله بن شداد) بالمعجمة المفتوحة والمهملتين الأولى
مشددة بينهما ألف ابن الهاد الكوفي (أهي) بهمزة الاستفهام
ولأبي ذر هي المرأة (التي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو كنت راجمًا امرأة) محصنة زنت (من
غير) ولأبي ذر عن المستملي عن وله عن الكشميهني بغير
(بيّنة) وجواب لو محذوف أي: لرجمتها (قال: لا تلك امرأة
أعلنت) بالسوء في الإسلام لكنها لم يثبت عليها ذلك ببينة
ولا اعتراف ولم يسمها.
والحديث سبق في اللعان ومطابقته للترجمة في قوله: لو كنت
راجمًا.
7239 - حدثنا علي، حدثنا سفيانُ قالَ عمرو: حدثنا عطاءٌ
قالَ: أعتَمَ النبِي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالعِشاءِ فَخَرَجَ عُمرُ فَقالَ: الصلاةُ يا رَسُولَ
الله رَقَدَ النساءُ والصبيانُ، فَخَرَجَ وَرَأسُهُ
يَقْطُرُ يَقُولُ: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمتِي- أو علَى
الناسِ". وَقالَ سُفيانُ أيضًا: "على أُمتِي لأمرتهم
بِالصلاةِ هذه الساعةَ". وَقالَ ابنُ جُرَيج: عن عطاء عنِ
ابنِ عباس أخَّرَ النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هذِهِ الصلاةَ فَجاءَ عُمرُ فَقالَ: يا رَسُولَ
الله رَقَدَ النساءُ والوِلدانُ فَخَرَجَ وَهوَ يَمسَحُ
الماءَ عن شِقِّهِ يَقُولُ: "إنهُ لَلوَقتُ لَولا أن أشق
على أُمتي". وَقالَ عمرو: حدثنا عطاءٌ لَيسَ فِيهِ ابنُ
عباس أما عمرو فقال يقطر وقال ابنُ جُرَيج: يَمسَحُ الماءَ
عن شِقِّهِ وَقالَ عمرو: "لَولا أن أشُقَّ على أُمَّتِي".
وَقالَ ابنُ جُرَيج: "إنهُ لَلوَقتُ لَولا أن أشُق على
أُمَّتِي". وَقالَ إبراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ: حدثنا معنٌ
حدثني محمد بن مسلم عن عمرو، عن عطاءٍ عنِ ابنِ عباسٍ عنِ
النبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَولا قَومك
حدِيثُو عهد بِكُفر".
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار
(حدّثنا عطاء) هو ابن أبي رباح (قال) أي عطاء (أعتم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء) أبطأ عن
صلاة العشاء حتى دخلت ظلمة الليل (فخرج عمر) -رضي الله
عنه- (فقال: الصلاة يا رسول الله) بنصب الصلاة على الإغراء
بفعل محذوف أي أحضر الصلاة يا رسول الله (رقد النساء
والصبيان) الذين بالمسجد وأسقط العلامة من الفعل مثل قال
نسوة وقالت نسوة ويتقوى الإسقاط
هنا بعطف الصبيان على النساء (فخرج) رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورأسه) أي شعر رأسه (يقطر)
ماء لأنه كان اغتسل قبل أن يخرج والجملة مبتدأ وخبر في
موضع الحال من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وكذا الجملة التالية في موضع الحال أيضًا أي خرج حال كونه
(يقول: لولا أن أشق على أمتي أو) قال: (على الناس) شك من
الراوي. (وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (أيضًا: على
أمتي لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة).
أي لولا أن أشق عليهم لأمرتهم أمر إيجاب أن يصلوها في هذا
الوقت.
وهذا الحديث مرسل لأن عطاء تابعي.
(وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز بالسند المذكور
إلى سفيان بن عيينة عن ابن جريج (عن عطاء) أي ابن أبي رباح
(عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه
(10/282)
قال (أخّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هذه الصلاة) أي صلاة العشاء ليلة (فجاء عمر
فقال: يا رسول الله رقد النساء والولدان) جمع وليد وهو
الصبي (فخرج) عليه الصلاة والسلام (وهو يمسح الماء) أي ماء
الغسل (عن شقه) بكسر الشين المعجمة والقاف المشددة حال
كونه (يقول: إنه للوقت) بفتح اللام الأولى وسكون الثانية
أي لوقت صلاة العشاء (لولا أن أشق على أمتي) وهذا موصول
(وقال عمرو): هو ابن دينار (حدّثنا عطاء ليس فيه) أي في
سنده (ابن عباس أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم (عمرو) أي
ابن دينار (فقال) في روايته (رأسه يقطر) أي ماء. (وقال ابن
جريج) عبد الملك في روايته (يمسح الماء عن شقه) بكسر
المعجمة (وقال عمرو) المذكور (لولا أن أشقّ على أمتي. وقال
ابن جريج: إنه للوقت) بفتح اللام الأولى وسكون الثانية
(لولا أن أشقّ على أمتي) أي لحكمت بأن هذه الساعة وقت صلاة
العشاء.
