طرح التثريب في
شرح التقريب [بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]
[حَدِيث ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ استحباب عَشْر رَكَعَات]
{بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ} الْمَشْهُورُ عِنْدَ
أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّطَوُّعَ مَا
رَجَّحَ الشَّرْعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ وَجَازَ
تَرْكُهُ فَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ
وَالْمَنْدُوبُ وَالنَّافِلَةُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ
وَالْحَسَنُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ مَا
عَدَا الْفَرِيضَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (سُنَّةٌ) وَهُوَ
مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمُسْتَحَبٌّ) وَهُوَ مَا فَعَلَهُ
أَحْيَانًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ
بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْكَافِي وَمِثَالُهُ
الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ (وَتَطَوُّعٌ) وَهُوَ
مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَرِدَ فِيهِ نَقْلٌ مِنْ الشَّرْعِ وَفَرَّقَ
الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ
وَضَابِطُهُ عِنْدَهُمْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ
كُلَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرًا لَهُ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ
سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَعَدَّهُ فِي
نَوَافِلِ الْخَيْرِ فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَمَا وَاظَبَ
عَلَيْهِ وَلَمْ يُظْهِرْهُ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَفِي
كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ فَضِيلَةً قَوْلَانِ.
(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ
وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ
رَكْعَتَيْنِ فِي
(3/29)
بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ
رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ
رَكْعَتَيْنِ» قَالَ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بِصَلَاةِ
الصُّبْحِ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ»
وَلِمُسْلِمٍ «صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الظُّهْرِ
سَجْدَتَيْنِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «فَأَمَّا الْمَغْرِبُ
وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ
وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى
يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ
وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَكَتَ
الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَدَا
لَهُ الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ
أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى}
حَكَى السَّيْفُ الْآمِدِيُّ خِلَافًا فِي دَلَالَةِ كَانَ
عَلَى التَّكْرَارِ وَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا
تَقْتَضِي التَّكْرَارَ قَالَ وَلِهَذَا اسْتَفَدْنَاهُ
مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ حَاتِمُ يَقْرِي الضَّيْفَ
وَصَحَّحَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ
أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيه لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ الْمُخْتَارُ
الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ
الْأُصُولِيِّينَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي
شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ أَنَّهَا
تَقْتَضِيه عُرْفًا فَعَلَى هَذَا فَفِي الْحَدِيثِ
دَلَالَةٌ عَلَى تَكَرُّرِ فِعْلِ هَذِهِ النَّوَافِلِ
مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَنَّهُ كَانَ هَذَا دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ
[فَائِدَة اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ] 1
{الثَّانِيَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ
الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ
قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ
بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ
الصُّبْحِ فَهَذِهِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ
مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ إلَّا لِعَارِضٍ
بِأَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَسُنَّتَهَا الَّتِي
بَعْدَهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ فَسَادَهَا فَيُصَلِّيَ
الظُّهْرَ وَيُصَلِّيَ بَعْدَهَا سَنَتَهَا قُلْته
تَفَقُّهًا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ
طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ
(3/30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «حَفِظْت مِنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ»
فَذَكَرَهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا
رَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ شَقِيقٍ قَالَ «سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ
أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ
يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ
بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» وَفِي آخِرِهِ «وَكَانَ
إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» فَهَذِهِ
ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ «مَنْ صَلَّى
اثْنَتَيْ عَشْرَةِ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ
لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» وَفَسَّرَهَا فِي
رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ «أَرْبَعًا قَبْلَ
الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ» وَقَالَ حَسَنٌ
صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَلَيْسَ فِي
رِوَايَتِهِمْ ذِكْرُ «رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ»
وَفِيهِ «وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ» وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ «وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ
الْعَصْرِ» وَقَالَ كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْمَتْنَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
وَضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثَ
عَائِشَةَ هَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ
سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ
رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ رَكْعَتَيْنِ
قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ
وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ أَظُنُّهُ
قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
أَظُنُّهُ قَالَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
الْآخِرَةِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
بِدُونِ تَعْدَادِهَا وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَمُحَمَّدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ هُوَ ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ
وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ هَذَا خَطَأٌ
وَالْحَدِيثُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ أَشْبَهُ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي
قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ
الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ
الْعَصْرِ أَرْبَعًا»
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
صَحِيحٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ
حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ
وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ
(3/31)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
عَلَى النَّارِ» وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
وَلَيْسَ لِلْعَصْرِ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِيمَا
ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَبَا
سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَأَلَ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ السَّجْدَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَتْ
كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ
عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ
الْعَصْرِ ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا»
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا هَذَا
الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ
بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ هُمَا سُنَّةٌ لِلْعَصْرِ
قَبْلَهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَنْبَغِي أَنْ
يُحْمَلَ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ
سَلَمَةَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي
عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ» .
فَهُمَا هَاتَانِ لِيَتَّفِقَ الْحَدِيثَانِ وَسُنَّةُ
الظُّهْرِ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا قَبْلَ الْعَصْرِ
انْتَهَى وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ
فِي الصَّحِيحَيْنِ ذِكْرُ سُنَّةِ الْعَصْرِ صَرِيحًا
مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ
قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ»
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَيْضًا عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ
كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» .
وَالْمُرَادُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ
سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ
بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
سَنَةً»
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ «قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ
بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا فَصَلَّى
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ» الْحَدِيثَ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «عَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ مَا صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ
قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» الْحَدِيثَ وَفِي سُنَنِ
الْبَيْهَقِيّ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ
نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ
الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ الْعِشَاءِ
الْآخِرَةِ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَقَرَأَ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ {تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[الملك: 1] وَ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2]
السَّجْدَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ
مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ فَرُّوخَ الْمِصْرِيُّ.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ
«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ
(3/32)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ يَعْلَمُ
مَا يَقْتَرِئُ فِيهِنَّ فَإِنَّ لَهُ أَوْ كُنَّ لَهُ
بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا عَدَا السِّتَّ بَعْدَ
الْمَغْرِبِ وَالْأَرْبَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ
الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَاسْتَحَبُّوا جَمِيعَ هَذِهِ
النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ
السَّابِقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ
أَصْحَابِنَا إلَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْمَغْرِبِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا
أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ
الْمُحَقِّقِينَ اسْتِحْبَابُهُمَا لِحَدِيثَيْ ابْنِ
مُغَفَّلٍ وَلِحَدِيثِ «ابْتِدَارِهِمْ السَّوَارِيَ
بِهِمَا» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَغَيْرُهُمْ وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي أَعْدَادِهَا
مَحْمُولٌ عَلَى تَوْسِعَةِ الْأَمْرِ فِيهَا وَأَنَّ
لَهَا أَقَلَّ وَأَكْمَلَ فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ
بِالْأَقَلِّ وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ
الْأَكْمَلِ اهـ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا
الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُؤَكَّدِ مِنْ هَذِهِ
الْمُسْتَحَبَّاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قَالَ
الْأَكْثَرُونَ الْمُؤَكَّدُ مِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ
نَقَصَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ
الْخُضَرِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ
رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ
فَصَيَّرَهُنَّ أَرْبَعًا وَعَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي
الْمُغْنِي لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى
هَذَا أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَيَّرَهُنَّ
أَرْبَعًا أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا
أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ فَرَأَى جَمِيعَ ذَلِكَ
مُؤَكَّدًا قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَجَمَاعَةٌ
أَدْنَى الْكَمَالِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ وَهُوَ الْوَجْهُ
الْأَوَّلُ وَأَتَمُّ الْكَمَالِ ثَمَانِ عَشْرَةَ
رَكْعَةً وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَزَادَ عَلَى هَذَا
الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ فَاسْتَحَبَّا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْعِشَاءِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ
وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلَاةٌ» .
وَعَدَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ فِي
التَّبْصِرَةِ مِنْ الرَّوَاتِبِ أَرْبَعًا بَعْدَ
الْمَغْرِبِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ
الْحَنَابِلَةِ كَالْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَزَادَ أَبُو
الْخَطَّابِ مِنْهُمْ فِي الْمُؤَكَّدَةِ أَرْبَعًا قَبْلَ
الْعَصْرِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَقَوْلُهُ «رَحِمَ
اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا»
تَرْغِيبٌ فِيهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ السُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِيهِ
وَلَمْ يَحْفَظْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَظَاهِرُ
كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْمَغْرِبِ جَائِزَتَانِ وَلَيْسَتَا سُنَّةً
(3/33)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ
الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ
وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ
وَأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ
الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ
رَكْعَتَيْنِ وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ
إلَى أَنَّهُ لَا رَوَاتِبَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَوْقِيتَ
إلَّا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ
صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا تَوَقَّتَ أَهْلُ الْعِرَاقِ
وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى
اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ
الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ صَاحِبُ
الْمُفْهِمِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ
الْعُمْدَةِ الْحَقُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي هَذَا
الْبَابِ أَعْنِي مَا وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ
بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّطَوُّعَاتِ وَالنَّوَافِلِ
الْمُرْسَلَةِ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ دَلَّ عَلَى
اسْتِحْبَابِ عَدَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَهَيْئَةٍ
مِنْ الْهَيْئَاتِ أَوْ نَافِلَةٍ مِنْ النَّوَافِلِ
يُعْمَلُ بِهِ فِي اسْتِحْبَابِهِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ
مَرَاتِبُ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ فَمَا كَانَ الدَّلِيلُ
دَالًّا عَلَى تَأَكُّدِهِ إمَّا بِمُلَازَمَتِهِ فِعْلَهُ
أَوْ بِكَثْرَةِ فِعْلِهِ وَإِمَّا بِقُوَّةِ دَلَالَةِ
اللَّفْظِ عَلَى تَأَكُّدِ حُكْمِهِ.
