شرح المحرر في الحديث عبد الكريم الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (4)
تابع: باب: مواقيت الصلاة

الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما رأيكم في كتاب أخلاق العلماء للآجري -رحمه الله-؟
هذا كتاب طيب ونفيس، وفيه نقول بالأسانيد عن الأئمة فيما يختص بهذا الشأن وهو الأخلاق والآداب التي ينبغي للعالم والمتعلم أن يتحلى بها.
يقول: وبالنسبة لتحقيق دار أضواء السلف؟
أنا ما قرأت هذا التحقيق، وإنما قراءتي في الطبعة القديمة.
يقول: في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "والشمس مرتفعة حية" ما وجه إعراب حية؟
حية حال كونها حية، والشمس مرتفعة هذه الجملة انتهت، وحية حال.
يقول: طرحت خلال اليومين المنصرمين المساهمة في مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية السهم بعشرة ريال، والمدينة لم تقم بعد، فهل يجوز الاكتتاب بأسهما أم لا؟ وإذا اعتبرنا كما يقال: إن قيمة الأسهم تعتبر رأس المال الذي تقام به المدينة، ومن ثم تشغيلها، فهل يجوز بيع وشراء أسهما عند فتح باب التداول؛ لأن المساهمات الموجودة غالباً يفتح باب التداول بعد الاكتتاب بشهرين أو ثلاثة تزيد أو تنقص مع أن المشروع لم يبدأ نشاطه بعد؟
هذه الأسهم .. ، أما بالنسبة لهذا المشروع على وجه الخصوص فأهل الشأن وأهل الاختصاص يقولون: إنه لا يسلم من إيداع واختلاط في أول أمره، قبل أن يشتغل، فمثل هذا لا يجوز المساهمة فيه.
وقوله: فهل يجوز الاكتتاب بأسهمها؟
عرفنا أنه إذا كان مختلطاً من أول أمرها لا يجوز الاكتتاب فيها ولا المساهمة فيها.
هل يجوز بيع وشراء أسهمها عند فتح باب التداول؛ لأن المساهمات الموجودة غالباً يفتح باب التداول بعد الاكتتاب بشهرين أو ثلاثة تزيد أو تنقص مع أن المشروع لم يبدأ نشاطه بعد؟

(4/1)


الشركات التي لا تزاول أمراً محرماً التي يجوز المساهمة فيها إذا كان عملها عمل هذه الشركة مباحاً، ومعلوم للمتعاقدين، والشريك أو المساهم شريك في جزء مشاع من هذه الشركة، وهذا الجزء مباح العقود، هذا المساهمة فيها لا يقال: بأنها حرام، وإن كان عموم الأسهم لا تسلم من شبهة، لكن بيعها وشراؤها إذا صارت أعيان، أما إذا كانت دراهم قبل أن تكون أعيان، وقبل أن يبدأ تبدأ الشركة نشاطاتها ومعاملاتها فإنه لا يجوز بيع الأسهم ولا شراؤها؛ لأنه بيع دراهم بدراهم، أنت دفعت عشرة، لك عشرة أريم من هذه الشركة فأنت تبيعها بعشرين أو ثلاثين عشرة بعشرين ربا، لكن إذا تحولت هذه الأموال إلى عروض تجارة يجوز بيعها حينئذٍ بأكثر أو أقل.
يقول: ما الراجح فيمن أتى والجماعة في الجلسة الأخيرة؟ هل يدخل معهم ليدرك فضل الجماعة الأولى أم ينتظر جماعة أخرى؟
ذكرنا هذا فيما مضى، وأن إدراك الجماعة بيقين لا يكون إلا بإدراك ركعة، أما من أدرك أقل من ركعة فإنه لا يدرك الجماعة على قول جمع من أهل العلم، وإن أدركها على قول بعضهم، فإن كان يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى يدركها بيقين فلينتظر، أو لينتقل إلى مسجد آخر يدرك فيها الجماعة ممن عرف بالتأخر، أما إذا غلب على ظنه أنه لا يدرك جماعة أخرى فليصل مع هذه الجماعة رجاء حصول الأجر على القول الآخر، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) علماً بأنه جاء في سنن أبي داود: أن من خرج من بيته يريد الجماعة، ثم فاتته الجماعة فله مثل أجرهم، يعني هذا ما لم يتعمد التأخير، حصل له مانع يمنعه وأخره عن إدراك الجماعة بيقين هذا يرجى له الأجر.
يقول: ماذا يفعل من اكتتب الآن في مشروع مدينة الملك بعد علمه بالتحريم؟

(4/2)


عليه أن يسحب أمواله؛ لأن الإشكال كبير في مثل هذه المساهمات إذا تبين للإنسان أنها محرمة، أو تاب بعد علمه بأنها محرمة، الإشكال كبير أنه هل يجوز بيعها على غيره؟ هذا تعاون على الإثم والعدوان، هل يستطيع أن يسحب أمواله؟ لا يستطيع، الشركة نفسها لا تشتري الأسهم، إنما تبيع على طرف ثالث، والطرف الثالث لا يجوز له أن يشتري، فإذا بعت عليه شيء لا يجوز بيعه فتعاونت معه على الإثم والعدوان، والمسألة مشكلة جداً، فعلى الإنسان أن يتحرى.
يقول: قضمت ظفري وقطعته، وأنا محرم للعمرة، ولم أتحلل بعد من عمرتي، فهل علي شيء؟ علماً أني كنت ناسياً.
إذا كنت ناسي ما عليك شيء.
يقول: هل يصح شيء في أن المعصية في مكة بمعصيتين أي ضعف الذنب والسيئة خارج مكة؟
لم يثبت في هذا شيء، وإنما أهل العلم يقررون أن الذنب معظم، العقوبة تعظم على من عصى في المكان المفضل، أو الزمان المفضل.
هل السمر في مذاكرة العلم يدخل في كراهة الكلام بعد العشاء؟
لا، لا يدخل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه حدث.
ما الراجح في إدراك الجماعة؟
ذكرناه هذا.
ألا يتعارض قوله: "ينفتل من القراءة حين يعرف الرجل جليسه" مع الحديث السابق: "لا يعرفهن أحد من الغلس"؟
لا، ما في تعارض؛ لأن الرجل يعرف كاشف وجهه، أما المرأة لا تعرف؛ لأنها متحجبة.
ما حكم من كان عليه دين في مواد مخدرة كالدخان والخمر؟
هذه ليست أموال، فلا قيمة لها، لكن إذا كان قصده من الاستدانة من هذه المواد المحرمة، ثم بيعها بعد ذلك وأخذ قيمتها، ثم يماطل صاحبها ويقول: هذه لا يجوز، تؤخذ منه القيم، ولا تدفع إلى صاحبها، وإنما تكون من نصيب بيت المال، فعليه أن يدفعها إلى ولي الأمر.
يقول: هل جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة كان لعارض؟ وما هو الحرج الذي كان لا يريده النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته؟
الحرج هو المشقة، ولا شك من وجود الحرج في ذلك الوقت، ولذلك قال ابن عباس: "أراد ألا يحرج أمته" لأنه لو صلى كل صلاة في وقتها لوقعوا في حرج.
هل إذا كان الرجل لديه مثلاً ضيوف في البيت وهم جماعة، فهل يشرع لهم أن يصلوا في البيت؟ وهل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟

(4/3)


إذا كانوا يسمعون النداء فلا بد من إجابة المؤذن، لا بد من الإجابة، والصلاة حيث ينادى بها، فلا تجوز الصلاة في البيوت ولو كانت جماعة.
أما الجمع من غير المسافر فإنه لا يجوز، ولا إخال السؤال على ما هو واضح منه: وهل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ هم إذا كانوا غير مسافرين لا أحد يقول بأنهم يجمعون، لكن إذا كانوا مسافرين والسفر ليس بجاد بهم، يعني أقاموا عند هذا المضيف وهم مسافرون، جاءه ناس ضيوف مسافرون، وجلسوا عنده، وأرادوا أن يجمعوا، أخروا المغرب حتى يجمعوها مع العشاء، هم مسافرون، لكنهم في الوقت، في وقت الصلاة لم يجد بهم السفر هم في بيت مضيفهم، كأني فهمت هذا من السؤال، وإلا ما يمكن أن يسأل، هل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ نقول: ليس لهم أن يجمعوا، لكن إذا كانوا مسافرين بالفعل، وفي وقت الصلاة هم مقيمون عند هذا الرجل الذي ضيفهم في حال استضافته إياهم، فإن كانوا يسمعون النداء لا بد من إجابة المؤذن، وإن كانوا لا يسمعوا لهم أن يجمعوا ولو لم يجد بهم السفر.
يقول: يسأل عن أحسن نسخة محققة للكتب التالية:
"العدة حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام".
الطبعة السلفية التي أشرف عليها الشيخ علي الهندي -رحمه الله-.
طرح التثريب للعراقي وولده؟
الطبعة الأولى طبعة لجنة التأليف والنشر طيبة فيها أخطاء يسيرة تدرك.
سبل السلام للصنعاني.
فيه طبعات كثيرة، أشهرها ثلاث: طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا طبعة طيبة بالجملة ليس فيها تخريج ولا عزو، لكنها مصححة، وفيه أيضاً طبعة الشيخ طارق عوض الله طيبة، وطبعة صبحي الحلاق، وعليها تعليقات وتخاريج مطولة، وهي طيبة إلا أنها فيها بعض الأخطاء، هذه الطبعات الثلاث هي أجود طبعات الكتاب.
يقول: بما أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما يقرره أهل العلم، إذا لم تكن العلة مركبة، وهذا ينطبق على حديث أبي هريرة، وفيه الإبراد بصلاة الظهر، فيقال: ما دامت المكيفات موجودة في المساجد بحيث لا تؤثر الحرارة على المصلي، ولا يشعرون بها حتى في حال البعد عن المسجد، فإنه يركب سيارة ويصل إلى المسجد فلا يعمل بهذا الحديث؟

(4/4)


لا شك أن الحكم في مثل هذا يدور مع علته، لا سيما وأنها منصوصة، إذا كانت العلة منصوصة دار الحكم معها، وهي منصوصة، لكن يبقى أنه ليس كل الناس ينطبق عليهم هذا الكلام، وليس جميع المساجد تكييفها كافي، ولا جميع البلدان فيها مكيفات، فالحكم باقٍ.
الأمر الثاني: أنه لو وجد التكييف في المسجد وكافي ما كل الناس عندهم سيارات، فلا شك أن الحكم باقٍ.
يقول: يبتعد المرء كثيراً عن أماكن التصوير والمصورين سواءً كان ذلك بالفيديو أو الكاميرا، لكننا ابتلينا بالتصوير في داخل المسجد أثناء الدورات العلمية بالكاميرا وبالفيديو، فماذا نعمل؟ وما هو واجبنا تجاه هذا الأمر؟
إذا كانت المصلحة راجحة في حضورك هذه الدورة، والإفادة من هذه الدورة، فابتعد عن أماكن التصوير، وإذا كانت المصلحة مرجوحة، والفائدة يعني لا تستحق ارتكاب مثل هذا المحظور فلا تحضر، علماً بأنه قد يقول قائل: إن ما عند الله لا ينال بسخطه، وما دام ترى تحريم هذا النوع فلا تحضر؛ لأن ما عند الله لا ينال بسخطه، والإشكال أنه يوجد التصوير حتى في الحرم، الآن الكاميرات تصور من غير نكير بين الناس، لكن إلى الله المشتكى، وإلى وقت قريب نرى الكاميرات تكسر في الحرم وفي خارجه، وفي المشاعر تكسر، وأدركنا شيء من ذلك.
يقول: ما أفضل تفسير وأيسر، وهل تنصحني بتفسير الجلالين؟
أفضل تفسير وأيسر من المختصرات ذكرنا مراراً أن تفسير الشيخ ابن سعدي نافع وسهل لطالب العلم المبتدئ إذا انضم له تفسير توفيق الرحمن لدروس القرآن، وأما تفسير الجلالين فهو فيه صعوبة على الطالب المبتدئ، وفيه مخالفات عقدية، فيؤجل إلى أن يقرأ التفسير المذكور، أعني تفسير ابن سعدي مع تفسير الشيخ فيصل.
هل التثويب في أذان الفجر في الأول أو في الثاني؟ وما صحة حديث ابن عمر في ذلك؟
التثويب هو في الأذان الثاني من الأذانين المعروفين، لكنه بالنسبة للأذان والإقامة، والإقامة تسمى أذان يكون في الأول، وهو الثاني بالنسبة للأذانين، وما جاء في سنن النسائي من أن التثويب في الأول مقبول، لا إشكال فيه، لكن المراد بالأذان الأول هو الأذان، والثاني بالنسبة له هو الإقامة.

