عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 34 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِم تقع هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا
التَّعْلِيق الْمَذْكُور بعْدهَا فِي رِوَايَة
الْحَمَوِيّ، وَإِنَّمَا ذكرا فِي رِوَايَة البَاقِينَ.
وقالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ
النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَدْمَعُ العَيْنُ
ويَحْزَنُ القَلْبُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُصَاب إِذا كَانَ
مَحْزُونا تَدْمَع عينه، فَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، أَخذ من بعض معنى الحَدِيث الَّذِي
رَوَاهُ الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا الْبَاب، وَلَفظه:
(إِن الله لَا يعذب بدمع الْعين وَلَا يحزن الْقلب) ،
وَذَلِكَ لِأَن عدم تَعْذِيب الله بدمع الْعين وحزن الْقلب
يسْتَلْزم أَنَّهُمَا إِذا وجدا لَا يعذب بهما، وباللفظ
الْمَذْكُور روى مُسلم من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ولد لي اللَّيْلَة غُلَام
فسميته إِبْرَاهِيم. .) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب) ،
وَوَقع كَذَلِك فِي حَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن
أَسمَاء بنت يزِيد، قَالَت: (لما توفّي ابْن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: (تَدْمَع
الْعين ويحزن الْقلب) . وَكَذَا وَقع فِي حَدِيث رَوَاهُ
ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (توفّي ابْن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِبْرَاهِيم بَكَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: (تَدْمَع
الْعين ويحزن الْقلب) . وَكَذَا وَقع فِي حَدِيث رَوَاهُ
ابْن حبَان عَن (أبي هُرَيْرَة، قَالَ: توفّي ابْن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: ((الْقلب
يحزن وَالْعين تَدْمَع) . وَوَقع أَيْضا فِي حَدِيث
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (عَن أبي أُمَامَة، قَالَ: جَاءَ
رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفّي
إِبْرَاهِيم. .) الحَدِيث، وَفِيه: (يحزن الْقلب وتدمع
الْعين وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وَإِنَّا على
إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) . وَأخرج الطَّبَرَانِيّ
أَيْضا: (عَن السَّائِب بن يزِيد: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لما هلك ابْنه طَاهِر) الحَدِيث، وَفِيه:
(إِن الْعين تذرف، وَإِن الدمع يغلب، وَإِن الْقلب يحزن
وَلَا نعصى الله عز وَجل) .
3031 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ قَالَ
حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَسَّانَ قَالَ حدَّثنا قُرَيْشٌ هُوَ
ابنُ حَيَّانَ عنْ ثَابِتٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أبِي سَيْفٍ القَيْنِ وكانَ
ظِئْرا لإِبْرَاهِيمَ عليهِ السَّلامُ فأخَذَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ
وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عليْهِ بَعْدَ ذالِكَ
وَإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَذْرِفانِ فَقَالَ
لَهُ عَبْدُ الرَّحمانِ بنِ عَوْفٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ وأنْتَ يَا رَسُول الله فَقَالَ يَا ابنَ عَوْفٍ
إنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ والقَلْبَ
يَحْزَنُ وَلاَ نَقُولُ إلاَّ مَا يَرْضى ربُّنَا وَإنَّا
بِفِرَاقِكَ يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.
(8/101)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:
(وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: الْحسن بن عبد الْعَزِيز
ابْن الْوَزير الجروي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء:
الجذامي، مَاتَ بالعراق سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: يحيى بن حسان، منصرفا وَغير منصرف، أَبُو
زَكَرِيَّاء الإِمَام الرئيس. الثَّالِث: قُرَيْش، بِضَم
الْقَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَفِي آخِره شين مُعْجمَة. ابْن حَيَّان من الْحَيَاة
أَبُو بكر الْعجلِيّ، بِكَسْر الْعين. الرَّابِع: ثَابت بن
أسلم الْبنانِيّ. الْخَامِس: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه:
القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه جروي
وَهِي قَرْيَة من قرى تنيس، وَيُقَال لَهُ التنيسِي
أَيْضا، وَهُوَ من طبقَة البُخَارِيّ، وَمَات بعده بِسنة
وَلَيْسَ عِنْده سوى هَذَا الحَدِيث، وحديثين آخَرين فِي
التَّفْسِير، وَشَيْخه هَذَا من أَفْرَاده وَيحيى بن حسان
أَيْضا تنيسي، أدْركهُ البُخَارِيّ وَلم يلقه لِأَنَّهُ
مَاتَ قبل أَن يدْخل مصر، وقريش وثابت بصريان.
