شرح النووي على مسلم

 (

كتاب الزهد)

[2956] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مَسْجُونٌ مَمْنُوعٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ مُكَلَّفٌ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ الشَّاقَّةِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالرَّاحَةُ الْخَالِصَةُ مِنَ النُّقْصَانِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَتَكْدِيرِهِ بِالْمُنَغِّصَاتِ فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ وَشَقَاءِ الْأَبَدِ

[2957] قَوْلُهُ (وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَنَفَتَيْهِ مَعْنَى الْأَوَّلِ جَانِبَهُ وَالثَّانِي جَانِبَيْهِ قَوْلُهُ (جَدْيِ أَسَكَّ) أَيْ صَغِيرُ الأذنين قوله (بن عَرْعَرَةَ السَّاعِي) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَعَرْعَرَةُ

(18/93)


بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ

[2959] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَلِمُعْظَمِ الرُّوَاةِ فَاقْتَنَى بِالتَّاءِ وَمَعْنَاهَا ادَّخَرَهُ لِآخِرَتِهِ أَيْ ادَّخَرَ ثَوَابَهُ وَفِي بَعْضِهَا فَأَقْنَى بِحَذْفِ التَّاءِ

(18/94)


أَيْ أَرْضَى

[2962] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ) مَعْنَاهُ نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تتباغضون أو نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّنَافُسُ إِلَى الشَّيْءِ الْمُسَابَقَةُ إِلَيْهِ وَكَرَاهَةُ أَخْذِ غَيْرِكِ إِيَّاهُ وَهُوَ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْحَسَدِ وَأَمَّا الْحَسَدُ فَهُوَ تَمَّنِي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَالتَّدَابُرُ التَّقَاطُعُ وَقَدْ بَقِيَ مَعَ التَّدَابُرِ شَيْءٌ من المودة أو لايكون مودة لاوبغض

(18/96)


وَأَمَّا التَّبَاغُضُ فَهُوَ بَعْدَ هَذَا وَلِهَذَا رُتِّبَتْ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ أَيْ ضُعَفَائِهِمْ فَيَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ أُمَرَاءُ عَلَى بَعْضٍ هَكَذَا فَسَّرُوهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انظرواالى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى من هو فوقكم فهو أجدر أن لاتزدروا نعمة الله عليكم) معنى أجدر أحق وتزدروا تحقروا قال بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخَيْرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسُهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَادِ لِيَلْحَقَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبَهُ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النَّاسِ وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَى مَنِ هُوَ دُونَهُ فِيهَا ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَشَكَرَهَا وَتَوَاضَعَ وَفَعَلَ فِيهِ الْخَيْرَ قوله صلى

(18/97)


[2964] اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُبْلِيَهُمْ بِإِسْقَاطِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَمَعْنَاهُمَا الِاخْتِبَارُ وَالنَّاقَةُ الْعُشَرَاءُ الْحَامِلُ الْقَرِيبَةُ الْوِلَادَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَاةً وَالِدًا) أى وضعت ولدها وهو مَعَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فَأُنْتِجَ رُبَاعِيٌّ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمَشْهُورُ نَتَجَ ثُلَاثِيٌّ وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَتَيْنِ الْأَخْفَشُ وَمَعْنَاهُ تَوَلَّى الْوِلَادَةَ وَهِيَ النَّتْجُ وَالْإِنْتَاجُ وَمَعْنَى وَلَّدَ هَذَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعْنَى أَنْتَجَ وَالنَّاتِجُ لِلْإِبِلِ وَالْمُوَلِّدُ

(18/98)


لِلْغَنَمِ وَغَيْرِهَا هُوَ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ قَوْلُهُ (انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ) هُوَ بِالْحَاءِ وَهِيَ الْأَسْبَابُ وَقِيلَ الطُّرُقُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ الْجِبَالُ بِالْجِيمِ وَرُوِيَ الْحِيَلُ جَمْعُ حِيلَةٍ وَكُلٌّ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ) أَيْ وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ أَجْدَادِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ فى العز والشرف والثروة قوله (فوالله لاأجهدك الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ أَجْهَدُكَ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ وَفِي رواية بن مَاهَانَ أَحْمَدُكَ بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ لَكِنِ الْأَشْهَرُ فِي مُسْلِمٍ بِالْجِيمِ وَفِي الْبُخَارِيِّ بِالْحَاءِ وَمَعْنَى الْجِيمِ

(18/99)


لَا أَشُقُّ عَلَيْكَ بِرَدِّ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ أَوْ تَطْلُبُهُ مِنْ مَالِي وَالْجَهْدُ الْمَشَقَّةُ وَمَعْنَاهُ بِالْحَاءِ لاأحمدك بِتَرْكِ شَيْءٍ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَوْ تُرِيدُهُ فَتَكُونُ لَفْظَةُ التَّرْكِ مَحْذُوفَةً مُرَادَةً كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ لَيْسَ عَلَى طُولِ الْحَيَاةِ نَدَمٌ أَيْ فَوَاتُ طُولِ الْحَيَاةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامِهِمْ وَتَبْلِيغِهِمْ مَا يَطْلُبُونَ مِمَّا يُمْكِنُ وَالْحَذَرُ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِهِمْ وَاحْتِقَارِهِمْ وَفِيهِ التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَمُّ جَحْدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[2965] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ) الْمُرَادُ بِالْغَنِىِّ غَنِىُّ النَّفْسِ هَذَا هُوَ الْغَنِىُّ الْمَحْبُوبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْغَنِىَّ بِالْمَالِ وَأَمَّا الْخَفِيُّ فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ رَوَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ الْخَامِلُ الْمُنْقَطِعُ إِلَى الْعِبَادَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ نَفْسِهِ وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الْوَصُولُ لِلرَّحِمِ اللطيف بهم

(18/100)


وَبِغَيْرِهِمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالصَّحِيحُ بِالْمُعْجَمَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ الِاعْتِزَالُ أَفْضَلُ مِنَ الِاخْتِلَاطِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَمَنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ لِلِاخْتِلَاطِ قَدْ يُتَأَوَّلُ هَذَا عَلَى الِاعْتِزَالِ وَقْتَ الْفِتْنَةِ وَنَحْوِهَا

[2966] قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) فِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ وَجَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُهُ وَشَرْحُهَا قَوْلُهُ (مَا لَنَا طعام نأكله الاورق الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ) الْحُبْلَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ واسكان الموحدة والسمر بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَآخَرُونَ وَقِيلَ الْحُبْلَةُ ثَمَرُ الْعِضَاهِ وَهَذَا يَظْهَرُ عَلَى رواية البخارى الاالحبلة وَوَرَقُ السَّمُرِ وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَشَاقِّ الشَّدِيدَةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ) قَالُوا الْمُرَادُ بِبَنِي أَسَدٍ بَنُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَ الْهَرَوِيُّ مَعْنَى تُعَزِّرُنِي تُوقِفُنِي وَالتَّعْزِيرُ التَّوْقِيفُ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ وَقَالَ بن جَرِيرٍ مَعْنَاهُ تُقَوِّمُنِي وَتُعَلِّمُنِي وَمِنْهُ تَعْزِيرُ السُّلْطَانِ وهو تقويمه

(18/101)


بِالتَّأْدِيبِ وَقَالَ الْجَرْمِيُّ مَعْنَاهُ اللَّوْمُ وَالْعُتْبُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تُوَبِّخُنِي عَلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ

[2967] قَوْلُهُ (إِنَّ الدنيا قدآذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الاصبابة كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا) أَمَّا آذَنَتْ فَبِهَمْزَةٍ ممدودة وفتح الذال أى أعلمت والصرم بِالضَّمِّ أَيِ الِانْقِطَاعُ وَالذَّهَابُ وَقَوْلُهُ حَذَّاءَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَأَلِفٍ ممدودة أي مسرعة الانقطاع والصبابة بِضَمِّ الصَّادِ الْبَقِيَّةُ الْيَسِيرَةُ مِنَ الشَّرَابِ تَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْإِنَاءِ وَقَوْلُهُ يَتَصَابُّهَا أَيْ يَشْرَبُهَا وَقَعْرُ الشَّيْءِ أَسْفَلُهُ وَالْكَظِيظُ الْمُمْتَلِئُ قَوْلُهُ (قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا) أَيْ صَارَ فِيهَا قُرُوحٌ وَجِرَاحٌ مِنْ خُشُونَةِ الْوَرَقِ الَّذِي نَأْكُلُهُ وَحَرَارَتِهِ قَوْلُهُ (سَعْدُ بن مالك) هو سعد بن أبىوقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

(18/102)


[2968] قَوْلُهُ (هَلْ نَرَى رَبَّنَا) قَدْ سَبَقَ شَرْحُ الرِّوَايَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُ أَيْ فُلْ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ يافلان وَهُوَ تَرْخِيمٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَقِيلَ هِيَ لُغَةٌ بِمَعْنَى فُلَانٍ حَكَاهَا الْقَاضِي وَمَعْنَى أُسَوِّدْكَ أَجْعَلُكَ سَيِّدًا عَلَى غَيْرِكِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ) أَمَّا تَرْأَسُ فَبِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمَعْنَاهُ رَئِيسُ الْقَوْمِ وَكَبِيرُهُمْ وَأَمَّا تَرْبَعُ فَبِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هكذا رواه الجمهور وفى رواية بن ماهان

(18/103)


تَرْتَعُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ بَعْدَ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْمُوَحَّدَةِ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ الَّذِي كَانَتْ مُلُوكُ الْجَاهِلِيَّةِ تَأْخُذُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ رُبْعُهَا يُقَالُ رَبَعْتُهُمْ أَيْ أَخَذْتُ رُبْعَ أَمْوَالِهِمْ وَمَعْنَاهُ أَلَمْ أَجْعَلْكَ رَئِيسًا مُطَاعًا وَقَالَ الْقَاضِي بَعْدَ حِكَايَتِهِ نَحْوَ مَا ذكرته عندى ان معناه تركتك مستريحا لاتحتاج إِلَى مَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْبِعْ عَلَى نَفْسِكِ أَيِ ارْفُقْ بِهَا وَمَعْنَاهُ بِالْمُثَنَّاةِ تَتَنَعَّمُ وَقِيلَ تَأْكُلُ وَقِيلَ تَلْهُو وَقِيلَ تَعِيشُ فِي سَعَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي) أَيْ أَمْنَعَكَ الرَّحْمَةَ كَمَا امْتَنَعْتَ مِنْ طَاعَتِي قوله (فيقول ها هنا اذا) معناه

(18/104)


قف ها هنا حتى يشهد عليك جوارحك اذقد صرت منكرا

[2969] وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ) أَيْ لِجَوَارِحِهِ وَقَوْلُهُ (كُنْتُ أُنَاضِلُ) أَيْ أُدَافِعُ وَأُجَادِلُ

[1055] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا) قِيلَ كِفَايَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الاخرى كفافا

(18/105)


وقيل هو سد الرمق

[2972] قوله (حدثنا عمر النَّاقِدُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عَمْرًا النَّاقِدَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدَةَ وَيَحْيَى بْنَ يَمَانٍ كِلَاهُمَا

(18/106)


عَنْ هِشَامٍ

[2973] قَوْلُهُ (شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ) الرَّفُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ وَالشَّطْرُ هُنَا مَعْنَاهُ شَيْءٌ مِنْ شَعِيرِ كَذَا فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ القاضي قال بن أَبِي حَازِمٍ مَعْنَاهُ نِصْفُ وَسْقٍ قَالَ الْقَاضِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَكْثَرُ مَا تَكُونُ فِي الْمَجْهُولَاتِ وَالْمُبْهَمَاتِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ فَقَالُوا الْمُرَادُ أَنْ يَكِيلَهُ مِنْهُ لِأَجْلِ إِخْرَاجِ النَّفَقَةِ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْبَاقِي مَجْهُولًا وَيَكِيلُ مَا يُخْرِجُهُ لِئَلَّا يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ أَوْ أَقَلَّ

[2972] قَوْلُهُ (فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ

(18/107)


هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَمَا كَانَ يُقِيتُكُمْ

[2975] قَوْلُهَا (حِينَ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ التَّمْرِ وَالْمَاءِ) الْمُرَادُ حِينَ شَبِعُوا مِنَ التَّمْرِ وَإِلَّا فَمَا زَالُوا شباعا من الماء قوله

(18/108)


(ما تجد مِنَ الدَّقَلِ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْقَافِ وَهُوَ تَمْرٌ رَدِيءٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2977]

(18/109)


(أربعين خريفا) أى أربعين سنة

(باب النهى عن الدخول على أهل الحجر إلامن يدخل باكيا

[2980] قَوْلِهِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحاب الحجر لاتدخلوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ)

(18/110)


تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) فَقَوْلُهُ قَالَ لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ أَيْ قَالَ فِي شأنهم وكان هذا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وقَوْلُهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ أَوْ حَذَرَ أَنْ يُصِيبَكُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ عِنْدَ الْمُرُورِ بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ وَمَوَاضِعِ الْعَذَابِ وَمِثْلُهُ الْإِسْرَاعُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ هَلَكُوا هُنَاكَ فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُرَاقَبَةُ وَالْخَوْفُ وَالْبُكَاءُ وَالِاعْتِبَارُ بِهِمْ وَبِمَصَارِعِهِمْ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ (ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا) أَيْ زَجَرَ نَاقَتَهُ فَحَذَفَ ذِكْرَ النَّاقَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَمَعْنَاهُ سَاقَهَا سَوْقًا كَثِيرًا حَتَّى خَلَّفَهَا وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ جَاوَزَ الْمَسَاكِنَ

[2981] قَوْلُهُ (فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن يهريقوا ما استقواويعلفوا

(18/111)


الْإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ تَرِدُهَا النَّاقَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ فاستقوا من بئارها أما الأبئار فَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ جَمْعُ بِئْرٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ فَيُقَالُ آبَارٌ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِئَارُهَا بِكَسْرِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا النهى عن استعمال مياه بئار الحجر الابئر النَّاقَةِ وَمِنْهَا لَوْ عَجَنَ مِنْهُ عَجِينًا لَمْ يَأْكُلْهُ بَلْ يَعْلِفْهُ الدَّوَابَّ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلْفُ الدَّابَّةِ طَعَامًا مَعَ مَنْعِ الْآدَمِيِّ مِنْ أَكْلِهِ وَمِنْهَا مُجَانَبَةُ آبَارِ الظَّالِمِينَ وَالتَّبَرُّكُ بِآبَارِ الصالحين

(باب فضل الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ

[2982] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْمُرَادُ بِالسَّاعِي الْكَاسِبُ لهما العامل لمؤنتهما والأرملة من لازوج لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا وَقِيلَ هي التى فارقت زوجها قال بن قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ أَرْمَلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ بِفَقْدِ)