وَإِمَّا بِمُعَاضَدَةِ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ أَحَادِيثَ
فِيهِ تَعْلُوا مَرْتَبَتَهُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَمَا
نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَمَا
وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَنْتَهِي إلَى الصِّحَّةِ
فَإِنْ كَانَ حَسَنًا عُمِلَ بِهِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ
أَقْوَى مِنْهُ وَكَانَتْ مَرْتَبَتُهُ نَاقِصَةً عَنْ
هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي الصَّحِيحَ
الَّذِي لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ
اللَّفْظُ فِي طَلَبِهِ وَمَا كَانَ ضَعِيفًا لَا يَدْخُلُ
فِي حَيِّزِ الْمَوْضُوعِ فَإِنْ أَحْدَثَ شِعَارًا فِي
الدِّينِ مُنِعَ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ مَحَلُّ
نَظَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ
لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ
لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتُ
بِالْوَقْتِ وَبِالْحَالِ وَالْهَيْئَةِ وَاللَّفْظُ
الْمَخْصُوصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي
اسْتِحْبَابَهُ بِخُصُوصِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ. انْتَهَى.
[فَائِدَة الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّوَاتِبِ
قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهَا] 1
{الثَّالِثَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي
مَشْرُوعِيَّةِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ
وَبَعْدَهَا تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِهَا إنْ عَرَضَ
نَقْصٌ كَمَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُولُ. «إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ
فَإِذَا صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ
فَسَدَتْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ
فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ
بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ ثُمَّ يَكُونُ
سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» وَفِي النَّوَافِلِ
الَّتِي قَبْلِ الْفَرِيضَةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ
(3/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
رِيَاضَةُ النَّفْسِ بِالدُّخُولِ فِي النَّافِلَةِ
وَتَصْفِيَتُهَا عَمَّا هِيَ مُكْتَفِيَةٌ بِهِ مِنْ
الشَّوَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ
لِلْفَرِيضَةِ أَكْمَلَ فَرَاغٍ وَيَحْصُلَ لَهُ
النَّشَاطُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ
خَاصٌّ بِالنَّوَافِلِ الَّتِي بَعْدَ الْفَرَائِضِ
فَقَالَ وَأَمَّا السُّنَنُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَقَدْ
وَرَدَ أَنَّ النَّوَافِلَ جَابِرَةٌ لِنُقْصَانِ
الْفَرَائِضِ فَإِذَا وَقَعَ الْفَرْضُ نَاسَبَ أَنْ
يَكُونَ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ خَلَلًا فِيهِ إنْ وَقَعَ
انْتَهَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ
حُصُولُ الْجَبْرِ بِالنَّوَافِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ
وَالْمُتَأَخِّرَةِ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَعُمُّ
سَائِرَ التَّطَوُّعَاتِ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَلَى
الْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة آكَدُ هَذِهِ الرَّوَاتِبِ]
{الرَّابِعَةُ} آكَدُ هَذِهِ الرَّوَاتِبِ رَكْعَتَا
الْفَجْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَّا مَا لَمْ يَدَعْ
صَحِيحًا وَلَا مَرِيضًا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ غَائِبًا
وَلَا شَاهِدًا تَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَرَوَى
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِمَا وَقَوْلِي هَذِهِ
الرَّوَاتِبَ احْتَرَزْت بِهِ عَنْ الْوِتْرِ فَهُوَ
أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ
الْآخَرُ تَفْضِيلُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَمْ أَرَ
لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِآكَدِ الرَّوَاتِبِ
بَعْدَهُمَا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
آكَدُهَا بَعْدَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ قَالَ
بِوُجُوبِهِمَا أَيْضًا فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ
الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ
الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْمَغْرِبِ وَاجِبَتَيْنِ وَيَرَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
صَلَاةِ الصُّبْحِ وَاجِبَتَيْنِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَوْ
تَرَكْت الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَخَشِيت أَنْ
لَا يُغْفَرَ لِي.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلًا قَالَ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْفَجْرِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» وَأَمَّا الْآكَدُ
بَعْدَهُمَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ
الْعِشَاءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَهِيَ
أَفْضَلُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سُنَّةُ الظُّهْرِ
لِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ
أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْغَدَاةِ» .
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ
(3/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
قَالَ كَانُوا لَا يَتْرُكُونَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ
وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى حَالٍ.
[فَائِدَة فِعْلِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي
الْبَيْتِ] 1
{الْخَامِسَةُ} كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبُو مُصْعَبٍ
وَيَحْيَى بْنِ بُكَيْر قَوْلُهُ «فِي بَيْتِهِ» فِي
مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْآخَرُ
بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى
وَالْقَعْنَبِيِّ ذَكَرَهَا فِي الْمَغْرِبِ فَقَطْ وَفِي
رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ذَكَرَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ
انْصِرَافَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ «فِي
بَيْتِهِ» مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ فَقَدْ
ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالظَّرْفِ يَعُودُ
لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ
ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ
طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
«فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ» وَفِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «فَأَمَّا
الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْت مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي بَيْتِهِ» .
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ فِعْلِ
النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْبَيْتِ وَاخْتَلَفُوا
فِي الرَّوَاتِبِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْأَفْضَلُ
فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ
رَاتِبَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ
وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الْقَاضِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُمْ
مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي
الْبُيُوتِ أَفْضَلُ انْتَهَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ
بِالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ فَفِي نَفْيِ الْخِلَافِ
نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ
الِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا كُلِّهَا فِي الْمَسْجِدِ
وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ
أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ الْأَفْضَلُ
فِعْلُ نَوَافِلِ النَّهَارِ الرَّاتِبَةِ فِي الْمَسْجِدِ
وَرَاتِبَةِ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ «صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فِي
بَيْتِهِ» .
وَهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ
فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ
قَرَّرَ اسْتِحْبَابَ فِعْلِ السُّنَنِ فِي الْبَيْتِ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ
عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ أَيْنَ
تُصَلَّيَانِ فَقَالَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا
الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَفِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ
الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ اهـ فَكَأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي
ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَدْ فَصَلَ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ بَيْنَ بَعْضِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ
وَبَعْضِهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ
وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي
الْمَسْجِدِ فَكَرِهَهَا قَوْمٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَرَخَّصَ فِيهَا آخَرُونَ انْتَهَى وَالْحِكْمَةُ فِي
مَشْرُوعِيَّةِ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ
أَخْفَى وَأَقْرَبُ
(3/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
إلَى الْإِخْلَاصِ وَأَصْوَنُ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ
وَلِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِي الْبَيْتِ بِذَلِكَ
وَتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَةُ وَيَنْفِرَ
مِنْهُ الشَّيْطَانُ
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ مَعْنَى غَرِيبٌ
وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّفَرُّقِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ
الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَلَفْظُهُ إنِّي لَا أَكْرَهُهُ
يَعْنِي التَّطَوُّعَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ
بَيَّنَّاهُمْ جَمِيعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا اخْتَلَفُوا
وَهَذَا قَدْ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ النَّافِلَةِ
الَّتِي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ الَّتِي
قَبْلَهَا وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا
عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ تَطَوُّعُ
الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ
النَّاسِ كَفَضْلِ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَى
صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَبَالَغَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَرَأَى أَنَّ سُنَّةَ
الْمَغْرِبِ لَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ
حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ
عَقِبَ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَقَالَ قُلْت
لِأَبِي إنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا
أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذِهِ مِنْ
صَلَوَاتِ الْبَيْتِ» .
قَالَ مَنْ هَذَا؟ قُلْت مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَوْ قَالَ مَا
أَحْسَنَ مَا نَقَلَ أَوْ انْتَزَعَ وَفِي الْمُغْنِي
لِابْنِ قُدَامَةَ قِيلَ لِأَحْمَدَ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ
ذَكَرَ فِعْلَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ فَإِنْ
كَانَ مَنْزِلُ الرَّجُلِ بَعِيدًا قَالَ لَا أَدْرِي
وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فَرَآهُمْ
يَتَطَوَّعُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ هَذِهِ صَلَاةُ
الْبُيُوتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ قَالَ «أَتَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ فِي مَسْجِدِنَا ثُمَّ قَالَ
ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ
تَفْصِيلِ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ مَا شُرِعَتْ فِيهِ
الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
وَكَذَلِكَ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ
الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ فَفِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ
أَفْضَلُ لِاسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ لِلْجُمُعَةِ
حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي عَنْ الْأَصْحَابِ
وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ.