(4/5)


يقول: إذا دخل المصلي الصلاة في الوقت وأطال القراءة ولم يركع إلا بعد خروج الوقت، فهل يكون مدركاً للصلاة؟
إذا لم يكن مدركاً ركعة كاملة في الوقت لم يكن مدركاً للصلاة.
يقول: لو تطهر إنسان ثم لبس خفيه، ثم أراد أن يجدد الوضوء، فهل تبتدئ المدة بعد هذا المسح أو لا تبتدئ المدة إلا بعد مسح الحدث؟
المدة المحددة يوم وليلة، يعني خمس صلوات، فمتى مسح بدأت المدة، ومنهم من يقول: إن التجديد لا عن حدث لا يحسب، فكأنه لم يمسح، وعلى كل حال الأحوط أن تحتسب المدة من أول مسح.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يوم وليلة.
ذكر أن أحد الصحابة كان لا ينام حتى يصلي فلم أسمع أهو عمر أم ابن عمر؟
هو ابن عمر، عبد الله بن عمر.
يقول: ما حكم وضع آيات قرآنية أو أدعية أو أذكار أو أذان نغمة في الجوال، فقد عمت به البلوى؟ فما قولكم؟
لا شك أن وضع مثل هذا فيه امتهان لما أمر بتكريمه من القرآن والأذكار والأدعية، هذا امتهان، وقد يحدث مثل هذا في الأماكن التي لا يجوز فيها الذكر.
يقول: هل المسافر تسقط عنه الجمعة؟ وإذا سقطت عنه هل يصليها ظهر أربع ركعات أو يقصر ركعتين ويجمعها مع صلاة العصر؟
المسافر ليس عليه جمعة، لكن إن حضرها أجزأته، وهي أفضل بالنسبة له، وإذا لم يصلها جمعة لكونه مسافر فإذا صلاها ظهر وقصرها ركعتين وجمع إليها العصر له ذلك.
يقول: كيف يتم حساب نصف الليل؟ وما هو المعتمد؟ هل هو طلوع الفجر أو غروب الشمس؟

(4/6)


هذا ما في تقابل بينهما، الليل يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإذا كانت الشمس تغرب في السابعة وأربع دقائق، ويطلع الفجر في الرابعة والنصف مثلاً، يعني إذا حسبنا من سبع إلى أربع ونصف عندك خمس ساعات وأربع ساعات ونصف يعني كم؟ تسع ونصف، تسع ساعات ونصف، إذا قسمتها على اثنين يصير خمس ساعات إلا ربع، إذا أضفتها إلى السابعة يكون نصف الليل في الثانية عشرة إلا ربع، هذا بالنسبة لهذا الحديث، لكن هناك ما يقتضي حساب الليل من صلاة العشاء، لا من غروب الشمس، وذلكم في مثل حديث قيام داود، ينام نصف الليل، هل ينام من غروب الشمس أو من صلاة العشاء؟ نعم ينام من صلاة العشاء، فينام نصف الليل من صلاة العشاء، وبهذا الحساب يكون نصف الليل في قيام داود يعادل الثلث الأخير من الليل في الحساب العادي من غروب الشمس، وأشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية.
يقول: إذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يصح أن يقول: الشخص اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟
لا بأس، ويش المانع؟ إذا ذكر يصلي عليه وعلى آله وصحبه.
يقول: أحرمت أنا وزوجتي من الميقات للعمرة، وعندما بدأنا بالطواف في الشوط الثالث أخبرتني زوجتي أنها ما زالت تلبس النقاب، ونسيت أن تخلعه، ولم يكن معها أثناء الطواف شيئاً تلبسه بدل النقاب، فأكملنا الطواف والسعي بهذه الصورة، وهي ما زالت متنقبة، ثم قصرت، سؤالي ما هو الواجب عليها الآن؟
إذا لم يكن معها ما تحتجب به، وتغطي به وجهها إلا هذا النقاب فإنها تلبسه على هيئة لا يشبه النقاب، إذا جعلت أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، أو رفعت ما على العينين إلى جهة الأعلى، أعلى الوجه انتهى ما صار نقاب، إذا غطى العينين ما صار نقاب، وعلى كل حال الباعث على مثل هذا كله النسيان في الأول، ثم الجهل في الثاني.
يقول: في بعض المساجد يوضع أمام المصلين لوحة كبيرة جداً، فيها أذكار ما بعد الصلاة، فما رأيكم؟
إذا لم تشغل المصلين أثناء صلاتهم فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
هذا كلام ما هو بواضح.

(4/7)


يقول: هذا من البرازيل، يقول: كثير من الإخوة هنا في بلاد الكفار يعملون طول النهار، والعمل ما يسمح بأداء الفريضة في الوقت بحيث لا يستطيعون أن يصلوا إلا الجمع بين الصلوات في بيوتهم مثلاً تذهب الظهر والعصر والمغرب بسبب العمل، ثم يصلون الصلوات جمعاً في بيوتهم، فما هو الحال؟
إذا كانوا مقيمين فلا يجوز لهم بحال أن يعملوا مثل هذا العمل، بل عليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها، والعمل الذي يعوق بين المرء وبين صلاته هذا عمل لا خير فيه يترك.
تقول: ذكرتم في الدرس السابق عن صلاة الجمعة، فمن أدرك الركوع الثاني أدركها، وإن لم يدركه ولو جلس مع الإمام للتشهد، فإن فاتته يصليها ظهراً، هل لكم أن توضحوا لنا، وبورك فيكم؟
نعم من أدرك الركعة الثانية بإدراك ركوعها فإنه يضيف إليها أخرى، وتكون حينئذٍ جمعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع الثاني قبل أن يدخل المسبوق في الصلاة، فليدخل مع الإمام، ويأتي بأربع ركعات بنية الظهر.
يقول: ما حكم تركيب الرموش الاصطناعية؟ هل تدخل في مسألة وصل الشعر؟
نعم حكمها حكم الباروكة التي توضع على الرأس، والحكم يشمله ما جاء في الوصل.
أنا أعمل في شركة عالمية وممتازة من ناحية المزايا -ولله الحمد-، وأنا أؤدي عملي بإتقان، ومن أفضل الموظفين، ورؤسائي في العمل راضين عن أدائي، مشكلتي أني كلما لقيت فرصة أخرج من العمل أستغلها بشرط ألا تؤثر في سير العمل، وبصراحة أنا أترك كثير من العمل وممشي العمل زي ما يقول ....
ما أدري والله كلام عامي.
على كل حال يذكر أنه متقن لعمله، لكنه يخل بالوقت، يخرج ويترك العمل، هو لا يترك عمل مؤجل، يعني لا يخرج وعنده وعمل، إنما هو يتقن العمل على الوجه المطلوب، ولا يترك عمل إلى الغد، ويخرج في أثناء الدوام، ما يجد فرصة للخروج إلا ويخرج، فإن كان هذا بالاتفاق مع من يملك من أهل الصلاحيات من أهل العلم، فالأمر لا يعدوهم، وإلا فالأصل أنه إنما تعوقد معه على العمل في إنجازه، وعلى الوقت معاً، الدوام من الساعة كذا إلى الساعة كذا، ملك للشركة، لا يجوز أن تترك منه ولا لحظة إلا بإذنهم.
هذه تسأل تقول: ما معنى قول من يقول: يفترقن قدراً ويفترقن شرعاً؟ كيف؟

(4/8)


