عمدة القاري شرح صحيح البخاري

41 - (بابُ الدعاءِ إذَا كَثُرَ المَطَرُ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد كَثْرَة الْمَطَر بقوله: (أللهم حوالينا وَلَا علينا) هَذَا إِذا أضيف الْبَاب إِلَى الدُّعَاء، وَيجوز قطع الْإِضَافَة، فَحِينَئِذٍ يكون الدُّعَاء مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ. وَقَوله: (حوالينا) خَبره، وَيكون التَّقْدِير: هَذَا بَاب تَرْجَمته الدُّعَاء إِذا كثر الْمَطَر حوالينا، يَعْنِي بِلَفْظ: حوالينا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون الدُّعَاء عَاملا فِي: حوالينا، وَإِن كَانَ عمل الْمصدر الْمُعَرّف بِاللَّامِ قَلِيلا، لَكِن بِشَرْط كَون الدُّعَاء مجرورا بِإِضَافَة الْبَاب إِلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ مُبْتَدأ: و (إِذا كثر الْمَطَر) خَبره، لزم الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله بأجنبي، هُوَ الْخَبَر، وَأَن يكون، حوالينا، بَيَانا للدُّعَاء أَو بَدَلا.

1201 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ قَالَ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ ثَابِتٍ عنْ أنَسٍ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فقَالُوا يَا رسُولَ الله قَحَطَ المَطَرُ واحْمَرَّتِ الشَّجَرُ وهَلَكَتِ البَهَائِمُ فادْعُ الله يَسْقِينَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا مَرَّتَيْنِ وايْمُ الله مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحابٍ فَنَشَأتْ سَحَابَةٌ وأمْطَرَتْ ونَزَلَ عنِ المِنْبَرِ فَصلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا فَلَمَّا قامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ صاحُوا إلَيْهِ تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ وانْقَطَعَتِ السُّبخلُ فادْعُ الله يَحْبِسْهَا عَنَّا فَتَبَسَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولاَ عَلَيْنَا فكَشَطَتِ المَدِينَةُ فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلاَ تُمْطِرُ بِالمَدِينَةِ قَطْرَةً فنَظَرْتُ إلَى المَدِينَةِ وَإنَّهَا لَفِي مِثْلَ الإكْلِيلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأعَاد حَدِيث أنس أَيْضا من طَرِيق ثَابت عَنهُ لأجل هَذِه التَّرْجَمَة، وَلأَجل مُغَايرَة الروَاة،

(7/46)


وَإِنَّمَا وضع رِوَايَة ثَابت هُنَا لقَوْله: (وَمَا تمطر بِالْمَدِينَةِ قَطْرَة) لِأَن ذَلِك أبلغ فِي انكشاف الْمَطَر، وَهَذِه اللَّفْظَة لم تقع إلاّ فِي هَذِه الرِّوَايَة. قَوْله: (احْمَرَّتْ الشّجر) يَعْنِي: تغير لَوْنهَا عَن الخضرة إِلَى الْحمرَة من اليبس، وأنث الْفِعْل بِاعْتِبَار جنس الشّجر. قَوْله: (وَهَلَكت الْبَهَائِم) ، ويروى: (الْمَوَاشِي) ، وَهِي: الدَّوَابّ والأنعام. قَوْله: (مرَّتَيْنِ) ظرف لِلْقَوْلِ لَا للسقي. قَوْله: (وأيم الله) ، الْهمزَة فِيهِ همزَة الْوَصْل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى. قَوْله: (قزعة من سَحَاب) أَي: قِطْعَة مِنْهُ. قَوْله: (لم يزل الْمَطَر) ويروى: (لم تزل تمطر) ، قَوْله: (تكشطت) أَي تكشفت يُقَال: كشطت الجل عَن ظهر الْفرس، والغطاء عَن الشَّيْء: إِذا كشفته عَنهُ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (فكشطت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (الإكليل) ، بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ شَيْء مثل عِصَابَة تزين بالجواهر، وَيُسمى التَّاج إكليلاً.

