عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 23 - (بابُ كَلاَمِ الإمامِ والنَّاسِ فِي
خُطْبَةِ العِيدِ، وإذَا سُئِلَ الإمَامُ عنْ شَيْءٍ
وَهْوَ يَخْطُبُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم كَلَام الإِمَام،
وَالْحَال أَنه وَالنَّاس مَعَه فِي خطْبَة الْعِيد، هَذِه
تَرْجَمَة. وَقَوله: (وَإِذا سُئِلَ الإِمَام. .) الخ،
تَرْجَمَة أُخْرَى، وَلَيْسَ فِي ذَلِك تكْرَار وَإِن
كَانَ يرى ذَلِك بِحَسب الظَّاهِر، لِأَن التَّرْجَمَة
الأولى أَعم من الثَّانِيَة، وَلم يذكر جَوَاب الشَّرْط
فِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة اكْتِفَاء بِمَا فِي
الحَدِيث، وَلَيْسَ الْكَلَام فِي خطْبَة الْعِيد
كَالْكَلَامِ فِي خطْبَة الْجُمُعَة. وَقَالَ شُعْبَة:
كلمني الحكم بن عُيَيْنَة يَوْم عيد وَالْإِمَام يخْطب،
مَعَ أَنه إِذا كَانَ الْكَلَام من أَمر الدّين للسَّائِل
والمسؤول عَنهُ فَإِنَّهُ جَائِز، وَقد قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم للَّذين قتلوا ابْن أبي الْحقيق، دخلُوا
عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يخْطب: أفلحت الْوُجُوه،
وَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ على
الْمِنْبَر: أملكوا الْعَجِين، فَإِنَّهُ أحد رُوَاة
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَلَكِن كره الْعلمَاء
كَلَام النَّاس وَالْإِمَام يخْطب، رُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء
وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ. وَقَالَ مَالك: لينصت للخطبة
وليستقبل.
983 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الأحْوَصِ
قَالَ حدَّثنا منْصُورُ بنِ المُعْتَمِرِ عنِ الشَّعْبِيِّ
عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ خَطَبَنَا رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
فقالَ مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا ونَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ
أصَابَ النسُكَ ومَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ
شاةُ لَحْمٍ فقامَ أبُو بُرْدَةَ بنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا
رسولَ الله وَالله لَقَدْ نسَكْتُ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ إلَى
الصَّلاَةِ وعَرَفْتُ أنَّ اليَوْمَ يَوْمَ أكْلٍ وشُرْبٍ
فَتَعَجَّلْتُ وأكَلْتُ وأطْعَمْتُ أهْلِي وجِيرَانِي
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ
(6/304)
شاةُ لَحْمٍ قَالَ فَإِن عِنْدِي عَنَاقَ
جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تَجْزِي
عَنِّي قَالَ نَعمْ ولَنْ تَجْزِي عنْ أحَدٍ بَعْدَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن فِيهِ: كَلَام
الإِمَام فِي الْخطْبَة. وَفِيه: أَن الإِمَام سُئِلَ
وَأجَاب، والْحَدِيث قد مر غير مرّة، وَأَبُو الْأَحْوَص
هُوَ سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، مَاتَ هُوَ
مَالك وَحَمَّاد وخَالِد الطَّحَّان كلهم فِي سنة تسع
وَسبعين وَمِائَة، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.
984 - حدَّثنا حامِدُ بنُ عُمَرَ عنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ
عَنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ
إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى يَوْمَ
النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ فأمَرَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ
الصَّلاَةِ أنْ يُعِيدَ ذَبْحَهُ فقامَ رَجُلٌ مِنَ
الأنْصَارِ فقالَ يَا رسُولَ الله جِيرَانٌ لي إمَّا قَالَ
بِهِمْ خَصَاصَةٌ وإمَّا قَالَ بِهِمْ فَقْرٌ وَإنِّي
ذَبَحْتُ قَبْلَ الصَّلاَةِ وعِنْدِي عَنَاقٌ لِي أحَبُّ
إلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مر الحَدِيث، وحامد
بن عمر هُوَ البكراوي من ولد أبي بكرَة قَاضِي كرمان،
مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، روى عَنهُ
مُسلم أَيْضا، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد
هُوَ ابْن سِيرِين. قَوْله: (ذبحه) بِكَسْر الذَّال، أَي:
مذبوحه. وَقَوله: (جيران) مُبْتَدأ وَقَوله: (لي) صفته،
وَالْجُمْلَة بعد خَبره، (والخصاصة) الْجُوع.