يعني قد يكون الشيء مكتوب قدراً، فيحصل للإنسان وهو منهي عنه شرعاً أو العكس يكون مأمور بالشيء شرعاً، لكنه لم يكتب له قدر، فلا يحصل منه.
ما حكم صلاة التسبيح؟ وهل هي واجبة على كل مسلم؟ وكيف نؤديها أفيدونا؟
صلاة التسبيح ضعيفة، القول الصحيح فيها أنها ضعيفة.
يقول: ما هي أسس اختيار الزوجة الصالحة؟ وعلى ماذا أركز إذا اخترتها؟
تركز على الدين؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
حيث أنني بحثت كثيراً ولم أجد زوجة صالحة، فأكثرهن لا يبالين بالحجاب الشرعي، ولا يلتزمن به، فهل أتزوج أي امرأة، وبعد ذلك ألزمها بالحجاب، والنساء في بلدي كما ذكرت لك حالهن، وادعوا لي يا شيخ ... ؟
الله يرزقه الزوجة الصالحة، لكن عليه أن يسعى للحصول على زوجة صاحبة دين، والمسألة مسألة نسبية يعني إذا ما وجد، فلا بد أن يتنازل عن بعض الشروط، ثم بعد ذلك يشترط عليها إذا لم يكن إلا الحجاب يشترط عليها أن تحتجب قبل إبرام العقد.
كيف يتقي الإنسان ربه في السر والعلن؟
إذا استحضر عظمة الرب -جل وعلا-، وعظم الذنب الذي يقترفه، وأن لذة هذا الذنب إن كانت فيه لذة، لا تكون شيئاً إذا قورنت بإثم هذا الذنب، وعقوبة هذا الذنب، فإن الإنسان يراقب الله -جل وعلا-، والمسألة تحتاج إلى جهاد.
يقول: ذكرتم أن السنة تأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل، يعني تأخيرها إلى مضي قدر من الليل، وليكن الثلث، أو أكثر منه، ما لم يصل إلى النصف؛ لأنه في النصف ينتهي وقتها إذا أخرها إلى منتصف الليل خرج وقتها، إنما يصليها قبل ذلك، فكيف يتم حسابها؟
يتم الحساب من النظر من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، النظر إلى الوقت كامل، ثم يقسم على اثنين.
يقول: عندنا إذا أرادت المرأة أن تلقي محاضرة، وتفيد أخواتها فلا بد من تصريح من الأوقاف، ولا تلقي هذا الدرس إلا في المسجد في المكان المخصص للنساء، ويحدد يوم معين، يجتمع فيه النساء، ويأتين من مناطق شتى، فماذا تعمل المرأة إذا أتاها العذر الشرعي، فقد تقع في حرج مع النساء اللاتي يأتين من مناطق شتى؟

(4/9)


يعني هذه المرأة الملقية التي حدد لها اليوم المحدد وحضر الناس من أجلها، ثم جاءها العذر الشرعي، جاءها الدورة الشهرية، هذه تحرص أن يكون التحديد موافق لأيام طهرها.
يقول: ذكرت في شرح: "متلفعات" ما يجب على المرأة أن تراعيه في احتشامها عند خروجها، يقول: في زمننا هذا الذي يختلط فيه الحابل بالنابل كيف يمكن أن نطبقه إذا كانت هناك بعض الوزارات التابعة للحكومة تشترط على المرأة نزع نقابها هذا خارج المملكة؟
على كل حال إذا وجد مثل هذا والإلزام بالمعصية فالعزلة، إذا كان لم يكن هناك مندوحة عن مقارفة المعصية فالعزلة، إذا أمرت بنزع حجابها فلتترك العمل.
تقول: قرب موعد زواجي، فماذا تنصحونني؟ وهل من وصايا منكم يمكنني أن أنتفع بها في ديني ودنياي؟ وهل يجوز لي جمع صلاة المغرب والعشاء في ليلة الزواج؟ حيث أنني سمعت الكثير من الأخوات من طالبات العلم يفتين بهذا، فهل يجوز؟
أما بالنسبة للنصائح فعليها أن تتأدب بالآداب الشرعية المتعلقة بالزوجة، وما يجب عليها تجاه زوجها، وأما بالنسبة لجمع المغرب والعشاء ليلة الدخول فهذا لا يجوز بحال، ما دام السبب المقتضي للجمع غير قائم فإنه لا يجوز، الصلاة كتاب موقوت، يعني مفروض في الأوقات، فلا يجوز تأخير صلاة المغرب عن وقتها، أو تقديم صلاة العشاء عن وقتها إلا لمبرر شرعي كسفر أو مرض أو برد شديد أو مطر، وما أشبه ذلك، أما الزواج فليس بمبرر، وأما من يفتي بذلك فهو مفتي مع الجهل، فهؤلاء يضلون بأنفسهم، ويضلون غيرهم.
وكيف يكون الزواج على الطريقة الشرعية وفق السنة النبوية؟ وهل من كتاب يفيدنا في هذا الجانب؟
فيه آداب الزفاف للشيخ الألباني -رحمه الله-.
ويا ليت لو تقيمون محاضرة تتحدثون فيها عن الزواج؛ لأننا نحتاجها في وقت اختلط فيه الحلال والحرام، ولا نعرف نميز بين الحق والباطل، والآن وقت إجازة، وتكثر الأعراس.
يعني شرح كتاب النكاح من كتب العلم، سواءً كانت في الحديث أو في الفقه، أو في آيات النكاح من كتب التفسير كل هذا نافع، فإذا خصص أوائل الإجازات الصيفية لإقراء ودراسة وتدريس هذه الكتب انتفع الناس بها -إن شاء الله تعالى-.
مقروء إلى آخر الباب؟

(4/10)


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" ثلاث ساعات: الساعة هي المقدار المحدد من الزمان، لكنه قد يطول وقد يقصر، قد يكون أكثر من الساعة الفلكية، وقد يكون دونها، والساعات هذه المذكورة في الحديث من أوقات النهي المضيقة حدودها ما بين عشر إلى ربع ساعة، ما بين عشر دقائق إلى ربع ساعة، هذه الساعات المشار إليها، والساعات في التبكير للجمعة قد تزيد على الساعة الفلكية، فتصل على ساعة وعشر دقائق مثلاً، أو ساعة وربع وقد تنقص.
ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: أن الساعات الخمس في التبكير للجمعة إنما هي ساعات لطيفة بعد الزوال، يعني بين الزوال ودخول الإمام، يعني قد تكون الساعة إذا كان الإمام يدخل بعد الزوال بعشر دقائق صارت الساعة دقيقتان، ساعات لطيفة، يعني قليلة جداً وقتها يسير، ولذا المرجح قول جمهور أهل العلم، وأن الساعات تبدأ من ارتفاع الشمس، يعني من طلوع الشمس وارتفاعها، وخروج وقت النهي، هذه الساعات التي يمكن أن تسمى ساعات، وهي التي فيها ما فيها من مشقة على ما رتب عليه هذا الأجر العظيم، فمن جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، الساعة الأولى ساعة وقد تزيد بحيث، من ذهب إلى صلاة الجمعة بعد طلوع الشمس لا شك أنه مجاهد لنفسه، لا سيما وأننا نرى كثير من الناس حتى من طلاب العلم من يتأخر إلى قرب دخول الإمام، وقد يتأخر إلى ما بعد دخول الإمام، فلا شك أن التقدم إلى الجمعة يحتاج إلى جهاد، والأجر المرتب عليه لا يناسبه ما يذكر عن مالك، إنما من ذهب من طلوع الشمس إلى الجمعة هذا الذي كمن قرب بدنة.