(18/112)


الزَّوْجِ يُقَالُ أَرْمَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ

[2983] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) كَافِلُ الْيَتِيمِ الْقَائِمُ بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَتَأْدِيبٍ وَتَرْبِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ تَحْصُلُ لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَاَلَّذِي لَهُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لَهُ كَجَدِّهِ وَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهِ وَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا

(بَاب فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

[533] قَوْلُهُ (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ وَالْمِسَاحَةِ وَلَكِنَّهُ أَنْفَسُ مِنْهُ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ وَيُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ وان كان أكبر مساحة واشرف)

(18/113)


(باب فضل الانفاق على المساكين وبن السبيل

[2984] قَوْلُهُ (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ) الْحَدِيقَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ النَّخِيلِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَرْضِ ذَاتِ الشَّجَرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ) مَعْنَى)

(18/114)


تَنَحَّى قَصَدَ يُقَالُ تَنَحَّيْتُ الشَّيْءَ وَانْتَحَيْتُهُ وَنَحَوْتُهُ إِذَا قَصَدْتُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ عِلْمُ النَّحْوِ لِأَنَّهُ قَصْدُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَمَّا الْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ فهي أرض ملبسة حجارة سودا وَالشَّرْجَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَجَمْعُهَا شِرَاجٌ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ مَسَائِلُ الْمَاءِ فِي الْحِرَارِ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَفَضْلُ أَكْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ كسبه والانفاق على العيال

(باب تحريم الرياء

[2985] قَوْلُهُ (تَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ وَشِرْكَهُ وَفِي بَعْضِهَا وَشَرِيكَهُ وَفِي بَعْضِهَا وَشَرِكَتَهُ وَمَعْنَاهُ أنا غنى)

(18/115)


عَنِ الْمُشَارَكَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلْهُ بَلْ أَتْرُكْهُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ والمراد أن عمل المرائى باطل لاثواب فِيهِ وَيَأْثَمُ بِهِ

[2986] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَمِعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَايَا رَايَا اللَّهُ بِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَنْ رَايَا بِعَمَلِهِ وَسَمَّعَهُ النَّاسَ لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْرَهُ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّاسَ وَفَضَحَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِهِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ وَقِيلَ أَسْمَعَهُ الْمَكْرُوهَ وَقِيلَ أَرَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطِيهِ إِيَّاهُ لِيَكُونَ حَسْرَةً عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ النَّاسَ أَسْمَعَهُ اللَّهُ النَّاسَ وَكَانَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنْهُ

[2987] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْعَلَقِيُّ) هُوَ

(18/116)


بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَبِالْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَلَقَةِ بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كتاب الصلاة

(باب حفظ اللسان قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنَ مَا فِيهَا يُهْوِي بها فى النار) معناه لايتدبرها ويفكر فى قبحها ولايخاف مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَفُ أَوْ مَعْنَاهُ كالكلمة التى يترتب عليها إضرارمسلم وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ حَثٌّ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ النُّطْقَ بكلمة أوكلام أَنْ يَتَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ فَإِنْ ظهرت مصلحته تكلم وإلاأمسك)

(18/117)


باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولايفعله وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ

[2989] قَوْلُهُ (أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الاسمعكم وَفِي بَعْضِهَا أَسْمَعَكُمْ وَكُلُّهُ بِمَعْنَى أَتَظُنُّونَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ قَوْلُهُ (أَفْتَتِحَ أمرا لاأحب أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَفْتَتَحَهُ) يَعْنِي الْمُجَاهَرَةُ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْأُمَرَاءِ فِي الْمَلَأِ كَمَا جَرَى لِقَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ الْأَدَبُ مَعَ الْأُمَرَاءِ وَاللُّطْفُ بِهِمْ وَوَعْظُهُمْ سِرًّا وَتَبْلِيغُهُمْ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمْ لِيَنْكَفُّوا عَنْهُ وَهَذَا كله اذا أمكن ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوَعْظُ سِرًّا وَالْإِنْكَارُ فَلْيَفْعَلْهُ عَلَانِيَةً لِئَلَّا يَضِيعَ أَصْلُ الْحَقِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْأَقْتَابُ الْأَمْعَاءُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَاحِدُهَا قِتْبَةٌ وَقَالَ

(18/118)


غيره قتب وقال بن عُيَيْنَةَ هِيَ مَا اسْتَدَارَ فِي الْبَطْنِ وَهِيَ الْحَوَايَا وَالْأَمْعَاءُ وَهِيَ الْأَقْصَابُ وَاحِدُهَا قَصَبٌ وَالِانْدِلَاقُ خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ

(بَاب النَّهْيِ عَنْ هَتْكِ الْإِنْسَانِ سِتْرَ نَفْسِهِ

[2990] قَوْلُهُ (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَمَلًا إِلَى آخِرِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مُعَافَاةٌ بِالْهَاءِ فى آخره يعود إلى الامة وقوله الاالمجاهرين هُمُ الَّذِينَ جَاهَرُوا بِمَعَاصِيهِمْ وَأَظْهَرُوهَا وَكَشَفُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ يُقَالُ جَهَرَ بِأَمْرِهِ وَأَجْهَرَ وَجَاهَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ فَكَذَا هو فى جميع النسخ الا نسخة بن مَاهَانَ فَفِيهَا وَإِنَّ مِنَ الْجِهَارِ وَهُمَا صَحِيحَانِ الْأَوَّلُ مِنْ أَجْهَرَ وَالثَّانِي مِنْ جَهَرَ وَأَمَّا قول مُسْلِمٌ وَقَالَ زُهَيْرٌ وَإِنَّ مِنَ الْهِجَارِ بِتَقْدِيمِ الْهَاءِ فَقِيلَ إِنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْهِجَارُ لُغَةً فِي الْهِجَارِ الَّذِي هُوَ الْفُحْشُ وَالْخَنَا وَالْكَلَامُ الَّذِي لاينبغى وَيُقَالُ فِي هَذَا أَهْجَرَ إِذَا أَتَى بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ)

(18/119)


(بَاب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ يُقَالُ شَمَّتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ قَالَ ثَعْلَبٌ مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْكَ الشَّمَاتَةَ وَبِالْمُهْمَلَةِ هُوَ مِنَ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْهُدَى وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّشْمِيتِ وَأَحْكَامِهِ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَمَوَاضِعَ وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِهِ فَأَوْجَبَهُ أَهْلُ الظاهر وبن مَرْيَمَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ قَالَ الْقَاضِي وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَدَبٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّدْبِ وَالْأَدَبِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَمْدِ وَالرَّدِّ وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الْآثَارُ فَقِيلَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حال وقال بن جَرِيرٍ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذَا كُلِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَأَمَّا لَفْظُ التَّشْمِيتِ فَقِيلَ يَقُولُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقِيلَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقِيلَ يَقُولُ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي رَدِّ الْعَاطِسِ عَلَى الْمُشَمِّتِ فَقِيلَ يَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَقِيلَ يَقُولُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَالَ)

(18/120)


مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ هَذَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ بِهِمَا قَالَ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ قَالَ مَالِكٌ يُشَمِّتُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْكُتُ

[2991] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِسُ وَتَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيتِهِ إِذَا لَمْ يَحْمَدْهُ فَيُكْرَهَ تَشْمِيتَهُ إِذَا لَمْ يَحْمَدْ فَلَوْ حَمِدَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْإِنْسَانُ لم يشمته وقال مالك لايشمته حَتَّى يَسْمَعَ حَمْدَهُ قَالَ فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْ يَلِيهِ شَمَّتَهُ فَشَمِّتْهُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا اخْتَنَقَ فِي دماغه من الابخرة قوله (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ ابْنِهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ) هَذِهِ الْبِنْتُ هِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ

(18/121)


الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ امْرَأَةُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ فِرَاقِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لَهَا وَوَلَدَتْ لِأَبِي مُوسَى وَمَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَفَارَقَهَا وَمَاتَتْ بِالْكُوفَةِ وَدُفِنَتْ بظاهرها

[2994] قوله صلى الله عليه وسلم (التثاوب مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ مِنْ كَسَلِهِ وَتَسَبُّبِهِ وَقِيلَ أُضِيفَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاوب قالوا لان العطاس يدل علىالنشاط وخفة البدن والتثاوب بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ ثِقَلِ الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ وَمَيْلِهِ إِلَى الْكَسَلِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَاتِ وَالْمُرَادُ التَّحْذِيرِ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّعُ فِي الْمَأْكَلِ وَإِكْثَارِ الْأَكْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّثَاؤُبَ مَمْدُودٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ) ووقع ها هنا فى بعض

(18/122)


النُّسَخِ تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا وَفِي أَكْثَرِهَا تَثَاوَبَ بِالْوَاوِ كَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ بَعْدَ هَذِهِ تَثَاوَبَ بِالْوَاوِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ ثَابِتٌ ولايقال تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا بَلْ تَثَأَّبَ بِتَشْدِيدِ الْهَمْزَةِ قال بن دُرَيْدٍ أَصْلُهُ مِنْ تَثَأَّبَ الرَّجُلُ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مُثَوِّبٌ إِذَا اسْتَرْخَى وَكَسَلَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ تثاءبت بالمد مخففا على تفاعلت ولايقال تَثَاوَبْتُ وَأَمَّا الْكَظْمُ فَهُوَ الْإِمْسَاكُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أُمِرَ بِكَظْمِ التَّثَاوُبِ وَرَدِّهِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ لِئَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْطَانُ مُرَادَهُ مِنْ تَشْوِيهِ صُورَتِهِ وَدُخُولِهِ فَمَهُ وَضَحِكِهُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فى أحاديث متفرقة

[2996] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) الْجَانُّ الْجِنُّ وَالْمَارِجُ اللهب المختلط)

(18/123)


بسواد النار

[2997] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فُقِدَتْ أُمَّةٌ من بنى اسرائيل لايدرى ما فعلت ولا أراها الاالفأر أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهَا وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ) مَعْنَى هَذَا أَنَّ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا حُرِّمَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ دُونَ لُحُومِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا فَدَلَّ بِامْتِنَاعِ الْفَأْرَةِ مِنْ لَبَنِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ عَلَى أَنَّهَا مَسْخٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ (قُلْتُ أَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ) هُوَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ مَا أَعْلَمُ ولاعندى شيء الاعن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْقُلُ عَنِ التَّوْرَاةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ شَيْئًا بِخِلَافِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِعِلْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ

[2998] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لايلدغ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ

(18/124)


الرواية المشهورة لايلدغ بِرَفْعِ الْغَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِضَمِّ الْغَيْنِ عَلَى الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِنُ الممدوح وهو الكيس الحازم الذى لايستغفل فيخدع مرة بعد أخرى ولايفطن لِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ الْخِدَاعَ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي بِكَسْرِ الْغَيْنِ عَلَى النَّهْيِ أَنْ يُؤْتَى مِنْ جِهَةِ الْغَفْلَةِ قَالَ وَسَبَبُ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أسر أبا غرة الشاعر يوم بدر فمن عليه وعاهده أن لايحرض عليه ولايهجوه وَأَطْلَقَهُ فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّحْرِيضِ وَالْهِجَاءِ ثُمَّ أَسَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَسَأَلَهُ الْمَنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لايلدغ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا السَّبَبُ يُضَعِّفُ الْوَجْهَ الثَّانِي وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ نَالَهُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَةٍ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا ثانية

(18/125)


(باب النهي عن المدح إذا كان فيه افراط وخيف منه فتنة عَلَى الْمَمْدُوحِ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَازَفَةِ فِي الْمَدْحِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْأَوْصَافِ أَوْ عَلَى مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مِنْ إِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ إِذَا سَمِعَ الْمَدْحَ وأما من لايخاف عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَمَالِ تَقْوَاهُ وَرُسُوخِ عَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَلَا نَهْيَ فِي مَدْحِهِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ بَلْ إِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَنَشَطِهِ لِلْخَيْرِ وَالِازْدِيَادِ مِنْهُ أَوِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ أَوِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ كَانَ مستحبا والله أعلم

[3000] قَوْلُهُ (وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا) أَيْ لا أقطع على عاقبة أحد ولاضميره لِأَنَّ ذَلِكَ مُغَيَّبٌ عَنَّا وَلَكِنْ أَحْسِبُ وَأَظُنُّ لِوُجُودِ الظَّاهِرِ الْمُقْتَضِي)

(18/126)


لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ مَعْنَاهُ أَهْلَكْتُمُوهُ وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ مِنْ قَطْعِ الْعُنُقِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْهَلَاكِ لَكِنْ هَلَاكَ هَذَا الْمَمْدُوحِ فِي دِينِهِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الدُّنْيَا لِمَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ بِالْإِعْجَابِ

[3001] وَقَوْلُهُ (وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ) هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْإِطْرَاءُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْمَدْحِ

[3002] قوله (أمرنا

(18/127)


رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ) هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمِقْدَادُ الَّذِي هُوَ رَاوِيهِ وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ وَكَانُوا يَحْثُونَ التُّرَابَ فِي وَجْهِهِ حَقِيقَةً وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ خَيِّبُوهُمْ فَلَا تُعْطُوهُمْ شَيْئًا لِمَدْحِهِمْ وَقِيلَ إِذَا مُدِحْتُمْ فَاذْكُرُوا أَنَّكُمْ مِنْ تُرَابٍ فَتَوَاضَعُوا وَلَا تُعْجَبُوا وَهَذَا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) هَكَذَا هُوَ فى نسخ بلادنا بن عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا قَالَ الْقَاضِي وقع لأكثر شيوخنا بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُكَبَّرًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الذى ذكره البخارى وغيره

(18/128)


(باب التثبت فى الحديث وحكم كتابة العلم

[2493] قَوْلُهُ (إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَدِّثُ وَهُوَ يَقُولُ اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ) يَعْنِي عَائِشَةَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ الْحَدِيثِ بِإِقْرَارِهَا ذَلِكَ وَسُكُوتِهَا عَلَيْهِ وَلَمْ تُنْكِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْإِكْثَارِ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ لِخَوْفِهَا أَنْ يَحْصُلَ بِسَبَبِهِ سَهْوٌ وَنَحْوُهُ

[3004] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتكتبوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنَ وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ) قَالَ الْقَاضِي كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي كِتَابَةِ الْعِلْمِ فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَأَجَازَهَا أَكْثَرُهُمْ)

(18/129)


ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي النَّهْيِ فَقِيلَ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ يُوْثَقُ بِحِفْظِهِ وَيُخَافُ اتِّكَالِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ إِذَا كتب ويحمل الأحاديث الواردة بالاباحة على من لايوثق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ وَحَدِيثِ صَحِيفَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَحَدِيثِ كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَنُصُبِ الزَّكَاةِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وحديث أبى هريرة أن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَقِيلَ إِنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَكَانَ النَّهْيُ حِينَ خيف اختلاطه بالقرآن فلماأمن ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَةِ وَقِيلَ إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ مَعَ الْقُرْآنِ فِي صَحِيفَةٍ واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارىء فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلَامِ

[3005] هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا وَفِي إِنْقَاذِ النَّفْسِ مِنَ الْهَلَاكِ سَوَاءً نَفْسُهُ أَوْ نَفْسُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ حُرْمَةٌ وَالْأَكْمَهُ الَّذِي خُلِقَ أَعْمَى وَالْمِئْشَارُ مَهْمُوزٌ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ بِقَلْبِهَا يَاءً وَرُوِيَ الْمِنْشَارُ بِالنُّونِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَذُرْوَةُ الجبل أعلاه وهى بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا وَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ أَيِ اضطرب وتحرك)

(18/130)


حَرَكَةً شَدِيدَةً وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رَوَاهُ فَزَحَفَ بِالزَّايِ وَالْحَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَرَكَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَالْقُرْقُورُ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ السَّفِينَةُ الصَّغِيرَةُ وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ بَعْدَ حِكَايَتِهِ خِلَافًا كَثِيرًا وَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ أَيْ انْقَلَبَتْ وَالصَّعِيدُ هُنَا الْأَرْضُ الْبَارِزَةُ وكبد

(18/131)


القوس مقبضها عند الرمى قَوْلُهُ (نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ) أَيْ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ وَتَخَافُ وَالْأُخْدُودُ هُوَ الشَّقُّ الْعَظِيمُ فِي الْأَرْضِ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ وَالسِّكَكُ الطُّرُقُ وَأَفْوَاهُهَا أَبْوَابُهَا قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ فَأَحْمُوهُ بِهَمْزَةِ قَطَعٍ بَعْدَهَا حَاءٌ سَاكِنَةٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي اتِّفَاقَ النُّسَخِ عَلَى هَذَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَأَقْحِمُوهُ بِالْقَافِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ اطرحوه فِيهَا كُرْهًا وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ارْمُوهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَيْتُ الْحَدِيدَةَ وَغَيْرَهَا إِذَا أَدْخَلْتُهَا النَّارَ لِتُحْمَى قَوْلُهُ (فَتَقَاعَسَتْ) أَيْ تَوَقَّفَتْ وَلَزِمَتْ مَوْضِعَهَا وَكَرِهَتِ الدُّخُولَ فِي النَّارِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

(بَاب حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ

[3006] قَوْلُهُ (عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ هَاءٍ وَأَبُو الْيُسْرِ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالسِّينُ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عمرو شهد العقبة وبدرا وهو بن عشرين سنة)

(18/133)


وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ قَوْلُهُ (ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ) هِيَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رِزْمَةٌ يَضُمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ضِمَامَةٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا صَوَابُهُ إِضْمَامَةٌ بكسر الهمزة قبل الضاد قال القاضي ولايبعد عِنْدِي صِحَّةُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ هُنَا كَمَا قَالُوا صِنَّارَةٌ وَإِصْنَارَةٌ لِجَمَاعَةِ الْكُتُبِ وَلِفَافَةٌ لِمَا يُلَفُّ فِيهِ الشَّيْءُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَذَكَرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ أَنَّ الضِّمَامَةَ لُغَةٌ فِي الْإِضْمَامَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ إِضْمَامَةٌ بِالْأَلِفِ قَوْلُهُ (وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيُّ) الْبُرْدَةُ شَمْلَةٌ مُخَطَّطَةٌ وَقِيلَ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ فِيهِ صِغَرٌ يَلْبَسُهُ الْأَعْرَابُ وَجَمْعُهُ الْبُرُدُ وَالْمَعَافِرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ يُعْمَلُ بِقَرْيَةٍ تُسَمَّى مَعَافِرَ وَقِيلَ هِيَ نِسْبَةٌ إِلَى قَبِيلَةٍ نَزَلَتْ تِلْكَ الْقَرْيَةَ وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ قَوْلُهُ (سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ أَيْ عَلَامَةٌ وَتَغَيُّرٌ قَوْلُهُ (كَانَ لِي عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْحَرَامِيِّ) قَالَ الْقَاضِي رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ الْحَرَامِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي حَرَامٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بالزاى المعجمة مع كسر الحاء ورواه بن مَاهَانَ الْجُذَامِيِّ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ قَوْلُهُ (بن لَهُ جَفْرٌ) الْجَفْرُ

(18/134)


هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي قوى على الأكل وقيل بن خَمْسِ سِنِينَ قَوْلُهُ (دَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي) قَالَ ثعلب هي السرير الذي فى الحجلة ولايكون السَّرِيرُ الْمُفْرَدُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَرِيكَةٌ قَوْلُهُ (قُلْتُ آللَّهِ قَالَ اللَّهِ) الْأَوَّلُ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَالثَّانِي بلامد وَالْهَاءُ فِيهِمَا مَكْسُورَةٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ القاضي رويناه بكسرها وفتحها معا قال وأكثر اهل العربية لايجيزون غَيْرَ كَسْرِهَا قَوْلُهُ (بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَرَفْعِ الرَّاءِ وَبِإِسْكَانِ مِيمِ سَمْعُ وَرَفْعِ الْعَيْنِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَيْنَايَ هَاتَانِ وَسَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أُذُنَايَ هَاتَانِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ نِيَاطِ بِكَسْرِ النُّونِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ عِرْقٌ مُعَلَّقٌ بِالْقَلْبِ

[3007] قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا عَمِّ لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكِ وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ وَأَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ

(18/135)


وَأَخَذْتَ بِالْوَاوِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَالرِّوَايَاتِ وَوَجْهُ الْكَلَامِ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ أو أخذت بأولان الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا بُرْدَتَانِ وَعَلَى الْآخِرِ مَعَافِرِيَّانِ وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَهِيَ ثَوْبَانِ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَحِلُّ عَلَى الْآخِرِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ إِلَّا الثَّوْبَ الْجَدِيدَ الَّذِي يُحَلُّ مِنْ طَيِّهِ

[3008] قَوْلُهُ (وَهُوَ يُصَلِّي فى ثوب واحد مشتملابه) أَيْ مُلْتَحِفًا اشْتِمَالًا لَيْسَ بِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ وُجُودِ الثِّيَابِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَوْبٍ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا فَعَلَ جَابِرٌ هَذَا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الْأَحْمَقُ مِثْلُكَ) الْمُرَادُ بِالْأَحْمَقِ هُنَا الْجَاهِلُ وَحَقِيقَةُ الْأَحْمَقِ مَنْ يَعْمَلُ مَا يَضُرُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَفِي هَذَا جَوَازُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ لِلتَّعْزِيرِ وَالتَّأْدِيبِ وَزَجْرُ الْمُتَعَلِّمِ وَتَنْبِيهُهُ وَلِأَنَّ لَفْظَةَ الْأَحْمَقِ وَالظَّالِمِ قَلَّ مَنْ يَنْفَكُّ مِنَ الِاتِّصَافِ بِهِمَا وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ الَّتِي يُؤَدِّبُ بِهَا الْمُتَّقُونَ وَالْوَرِعُونَ مَنِ اسْتَحَقَّ التَّأْدِيبَ وَالتَّوْبِيخَ وَالْإِغْلَاظَ فِي الْقَوْلِ