985 - حدَّثنا مُسْلِمٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ
الأسْوَدِ عنْ جُنْدَبٍ قَالَ صلَّى النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذبَحَ
فَقَالَ منْ ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ
أُخْرَى مَكانَهَا ومَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ
باسْمِ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة الأولى ظَاهِرَة، لِأَن قَوْله: (من
ذبح) ، من جملَة الْخطْبَة وَلَيْسَ مَعْطُوفًا على
قَوْله: (ثمَّ ذبح) ، لِئَلَّا يلْزم تخَلّل الذّبْح بَين
الْخطْبَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم
الْأَزْدِيّ الفراهيدي، مَوْلَاهُم، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: الْأسود بن
قيس الْعَبْدي، بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة الْكُوفِي:
وَهُوَ لَيْسَ بأسود بن يزِيد، لِأَن شُعْبَة لم يلْحق
الْأسود بن يزِيد. الرَّابِع: جُنْدُب، بِضَم الْجِيم
وَسُكُون النُّون وَضم الدَّال الْمُهْملَة وَفتحهَا وَفِي
آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ
العلقي، بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وَفتح
اللَّام أَيْضا وبالقاف، مَاتَ بعد فتْنَة ابْن الزبير.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل
فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشَيخ
شَيْخه واسطي الْأسود كُوفِي. وَفِيه: راويان مذكوران
بِلَا نِسْبَة، وَفِي الثَّانِي يحْتَاج إِلَى التيقظ
للاشتباه.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْأَضَاحِي عَن آدم وَفِي النذور عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي التَّوْحِيد عَن حَفْص بن عمر
وَفِي الذَّبَائِح عَن قُتَيْبَة عَن أبي عوَانَة. وَأخرجه
مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن أَحْمد بن يُونُس وَيحيى ابْن
يحيى، كِلَاهُمَا عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَعَن أبي بكر
وَعَن قُتَيْبَة وَعَن إِسْحَاق وَابْن أبي عمر عَن عبد
الله بن معَاذ وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْأَضَاحِي وَفِي الْقُنُوت عَن
قُتَيْبَة بِهِ وَعَن هناد عَن أبي الْأَحْوَص بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَضَاحِي عَن هِشَام بن عمار
عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَقَالَ: من ذبح) هُوَ من جملَة
الْخطْبَة كَمَا ذكرنَا عَن قريب. قَوْله: (فليذبح باسم
الله) ، قيل: الْبَاء، بِمَعْنى: اللَّام، أَي: فليذبح
لله، وَيجوز أَن تتَعَلَّق الْبَاء بِمَحْذُوف أَي: فليذبح
متبركا باسم الله، وَإِنَّمَا كرر هَذَا للتَّأْكِيد،
فَعَن هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة بِوُجُوب الْأُضْحِية،
وَبِه قَالَ مُحَمَّد وَزفر وَالْحسن وَأَبُو يُوسُف فِي
رِوَايَة، وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث وَرَبِيعَة
وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ، وَعَن أبي يُوسُف: إِنَّهَا
سنة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَهُوَ قَول أَكثر
أهل الْعلم، وَذكر الطَّحَاوِيّ: إِن على قَول أبي حنيفَة
وَاجِبَة، وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد: سنة مُؤَكدَة،
وَجه السّنيَّة مَا رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة من
حَدِيث أم سَلمَة، رَضِي
(6/305)
الله تَعَالَى عَنْهَا عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من رأى هِلَال ذِي
الْحجَّة مِنْكُم، وَأَرَادَ أَن يُضحي فليمسك عَن شعره
وأظفاره) ، وَالتَّعْلِيق بالإرادة يُنَافِي الْوُجُوب،
ولوجه الْوُجُوب أَحَادِيث مِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن
مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من كَانَ لَهُ سَعَة وَلم يضح
فَلَا يقربن مصلانا) ، وَرَوَاهُ أَحْمد وَإِسْحَاق
وَأَبُو يعلى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم فِي
(مُسْتَدْركه) وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَليّ
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نسخ الْأَضْحَى كل
ذبح، ورمضان كل صَوْم) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده
ضَعِيف بِمرَّة، وَفِي إِسْنَاده: الْمسيب بن شريك وَهُوَ
مَتْرُوك. وَمِنْهَا: مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا
من حَدِيث عَائِشَة، (قَالَت: يَا رَسُول الله أستدين
وأضحي؟ قَالَ: نعم، وَإنَّهُ دين مقضي) وَفِي إِسْنَاده:
هدير بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ ضَعِيف، وَلم يدْرك
عَائِشَة.