وَالْبُخَارِيّ تفرد بِهِ بِهَذَا السَّنَد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (على أبي سيف الْقَيْن) سيف،
بِفَتْح السِّين، و: الْقَيْن، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون. وَهُوَ صفة لَهُ
واسْمه: الْبَراء بن أَوْس الْأنْصَارِيّ، والقين:
الْحداد، قَالَ ابْن سَيّده: قيل: كل صانع قين، وَالْجمع:
أقيان وقيون، وَيُقَال: قان يَقِين قيانة، صَار قينا. وقان
الحديدة عَملهَا، وقان الْإِنَاء يقينه قينا: أصلحه،
والمقين المزين. وَفِي (الطَّبَقَات الْكَبِير) لمُحَمد بن
سعد عَن مُحَمَّد بن عمر: ولد إِبْرَاهِيم فِي ذِي
الْحجَّة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَعَن عبد الله بن عبد
الرَّحْمَن بن أبي صعصعة: لما ولد تنافست فِيهِ نسَاء
الْأَنْصَار أيتهن ترْضِعه، فَدفعهُ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى أم بردة بنت الْمُنْذر بن زيد بن
لبيد بن خِدَاش بن عَامر بن تَمِيم بن عدي بن النجار،
وَزوجهَا الْبَراء بن أَوْس بن الْجَعْد بن عَوْف بن مبذول
بن عَمْرو بن غنم بن عدي بن النجار، فَكَانَت ترْضِعه،
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِيهِ
فِي بني النجار. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: إسم أم بردة:
خَوْلَة بنت الْمُنْذر، زَوْجَة أبي سيف الْبَراء بن
أَوْس. قَوْله: (وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيم) ، أَي:
كَانَ أَبُو سيف الْبَراء ظِئْرًا لإِبْرَاهِيم ابْن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الظِّئْر: زوج
الْمُرضعَة، وَتسَمى الْمُرضعَة أَيْضا ظِئْرًا، قَالَه
ابْن قرقول. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الظِّئْر
الْمُرضعَة، وَلما كَانَ زَوجهَا تكفله سمي ظِئْرًا،
وَأَصله عطف على النَّاقة على غير وَلَدهَا ترْضِعه،
وَالِاسْم: الظأر. وَفِي (الْجَامِع) : ظئرت النَّاقة
فَهِيَ مظئورة، وظأرت فُلَانَة إِذا أخذت ولدا غير
وَلَدهَا لترضعه، وأظأرت أَنا وَلَدي ظِئْرًا إِذا اتخذته
لَهُ. وَفِي (الْمُحكم) : الظِّئْر العاطفة على ولد
غَيرهَا، الْمُرضعَة من النَّاس وَالْإِبِل الذّكر والانثى
فِي ذَلِك سَوَاء، وَالْجمع: أظؤر وأظآر وظئور وظئورة
وظؤار، الْأَخير من الْجمع الْعَزِيز، وظئورة. وَهُوَ
عِنْد سِيبَوَيْهٍ: اسْم للْجمع، وَقيل: الْجمع من
الْإِبِل ظؤار، وَمن النِّسَاء ظئورة. وَفِي (الصِّحَاح) :
وَالْجمع ظآر على وزن فعال بِالضَّمِّ، وَقَالَ
الْأَزْهَرِي: لَا يجمع على فعلة إلاَّ ثَلَاثَة أحرف: ظئر
وظئورة، وَصَاحب وصحبة، وفاره وفرهة. قَوْله:
(لإِبْرَاهِيم) أَي: ابْن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَلَفظه عِنْد مُسلم فِي أَوله: (ولد لي اللَّيْلَة
غُلَام فسميته باسم أبي إِبْرَاهِيم، ثمَّ دَفعه إِلَى أم
سيف امْرَأَة قين بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ أَبُو سيف،
فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاتبعته،
فَانْتهى إِلَى أبي سيف وَهُوَ ينْفخ بكيره وَقد امْتَلَأَ
الْبَيْت دخانا، فتسرعت الْمَشْي بَين يَدي رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقلت: يَا أَبَا سيف أمسك، جَاءَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَقَوله:
(وَإِبْرَاهِيم يجود بِنَفسِهِ) أَي: يُخرجهَا ويدفعها
كَمَا يجود الْإِنْسَان بِإِخْرَاج مَاله، وَفِي بعض طرقه:
يكيد بِنَفسِهِ. قَالَ صَاحب (الْعين) : أَي: يَسُوق بهَا،
من كَاد يكيد أَي: قَارب الْمَوْت. قَوْله: (تَذْرِفَانِ)
، بذال مُعْجمَة وَفَاء: من ذرفت الْعين تذرف،
بِالْكَسْرِ: إِذا جرى دمعها. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ) أَي:
لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَأَنت
يَا رَسُول الله؟) مَعْطُوف على مَحْذُوف تَقْدِيره،
النَّاس لَا يصبرون عِنْد المصائب وَأَنت يَا رَسُول الله
تفعل كفعلهم، كَأَنَّهُ تعجب واستغرب ذَلِك مِنْهُ
لمقاومته الْمُصِيبَة، ولعهده أَنه يحث على الصَّبْر