(وقال إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي شيخ المؤلّف
قال: (حدّثنا معن) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها
نون ابن عيسى القزاز بالقاف والزاءين مشددة أولاهما قال:
(حدّثني) بالإفراد (محمد بن مسلم) الطائفي (عن عمرو) هو
ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا موصول
بذكر ابن عباس فيه وهو مخالف لتصريح سفيان بن عيينة عن
عمرو بأن حديثه عن عطاء ليس فيه ابن عباس قيل: فهو من
أوهام الطائفي وهو موصوف بسوء الحفظ، وتعقب بأنه إذا كان
كذلك فكيف رضي البخاري بإخراجه فيه موصولاً.
وهذا وصله الإسماعيلي. ولولا حرف امتناع ويلزم بعدها
المبتدأ وحرف تحضيض ويلزم بعدها الفعل المضارع نحو لولا
تستغفرون الله وللتوبيخ فتختص بالماضي نحو {لولا جاؤوا
عليه بأربعة شهداء} [النور: 13] ومنه: {ولولا إذ سمعتموه
قلتم} [النور: 16] إلا أن الفعل أخّر وذكر الهروي فيها
الاستفهام نحو قوله تعالى: {ولولا أخّرتني إلى أجل قريب}
[المنافقون: 10] وأنها تكون نافية بمنزلة لم وجعل منه قوله
تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم
يونس} [يونس: 98] إذ ثبت هذا فلولا هنا الامتناعية ويجب
حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها.
قال ابن مالك: على هذا إطلاق أكثر النحويين إلا الرماني
وابن الشجري قال: وقد يسّر لي في هذه المسألة زيادة وهي أن
المبتدأ المذكور بعد لولا على ثلاثة أضرب: مخبر عنه بكون
غير مقيد، ومخبر عنه بكون مقيد لا يدرك معناه عند حذفه،
ومخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه.
فالأول: نحو لولا زيد لزارنا عمرو فمثل هذا يلزم حذف خبره
لأن المعنى لولا زيد على كل حال من أحواله لزارنا عمرو،
فلم يكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها فلزم الحذف
لذلك ولما في الجملة من الاستطالة المحوجة إلى الاختصار.
الثاني: وهو المخبر عنه بكون مقيد ولا يدرك معناه إلا
بذكره نحو لولا زيد غائب لم أزرك فخبر هذا النوع واجب
الثبوت لأن معناه يجهل عند حذفه، ومنه قول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لولا قومك حديثو عهد بكفر)
أو حديث عهدهم بكفر فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظن
أن المراد لولا قومك على كل حال من أحوالهم لنقضت الكعبة،
وهو خلاف المقصود لأن من أحوالهم بعد عهدهم بالكفر فيما
يستقبل، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة وبنائها على
الوجه المذكور ومن هذا النوع قال عبد الرحمن بن الحارث
لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرًا ولولا مروان أقسم عليّ لم
أذكره لك.
الثالث: وهو المخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه
كقوله: لولا أخو زيد ينصره لغلب، ولولا صاحب عمرو يعينه
لعجز فهذه الأمثلة وأمثالها يجوز فيها إثبات الخبر وحذفه
اهـ.
وحينئذ فيكون قوله هنا: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم من
القسم الأول ويحتاج إلى تقدير أي لولا مخافة أن أشق
لأمرتهم أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها إذ الممتنع المشقّة
والموجود الأمر واللام جواب لولا.
واستشكل مطابقة الحديث للترجمة إذ هي للو الذي هو لامتناع
الشيء لامتناع غيره
(10/283)
والحديث فيه: لولا الذي هو لامتناع الشيء
لوجود غيره اللازم بعدها المبتدأ ولا يخفى ما بينهما من
البون البعيد. وأجيب: بأن ما آل لولا إلى لو إذ معناه لو
لم تكن المشقّة لأمرتهم.