24 - (بابُ مَنْ خالَفَ الطَّرِيقَ إذَا رَجَعَ يَوْمَ
العِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من خَالف الطَّرِيق
الَّتِي توجه فِيهَا إِذا رَجَعَ يَوْم الْعِيد.
986 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا أبُو تُمَيْلَةَ
يحْيى بنُ وَاضِحٍ عنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ عنْ
سَعِيدِ بنِ الحَارِثِ عنْ جابِرٍ قَالَ كانَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خالَفَ
الطَّرِيقَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد، كَذَا وَقع
للأكثرين غير مَنْسُوب، وَفِي رِوَايَة ابي عَليّ بن
السكن: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام، وَكَذَا للحفصي، وَجزم
بِهِ الكلاباذي، وَكَذَا ذكره أَبُو الْفضل بن طَاهِر،
وَكَذَا الْكرْمَانِي فِي شَرحه، وَذكر فِي أَطْرَاف خلف
أَنه وجد حَاشِيَة هُوَ: مُحَمَّد بن مقَاتل. الثَّانِي:
أَبُو تُمَيْلة بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح
الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه يحيى بن
وَاضح الْأنْصَارِيّ الْمروزِي. الثَّالِث: فليح، بِضَم
الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان، تقدم فِي أول كتاب الْعلم.
الرَّابِع: سعيد بن الْحَارِث بن الْمُعَلَّى
الْأنْصَارِيّ الْمدنِي قاضيها. الْخَامِس: جَابر بن عبد
الله الْأنْصَارِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك. وَفِيه: العنعنة فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه:
أَن شَيْخه غير مَنْسُوب على الِاخْتِلَاف. وَفِيه:
الثَّانِي من الروَاة مروزي وَالثَّالِث وَالرَّابِع
مدنيان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا كَانَ) ، كَانَ هَذِه
تَامَّة. وَقَوله: (يَوْم عيد) اسْمه فَلَا يحْتَاج إِلَى
خبر. وَقَوله: خَالف الطَّرِيق) جَوَاب الشَّرْط
مَعْنَاهُ: كَانَ الرُّجُوع فِي غير طَرِيق الذّهاب إِلَى
الْمصلى، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (كَانَ إِذا
خرج إِلَى الْعِيد رَجَعَ من غير الطَّرِيق الَّذِي ذهب
فِيهِ) .
وَالْحكمَة فِيهِ على مَا ذكره أَكثر الشُّرَّاح أَنه
ينتهى إِلَى عشرَة أوجه، وَلَكِن أَكثر من ذَلِك، بل
رُبمَا ذكرُوا فِيهِ مَا يَنْتَهِي إِلَى عشْرين وَجها.
الأول: ى نه فعل ذَلِك لتشهد لَهُ الطريقان. الثَّانِي:
ليشهد لَهُ الْإِنْس وَالْجِنّ من سكان الطَّرِيق.
الثَّالِث: ليسوي بَينهمَا فِي مرتبَة الْفضل بمرورة.
الرَّابِع: لِأَن طَرِيقه إِلَى الْمصلى كَانَت على
الْيَمين فَلَو رَجَعَ مِنْهَا لرجع على جِهَة الشمَال،
فَرجع من غَيرهَا. الْخَامِس: لإِظْهَار شَعَائِر
الْإِسْلَام فيهمَا. السَّادِس: لإِظْهَار ذكر الله
تَعَالَى. السَّابِع: ليغيظ الْمُنَافِقين أَو الْيَهُود.