51 - (بابُ الدُّعاءِ فِي الاسْتِسْقَاءِ قائِما)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء فِي الاسْتِسْقَاء حَال كَونه قَائِما فِي الْخطْبَة وَغَيرهَا، لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْخُشُوع والتواضع، وَقيل: ليراه النَّاس فيقتدوا بِهِ فِيمَا صنع.

2201 - وقَالَ لنا أبُو نُعَيْمٍ عنْ زُهَيْرٍ عنْ أبِي إسْحَاقَ خَرَجَ عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ الأنْصَارِيُّ وخَرَجَ مَعَهُ البَرَاءُ بنُ عازِبٍ وَزَيْدُ بنُ أرْقَمَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فاسْتَسْقَى فقامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ فاسْتَغْفَرَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالقِرَاءَةِ وَلَمْ يْؤَذِّنْ ولَمْ يُقِمْ. قَالَ أبُو إسْحَاقَ وَرَأى عَبْدُ الله ابنُ يَزِيدَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَامَ لَهُم على رجلَيْهِ من غير مِنْبَر) .
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون: وَهُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْكُوفِي. الثَّالِث: أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي. الرَّابِع: عبد الله بن يزِيد بن زيد بن حُصَيْن بن عَمْرو الأوسي الخطمي أَبُو مُوسَى، قَالَ الذَّهَبِيّ: شهد الْحُدَيْبِيَة وَمَات قبل ابْن الزبير. وَقَالَ أَبُو عمر: وَشهد الْحُدَيْبِيَة وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة، وَكَانَ أَمِيرا على الْكُوفَة، وَشهد مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صفّين والجمل والنهروان، وَذكره ابْن طَاهِر أَيْضا فِي الصَّحَابَة الَّذين خرج لَهُم فِي (الصَّحِيحَيْنِ) ، وَقَالَ: كَانَ صَغِيرا على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ أَمِير اعلى الْكُوفَة على عهد ابْن الزبير. قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ فِي زمن ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو عبيد الأجري: قلت لأبي دَاوُد: عبد الله بن يزِيد الخطمي لَهُ صُحْبَة؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَهُ رُؤْيَة، سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول، هَذَا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت مصعبا الزبيرِي يَقُول: لَيْسَ لَهُ صُحْبَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: قَالَ البُخَارِيّ قَالَ لنا أَبُو نعيم، قَالَ الْكرْمَانِي: وَالْفرق بَين قَالَ لنا، وَحدثنَا: أَن القَوْل يسْتَعْمل إِذا سمع من شَيْخه فِي مقَام المذاكرة والمحاورة، والتحديث إِذا سمع فِي مقَام التحميل وَالنَّقْل. قيل: لَيْسَ اسْتِعْمَال البُخَارِيّ لذَلِك منحصرا فِي المذاكرة، فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلهُ فِيمَا يكون ظَاهره الْوَقْف، وَفِيمَا يصلح للمتابعات. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار، كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق بِهِ فِي حَدِيث لزيد بن أَرقم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (خرج عبد الله بن يزِيد) يَعْنِي: خرج إِلَى الصَّحرَاء، وَذَلِكَ لما كَانَ أَمِيرا على الْكُوفَة من جِهَة عبد الله بن الزبير فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ قبل غَلَبَة الْمُخْتَار بن أبي عبيد عَلَيْهَا، ذكره ابْن سعد وَغَيره. قَوْله: (فَقَامَ) ، أَي: عبد الله بن يزِيد. قَوْله: (لَهُم) ، ويروى (بهم) ، قَوْله: (فَاسْتَغْفر) هَذِه رِوَايَة أبي الْوَقْت، وَفِي رِوَايَة غَيره: (فَاسْتَسْقَى) ، قَوْله: (ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ) ظَاهره أَنه أخر الصَّلَاة عَن الْخطْبَة، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ. قَوْله: (يجْهر) ، فِي مَوضِع النصب على الْحَال. قَوْله: (وَلم يُؤذن وَلم يقم) ، قَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على أَن لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة للاستسقاء. قَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق) هُوَ: أَبُو إِسْحَاق الْمَذْكُور فِي السَّنَد. قَوْله: (روى عبد الله بن يزِيد عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ويروى: (وَرَأى عبد الله بن يزِيد) ، قَالَ

(7/47)


الْكرْمَانِي: وعَلى تَقْدِير الرِّوَايَة إِن أَرَادَ رِوَايَة مَا صدر عَنهُ من الصَّلَاة والجهر فيهمَا وَغَيرهمَا صَار مَرْفُوعا، وَإِن أَرَادَ الرِّوَايَة فِي الْجُمْلَة فَهُوَ مَوْقُوف عَلَيْهِ. قلت: رأى عبد الله بن يزِيد رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرِوَايَة الْحَمَوِيّ وَحده: وروى عبد الله، وَقد أخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي (تَارِيخه) هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة قبيصَة عَن الثَّوْريّ: (عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: بعث ابْن الزبير إِلَى عبد الله بن يزِيد الخطمي: أَن استسق بِالنَّاسِ، فَخرج وَخرج النَّاس مَعَه، وَفِيهِمْ زيد بن أَرقم والبراء بن عَازِب) ، وَخَالفهُ عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ فَقَالَ فِيهِ: (ان ابْن الزبير خرج يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ. .) الحَدِيث. وَقَوله: (إِن ابْن الزبير هُوَ الَّذِي فعل ذَلِك) وهم، وَإِنَّمَا الَّذِي فعله هُوَ عبد الله بن يزِيد بِأَمْر ابْن الزبير، وَفِي (سنَن الْكَجِّي) مَا يدل على أَن الَّذِي صلى بهم ذَلِك الْيَوْم هُوَ زيد بن أَرقم.

3201 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عَبَّادُ بنُ تَمِيمٍ أنَّ عَمَّهُ وكانَ مِنْ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبَرَهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ فقامَ فَدَعَا الله قائِما ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ القِبْلَةِ وَحَوَّلَ ردَاءَهُ فَأُسْقُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَامَ فَدَعَا الله قَائِما) ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب تَحْويل الرِّدَاء فِي الاسْتِسْقَاء، أخرجه هُنَا: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه عبد الله بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (قبل الْقبْلَة) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَة الْقبْلَة. قَوْله: (فاسقوا) ، بِضَم الْهمزَة وَالْقَاف على بِنَاء الْمَجْهُول، وَأَصله: اسقيوا، استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا بعد حذف حركتها، فَصَارَ: اسقوا، على وزن: افعوا. ويروى: (فسقوا) ، على بِنَاء الْمَجْهُول أَيْضا وإعلاله مثل إعلال: اسقوا، لَكِن الأول من الْمَزِيد وَهُوَ: الاسْتِسْقَاء، وَالثَّانِي من الْمُجَرّد وَهُوَ: السَّقْي.

61 - (بابُ الجَهْرِ بِالقِرَاءَةِ فِي الاسْتِسْقَاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء.

4201 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إلَى القِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يجْهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ) ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب تَحْويل الرِّدَاء فِي الاسْتِسْقَاء، غير أَن هُنَا زَاد قَوْله: (ويجهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ) . قَوْله: (يجْهر) فِي مَحل النصب على الْحَال وَرِوَايَة كَرِيمَة هَكَذَا: (يجْهر) بِلَفْظ الْمُضَارع، وَرِوَايَة الْأصيلِيّ (جهر) ، بِلَفْظ الْمَاضِي.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب.
وَفِيه: الدّلَالَة على أَن الْخطْبَة فِي الاسْتِسْقَاء قبل الصَّلَاة لِأَن: ثمَّ، للتَّرْتِيب وَهُوَ قَول عمر بن عبد الْعَزِيز وَاللَّيْث بن سعد، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَابْن الزبير والبراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الصَّلَاة قبل الْخطْبَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه خطب بعد الصَّلَاة، فَوَجَدنَا الْجُمُعَة فِيهَا خطْبَة وَهِي قبل الصَّلَاة، ورأينا الْعِيدَيْنِ فيهمَا الْخطْبَة وَهِي بعد الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يفعل فَينْظر فِي خطْبَة الاسْتِسْقَاء بِأَيّ الْخطْبَتَيْنِ أشبه فنعطف حكمهَا على حكمهَا، فالجمعة فرض وَكَذَلِكَ خطبتها، وخطبة الْعِيد لَيست كَذَلِك، لِأَنَّهَا تجوز بِغَيْر الْخطْبَة، وَكَذَلِكَ صَلَاة الاسْتِسْقَاء تجوز وَإِن لم يخْطب، غير أَنه إِذا تَركهَا أَسَاءَ، فَكَانَت بِخطْبَة الْعِيدَيْنِ أشبه مِنْهَا بِخطْبَة الْجُمُعَة، فَدلَّ ذَلِك أَنَّهَا بعد الصَّلَاة. وَمن فَوَائِد الحَدِيث: الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء، وَهُوَ مِمَّا أجمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء، وَقد مر غير مرّة.

(7/48)


71 - (بابٌ كيْفَ حَوَّلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَهْرَهُ إلَى النَّاسِ)

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته كَيفَ حول إِلَى آخِره.

5201 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَمِّهِ قَالَ رأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ خرَجَ يَسْتَسْقِي قَالَ فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ..

أعَاد حَدِيث عبد الله بن زيد الْمَذْكُور لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، وَلأَجل مُغَايرَة شُيُوخه وَاخْتِلَاف بعض الْمَتْن. فَإِن قلت: أَيْن مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، لِأَنَّهَا فِي كَيْفيَّة التَّحْوِيل، والْحَدِيث فِي وُقُوعه فَقَط؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: مَعْنَاهُ حوله حَال كَونه دَاعيا. قلت: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْحَال من الكيفيات، وَقيل: كي، هُنَا استفهامية لِأَنَّهُ، لما كَانَ التَّحْوِيل الْمَذْكُور لم يتَبَيَّن كَونه من نَاحيَة الْيَمين أَو الْيَسَار احْتَاجَ إِلَى الِاسْتِفْهَام. قلت: يُمكن أَن تُؤْخَذ الْكَيْفِيَّة من حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ كَانَ يُعجبهُ التَّيَمُّن فِي شَأْنه كُله، وَكَانَ الْمَفْهُوم من: حول، وُقُوعه وَمن: حَاله، كيفيته، وَهُوَ كَونه من الْيَمين لِأَن الْمَعْهُود مِنْهُ التَّيَمُّن فِي كل حَاله، فَافْهَم، وآدَم شَيْخه هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَابْن أبي ذِئْب هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَقد مر فِي الْبَاب السَّابِق، وَمحل التَّحْوِيل بعد فرَاغ الموعظة وَإِرَادَة الدُّعَاء.

81 - (بابُ صَلاَةِ الاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة الاسْتِسْقَاء، وَأَرَادَ بِهِ بَيَان كميتها، وَأَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: (رَكْعَتَيْنِ) على طَرِيق عطف الْبَيَان، لِأَن لفظ: الاسْتِسْقَاء، مجرور بِالْإِضَافَة. وَقيل: مجرور على الْبَدَل، وَلَا يَصح ذَلِك، لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السُّقُوط فَيصير التَّقْدِير: بَاب صَلَاة رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْسَ بِصَحِيح.

6201 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَمِّهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وقَلَبَ رِدَاءَهُ..
أعَاد الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله لأجل وضع التَّرْجَمَة، وَلأَجل مُغَايرَة شُيُوخه على مَا لَا يخفى، ومطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: (عَن عَمه) ، هُوَ عبد الله بن زيد، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت: (عَن عَمه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (وقلب رِدَاءَهُ) عطف على: (فصلى رَكْعَتَيْنِ) ، بِالْوَاو. وَقَوله: (فصلى) عطف على: استسقى، بِالْفَاءِ، فِيهِ دَلِيل على أَن الصَّلَاة وقلب الرِّدَاء وَقعا مَعًا، وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون الْقلب قبل الصَّلَاة، على مَا فِي حَدِيث الْبَاب السَّابِق، وَيحْتَمل أَن يكون بعد الصَّلَاة، لِأَن: الْوَاو، لَا تدل على التَّرْتِيب، بل لمُطلق الْجمع كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.

91 - (بابُ الاسْتِسْقَاءِ فِي المُصَلَّى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الاسْتِسْقَاء فِي الْمصلى الَّذِي فِي الصَّحرَاء، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْمُسْتَحبّ أَن يُصَلِّي صَلَاة الاسْتِسْقَاء فِي الْجَبانَة. وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التَّرْجَمَة أخص من التَّرْجَمَة الْمُتَقَدّمَة أول الْأَبْوَاب، وَهِي: بَاب الْخُرُوج إِلَى الاسْتِسْقَاء، وَوَقع فِي هَذَا الْبَاب تعْيين الْخُرُوج إِلَى الْمصلى، فَنَاسَبَ كل رِوَايَة ترجمتها قلت: لَا نسلم الأخصية بل كِلَاهُمَا سَوَاء، لِأَن معنى الْخُرُوج إِلَى الاسْتِسْقَاء هُوَ الْخُرُوج إِلَى الْمصلى، لِأَن هَذَا الْقَائِل فسر قَوْله: (خرج يَسْتَسْقِي) ، بقوله: (أَي: إِلَى الْمصلى) .

7201 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ سَمِعَ عَبَّادَ ابنِ تَمِيمٍ عنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وقَلَبَ رِدَاءَهُ. قَالَ سُفْيَانُ فأخْبَرَني المَسْعُودِيُّ عنْ أبِي بَكْرٍ قَالَ جَعَلَ اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ.
.

(7/49)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد هُوَ عَمْرو بن حزم.
قَوْله: (يَسْتَسْقِي) من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله: (واستقبل) ، عطف على قَوْله: (خرج) . قَوْله: (قَالَ سُفْيَان وَأَخْبرنِي المَسْعُودِيّ) ، هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عتبَة بن عبد الله بن مَسْعُود، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَة. قَوْله: (عَن أبي بكر) يَعْنِي: يروي عَن أبي بكر وَالِد عبد الله الْمَذْكُور فِيهِ، قَالَ الْحَافِظ الْمزي: هَذَا مُعَلّق، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يدْرِي عَمَّن أَخذه البُخَارِيّ، وَلِهَذَا لَا يعد أحد المَسْعُودِيّ فِي رِجَاله. وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن: الظَّاهِر أَنه أَخذه عَن شَيْخه عبد الله بن مُحَمَّد، وَلَا يلْزم من عدم عد المَسْعُودِيّ فِي رِجَاله أَن لَا يكون وصل هَذَا الْموضع عَنهُ. قلت: فِيهِ نظر لِأَن الظَّاهِر مَا قَالَه الْمزي، وَإِنَّمَا يَصح الْجَواب الْمَذْكُور أَن لَو قَالَ: وَقَالَ سُفْيَان، بواو الْعَطف، ليَكُون عطفا على الْإِسْنَاد الأول، وَإِنَّمَا قطعه عَن الأول بِالْفَصْلِ فَلَا يفهم مِنْهُ الِاتِّصَال. وَقَالَ ابْن بطال: حَدِيث أبي بكر هَذَا يدل على تَقْدِيم الصَّلَاة على الْخطْبَة، لِأَنَّهُ ذكر أَنه صلى قبل قلب الرِّدَاء، وَهُوَ أضبط للقصة من ابْنه عبد الله الَّذِي ذكر الْخطْبَة قبل الصَّلَاة. قُلْنَا: لَا نزاع فِي جَوَاز الْأَمريْنِ، وَإِنَّمَا النزاع فِي الْأَفْضَل. وَقَالَ ابْن بطال أَيْضا: فِيهِ دَلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يلبس الرِّدَاء على حسب لِبَاس أهل الأندلس ومصر وبغداد، وَهُوَ غير الاشتمال بِهِ، لِأَنَّهُ حول مَا على يَمِينه على يسَاره، وَلَو كَانَ لِبَاسه اشتمالاً لقيل: قلب أَسْفَله أَعْلَاهُ، أَو: حل رِدَاءَهُ فقلبه.

(بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الاسْتِسْقَاء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الدُّعَاء فِي الاسْتِسْقَاء
69 - (حَدثنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ حَدثنَا يحيى بن سعيد قَالَ أَخْبرنِي أَبُو بكر بن مُحَمَّد أَن عباد بن تَمِيم أخبرهُ أَن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ أخبرهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج إِلَى الْمصلى يُصَلِّي وَأَنه لما دَعَا أَو أَرَادَ أَن يَدْعُو اسْتقْبل الْقبْلَة وحول رِدَاءَهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " أَو اراد أَن يَدْعُو اسْتقْبل الْقبْلَة " وَأعَاد أَيْضا حَدِيث عبد الله بن زيد لما ذكرنَا من المعان فِيمَا قبل قَوْله " مُحَمَّد بن سَلام " كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بِنِسْبَة مُحَمَّد إِلَى أَبِيه وَفِي رِوَايَة غَيره حَدثنَا مُحَمَّد بِذكرِهِ مُجَردا عَن النِّسْبَة وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ قَوْله " خرج إِلَى الْمصلى يَدْعُو " هَذِه رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيره " خرج إِلَى الْمصلى يُصَلِّي " قَوْله " أَو أَرَادَ أَن يَدْعُو " شكّ من الرَّاوِي قيل يحْتَمل أَن يكون الشَّك من يحيى بن سعيد فقد رَوَاهُ السراج من طَرِيق ابْن أَيُّوب عَنهُ بِالشَّكِّ أَيْضا وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال فَلم يشك وَقَالَ ابْن بطال سنة من خطب النَّاس معلما لَهُم وواعظا لَهُم أَن يستقبلهم لَكِن عِنْد دُعَاء الاسْتِسْقَاء يسْتَقْبل الْقبْلَة لِأَن الدُّعَاء مُسْتَقْبل الْقبْلَة أفضل وَقَالَ النَّوَوِيّ يلْحق بِالدُّعَاءِ الْوضُوء وَالْغسْل والأذكار وَالْقِرَاءَة وَسَائِر الطَّاعَات إِلَّا مَا خرج بِالدَّلِيلِ كالخطبة (قَالَ أَبُو عبد الله. ابْن زيد هَذَا مازني وَالْأول كُوفِي هُوَ ابْن يزِيد) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه أَشَارَ بقوله هَذَا إِلَى عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ هُوَ عَم عباد بن مَازِن وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله " مازني " وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب تَحْويل الرِّدَاء فِي الاسْتِسْقَاء قَوْله " وَالْأول هُوَ عبد الله بن يزِيد " بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف فِي أَوله كُوفِي وَفَسرهُ بقوله " هُوَ ابْن يزِيد " وَهَذَا أَعنِي قَوْله " قَالَ أَبُو عبد الله " إِلَى آخِره فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره قيل كَانَ اللَّائِق أَن يذكر هَذَا فِي بَاب الدُّعَاء فِي الاسْتِسْقَاء قَائِما لِأَن كليهمَا مذكوران فِيهِ وَكَانَ الأولى بَيَان تغايرهما هُنَاكَ وَلَيْسَ هَهُنَا ذكر عبد الله بن يزِيد

(7/50)