فَقَالَ وَجَمِيعُ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْهَا طَاهِرًا إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
انْتَهَى.
وَكَذَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ
إنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
أَصْحَابُنَا حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الْحَجِّ
وَكَذَا مَا يَتَعَيَّنُ لَهُ الْمَسْجِدُ كَتَحِيَّةِ
الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ] 1
{السَّادِسَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ
صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ
(3/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
فَصَلُّوا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «مَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ
أَرْبَعًا» .
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ
الْقَاصِّ وَآخَرِينَ اسْتِحْبَابَ أَرْبَعٍ بَعْدَهَا
ثُمَّ قَالَ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِرَكْعَتَيْنِ انْتَهَى
وَهُمَا نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْأُمِّ فِي
بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ مِنْ كِتَابِ
اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى أَرْبَعٍ
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ
اسْتِحْبَابَ رَكْعَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
النَّصَّيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى الْأَكْمَلِ وَالْأَقَلِّ
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التَّحْقِيقِ
إنَّهَا فِي ذَلِكَ كَالظُّهْرِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا أَكْثَرَ الْمُصَلِّي
مِنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَحَبُّ إلَيَّ
وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ
الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُمْ اخْتَارُوا
الرُّكُوعَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتًّا أَوْ أَرْبَعًا
وَصَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُوَارِزْمِيَّ فِي
الْكَافِي فَقَالَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا
سِتًّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي قَالَ أَحْمَدُ
إنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ
شَاءَ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ
رَكْعَتَيْنِ» .
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ثُمَّ قَالَ
بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ
أَرْبَعًا» .
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ
كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا
أَرْبَعًا وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا.
وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ
إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ إنْ صَلَّى
فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا
وَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
وَاحْتَجَّ «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي
بَيْتِهِ» .
وَبِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ
الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ عُمَرَ هُوَ الَّذِي رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ
يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ»
وَابْنُ عُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ
الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّى بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ
أَرْبَعًا ثُمَّ رَوَاهُ كَذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد
فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ
بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ
(3/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى
الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ
فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمَرْفُوعَ مِنْهُ آخِرُ الْحَدِيثِ فَقَطْ وَهُوَ مَا
كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَا كَانَ
يَفْعَلُهُ بِمَكَّةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى
الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي زَمَنِهِ
بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ صَغِيرًا فَإِنْ أُرِيدَ
رَفْعَ فِعْلِهِ بِمَكَّةَ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي بِمَكَّةَ بَعْدَ
الظُّهْرِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى
الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَمْ يُنْقَلْ
ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ
ذَلِكَ قَدْ يُسْأَلُ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِ ابْنِ
عُمَرَ كَانَ يُصَلِّيهَا بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي
الْمَدِينَةِ بِمَنْزِلِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ
لَعَلَّهُ كَانَ يُرِيدُ التَّأَخُّرَ فِي مَسْجِدِ
مَكَّةَ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَيَكْرَهُ أَنْ
يَفُوتَهُ بِمُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ لِصَلَاةِ سُنَّةِ
الْجُمُعَةِ زَمَنٌ مِمَّا يَغْتَنِمُهُ فِي الطَّوَافِ
أَوْ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَى مَنْزِلِهِ
ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَى الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ أَوْ
أَنَّهُ كَانَ يَرَى النَّوَافِلَ تُضَاعَفُ بِمَسْجِدِ
مَكَّةَ دُونَ بَقِيَّةِ مَكَّةَ فَكَانَ يَتَنَفَّلُ فِي
الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ لَهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ
بِهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِأَحَدٍ أَوْ
غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ صَلَاتِهِ
فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا
ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمَرْفُوعَ آخِرُ
الْحَدِيثِ فَقَطْ لَكِنْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ
تَفْرِيقَ ابْنِ عُمَرَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ فِي ذَلِكَ
فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الِاتِّبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَقَالَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ سِتًّا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ صَلَّيْت
أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا فَحَسَنٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ
بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتًّا وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا
فَحَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَرْوِيَّةٌ عَنْ
الصَّحَابَةِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَقَالَ
ابْنُ بَطَّالٍ قَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا
رَكْعَتَيْنِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي
بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا رَوَى عَنْ
عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى.
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ
إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُقَدِّمَ
الْأَرْبَعَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ
رَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ
وَالنَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ
انْتَهَى وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
(3/39)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ
السُّلَمِيُّ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ
فَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
أَرْبَعًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ أَمَرَنَا
أَنْ نُصَلِّيَ سِتًّا فَأَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ
وَتَرَكْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ
أَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِالْأَرْبَعِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
أَنَّهَا تَكْمِلَةَ الرَّكْعَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ
فَيَكُونَ ظُهْرًا وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ
فَقَالَ وَكُلُّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى تَرْكِ الِاقْتِصَارِ
عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ الْجُمُعَةُ
بِالظُّهْرِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعٌ عَلَى الْجَاهِلِ أَوْ
لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْبِدَعِ إلَى صَلَاتِهَا
ظُهْرًا أَرْبَعًا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَبَّهَ
بِقَوْلِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا عَلَى أَنَّهَا
سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ
لِفَضْلِهَا وَفِعْلُهُ لِلرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَاتٍ
بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ قَالَ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ
أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا
عَلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ «إذْ صَلَّى أَحَدُكُمْ
الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» .
وَهُوَ أَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ
وَأَوْلَى بِهِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَمَا ادَّعَاهُ
مِنْ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي
أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ
ذَلِكَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ
عَنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ
مِنْ كَوْنِهِ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَكَلَامُ
ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَفْعَ
فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ حَسْبُ، كَمَا تَقَدَّمَ
لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ
بِمَكَّةَ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بِمَكَّةَ مِنْهُ
فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ نَادِرٌ
وَرُبَّمَا كَانَتْ الْخَصَائِصُ فِي حَقِّهِ
بِالتَّخْفِيفِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا خَطَبَ
احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ
غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ
مَسَّاكُمْ» الْحَدِيثَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرُبَّمَا
لَحِقَهُ تَعَبٌ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَصَرَ عَلَى
الرَّكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ يُطِيلُهُمَا كَمَا
ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ
طُولُ الْقُنُوتِ أَيْ الْقِيَامِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ
أَطْوَلَ مِنْ أَرْبَعٍ خِفَافٍ أَوْ مُتَوَسِّطَاتٍ
وَكَمَا تَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ لَيْلَةَ
الْمُزْدَلِفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَامَ حَتَّى
أَصْبَحَ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ
بِعَرَفَةَ مِنْ وُقُوفِهِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى بَعْدَ
الْغُرُوبِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الدُّعَاءِ وَسَيْرِهِ
بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَاقْتَصَرَ
فِيهَا عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَصْرًا
وَرَقَدَ بَقِيَّةَ لَيْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ يَقُومُ
فِي اللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ وَلَكِنَّهُ
أَرَاحَ نَفْسَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي عَرَفَةَ وَلِمَا
هُوَ بِصَدَدِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ
(3/40)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
كَوْنِهِ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً
وَذَهَبَ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَجَعَ
إلَى مِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
[فَائِدَة فِي استحباب الصَّلَاة قَبْل الْجُمُعَةَ]
{السَّابِعَةُ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي
قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ شَيْئًا إذْ لَوْ وَقَعَ
ذَلِكَ مِنْهُ لَضُبِطَ كَمَا ضُبِطَتْ صَلَاتُهُ
بَعْدَهَا وَكَمَا ضُبِطَتْ صَلَاتُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ
وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
فِي صَحِيحِهِ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
وَقَبْلَهَا أَيْ بَابُ حُكْمِ ذَلِكَ وَهُوَ الْفِعْلُ
بَعْدَهَا لِوُرُودِهِ وَالتَّرْكُ قَبْلَهَا لِعَدَمِ
وُرُودِهِ فَيَكُونُ بِدْعَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي
الْبَابِ الْمَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلَاةِ
قَبْلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى فِعْلِ
الصَّلَاةِ قَبْلَهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى سُنَّةِ
الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَهَذَانِ
الِاحْتِمَالَانِ يَجِيئَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِ
التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي
الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا وَاخْتَصَرَ
وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ
عَلَى احْتِمَالٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ
الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فِي تَبْوِيبِهِ لِمَا
حَكَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ
أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَدْ أَنْكَرَ
جَمَاعَةٌ كَوْنَ الْجُمُعَةِ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا
وَبَالَغُوا فِي إنْكَارِهِ وَجَعَلُوهُ بِدْعَةً وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ
يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا
وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ انْقَطَعَتْ الصَّلَاةُ
وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا
وَجَعَلَهُ مِنْ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ الْإِمَامُ
شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ
الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ اسْتِحْبَابَ سُنَّةٍ لِلْجُمُعَةِ
قَبْلَهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ لَهَا سُنَّةً
قَبْلَهَا مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ
إنَّهُ يُسَنُّ قَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ
وَالْمُؤَكَّدُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ.
وَنَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ وَآخَرِينَ
اسْتِحْبَابَ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْصُلُ
أَيْضًا بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ
الْقِيَاسُ عَلَى الظُّهْرِ وَيَسْتَأْنِسُ بِحَدِيثِ
سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا»
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا {قُلْت} رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ
مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ
عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ
اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ وَهُمْ ضُعَفَاءُ،
وَمُبَشِّرٌ وَضَّاعٌ صَاحِبُ أَبَاطِيلَ قَالَ وَالِدِي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ.
(3/41)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ مُوَثَّقٌ وَلَكِنَّهُ
مُدَلِّسٌ وَحَجَّاجٌ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ
مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ وَعَطِيَّةَ مَشَّاهُ يَحْيَى بْنُ
مَعِينٍ فَقَالَ فِيهِ صَالِحٌ وَلَكِنْ ضَعَّفَهُمَا
الْجُمْهُورُ انْتَهَى وَالْمَتْنُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ
أَبُو الْحَسَنِ الْخُلَعِيِّ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ
سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَصْلَيْت قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ قَالَ لَا، قَالَ فَصَلِّ
رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» قَالَ الْمَجْدُ بْنُ
تَيْمِيَّةَ فِي الْأَحْكَامِ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالُوا فَقَوْلُهُ
قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ
الْمَأْمُورَ بِهَا لَيْسَتْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ
لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَقُومُ مَقَامَ
فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّةُ
الْجُمُعَةِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ
إثْبَاتُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ لِمُجَرَّدِ هَذَا إذْ
يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تَقْتَرِبَ مِنِّي
لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ
يَجِيءَ إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَ
مَجِيءِ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَكَيْفَ
يَسْأَلُهُ عَنْهَا إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ بَعْدَ دُخُولِ
وَقْتِ الْجُمُعَةِ السَّعْيُ إلَى مَكَانِ الْجُمُعَةِ
وَقَبْلَهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ
كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ
وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ
وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ
مِنْ وَجْهَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطَالَتِهِ
الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
سُنَّةً لِلْجُمُعَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ
فِي انْتِظَارِهِ لِلصَّلَاةِ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْمَرْفُوعِ مِنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ
بَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهِ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَمَّا
إطَالَةُ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ
فِعْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إلَى صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ فَيُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَخْطُبُ
انْتَهَى.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ
أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ
بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَعَذِّرًا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ
(3/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ الْخُطْبَةُ فَلَا
صَلَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا نَعَمْ بَعْدَ أَنْ جَدَّدَ
عُثْمَانَ: الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ يُمْكِنُ أَنْ
يُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ
لِلْخُطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ
صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا
رَكْعَتَيْنِ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْجُمُعَةَ
وَغَيْرَهَا لَكِنْ يَضْعُفُ الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ
جِهَةِ أَنَّهُ عُمُومٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَقَدْ
تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ
ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَدَلَّ
بَعْضُهُمْ عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا بِحَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَأَبِي أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيِّ وَثَوْبَانَ «فِي صَلَاةِ أَرْبَعِ
رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا سَاعَةٌ يُفْتَحُ
فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ
هَذِهِ سُنَّةُ الزَّوَالِ فَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ
كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ»
وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْجُمْلَةِ
اسْتِحْبَابُ أَرْبَعٍ بَعْدَ الزَّوَالِ كُلَّ يَوْمٍ
سَوَاءٌ فِيهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ
الْمَقْصُودُ انْتَهَى.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي اُسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى
سُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا إنْ كَانَ فِي كُلٍّ
مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ نَظَرٌ فَمَجْمُوعُهَا قَوِيٌّ
يَضْعُفُ مَعَهُ إنْكَارُهَا وَأَقْوَى مَا يُعَارِضُ
ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ
يَكُنْ يُؤَذَّنُ فِي زَمَنِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ
أَذَانٍ وَاحِدٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْأَذَانُ يَعْقُبُهُ الْخُطْبَةُ
ثُمَّ الصَّلَاةُ فَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ
يَفْعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ وَبَوَّبَ
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى الصَّلَاةِ
قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَأَوْرَدَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ
أَرْبَعًا.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَهْجُرُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ فَيُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ
الْإِمَامُ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَلَّى
قَبْلَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانُوا يُصَلُّونَ
قَبْلَهَا أَرْبَعًا.
وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي
بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْتِي الْمَسْجِدَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ
رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى
سُنَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي لَا أَعْلَمُ فِي
الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ إلَّا
(3/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ «كَانَ يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ
أَرْبَعًا» وَرَوَى عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي
عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت أَتْقَى أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا
زَالَتْ الشَّمْسُ قَامُوا فَصَلَّوْا أَرْبَعًا قَالَ
أَبُو بَكْرٍ كُنَّا نَكُونُ مَعَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ أَزَالَتْ الشَّمْسُ
بَعْدُ؟ أَوْ يَلْتَفِتُ فَيَنْظُرُ فَإِذَا زَالَتْ
الشَّمْسُ صَلَّى الْأَرْبَعَ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ
الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ انْتَهَى.
وَخَلَطَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ
سُنَّةَ الْجُمُعَةِ بِالصَّلَاةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ
وَوَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْهَامٌ عَدِيدَةٌ نَبَّهَ
عَلَيْهَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ وَبَسَطَ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
وَقَعَ هَذَا التَّخْلِيطُ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ
الْبُخَارِيِّ فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ
الْبُخَارِيِّ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
وَقَبْلَهَا وَأَمَّا الصَّلَاةُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ
فَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ
عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ
انْتَهَى وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ الَّتِي هِيَ
مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَسُنَّةُ
الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا
اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِمَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْأَفْضَلَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي
بَعْدَهَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ] 1
{الثَّامِنَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي سُنَّةِ
الْجُمُعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ
كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَالْجُمْهُورُ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ
الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بِأَثَرِهَا
فِي الْمَسْجِدِ وَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ
وَوَجَّهَ ابْنُ بَطَّالٍ فِعْلَهُمَا فِي الْبَيْتِ
بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ لَمْ
يُصَلِّ بَعْدَهَا صَلَاةً مِثْلَهَا خَشْيَةَ أَنْ
يُظَنَّ أَنَّهَا الَّتِي حُذِفَتْ مِنْهَا وَأَنَّهَا
وَاجِبَةٌ فَلَمَّا زَالَ عَنْ مَوْطِنِ الْفَرْضِ صَلَّى
فِي بَيْتِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ
مُعَاوِيَةَ إذَا صَلَّيْت الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا
بِصَلَاةٍ حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ «فَإِنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمَرَنَا أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى
نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ» قُلْت وَهَذَا التَّوْجِيهُ
الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا
سَبَقَتْ حِكَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ
فِعْلُ رَاتِبَةِ النَّهَارِ فِي الْمَسْجِدِ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا
فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا
وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ
لَمْ يَخُصَّ فِيهِ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ فَكُلُّ
نَافِلَةٍ كَذَلِكَ فِي اسْتِحْبَابِ فِعْلِهَا فِي
الْبَيْتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَبِتَقْدِيرِ فِعْلِهَا
فِي الْمَسْجِدِ فَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْفَرْضِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ فِي
الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ
الْبِدَعِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَرَاءَ الْإِمَامِ تَقِيَّةً يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ
(3/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
يَفْعَلُونَ الْجُمُعَةَ وَإِنَّمَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ
وَيَقُومُونَ إلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا لِيُتِمُّوا
ظُهْرَهُمْ فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ مَوَّهُوا
بِأَنَّهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ
أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ كَانَ
يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقِيلَ لَهُ
يَا أَبَا نُجَيْدٍ مَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ وَمَا
يَقُولُونَ قَالَ يَقُولُونَ إنَّك تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
إلَى الْجُمُعَةِ فَتَكُونُ أَرْبَعًا فَقَالَ لَأَنْ
تَخْتَلِفَ النَّيَازِكُ بَيْنَ أَضْلَاعِي أَحَبُّ إلَيَّ
مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ
الْمُقْبِلَةُ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ احْتَبَى فَلَمْ
يُصَلِّ شَيْئًا حَتَّى أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفِي
سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنْ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مُقَامِهِ
فَدَفَعَهُ وَقَالَ أَتُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا؟
وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى فِعْلِ التَّطَوُّعِ
مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ حَافِظُ
الْحَنَفِيَّةِ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{التَّاسِعَةُ} قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ
الْمَالِكِيُّ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هُمَا
الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ
الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَكَرَّرَ ابْنُ عُمَرَ
ذِكْرَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي بَيْتِهِ
قُلْت وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رَاتِبَةَ
النَّهَارِ تُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى
خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ
ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ الظُّهْرِ اسْمًا
وَحُكْمًا وَصُورَةً لَا سِيَّمَا مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى
أَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ لَمْ يُسْتَفَدْ
حُكْمُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ إلَّا
بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا وَقَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
قَبْلَ الْجُمُعَةِ.
{الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ فِيهِ
رِوَايَةُ أَحَدِ الْأَخَوَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَرِوَايَةُ
بَعْضِ الْأَقْرَانِ عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
وَحَفْصَةَ ابْنَيْ عُمَرَ صَحَابِيَّانِ فَاضِلَانِ
مَعْرُوفَانِ وَهُمَا فَتَيَانِ مُسْتَحْسَنَانِ.
[فَائِدَة لَا يُصَلِّي مَا دَامَ يُؤَذَّنُ] 1
{الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ إذَا سَكَتَ
الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ لَعَلَّهُ ضَمَّنَ سَكَتَ
مَعْنَى فَرَغَ فَإِنَّهُ يُقَالُ سَكَتَ عَنْ كَذَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}
[الأعراف: 154] وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ سَكَتَ مِنْ
كَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِالْأَذَانِ
وَالْبَاءُ تَكُونُ بِمَعْنَى عَنْ كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] أَيْ
عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُرِيدُ أَنَّهُ لَا
يُصَلِّي مَا دَامَ يُؤَذَّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ
الْأَذَانِ وَسَكَتَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ
سَكَتَ بِالتَّاءِ ثَالِثِ الْحُرُوفِ وَرَوَاهُ سُوَيْد
عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ سَكَبَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَكَتَ وَسَكَبَ
(3/45)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
بِمَعْنًى وَقَالَ غَيْرُهُ سَكَبَ يُرِيدُ أَذِنَ قَالَ
وَالسَّكْبُ الصَّبُّ وَأَصْلُهُ فِي الْمَاءِ يُصَبُّ
وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَوْلِ اسْتِعَارَةً كَقَوْلِ
الْقَائِلِ أَفْرَغَ فِي أُذُنِي كَلَامًا لَمْ أَسْمَعْ
مِثْلَهُ انْتَهَى.
{الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَدْ يُسْتَأْنَسُ بِقَوْلِهِ
مِنْ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى أَنَّ
الْأَذَانَ شُرِعَ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْوَقْتِ
وَالْجَمَاعَةِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ وَهَذَا
الِاسْتِئْنَاسُ ضَعِيفٌ.
{الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ
بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ وَاسْتَبَانَ.
[فَائِدَة اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ]
{الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلِذَلِكَ بَالَغَ بَعْضُ السَّلَفِ
فَقَالَ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا شَيْئًا أَصْلًا وَقَالَ
مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْرَأُ غَيْرَ
الْفَاتِحَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَالْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ
سُورَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ
يَقْرَأَ فِيهِمَا بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
[الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]
أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] وقَوْله تَعَالَى
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64]
وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ لَكِنَّ
الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَفْضَلُ
مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْته
ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُنَا وَعَلَّلَ تَرْجِيحَ السُّورَةِ
بِأَنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِسُورَةٍ وَلَمْ يَقَعْ
بِآيَةٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ
أَصْحَابُنَا ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ
السُّورَةِ صَحِيحٌ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِ الْبَعْضِ
فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَقْفُ فِيهِ فَيَقِفُ
فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَذَهَبَ النَّخَعِيّ إلَى جَوَازِ
إطَالَةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَهَبَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ
أَنْ يَقْرَأَهُ فِيهِمَا وَإِنْ طَوَّلَ، وَقَالَ
وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ
بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مِنْ مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ
الظُّهْرِ يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ وَيُحْسِنُ
فِيهِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» وَالْحِكْمَةُ فِي
تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَطْوِيلِ الْأَرْبَعِ
قَبْلَ الظُّهْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا)
اسْتِحْبَابُ التَّغْلِيسِ فِي الصُّبْحِ وَاسْتِحْبَابُ
الْإِبْرَادِ فِي الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) أَنَّ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ تُفْعَلَانِ بَعْدَ طُولِ الْقِيَامِ
فِي اللَّيْلِ فَنَاسَبَ تَخْفِيفَهُمَا وَسُنَّةُ
الظُّهْرِ لَيْسَ قَبْلَهَا إلَّا سُنَّةُ الضُّحَى وَلَمْ
يَكُنْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُوَاظِبُ
عَلَيْهَا وَلَمْ يُرِدْ تَطْوِيلَهَا فَهِيَ وَاقِعَةٌ
بَعْدَ رَاحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة خُرُوجِ وَقْتِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِفِعْلِ
فَرْضِ الصُّبْحِ] 1
{الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى
(3/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
خُرُوجِ وَقْتِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِفِعْلِ فَرْضِ
الصُّبْحِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- بَيَّنَ بِفِعْلِهِ وَقْتَهُمَا فَلَا يُتَعَدَّى
وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ
أَصْحَابُنَا يَمْتَدُّ وَقْتُهُمَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِ
الصُّبْحِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَاتِبِ
الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ يَسْتَمِرُّ
وَقْتُهَا بَعْدَ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ إلَى خُرُوجِ
الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِعْلَهَا قَبْلَ
الْفَرْضِ بَلْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَجْهٌ عِنْدَنَا
أَنَّ وَقْتَهُمَا يَمْتَدُّ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ
وَجَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِعْلَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمَا قَبْلَ
الْفَرْضِ فِعْلٌ لِلْأَفْضَلِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ خُرُوجُ
وَقْتِهِمَا بِفِعْلِ الْفَرْضِ وَالْفِعْلُ لَا يَدُلُّ
عَلَى الْوُجُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْأَذَانَ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ] 1
{السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ الْأَذَانَ لِلصُّبْحِ
قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ
وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ
الْمُؤَذِّنَ الثَّانِيَ وَلِأَنَّ حَدِيثَ «إنَّ بِلَالًا
يُنَادِي بِلَيْلٍ» يَرْفَعُ الِاحْتِمَالَ مَعَ عَمَلِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهَا رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ
قَوْلِ أَصْحَابِهِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ حِينَ دَخَلَ
الْمَدِينَةَ وَنَاظَرَهُ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ
[فَائِدَة هَلْ يَمْتَنِعُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ]
{السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي
بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ غَيْرَ
هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ
بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ فَاسْتُدِلَّ
بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبِهِ
قَطَعَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ
الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي
الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ «لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا
سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ
مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ
لِصَلَاةِ اللَّيْلِ لِمَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ حَتَّى
أَصْبَحَ أَوْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَعَنْ
مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ
الْفَجْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ
ذَلِكَ مَا كَثُرَ لِئَلَّا تُؤَخَّرَ صَلَاةُ الصُّبْحِ
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا
يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَهُ
أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَاَلَّذِي فِي
أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ تَعْلِيقُ النَّهْيِ بِصَلَاةِ
الصُّبْحِ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى
الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ
لِلصَّلَاةِ امْتِنَاعُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ
الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ.
[فَائِدَة كَيْفَ يَكُونُ فَضْلُ النَّفْلِ مُقَدَّمًا
عَلَى فَضْلِ الْفَرْضِ فِي الصَّلَاة] 1
{الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ
بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ
النَّوَافِلُ تُفْعَلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ
(3/47)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
فَفِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ
فَكَيْفَ يَكُونُ فَضْلُ النَّفْلِ مُقَدَّمًا عَلَى
فَضْلِ الْفَرْضِ؟ فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ
وَجْهَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ
الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ الثَّانِي
أَنْ يُرِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ
فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَذِهِ بِقَدْرِ مَا يَنْتَظِرُهَا
انْتَهَى وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ بَعِيدٌ ضَعِيفٌ
مَرْدُودٌ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ
عَلِيٍّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ»
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ
عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى
«كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَبْلَ
الظُّهْرِ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ
ابْنِ مَاجَهْ «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا
إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ
حَبِيبَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ حَافَظَ عَلَى
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ» .