(18/136)


لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَلْفَاظِ السَّفَهِ قوله (عرجون بن طَابَ) سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَسَبَقَ أَيْضًا مَرَّاتٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ وَالْعُرْجُونُ الْغُصْنُ قَوْلُهُ (فَخَشَعْنَا) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِالْجِيمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ مِنَ الْخُشُوعِ وَهُوَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَالسُّكُونُ وَأَيْضًا غَضُّ الْبَصَرِ وَأَيْضًا الْخَوْفُ وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْنَاهُ الْفَزَعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ اللَّهَ قبل وجهه) قال العلماء تأويله أَيِ الْجِهَةُ الَّتِي عَظَّمَهَا أَوِ الْكَعْبَةُ الَّتِي عَظَّمَهَا قِبَلَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ) أَيْ غَلَبَتْهُ بَصْقَةٌ أَوْ نُخَامَةٌ بَدَرَتْ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرُونِي عَبِيرًا فَقَامَ فَتًى مِنَ الْحَيِّ يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِخَلُوقٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَبِيرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الزَّعْفَرَانُ وَحْدَهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ أَخْلَاطٌ مِنَ الطِّيبِ تُجْمَعُ بِالزَّعْفَرَانِ قال بن قتيبة ولاأرى القول الاما قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالْخَلُوقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هُوَ طِيبٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ يُجْمَعُ بِالزَّعْفَرَانِ وَهُوَ الْعَبِيرُ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَصْمَعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِ عَبِيرٍ فَأَحْضَرَ خَلُوقًا فَلَوْ لَمْ يكن هو هو

(18/137)


لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا وَقَوْلُهُ (يَشْتَدُّ) أَيْ يَسْعَى وَيَعْدُو عَدْوًا شَدِيدًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ وَتَنْزِيهِهَا مِنَ الْأَوْسَاخِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تطيبها وَفِيهِ إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ وَتَقْبِيحُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِاللِّسَانِ

[3009] قَوْلُهُ (فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَالْوَاوُ مُخَفَّفَةٌ وَالطَّاءُ مُهْمَلَةٌ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِالضَّمِّ وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا قَيَّدَهُ الْبَكْرِيُّ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ قَالَ وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ رحمه الله تعالى بفتح الباء وصححه بن سِرَاجٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو) هُوَ بِالْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عِنْدَنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الرُّوَاةِ وَالنُّسَخِ قَالَ وَفِي بَعْضِهَا النَّجْدِيَّ بِالنُّونِ بَدَلُ الْمِيمِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (النَّاضِحُ) هُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعُقْبَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فَهِيَ رُكُوبُ هَذَا نَوْبَةً وَهَذَا نَوْبَةً قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هِيَ رُكُوبُ مِقْدَارِ فَرْسَخَيْنِ وَقَوْلُهُ (وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ يَعْقُبُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفِي بَعْضِهَا يَعْتَقِبُهُ بِزِيَادَةِ تَاءٍ وَكَسْرِ الْقَافِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ يُقَالُ عَقَبَهُ وَاعْتَقَبَهُ وَاعْتَقَبْنَا وَتَعَاقَبْنَا كُلُّهُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ (فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ) أَيْ تَلَكَّأَ وَتَوَقَّفَ قَوْلُهُ (شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَعْضُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ قَالُوا وَكِلَاهُمَا كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْبَعِيرِ

(18/138)


يُقَالُ مِنْهُمَا شَأْشَأْتُ بِالْبَعِيرِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ إِذَا زَجَرْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ شَأْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَسَأْسَأْتُ بِالْحِمَارِ بِالْهَمْزِ أَيْ دَعَوْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ تُشُؤْ تُشُؤْ بِضَمِّ التَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَعَ الْأَمْرِ بِمُفَارَقَةِ الْبَعِيرِ الَّذِي لَعَنَهُ صَاحِبُهُ

[3010] قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ عُشَيْشِيَةٌ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهَا عَلَى التَّصْغِيرِ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ سَاكِنَةُ الْأُولَى قَالَ سِيبَوَيْهِ صَغَّرُوهَا عَلَى غَيْرِ تَكْبِيرِهَا وَكَانَ أَصْلُهَا عَشِيَّةٌ فَأَبْدَلُوا مِنْ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ شِينًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَمْدُرُ الْحَوْضَ) أَيْ يُطَيِّنُهُ وَيُصْلِحُهُ قَوْلُهُ (فَنَزَعْنَا فِي الْحَوْضِ سَجْلًا) أَيْ أَخَذْنَا وَجَبَذْنَا وَالسَّجْلُ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (حَتَّى أَفْهَقْنَاهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَصَفَقْنَاهُ بِالصَّادِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ

(18/139)


وَمَعْنَاهُمَا مَلَأْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَأْذَنَانِ قُلْنَا نَعَمْ) هَذَا تَعْلِيمٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ الْآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْوَرَعَ وَالِاحْتِيَاطَ وَالِاسْتِئْذَانَ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا رَاضِيَانِ وَقَدْ أَرْصَدَا ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِمَنْ بَعْدَهُ قَوْلُهُ (فَأَشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ فَشَنَقَ لَهَا فَشَجَّتْ فَبَالَتْ) مَعْنَى أَشْرَعَهَا أَرْسَلَ رَأْسَهَا فِي الْمَاءِ لتشرب ويقال شنقها وأشنقبها أى كففتها بزمامها وأنت راكبها وقال بن دُرَيْدٍ هُوَ أَنْ تَجْذِبَ زِمَامَهَا حَتَّى تُقَارِبَ رَأْسَهَا قَادِمَةَ الرَّحْلِ وَقَوْلُهُ فَشَجَتْ بِفَاءٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَجِيمٍ مَفْتُوحَاتٍ الْجِيمُ مُخَفَّفَةٌ وَالْفَاءُ هُنَا أَصْلِيَّةٌ يُقَالُ فَشَجَ الْبَعِيرُ إِذَا فَرَّجَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ لِلْبَوْلِ وَفَشَّجَ بِتَشْدِيدِ الشِّينِ أَشَدُّ مِنْ فَشَجَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطِهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وغيرهما من أهل الغريب ذكره الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَشَجَّتْ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَتَكُونُ الْفَاءُ زَائِدَةً لِلْعَطْفِ وَفَسَّرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي غَرِيبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لَهُ قَالَ مَعْنَاهُ قَطَعَتِ الشُّرْبَ مِنْ قَوْلِهِمْ شَجَجْتُ الْمَفَازَةَ إِذَا قَطَعْتُهَا بِالسَّيْرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ فَثُجَّتْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْجِيمِ قَالَ ولامعنى لهذه الرواية ولالرواية الْحُمَيْدِيِّ قَالَ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ اجْتِمَاعَ الشِّينِ وَالْجِيمِ وَادَّعَى أَنَّ صَوَابَهُ فَشَحَتْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قولهم شحافاه إِذَا فَتَحَهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى تَفَاجَّتْ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عَامَّةِ النُّسَخِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ أَيْضًا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ جَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَوْضِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ) فِيهِ دليل لجواز الوضوء من الماءالذى

(18/140)