الثَّامِن: ليرهبهم بِكَثْرَة من مَعَه. التَّاسِع: للحذر
من كيد الطَّائِفَتَيْنِ أَو من إِحْدَاهمَا. الْعَاشِر:
ليعم أهل الطَّرِيقَيْنِ بالسرور بِهِ. الْحَادِي عشر:
ليتبركوا بمروره وبرؤيته. الثَّانِي عشر: ليقضي حَاجَة من
يحْتَاج إِلَيْهَا من نَحْو صَدَقَة أَو استرشاد إِلَى
شَيْء أَو استشفاع وَنَحْو ذَلِك. الثَّالِث عشر: ليجيب من
يستفتي فِي أَمر دينه. الرَّابِع عشر: ليسلم عَلَيْهِم
فَيحصل لَهُم أجر الرَّد. الْخَامِس عشر: ليزور أَقَاربه
الْأَحْيَاء والأموات. السَّادِس عشر: ليصل رَحمَه.
السَّابِع عشر: ليتفاءل بِتَغَيُّر الْحَال إِلَى
الْمَغْفِرَة والرضى. الثَّامِن عشر: لِأَنَّهُ كَانَ
يتَصَدَّق فِي ذَهَابه، فَإِذا رَجَعَ لم يبْق مَعَه شَيْء
فَيرجع فِي طَرِيق أُخْرَى لِئَلَّا يرد من سَأَلَهُ.
التَّاسِع عشر: فعل ذَلِك لتخفيف الزحام. الْعشْرُونَ:
لِأَنَّهُ كَانَ طَرِيقه الَّتِي يتَوَجَّه مِنْهَا أبعد
من الَّتِي يرجع فِيهَا، فَأَرَادَ تَكْثِير الْأجر بتكثير
الخطى فِي الذّهاب، وَقَالَ بَعضهم: ثَبت من هَذِه
الْأَوْجه مَا كَانَ الواهي مِنْهَا، وَنقل عَن القَاضِي
عبد الْوَهَّاب: أَن أَكْثَرهَا دعاوى فارغة. قلت: هَذِه
كلهَا اختراعات جَيِّدَة فَلَا تحْتَاج إِلَى دَلِيل،
وَلَا إِلَى تَصْحِيح وتضعيف.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ اسْتِحْبَاب مُخَالفَة
الطَّرِيق يَوْم الْعِيد فِي الذّهاب إِلَى الْمصلى
وَالرُّجُوع مِنْهُ، فجمهور الْعلمَاء
(6/306)
على اسْتِحْبَاب ذَلِك، قَالَ مَالك:
وأدركنا الْأَئِمَّة يَفْعَلُونَهُ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك، فَإِن لم يفعل فَلَا حرج عَلَيْهِ،
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: أَخذ بِهَذَا بعض أهل الْعلم
فاستحبه للْإِمَام، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي، وَذكر فِي
(الْأُم) : أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَبِه
قَالَ أَكثر الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: لم
يتَعَرَّض فِي (الْوَجِيز) إلاّ للْإِمَام، وبالتعميم
قَالَ أَكثر أهل الْعلم، وَمِنْهُم من قَالَ: إِن علم
الْمَعْنى وَثبتت الْعلَّة بَقِي الحكم، وإلاّ انْتَفَى
بانتفائها، فَإِن لم يعلم الْمَعْنى بَقِي الِاقْتِدَاء.
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يبْقى الحكم وَلَو انْتَفَت
الْعلَّة للاقتداء، كَمَا فِي الرمل وَغَيره.