(4/11)


قد يقول قائل: أنا إذا ذهبت أتعلم آية من القرآن، أو أقرأ آية من القرآن فكأنما حصلت على ناقة كوماء، وآيتين على ناقتين، يقول: أجلس في بيتي ولا أتقدم إلى الجمعة، وبدلاً من أن أقرأ أذهب لأحصل على أجر بدنة أقرأ ألف آية، وكأنما حصلت على ألف بدنة كوماء، يمكن أن يقال هذا وإلا ما يقال؟ يعني إذا قارنا بين الأحاديث، ونظرنا بعضها إلى بعض، لكن هل هذا القول متجه وإلا غير متجه؟
طالب: لا.
لماذا؟
طالب: لأنه قال: من أتى المسجد ....
طيب يقول: أنا أروح المسجد الذي جنبنا ما في زحام ولا فيه بعد، وأجلس إلى أن يقرب دخول الإمام وأروح، فبدلاً من أن أقدم بدنة واحدة أحصل على هذه البدنات الكوماوات يرد وإلا ما يرد؟
طالب: يرد.
يعني ما في فرق بين أن تدفع، تقدم، وبين أن تأخذ، يعني كونك تحصل على بدنة كوماء لأنك تعلمت آية وبدنتين وثلاث وعشر ومائة وألف ولا يحصل لك إلا واحدة في التبكير إلى الجمعة، هذا أنت تنفقه في سبيل الله، والبدنات التي تحصل عليها من خلال تعلمك للقرآن هذا تكسبه، مكاسب، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، لو كسبت الدنيا كلها ركعتي الفجر أفضل منها، فهناك فرق وإلا ما في فرق؟ يعني فرق بين أن تبذل وبين أن تأخذ، فلا إشكال هنا أبداً.

(4/12)


"ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" نصلي يشمل الفريضة، المقضية، والمؤداة، مقضية بالنسبة للصبح، ومؤداة بالنسبة للعصر في آخر وقتها، ويشمل أيضاً قضاء الفوائت، ويشمل الرواتب ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتي الطواف وركعتي الإحرام، وصلاة الاستخارة وغيرها مما له سبب، ويشمل صلاة التطوع المطلق، ويشمل الكسوف والجنازة كلها تسمى صلاة، والخلاف في السجود، سجود التلاوة وسجود الشكر، هل يسمى صلاة فيدخل في النهي أو لا يسمى صلاة فلا يدخل، فالمقصود أن الحديث بعمومه يشمل هذه كلها، يشمل الفرائض، لكن الفرائض مستثناة بدليل ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) الفرائض مستثناة، فلا تدخل في هذا، وإن كان رأي الحنفية أن الفرائض داخلة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما استيقظ من نومه أخر صلاة الصبح حتى خرج وقت النهي؛ لأنهم انتقلوا من المكان، وعرفنا أن العلة علة التأخير لا لخروج وقت النهي، وإنما هو لأنه مكان حضر فيه الشيطان، وإلا فوقت النهي قد ارتفع؛ لأنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، وحينئذٍ تكون الفرائض مستثناة من هذا العموم ((فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) في أي وقت كان سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي.

(4/13)


"ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" دفن الميت وإن كان بعضهم يحمله على صلاة الجنازة التي يعقبها الدفن، لكن النص ظاهر في أنه في الدفن، فلا تدفن الجنازة إذا صلي عليها بعد الصبح مثلاً، ثم وصلوا إلى القبر وهو جاهز ولا يبقى إلا إدخالها فيه، وقت بزوغ الشمس، أو صلوا عليها بعد العصر مثلاً، ولم يصلوا إلى المقبرة إلى قرب غروب الشمس في الوقت المضيق، فإنها لا تدفن حتى تغرب الشمس، وفي المسألة الأولى لا تدفن حتى ترتفع الشمس، وأيضاً قل مثل ذلك في حينما يقوم قائم الظهيرة، فالنهي في هذه الأوقات عن شيئين، عن الصلاة بجميع ما تحتمله هذه الكلمة إلا الفرائض على ما تقدم، وعن دفن الأموات، فهذه ثلاثة أوقات مضيقة: "حين تطلع الشمس بازغة" يعني طالعة، بازغة مصدر مؤكد، تطلع الشمس بازغة "حتى ترتفع قيد رمح" قيد رمح يعني ترتفع عن مستوى سطح الأرض بمقدار رمح، ويقدر هذا بعشر دقائق أو ما بين العشر إلى ربع ساعة؛ لأن طول النهار وقصره له دور في ذلك، ففي الصيف يزاد في المدة، وفي الشتاء تكون المدة عشر دقائق.
"حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة" حينما يشتد الحر في منتصف النهار، وفي وقت الزوال قبيل الزوال حتى تزول، يقوم قائم الظهيرة؛ لأن الشمس إذا صارت في كبد السماء في وسط السماء كأنها واقفة، فإذا زالت مالت إلى جهة المغرب حلت الصلاة، وهذا أيضاً مدته كما تقدم من عشر دقائق إلى ربع ساعة.
"وحين تتضيف" يعني تميل "الشمس للغروب حتى تغرب" وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، يعني تميل، الشمس تبدأ بالميلان إلى الغروب، وذلك قبل غروبها بنحو ما تقدم.
هذه الساعات الثلاث هي الأوقات المضيقة التي ينهى فيها عن الصلاة، وينهى فيها عن دفن الأموات.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.
ولمسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) ".

(4/14)


هذان وقتان يضافان إلى ما تقدم من طلوع الصبح، أو من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ومن صلاة العصر حتى تغرب، هذا الوقتان الموسعان، وتلك الأوقات الثلاثة المضيقة، يمكن اختصار الأوقات الخمسة إلى ثلاثة أو لا يمكن؟ يعني من أوتي جوامع الكلم ما قال: إن الأوقات ثلاثة، ولا ساقها مساقاً واحداً فقال: الأوقات خمسة، لماذا؟ نعم؟ للاختلاف في الأحكام، فالأوقات الثلاثة المضيقة ينهى فيها عن أمرين: عن الصلاة وعن دفن الأموات، وفي الوقتين الموسعين النهي عن الصلاة فقط، فأيهما أشد في النهي؟ المضيقة أو الموسعة؟ المضيقة؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لماذا لا تكون الأوقات ثلاثة من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس يستثنى من ذلك الفريضة وراتبتها، ومن حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس تكون ثلاثة، قيل: التفريق من أجل أن الأوقات المضيقة أشد في النهي بخلاف الوقتين الموسعين، ولذا ينهى في الأوقات المضيقة عن أمرين، ولا ينهى في الوقتين الموسعين إلا عن شيء واحد، حتى قال بعض أهل العلم: إن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من أجل ألا يسترسل المصلي فيستمر في صلاته حتى يصلي في الوقت الموسع، الشمس تطلع بين قرني شيطان، فإذا خرجت وبان قرنها سجد لها من يعبدها، وإذا غابت أو تضيفت للغروب سجدوا لها كالمودعين، وأما بالنسبة لمنتصف النهار فإنه وقت تسجر فيه النار، نسأل الله السلامة والعافية.
المقصود أن هذه الثلاث تختلف في الأحكام عن الوقتين الموسعين.
((لا صلاة بعد الصبح)) الصبح يحتمل أن يكون طلوعه يعني طلوع الفجر، ويحتمل أن تكون الصلاة من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ((ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) وهذا مثله، يعني من بعد دخول وقت العصر إلى غروب الشمس احتمال، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس احتمال، لكن الاحتمال الثاني يؤيده رواية: ((لا صلاة بعد صلاة العصر)) فما قبل صلاة العصر تباح فيه الصلاة ولو أخر الصلاة، لو أذن على أربع إلا ربع وما أقيمت الصلاة إلا خمس له أن يتنفل في هذه الساعة والربع، لكن إذا صلى انتهى الوقت؛ لأن النهي يبدأ من الصلاة.