7240 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى
لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ». تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ
مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة)
الكندي (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج أنه قال: (سمعت أبا
هريرة -رضي الله عنه- يقول إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أمر إيجاب وتحتم
وإلا فالمندوب مأمور به على
المرجح والمقتضي لهذا التأويل حينئذ أن السواك مندوب إليه،
ومن يرى أن المندوب غير مأمور به لا يحتاج إلى هذا التأويل
لأن الأمر هو الإيجاب عنده. وزاد في رواية أخرى عند كل
صلاة والسر في ذلك أن يخرج القرآن من فيه وفوه طيب لأنه
إذا قام يصلّي قام الملك خلفه يسمع قراءته فلا يزال عجبه
بالقرآن يدنيه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من
القرآن إلا صار في جوف ذلك الملك كما رواه البزار مرفوعًا
من حديث عليّ بإسناد حسن والملائكة تتأذى من الرائحة
الكريهة.
(تابعه سليمان بن مغيرة) القيسي البصري فيما وصله مسلم من
طريق أبي النضر عنه (عن ثابت) البناني (عن أنس عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الفرع كأصله
علامة سقوط هذه المتابعة في رواية أنس. وقال في الفتح إنها
ثابتة هنا في نسخة الصغاني قال: وهو خطأ والصواب ما وقع
عند غيره ذكرها عقب حديث أنس المذكور عقبه.
والحديث من أفراده.
7241 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: وَاصَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ
أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ مُدَّ بِىَ
الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ
تَعَمُّقَهُمْ، إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّى أَظَلُّ
يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِي».
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عياش بين الوليد) بالتحتية المشددة
والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن
عبد الأعلى السامي البصري قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن
ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: واصل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يأكل ولم
يشرب وقت الإفطار (آخر الشهر) أي شهر رمضان (وواصل) معه
(أناس) بضم الهمزة أي ناس والتنوين للتبعيض (من الناس
فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال):
(لو مدّ بي الشهر) بضم الميم وتشديد الدال المهملة مبنيًّا
للمفعول وبي جار ومجرور ولأبي ذر مدني بفتح الميم والدال
المشددة بعدها نون وقاية وجواب لو قوله (لواصلت) بهم
(وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) بضم العين من يدع وفتحها في
الأخريين من قولهم تعمق في كلامه أي تنطع. فإن قلت: الجملة
الواقعة بعد النكرة هنا صفة لها ولا رابط فكيف وجهه؟ أجيب:
بأنه محذوف للقرينة الحالية أي وصالاً يترك لأجله
المتنطعون تنطعهم (إني لست مثلكم إني أظل) أصير حال كوني
(يطعمني ربي ويسقيني) طعامًا وشرابًا من الجنة لا يقال إنه
إذا كان يطعم ويسقى فليس مواصلاً لأن المحضر من الجنة لا
يجرى عليه أحوال المكلفين أو هو مجاز عن لازم الطعام
والشراب وهو القوّة فكأنه قال يعطيني قوّة الآكل والشارب.
والحديث سبق في الصوم.
(تابعه) أي تابع حميدًا (سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله مسلم
كما ذكرته قريبًا. قال في الفتح: ووقع لنا بعلوٍّ في مسند
عبد بن حميد قال: ووقع هذا التعليق في رواية كريمة سابقًا
على حديث حميد عن أنس فصار كأنه طريق أخرى معلقة لحديث
(لولا أن أشق) وهو غلط فاحش والصواب ثبوته هنا كما وقع في
رواية الباقين اهـ.
ولم يذكره في الفرع كأصله هنا بل عقب حديث: لولا أن أشق
لكنه رقم عليه علامة السقوط لأبي ذر كما نبهت عليه فيما
سبق.
7242 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ اللَّيْثُ:
حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ قَالُوا:
فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: «أَيُّكُمْ مِثْلِى إِنِّى
أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ»؟ فَلَمَّا
أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ
يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ: «لَوْ
تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ». كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الدارقطني من طريق
أبي صالح عنه (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد)
الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (أن سعيد بن المسيب
أخبره أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: نهى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوصال) نهي
(10/284)
تحريم أو تنزيه (قالوا) يا رسول الله (فإنك
تواصل قال) عليه الصلاة والسلام.
(أيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقينِ؟ فلما أبوا)
امتنعوا (أن ينتهوا) عن الوصال (واصل بهم يومًا ثم يومًا
ثم رأوا الهلال) ظاهره أن قدر المواصلة بهم كان يومين
(فقال) عليه الصلاة والسلام (لو تأخر) الشهر (لزدتكم) من
الوصال إلى أن ترجعوا عنه فتسألوا التخفيف عنكم بتركه قال
لهم ذلك (كالمنكل لهم) بضم الميم وفتح النون وكسر الكاف
مشددة بعدها لام أي المعاقب لهم، واستدلّ به على جواز قول
لو وحمل النهي الوارد فيه على ما يتعلق بالأمور الشرعية
كما مرّ قريبًا في هذا الباب.
والحديث سبق في الصوم أيضًا.
7243 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ
يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجَدْرِ
أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَا
لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِى الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ
قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ». قُلْتُ: فَمَا
شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ
ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا
مَنْ شَاؤُوا، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ
بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ
أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِى الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ
بَابَهُ فِى الأَرْضِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو
الأحوص) سلام بالتشديد ابن سليم الحافظ قال: (حدّثنا أشعث)
بن أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن الأسود بن يزيد) النخعي
(عن عائشة) رضي الله عنه أنها (قالت: سألت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الجدر) بفتح الجيم وسكون
الدال المهملة وهو الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم
ويقال له الحطيم (أمن البيت هو؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم) هو من البيت قالت عائشة (قلت) يا رسول الله (فما
لهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فما بالهم (لم يدخلوه) بضم
أوّله وكسر الخاء المعجمة من الإدخال والضمير المنصوب
للجدر (في البيت؟ قال) عليه الصلاة والسلام (إن قومك)
قريشًا (قصرت) بفتح القاف وضم الصاد والذي في اليونينية
بفتح الصاد المشددة (بهم النفقة) عن عمارته من الحجر وغيره
(قلت) يا رسول الله (فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال) عليه
الصلاة والسلام (فعل ذاك) أي الارتفاع (قومك) بكسر الكاف
فيهما أي قريش (ليدخلوا) بضم الياء وكسر الخاء المعجمة (من
شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا لولا) ولأبي ذر ولولا (أن قومك
حديث) بالتنوين (عهدهم بالجاهلية) ولأبي ذر عن الكشميهني
حديث عهد بالإضافة (فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر)
بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ولأبي ذر عن المستملي
الجدار (في البيت وأن ألصق بابه في الأرض) وجواب لولا
محذوف تقديره لفعلت.
والحديث سبق في الحج.
7244 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ
الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ
سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا
أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ
الأَنْصَارِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قال البغوي في شرح
السُّنّة فيما نقله عنه في شرح المشكاة: ليس المراد منه
الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه أفضل
الأنساب وأكرمها، وإنه أراد النسب البلادي ومعناه لولا
الهجرة من الدين ونسبتها دينية لا يسعني تركها لأنها عبادة
مأمور بها لانتسبت إلى داركم قيل أراد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الكلام إكرام الأنصار والتعريض
بأن لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة وبيان أنهم بلغوا
من الكرامة مبلغًا لولا أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم
وقطعوا عن أقاربهم وأحبابهم وحرموا أوطانهم وأموالهم. (ولو
سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا أو شِعبًا) بكسر
الشين طريقًا في الجبل (لسلكت وادي
الأنصار أو شعب الأنصار) قيل: أراد حسن موافقته إياهم
وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الوفاء
بالعهد والجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن
متابعته حق على كل مؤمن لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع.
7245 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ
لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ
النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ
الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا». تَابَعَهُ أَبُو التَّيَّاحِ،
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى الشِّعْبِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (عن عمرو بن
يحيى) بفتح العين المازني الأنصاري (عن عباد بن تميم) بفتح
العين والموحدة المشددة ابن زيد (عن) عمه (عبد الله بن
زيد) المدني الأنصاري المازني رضى الله عنه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لولا الهجرة) التي لا يجوز تبديلها (لكنت
(10/285)
امرأً من الأنصار ولو سلك الناس واديًا أو شِعبًا) ولأبي
ذر عن الحموي والكشميهني وشِعبًا بحذف الألف وفتح الواو
(لسلكت وادي الأنصار وشِعبها).
(تابعه) أي تابع عباد بن تميم (أبو التياح) بفتح الفوقية
والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد
الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها عين مهملة
مكسورة البصري (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الشعب) أي من قوله: ولو
سلك الناس واديًا أو شعبًا الخ.
والحديث سبق في المناقب. |