تابَعَهُ يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ فُلَيْحٍ عنْ سَعِيدٍ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وحَدِيثُ جَابِرٍ أصَحُّ
أَي: تَابع أَبَا تُمَيْلة يُونُس بن مُحَمَّد
الْبَغْدَادِيّ أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب، وَقد مر فِي:
بَاب الْوضُوء مرَّتَيْنِ، ومتابعته إِيَّاه فِي رِوَايَته
عَن فليح عَن سعيد الْمَذْكُور عَن أبي هُرَيْرَة، هَكَذَا
وَقع عِنْد جُمْهُور رَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيق
الْفربرِي، وَلَكِن فِيهِ إِشْكَال وَاعْتِرَاض على
البُخَارِيّ، لِأَن قَوْله: (وَحَدِيث جَابر أصح) يُنَافِي
قَوْله: (تَابعه) ، لِأَن الْمُتَابَعَة تَقْتَضِي
الْمُسَاوَاة، فَكيف تَقْتَضِي الأصحية؟ لِأَن قَوْله:
أصح، أفعل التَّفْضِيل، فَيَقْتَضِي زِيَادَة على الْمفضل
عَلَيْهِ، وَيَزُول الْإِشْكَال بِأحد الْوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بِمَا ذكره أَبُو عَليّ الجبائي: إِنَّه سقط
قَوْله: وَحَدِيث جَابر أصح من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن
معقل النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ. وَالْآخر: بِمَا ذكره
أَبُو مَسْعُود فِي كِتَابه، قَالَ قَالَ: البُخَارِيّ فِي
كتاب الْعِيدَيْنِ: قَالَ مُحَمَّد بن الصَّلْت: عَن فليح
عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِ حَدِيث جَابر،
فَقَالَ الغساني: لم يَقع لنا فِي (الْجَامِع) حَدِيث
مُحَمَّد بن الصَّلْت إلاّ من طَرِيق أبي مَسْعُود، وَلَا
غنى بِالْبَابِ عَنهُ لقَوْل البُخَارِيّ: وَحَدِيث جَابر
أصح. قلت: حِينَئِذٍ تظهر الأصحية، لِأَنَّهُ يكون حَدِيث
أبي هُرَيْرَة صَحِيحا وَيكون حَدِيث جَابر أصح مِنْهُ،
أَلا ترى أَن التِّرْمِذِيّ روى فِي (جَامعه) : حَدثنَا
عبد الْأَعْلَى وَأَبُو زرْعَة، قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد
بن الصَّلْت عَن فليح ابْن سُلَيْمَان عَن سعيد بن
الْحَارِث عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج
يَوْم الْعِيد فِي طَرِيق رَجَعَ من غَيره) ، ثمَّ قَالَ:
حَدِيث أبي هُرَيْرَة غَرِيب، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا
فِي مستخرجه بِمَا يزِيل الْإِشْكَال بِالْكُلِّيَّةِ،
فَقَالَ: أخرجه البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد عَن أبي
تُمَيْلة، وَقَالَ: تَابعه يُونُس بن مُحَمَّد عَن فليح،
وَقَالَ مُحَمَّد بن الصَّلْت: عَن فليح عَن سعيد عَن أبي
هُرَيْرَة، وَحَدِيث جَابر أصح. وَبِهَذَا أَشَارَ
البرقاني أَيْضا. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنه وَقع
كَذَلِك فِي بعض النّسخ، وَقد اعْترض على البُخَارِيّ
أَيْضا بِوَجْهَيْنِ آخَرين: أَحدهمَا: هُوَ الَّذِي
اعْتَرَضَهُ أَبُو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف) على قَوْله:
(تَابعه يُونُس) فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ يُونُس بن
مُحَمَّد عَن فليح عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، إلاّ
جَابر. وَالْآخر: أَن البُخَارِيّ روى حَدِيث جَابر
الْمَذْكُور وَحكم بِأَنَّهُ أصح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة،
مَعَ كَون البُخَارِيّ قد أَدخل أَبَا تُمَيْلة فِي
كِتَابه فِي الضُّعَفَاء. وَأجِيب عَن الأول: بِمَنْع
الْحصْر، فَإِن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا نعيم أخرجَا فِي
(مستخرجيهما) من طَرِيق أبي بكر بن أبي شيبَة: عَن يُونُس
عَن فليح عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة. وَعَن الثَّانِي:
بِأَن أَبَا حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ: تحول أَبُو تُمَيْلة
فِي كِتَابه فِي الضُّعَفَاء، فَإِنَّهُ ثِقَة، وَكَذَا
وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن سعد،
وَاحْتج بِهِ مُسلم وَبَقِيَّة السِّتَّة. وَقَالَ شَيخنَا
الْحَافِظ زين الدّين، مدَار هَذَا الحَدِيث مَعَ هَذَا
الِاخْتِلَاف على فليح بن سُلَيْمَان، وَهُوَ، إِن احْتج
بِهِ الشَّيْخَانِ، فقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَا
يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ فِيهِ مرّة، لَيْسَ هَذَا
بِثِقَة، وَقَالَ مرّة: ضَعِيف، وَكَذَا قَالَ
النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا يحْتَج بحَديثه،
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلَا
بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْس
بِهِ. وَقَالَ السَّاجِي: ثِقَة، وَذكره ابْن حبَان فِي
الثِّقَات.
25 - (بابٌ إذَا فاتَهُ العِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا فَاتَت الرجل صَلَاة
الْعِيد مَعَ الإِمَام يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَفهم من
هَذِه التَّرْجَمَة حكمان: أَحدهمَا: أَن صَلَاة الْعِيد
إِذا فَاتَت الرجل مَعَ الْجَمَاعَة فَإِنَّهُ يُصليهَا،
سَوَاء كَانَ الْفَوْت بِعَارِض أَو غَيره. وَالْآخر:
أَنَّهَا تقضي رَكْعَتَيْنِ كَأَصْلِهَا، وَفِي كل وَاحِد
من الْوَجْهَيْنِ اخْتِلَاف الْعلمَاء.
أما الْوَجْه الأول: فقد قَالَ قوم: لَا قَضَاء عَلَيْهِ
أصلا وَبِه قَالَ مَالك وَأَصْحَابه، وَهُوَ قَول
الْمُزنِيّ، وَعند أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة كَذَلِك: لَا
يَقْضِيهَا إِذا فَاتَت عَن الصَّلَاة مَعَ الإِمَام،
وَأما إِذا فَاتَت عَنهُ مَعَ الإِمَام فَإِنَّهُ يُصليهَا
مَعَ الْجَمَاعَة فِي الْيَوْم الثَّانِي. وَفِي قاضيخان:
إِذا تَركهَا بِغَيْر عذر لَا يَقْضِيهَا أصلا، وبعذر
يَقْضِيهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي وَقتهَا، وَبِه
قَالَ
(6/307)
الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد
وَإِسْحَاق. قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول: فَإِن
تَركهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي بِعُذْر أَو بِغَيْر عذر
لَا يُصليهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: من فَاتَتْهُ صَلَاة
الْعِيد يُصَلِّي وَحده كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَام،
وَهَذَا بِنَاء على أَن الْمُنْفَرد: هَل يُصَلِّي صَلَاة
الْعِيد؟ عندنَا لَا يُصَلِّي، وَعِنْده يُصَلِّي. وَقَالَ
السَّرخسِيّ: وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، الْأَصَح
قَضَاؤُهَا، فَإِن أمكن جمعهم فِي يومهم صلى بهم، وإلاّ
صلاهَا من الْغَد، وَهُوَ فرع قَضَاء النَّوَافِل عِنْده،
وعَلى القَوْل الآخر: هِيَ كَالْجُمُعَةِ يشْتَرط لَهَا
الْجَمَاعَة وَالْأَرْبَعُونَ وَدَار الْإِقَامَة، وَفعله
فِي الْغَد إِن قُلْنَا أَدَاء لَا يُصليهَا فِي بَقِيَّة
الْيَوْم، وإلاّ صلاهَا فِي بَقِيَّته، وَهُوَ الصَّحِيح
عِنْدهم، وتأخرها عَنهُ لَا يسْقط أبدا. وَقيل: إِلَى آخر
الشَّهْر.
وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فقد قَالَت طَائِفَة: إِذا
فَاتَت صَلَاة الْعِيد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَول
مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، إلاّ أَن مَالِكًا
اسْتحبَّ لَهُ ذَلِك من غيرإيجاب، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ:
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ وَلَا
يكبر تَكْبِير الإِمَام، وَلَيْسَ بِلَازِم. وَقَالَت
طَائِفَة: يُصليهَا إِن شَاءَ أَرْبعا، رُوِيَ ذَلِك عَن
عَليّ وَابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن شَاءَ صلى وَإِن شَاءَ لم يصل،
فَإِن شَاءَ صلى أَرْبعا، وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ إِسْحَاق: إِن صلى فِي الْجَبانَة صلى كَصَلَاة
الإِمَام، فَإِن لم يصلِ فِيهَا صلى أَرْبعا.
وكَذالِكَ النِّسَاءُ
أَي: وَكَذَلِكَ النِّسَاء اللَّاتِي لم يحضرن الْمصلى
مَعَ الإِمَام يصلين صَلَاة الْعِيد، والآن يَأْتِي
دَلِيله.
ومَنْ كانَ فِي البُيُوتِ والقُرَى
وَكَذَلِكَ يُصَلِّي الْعِيد من كَانَ فِي الْبيُوت من
الَّذين لَا يحْضرُون الْمصلى. قَوْله: (والقرى) أَي:
وَكَذَلِكَ يُصَلِّي الْعِيد من كَانَ فِي الْقرى.
لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاذا عِيدُنَا
أهْلَ الإسْلاَمِ
هَذَا دَلِيل لما تقدم من الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة. وَجه
الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه أضَاف إِلَى كل أمة الْإِسْلَام
من غير فرق بَين من كَانَ مَعَ الإِمَام أَو لم يكن.
وَقَوله: (هَذَا عيدنا) قد مضى فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا فِي قصَّة المغنيتين. وَأما قَوْله:
(أهل الْإِسْلَام) ، فَقَالَ بعض الشُّرَّاح: كَأَنَّهُ من
البُخَارِيّ، وَقيل: لَعَلَّه مَأْخُوذ من حَدِيث عقبَة بن
عَامر مَرْفُوعا: (أَيَّام منى عيدنا أهل الْإِسْلَام) ،
وَهُوَ فِي (السّنَن) : وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة: (وَأهل
الْإِسْلَام) ، بِالنّصب على أَنه منادى مُضَاف حذف مِنْهُ
حرف النداء، أَو بِتَقْدِير: أَعنِي أَو أخص.
وأمَرَ أنَسُ بنُ مالَكٍ مَوْلاَهُمُ ابنَ عُتْبَةَ
بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أهْلَهُ وبَنِيهِ وَصَلَّى
كَصَلاةِ أهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ
هَذَا التَّعْلِيق ذكره ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: حَدثنَا
ابْن علية عَن يُونُس، قَالَ: حَدثنِي بعض آل أنس بن مَالك
أَن أنسا كَانَ رُبمَا جمع أَهله وحشمه يَوْم الْعِيد
فَيصَلي بهم عبد الله بن أبي غنية رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) : أخبرنَا أَبُو الْحسن
الْفَقِيه وَأَبُو الْحسن بن أبي سيد الإسفرايني حَدثنَا
ابْن سهل بشر بن أَحْمد حَدثنَا حَمْزَة بن مُحَمَّد
الْكَاتِب حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا هشيم عَن عبد
الله بن أبي بكر بن أنس بن مَالك، (قَالَ: كَانَ أنس بن
مَالك إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام جمع
أَهله يُصَلِّي بهم مثل صَلَاة الإِمَام فِي الْعِيد) .
قَالَ: وَيذكر عَن أنس أَنه كَانَ إِذا كَانَ بمنزله
بالزاوية فَلم يشْهد الْعِيد بِالْبَصْرَةِ جمع موَالِيه
وَولده ثمَّ يَأْمر مَوْلَاهُ عبد الله بن أبي غنية
فَيصَلي بهم كَصَلَاة أهل الْمصر رَكْعَتَيْنِ، وَيكبر بهم
كتكبيرهم. وَبِه قَالَ فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة
وَمُجاهد وَابْن الْحَنَفِيَّة وَإِبْرَاهِيم وَابْن
سِيرِين وَحَمَّاد وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي. قَوْله:
(وَأمر أنس مَوْلَاهُ) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
(مَوْلَاهُم) . قَوْله: (ابْن أبي غنية) ، بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء
آخر الْحُرُوف، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي
رِوَايَة غَيره، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة،
وَهُوَ الْأَكْثَر الْأَشْهر. قَوْله: (بالزاوية) بالزاي،
مَوضِع على فرسخين من الْبَصْرَة كَانَ بهَا قصر وَأَرْض
لأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يُقيم هُنَاكَ
كثيرا، وَكَانَت بالزاوية وقْعَة عَظِيمَة بَين الْحجَّاج
والأشعث. قَوْله: (بعض آل أنس بن مَالك، المُرَاد: عبيد
الله بن أبي بكر بن أنس.
(6/308)
وَقَالَ عِكْرِمَةُ أهْلُ السَّوَادِ
يَجْتَمِعُونَ فِي العِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كمَا
يَصْنَعُ الإمَامُ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: حَدثنَا
غنْدر عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة أَنه قَالَ
فِي الْقَوْم يكونُونَ فِي السوَاد وَفِي السّفر فِي يَوْم
عيد فطر أَو أضحى، قَالَ: يَجْتَمعُونَ فيصلون ويؤمهم
أحدهم.
وقالَ عَطَاءٌ إذَا فَاتَهُ العِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
عَطاء بن أبي رَبَاح، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَكَانَ
عَطاء، وَالْأول أصح، وَرَوَاهُ الْفرْيَابِيّ فِي
(مُصَنفه) عَن الثَّوْريّ عَن ابْن جريج: (عَن عَطاء
قَالَ: من فَاتَهُ الْعِيد فَليصل رَكْعَتَيْنِ) ،
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي فصل: من فَاتَتْهُ صَلَاة
الْعِيد لم يصل، حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن ابْن جريج، (عَن
عَطاء قَالَ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيكبر) . وَقَوله:
(وَيكبر) ، إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا تقضي كهيئتها لَا أَن
الرَّكْعَتَيْنِ مُطلق نفل.
26 - (بابُ الصَّلاَةِ قَبْلَ العِيدِ وبَعْدَهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة قبل صَلَاة
الْعِيد وَبعدهَا، وَلم يذكر حكم ذَلِك لِأَن الْأَثر
الَّذِي ذكره عَن ابْن عَبَّاس
(6/309)
يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ منع التَّنَفُّل
أَو منع الرَّاتِبَة، وعَلى الْوَجْهَيْنِ هَل هُوَ لكَونه
وَقعت كَرَاهَة أَو الْأَعَمّ من ذَلِك؟ وَلَكِن قَوْله
فِي الْأَثر: (قبل الْعِيد) يدل على أَن المُرَاد منع
التَّنَفُّل مُطلقًا.
وَقَالَ أبُو المُعَلَّى سَمِعْتُ سَعِيدا عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلاَةَ قَبْلَ العِيدِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة مَعَ بَيَان الحكم فِيهِ،
وَأَبُو الْمُعَلَّى، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة: اسْمه يحيى
ابْن دِينَار الْعَطَّار، قَالَه الْكرْمَانِي: وَقَالَ
صَاحب (التَّوْضِيح) يحيى بن مَيْمُون الْعَطَّار:
سَمَّاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد، وَمُسلم وَلَيْسَ لَهُ
عِنْد البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَقد سمع من سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
989 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ
قَالَ حدَّثني عَدِيُّ بنُ ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ
ابنَ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا ولاَ بَعْدَهَا
ومَعَهُ بِلاَلٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي مُطَابقَة أثر
ابْن عَبَّاس، وَقد ذكر البُخَارِيّ الحَدِيث عَن ابْن
عَبَّاس فِي بَاب الْخطْبَة بعد الْعِيد عَن سُلَيْمَان بن
حَرْب عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع
مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء، وَأَبُو الْوَلِيد:
هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ. قَوْله: (قبلهَا)
أَي: قبل صَلَاة الْعِيد الَّتِي عبر عَنْهَا بالركعتين،
ويروى: (قبلهمَا) أَي: قبل الرَّكْعَتَيْنِ الَّتِي هِيَ
صَلَاة الْعِيد.
كمل بعون الله، جلت قدرته، الْجُزْء السَّادِس من عُمْدَة
الْقَارِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ، ويتلوه إِن شَاءَ الله
تَعَالَى الْجُزْء السَّابِع ومطلعه: (كتاب الْوتر) ،
نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ التَّوْفِيق لإتمامه، وَمَا توفيقي
إلاّ بِاللَّه، عَلَيْهِ توكلت. وَإِلَيْهِ أنيب.
(6/310)
|