وَ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَقْرَبُ أَنَّهُ يَأْتِي
بِهَذِهِ النَّوَافِلِ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ
لِلْجَمَاعَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ
بِهَا إذَا لَمْ يَنْتَظِرْ جَمَاعَةً بِأَنْ صَلَّى
مُنْفَرِدًا أَوْ اجْتَمَعَ الْجَمَاعَةَ فَالْجَوَابُ
الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الرَّوَاتِبَ مِنْ
مُقَدَّمَاتِ الصَّلَاةِ وَسَوَابِقِهَا فَالِاشْتِغَالُ
بِهَا لَا يُخْرِجُ الْفَرْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَفْعُولًا
فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ صَارَ هَذَا كَالِاشْتِغَالِ
بِالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَإِزَالَةِ الْجُوعِ
بِالْأَكْلِ وَإِزَالَةِ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثِينَ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَعِدُّ بِهِ لِلدُّخُولِ فِي
الْفَرْضِ فَفِعْلُ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ الصَّلَاةَ عَنْ
كَوْنِهَا مَفْعُولَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي
سَبْقِ النَّافِلَةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ جَلْبُ الْخُشُوعِ
إلَيْهَا وَجَبْرُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ نَقْصٍ فَهُوَ
مِنْ هَيْئَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ] 1
{التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا
هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ كَانَ مَحْمُولًا
عَلَيْهِ لَمَا قُدِّمَ قَبْلَ الْمُخَاطَبَةِ
بِالصَّلَاةِ شَيْءٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ
الشَّارِعَ بَيَّنَ اتِّسَاعَ الْوَقْتِ وَامْتِدَادَهُ
وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ أَوَّلَ
الْوَقْتِ وَالْخِلَافُ فِي دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى
الْفَوْرِ مَعْرُوفٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ أَنْ تَكُونَ مَثْنَى]
{الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ
تَكُونَ مَثْنَى أَيْ يُسَلِّمُ مِنْ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ
لِأَنَّ هَذِهِ النَّوَافِلَ بَعْضُهَا لَيْلِيَّةٌ
وَبَعْضُهَا نَهَارِيَّةٌ وَكُلُّهَا رَكْعَتَانِ
رَكْعَتَانِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى
مَثْنَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ
حِبَّانَ
(3/48)
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
«كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا
فَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ
اتَّكَأَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ
الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ تَقْدِيمُ الِاضْطِجَاعِ عَلَى رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
مَثْنَى مَثْنَى» وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ
تَكُونَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَقَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى
مَثْنَى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَهَذَا
الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} أَوْرَدَ عَبْدُ الْغَنِيِّ
الْمَقْدِسِيَّ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي
الْعُمْدَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَلَيْسَ
يَظْهَرُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ
قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَاهُ أَنَّهُ
اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ الدَّلَالَةُ
عَلَى ذَلِكَ قَوِيَّةً فَإِنَّ الْمَعِيَّةَ مُطْلَقًا
أَعَمُّ مِنْ الْمَعِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ
مُحْتَمَلًا انْتَهَى.
وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِي اللَّفْظِ
الَّذِي أَوْرَدَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْ
لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي
رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْمَعِيَّةُ
الَّتِي فِيهِ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ:
{أَحَدُهَا} أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَعِيَّةُ فِي
جَمَاعَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ بَعِيدٌ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعِيَّةُ فِي
الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا
مُنْفَرِدِينَ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعِيَّةُ فِي أَصْلِ
الْفِعْلِ أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ
وَإِنْ اخْتَلَفَ زَمَانُ الْفِعْلِ وَمَكَانُهُ وَلَعَلَّ
هَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيث كَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى
عَشْرَةَ رَكْعَةً]
{الْحَدِيثُ الثَّانِي} عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ
رَكْعَةً فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ
حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ»
(فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) قَوْلُهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ
(3/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
الظَّاهِرُ فِي (مِنْ) أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ
أَيْ ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ اللَّيْلَ وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ يُصَلِّي فِي بَعْضِ
اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً.
{الثَّانِيَةُ} فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الصَّلَاةِ
بِاللَّيْلِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ
لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْصُورٌ وَلَكِنْ اخْتَلَفَتْ
الرِّوَايَاتُ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ
هِشَامٍ «قِيَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ» وَحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ «بِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْهُنَّ الْوِتْرُ
يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يَرْكَعُ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا جَاءَ الْمُؤَذِّنُ» وَمِنْ
رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْهَا «ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ»
وَعَنْهَا «كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا
غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَرْبَعًا
وَأَرْبَعًا وَثَلَاثًا» وَعَنْهَا «كَانَ يُصَلِّي
ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثَمَانِيًا ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ» وَقَدْ فَسَّرَتْهَا فِي الْحَدِيثِ «مِنْهَا
رَكْعَتَا الْفَجْرِ» وَعَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ
صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِاللَّيْلِ سَبْعٌ وَتِسْعٌ» .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ «إنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً
وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةَ الْفَجْرِ» وَفِي
حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
ثُمَّ طَوِيلَتَيْنِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي
آخِرِهِ «فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ» قَالَ الْقَاضِي
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إخْبَارُ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ وَعَائِشَةَ
بِمَا شَاهَدَ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ فَقِيلَ هُوَ مِنْهَا وَقِيلَ هُوَ مِنْ
الرُّوَاةِ عَنْهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ إخْبَارَهَا
بِإِحْدَى عَشْرَةَ هُوَ الْأَغْلَبُ وَبَاقِي
رِوَايَتِهَا إخْبَارٌ مِنْهَا بِمَا كَانَ يَقَعُ
نَادِرًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَأَكْثَرُهُ خَمْسَ
عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَقَلُّهُ
سَبْعٌ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْ
اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِطُولِ الْقِرَاءَةِ
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ
أَوْ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي
بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ كِبَرِ السِّنِّ كَمَا قَالَتْ
«فَلَمَّا أَسَنَّ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ» أَوْ تَارَةً
تَعُدُّ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ فِي أَوَّلِ
قِيَامِ اللَّيْلِ كَمَا رَوَاهَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ
وَرَوَتْهَا عَائِشَةُ أَيْضًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
وَتَعُدُّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ تَارَةً وَتَحْذِفُهُمَا
أُخْرَى أَوْ تَعُدُّ أَحَدَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ عَدَّتْ
رَاتِبَةَ الْعِشَاءِ مَعَ ذَلِكَ تَارَةً وَحَذَفَتْهَا
أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي
ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ
وَأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنْ الطَّاعَاتِ الَّتِي
كُلَّمَا زَادَ فِيهَا زَادَ الْأَجْرُ وَإِنَّمَا
الْخِلَافُ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(3/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
وَمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا
كَلَامُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ
وَأَقَرَّهُ (قُلْت) لَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ الْوِتْرَ
هُوَ التَّهَجُّدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوِتْرَ أَكْثَرُهُ مَعْلُومًا لَا
يُزَادُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَكْثَرِهِ
عَلَى وَجْهَيْنِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ
وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ
إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي
شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَ
عَشْرَةَ رَكْعَةً لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي
كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ الْوِتْرَ
غَيْرُ التَّهَجُّدِ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ» كَذَا
ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْجِيمِ مَبْنِيًّا
لِلْفَاعِلِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ
«فَلَمَّا شَقَّ الْفَجْرُ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ»
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ شَقَّ الْفَجْرُ وَانْشَقَّ
إذَا طَلَعَ كَأَنَّهُ شَقَّ مَوْضِعَ طُلُوعِهِ وَخَرَجَ
مِنْهُ انْتَهَى وَالْفَجْرُ ضَوْءُ الصُّبْحِ وَهُوَ
حُمْرَةُ الشَّمْسِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي
آخِرِ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ قَالَ صَاحِبُ
الْمَشَارِقِ الْفُجُورُ الْعِصْيَانُ وَأَصْلُهُ
الِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي وَالِانْهِمَاكُ
كَانْفِجَارِ الْمَاءِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَجْرُ
لِانْبِعَاثِ النُّورِ فِي سَوَادِ الظُّلْمَةِ.
[فَائِدَة اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَتَخْفِيفُهُمَا] 1
. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَتَخْفِيفُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي
قَبْلَهُ.
(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «ثُمَّ اتَّكَأَ» مَهْمُوزٌ أَيْ
اضْطَجَعَ وَالتَّاءُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَهُوَ مُتَّكِئٌ
عَلَى سَرِيرٍ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ فِي
جَنْبِهِ» وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ
لِذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا
ذَكَرَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» وَقَالَ الْمُتَّكِئُ فِي
الْعَرَبِيَّةِ كُلُّ مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا عَلَى
وِطَاءٍ مُتَمَكِّنًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «هَذَا
الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ الْمُرْتَفِقُ» يُرِيدُ
الْجَالِسَ الْمُتَمَكِّنَ فِي جُلُوسِهِ قَالَ
وَالْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ الْمُتَّكِئَ إلَّا مَنْ مَالَ
فِي قُعُودِهِ مُعْتَمَدًا عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ
انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا مَعْنَى
لِلِاتِّكَاءِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَّا
أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ الْمُتَّكِئِ فِي الْحَدِيثَيْنِ
اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ
فَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ
الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَ الِاتِّكَاءِ
بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا
فَسَّرُوا الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ إلَى أَحَدِ
الشِّقَّيْنِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ «عَلَى شِقِّهِ» بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ
جَنْبِهِ وَالشِّقُّ نِصْفُ الشَّيْءِ.
(السَّادِسَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي
مُصَنَّفِهِ فِعْلَهُ
(3/51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ حَكَاهُ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ
عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ
زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ
أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ أَفْصِلُ
بِضُجَعَةٍ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وُجُوبُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا رَوَى الْأَمْرَ
بِهَا قَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يُجْزِئُ
أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ
عَلَى يَمِينِهِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا، وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ لَا مَعْرِفَةَ
عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهَا وَلَيْسَ لَهُ
وَجْهٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَآهُ يَفْعَلُهَا عَائِشَةُ وَلَمْ
يَرَهُ غَيْرُهَا وَلَوْ رَآهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةِ
مَوَاطِنَ مَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً
قُلْت مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ
الْأَمْرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد سَاكِتًا عَلَيْهِ
وَالتِّرْمِذِيُّ مُصَحِّحًا لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى
أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى
يَمِينِهِ» .
وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ
فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمَنْ
صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا غُلُوٌّ
فَاحِشٌ وَهَبْهُ تَرَكَ فَرِيضَةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ
جِنْسِ الصَّلَاةِ هَلْ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ
عَلَى فِعْلِ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بَلْ نَفْسُ
الصَّلَوَاتِ قَدْ رَتَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى
لِأَوْقَاتِهَا وَعِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ إنَّهُ إذَا تَرَكَ
صَلَاةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ
وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ
صَحَّتْ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ
الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَكَذَا
يَصِحُّ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ
بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْمَقْضِيَّةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُ
فِي صِحَّتِهَا مَنْ يَرَى إعَادَةَ الْفَائِتَةِ
الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا وَيَرَى وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فِي
قَضَائِهَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَلَوْ
قَالَ إنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ الْحَاضِرَةُ وَقَدْ
تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي قَبْلَهَا عَمْدًا لَكَانَ
أَوْلَى مِنْ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ عَلَى اضْطِجَاعٍ
لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَا تَظْهَرُ فِيهِ
الْقُرْبَةُ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ
وَأَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ أَفْطَرَ
يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ الَّذِي
يَلِيهِ لِأَنَّ كُلَّ
(3/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
يَوْمٍ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ
وَعَلَقَةُ الصِّيَامِ بِالصِّيَامِ أَمَسُّ مِنْ عَلَقَةِ
الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ
صِيَامَ رَمَضَانَ جُمْلَةً فِي سَنَةٍ يَنْبَغِي أَنْ
يَقُولَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي
السَّنَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ
صَوْمَ رَمَضَانَ الْمُتَقَدِّمَ قَبْلَ إيجَابِ صَوْمِ
رَمَضَانَ الَّذِي يَلِيهِ وَأَيْضًا فَقَدْ «أَمَرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالتَّسَحُّرِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ تَسَحَّرُوا» .
فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ مَنْ تَرَكَ
التَّسَحُّرَ عَمْدًا أَوْ نَسِيَانَا لَا يَصِحُّ
صَوْمُهُ وَالسُّحُورُ أَعْلَقُ بِالصَّوْمِ مِنْ
الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَأَيْضًا فَقَدْ أَمَرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ
لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ إنَّهُ
لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ
زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَمَّا
أَوْرَدْنَا عَلَيْهِ فِي السُّحُورِ بِأَنْ قَالَ لَا
يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السُّحُورِ لِأَنَّهُ
مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ
النَّهَارِ وَلَا يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ
غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفَ
عِنْدَهُ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلِ
اللَّيْلِ وَكَيْفَ يَقُولُ فِي تَرْكِ صَلَاةٍ مِنْ
النَّهَارِ بِصِحَّةِ مَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهَارِ
أَيْضًا وَهَلْ وَرَدَ نَصٌّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ
الضَّجْعَةِ أَوْ نَسِيَهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ صَلَاةُ
الصُّبْحِ؟
هَذَا مَا لَا يُوجَدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنْ أَسْوَأِ
الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَارَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَهَبَ
آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الضَّجْعَةِ وَعَدَّهَا
مِنْ الْبِدَعِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي
مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا
يَفْعَلُهَا وَقَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَقَالَ لَمَّا
سُئِلَ عَنْهَا تَلَعَّبَ بِكُمْ الشَّيْطَانُ وَقَالَ
لَمَّا رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُهَا احْصِبُوهُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا هَذَا
التَّمَرُّغُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَتَمَرُّغِ
الْحِمَارِ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا وَقَالَ هِيَ
ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ
إذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَمَرَّغُ يَكْفِيهِ
التَّسْلِيمُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ النَّهْيُ
عَنْهَا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا
يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ
أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ احْتَبَى.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْكَارَ الضَّجْعَةِ
أَيْضًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي
عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِي
الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ
(3/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
بِالضَّجْعَةِ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ
الصُّبْحِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَلَوْ قَصَدَ
الْفَصْلَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَصَلَهَا صُورَةً
وَوَضْعًا وَوَصْفًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ
الْأَثْرَمُ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَا
أَسْمَعُ عَنْ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
فَقَالَ مَا أَفْعَلُهُ أَنَا فَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ
ثُمَّ سَكَتَ كَأَنَّهُ لَمْ يَعِبْهُ قِيلَ لَهُ لِمَ
لَمْ تَأْخُذْ بِهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ جَزَمَ
بِاسْتِحْبَابِهِ وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِسُنَّةٍ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ ثُمَّ قَالَ
ابْنُ قُدَامَةَ وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ أَوْلَى
مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ
انْتَهَى فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
وَهِيَ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْكَرَاهَةُ
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْ
يَقُومُ اللَّيْلَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ
لِلِاسْتِرَاحَةِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ وَلَا يَضْطَجِعُ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعَ
اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ
انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي مُعْجَمِ
الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- قَالَتْ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَضْطَجِعُ بِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ
كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ» .
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ
مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ
بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ إمَّا
بِاضْطِجَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ
عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ
وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى
أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّافِلَةِ
وَالْفَرِيضَةِ ثُمَّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَصْلُ
بِالِاضْطِجَاعِ أَوْ التَّحَدُّثِ أَوْ التَّحْوِيلِ مِنْ
ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَالِاضْطِجَاعُ غَيْرُ
مُتَعَيَّنٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ كُنْتُ
مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ» .
وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ
فِعْلِهَا بِجَوَابَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) إنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ
مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى
شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ
فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فِي صَحِيحِهِ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرِوَايَةُ
مَالِكٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَقَدْ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ إذَا
اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ وَالْحَدِيثُ
مَخْرَجُهُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ
الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبْلَهُمَا وَأَنَّ رِوَايَةَ
الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ
(3/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا إنَّهُ سُنَّةٌ
فَكَذَا بَعْدَهُمَا قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى
الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ
الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سُنَّةٌ
وَجَوَابُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ.:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ فِي هَذَا هِيَ
الْمَرْجُوحَةُ فَإِنَّ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْ
الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّمَا ذَكَرُوا الِاضْطِجَاعَ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَكَانَتْ تِلْكَ
الرِّوَايَةُ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لِأَكْثَرِ
الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ
كَذَلِكَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ
أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
طَرِيق مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ
يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
عَقِبَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْعَدَدُ أَوْلَى
بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْنَا
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقِيمُ عُرْوَةَ
رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بِإِثْبَاتِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ
رَوَاهُ كَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَنْكَرُوا
عَلَى مَالِكٍ رِوَايَتَهُ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ الْفَجْرِ
وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ فَجَعَلُوا
الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَا بَعْدَ
الْوِتْرِ.
(ثَانِيهِمَا) بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ
فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
يَضْطَجِعُ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْوِتْرِ
لِلِاسْتِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَهُوَ الَّذِي
رَوَاهُ مَالِكٌ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ لِلنَّشَاطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَالتَّطْوِيلِ
فِيهَا وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اضْطِجَاعُهُ
مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا.
(الْجَوَابُ الثَّانِي) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ
أَنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ فِعْلِهِ لَمْ يَكُنْ
عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ
الْأَفْعَالِ الْجِبِلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا
لِلِاسْتِرَاحَةِ وَإِجْمَامِ الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا
عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ
الْمُجَرَّدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ
كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ»
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
لَيْسَ سُنَّةً وَأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ
وَتَارَةً بَعْدُ وَتَارَةً لَا يَضْطَجِعُ انْتَهَى.
وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا لِلْقُرْبَةِ
وَالتَّشْرِيعِ لَا سِيَّمَا مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى
ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ يَدُلُّ
عَلَى النَّدْبِ بَلْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
بِدَلَالَتِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْهُمْ أَبُو
الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ
(3/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ تَارَةً يُحَدِّثُ
عَائِشَةَ وَتَارَةً يَضْطَجِعُ وَأَخْذُهُمْ مِنْ ذَلِكَ
أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَصْلُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ
مِنْهُمَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ
مُسْتَحَبًّا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُخَيَّرَ
كَالْمُسْتَحَبِّ الْمُعَيَّنِ فِي الْحُكْمِ عَلَى كُلٍّ
مِنْ خِصَالِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ كَالْوَاجِبِ
الْمُخَيَّرِ كُلٌّ مِنْ خِصَالِهِ وَاجِبَةٌ وَفِي بَعْضِ
طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
يَجْمَعُ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالِاضْطِجَاعِ» رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سَالِمٍ
أَبِي النَّصْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ
ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُحَدِّثُنِي
حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ»
وَقَدْ أَوَّلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قَوْلَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَإِنْ كُنْت
مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ» عَلَى
مَعْنَيَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - يَضْطَجِعُ يَسِيرًا وَيُحَدِّثُهَا
وَإِلَّا فَيَضْطَجِعُ كَثِيرًا.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْقَلِيلَةِ يَتْرُكُ
الِاضْطِجَاعَ بَيَانًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا
كَانَ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ فِي بَعْضِ
الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً
مَرَّةً وَنَظَائِرُهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا
أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً قَالَ
وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ
لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَاتِ
عَائِشَةَ السَّابِقَةِ أَيْ فِي الْجَزْمِ بِاضْطِجَاعِهِ
بَعْدَهُمَا وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ
بِالْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ
التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِيهِ بُعْدٌ، وَالتَّأْوِيلُ
الثَّانِي أَقْرَبُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ
الِاضْطِجَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَا رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «فَصَلَّى
سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى
الصُّبْحَ» لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاضْطِجَاعَ رَأْسًا لَا
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِي
حَدِيثِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ذَكَرَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ
الْوِتْرِ وَفِيهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ لَمْ يَذْكُرْ
الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَجَابَ
الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ الْأَمْرِ بِهَا
فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ
بِجَوَابَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ مِنْ
أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ
الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَقَدْ
تَكَلَّمَ فِيهِ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ
الْأَعْمَشِ خَاصَّةً أَيْضًا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ
(3/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
مَا رَأَيْته يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا
بِالْكُوفَةِ قَطُّ وَكُنْت أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ حَدِيثَ
الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا وَقَالَ أَبُو
دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى
أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا
بِقَوْلِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ فِي
كَذَا وَكَذَا وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ
فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ (ثَانِيهِمَا) إنَّهُ أُعِلَّ
بِالْإِرْسَالِ، ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ
طَرِيقِ الْأَثْرَمِ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لَيْسَ فِيهِ
حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ فَقُلْت لَهُ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَوَاهُ
بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا (ثَالِثُهَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ
يَسْمَعْهُ أَبُو صَالِحٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
وَبَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ كَلَامٌ
(رَابِعُهَا) أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ
أَنَّ الْمَتْنَ الْمَذْكُورَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مِنْ قَوْلِهِ فَرَجَعَ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَى مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
اضْطَجَعَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ قَالَ سَمِعْت
أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ
وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْصِلُ
بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ
بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا
لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ
ضَعْفَهُ فَإِنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ
وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ احْتَجَّ بِهِ
الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَمْ
يَلْتَفِتُوا إلَى تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ وَقَدْ
أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَعَ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ سُكُوتِ أَبِي دَاوُد عَلَيْهِ وَتَصْحِيحِ
التِّرْمِذِيِّ لَهُ وَأَمَّا الْإِرْسَالُ فَإِنَّهُ لَا
يَقْدَحُ فِي الْوَصْلِ فَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ الْوَصْلِ
عَلَى الْإِرْسَالِ وَكَوْنُهُ رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُنَافِي كَوْنَهُ
رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ
وَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَانِ
رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو صَالِحٍ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ
الْأَمْرُ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ.
(وَالْآخَرُ) وَهُوَ فِعْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ
بْنِ إبْرَاهِيمَ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ
كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَلَعَلَّ أَبَا صَالِحٍ
سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَيْنِ فَرَوَى
لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدَهُمَا أَوْ رَوَى
لِلْكُلِّ الْأَمْرَيْنِ مَعًا لَكِنْ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ
مَا حَفِظَهُ مَعَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفِعْلِ مِنْ
طَرِيقِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا صَحِيحَةٌ بِلَا شَكٍّ
وَهِيَ كَافِيَةٌ
(3/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
فِي اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
(وَالْجَوَابُ الثَّانِي) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ
أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ
عَلَى الْإِرْشَادِ إلَى الرَّاحَةِ وَالتَّنَشُّطِ
لِصَلَاةِ الصُّبْحِ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ
الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ
الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ وَأَوَامِرُ الشَّارِعِ
مَحْمُولَةٌ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ
الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْبَدَنِيَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ
الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ سُنَّةٌ
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَدِيثٌ
صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَأَمَّا
حَدِيثُ عَائِشَةَ بِالِاضْطِجَاعِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَهَا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا
فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهَا أَنْ
لَا يَضْطَجِعَ بَعْدَهَا وَلَعَلَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهَا
فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَوْ ثَبَتَ
التَّرْكُ وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ
قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ
بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا مَعَ رِوَايَاتِ الْفِعْلِ
الْمُوَافِقَةِ لِلْأَمْرِ بِهِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ
إلَيْهِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
لَمْ يَجُزْ رَدُّ بَعْضِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ بِطَرِيقِينَ
أَشَرْنَا إلَيْهِمَا.
(أَحَدُهُمَا) إنَّهُ اضْطَجَعَ قَبْلُ وَبَعْدُ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
[فَائِدَة الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] 1
(السَّابِعَةُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ رُوِيَ
عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ»
انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ «فِي بَيْتِهِ» لَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ
بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ
بِالْمَعْنَى فَإِنَّ سِيَاقَ حَدِيثِهَا دَالٌ عَلَى
أَنَّ جَمِيعَ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي اللَّيْلِ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ
وَكَذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ
حَفْصَةَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
شَرْحِهِ وَلَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ بِهَذِهِ
اللَّفْظَةِ إلَى أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا فِي
الْبَيْتِ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِخِلَافِ
الِاضْطِجَاعِ فِي الْمَسْجِدِ خُصُوصًا مَعَ تَرْصِيصِ
الصُّفُوفِ لِلصَّلَاةِ فَرُبَّمَا اُسْتُقْبِحَ ذَلِكَ
فِي الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ عَلَى
مَنْ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ
حَصَبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ
الْعُلَمَاءِ يُنْكِرُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِعْلَهُ
لِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ حَزْمٍ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجِيءُ وَعُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ
فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ
فَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ
يَذْكُرُ هَذَا فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَوْ
الِاسْتِشْهَادِ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَنْ كَانَ
يَفْعَلُهُ لَوْ ثَبَتَ وَلَوْ عَرَفَ
(3/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[طرح التثريب]
أَنَّ الَّذِينَ فَعَلُوهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا
حُجَّةَ فِي فِعْلِهِمْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» قَالَ
وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يُنْقَلْ فِي شَيْءٍ
مِنْ الْأَخْبَارِ فِيمَا عَلِمْت إنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ
بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى.
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عُرْوَةَ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَسَّ جَنْبَهُ الْأَرْضَ ثُمَّ
قَامَ فَدَخَلَ مَعَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ.
[فَائِدَة الِاضْطِجَاعَ الْمُسْتَحَبَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ]
(الثَّامِنَةُ) فِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ الْمُسْتَحَبَّ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَكُونُ عَلَى الشِّقِّ
الْأَيْمَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَلْ يَحْصُلُ أَصْلُ
السُّنَّةِ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمَّا مَعَ
الْقُدْرَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ
لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَمْرِ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ
فِي الرَّوْضَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الِاضْطِجَاعَ لَمْ
يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَاقْتَضَى
كَلَامُهُ حُصُولَ السُّنَّةِ بِالْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّ
ذَلِكَ ذُهُولٌ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ
يَرَى أَنَّ الْأَيْسَرَ غَيْرُ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا
مَعَ الْعَجْزِ أَوْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ
فَالظَّاهِرُ الِانْتِقَالُ لِلْأَيْسَرِ وَهُوَ قِيَاسُ
نَظَائِرِهِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ
أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ
بِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ لِلشِّقِّ
الْأَيْمَنِ وَلَا يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ انْتَهَى.
[فَائِدَة اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى
الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ] 1
(التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ
الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي
جَمِيعِ الْأَحْوَالِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ
الْعُلَمَاءُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ فِي
النَّوْمِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ
فَيَقْلَقُ حِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَغْرِقُ وَإِذَا نَامَ
عَلَى الْيَسَارِ كَانَ فِي دَعَةٍ وَرَاحَةٍ
فَيَسْتَغْرِقُ انْتَهَى قُلْت وَقَدْ اعْتَدْت النَّوْمَ
عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَصِرْت إذَا فَعَلْت ذَلِكَ
كُنْت فِي دَعَةٍ وَرَاحَةٍ وَاسْتِغْرَاقٍ وَإِذَا نِمْت
عَلَى الشِّقِّ الْأَيْسَرِ حَصَلَ عِنْدِي قَلَقٌ
لِذَلِكَ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقٍ فِي النَّوْمِ فَلَعَلَّ
تَعْلِيلَ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْمَنِ تَشْرِيفُهُ
وَتَكْرِيمُهُ وَإِيثَارُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
[فَائِدَة اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ] 1
(الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهَا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ
دَلِيلٌ عَلَى اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ
وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي
مَوْضِعِهِ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا يُؤْذِنُهُ
لِلصَّلَاةِ، فِيهِ جَوَازُ إعْلَامِ الْمُؤَذِّنِ
الْإِمَامَ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا
وَاسْتِدْعَائِهِ لَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا
وَغَيْرُهُمْ.
(3/59)
صَلَاةُ الضُّحَى عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
«مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ» قَالَ وَقَالَتْ
عَائِشَةُ لَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ
لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ
النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ وَكَانَ يُحِبُّ
مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ فِيهِ
قَالَتْ «وَكَانَ يُحِبُّ» ، وَلِمُسْلِمٍ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي
الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» وَلَهُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ «قُلْت لِعَائِشَةَ هَلْ
كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ لَا، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ
مَغِيبِهِ» ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ |