عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 501 - (بابُ منْ قَالَ لَا يَقْطَعُ
الصَّلاَةَ شَيْءٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول من قَالَ لَا يقطع
الصَّلَاة شَيْء وَمَعْنَاهُ من فعل غير الْمُصَلِّي.
415 - ح دّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قالَ حدَّثنا أبي قَالَ
حدّثنا الأَعْمَشُ قَالَ حدّثنا إبْرَاهِيمُ عَنِ
الأَسْوَد عنْ عائِشَةَ قَالَ الأَعْمَشُ وحدّثني مُسْلِمٌ
عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَها مَا يَقُطَعُ
الصَّلاَةَ الكَلْبُ والحِمَارُ وَالمَرْأةُ فقالَتْ
شَبَهْتُمُونا بالحُمُرِ والكِلابِ وااِ لَقَدْ رَأيْتُ
النبيَّ يُصَلِّي وإنّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةٌ فَتَبُدُو لِي الحَاجَةُ
فأكْرَهُ أنْ أجْلِسَ فأُوذِيَ النبيَّ فَأنْسَلُّ مِنْ
عِنْدِ رِجْلَيْهِ.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه
يدل على أَن الصَّلَاة لَا يقطعهَا شَيْء، بَيَان ذَلِك
أَن عَائِشَة أنْكرت على من ذكر عِنْدهَا أَن الصَّلَاة
يقطعهَا الْكَلْب وَالْحمار وَالْمَرْأَة بِكَوْنِهَا
كَانَت على السرير بَين النَّبِي وَبَين الْقبْلَة وَهِي
مُضْطَجِعَة، وَلم يَجْعَل النَّبِي ذَلِك قطعا لصلاته،
فَهَذِهِ الْحَالة أقوى من الْمُرُور، فَإِذا لم تقطع فِي
هَذِه فَفِي الْمُرُور بِالطَّرِيقِ الأولى، ثمَّ
الْمُرُور عَام من أَي حَيَوَان كَانَ، لِأَن الشَّارِع
جعل كل مَا بَين يَدي الْمُصَلِّي شَيْطَانا، وَذَلِكَ فِي
حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أخرجه مُسلم عَن يحيى بن
يحيى عَن مَالك. وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي عَن مَالك
عَن زيد بن أسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله
قَالَ: (إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يدعن أحدا يمر
بَين يَدَيْهِ، وليدرأه مَا اسْتَطَاعَ فَإِن أبي فليقاتله
فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان) . وَهُوَ بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل
بني آدم وَغَيرهم، وَلم يَجْعَل نفس الْمُرُور قَاطعا،
وَإِنَّمَا ذمّ الْمَار حَيْثُ جعله شَيْطَانا من بَاب
التَّشْبِيه.
ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة قد ذكرُوا كلهم، وَالْأَعْمَش
هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ،
وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ، وَمُسلم هُوَ أَبُو
الضُّحَى، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع
وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه:
إسنادان: أَحدهمَا: عَن عمر بن حَفْص بن غياث عَن
الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة،
وَالْآخر: عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم عَن مَسْرُوق عَن
عَائِشَة، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله، وَقَالَ الْاعمش:
حَدثنِي مُسلم، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا إِمَّا تَعْلِيق
وَإِمَّا دَاخل تَحت الْإِسْنَاد الأول، وَهَذَا تَحْويل
سَوَاء كَانَ بِكَلِمَة (ح) كَمَا فِي بعض النّسخ، أَو لم
يكن. وَقَالَ بَعضهم: قَالَ الْأَعْمَش، وَهُوَ مقول حَفْص
بن غياث وَلَيْسَ بتعليق. قلت: أَرَادَ بِهِ الرَّد على
الْكرْمَانِي وَلَيْسَ لَهُ وَجه، لِأَنَّهُ ذكر
التَّعْلِيق بِالنّظرِ إِلَى ظَاهر الصُّورَة، وَذكر
أَيْضا أَنه دَاخل تَحت الْإِسْنَاد الأول. وَهَذَا
الحَدِيث قد تكَرر ذكره مطولا ومختصراً بِوُجُوه شَتَّى
وطرق مُخْتَلفَة، ذكر فِي بَاب الصَّلَاة على الْفراش،
وَفِي بَاب الصَّلَاة على السرير، وَفِي بَاب اسْتِقْبَال
الرجل الرجل فِي الصَّلَاة، وَفِي بَاب الصَّلَاة خلف
النَّائِم، وَفِي بَاب التَّطَوُّع خلف الْمَرْأَة، وَفِي
هَذَا الْبَاب فِي موضِعين.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله: (ذكر عِنْدهَا) أَي:
إِنَّه ذكر عِنْد عَائِشَة. قَوْله: (مَا يقطع) ، كلمة:
مَا، مَوْصُولَة، وَيجوز فِيهِ وَجْهَان: الأول: أَن تكون
مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: الْكَلْب، وَالْجُمْلَة فِي مَحل
النصب لِأَنَّهُ مفعول مَا لم يسم فَاعله، وَهُوَ قَوْله:
ذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول. الْوَجْه الثَّانِي: أَن
يكون: مَا، مفعول مَا لم يسم فَاعله، وَيكون قَوْله:
الْكَلْب، بَدَلا مِنْهُ. قَوْله: (وَأَنا على السرير
بَينه وَبَين الْقبْلَة مُضْطَجِعَة) ، ثَلَاثَة أَخْبَار
مترادفة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ أَيْضا: أَو خبران
وَحَال، أَو: حالان وَخبر، وَفِي بَعْضهَا مُضْطَجِعَة
بِالنّصب، فالأولان خبران، أَو أَحدهمَا حَال وَالْآخر
خبر. قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن قَوْله: وَأَنا على
السرير، جملَة اسمية وَقعت حَالا من عَائِشَة، وَكَذَا:
بَينه وَبَين الْقبْلَة، حَال. وَقَوله: مُضْطَجِعَة،
بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَأَنا
مُضْطَجِعَة. وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ تكون هَذِه
الْجُمْلَة أَيْضا حَالا، وَيجوز أَن يكون: مُضْطَجِعَة،
بِالرَّفْع خَبرا لقَوْله: وَأَنا أَي: وَالْحَال أَنا
مُضْطَجِعَة
(4/298)
على السرير، فعلى هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى
تَقْدِير مُبْتَدأ. وَأما وَجه النصب فِي: مُضْطَجِعَة،
فعلى أَنه حَال من: عَائِشَة، أَيْضا، ثمَّ يجوز أَن يكون
هَذَانِ الحالان مترادفين، وَيجوز أَن يَكُونَا متداخلين.
قَوْله: (شبهتمونا بالحمر وَالْكلاب) ، وَفِي رِوَايَة
للْبُخَارِيّ: (لقد جعلتمونا كلاباً) ، وَهِي فِي
اسْتِقْبَال الرجل وَهُوَ يُصَلِّي، وَفِي رِوَايَة مُسلم:
(قَالَت: عدلتمونا بالكلاب والحمر) . وَفِي رِوَايَة
أُخْرَى لَهُ: (لقد شبهتمونا بالحمير وَالْكلاب) ، وَفِي
رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (لقد عدلتمونا بالكلاب وَالْحمير)
. وَقد أخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من سبع طرق
صِحَاح، وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور: (قَالَت
عَائِشَة: ياأهل الْعرَاق قد عدلتمونا) . الحَدِيث، وَقد
أخرج أهل الْعرَاق حَدِيثا عَن أبي ذَر أخرجه مُسلم،
وَقَالَ: حدّثنا ابْن أبي شيبَة، قَالَ: حدّثنا
إِسْمَاعِيل بن علية وحَدثني زُهَيْر بن حَرْب، قَالَ:
حدّثنا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن يُونُس عَن حميد بن
عبد ابْن الصَّامِت عَن أبي ذَر، قَالَ رَسُول ا: (إِذا
قَامَ أحدكُم يُصَلِّي فَإِنَّهُ يستره إِذا كَانَ بَين
يَدَيْهِ مثل آخِرَة الرحل، فَإِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ
مثل آخِرَة الرحل فَإِنَّهُ يقطع صلَاته الْحمار
وَالْمَرْأَة وَالْكَلب الْأسود. قلت: يَا أَبَا ذَر: مَا
بَال الْكَلْب الْأسود من الْكَلْب الْأَحْمَر وَمن
الْكَلْب الْأَصْفَر؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، سَأَلت رَسُول
الله كَمَا سَأَلتنِي، فَقَالَ: الْكَلْب الْأسود
شَيْطَان) .
وَأخرجه الْأَرْبَعَة أَيْضا مطولا ومختصراً، وَقيد
الْكَلْب فِي رِوَايَته بالأسود، وروى ابْن مَاجَه من
حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي، قَالَ: (يقطع الصَّلَاة
الْكَلْب الْأسود وَالْمَرْأَة الْحَائِض) . وَقيد
الْمَرْأَة فِي رِوَايَته بالحائض. قَوْله: (فتبدو لي
الْحَاجة) أَي: تظهر، وَفِي (مُسْند) السراج: (فَيكون لي
حَاجَة) . قَوْله: (فأكره أَن أَجْلِس) أَي: مُسْتَقْبل
رَسُول ا، وَذكر فِي بَاب الصَّلَاة على السرير: (فأكره
أَن أسنحه) . وَفِي بَاب اسْتِقْبَال الرجل: (فأكره أَن
أستقبله) ، وَالْمَقْصُود من ذَلِك كُله وَاحِد، لَكِن
باخْتلَاف المقامات اخْتلف الْعبارَات. قَوْله: (فأوذي)
بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع وفاعله الضَّمِير
فِيهِ: (وَالنَّبِيّ) بِالنّصب مَفْعُوله، وَفِي
النَّسَائِيّ: من طَرِيق شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن الْأسود
عَن عَائِشَة فِي هَذَا الحَدِيث: (فأكره أَن أقوم فَأمر
بَين يَدَيْهِ) . قَوْله: (فأنسل) بِالرَّفْع عطفا على
قَوْله: (فأكره) ، وَلَيْسَ بِالنّصب عطفا على: (فأوذي) .
وَمعنى: (فأنسل) : أَي: أمضي بتأن وتدريج. وَقد ذكرنَا
مرّة وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (فأنسل انسلالاً) .
وَكَذَا فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّحَاوِيّ: دلّ
حَدِيث عَائِشَة على أَن مُرُور بني آدم بَين يَدي
الْمُصَلِّي لَا يقطع الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ دلّ حَدِيث أم
سَلمَة ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث، فَأخْرج الطَّحَاوِيّ
حَدِيث أم سَلمَة عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم
سَلمَة، قَالَت: (كَانَ يفرش لي حِيَال مصلى رَسُول ا،
كَانَ يُصَلِّي وَأَنا حياله) . وَأخرجه أَحْمد فِي
(مُسْنده) نَحوه، غير أَن فِي لَفظه: (حِيَال مَسْجِد
رَسُول ا) ، أَي: تِلْقَاء وَجهه. وَأخرج الطَّحَاوِيّ
أَيْضا حَدِيث مَيْمُونَة: عَن عبد الله بن شَدَّاد،
قَالَ: حَدَّثتنِي خَالَتِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث،
قَالَت: (كَانَ فِرَاشِي حِيَال مصلى رَسُول ا، فَرُبمَا
وَقع ثَوْبه عَليّ وَهُوَ يُصَلِّي) . وَأخرجه أَبُو
دَاوُد، وَلَفظه: (كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي وَأَنا
حذاءه، وَأَنا حَائِض، وَرُبمَا أصابني ثَوْبه إِذا سجد
وَكَانَ يُصَلِّي على الْخمْرَة) . قَوْله: (مصلى رَسُول
ا) ، بِفَتْح اللَّام، وَهُوَ الْموضع الَّذِي كَانَ
يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيته، وَهُوَ مَسْجده الَّذِي عينه
للصَّلَاة فِيهِ، و: الْخمْرَة، بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة: حَصِير صَغِير يعْمل من سعف النّخل وينسج
بالسيور والخيوط، وَهِي على قدرهَا مَا يوضع عَلَيْهَا
الْوَجْه وَالْأنف، فَإِذا كَبرت عَن ذَلِك تسمى حَصِيرا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فقد تَوَاتَرَتْ هَذِه الْآثَار عَن
رَسُول الله بِمَا يدل على أَن بني آدم لَا يقطعون
الصَّلَاة، وَقد جعل مل مَا بَين يَدي الْمُصَلِّي فِي
حَدِيث ابْن عمر وَأبي سعيد شَيْطَانا، وَأخْبر أَبُو ذَر:
أَن الْكَلْب الْأسود إِنَّمَا يقطع الصَّلَاة لِأَنَّهُ
شَيْطَان، فَكَانَت الْعلَّة الَّتِي جعلت لقطع الصَّلَاة
قد جعلت فِي بني آدم أَيْضا، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنهم
لَا يقطعون الصَّلَاة، فَدلَّ على أَن كل مار بَين يَدي
الْمُصَلِّي، مِمَّا سوى بني آدم، كَذَلِك أَيْضا لَا يقطع
الصَّلَاة، وَالدَّلِيل على صِحَة مَا ذكرنَا أَن ابْن
عمر، مَعَ رِوَايَته مَا ذكرنَا عَنهُ من قَوْله، قد وري
عَنهُ من بعده مَا حدّثنا يُونُس، قَالَ: حدّثنا سُفْيَان
عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم، قَالَ: قيل لِابْنِ عمر: إِن
عبد ابْن عَيَّاش بن ربيعَة، يَقُول: يقطع الصَّلَاة
الْكَلْب وَالْحمار، فَقَالَ ابْن عمر: لَا يقطع صَلَاة
الْمُسلم شَيْء وَقد دلّ هَذَا على ثُبُوت نسخ مَا كَانَ
سَمعه من رَسُول الله حَتَّى صَار مَا قَالَ بِهِ من
ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم، وَتعقب على كَلَام الطَّحَاوِيّ
بِأَن النّسخ لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا إِذا علم
التَّارِيخ وَتعذر الْجمع والتاريخ هُنَا لم يتَحَقَّق
وَالْجمع لم يتَعَذَّر (قلت) لَا نسلم -
(4/299)
ذَلِك، لِأَن مثل ابْن عمر، بَعْدَمَا روى
أَن الْمُرُور يقطع، قَالَ: لَا يقطع صَلَاة الْمُسلم
شَيْء، فَلَو لم يثبت عِنْده نسخ ذَلِك لم يقل بِمَا قَالَ
من عدم الْقطع، وَمن الدَّلِيل على ذَلِك أَن ابْن
عَبَّاس، الَّذِي هُوَ أحد رُوَاة الْقطع، وري أَنه حمله
على الْكَرَاهَة.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: روى سماك عَن عِكْرِمَة، قيل
لِابْنِ عَبَّاس: أتقطع الصَّلَاة الْمَرْأَة وَالْكَلب
وَالْحمار؟ فَقَالَ: {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب
وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} (فاطر: 01) فَمَا يقطع هَذَا،
وَلَكِن يكره. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقد روى عَن نفر من
أَصْحَاب رَسُول ا: أَن مُرُور بني آدم وَغَيرهم بَين يَدي
الْمُصَلِّي لَا يقطع الصَّلَاة، ثمَّ أخرج عَن سعيد بن
الْمسيب بِإِسْنَاد صَحِيح أَن عليا وَعُثْمَان، رَضِي
اتعالى عَنْهُمَا، قَالَا: (لَا يقطع صَلَاة الْمُسلم
شَيْء وادرؤا مَا اسْتَطَعْتُم) . وَأخرجه أَيْضا ابْن أبي
شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن ابْن الْمسيب عَن عَليّ
وَعُثْمَان، قَالَا: (لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء فادرؤوهم
عَنْكُم مَا اسْتَطَعْتُم) . وَأخرج الطَّحَاوِيّ: عَن
كَعْب بن عبد اعن حُذَيْفَة بن الْيَمَان يَقُول: (لَا
يقطع الصَّلَاة شَيْء) . وَأخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا.
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَليّ، رَضِي اعنه،
مَرْفُوعا: (لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء إلاَّ الْحَدث) .
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْقَائِلُونَ بِقطع بمرورهم، من
أَيْن قَالُوا بِهِ؟ قلت: إِمَّا باجتهادهم، وَلَفظ:
شبهتمونا، يدل عَلَيْهِ، إِذْ نسبت التَّشْبِيه إِلَيْهِم،
وَإِمَّا بِمَا ثَبت عِنْدهم من قَول النَّبِي.
قلت: هَذَا السُّؤَال سُؤال من لم يقف على الْأَحَادِيث
الَّتِي فِيهَا الْقطع، وَأحد شقي الْجَواب غير موجه
لِأَنَّهُ لَا مجَال للإجتهاد عِنْد وجوب النُّصُوص. ثمَّ
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن الرَّسُول بِهِ فلِمَ لَا يحكم
بِالْقطعِ؟ قلت: إِمَّا لِأَنَّهَا رجحت خَبَرهَا على
خبرهم من جِهَة أَنَّهَا صَاحِبَة الْوَاقِعَة، وَمن جِهَة
أُخْرَى، أَو لِأَنَّهَا أولت الْقطع بِقطع الْخُشُوع
ومواطأة الْقلب اللِّسَان فِي التِّلَاوَة، لَا قطع أصل
الصَّلَاة، أَو جعلت حَدِيثهَا وَحَدِيث ابْن عَبَّاس
مُرُور الْحمار الأتان ناسخين لَهُ، وَكَذَا حَدِيث أبي
سعيد الْخُدْرِيّ حَيْثُ قَالَ: (فليدفعه وفليقاتله) ، من
غير حكم بِانْقِطَاع الصَّلَاة بذلك. فَإِن قلت: لِمَ لَمْ
يعكس بِأَن يَجْعَل الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة مَنْسُوخَة؟
قلت: للإحتراز عَن كَثْرَة النّسخ، إِذْ نسخ حَدِيث وَاحِد
أَهْون من نسخ ثَلَاثَة، أَو لِأَنَّهَا كَانَت عارفة
بالتاريخ وَتَأَخر عَنهُ.
515461 - ح دّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا يَعْقُوبُ بنُ
بْرَاهِيمَ قَالَ حدّثني ابنُ أخِي ابنِ شِهَابٍ أنَّهُ
سأَلَ عَمَّهُ عَن الصَّلاَةِ يَقْطَعُهَا شِيءٌ فقالَ لاَ
يَقْطَعُهَا شَيءٌ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ
أنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النبيّ قالَتْ لَقَدْ كانَ رسولُ
الله يَقُومُ فَيُصلِّي منَ اللَّيْلِ وَإِنِّي
لِمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ
أهْلِهِ. .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة صَرِيحَة من قَول
الزُّهْرِيّ.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق بن أبراهيم
الْحَنْظَلِي الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، هَذِه
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره وَقع إِسْحَاق غير
مَنْسُوب، وَزعم أَبُو نعيم أَنه: إِسْحَاق بن مَنْصُور
الكوسج، وَجزم ابْن السكن بِأَنَّهُ: ابْن رَاهْوَيْةِ،
وَقَالَ: كل مَا فِي البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق غير
مَنْسُوب فَهُوَ ابْن رَاهْوَيْةِ. وَقَالَ الكلاباذي:
إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم. وَإِسْحَاق بن مَنْصُور
وَكِلَاهُمَا يرويان عَن يَعْقُوب. الثَّانِي: يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم، وَقد مر. الثَّالِث: ابْن أخي ابْن شهَاب
هُوَ مُحَمَّد بن عبد ابْن مُسلم، تقدم فِي بَاب إِذا لم
يكن الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة. الرَّابِع: عَمه، هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس:
عُرْوَة بن الزبير. السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة،
رَضِي اتعالى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: السُّؤَال
وَالْقَوْل. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه، وَفِيه:
رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية. وَفِيه: أَن رُوَاته
مدنيون مَا خلا إِسْحَاق فَإِنَّهُ مروزي.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (لَا يقطعهَا) ، أَي: لَا يقطع
الصَّلَاة شَيْء، وَهَذَا عَام مَخْصُوص بالأمور
الثَّلَاثَة الَّتِي وَقع النزاع فِيهَا، لِأَن القواطع
فِي الصَّلَاة كَثِيرَة مثل القَوْل الْكثير وَغَيرهمَا،
وَمَا من عَام إلاَّ وَقد خص إلاَّ: {وَا بِكُل شَيْء
عليم} (الْبَقَرَة: 132، 282 النِّسَاء: 671 الْمَائِدَة:
79 الْأَنْفَال: 57 التَّوْبَة: 511 النُّور: 53، 46
العنكبوت: 26 الحجرات: 61 المجادلة: 07 التغابن: 11)
وَنَحْوه. قَوْله: (أَخْبرنِي) ، من تَتِمَّة مقول ابْن
شهَاب. قَوْله: (وَإِنِّي لمعترضة) ، جملَة اسمية
مُؤَكدَة: بِأَن، وللام فِي مَوضِع النصب على الْحَال.
(4/300)
قَوْله: (على فرَاش أَهله) ، كَذَا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
(على فرَاش) ، وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ مُتَعَلق:
بِقوم، مَعَ أَن الرِّوَايَة الأولى يحْتَمل تعلقهَا
بِلَفْظ: يُصَلِّي، أَيْضا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ بِهِ استدلت عَائِشَة
وَالْعُلَمَاء بعْدهَا على أَن الْمَرْأَة لَا تقطع صَلَاة
الرجل. وَفِيه: جَوَاز صَلَاة الرجل إِلَيْهَا، وَكَرَاهَة
الْبَعْض لغير النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
ولخوف الْفِتْنَة بهَا وبذكرها وإشتغال الْقلب بهَا
بِالنّظرِ إِلَيْهَا، وَالنَّبِيّ،، منزه عَن ذَلِك كُله،
مَعَ أَنه كَانَ فِي اللَّيْل والبيوت يَوْمئِذٍ لَيست
فِيهَا مصابيح. وَفِيه: إستحباب صَلَاة اللَّيْل. وَفِيه:
جَوَاز الصَّلَاة على الْفراش.
601 - (بابٌ منْ حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً على عُنقِهِ
فِي الصَّلاَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حمل جَارِيَة صَغِيرَة على
عُنُقه، يَعْنِي: لَا تفْسد صلَاته. وَقَالَ ابْن بطال:
أَدخل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا ليدل أَن حمل
الْمُصَلِّي الْجَارِيَة على الْعُنُق لَا يضر صلَاته،
لِأَن حملهَا أَشد من مرورها بَين يَدَيْهِ، فَلَمَّا لم
يضر حملهَا كَذَلِك لَا يضر مرورها. قلت: فَلذَلِك ترْجم
هَذَا الْبَاب بِهَذِهِ التَّرْجَمَة، وَبَينه وَبَين
الْأَبْوَاب الَّتِي قبله مُنَاسبَة من هَذَا الْوَجْه.
615 - ح دّثنا عَبْدُ ااِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ عامِرِ بنِ عَبْد ااِ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ
عَمْرو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرقِيِّ عنْ أبي قَتَادَةَ
الأَنْصَاريِّ أنَّ رسولَ ااِ كانَ يُصَلِّي وَهُوَ حامِلٌ
أُمامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتَ رسولِ ااِ ولأَبي العَاصِ
بنِ رَبِيعَةَ بنِ عَبْدِ شمْسٍ فإِذَا سَجَدَ وَضَعَها
وَإذَا قَامَ حَمَلَها. (الحَدِيث 615 طرفَة فِي: 6995) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: أَيْن
الظُّهُور وَقد خصص الْحمل بِكَوْنِهِ على الْعُنُق،
وَلَفظ الحَدِيث أَعم من ذَلِك؟ قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ
بذلك إِلَى الحَدِيث لَهُ طرق أُخْرَى مِنْهَا لمُسلم من
طَرِيق بكير بن الْأَشَج عَن عَمْرو بن سليم، وَصرح فِيهِ:
(على عُنُقه) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد لَهُ:
(فَيصَلي رَسُول الله وَهِي على عَاتِقه) ، وَفِي رِوَايَة
لِأَحْمَد من طَرِيق ابْن جريج: (على رقبته) .
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد ابْن يُوسُف
التنيسِي. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: عَامر بن
عبد ابْن الزبير بن الْعَوام. الرَّابِع: عَمْرو بن سليم،
بِضَم السِّين: الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء،
وَهُوَ فِي الْأَنْصَار نِسْبَة إِلَى زُرَيْق بن عَامر بن
زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن عصب بن جشم بن
الْخَزْرَج. الْخَامِس: أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ
واسْمه الْحَارِث بن ربعي السّلمِيّ، وَقَالَ ابْن
الْكَلْبِيّ وَابْن إِسْحَاق: اسْمه النُّعْمَان. قَالَ
الْهَيْثَم بن عدي: إِن عليا صلى عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ
فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ.
ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع، والعنعنة فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق:
عَن مَالك سَمِعت أَبَا قَتَادَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة
أَحْمد من طَرِيق ابْن جريج: عَن عَامر عَن عَمْرو بن سليم
أَنه سمع أَبَا قَتَادَة. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون
مَا خلا شيخ البُخَارِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ
عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي وَيحيى بن يحيى
وقتيبة، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن
اللَّيْث بِهِ، وَعَن ابتن أبي عَمْرو وَعَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن أبي بكر
الْحَنَفِيّ وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَهَارُون بن
سعيد، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث
بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن وهب بِهِ، وَعَن
يحيى بن خلف عَن عبد الْأَعْلَى عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ،
وَعَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن
سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن صَدَقَة الْحِمصِي عَن
مُحَمَّد بن حَرْب.
رلا
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله: (وَهُوَ حَامِل
أُمَامَة) ، جملَة إسمية فِي مَحل النصب على الْحَال،
وَلَفظ: حَامِل، بِالتَّنْوِينِ، وأمامة،
(4/301)
بِالنّصب، وَهُوَ الْمَشْهُور يرْوى
بِالْإِضَافَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن ابالغ
أمره} (الطَّلَاق: 3) بالوحهين فِي الْقِرَاءَة وَقَالَ
الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: قَالَ النُّحَاة: فَإِن إسم
الْفَاعِل للماضي وَجَبت الْإِضَافَة، فَمَا وَجه عمله؟
قلت: إِذا أُرِيد بِهِ حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة جَازَ
إعماله كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وكلبهم باسط
ذِرَاعَيْهِ} (الْكَهْف: 81) و: أُمَامَة، بِضَم الْهمزَة
وَتَخْفِيف الميمين: بنت زَيْنَب، رَضِي اتعالى عَنْهَا،
كَانَت زَيْنَب أكبر بَنَات رَسُول ا، وَكَانَت فَاطِمَة
أصغرهن وأحبهن إِلَى رَسُول ا، وَكَانَ أَوْلَاد رَسُول
الله كلهَا من خَدِيجَة سوى إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من
مَارِيَة الْقبْطِيَّة، تزَوجهَا النَّبِي، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، قبل الْبعْثَة. قَالَ الزُّهْرِيّ:
وَكَانَ عمر يَوْمئِذٍ إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَقيل: خمْسا
وَعشْرين سنة زمَان بنيت الْكَعْبَة، قَالَه الْوَاقِدِيّ،
وَزَاد: وَلها من الْعُمر خمس وَأَرْبَعُونَ سنة. وَقيل:
كَانَ عمره،، ثَلَاثِينَ سنة وعمرها أَرْبَعِينَ سنة،
فَولدت لَهُ: الْقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى والطاهر
وَزَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة، وَتزَوج
بِزَيْنَب: أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فَولدت مِنْهُ عليا
وأمامة هَذِه الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث، تزَوجهَا عَليّ
بن أبي طَالب بعد موت فَاطِمَة، فَولدت مِنْهُ مُحَمَّدًا،
وَكَانَت وَفَاة زَيْنَب فِي ثمانٍ. قَالَه الْوَاقِدِيّ.
وَقَالَ قَتَادَة: فِي أول سنة ثَمَان.
قَوْله: (وَلأبي الْعَاصِ) بن الرّبيع بن عبد شمس، وَفِي
أَحَادِيث (الْمُوَطَّأ) للدارقطني: قَالَ ابْن نَافِع
وَعبد ابْن يُوسُف والقعنبي فِي رِوَايَة إِسْحَاق عَنهُ،
وَابْن وهب وَابْن بكير وَابْن الْقَاسِم وَأَيوب بن صَالح
عَن مَالك: وَلأبي الْعَاصِ بن ربيعَة عبد شمس. وَقَالَ
مُحَمَّد بن الْحسن: وَلأبي الْعَاصِ بن الرّبيع، مثل قَول
معن، وَأبي مُصعب. وَفِي (التَّمْهِيد) رَوَاهُ يحيى:
وَلأبي الْعَاصِ بن ربيعَة، بهاء التَّأْنِيث، وَتَابعه
الشَّافِعِي ومطرف وَابْن نَافِع، وَالصَّوَاب: ابْن
الرّبيع، وَكَذَا أصلحه ابْن وضاح فِي رِوَايَة يحيى.
قَالَ عِيَاض: وَقَالَ الْأصيلِيّ: هُوَ ابْن ربيع ابْن
ربيعَة، فنسبه مَالك إِلَى جده قَالَ عِيَاض: وَهَذَا غير
مَعْرُوف، وَنسبه عِنْد أهل الْأَخْبَار باتفاقهم أَبُو
الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد
منَاف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: البُخَارِيّ نسبه مُخَالفا
للْقَوْم من جِهَتَيْنِ، قَالَ: ربيعَة، بِحرف
التَّأْنِيث، وَعِنْدهم: الرّبيع، بِدُونِهِ. وَقَالَ:
ربيعَة بن عبد شمس، وهم قَالُوا: ربيع بن عبد الْعُزَّى بن
عبد شمس. قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على كَلَام الْقَوْم
لما قَالَ: نِسْبَة البُخَارِيّ مُخَالفا للْقَوْم من
جِهَتَيْنِ، على أَن الَّذِي عندنَا فِي نسختنا: الرّبيع
عبد شمس، بِالنِّسْبَةِ إِلَى جده، وَاخْتلف فِي اسْم أبي
الْعَاصِ، قيل: يَاسر، وَقيل: لَقِيط، وَقيل: مهشم،
وَقَالَ الزبير: عَن مُحَمَّد بن الضَّحَّاك عَن أَبِيه
اسْمه الْقَاسِم، وَهُوَ أَكثر فِي اسْمه. وَقَالَ أَبُو
عمر: وَالْأَكْثَر لَقِيط، وَيعرف بجر الْبَطْحَاء،
وَرَبِيعَة عَمه، وَأم أبي الْعَاصِ: هدلة، وَقيل: هِنْد
بنت خويلد أُخْت خَدِيجَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا،
لأَبِيهَا وَأمّهَا، وَأَبُو الْعَاصِ أسلم قبل الْفَتْح
وَهَاجَر ورد عَلَيْهِ السَّلَام، عَلَيْهِ إبنته زَيْنَب
وَمَاتَتْ مَعَه. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ أَبُو
الْعَاصِ من رجال مَكَّة المعدومين مَالا وَأَمَانَة
وتجارةً، وَكَانَت خَدِيجَة هِيَ الَّتِي سَأَلت رَسُول
الله أَن يُزَوجهُ بابنتها زَيْنَب، وَكَانَ لَا
يُخَالِفهَا، وَكَانَ ذَلِك قبل الْوَحْي، وَالْإِسْلَام
فرق بَينهمَا. وَقَالَ ابْن كثير: إِنَّمَا حرم االمسلمات
على الْمُشْركين عَام الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ من
الْهِجْرَة، وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ فِي غَزْوَة بدر مَعَ
الْمُشْركين، وَوَقع فِي الْأسر. وَقَالَ ابْن هِشَام:
كَانَ أسره خرَاش بن الصمَّة، أحد بني حرَام، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق، عَن عَائِشَة: لما بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء
أسرتهم بعثت زَيْنَب بنت رَسُول الله فِي فدَاء أبي
الْعَاصِ بِمَال، وَبعثت فِيهِ بقلادة لَهَا، وَكَانَت
خَدِيجَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، أدخلتها بهَا على أبي
الْعَاصِ حِين بنى عَلَيْهَا. قَالَت: فَلَمَّا رَآهَا
رَسُول الله رق لَهَا رقة شَدِيدَة، وَقَالَ: إِن
رَأَيْتُمْ أَن تطلقوا لَهَا أَسِيرهَا وتردوا عَلَيْهَا
الَّذِي لَهَا فافعلوا. قَالُوا: نعم يَا رَسُول ا،
فأطلقوه وردوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا. وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: وَقد كَانَ رَسُول الله قد أَخذ عَلَيْهِ أَن
يخلي سَبِيل زَيْنَب، يَعْنِي أَن تهَاجر إِلَى
الْمَدِينَة فوفى أَبُو الْعَاصِ بذلك وَلَحِقت بأبيها،
وَأقَام أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّة على كفره، واستمرت
زَيْنَب عِنْد أَبِيهَا بِالْمَدِينَةِ، ثمَّ آخر الْأَمر
أسلم وَخرج حَتَّى قدم على رَسُول الله وَعَن ابْن
عَبَّاس، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا: رد عَلَيْهِ رَسُول الله
ابْنَته زَيْنَب على النِّكَاح الأول لم يحدث شَيْئا،
وَسَنذكر حَقِيقَة هَذَا الْكَلَام فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ
اتعالى. فَإِن قيل: مَا اللَّام فِي: لأبي الْعَاصِ؟
أُجِيب بِأَن الْإِضَافَة فِي بنت بِمَعْنى: اللَّام،
وَالتَّقْدِير فِي بنت لِزَيْنَب، فأظهر هُنَا مَا هُوَ
مُقَدّر فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَإِذا سجد وَضعهَا) ، وَفِي مُسلم من طَرِيق
عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عجلَان
وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق الزبيدِيّ، وَأحمد من طَرِيق
ابْن جريج، وَابْن حبَان من طَرِيق أبي العميس، كلهم عَن
عَامر بن عبد اشيخ مَالك فَقَالُوا: (إِذا ركع وَضعهَا) .
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، من طَرِيق المَقْبُري عَن
عَمْرو
(4/302)
بن سليم: (حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يرْكَع
أَخذهَا فوضعها ثمَّ ركع وَسجد، حَتَّى إِذا فرغ من
سُجُوده فَقَامَ أَخذهَا فَردهَا فِي مَكَانهَا) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: تكلم النَّاس فِي حكم هَذَا
الحَدِيث، فَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا يدل لمَذْهَب
الشَّافِعِي وَمن وَافقه أَنه يجوز حمل الصَّبِي والصبية
وَغَيرهمَا من الْحَيَوَان فِي صَلَاة النَّفْل، وَيجوز
للْإِمَام وَالْمُنْفَرد وَالْمَأْمُوم قلت: أما مَذْهَب
أبي حنيفَة فِي هَذَا مَا ذكر صَاحب (الْبَدَائِع) وَفِي
بَيَان الْعَمَل الْكثير الَّذِي يفْسد الصَّلَاة والقليل
الَّذِي لَا يُفْسِدهَا: فالكثير مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى
اسْتِعْمَال الْيَدَيْنِ، والقليل مَا لَا يحْتَاج فِيهِ
إِلَى ذَلِك، وَذكر لَهما صوراً حَتَّى قَالَ: إِذا أَخذ
قوساً وَرمى فَسدتْ صلَاته، وَكَذَا لَو حملت امْرَأَة
صبيها فأرضعته، لوُجُود الْعَمَل الْكثير الَّذِي يفْسد
الصَّلَاة، وَأما حمل الصَّبِي بِدُونِ الْإِرْضَاع فَلَا
يُوجب الْفساد، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور، ثمَّ
قَالَ: وَهَذَا الصَّنِيع لم يكره مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ
مُحْتَاجا إِلَى ذَلِك لعدم من يحفظها، أَو لبَيَان
الشَّرْع بِالْفِعْلِ، وَهَذَا غير مُوجب فَسَاد
الصَّلَاة. وَمثل هَذَا أَيْضا فِي زَمَاننَا لَا يكره
لوَاحِد منَّا لَو فعل ذَلِك عِنْد الْحَاجة، أما بِدُونِ
الْحَاجة فمكروه. انْتهى. وَذكر أَشهب عَن مَالك أَن ذَلِك
كَانَ من رَسُول الله فِي صَلَاة النَّافِلَة، وَأَن مثل
هَذَا الْفِعْل غير جَائِز فِي الْفَرِيضَة. وَقَالَ أَبُو
عمر: حَسبك بتفسير مَالك، وَمن الدَّلِيل على صِحَة مَا
قَالَه فِي ذَلِك أَنِّي لَا أعلم خلافًا أَن مثل هَذَا
الْعَمَل فِي الصَّلَاة مَكْرُوه. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
هَذَا التَّأْوِيل فَاسد، لِأَن قَوْله: (يؤم النَّاس)
صَرِيح أَو كَالصَّرِيحِ فِي أَنه كَانَ فِي الْفَرِيضَة،
قلت: هُوَ مَا رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِسَنَدِهِ
إِلَى أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ، قَالَ: (رَأَيْت
النَّبِي يؤم النَّاس وأمامة بنت أبي الْعَاصِ، وَهِي بنت
زَيْنَب ابْنة رَسُول الله على عَاتِقه) . وَلِأَن
الْغَالِب فِي إِمَامَة رَسُول الله كَانَت فِي
الْفَرَائِض دون النَّوَافِل وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد
عَن أبي قَتَادَة صَاحب رَسُول ا، قَالَ: (بَيْنَمَا نَحن
نَنْتَظِر رَسُول ا، للصَّلَاة فِي الظّهْر أَو الْعَصْر
وَقد دَعَا بِلَال للصَّلَاة، إِذْ خرج إِلَيْنَا وأمامة
بنت أبي الْعَاصِ، بنت ابْنَته، على عُنُقه، فَقَامَ
رَسُول ا، فِي مُصَلَّاهُ وقمنا خَلفه) الحَدِيث.
وَفِي كتاب (النّسَب) للزبير بن بكار: عَن عَمْرو بن سليم
أَن ذَلِك كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: وَادّعى بعض الْمَالِكِيَّة أَنه مَنْسُوخ.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: هُوَ مَرْوِيّ عَن مَالك
أَيْضا. وَقَالَ أَبُو عمر: وَلَعَلَّ هَذَا نسخ
بِتَحْرِيم الْعَمَل والاشتغال بِالصَّلَاةِ وَقد رد هَذَا
بِأَن قَوْله: (إِن فِي الصَّلَاة لشغلاً) ، كَانَ قبل بدر
عِنْد قدوم عبد ابْن مَسْعُود من الْحَبَشَة، وَأَن قدوم
زَيْنَب وبنتها إِلَى الْمَدِينَة كَانَ ذَلِك، وَلَو لم
يكن الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ فِيهِ إِثْبَات النّسخ
بِمُجَرَّد الِاجْتِهَاد، وروى أَشهب وَابْن نَافِع عَن
مَالك: أَن هَذَا كَانَ للضَّرُورَة، وَادّعى بعض
الْمَالِكِيَّة أَنه خَاص بِالنَّبِيِّ، ذكره القَاضِي
عِيَاض. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وكل هَذِه الدَّعَاوَى
بَاطِلَة ومردودة، فَإِنَّهُ لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَلَا
ضَرُورَة إِلَيْهَا، بل الحَدِيث صَحِيح صَرِيح فِي جَوَاز
ذَلِك، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف قَوَاعِد الشَّرْع،
لِأَن الْآدَمِيّ طَاهِر وَمَا فِي جَوْفه من النَّجَاسَة
مَعْفُو عَنهُ لكَونه فِي معدنه، وَثيَاب الْأَطْفَال
وأجسادهم على الطَّهَارَة، وَدَلَائِل الشَّرْع متظاهرة
على أَن هَذِه الْأَفْعَال فِي الصَّلَاة لَا تبطلها إِذا
قلت أَو تَفَرَّقت، وَفعل النَّبِي، هَذَا بَيَانا
للْجُوَاز وتنبيهاً عَلَيْهِ.