(4/15)


((ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) أما بالنسبة لصلاة العصر فالوقت مرتبط بها، وأما بالنسبة لصلاة الفجر فالخلاف قائم، جاء ما يدل على إرادة الصلاة، وجاء ما يدل على إرادة الوقت؛ لأنه جاء: ((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) فدل على أنه وقت نهي، ولا يستثنى من ذلك إلا ركعتا الفجر حتى جعله بعضهم وقتاً سادساً، يعني من طلوع الفجر إلى صلاة الفجر هذا وقت، وهو أخف الأوقات؛ لأنه يصلى فيه راتبة الفجر، من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وقت موسع تقضى فيه راتبة الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من يقضي راتبة الصبح بعدها، رأى رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: ((أأصبح أربعاً؟ )) قال: إنه لم يصل الركعتين، فأقره، فتقضى فيه راتبة الصبح، كما أنها تقضى أيضاً بعد ارتفاع الشمس، فإذا أخرها إلى أن ترتفع الشمس كان أولى ليصليها في وقت لا نهي فيه لا موسع ولا مضيق، كما أنه يقضى الوتر بعد ارتفاع الشمس في الضحى، ولا يقضى بعد طلوع الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى وتره إلى السحر؛ لأنه انتهى وتره إلى السحر.
"من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح" هذا وقت لا صلاة فيه إلا ركعتا الفجر، ركعتي الصبح، وجاء التخفيف لهذه الصلاة، حتى كانت تقول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " لأنه يخففها، ولا يتصور أنه يخفف هذه الصلاة ويصلي غيرها، هذا وقت نهي، لكنه أخف من غيره.
((بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس)) هذا أيضاً وقت نهي إلا أنه أخف من المضيق؛ لأن النهي فيه عن الصلاة، وأقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها.
إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، هذا وقت مضيق، وهو مقصود لذاته، فالمنع فيه منع غاية، لا منع وسيلة، بخلاف الذي قبله على ما قرره ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن الوقت الموسع أمره أخف بكثير من الوقت المضيق.
"حينما تطلع الشمس حتى ترتفع" هذا الوقت المضيق، وهو الأول من الأوقات في حديث عقبة.

(4/16)


"حينما يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس" أيضاً وقت مضيق، وجاء استثناء الجمعة من هذا النهي، جاء فيه إلا الجمعة، يعني فإنه ليس فيها وقت نهي، ولكن الخبر ضعيف، استثناء الجمعة ضعيف، ومن أهل العلم من يرى أن الجمعة لا تسجر فيها النار في ذلك الوقت، فهو من خصائصها، ويدعم ذلك بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- يأتون إلى الجمعة، ولا يزالون يصلون حتى يدخل الإمام، فدل على أن الجمعة ليس فيها وقت نهي.
"من صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب" هذا وقت موسع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قضى فيه راتبة الظهر حينما شغل عنها على ما سيأتي في حديث أبي سلمة، أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليها قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها" قال إسماعيل بن جعفر: تعني داوم عليها.
فالوقت الموسع بعد صلاة الصبح أقر من قضى الراتبة، والوقت الموسع بعد صلاة العصر قضى هو -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر؛ لأنه شغل عنها، إلا أنه جاء في بعض طرق الحديث ما يدل على أنها من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وأن غيره لا يقضي ما فاته من النوافل في وقت النهي، يعني بعد صلاة العصر، وأما صلاة الصبح فعرفنا ما فيها، أقر من قضى، فيجوز قضاؤها بعد الصلاة، وأما بالنسبة لقضاء النوافل بعد صلاة العصر فلا؛ لأن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-.
أبي سلمة أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، وجاء نحوه من حديث أم سلمة، ثم أثبتهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً داوم عليه، يداوم عليه، فأثبتها، وذكرنا أنه جاء ما يدل على اختصاصه بذلك -عليه الصلاة والسلام-.

(4/17)


"وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف)) " عبد مناف هذا هو الجد الرابع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وتخصيصهم بالنداء لأنهم هم الذين لهم السيطرة على البيت، وهم أهل المنع والحل والعقد في ذلك المكان.
((يا بني عبد مناف)) فإذا مُنعوا من منع الناس فغيرهم من باب أولى.
((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) يعني الطواف لا يمنع منه أحد، وتبعاً للطواف الصلاة بعده، فإذا لم نمنع من المقدمة لا نمنع من النتيجة، إذا لم نمنع من أول الأمر، فإننا لا نستطيع أن نمنع من آخره.
((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) فدل على أن الطواف لا منع فيه في وقت من الأوقات، لا يشمله النهي، وإن جاء ما يدل على أنه صلاة، إلا أنه شبيه بالصلاة من بعض الوجوه دون بعض ((الطواف بالبيت صلاة)) وتقدم هذا والكلام فيه لأهل العلم كثير، منهم من ضعفه، ومنهم من أثبته، فكونه مشبه بالصلاة لا يعني أنه صلاة من جميع الوجوه، فلا تشمله أحاديث النهي، فإذا طاف بهذا البيت فإنه يصلي ركعتي الطواف على خلاف في ذلك بين أهل العلم في ذوات الأسباب أية ساعة شاء من ليل أو نهار.