شَرِبَتْ مِنْهُ الْإِبِلُ وَنَحْوُهَا مِنَ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ قُلَّتَيْنِ وَهَكَذَا مَذْهَبُنَا قَوْلُهُ (لَهَا ذَبَاذِبُ) أَيْ أَهْدَابٌ وَأَطْرَافٌ وَاحِدُهَا ذِبْذِبٌ بِكَسْرِ الذَّالَيْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَتَذَبْذَبُ عَلَى صَاحِبِهَا إِذَا مَشَى أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ قَوْلُهُ (فَنَكَّسْتُهَا) بِتَخْفِيفِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا قَوْلُهُ (تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا) أَيْ أَمْسَكْتُ عَلَيْهَا بِعُنُقِي وَخَبَنْتُهُ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَسْقُطَ قَوْلُهُ (قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ العمل اليسير فى الصلاة وأنه لايكره إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ كُرِهَ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَ الْوَاحِدَ يَقِفُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى يَسَارِهِ حَوَّلَهُ الْإِمَامُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَيْنِ يُكَوِّنَانِ صَفًّا وَرَاءَ الامام كما لوكانوا ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلا بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَقِفُ الِاثْنَانِ عَنْ جَانِبَيْهِ قَوْلُهُ (يَرْمُقُنِي) أَيْ يَنْظُرُ إِلَيَّ نَظَرًا مُتَتَابِعًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ

(18/141)


هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَبْلُغَ السُّرَّةَ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ إِذَا شَدَّ الْمِئْزَرَ وَصَلَّى فِيهِ وَهُوَ سَاتِرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تُرَى مِنْ أَسْفَلِهِ لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ ونحوه فان هذا لايضره

[3011] قوله (وكان قوت كل رجل مناكل يَوْمٍ تَمْرَةً فَكَانَ يَمَصُّهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِي ضَمُّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ قَوْلُهُ (وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا) الْقِسِيُّ جَمْعُ قَوْسٍ وَمَعْنَى نَخْتَبِطُ نَضْرِبُ الشَّجَرَ لِيَتَحَاتَّ وَرِقُهُ فَنَأْكُلُهُ (وَقَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا) أَيْ تَجَرَّحَتْ مِنْ خُشُونَةِ الْوَرِقِ وَحَرَارَتِهِ قَوْلُهُ (فَأُقْسِمُ أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ فَشَهِدْنَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيهَا) مَعْنَى أُقْسِمُ أَحْلِفُ وَقَوْلُهُ أُخْطِئَهَا أَيْ فَاتَتْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّمْرِ قَاسِمٌ يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ فَيُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ تَمْرَةً كُلَّ يَوْمٍ فَقَسَمَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَنَسِيَ إِنْسَانًا فَلَمْ يُعْطِهِ تَمْرَتَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ فَتَنَازَعَا فِي ذَلِكَ وَشَهِدْنَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَمَعْنَى نَنْعَشُهُ نَرْفَعُهُ وَنُقِيمُهُ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ وَالْجَهْدِ وَقَالَ الْقَاضِي الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ نَشُدُّ جَانِبَهُ فِي دَعْوَاهُ وَنَشْهَدُ لَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ فِي الْمَحْصُورِ الَّذِي يُحَاطُ بِهِ

[3012] قَوْلُهُ (نَزَلْنَا

(18/142)


واديا أفيح) هو بالفاء أى واسعا وشاطىء الْوَادِي جَانِبُهُ قَوْلُهُ (فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ) هُوَ بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُجْعَلُ فِي أَنْفِهِ خِشَاشٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ عُودٌ يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ إِذَا كَانَ صَعْبًا وَيُشَدُّ فِيهِ حَبْلٌ لِيَذِلَّ وَيَنْقَادَ وَقَدْ يَتَمَانَعُ لِصُعُوبَتِهِ فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَآلَمَهُ انْقَادَ شَيْئًا وَلِهَذَا قَالَ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ وَفِي هَذَا هَذِهِ الْمُعْجِزَاتُ الظَّاهِرَاتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا) أَمَّا الْمَنْصَفُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَسَافَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِفَتْحِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَوْلُهُ لَأَمَ بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَمَمْدُودَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَلَامَ بِالْأَلِفِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُوَ تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ (فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْدُو وَأَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا قَوْلُهُ (فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ) اللَّفْتَةُ النَّظْرَةُ إِلَى جَانِبٍ وَهِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ فَحَالَتْ بِاللَّامِ وَالْمَشْهُورُ بِالنُّونِ وَهُمَا بِمَعْنًى فالحين والحال

(18/143)


الْوَقْتُ أَيْ وَقَعَتْ وَاتَّفَقَتْ وَكَانَتْ قَوْلُهُ (وَأَشَارَ أبو إسماعيل) وفى بعض النسخ بن إِسْمَاعِيلَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُوَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ قَوْلُهُ (فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا) فَقَوْلُهُ فَحَسَرْتُهُ بِحَاءٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَالسِّينُ مُخَفَّفَةٌ أَيْ أَحْدَدْتُهُ وَنَحَّيْتُ عَنْهُ مَا يَمْنَعُ حِدَّتَهُ بِحَيْثُ صَارَ مِمَّا يُمْكِنُ قَطْعِي الْأَغْصَانَ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَانْذَلَقَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صَارَ حَادًّا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ الضَّمِيرُ فِي حَسَرْتُهُ عَائِدٌ عَلَى الغصن أى خسرت غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ أَيْ قَشَّرْتُهُ بِالْحَجَرِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا عَلَى الْهَرَوِيِّ وَمُتَابَعِيهِ وَقَالَ سِيَاقُ الْكَلَامِ يَأْبَى هَذَا لِأَنَّهُ حَسَرَهُ ثُمَّ أَتَى الشَّجَرَةَ فَقَطَعَ الْغُصْنَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي لَفْظِهِ وَلِأَنَّهُ قَالَ فَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ وَاَلَّذِي يوصف بالانذلاق الحجر لاالغصن وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا حَسَرَ الْحَجَرَ وَبِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فَحَسَرْتُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هكذا هو فى جميع النسخ كذا هُوَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْغَرِيبِ وَادَّعَى الْقَاضِي رِوَايَتَهُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِهِمْ لِهَذَا الْحَرْفِ بِالشِّينِ المعجمة

(18/144)


وَادَّعَى أَنَّهُ أَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُرَفَّهُ عَنْهُمَا) أَيْ يُخَفَّفُ

[3013] قَوْلُهُ (وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُبَرِّدُ الْمَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْجَابٍ لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ) أَمَّا الْأَشْجَابُ هُنَا فَجَمْعُ شَجْبٍ بِإِسْكَانِ الْجِيمِ وَهُوَ السِّقَاءُ الَّذِي قَدْ أُخْلِقَ وَبَلِيَ وَصَارَ شَنًّا يُقَالُ شَاجِبٌ أَيْ يَابِسٌ وَهُوَ مِنَ الشَّجْبِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ وَمِنْهُ حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَامَ إِلَى شَجْبٍ فَصَبَّ مِنْهُ الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَشْجَابِ هُنَا الْأَعْوَادُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْقِرْبَةُ فَغَلَطٌ لِقَوْلِهِ يُبَرِّدُ فِيهَا عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ وَأَمَّا الْحِمَارَةُ فَبِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَهِيَ أَعْوَادٌ تُعَلَّقُ عَلَيْهَا أَسْقِيَةُ الْمَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ حِمَارٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَرِوَايَةُ الْجُمْهُورِ حِمَارَهُ بِالْهَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (فَلَمْ أَجِدْ فيها الاقطرة فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ

(18/145)


شربه يابسه) قوله قطرة أى يسيرا والعزلاء بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِإِسْكَانِ الزَّايِ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ فَمُ الْقِرْبَةِ وَقَوْلُهُ شَرِبَهُ يَابِسُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا فَلِقِلَّتِهِ مَعَ شِدَّةِ يُبْسِ بَاقِي الشجب وهو السقاء لو أفرغته لأشنقه الْيَابِسُ مِنْهُ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَيَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِيَدِهِ أَيْ يَعْصِرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَادِ بِجَفْنَةٍ فَقُلْتُ يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ فَأَتَيْتُ بِهَا) أى ياصاحب جَفْنَةِ الرَّكْبِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ وأن الجفنة لاتنادى ومعناه ياصاحب جَفْنَةِ الرَّكْبِ الَّتِي تُشْبِعُهُمْ أَحْضِرْهَا أَيْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ جَفْنَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلْيُحْضِرْهَا وَالْجَفْنَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ

[3014] قَوْلُهُ (فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ) سِيفُ الْبَحْرِ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ هُوَ سَاحِلُهُ وَزَخَرَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ

(18/146)


أَيْ عَلَا مَوْجُهُ وَأَوْرَيْنَا أَوْقَدْنَا قَوْلُهُ (حِجَاجُ عَيْنِهَا) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ عَظْمُهَا الْمُسْتَدِيرُ بِهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمِ كفل فى الركب فدخل تحته ما يطأطىء رَأْسَهُ) الْكِفْلُ هُنَا بِكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْمُرَادُ بِالْكِفْلِ هُنَا الْكِسَاءُ الَّذِي يَحْوِيهِ رَاكِبُ الْبَعِيرِ عَلَى سَنَامِهِ لِئَلَّا يَسْقُطَ فَيَحْفَظُ الكِفلُ الرَّاكِبَ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ قَوْلِهِ تَعَالَى يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رحمته أَيْ نَصِيبَيْنِ يَحْفَظَانِكُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ كَمَا يَحْفَظُ الْكِفْلُ الرَّاكِبَ يُقَالُ مِنْهُ تَكَفَّلْتَ الْبَعِيرَ وَأَكْفَلْتُهُ إِذَا أَدَرْتُ ذَلِكَ الْكِسَاءَ حَوْلَ سَنَامِهِ ثُمَّ رَكِبْتَهُ وَهَذَا الْكِسَاءُ كِفْلٌ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فَهُوَ بِالْجِيمِ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْحَاءِ وَكَذَا وَقَعَ لِرُوَاةِ الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(18/147)


بَاب فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ وَيُقَالُ لَهُ حَدِيثُ الرحل الحاء

[2009] قَوْلُهُ (يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ) أَيْ يَسْتَوْفِيهِ وَيُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَقَائِمُ الظَّهِيرَةِ نِصْفُ النَّهَارِ وَهُوَ حَالُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ سُمِّي قَائِمًا لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يَظْهَرُ فَكَأَنَّهُ وَاقِفٌ قَائِمٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَائِمُ الظُّهْرِ بِضَمِّ الظَّاءِ وَحَذْفِ الْيَاءِ قَوْلُهُ (رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ) أَيْ ظَهَرَتْ لِأَبْصَارِنَا قَوْلُهُ (فَبَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً) الْمُرَادُ الْفَرْوَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي تُلْبَسُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْفَرْوَةِ هُنَا الْحَشِيشُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ فَرْوَةٌ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَمِمَّا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَرْوَةً مَعِي وَيُقَالُ لَهَا فَرْوَةٌ بِالْهَاءِ وفرو بِحَذْفِهَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ كَانَتَا صَحِيحَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ) أَيْ أُفَتِّشُ لِئَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ عَدُوٌّ وَقَوْلُهُ (لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) الْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هُنَا مَكَّةُ وَلَمْ تَكُنْ مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا كَانَ اسْمُهَا يَثْرِبُ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي إِنَّ ذِكْرَ الْمَدِينَةِ هُنَا وَهَمٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِهَا مَكَّةُ قَوْلُهُ (أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ) هُوَ

(18/148)


بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ يَعْنِي اللَّبَنَ الْمَعْرُوفَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَشْهُورَةُ وَرَوَى بَعْضُهُمْ لُبْنٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ أَيْ شِيَاهٌ وَذَوَاتُ أَلْبَانٍ قَوْلُهُ (فحلب لى فى قعب معه كثيبة مِنْ لَبَنٍ قَالَ وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا) الْقَعْبُ قَدَحٌ مِنْ خَشَبٍ مَعْرُوفٌ وَالْكُثْبَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ قَدْرُ الْحَلْبَةِ قَالَهُ بن السكيت وقيل هي القليل منه والادواة كَالرَّكْوَةِ وَأَرْتَوِي أَسْتَقِي وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ كَيْفَ شَرِبُوا اللَّبَنَ مِنَ الْغُلَامِ وَلَيْسَ هُوَ مَالِكُهُ وَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَأْذَنُونَ لِلرُّعَاةِ إِذَا مَرَّ بِهِمْ ضَيْفٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ أَنْ يَسْقُوهُ اللَّبَنَ وَنَحْوَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لِصَدِيقٍ لَهُمْ يَدِلُّونَ عَلَيْهِ وَهَذَا جَائِزٌ والثالث أنه مال حربى لاأمان لَهُ وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ وَالرَّابِعُ لَعَلَّهُمْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ وَالْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ أَجْوَدُ قَوْلُهُ (بَرَدَ أَسْفَلُهُ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ بِضَمِّهَا قَوْلُهُ (وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ أَيْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ

(18/149)


وَرُوِيَ جُدُدٍ بِدَالَيْنِ وَهُوَ الْمُسْتَوِي وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً صُلْبَةً قَوْلُهُ (فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا) أَيْ غَاصَتْ قَوَائِمُهَا فِي تِلْكِ الْأَرْضِ الْجَلَدِ قَوْلُهُ (وَوَفَى لَنَا) بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ قَوْلُهُ (فَسَاخَ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ) هُوَ بِمَعْنَى ارْتَطَمَتْ قَوْلُهُ (لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي) يَعْنِي لَأُخْفِيَنَّ أَمْرَكُمْ عَمَّنْ وَرَائِي مِمَّنْ يَطْلُبُكُمْ وَأُلَبِّسُهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لايعلم أَحَدٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ وَفِيهِ خِدْمَةُ التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ وَفِيهِ اسْتِصْحَابُ الرَّكْوَةِ وَالْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِمَا فِي السَّفَرِ للطهارة والشرب وَفِيهِ فَضْلُ التَّوَكُّلِ

(18/150)


عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحُسْنُ عَاقِبَتِهِ وَفِيهِ فضائل للأنصار لِفَرَحِهِمْ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظُهُورُ سُرُورِهِمْ بِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ سَوَاءٌ قَرُبَتِ الْقَرَابَةُ وَالرَّحِمُ أَمْ بَعُدَتْ وَأَنَّ الرَّجُلَ الْجَلِيلَ إِذَا قَدِمَ بَلَدًا لَهُ فِيهِ أَقَارِبُ يَنْزِلُ عِنْدَهُمْ يُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم

(18/151)