شرح النووي على
مسلم (كِتَابُ الْأَضَاحِي)
(بَابُ وَقْتِهَا)
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِيهَا
أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَةٌ وَإِضْحِيَةٌ بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَاللُّغَةُ
الثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا
وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا
سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ سميت
بذلك لأنها تفعل فى الأضحى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ
وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ لُغَةُ قَيْسٍ
وَالتَّأْنِيثُ لُغَةُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ
(13/109)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[1960] (مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلِ أَنْ
يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى
وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ)
وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى اسْمِ اللَّهِ قَالَ الْكُتَّابُ
مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِذَا قِيلَ بِاسْمِ اللَّهِ
تَعَيَّنَ كَتْبُهُ بِالْأَلِفِ وَإِنَّمَا تُحْذَفُ
الْأَلِفُ إِذَا كُتِبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ بِكَمَالِهَا وَقَوْلُهُ قَبْلِ أَنْ يُصَلِّيَ
أَوْ نُصَلِّيَ الْأَوَّلُ بِالْيَاءِ وَالثَّانِي
بِالنُّونِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ
عَلَى الْمُوسِرِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ هِيَ سُنَّةٌ فِي
حَقِّهِ إِنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَأْثَمْ وَلَمْ
يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو بكر
الصديق وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَبِلَالٌ وَأَبُو
مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَمَالِكٌ
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَالْمُزَنِيُّ وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَاللَّيْثُ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُوسِرِ وَبِهِ قَالَ
بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَاجِبَةٌ
عَلَى الْمُوسِرِ إِلَّا الْحَاجَّ بِمِنًى وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ
بِالْأَمْصَارِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ إِنَّمَا يُوجِبُهَا عَلَى مُقِيمٍ يملك نصابا
والله أعلم وَأَمَّا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ فَيَنْبَغِي
أَنْ يَذْبَحَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ
وَحِينَئِذٍ تجْزِيهِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ بن المنذر
وأجمعوا أنها لاتجوز قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ
النَّحْرِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بعد ذلك فقال الشافعى
وداود وبن الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا
إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ
وَخُطْبَتَيْنِ فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ
أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ
صَلَّى الضُّحَى أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْأَمْصَارِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبَوَادِي
وَالْمُسَافِرِينَ وَسَوَاءٌ ذَبَحَ الْإِمَامُ
أُضْحِيَّتَهُ أَمْ لَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
يَدْخُلُ وَقْتُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى
وَالْبَوَادِي إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَلَا
يَدْخُلُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ حَتَّى يُصَلِّيَ
الْإِمَامُ وَيَخْطُبَ فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ
يُجْزِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا إِلَّا
بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتِهِ وَذَبْحِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ
وَيَجُوزُ بَعْدَهَا قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ
عِنْدَهُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَنَحْوُهُ عن
الحسن
(13/110)
والأوزاعى واسحق بْنِ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ
قَبْلَ خُطْبَتِهِ وَفِي أَثْنَائِهَا وَقَالَ رَبِيعَةُ
فِيمَنْ لَا إِمَامَ لَهُ إِنْ ذَبَحَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ لَا يُجْزِيهِ وَبَعْدَ طُلُوعِهَا يُجْزِيهِ
وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ
التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ وَمِمَّنْ قَالَ
بِهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وجبير بن مطعم وبن
عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى
الْأَسَدِيُّ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ وَمَكْحُولٌ
وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَخْتَصُّ بِيَوْمِ
النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعلى وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَجُوزُ
لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ يَوْمَ النَّحْرِ خَاصَّةً
وَلِأَهْلِ الْقُرَى يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ
التَّشْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا تَجُوزُ
لِأَحَدٍ إِلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً وَحَكَى
الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي
جَمِيعِ ذِي الْحِجَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ
التَّضْحِيَةِ فِي لَيَالِي أَيَّامِ الذَّبْحِ فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ لَيْلًا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو
ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ
عَنْهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ
لَا تُجْزِيهِ فِي اللَّيْلِ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَذْبَحْ
عَلَى اسْمِ اللَّهِ) هُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ
فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ أَيْ قَائِلًا بِاسْمِ
اللَّهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ
الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أربعة أوجه أحدها أَنْ يَكُونَ
مَعْنَاهُ فَلْيَذْبَحْ لِلَّهِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى
اللَّامِ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَلْيَذْبَحْ بِسُنَّةِ
اللَّهِ وَالثَّالِثُ بتسمية الله
(13/111)
عَلَى ذَبِيحَتِهِ إِظْهَارًا
لِلْإِسْلَامِ وَمُخَالَفَةً لِمَنْ يَذْبَحُ لِغَيْرِهِ
وَقَمْعًا لِلشَّيْطَانِ وَالرَّابِعُ تَبَرُّكًا
بِاسْمِهِ وَتَيَمُّنًا بِذِكْرِهِ كَمَا يُقَالُ سِرْ
عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَسِرْ بِاسْمِ اللَّهِ وَكَرِهَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُقَالَ افْعَلْ كَذَا عَلَى
اسْمِ اللَّهِ قَالَ لأن اسمه سبحانه على كل شئ قال القاضي
هذا ليس بشئ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا
الْقَائِلِ قَوْلُهُ (شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ أَضْحًى ثُمَّ
خَطَبَ) قَوْلُهُ أَضْحًى مَصْرُوفٌ وَفِي هَذَا أَنَّ
الْخُطْبَةَ لِلْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ إِجْمَاعُ
النَّاسِ الْيَوْمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي
كِتَابِ الْإِيمَانِ ثُمَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
[1961] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ) مَعْنَاهُ أَيْ لَيْسَتْ ضَحِيَّةً
وَلَا ثَوَابَ فِيهَا بَلْ هِيَ لَحْمٌ لَكَ تَنْتَفِعُ
بِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّمَا هُوَ
لَحْمٌ قَدَّمْتَهُ لِأَهْلِكَ قَوْلُهُ (إِنَّ عِنْدِي
جَذَعَةً مِنَ الْمَعْزِ فَقَالَ ضَحِّ بِهَا وَلَا
تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا تَجْزِي جذعة
عن أحد بعدك أما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا تَجْزِي فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ هَكَذَا
الرِّوَايَةُ فِيهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَالْكُتُبِ
وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفِي مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى
وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي
(13/112)
والد عن ولده وَفِيهِ أَنَّ جَذَعَةَ
الْمَعْزِ لَا تَجْزِي فِي الأضحية وهذا متفق عليه قوله
(يارسول اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ
مَكْرُوهٌ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا رَوَيْنَاهُ فِي
مُسْلِمٍ مَكْرُوهٌ بِالْكَافِ وَالْهَاءِ مِنْ طَرِيقِ
السِّنْجَرِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ
التِّرْمِذِيُّ قَالَ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ
طَرِيقِ الْعُذْرِيِّ مَقْرُومٌ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ
قَالَ وَصَوَّبَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ
مَعْنَاهُ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ يُقَالُ قَرِمْتُ
إِلَى اللَّحْمِ وَقَرِمْتُهُ إِذَا اشْتَهَيْتُهُ قَالَ
وَهِيَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ عَرَفْتُ
أَنَّهُ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ
وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَكَمَا جَاءَ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى
فِيهِ اللَّحْمُ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ
الْقَاضِي وَأَمَّا رِوَايَةُ مَكْرُوهٌ فَقَالَ بَعْضُ
شُيُوخِنَا صَوَابُهُ اللَّحَمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ بِفَتْحِ
الْحَاءِ أَيْ تَرْكُ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ وَبَقَاءُ
أَهْلِهِ فِيهِ بِلَا لَحْمٍ حَتَّى يَشْتَهُوهُ مَكْرُوهٌ
وَاللَّحَمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ اشْتِهَاءُ اللَّحْمِ قَالَ
الْقَاضِي وَقَالَ لِيَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ ذَبْحُ مَا لَا يَجْزِي فِي
الْأُضْحِيَّةِ مِمَّا هُوَ لَحْمٌ مَكْرُوهٌ
لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ
الْقَاضِي وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى
الْأَصْبَهَانِيُّ مَعْنَاهُ هَذَا يَوْمٌ طَلَبُ
اللَّحَمِ فِيهِ مَكْرُوهٌ شَاقٌّ وَهَذَا حَسَنٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ)
الْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنَ
الْمَعْزِ إِذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً
وَجَمْعُهَا أَعْنُقٌ وَعُنُوقٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنَاقَ
لَبَنٍ فَمَعْنَاهُ صَغِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِمَّا تَرْضَعُ
قَوْلُهُ (عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ
شَاتَيْ لَحْمٍ) أَيْ أَطْيَبُ لَحْمًا وَأَنْفَعُ
لِسِمَنِهَا وَنَفَاسَتِهَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ
الْمَقْصُودَ فِي الضَّحَايَا طِيبُ اللَّحْمِ لَا
كَثْرَتُهُ فَشَاةٌ نَفِيسَةٌ أَفْضَلُ مِنْ شَاتَيْنِ
غَيْرِ سَمِينَتَيْنِ بِقِيمَتِهَا وَقَدْ سَبَقَتِ
الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَعَ الْفَرْقِ
بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِّ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ
تَكْثِيرَ الْعَدَدِ فِي الْعَقِّ مَقْصُودٌ فَهُوَ
الْأَفْضَلُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ)
مَعْنَاهُ أَنَّكَ ذَبَحْتَ صُورَةً نَسِيكَتَيْنِ وَهُمَا
هَذِهِ وَالَّتِي ذَبَحَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ
أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذِهِ حَصَلَتْ بِهَا التَّضْحِيَةُ
وَالْأُولَى وَقَعَتْ شَاةَ لَحْمٍ لَكِنْ لَهُ فِيهَا
ثَوَابٌ لَا بِسَبَبِ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا لَمْ
تَقَعْ أُضْحِيَّةً بَلْ لِكَوْنِهِ
(13/113)
قَصَدَ بِهَا الْخَيْرَ وَأَخْرَجَهَا فِي
طَاعَةِ اللَّهِ فَلِهَذَا دَخَلَهُمَا أَفْعَلُ
التَّفْضِيلِ فَقَالَ هَذِهِ خَيْرُ النَّسِيكَتَيْنِ
فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَتَضَمَّنُ أَنَّ فِي
الْأُولَى خَيْرًا أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ
بَعْدَكَ) مَعْنَاهُ جَذَعَةُ الْمَعْزِ وَهُوَ مُقْتَضَى
سِيَاقِ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَجَذَعَةُ الضَّأْنِ تَجْزِي
قَوْلُهُ (عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ)
الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنَ
الْجَذَعَةِ بِسَنَةٍ فَكَانَتْ هَذِهِ
(13/114)
الْجَذَعَةُ أَجْوَدَ لِطِيبِ لَحْمِهَا
وَسِمَنِهَا
[1962] قَوْلُهُ (وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ) أَيْ
حَاجَةً قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الَّذِي رَخَّصَ
لَهُ فِي جَذَعَةِ الْمَعْزِ (لَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ
رُخْصَتُهُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا) هَذَا الشَّكُّ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ السَّابِقِ
بِأَنَّهَا لَا تَبْلُغُ غَيْرَهُ وَلَا تَجْزِي أَحَدًا
بَعْدَهُ قَوْلُهُ (وَانْكَفَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ
فَذَبَحَهُمَا) انْكَفَأَ مَهْمُوزٌ أَيْ مَالَ
وَانْعَطَفَ وَفِيهِ إِجْزَاءُ الذَّكَرِ فِي
الْأُضْحِيَّةِ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَذْبَحَهَا
بِنَفْسِهِ وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَفِيهِ جَوَازُ
التَّضْحِيَةِ بِحَيَوَانَيْنِ قَوْلُهُ (فَقَامَ النَّاسُ
إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا أَوْ قَالَ
فَتَجَزَّعُوهَا) هُمَا بِمَعْنًى وهذا شك من الراوي فى
أحد اللَّفْظَتَيْنِ وَقَوْلُهُ غُنَيْمَةٌ بِضَمِّ
الْغَيْنِ تَصْغِيرُ الْغَنَمِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيِّ (ثُمَّ خَطَبَ
فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ
يُعِيدَ ذِبْحًا) أَمَّا ذِبْحًا فَاتَّفَقُوا عَلَى
ضَبْطِهِ بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ حَيَوَانًا يُذْبَحُ كقول
الله تعالى وفديناه بذبح وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْ يُعِيدَ
فَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ
بِالْيَاءِ مِنَ الْإِعَادَةِ
(13/116)
وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنْ يُعِدَّ
بِحَذْفِ الْيَاءِ وَلَكِنْ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ
الْإِعْدَادِ وَهُوَ التَّهْيِئَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ)
[1963] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلامسنة
إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً
مِنَ الضَّأْنِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُسِنَّةُ هِيَ
الثَّنِيَّةُ مِنْ كل شئ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ فَمَا فَوْقَهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ
لَا يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ فِي حَالٍ
مِنَ الْأَحْوَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا
نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
أَنَّهُ قَالَ يُجْزِي الْجَذَعُ مِنَ الْإِبِلِ
وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ
عَطَاءٍ وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ فَمَذْهَبُنَا
وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً يُجْزِي سواء وجد غيره
أم لاوحكوا عن بن عمر والزهرى أنهما قالا لايجزى وَقَدْ
يُحْتَجُّ لَهُمَا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ
الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى
الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ وتقديره يستحب لكم أن
لاتذبحوا إِلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ
ضَأْنٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ
الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِي بِحَالٍ وَقَدْ
أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ
لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنَ الضأن
مع وجود غيره وعدمه وبن عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ
يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ
فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
مِنَ الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِي الضَّحِيَّةُ
بِغَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلا ما حكاه
بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ
تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِبَقَرَةِ الْوَحْشِ عَنْ سَبْعَةٍ
وَبِالظَّبْيِ عَنْ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ
(13/117)
دَاوُدُ فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَالْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ
تَامَّةٌ هَذَا هوالأصح عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ
الْأَشْهَرُ عِنْدِ أَهْلِ اللُّغَةِ وغيرهم وقيل ماله
سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ
وَقِيلَ بن عَشْرَةٍ حَكَاهُ الْقَاضِي وَهُوَ غَرِيبٌ
وَقِيلَ إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ بَيْنِ شَابَّيْنِ
فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ هَرِمَيْنِ
فَثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْجُمْهُورِ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَنْوَاعِ الْبَدَنَةُ
ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ الضَّأْنُ ثُمَّ الْمَعْزُ
وَقَالَ مَالِكٌ الْغَنَمُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَطْيَبُ
لَحْمًا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِي
عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَا الْبَقَرَةُ وأما الشاة فلاتجزى
إِلَّا عَنْ وَاحِدٍ بِالِاتِّفَاقِ فَدَلَّ عَلَى
تَفْضِيلِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَاخْتَلَفَ
أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَا بَعْدَ الْغَنَمِ فَقِيلَ
الْإِبِلُ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ وَقِيلَ البقرة أفضل
من الابل وهوالأشهر عِنْدَهُمْ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
عَلَى اسْتِحْبَابِ سَمِينِهَا وَطَيِّبِهَا وَاخْتَلَفُوا
فِي تَسْمِينِهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ
اسْتِحْبَابُهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ وَكَانَ
الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَرَاهَةَ ذَلِكَ لِئَلَّا
يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ
[1964] قَوْلُهُ (فَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَنْحَرُوا حَتَّى
يَنْحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ لَا
يُجْزِي الذَّبْحُ إِلَّا بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ كَمَا
سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
وَالْجُمْهُورُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
زَجْرُهُمْ عَنِ التَّعْجِيلِ الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى
فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَاقِي
الْأَحَادِيثِ التَّقْيِيدُ بِالصَّلَاةِ وَأَنَّ مَنْ
ضَحَّى بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ وَمَنْ لَا فَلَا قَوْلُهُ
فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ
[1965] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى
أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ
أَنْتَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَتُودُ مِنْ أَوْلَادِ
الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهُوَ مَا رَعَى وَقَوِيَ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ مَا بَلَغَ سَنَةً
وَجَمْعُهُ أَعْتِدَةٌ وعدان
(13/118)
بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الدَّالِ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ
كَانَتْ هَذِهِ رُخْصَةً لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ كَمَا
كَانَ مِثْلُهَا رُخْصَةً لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ
الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب السابق قال
البيهقى وقد رَوَيْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ
بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَعْطَانِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا
أَقْسِمُهَا ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِي فَبَقِيَ عَتُودٌ
مِنْهَا فَقَالَ ضَحِّ بِهَا أنت ولارخصة لِأَحَدٍ فِيهَا
بَعْدَكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَلَى هَذَا يحمل أيضا
مارويناه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
أَصْحَابِهِ غَنَمًا فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا
فَقَالَ ضَحِّ بِهِ فَقُلْتُ إِنَّهُ جَذَعٌ مِنَ
الْمَعْزِ أُضَحِّي بِهِ قَالَ نَعَمْ ضَحِّ بِهِ
فَضَحَّيْتُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ وَهَذَا
الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جيد حسن
وليس فيه رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنَ الْمَعْزِ
وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ عَتُودٌ وَهَذَا
التَّأْوِيلُ الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ
مُتَعَيَّنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ بَعْجَةَ) هُوَ بالباء الموحدة
مفتوحة
(باب استحباب الضحية وذبحها
مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير)
[1966] قَوْلُهُ (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهِ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ
أَقْرَنَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ
ووضع رجله
(13/119)
على صفاحهما) قال بن الْأَعْرَابِيِّ
وَغَيْرُهُ الْأَمْلَحُ هُوَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ
الْبَيَاضِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ الْأَبْيَضُ
وَيَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ السواد وقال أبوحاتم هُوَ الَّذِي
يُخَالِطُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هو
الأسوديعلوه حُمْرَةٌ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ الَّذِي
فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي خَلَلِ
صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ
الْمُتَغَيِّرُ الشَّعْرِ بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَقَوْلُهُ
أَقْرَنَيْنِ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَرْنَانِ
حَسَنَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَيُسْتَحَبُّ الْأَقْرَنُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَضْحِيَةِ الْإِنْسَانِ
بِعَدَدٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاسْتِحْبَابُ الْأَقْرَنِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّضْحِيَةِ
بِالْأَجْمِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ لَهُ قَرْنَانِ
وَاخْتَلَفُوا فِي مكسورة القرن فجوزه الشافعى وأبو حنيفة
والجمهور سواءكان يدمى أم لاوكرهه مَالِكٌ إِذَا كَانَ
يُدْمِي وَجَعَلَهُ عَيْبًا وَأَجْمَعُوا عَلَى
اسْتِحْبَابِ اسْتِحْسَانِهَا وَاخْتِيَارِ أَكْمَلِهَا
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ
الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وهو المرض والعجف
والعور والعرج البين لاتجزى التضحية بها وكذا ماكان فِي
مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحَ كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ
وَشِبْهِهِ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ هَذَا لَمْ يُخَرِّجْهُ
الْبُخَارِيُّ ومسلم فى صحيحهما ولكنه صحيح رواه أبوداود
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ
أَصْحَابِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمْلَحَيْنِ فَفِيهِ
اسْتِحْبَابُ اسْتِحْسَانِ لَوْنِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ
أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَفْضَلُهَا
الْبَيْضَاءُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْغَبْرَاءُ
وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْبَلْقَاءُ
وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَبْيَضُ وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ
ثم السوداء وأما قوله فى الحديث الآخر يطأفى سَوَادٍ
وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فمعناه
أنقوائمه وَبَطْنَهُ وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ أَسْوَدُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) فِيهِ
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يتولى الانسان ذبح أضحيته بنفسه
ولايوكل فى ذبحها الالعذر وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ
يَشْهَدَ ذَبْحَهَا وَإِنِ اسْتَنَابَ فيها مسلما جاز
بلاخلاف وَإِنِ اسْتَنَابَ كِتَابِيًّا كُرِهَ كَرَاهِيَةَ
تَنْزِيهٍ وَأَجْزَأَهُ وَوَقَعَتِ التَّضْحِيَةُ عَنِ
الْمُوَكِّلِ
(13/120)
هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الامالكا
فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ
يُجَوِّزْهَا ويجوز أن يستنيب صبيا أوامرأة حَائِضًا
لَكِنْ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ وَفِي كَرَاهَةِ
تَوْكِيلِ الْحَائِضِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا
الْحَائِضُ أَوْلَى بِالِاسْتِنَابَةِ مِنَ الصَّبِيِّ
وَالصَّبِيُّ أَوْلَى مِنَ الْكِتَابِيِّ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ وَكَّلَ أَنْ يُوَكِّلَ
مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا
لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِشُرُوطِهَا وَسُنَنِهَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَسَمَّى) فِيهِ إِثْبَاتُ
التَّسْمِيَةِ عَلَى الضَّحِيَّةِ وَسَائِرِ الذَّبَائِحِ
وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ
مُسْتَحَبٌّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ
الصَّيْدِ قَوْلُهُ (وَكَبَّرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ
التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ
وَاللَّهُ أَكْبَرُ قَوْلُهُ (وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى
صِفَاحِهِمَا) أَيْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ
وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِيَكُونَ أَثْبَتَ له وأمكن لئلا
تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعهمن إِكْمَالِ الذَّبْحِ أَوْ
تُؤْذِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ
بِالنَّهْيِ عَنْ هَذَا
[1967] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(هَلُمِّي الْمُدْيَةَ) أَيْ هَاتِيهَا وَهِيَ بِضَمِّ
الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَهِيَ السِّكِّينُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشْحَذِيهَا
بِحَجَرٍ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وبالذال المعجمة
(13/121)
أَيْ حَدِّدِيهَا وَهَذَا مُوَافِقٌ
لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ
الْقِتْلَةِ وَالذَّبْحِ وَإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ قَوْلُهُ
(وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ
قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ
وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى
بِهِ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ
وَتَقْدِيرُهُ فَأَضْجَعَهُ وَأَخَذَ فِي ذَبْحِهِ
قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ
مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مُضَحِّيًا به
ولفظه ثمهنا متأولة على ماذكرته بِلَا شَكٍّ وَفِيهِ
اسْتِحْبَابُ إِضْجَاعِ الْغَنَمِ فِي الذبح وأنها لاتذبح
قائمة ولاباركة بَلْ مُضْجَعَةً لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهَا
وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَأَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ وَعَمَلُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى
جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى
الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ
وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ
مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ)
فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ قَوْلِ الْمُضَحِّي حَالَ
الذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ اللَّهُمَّ
تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ
اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ تَقَبَّلْ مِنِّي فَهَذَا
مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ
وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَرِهَ مَالِكٌ اللَّهُمَّ
مِنْكَ وَإِلَيْكَ وَقَالَ هي بدعةواستدل بِهَذَا مَنْ
جَوَّزَ تَضْحِيَةَ الرَّجُلِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ
بَيْتِهِ وَاشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ وَهُوَ
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهُ
الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَزَعَمَ
الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ أومخصوص
وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ النَّسْخَ
وَالتَّخْصِيصَ لايثبتان بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى
(بَاب جَوَازِ الذَّبْحِ بِكُلِّ مَا أنهر الدم الاالسن
والظفر وسائرالعظام)
[1968] قوله (قلت يارسول اللَّهِ إِنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ
غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مدى قال أعجل أوأرن) أَمَّا
أَعْجِلْ فَهُوَ بِكَسْرِ
(13/122)
الْجِيمِ وَأَمَّا أَرِنْ فَبِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ
وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَرُوِيَ
أَرْنِي بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَكَذَا
وَقَعَ هُنَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ
صوابه أرن على وزن أعجل وهو بمعناه وهومن النشاط والخفة أى
أعجل ذبحها لئلاتموت خَنْقًا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ أَرِنْ
عَلَى وَزْنِ أَطِعْ أَيْ أَهْلِكْهَا ذَبْحًا مِنْ
أَرَانَ الْقَوْمُ إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ قَالَ
وَيَكُونُ أَرْنِ عَلَى وزن أعط بمعنى أدم الحز ولاتفتر من
قولهم رنوت اذاأدمت النَّظَرَ وَفِي الصَّحِيحِ أَرْنِ
بِمَعْنَى أَعْجِلْ وَأَنَّ هَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
هَلْ قَالَ أَرْنِ أَوْ قَالَ أَعْجِلْ قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخَطَّابِيِّ
قَوْلَهُ إِنَّهُ مِنْ أَرَانَ الْقَوْمَ إِذَا هَلَكَتْ
مَوَاشِيهِمْ لِأَنَّ هَذَا لايتعدى وَالْمَذْكُورُ فِي
الْحَدِيثِ مُتَعَدٍّ عَلَى مَا فَسَّرَهُ وَرُدَّ
عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ إِنَّهُ أَأْرَنَ إِذْ لَا
تَجْتَمِعُ هَمْزَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَاكِنَةٌ فِي
كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي هَذَا إِيرَنْ
بِالْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى
أَرْنِي بِالْيَاءِ سَيَلَانُ الدَّمِ وَقَالَ بَعْضُ
أَهْلِ اللُّغَةِ صَوَابُ اللفظة بالهمزة والمشهور بلاهمز
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ
فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) أَمَّا السِّنُّ
وَالظُّفُرُ فَمَنْصُوبَانِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِلَيْسَ
وَأَمَّا أَنْهَرَهُ فَمَعْنَاهُ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ
بِكَثْرَةٍ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي
النَّهَرِ يُقَالُ نَهَرَ الدَّمَ وَأَنْهَرْتُهُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَذُكِرَ اسْمُ
اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا وَفِيهِ
مَحْذُوفٌ أَيْ وَذُكِرَ اسم الله عليه أومعه وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ
مَا يقطع ويجرى الدم ولايكفى رضها ودمغها بما لايجرى
الدَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْخُشْنِيُّ فِي شَرْحِ
هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَنْهَزَ بِالزَّايِ وَالنَّهْزُ
بِمَعْنَى الدَّفْعِ قَالَ وَهَذَا غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ
بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ
الْحَرْبِيُّ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً بِالرَّاءِ
الْمُهْمَلَةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ
فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمَيُّزُ
حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا
وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ
دَمِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ
الذَّبْحِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَقْطَعُ إِلَّا الظُّفُرَ
وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ وَالسِّنَانُ وَالْحَجَرُ
وَالْخَشَبُ وَالزُّجَاجُ وَالْقَصَبُ وَالْخَزَفُ
وَالنُّحَاسُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الْمُحَدَّدَةِ
فَكُلُّهَا تَحْصُلُ بِهَا الذَّكَاةُ الاالسن وَالظُّفُرَ
وَالْعِظَامَ كُلَّهَا أَمَّا الظُّفْرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ
ظُفْرُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانَاتِ
وَسَوَاءٌ المتصل والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز
الذَّكَاةُ بِهِ لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا السِّنُّ فَيَدْخُلُ
فِيهِ سِنُّ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ الطَّاهِرُ
وَالنَّجِسُ وَالْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ وَيَلْحَقُ
بِهِ سَائِرُ الْعِظَامِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانِ المتصل
منها والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذكاة
(13/123)
بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَفَهِمْنَا الْعِظَامَ مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ فِي قَوْلِهِ
أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ أَيْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ
لِكَوْنِهِ عَظْمًا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ
كَوْنُهُ عَظْمًا فَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ العظم
لاتجوز الذكاة بهوقد قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كُلِّ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى مَا
شَرَحْتُهُ وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ
صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وأبوثور
وَدَاوُدُ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَجُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حنيفة وصاحباه لايجوز
بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَيَجُوزُ
بِالْمُنْفَصِلَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ
أَشْهَرُهَا جَوَازُهُ بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ كَيْفَ
كَانَا وَالثَّانِيَةُ كَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ
وَالثَّالِثَةُ كَأَبِي حَنِيفَةَ والرابعة حكاها عنه بن
الْمُنْذِرِ يَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالسِّنِّ
وَالظُّفُرِ وعن بن جريح جَوَازُ الذَّكَاةِ بِعَظْمِ
الْحِمَارِ دُونَ الْقِرْدِ وَهَذَا مع ماقبله بَاطِلَانِ
مُنَابِذَانِ لِلسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُ وَمُوَافِقُوهُمْ لاتحصل الذكاة إلابقطع
الحلقوم والمرئ بكمالهما ويستحب قطع الودجين ولايشترط وهذا
أصح الروايتين عن أحمد وقال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ الحلقوم والمرئ
وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّمَ حَصَلَتِ الذَّكَاةُ
قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ بَعْضِ هَذَا فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ قطع الحلقوم والمرئ
وَيُسْتَحَبُّ الْوَدَجَانِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو
ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وبن الْمُنْذِرِ يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْ
هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ مالك يجب قطع
الحلقوم والودجين ولايشترط المرئ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنِ
اللَّيْثِ أَيْضًا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ
يَكْفِي قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْهُ اشْتِرَاطُ قَطْعِ
الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وعن
أبى يوسف ثلاث روايات إحدها كَأَبِي حَنِيفَةَ
وَالثَّانِيَةُ إِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَاثْنَيْنِ مِنَ
الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا
وَالثَّالِثَةُ يشترط قطع الحلقوم والمرئ وَأَحَدِ
الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِنْ
قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ
حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ دَلِيلٌ عَلَى
جَوَازِ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ وَنَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَقَدْ
جَوَّزَهُ الْعُلَمَاءُ كافة إلاداود فَمَنَعَهُمَا
وَكَرِهَهُ مَالِكٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَفِي رِوَايَةٍ
كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِبَاحَةُ
ذَبْحِ الْمَنْحُورِ دُونَ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ
وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ
وَفِي الْغَنَمِ الذَّبْحُ وَالْبَقَرُ كالغنم عندنا وعند
الجمهور وقيل يتخيربين ذَبْحِهَا وَنَحْرِهَا قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا السِّنُّ
فَعَظْمٌ) مَعْنَاهُ فَلَا تَذْبَحُوا بِهِ فإنه يتنجس
(13/124)
بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ
الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعِظَامِ لِئَلَّا تَنْجُسَ
لِكَوْنِهَا زَادَ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَأَمَّا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا
الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ
كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عن التشبيه بِالْكُفَّارِ
وَهَذَا شِعَارٌ لَهُمْ قَوْلُهُ (فَأَصَبْنَا نَهْبَ ابل
وغنم فندمنها بعير فرماهرجل بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ
فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ
هَكَذَا) أَمَّا النَّهْبُ بِفَتْحِ النُّونِ فَهُوَ
الْمَنْهُوبُ وكان هذا النهب غنيمة وقوله (فندمنها
بَعِيرٌ) أَيْ شَرَدَ وَهَرَبَ نَافِرًا وَالْأَوَابِدُ
النُّفُورُ وَالتَّوَحُّشُ وَهُوَ جَمْعُ آبِدَةٍ
بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُقَالُ
مِنْهُ أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْبَاءِ تَأْبُدُ بِضَمِّهَا
وَتَأْبِدُ بِكَسْرِهَا وَتَأَبَّدَتْ وَمَعْنَاهُ
نَفَرَتْ مِنَ الْإِنْسِ وَتَوَحَّشَتْ وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ
(13/125)
دَلِيلٌ لِإِبَاحَةِ عَقْرِ الْحَيَوَانِ
الَّذِي يَنِدُّ وَيُعْجَزُ عن ذبحه ونحره قال أصحابنا
وغيرهم الحيوانالمأكول الذى لاتحل مَيْتَتُهُ ضَرْبَانِ
مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَمُتَوَحِّشٌ فَالْمَقْدُورُ
عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ
وَاللَّبَةِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ إِذَا
قَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْدَ أَوْ
كَانَ مُتَأَنِّسًا فَلَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي
الْحَلْقِ وَاللَّبَةِ وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه
يذبح مادام مُتَوَحِّشًا فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ
أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْهُ
وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إِذَا
تَوَحَّشَ إِنْسِيٌّ بِأَنَ نَدَّ بعير أو بقرة أو فرس
أوشردت شَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ فَيَحِلُّ
بِالرَّمْيِ إِلَى غَيْرِ مَذْبَحِهِ وَبِإِرْسَالِ
الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الجوارح عليه وكذا لوتردى بعير
أوغيره فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ
وَمَرِيئِهِ فهو كالبعير الناد فى حله بالرمى بلاخلاف
عِنْدَنَا وَفِي حِلِّهِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَجْهَانِ
أَصَحُّهُمَا لايحل قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ
الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بل متى
تيسر لحوقه بعد ولوباستعانة بمن يمسكه ونحوذلك فليس متوحشا
ولايحل حينئذ الابالذبح فِي الْمَذْبَحِ وَإِنْ تَحَقَّقَ
الْعَجْزُ فِي الْحَالِ جاز رميه ولايكلف الصَّبْرَ إِلَى
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِرَاحَةُ فِي
فَخِذِهِ أَوْ خَاصِرَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ بَدَنِهِ
فَيَحِلُّ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ
بِإِبَاحَةِ عَقْرِ النَّادِّ كَمَا ذَكَرْنَا عَلِيُّ
بْنُ أبى طالب وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ
وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأحمد
وإسحاقوأبو ثور والمزنى وداود والجمهوروقال سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ لَا
يَحِلُّ إِلَّا بِذَكَاةٍ فِي حَلْقِهِ كَغَيْرِهِ دَلِيلُ
الْجُمْهُورِ حَدِيثُ رَافِعٍ الْمَذْكُورُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ
تِهَامَةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحُلَيْفَةُ هَذِهِ
مَكَانٌ مِنْ تِهَامَةَ بَيْنَ حَاذَّةَ وَذَاتِ عِرْقٍ
وَلَيْسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي
كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ
لَكِنَّهُ قَالَ الْحُلَيْفَةُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ ذِي
وَالَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ فَكَأَنَّهُ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ (فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجِلَ
الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا
فَكُفِئَتْ) مَعْنَى كُفِئَتْ أَيْ قُلِبَتْ وَأُرِيقَ مَا
فِيهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهُمْ
كَانُوا قَدِ انْتَهَوْا إِلَى دار الاسلام والمحل الذى
لايجوز فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ
الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْغَنَائِمِ
قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنَّمَا يُبَاحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ
إِنَّمَا أُمِرُوا بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ عُقُوبَةً
لَهُمْ لِاسْتِعْجَالِهِمْ فِي السَّيْرِ وَتَرْكِهِمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(13/126)
فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ مُتَعَرِّضًا
لِمَنْ يَقْصِدُهُ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ إِرَاقَةِ
الْقُدُورِ إِنَّمَا هُوَ إِتْلَافٌ لِنَفْسِ الْمَرَقِ
عُقُوبَةً لَهُمْ وَأَمَّا نَفْسُ اللَّحْمِ فَلَمْ
يُتْلِفُوهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ ورد إلى
المغنم ولايظن أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ لِلْغَانِمِينَ
وَقَدْ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ
الْجِنَايَةَ بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ من جميع مستحقى
الغنيمة اذمن جُمْلَتِهِمْ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَمِنَ
الْغَانِمِينَ مَنْ لَمْ يَطْبُخْ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ
يُنْقَلْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْمَ إِلَى الْمَغْنَمِ
قُلْنَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ
وَأَتْلَفُوهُ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَقْلٌ صَرِيحٌ
وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ
الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ
إِكْفَاءِ قُدُورِ لَحْمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ
خَيْبَرَ فَإِنَّهُ أَتْلَفَ مَا فِيهَا مِنْ لَحْمٍ
وَمَرَقٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجِسَةً وَلِهَذَا قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا
إِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ
وَأَمَّا هَذِهِ اللُّحُومُ فكانت طاهرة منتفعا بها بلاشك
فلايظن إِتْلَافُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ
عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ) هَذَا مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ قِيمَةَ هَذِهِ الْغَنَمِ
وَالْإِبِلِ فَكَانَتِ الْإِبِلُ نَفِيسَةً دُونَ
الْغَنَمِ بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ البعير عشر شياه
ولايكون هذا مخالفالقاعدة الشَّرْعِ فِي بَابِ
الْأُضْحِيَّةِ فِي إِقَامَةِ الْبَعِيرِ مَقَامَ سَبْعِ
شِيَاهٍ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ
الشِّيَاهِ وَالْإِبِلِ الْمُعْتَدِلَةِ وَأَمَّا هَذِهِ
القسمة فكانت قضية اتفق فيها ماذكرناه مِنْ نَفَاسَةِ
الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ وَفِيهِ أَنَّ قسمة الغنيمة
لايشترط فِيهَا قِسْمَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ
قَوْلُهُ (فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ) هُوَ بِلَامٍ
مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ
ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ قُشُورُ الْقَصَبِ وَلِيطُ
كُلِّ شَيْءٍ قُشُورُهُ وَالْوَاحِدَةُ لِيطَةٌ وَهُوَ
مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ
أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ
وَغَيْرِهِ أَفَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا وَهَذَا فَأَجَابَهُمْ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابٍ جَامِعٍ
لِمَا سَأَلُوهُ وَلِغَيْرِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فقال
كل ماأنهر الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ
السِّنَّ وَالظُّفُرَ قَوْلُهُ (فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ
حَتَّى وَهَصْنَاهُ) هُوَ بِهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُخَفَّفَةٍ
ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثم نون
(13/127)
وَمَعْنَاهُ رَمَيْنَاهُ رَمْيًا شَدِيدًا
وَقِيلَ أَسْقَطْنَاهُ إِلَى الْأَرْضِ وَوَقَعَ فِي
غَيْرِ مُسْلِمٍ رَهَصْنَاهُ بِالرَّاءِ أَيْ حَبَسْنَاهُ
(بَاب بَيَانِ مَا كَانَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ
لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فى الاسلام وبيان
نسخه وإباحته إلى متى شاء)
[1969] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ
الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ
عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ) قَالَ الْقَاضِي لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ
رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عِلَّةٌ فِي
رَفْعِهِ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ
لَمْ يَرْفَعُوهُ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ
مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَرَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا مِمَّا وَهِمَ فِيهِ عَبْدُ
الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ
الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَالْقَعْنَبِيَّ
وَأَبَا خَيْثَمَةَ واسحاق وغيرهم رووه عن بن عُيَيْنَةَ
مَوْقُوفًا قَالَ وَرَفْعُ الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ
صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سُفْيَانَ فَقَدْ رَفَعَهُ
صَالِحٌ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَمَالِكٌ
مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ كُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ مَرْفُوعًا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ
وَالْمَتْنُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
(13/128)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
نَهَاكُمْ أَنْ تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال
فلاتأكلوا)
[1970] وفى حديث بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لايأكل أَحَدُكُمْ مِنْ
أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ سالم وكان
بن عمر لايأكل لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ
وَذَكَرَ
[1972] حَدِيثُ جَابِرٍ مِثْلَهُ فِي النَّهْيِ ثُمَّ
قَالَ كُلُوا بَعْدُ وَادَّخِرُوا وَتَزَوَّدُوا
[1971] وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهُ دَفَّ نَاسٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَصَدَّقُوا ثُمَّ ذَكَرَ
الْحَدِيثَ إِنَّمَا كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ
الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا
وَتَصَدَّقُوا وَذَكَرَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَثَوْبَانَ
وَبُرَيْدَةَ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
فِي الْأَخْذِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ قَوْمٌ
يَحْرُمُ إِمْسَاكُ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَالْأَكْلُ
مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَإِنَّ حُكْمَ التَّحْرِيمِ باق
كما قاله على وبن عمر وقال جماهير العلماءيباح الْأَكْلُ
وَالْإِمْسَاكُ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالنَّهْيُ مَنْسُوخٌ
بِهَذِهِ الأحاديث المصرحة بالنسخ لاسيما حديث بريدة
وهذامن نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
لَيْسَ هُوَ نَسْخًا بَلْ كَانَ التَّحْرِيمُ لِعِلَّةٍ
فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ
وَقِيلَ كَانَ النَّهْيُ الأول للكراهة لاللتحريم قَالَ
هَؤُلَاءِ وَالْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ إِلَى الْيَوْمِ
وَلَكِنْ لَا يَحْرُمُ قَالُوا وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ
تِلْكَ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ فَدَفَّتْ دَافَّةٌ
وَاسَاهُمُ النَّاسُ وَحَمَلُوا على هذا مذهب على وبن
عُمَرَ وَالصَّحِيحُ نَسْخُ النَّهْيِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ
لَمْ يبق تحريم ولاكراهة فيباح
(13/129)
الْيَوْمَ الِادِّخَارُ فَوْقَ ثَلَاثٍ
وَالْأَكْلُ إِلَى مَتَى شَاءَ لِصَرِيحِ حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَعْدَ ثَلَاثٍ) قَالَ
الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ
مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهَا وَيَحْتَمِلُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ
وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهَا إِلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ
الَّتِي دَفَّتْ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّافَّةُ
بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَوْمٌ يَسِيرُونَ جَمِيعًا سَيْرًا
خَفِيفًا وَدَفَّ يَدِفُّ بِكَسْرِ الدال ودافة الأعراب من
يردمنهم الْمِصْرَ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ وَرَدَ مِنْ
ضُعَفَاءِ الْأَعْرَابِ لِلْمُوَاسَاةِ قَوْلُهُ (دَفَّ
أَبْيَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى)
هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَالضَّادُ
سَاكِنَةٌ فِيهَا كُلِّهَا وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَهُوَ
ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا تُفْتَحُ إِذَا حُذِفَتِ الْهَاءُ
فَيُقَالُ بِحَضَرِ فُلَانٍ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّاسَ
يَتَّخِذُونَ
(13/130)
الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ
وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ) قَوْلُهُ يَجْمُلُونَ
بِفَتْحِ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا
وَيُقَالُ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ يُقَالُ
جَمَلْتُ الدُّهْنَ أُجْمِلُهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ
وَأَجْمُلُهُ بِضَمِّهَا جَمْلًا وَأَجْمَلْتُهُ
إِجْمَالًا أَيْ أَذَبْتُهُ وَهُوَ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ
مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا
وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِزَوَالِ
النَّهْيِ عَنِ ادِّخَارِهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ وَفِيهِ
الْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ مِنْهَا وَالْأَمْرُ بِالْأَكْلِ
فَأَمَّا الصَّدَقَةُ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ أُضْحِيَّةَ
تَطَوُّعٍ فَوَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ
أَصْحَابِنَا بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْهَا
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِمُعْظَمِهَا قَالُوا
وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَنْ يَأْكُلَ الثُّلُثَ
وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُهْدِي الثُّلُثَ وَفِيهِ
قَوْلٌ أَنَّهُ يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ
بِالنِّصْفِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي قَدْرِ أَدْنَى
الْكَمَالِ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَأَمَّا الْإِجْزَاءُ
فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كماذكرنا ولنا وجه أنه
لاتجب الصدقة بشيء منها وأماالأكل منها فيستحب ولايجب هذا
مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلاما حُكِيَ عَنْ بَعْضِ
السَّلَفِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْلَ منها وهو قول أبى
الطيب بن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماوردىلظاهر هَذَا
الْحَدِيثِ فِي الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مَعَ قَوْلِهِ تعالى
فكلوا منها وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى
النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ
بَعْدَ الْحَظْرِ كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وَقَدِ
اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي
الْأَمْرِ الْوَارِدِ بعد الحظر
(13/131)
فَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ كما لوورد ابتداء
وقال جِمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ (قُلْتُ
لِعَطَاءٍ قَالَ جَابِرٌ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ
قَالَ نَعَمْ) ووقع فى البخارى لابدل قَوْلِهِ هُنَا
نَعَمْ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَسِيَ فِي وقت فقال لاوذكر
فى وقت فقال نعم
[1973] قوله (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نضرة وكذا ذكره أبوعلى
الْغَسَّانِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ نُسْخَةِ الْجُلُودِيِّ
وَالْكِسَائِيِّ قَالَا وفى نسخة بن مَاهَانَ سَعِيدٌ عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذكر قَتَادَةَ وَكَذَا
ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ
وَخَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ
الْغَسَّانِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ فى طريق بن أبى شيبة وبن الْمُثَنَّى
(عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) هذا خلاف عادة
مسلم فى الاقتصاروكان مُقْتَضَى عَادَتِهِ حَذْفَ أَبِي
سَعِيدٍ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى
أَبِي نَضْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ ح ويتحول
(13/132)
فَإِنَّ مَدَارَ الطَّرِيقَيْنِ عَلَى
أَبِي نَضْرَةَ وَالْعِبَارَةُ فِيهِمَا عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي
تَرْكُهُ فِي الْأُولَى قَوْلُهُ (إِنَّ لَهُمْ عِيَالًا
وَحَشَمًا وَخَدَمًا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشَمُ
بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالشِّينِ هُمْ اللَّائِذُونَ
بِالْإِنْسَانِ يَخْدُمُونَهُ وَيَقُومُونَ بِأُمُورِهِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُمْ خَدَمُ الرَّجُلِ وَمَنْ
يَغْضَبُ لَهُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ
لَهُ وَالْحِشْمَةُ الْغَضَبُ وَيُطْلَقُ عَلَى
الِاسْتِحْيَاءِ أيضا ومنه قولهم فلان لايحتشم أَيْ لَا
يَسْتَحِي وَيُقَالُ حَشَمْتُهُ وَأَحْشَمْتُهُ إِذَا
أغضبته واذا أخجلته فاستحيى الْخَجْلَةَ وَكَأَنَّ
الْحَشَمَ أَعَمُّ مِنَ الْخَدَمِ فَلِهَذَا جَمَعَ
بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ بَابِ
ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[1974] (إِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ كَانَ النَّاسُ فِيهِ
بِجَهْدٍ فَأَرَدْتُ أَنْ يفشوا فِيهِمْ) هَكَذَا هُوَ فِي
جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ يَفْشُوَ بِالْفَاءِ وَالشِّينِ
أَيْ يَشِيعَ لَحْمُ الْأَضَاحِيِّ فِي النَّاسِ
وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمُحْتَاجُونَ وَوَقَعَ فِي
الْبُخَارِيِّ يُعِينُوا بِالْعَيْنِ مِنَ الْإِعَانَةِ
قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ
أَشْبَهُ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ
وَالَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ أَوْجَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْجَهْدُ هُنَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ
وَالْفَاقَةُ
[1975] قَوْلُهُ (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ذَبَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(13/133)
ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ يَا ثَوْبَانُ
أَصْلِحْ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى
قَدِمَ الْمَدِينَةَ هَذَا فِيهِ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ
ادِّخَارِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَجَوَازُ
التَّزَوُّدِ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الادخار والتزود فى
الأسفار لايقدح فِي التَّوَكُّلِ وَلَا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ
عَنِ التَّوَكُّلِ وَفِيهِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ
لِلْمُسَافِرِ كَمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْمُقِيمِ وَهَذَا
مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ
النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا ضَحِيَّةَ عَلَى
الْمُسَافِرِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله
تعالى عنه وقال مالك وجماعة لاتشرع لِلْمُسَافِرِ بِمِنًى
وَمَكَّةَ
[1977] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا
وَنَهَيْتُكُمْ
(13/134)
عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثٍ
فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ
النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي
الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مسكرا) هذا
الحديث مماصرح فِيهِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ جَمِيعًا
قَالَ الْعُلَمَاءُ يُعْرَفُ نَسْخُ الْحَدِيثِ تَارَةً
بِنَصٍّ كَهَذَا وَتَارَةً بِإِخْبَارِ الصَّحَابِيِّ
كَكَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا
مَسَّتِ النَّارُ وَتَارَةً بِالتَّارِيخِ إِذَا تَعَذَّرَ
الْجَمْعُ وَتَارَةً بِالْإِجْمَاعِ كَتَرْكِ قَتْلِ
شَارِبِ الْخَمْرِ فِي المرة الرابعة والاجماع لاينسخ
لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ نَاسِخً أَمَّا زِيَارَةُ
الْقُبُورِ فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ
وَأَمَّا الِانْتِبَاذُ فِي الْأَسْقِيَةِ فَسَبَقَ
شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَسَنُعِيدُهُ قَرِيبًا
فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَنَذْكُرُ هُنَاكَ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَتَأْوِيلَ الْمُؤَوَّلِ مِنْهَا وَأَمَّا لُحُومُ
الْأَضَاحِيِّ فَذَكَرْنَا حُكْمَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب الْفَرَعِ والعتيرة)
[1976] قوله صلى الله عليه وسلم (لافرع ولاعتيرة)
وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ
فَيَذْبَحُونَهُ قال
(13/135)
أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ الْفَرَعُ
بِفَاءٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ عَيْنٍ
مُهْمَلَةٍ وَيُقَالُ فِيهِ الْفَرَعَةُ بالهاء والعتيرة
بعين مهملة مفتوحة ثم تاءمثناة مِنْ فَوْقُ قَالُوا
وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي
الْعَشْرِ الْأُوَّلِ مِنْ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا
الرَّجَبِيَّةُ أَيْضًا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ بِهَذَا وَأَمَّا الْفَرْعُ فَقَدْ
فَسَّرَهُ هُنَا بِأَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا
يَذْبَحُونَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
وَآخَرُونَ هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولايملكونه
رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا
وَهَكَذَا فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ هُوَ أَوَّلُ
النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ وَهِيَ
طَوَاغِيتُهُمْ وَكَذَا جَاءَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ فِي
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَقِيلَ
هُوَ أَوَّلُ النِّتَاجِ لِمَنْ بَلَغَتْ إِبِلُهُ مِائَةً
يَذْبَحُونَهُ وَقَالَ شِمْرٌ قَالَ أَبُو مَالِكٍ كَانَ
الرَّجُلُ إِذَا بَلَغَتْ إِبِلُهُ مِائَةً قَدَّمَ
بِكْرًا فَنَحَرَهُ لِصَنَمِهِ وَيُسَمُّونَهُ الْفَرَعَ
وَقَدْ صَحَّ الْأَمْرُ بِالْعَتِيرَةِ وَالْفَرَعِ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ وَجَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ مِنْهَا
حَدِيثُ نُبَيْشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَادَى
رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي
الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ قَالَ اذْبَحُوا لله فى أى شهر
كان وبروا لله وَأَطْعِمُوا قَالَ إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ
فَرَعًا فِي الجاهلية فما تأمرنا فقال فى كل سائمة فرع
تعدوه ما شيتك حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ
فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ رَوَاهُ أبو داود وغيره بأسانيد
صحيحة قال بن الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ
أَبُو قِلَابَةَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ
السَّائِمَةُ مِائَةٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفرعةمن كل خمسين واحدة وفى رواية من
كل خمسين شاة شاة قال بن الْمُنْذِرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ
صَحِيحٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أَرَاهُ عَنْ
جَدِّهِ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَأَنْ
تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بكرا أو بن مخاض أو بن لبون
فتعطيه أرملة أوتحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ
مِنْ أَنْ تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكفا إناؤك وَتُوَلِّهِ
نَاقَتَكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا
الْحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا
يَذْبَحُونَهُ حِينَ يولد ولاشبع فيه ولهذا قال تذبحه
فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَفِيهِ أَنَّ ذَهَابَ
وَلَدِهَا يَدْفَعُ لَبَنَهَا وَلِهَذَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ
أَنْ تَكْفَأَ يَعْنِي إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَكَأَنَّكَ
كَفَأْتَ إناءك وأرقته وأشاربه إلى ذهاب اللين وفيه أنه
يُفْجِعَهَا بِوَلَدِهَا وَلِهَذَا قَالَ وَتُوَّلِهِ
(13/136)
ناقتك فأشار بتركه حتى يكون بن مخاض وهو بن
سَنَةٍ ثُمَّ يَذْهَبُ وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ
وَاسْتَمْتَعَ بلبن أمه ولاتشق عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ
لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا هَذَا كَلَامُ أَبِي
عُبَيْدٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَالَ
بِمِنًى وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْعَتِيرَةِ فَقَالَ مَنْ
شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ
فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ
قال يارسول اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ مِنْهَا
وَنُطْعِمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابأس بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي رَمْلَةَ
عَنْ مُخْنِفِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ كُنَّا وُقُوفًا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ياأيها النَّاسُ إِنَّ
عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً
وَعَتِيرَةً هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ هِيَ الَّتِي
تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ
هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ لأن أبارملة
مَجْهُولٌ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي
أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بكر ناقته
أوشاته فَلَا يَغْذُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا
يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ فَرِّعُوا إِنْ
شِئْتُمْ أَيِ اذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا
يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ
فَأَعْلَمَهُمْ أنه لاكراهة عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمُ
اسْتِحْبَابًا أَنْ يُغْذُوَهُ ثُمَّ يُحْمَلَ عَلَيْهِ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرَعُ حَقٌّ معناه
ليس بباطل وهوكلام عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ
السَّائِلِ قَالَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لافرع
ولاعتيرة أى لافرع واجب ولاعتيرة وَاجِبَةٌ قَالَ
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ
يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي العتيرة اذبحوالله فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ
أَيِ اذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ وَاجْعَلُوا الذَّبْحَ
لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كان لاأنها فِي رَجَبٍ دُونَ
غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ
أَصْحَابِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ
الْفَرَعِ والعتيرة وأجابوا عن حديث لافرع ولاعتيرة
بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ
السَّابِقُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ ماكانوا يَذْبَحُونَ
لِأَصْنَامِهِمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُمَا لَيْسَا
كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ فِي ثَوَابِ
إِرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تفرقة اللحم على المساكين فبر
وصدقة وقدنص الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهَا
إِنْ تَيَسَّرَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا هَذَا
تَلْخِيصُ حُكْمِهَا فِي مَذْهَبِنَا وَادَّعَى الْقَاضِي
عِيَاضٌ أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَسْخِ
الْأَمْرِ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ وَاللَّهُ أعلم
(13/137)
(باب نهى من ذخل عليه عشر ذى الحجة وهومريد
التَّضْحِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ
أَظْفَارِهِ شَيْئًا)
[1977] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا
دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلايمس من شعره وبشره
شيئا) وفى رواية فلايأخذن شعرا ولايقلمن ظُفُرًا
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ
عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أصحاب الشافعى أنه يحرم
عليه أخذ شئ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ
فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تنزيه وليس بحرام
وقال أبو حنيفة لايكره وقال مالك فى رواية لايكره وَفِي
رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ فِي
التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ
بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ
وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يقلده ويبعث به
ولايحرم عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى
يَنْحَرَ هَدْيَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ
الشَّافِعِيُّ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ
إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لايحرم
ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ
التَّنْزِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ
عَنْ أَخْذِ الظُّفُرِ والشعر النهى عن إزالة الظفر بقلم
أوكسر أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَنْعُ
(13/138)
مِنْ إِزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ
تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إِحْرَاقٍ أَوْ أَخْذِهِ
بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءُ شَعْرُ الْإِبْطِ
وَالشَّارِبِ وَالْعَانَةِ وَالرَّأْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ
مِنْ شُعُورُ بَدَنِهِ قَالَ إبراهيم المروزى وغيره من
أصحابناحكم أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كُلِّهَا حُكْمُ الشَّعْرِ
وَالظُّفُرِ وَدَلِيلُهُ الرواية السابقة فلايمس مِنْ
شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا قَالَ أَصْحَابُنَا
وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ
الْأَجْزَاءِ لِيُعْتِقَ مِنَ النَّارِ وَقِيلَ
التَّشَبُّهُ بِالْمُحْرِمِ قَالَ أَصْحَابُنَا هذا غلط
لأنه لايعتزل النساء ولايترك الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ
وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ قَوْلُهُ
(عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ) كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عُمَرُ بِضَمِّ
العين فى كل هذه الطرق والاطريق حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
الْحَلْوَانِيِّ فَفِيهَا عَمْرٌو بِفَتْحِ العين والاطريق
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ فَفِيهَا
عَمْرًا أَوْ عُمَرَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجْهَانِ
مَنْقُولَانِ فِي اسْمِهِ قَوْلُهُ (عَمَّارُ بْنُ
أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ هُوَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
وَفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَآخِرُهُ تَاءٌ
تُكْتَبُ هَاءً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ) هُوَ
بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ حَيَوَانٌ يُرِيدُ ذَبْحَهُ فَهُوَ
فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَحِمْلٍ بِمَعْنَى مَحْمُولٍ
ومنه قوله تعالى
(13/139)
وفديناه بذبح قَوْلُهُ (كُنَّا فِي
الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى فَأَطْلَى فيه أناس
فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ إِنَّ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيِّبِ يَكْرَهُ هَذَا وَيَنْهَى عَنْهُ فَلَقِيتُ
سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ
يَا بن أَخِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ
حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ وَذَكَرَ حَدِيثَهَا
السَّابِقَ) أَمَّا قَوْلُهُ فَأَطْلَى فِيهِ أُنَاسٌ
فَمَعْنَاهُ أَزَالُوا شَعْرَ الْعَانَةِ بِالنَّوْرَةِ
وَالْحَمَّامُ مُذَكَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيمِ وَهُوَ
الْمَاءُ الْحَارُّ وَقَوْلُهُ إِنَّ سَعِيدًا يَكْرَهُ
هَذَا يَعْنِي يَكْرَهُ إِزَالَةَ الشَّعْرِ فِي عَشْرِ
ذِي الحجة لمن يريد التضحية لاأنه يَكْرَهُ مُجَرَّدَ
الْإِطْلَاءِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ احْتِجَاجُهُ
بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ
الْإِطْلَاءِ إِنَّمَا فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِزَالَةِ
الشَّعْرِ وَقَدْ نقل بن عبد البر عن بن الْمُسَيِّبِ
جَوَازَ الْإِطْلَاءِ فِي الْعَشْرِ بِالنَّوْرَةِ فَإِنْ
صح هذا عنه فهومحمول على أنه أفتى به انسانا لايريد
التَّضْحِيَةَ قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ
الْجُنْدَعِيِّ) وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ قَالَ
اللَّيْثِيُّ الْجُنْدَعِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ
النُّونِ وَبِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَجُنْدَعٌ
بَطْنٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ
الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(13/140)
(بَاب تَحْرِيمِ الذَّبْحِ لِغَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى وَلَعْنِ فَاعِلِهِ)
[1978] قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ
مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى
مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ
الْأَرْضِ) وفى رواية لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ
وَالِدَيْهِ أَمَّا لَعْنُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ
فَمِنَ الْكَبَائِرِ وَسَبَقَ ذَلِكَ مَشْرُوحًا وَاضِحًا
فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْمُرَادُ بِمَنَارِ الْأَرْضِ
بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَامَاتُ حُدُودِهَا وَأَمَّا
الْمُحْدِثُ بِكَسْرِ الدَّالِ فَهُوَ مَنْ يَأْتِي
بِفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ وَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي آخِرِ
كِتَابِ الْحَجِّ وَأَمَّا لذبح لِغَيْرِ اللَّهِ
فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَذْبَحَ بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ
تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوِ الصليب أو لموسى
أولعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ فكل هذا حرام ولاتحل هَذِهِ الذَّبِيحَةُ
سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا
أَوْ يَهُودِيًّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ
عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ
تَعْظِيمَ الْمَذْبُوحِ لَهُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
وَالْعِبَادَةَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا فَإِنْ كَانَ
الذَّابِحُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ
مُرْتَدًّا وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابراهيم المروزى من أصحابنا
أن مايذبح عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا
إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْلُ بُخَارَةَ بِتَحْرِيمِهِ
لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ
اسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ
لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ ومثل هذا لايوجب التَّحْرِيمَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عَلِيًّا غَضِبَ حِينَ
قَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَيْكَ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ
إِبْطَالُ مَا تَزْعُمُهُ الرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ
وَالْإِمَامِيَّةُ مِنَ الْوَصِيَّةِ إِلَى عَلِيٍّ
وَغَيْرِ ذَلِكَ
(13/141)
مِنَ اخْتِرَاعَاتِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ
كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ
وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ
قَوْلُهُ (مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ به الناس كافة
الاما كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي) هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ
كَافَّةً حَالًا وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ
كُتُبِ الْمُصَنِّفِينَ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا مُضَافَةً
وَبِالتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا قَوْلُ كَافَّةِ
الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُ الْكَافَّةِ فَهُوَ خَطَأٌ
مَعْدُودٌ فِي لَحْنِ الْعَوَامِّ وَتَحْرِيفِهِمْ
وَقَوْلُهُ قِرَابُ سَيْفِي هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ
وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ يَدْخُلُ
فِيهِ السَّيْفُ بِغِمْدِهِ وَمَا خَفَّ مِنَ الْآلَةِ
وَاللَّهُ أعلم
(13/142)
|