قلت: وَقد قَالَ بعض أهل الْعلم: إِن فَاعِلا لَو فعل مثل
ذَلِك لم أر عَلَيْهِ إِعَادَة من أجل هَذَا الحَدِيث،
وَإِن كنت لَا أحب لأحد فعله، وَقد كَانَ أَحْمد بن
حَنْبَل يُجِيز هَذَا. قَالَ الْأَثْرَم: سُئِلَ أَحْمد:
يَأْخُذ الرجل وَلَده وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: نعم.
وَاحْتج بِحَدِيث أبي قَتَادَة. قَالَ الْخطابِيّ: يشبه
أَن يكون هَذَا الصَّنِيع من رَسُول الله لَا عَن قصد
وتعمد لَهُ فِي الصَّلَاة. وَلَعَلَّ الصبية لطول مَا
ألفته واعتادته من ملابسته فِي غير الصَّلَاة كَانَت
تتَعَلَّق بِهِ حَتَّى تلابسه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلَا
يَدْفَعهَا عَن نَفسه وَلَا يبعدها، فَإِذا أَرَادَ أَن
يسْجد وَهِي على عَاتِقه، وَضعهَا بِأَن يحطهَا أَو يرسلها
إِلَى الأَرْض حَتَّى يفرغ من سُجُوده، فَإِذا أَرَادَ
الْقيام. وَقد عَادَتْ الصبية إِلَى مثل الْحَالة الأولى،
لم يدافعها وَلم يمْنَعهَا، حَتَّى إِذا قَامَ بقيت
مَحْمُولَة مَعَه. هَذَا عِنْدِي وَجه الحَدِيث. وَلَا
يكَاد يتَوَهَّم عَلَيْهِ أَنه كَانَ يتَعَمَّد لحملها
ووضعها وإمساكها فِي الصَّلَاة تَارَة بعد أُخْرَى، لِأَن
الْعَمَل فِي ذَلِك قد يكثر فيتكرر، وَالْمُصَلي يشْتَغل
بذلك عَن صلَاته، وَإِذا كَانَ علم الخميصة يشْغلهُ عَن
صلَاته حَتَّى يسْتَبْدل بهَا الأنبجانية، فَكيف لَا
يشْتَغل عَنْهَا بِمَا هَذَا صفته من الْأُمُور؟ وَفِي
ذَلِك بَيَان مَا تأولناه. وَقَالَ النَّوَوِيّ، بعد أَن
نقل ملخص كَلَام الْخطابِيّ: هَذَا الَّذِي ذكره بَاطِل
وَدَعوى مُجَرّدَة، وَمِمَّا يرد عَلَيْهِ قَوْله فِي
(صَحِيح مُسلم) : (فَإِذا قَامَ حملهَا) .
(4/303)
وَقَوله: (فَإِذا رفع من السُّجُود
أَعَادَهَا. وَقَوله فِي غير رِوَايَة مُسلم: (خرج علينا
حَامِلا أُمَامَة فصلى) . وَذكر الحَدِيث، وَأما قَضِيَّة
الخميصة فَلِأَنَّهَا تشغل الْقلب بِلَا فَائِدَة، وَحمل
أُمَامَة لَا نسلم أَنه يشغل الْقلب، وَإِن أشغله فيترتب
عَلَيْهِ فَوَائِد وَبَيَان قَوَاعِد مِمَّا ذَكرْنَاهُ
وَغَيره، فَاحْتمل ذَلِك الشّغل بِهَذِهِ الْفَوَائِد
بِخِلَاف الخميصة، فَالصَّوَاب الَّذِي لَا معدل عَنهُ أَن
الحَدِيث كَانَ لبَيَان الْجَوَاز والتنبيه على هَذِه
الْفَوَائِد فَهُوَ جَائِز لنا، وَشرع مُسْتَمر للْمُسلمين
إِلَى يَوْم الدّين. قلت: وَجه آخر لرد كَلَام الْخطابِيّ،
قَوْله: (فَقَامَ فَأَخذهَا فَردهَا فِي مَكَانهَا) ،
وَهَذَا صَرِيح فِي أَن فعل الْحمل والوضع كَانَ مِنْهُ
لَا من أُمَامَة، وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك: لِأَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَام لَو تَركهَا لبكت وشغلت سره فِي صلَاته
أَكثر من شغله بحملها، وَفرق بعض أَصْحَابه بَين
الْفَرِيضَة والنافلة. وَقَالَ الْبَاجِيّ: إِن وجد من
يَكْفِيهِ أمرهَا جَازَ فِي النَّافِلَة دون الْفَرِيضَة،
وَإِن لم يجد جَازَ فيهمَا وَحمل أَكثر أهل الْعلم هَذَا
الحَدِيث على أَنه عمل غير متوال لوُجُود الطُّمَأْنِينَة
فِي أَرْكَان صلَاته. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيّ: كَانَ
السِّرّ فِي حمل أُمَامَة فِي الصَّلَاة دفعا لما كَانَت
الْعَرَب تألفه من كَرَاهَة الْبَنَات وحملهن، وَخَالفهُم
فِي ذَلِك حَتَّى فِي الصَّلَاة للْمُبَالَغَة فِي ردعهم،
وَالْبَيَان بِالْفِعْلِ قد يكون أقوى من القَوْل.
وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: جَوَاز إِدْخَال الصغار فِي
الْمَسَاجِد. وَمِنْهَا: جَوَاز صِحَة صَلَاة من حمل
آدَمِيًّا، وَكَذَا من حمل حَيَوَانا طَاهِرا. وَمِنْهَا:
أَن فِيهِ تواضع النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وشفقته على الصغار وإكرامه لَهُم ولوالديهم.
701 - (بابٌ إذَا صَلَّى إلَى فِرَاشٍ فِيهِ حائِضٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا صلى، وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف
تَقْدِيره صحت صلَاته أَو مَعْنَاهُ: بَاب هَذِه
الْمَسْأَلَة، وَهِي مَا يَقُوله الْفُقَهَاء إِذا صلى
إِلَى فرَاش فِيهِ حَائِض كَيفَ يكون حكمه يكره أم لَا؟
وَحَدِيث الْبَاب على عدم الْكَرَاهَة.
715661 - ح دّثنا عَمْرُو بنُ زَرَارَةَ قَالَ أخبرنَا
هُشَيْمٌ عنِ الشِّيْبَانِيّ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ
شَدَّادِ بنِ الهَادِ قَالَ أخْبَرَتْني خالَتِي
مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحَارِثِ قالَتْ كانَ فِرَاشِي
حِيَالَ مُصَلَّى النبيِّ فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلى
فِرَاشِي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة عِنْد التَّأَمُّل، وَلَكِن
اعْترض فِيهِ بِوَجْهَيْنِ: الأول: كَيفَ دلّ على
التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ كَون الْمُصَلِّي منتهياً إِلَى
الْفراش، لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا صلى إِلَى فرَاش. وَكلمَة:
إِلَى لانْتِهَاء الْغَايَة؟ وَالثَّانِي: أَن هَذَا
الحَدِيث يدل على اعْتِرَاض الْمَرْأَة بَين الْمُصَلِّي
وقبلته، فَهَذَا يدل على جَوَاز الْقعُود، لَا على جَوَاز
الْمُرُور. وَأجِيب: عَن الأول: بِأَنَّهُ لَا يلْزم أَن
يكون الِانْتِهَاء من جِهَة الْقبْلَة، وكما أَنَّهَا
منتهية إِلَى جنب رَسُول الله فَرَسُول الله يَنْتَهِي
إِلَيْهَا وَإِلَى فراشها. وَعَن الثَّانِي: بِأَن
تَرْجَمَة الْبَاب لَيست معقودة للاعتراض، فَإِن
الْمُتَعَلّق بالإعتراض قد تقدم، وَالَّذِي قَصده
البُخَارِيّ: بَيَان صِحَة الصَّلَاة وَلَو كَانَت
الْحَائِض بِجنب الْمُصَلِّي وَلَو أصابتها ثِيَابه، لَا
كَون الْحَائِض بَين الْمُصَلِّي وَبَين الْقبْلَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة الأول: عَمْرو، بِالْوَاو: وَابْن
زُرَارَة، بِضَم الزَّاي ثمَّ بالراء المكررة، وَقد تقدم
فِي بَاب قدركم يَنْبَغِي أَن يكون بَين الْمُصَلِّي
والسترة؟ الثَّانِي: هشيم، مُصَغرًا: ابْن بشير، بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة: الوَاسِطِيّ، مَاتَ بِبَغْدَاد سنة
ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الثَّالِث: الشَّيْبَانِيّ
أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان فَيْرُوز
الْكُوفِي. الرَّابِع: عبد ابْن شَدَّاد، بتَشْديد
الدَّال: ابْن الْهَاد، واسْمه: أُسَامَة الْكُوفِي.
الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ مَيْمُونَة بنت الْحَارِث
إِحْدَى زَوْجَات النَّبِي.
ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع
وَاحِد، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن
رُوَاته مَا بَين واسطي وكوفي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره قد ذكرنَا هَذَا،
وَمعنى الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام فِي
بَاب إِذا أصَاب ثوب الْمُصَلِّي امْرَأَته فِي السُّجُود،
فَإِنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن
خَالِد عَن الشَّيْبَانِيّ.
(4/304)
815761 - ح دّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ
حدّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ قَالَ حدّثنا
الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ
شَدَّادٍ قالَ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ كانَ النبيُّ
يُصَلِّي وَأنا إلَى جَنْبِهِ نَائِمَةٌ فإِذَا سَجَدَ
أصابَنِي ثَوْبُهُ وَأَنا حائِضٌ وَزَادَ مُسَدَّدٌ عنْ
خالِدٍ قَالَ حدّثنا سُلَيْمَانُ الشيْبَانِيُّ وأنَا
حائِضٌ. .
هَذَا طَرِيق آخر بِلَفْظ آخر عَن أبي النُّعْمَان، بِضَم
النُّون: مُحَمَّد بن الفضيل، وَهَذَا الْإِسْنَاد
بِعَيْنِه قد مر فِي بَاب مُبَاشرَة الْحَائِض فِي
أَوَائِل كتاب الْحيض، وَلَفظ الحَدِيث هُنَاكَ، قَالَت
يَعْنِي مَيْمُونَة: (كَانَ رَسُول الله إِذا أَرَادَ أَن
يُبَاشر امْرَأَة من نِسَائِهِ أمرهَا فاتزرت وَهِي
حَائِض) . قَوْله: (ثَوْبه) ويروى: (أصابتني ثِيَابه) .
قَوْله: (وَأَنا حَائِض) هَذِه الْجُمْلَة وَقعت حَالا فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَسَقَطت لغيره. قَالَ الْكرْمَانِي
فَإِن قلت: قَالُوا: إِذا أُرِيد الْحُدُوث يُقَال: حائضه،
وَإِذا أُرِيد الثُّبُوت، وَإِن من شَأْنهَا الْحيض،
يُقَال: حَائِض، وَلَا شكّ أَن المُرَاد هَهُنَا كَونهَا
فِي حَالَة الْحيض. قلت: مَعْنَاهُ أَن الحائضة مُخْتَصَّة
بِمَا إِذا كَانَت فِيهِ، وَالْحَائِض أَعم مِنْهُ.
انْتهى. قلت: لَا فرق بَين الْحَائِض والحائضة، يُقَال:
حَاضَت الْمَرْأَة تحيض حيضا ومحيضاً فَهِيَ حَائِض وحائضة
عَن الْفراء وَأنْشد:
(كحائضة يَزْنِي بهَا غير حَائِض)
وَفِي اللُّغَة: لم يفرق بَينهمَا، غير أَن الأَصْل فِيهِ
التَّأْنِيث، وَلَكِن لخصوصية النِّسَاء بِهِ وَعدم ترك
التَّاء.
801 - (بابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ
السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: هَل يغمز الرجل؟ إِلَى آخِره،
يَعْنِي: نعم، إِذا غمزها فَلَا شَيْء يَتَرَتَّب عَلَيْهِ
من فَسَاد الصَّلَاة.
915861 - ح دّثنا عَمْرُو بنُ عَليٍ قَالَ حدّثنا يَحْيى
قَالَ حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حدّثنا القَاسِمُ عنْ
عائِشَةَ رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالَتْ بِئْسَمَا
عَدَلْتُمُنا بِالكَلْبِ وَالجِمَارِ لَقَدْ رَأيْتْني
ورسولُ اللَّهِ يُصَلِّي وَأنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ القِبْلَةِ فإِذَا أرَادَ أنْ يَسْجُدَ غَمَزَ
رجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُما.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبَين البُخَارِيّ فِي
هَذَا الْبَاب صِحَة الصَّلَاة وَلَو أَصَابَهَا بعض جسده،
وبيَّن فِي الْبَاب السَّابِق صِحَّتهَا وَلَو أَصَابَهَا
بعض ثِيَابه.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو: بِالْوَاو، ابْن
عَليّ الفلاس الْبَاهِلِيّ. الثَّانِي: يحيى الْقطَّان.
الثَّالِث: عبيد االعمري. الرَّابِع: الْقَاسِم بن
مُحَمَّد بن أبي بكر. الْخَامِس: عَائِشَة رَضِي اتعالى
عَنْهَا.
ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) . قَوْله: (بئْسَمَا) ، كلمة
بئس من أَفعَال الذَّم، كَمَا أَن كلمة: نِعْمَ، من
أَفعَال الْمَدْح، وشرطهما أَن يكون الْفَاعِل الْمظهر
فيهمَا مُعَرفا بِاللَّامِ أَو مُضَافا إِلَى الْمُعَرّف
بهَا، أَو مضمراً مُمَيّزا بنكرة مَنْصُوبَة، وَهَهُنَا
يجوز الْوَجْهَانِ. الأول: أَن تكون: مَا بِمَعْنى
الَّذِي، وَيكون فَاعِلا: لبئس. وَالْجُمْلَة أَعنِي
قَوْله: (عدلتمونا) ، صلَة لَهُ بِكَوْن الْمَخْصُوص بالذم
محذوفاً، وَالتَّقْدِير: بئس الَّذِي عدلتمونا بالحمار
ذَلِك الْفِعْل. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون فَاعل:
بئس، مضمراً مُمَيّزا، وَتَكون الْجُمْلَة بعده صفة
والمخصوص بالذم أَيْضا محذوفاً، وَالتَّقْدِير: بئس شَيْئا
مَا عدلتمونا بالحمار شَيْء. وَفِي الْوَجْهَيْنِ
الْمَخْصُوص بالذم مُبْتَدأ أَو خَبره الْجُمْلَة الَّتِي
قبله، وَمعنى: عدلتمونا: جعلتمونا مثله. وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ مُسْتَوفى فِي بَاب الصَّلَاة على الْفراش.
قَوْلهَا: (لقد رَأَيْتنِي) بِضَم التَّاء، وَكَون
الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ضميرين لشَيْء وَاحِد من خَصَائِص
أَفعَال الْقُلُوب، وَالتَّقْدِير: لقد رَأَيْت نَفسِي.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِن كَانَت الرُّؤْيَة بمعناها
الْأَصْلِيّ فَلَا يجوز حذف أحد مفعوليه، وَإِن كَانَت
بِمَعْنى الإبصار فَلَا يجوز اتِّحَاد الضميرين، ثمَّ
أجَاب بقول الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله
تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل
اأمواتاً} (آل عمرَان: 961) جَازَ حذف أَحدهمَا لِأَنَّهُ
مُبْتَدأ فِي الأَصْل فيحذف كالمبتدأ، ثمَّ قَالَ
الْكرْمَانِي هَذَا مُخَالف لقَوْله فِي الْمفصل وَفِي
سَائِر مَوَاضِع الْكَشَّاف لَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد
مفعولي الحسبان، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنهُ
أَيْضا: أَنه إِذا كَانَ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول عبارَة
عَن
(4/305)
شَيْء وَاحِد جَازَ الْحَذف، وَأمكن الْجمع
بَينهمَا بِأَن القَوْل بِجَوَاز الْحَذف فِيمَا إِذا
اتَّحد الْفَاعِل وَالْمَفْعُول معنى وَالْقَوْل
بِعَدَمِهِ فِيمَا إِذا كَانَ بَينهمَا الِاخْتِلَاف.
والْحَدِيث هُوَ من الْقسم الأول، إِذْ تَقْدِيره: رَأَيْت
نَفسِي مُعْتَرضَة أَو أعطي للرؤية الَّتِي بِمَعْنى:
الإبصار، حكم الرُّؤْيَة الَّتِي من أَفعَال الْقُلُوب.
قَوْلهَا: (وَرَسُول الله يُصَلِّي) ، جملَة إسمية وَقعت
حَالا على الأَصْل، أَعنِي: بِالْوَاو، وَكَذَلِكَ
قَوْلهَا: (وَأَنا مُضْطَجِعَة) . قَوْلهَا: (غمز رجْلي)
قَالَ الْجَوْهَرِي: غمزت الشَّيْء بيَدي، وَقَالَ
الشَّاعِر:
وَكنت إِذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أَو تستقيما
وغمزته بعيني، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذا مروا بهم يتغامزون}
(المطففين: 03) وَالْمرَاد هُنَا الغمز بِالْيَدِ، وَفِي
رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (فَإِذا سجد غمزني، فقبضت برجلي،
وَإِذا قَامَ بسطتهما) . وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ:
(فَإِذا سجد غمزني فرفعتهما فقبضتهما، فَإِذا قَامَ
مددتهما) . وَفِي رِوَايَة: (غمزها بِرجلِهِ، فَقَالَ:
تنحي) . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: (فَإِذا أَرَادَ أَن
يسْجد ضرب رجْلي فقبضتهما فَسجدَ) . وَفِي رِوَايَة لَهُ:
(فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد غمز رجْلي فضممتهما إِلَيّ ثمَّ
سجد) .
ثمَّ مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ قد ذكرنَا مُسْتَوفى
فِي بَاب الصَّلَاة على الْفراش.
901 - (بابٌ المَرْأة تَطْرَحُ عَنِ المُصَلّى شَيْئاً
مِنَ الأَذَى)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ الْمَرْأَة تطرح إِلَى آخِره،
وَلَفظ: بَاب منون لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
وَقَوله: الْمَرْأَة، مُبْتَدأ و: تطرح، خَبره وَكلمَة:
من، بَيَانِيَّة. قَالَ ابْن بطال: هَذِه التَّرْجَمَة
قريبَة من التراجم الَّتِي قبلهَا، وَذَلِكَ أَن
الْمَرْأَة إِذا تناولت مَا على ظهر الْمُصَلِّي
فَإِنَّهَا تقصد إِلَى أَخذه من أَي جِهَة أمكنها تنَاوله،
فَإِن لم يكن هَذَا الْمَعْنى أَشد من مرورها بَين
يَدَيْهِ فَلَيْسَ بِدُونِهِ، وَقد ترْجم على حَدِيث هَذَا
الْبَاب فِي الطَّهَارَة قبل الْغسْل بقوله: بَاب إِذا
ألقِي على ظهر الْمُصَلِّي قذر أَو جيفة لم تفْسد عَلَيْهِ
صلَاته.
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهَذَا الحَدِيث
مُسْتَوفى من كل وَجه، فلنذكر هَهُنَا مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ من غير مَا ذكرنَا.
169 - (حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق السورماري قَالَ
حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى قَالَ حَدثنَا إِسْرَائِيل
عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله
قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَائِم يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة وَجمع من
قُرَيْش فِي مجَالِسهمْ إِذْ قَالَ قَائِل مِنْهُم أَلا
تنْظرُون إِلَى هَذَا الْمرَائِي أَيّكُم يقوم إِلَى جزور
آل فلَان فيعمد إِلَى فرثها ودمها وسلاها فَيَجِيء بِهِ
ثمَّ يمهله حَتَّى إِذا سجد وَضعه بَين كَتفيهِ فانبعث
أشقاهم فَلَمَّا سجد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَضعه بَين كَتفيهِ وَثَبت النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَاجِدا فضحكوا
حَتَّى مَال بَعضهم إِلَى بعض من الضحك فَانْطَلق منطلق
إِلَى فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام وَهِي جوَيْرِية
فَأَقْبَلت تسْعَى وَثَبت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَاجِدا حَتَّى ألقته عَنهُ
وَأَقْبَلت عَلَيْهِم تسبهم فَلَمَّا قضى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَاة قَالَ
اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش اللَّهُمَّ عَلَيْك
بِقُرَيْش اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش ثمَّ سمى
اللَّهُمَّ عَلَيْك بِعَمْرو بن هِشَام وَعتبَة بن ربيعَة
وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَأُميَّة بن خلف
وَعقبَة ابْن أبي معيط وَعمارَة بن الْوَلِيد قَالَ عبد
الله فوَاللَّه لقد رَأَيْتهمْ صرعى يَوْم بدر ثمَّ سحبوا
إِلَى القليب قليب بدر ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاتبع أَصْحَاب القليب
لعنة)
(4/306)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأحمد بن
اسحق السرماري بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَفتحهَا
وَسُكُون الرَّاء الأولى نِسْبَة إِلَى سرمار قَرْيَة من
قرى بُخَارى وَهُوَ الَّذِي يضْرب بشجاعته الْمثل قتل ألفا
من التّرْك مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين
وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ وَقد
شَاركهُ فِي رِوَايَته عَن شَيْخه عبيد الله بن مُوسَى
الْمَذْكُور وَعبيد الله وَمن بعده كلهم كوفيون
وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي
وَأَبُو إِسْحَاق اسْمه عَمْرو بن عبد الله وَهَذَا
الحَدِيث لَا يرْوى إِلَّا بِإِسْنَادِهِ وَعَمْرو بن
مَيْمُون مر فِي بَاب إِذا ألقِي على ظهر الْمُصَلِّي قذر
وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود قَوْله " بَيْنَمَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي
رِوَايَته هُنَاكَ " بَينا " وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ
وَالْعَامِل فِيهِ معنى المفاجأة الَّتِي فِي إِذْ قَالَ
وَلَا يجوز أَن يعْمل فِيهِ يُصَلِّي لِأَنَّهُ حَال من
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمُضَاف إِلَيْهِ بَين فَلَا يعْمل فِيهِ قَوْله " فيعمد
" بِالرَّفْع عطف على " يقوم " ويروى بِالنّصب لِأَنَّهُ
وَقع بعد الِاسْتِفْهَام قَوْله " فانبعث أشقاهم " أَي
انتهض أَشْقَى الْقَوْم وَهُوَ عقبَة بن أبي معيط قَوْله "
جوَيْرِية " أَي صَغِيرَة وَهُوَ تَصْغِير جَارِيَة قَوْله
" اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش " أَي بهلاكهم قَوْله "
بِعَمْرو بن هِشَام " هُوَ أَبُو جهل عَلَيْهِ اللَّعْنَة
قَوْله " وَعمارَة بن الْوَلِيد " هُوَ السَّابِع وَلم
يذكرهُ الرَّاوِي هُنَاكَ وَهَهُنَا ذكره لِأَنَّهُ
هُنَاكَ نَسيَه وَهنا تذكره قَوْله " اتبع " بِضَم
الْهمزَة إِخْبَار من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَن الله أتبعهم اللَّعْنَة أَي
كَمَا أَنهم مقتولون فِي الدُّنْيَا مطرودون عَن رَحْمَة
الله فِي الْآخِرَة ويروى وَاتبع بِفَتْح الْهمزَة ويروى
بِلَفْظ الْأَمر فَهُوَ عطف على " عَلَيْك بِقُرَيْش " أَي
قَالَ فِي حياتهم اللَّهُمَّ أهلكهم وَقَالَ فِي هلاكهم
اللَّهُمَّ اتبعهم اللَّعْنَة
(4/307)
|