(4/18)


طيب ماذا عن الطواف والإمام يخطب؟ يعني ما تشاهدون ناس يطوفون والإمام يخطب؟ حال الخطبة يجب الإنصات، وتحرم الحركة من مس الحصى فقد لغا، إذا قلت لصاحبك: أنصت فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له، هل نقول: إن مجرد الدوران مع الإنصات للخطبة كافي ويحصل بذلك الطواف واستماع الخطبة، أو نقول: إن الطواف أشد من مس الحصى، وأشد من قولك لصاحبك أنصت؟ فهل يمنع من يطوف أو لا يمنع؟ أو نفرق بين من جاء من أجل الجمعة فيلزمه الإنصات، ومن جاء من أجل العمرة فليؤد عمرته ويصلي بعد ذلك ظهر، أو إن أدرك من الجمعة شيء صلاها وإلا فلا؟ يعني هل كون الناس يطوفون هذا إقرار من أهل العلم، ويتركونهم يرونهم يطوفون من غير نكير هذا يدل على جواز ذلك، أو أن هذا تقصير، أو أنه لا يستطيع أحداً أن يقول لهم: لا تطوفوا كمن تكلم لا يقال له: أنصت؟ لكن ما بُين الحكم قبل ذلك، فماذا عن هذه المسألة وهي مسألة قائمة؟ المسألة تحتاج إلى جواب، شخص دخل المسجد ما وجد مكان يصلي فيه، قال: بدلاً من أن أقف أطوف ماذا نقول له؟ أو شخص ابتلي بنعاس أثناء الخطبة فقال: بدلاً من أن أجلس وأنام أطوف من أجل أن يذهب النوم؟ نعم ماذا نقول؟ يمنع الطواف أثناء الخطبة وإلا ما يمنع؟ أثناء الخطبة يمنعون وإلا قبل تبين لهم الأحكام؟
طالب:. . . . . . . . .

(4/19)


الخطيب إذا كلمهم لا إشكال في ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلم وسمع من تكلم، إذاً لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار، يعني سكوت الناس بما في ذلك الخطباء لعل السبب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لعل السبب فيه هذا الحديث كما أن عدم منع النساء من غشيان المساجد مع اقتراف بعض المخالفات سببه: ((لا تمنعوا)) "عباد الله لا تمنعوا إماء الله بيوت الله" فإذا وجد مثل هذا يحصل عند الإنسان توقف؛ لأنه فيه يكون في مخالفة صريحة للنهي، مع وجود المخالفة من الطرف الآخر أنت ما يهمك إلا نفسك، يعني مثل لو قام سائل، سلم الإمام فقام هذا السائل، وشغل الناس عن أذكارهم يتجه منعه وإلا ما يتجه؟ إيه، لكن بعض الناس يقول: أنا مخاطب بقوله -جل وعلا-: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يقوم يشغل ما يشغل ما لي دعوة؛ لأن بعض هذه الأمور مثل ما معنا، ومثل منع النساء من المساجد، ومثل منع السائل، كل هذا ينتابه أمران، له مصالح وعليه مفاسد، فالإنسان أحياناً يتحرج من مثل هذه المضايق، فتجده لا ينكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تمنعوا أحداً طاف أية ساع شاء من الليل والنهار)) يقول: أنا مخاطب بهذا، وكونه آثم أو غير آثم أنا ما لي دعوة، كما أنه إذا وجد من يتحدث بجوارك، ماذا تقول له؟ تستطيع أن تقول: أنصت؟ ما تستطيع أن تقول: أنصت، وهذا أمر بمعروف ما تستطيع، وهو منكر وأنت مأمور بتغيير المنكر، ومع ذلك لا تستطيع أن تقول له: أنصت، فمثل هذه المضايق يحصل فيها مثل هذا.
((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من الليل والنهار)) جاء بهذا الحديث ليبين أن الطواف لا يأخذ حكم الصلاة، فيطوف الطائف في وقت النهي، وإذا طاف فللطواف لكل أسبوع ركعتان، يصليهما بعده، إما أن يصليهما مباشرة في وقت نهي أو غيره على قول من يقول بفعل ذوات الأسباب أو يتأخر حتى يخرج وقت النهي.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه، وقال بعض المصنفين الحذاق: "رواه مسلم" وهو وهم" ويريد بذلك المجد ابن تيمية في المنتقى.

(4/20)


إذا عرفنا هذا عرفنا أوقات النهي، وأن منها المضيق ومنها الموسع، منها ما فيه تشديد، ومنها ما فيه تخفيف، وعرفنا أن الفرائض مستثناة على ما تقدم، بقي النوافل سواءً كانت مطلقة أو ذات سبب:
أما بالنسبة للنوافل المطلقة فلا قائل بها من أهل العلم إلا على قول الظاهرية، وأن هذه الأحاديث منسوخة، يرون أن هذه الأحاديث منسوخة، وأما غيرهم فيرون المنع على خلاف بينهم في النهي، هل هو للتحريم كما هو الأصل أو للكراهة لما دخل العمومات من المخصصات؟
فالأحاديث تتناول جميع الصلوات، يعني كسفت الشمس في الوقت المضيق، أو كسفت بعد صلاة العصر مثلاً، كسفت بعد صلاة العصر نصلي وإلا ما نصلي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله، وصلوا)) وعامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة وذات سبب، وأوجبها أبو عوانة، أما على القول بوجوبها فلا إشكال، لكن الكلام على القول باستحبابها.
النوافل المطلقة ما فيها إشكال، يعني ما يجلس بعد صلاة العصر يصلي مع الجماعة ثم يأتي بركعتين هذا وقت نهي بالاتفاق، ولا يقول به أحد من أهل العلم، يتنفل نفل مطلق.
الكلام في ذوات الأسباب كتحية المسجد، وهذه علم صارت على ذوات الأسباب، وركعتي الطواف، وركعتي الوضوء، وركعتي الإحرام عند من يقول بهما، والاستخارة وغيرها.
دخل المسجد بعد العصر، دخل المسجد قبيل أذان المغرب بخمس دقائق، سواءً دخل في وقت موسع أو في وقت مضيق، توضأ بعد صلاة العصر يصلي ركعتي الوضوء أو لا يصلي؟ جاء إلى المحرم بعد العصر يصلي ركعتي الإحرام أو لا يصلي عند من يقول بهما؟
أراد أن يستخير في أمر يفوت في العصر، أو بعد صلاة الفجر هل نقول: تصلي ركعتي استخارة أو نقول: انتظر؟ الأئمة الثلاثة والمذاهب الثلاثة جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والحنابلة يقولون: لا يصلى في هذه الأوقات شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب، ولو كانت ذات سبب لا يصلى شيء من التطوعات، ولو كانت من ذات الأسباب.
الشافعية يقولون: تصلى ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.

(4/21)


شيخ الإسلام ومن يقتدي به ممن أثار القول في الأيام المتأخرة في السنوات الأخيرة صاروا يرددون في أجوبتهم وفي فتاويهم يقولون: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا قول الشافعية، وهذا كلام شيخ الإسلام، وبهذا يقول من يفتي بقوله، أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام.
الطرف الثاني: وهم الجمهور يقلبون الدعوى، يقلبون المسألة يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، أولئك يقولون: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في هذه الصلوات، والطرف الثاني وهم الجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام فلا نصلي.
يعني أيهما أولى بالقبول؟ الدعوى واحدة، كل من الطرفين يزعم العموم والخصوص، فالجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا نصلي ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ونصليها في الأوقات الأخرى، الطرف الثاني الشافعية ومن يرجح قولهم يقولون: لا، أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، والخاص مقدم على العام.
يتركب من القولين وحجتيهما أن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، إن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، من أجل أن نقول: الخاص مقدم على العام، سواءً في هذا الطرف أو في الطرف الثاني، نقول: عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي أعم من وجه، أعم في الصلوات، وأخص في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب أعم في الأوقات وأخص بالصلوات، فبينهما عموم وخصوص وجهي، إذا كان التعارض بين النصوص من هذه الحيثية، من حيث العموم والخصوص الوجهي فإننا حينئذٍ لا نستطيع أن نرجح إلا بمرجح خارجي، نأتي بمرجح خارجي؛ لأن الكفتين مستويتان، يعني دعوى الجمهور نظير دعوى الشافعية من حيث العموم والخصوص، فلا نستطيع أن نرجح، نحتاج إلى من يرجح قول الجمهور، فيكون هو الراجح أو يرجح قول الشافعية فيكون هو الراجح.

(4/22)


الجمهور رجحوا قولهم بأن الحظر مقدم على الإباحة، يعني دخلت المسجد في العصر عندك حديث يأمرك وحديث ينهاك، حديث يأمرك أن تصلي ركعتين، وحديث ينهاك أن تصلي، المنع مقدم على الإباحة وعلى الفعل حتى عند الشافعية أيضاً، الحظر مقدم على الإباحة، فعلى هذا المرجح قول الجمهور من هذه الحيثية، وكون الحظر مقدم على الأمر فضلاً عن الإباحة ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فيه ثنيا، ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) يعني ما في استثناء، وإذا دخلنا في وقت النهي وقد نهانا الشرع عن أن نصلي فإننا لا نستطيع أن نصلي، نعم الإنسان ليس بموثق، لا يستطيع أن يركع، لا، لكنه ممنوع الاستطاعة شرعية هنا، ممنوع من أن يصلي، فهو لا يستطيع أن يصلي ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) هنا لا نستطيع؛ لأن الشارع نهانا أن نصلي، بهذا يرجح قول الجمهور، الشافعية ومن معهم يقولون: ما قلتموه صحيح ووجيه ولا إشكال فيه، لكن عموم ذوات الأسباب محفوظ، بمعنى أنه لم يدخله مخصص، وعموم أحاديث النهي مخصوص، والعموم إذا دخله الخصوص ضعف، أولاً: لا يتناول ما خصص بلا إشكال، ويضعف فيما عداه، وقال بعضهم: إنها تبطل دلالته إذا خصص، لكن هذا القول ليس بصحيح، تبقى دلالته فيما لا يدخله التخصيص، أو فيما لم يدخله التخصيص، فعمومه وضعف، وما دام عموم أحاديث النهي ضعف لدخول المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ، إذاً عموم هذا أقوى من عموم هذا، فيرجح عليه، فنفعل ذوات الأسباب.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نبي نقول هذا كله -إن شاء الله-، هذا مع النهاية -إن شاء الله تعالى-.

(4/23)


فما الراجح من القولين؟ نقدم ما أشار له الأخ، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قال: باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وصلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني أنه طاف بعد الصبح وما صلى مباشرة؛ لأن الوقت وقت نهي، انتظر حتى يخرج الوقت وطاف بذي طوى، بالزاهر، بعد أن ارتفعت الشمس، وأورد تحت الباب أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) فدل على أن الإمام البخاري يرى أن أوقات النهي لا يصلى فيها شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب.

(4/24)


نعود إلى ما قررناه سابقاً، وهو أن لمذهب الجمهور ما يرجحه، ولمذهب الشافعية ما يرجحه؛ لأننا نحتاج إلى مرجح خارجي، وهذه مرجحات خارجية، فما الراجح؟ يعني إذا قلنا: بركعتي الوضوء مثلاً أو صلاة الاستخارة أو حتى تحية المسجد وقد أمرنا بها، هل تقوى مثل هذه الأوامر -إن وجدت مع أن بعضها توجيهات وإرشادات- يعني في حديث بلال النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع خشخشته في الجنة، قرع نعليه في الجنة، فقال: إنه ما توضأ إلا صلى ركعتين، يعني هل مثل هذا يقوى على معارضة قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) وثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن؟ يقوى وإلا ما يقوى؟ يعني إذا قلنا: تحية المسجد فيها: ((فلا يجلس حتى يصلي)) فإن مثل صلاة الاستخارة مثلاً تقوى على أن تصلى في وقت نهي فيه عن الصلاة؟ تقوى؟ لا شك أن هذه متفاوتة، يعني تحية المسجد أقوى بكثير من صلاة الاستخارة، وأقوى من ركعتي الوضوء، وأقوى من ركعتي الإحرام، وأما بالنسبة لركعتي الطواف فهذه لا إشكال فيها تأخيرها جائز وسائغ عند أهل العلم، تؤخر حتى يخرج الوقت، ويش المانع؟ تؤخر فلا يحصل التعارض، وعلى هذا يعني المسألة من المضايق، يعني بعض الناس من آحاد الطلاب يقول: صل ذوات الأسباب والخاص مقدم على العام، وهو يضحك يقرر مثل هذا الكلام! ونحن نجد من أهل العلم من إذا وجد من يصلي في الأوقات حرفه بيده عن القبلة؛ لأن النهي .. ، من يعارض النهي الشرعي؟ فلا هذا ولا هذا، لا نقول بالتشديد في هذا ولا في هذا، والمسألة محتملة، وهي من عضل المسائل كما قرر أهل العلم.

(4/25)


أما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما واسع، يعني من صلى لا ينكر عليه، ومن جلس ولم يصل لا ينكر عليه؛ لأن هذا عنده أمر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وذاك عنده نهي، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، لكن في الأوقات المضيقة؟ الأوامر في هذه الصلوات لا تقوى على معارضة حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" وهي أيضاً أوقات قصيرة، ماذا على الإنسان لو انتظر حتى تخرج هذه الأوقات؟ وبعض أهل العلم يقول: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات تعرض نفسك للحرج، إن جلست خالفت، وإن صليت خالفت، لا تدخل المسجد في هذا الوقت، ومنهم من يقول: ادخل المسجد واستمر قائم، استمر واقف من أجل ألا تقع في الحرج.
وعلى كل حال مثل ما ذكرنا في الأوقات المضيقة المتجه عدم الصلوات فيها، وفي الوقتين الموسعين الأمر فيه سعة، وللاجتهاد مندوحة، فمن صلى فلا إشكال، ومن ترك فلا إشكال؛ لأن النهي عن الصلاة في الوقتين نهي وسائل كما قرر ذلك ابن رجب وابن عبد البر، وأما بالنسبة للأوقات المضيقة فهي مقصودة لذاتها، ومشابهة الكفار فيها ظاهرة، فلا يصلى فيهما، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(4/26)