وَينْهى عَن الْجزع. قَوْله: (فَقَالَ: يَا ابْن عَوْف) ،
هَذَا جَوَاب من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، فَقَالَ: يَا ابْن عَوْف إِنَّهَا
رَحْمَة أَي: إِن الْحَالة الَّتِي شاهدتها مني هِيَ رقة
وشفقة على الْوَلَد، وَلَيْسَت بجزع كَمَا توهمت أَنْت،
وَوَقع فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف نَفسه،
(فَقلت: يَا رَسُول الله تبْكي؟ أَو لم تنه عَن الْبكاء؟)
وَزَاد فِيهِ: (إِنَّمَا نهيت عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ
فاجرين: صَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَلعب وَمَزَامِير
الشَّيْطَان، وَصَوت عِنْد مُصِيبَة وخمش وَجه وشق جُيُوب
وَرَنَّة شَيْطَان، وَإِنَّمَا هَذَا رَحْمَة، وَمن لَا
يرحم
(8/102)
لَا يُرحم) . وَفِي رِوَايَة مَحْمُود بن
لبيد: (فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر) ، وَفِي رِوَايَة عبد
الرَّزَّاق من مُرْسل مَكْحُول (إِنَّمَا أنهى النَّاس عَن
النِّيَاحَة أَن ينْدب الرجل بِمَا لَيْسَ فِيهِ) .
قَوْله: (ثمَّ أتبعهَا بِأُخْرَى) أَي: ثمَّ أتبع الدمعة
الأولى بِالْأُخْرَى، وَيجوز أَن يُقَال: ثمَّ أتبع
الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة، وَهِي: إِنَّهَا رَحْمَة،
بِكَلِمَة أُخْرَى، وَهِي: (إِن الْعين تَدْمَع وَالْقلب
يحزن. .) إِلَى آخِره، فَكَأَن هَذِه الْكَلِمَة
الْأُخْرَى صَارَت مفسرة للكلمة الأولى. قَوْله: (وَإِنَّا
بِفِرَاقِك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) ، وَقد مر أَن
فِي حَدِيث أبي أُمَامَة: (وَإِنَّا على إِبْرَاهِيم
لَمَحْزُونُونَ) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: ذكر إِبْرَاهِيم ابْن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوته ومجموع أَوْلَاد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة: الْقَاسِم
وَبِه كَانَ يكنى، والطاهر وَالطّيب، وَيُقَال أَن
الطَّاهِر هُوَ الطّيب، وَإِبْرَاهِيم وَزَيْنَب زَوْجَة
ابْن أبي الْعَاصِ، ورقية وَأم كُلْثُوم زوجا عُثْمَان،
وَفَاطِمَة زَوْجَة عَليّ بن أبي طَالب، وَجَمِيع
أَوْلَاده من خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
إلاَّ ابراهيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة،
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم (لَو عَاشَ إِبْرَاهِيم لوضعت الْجِزْيَة على كل
قبْطِي) ، وَعَن مَكْحُول أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي إِبْرَاهِيم: (لَو عَاشَ مَا رق
لَهُ خَال) ، وَاتَّفَقُوا على أَن مولده كَانَ فِي ذِي
الْحجَّة سنة ثَمَان، وَاخْتلفُوا فِي وَقت وَفَاته،
فالواقدي جزم بِأَنَّهُ مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر
لَيَال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وَقَالَ ابْن حزم:
مَاتَ قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاثَة،
وَقيل: بلغ سِتَّة عشر شهرا وَثَمَانِية أَيَّام، وَقيل:
سَبْعَة عشر شهرا، وَقيل: سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة
أَيَّام، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) : توفّي وَله سَبْعُونَ
يَوْمًا. وَعَن مَحْمُود بن لبيد: توفّي وَله ثَمَانِيَة
عشر شهرا. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : قَالَ عَمْرو: فَلَمَّا
توفّي إِبْرَاهِيم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِن إِبْرَاهِيم ابْني وَإنَّهُ مَاتَ فِي الثدي
وَإِن لَهُ لظئرين يكملان إرضاعه فِي الْجنَّة) . وَعند
ابْن سعد بِسَنَد صَحِيح عَن الْبَراء بن عَازِب يرفعهُ:
(أما أَن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة) . وَفِي رِوَايَة
جَابر عَن عَامر عَن الْبَراء: (إِنَّه صديق شَهِيد) ،
وَعَن مُحَمَّد ابْن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب: أول من
دفن بِالبَقِيعِ ابْن مَظْعُون، ثمَّ اتبعهُ إِبْرَاهِيم،
وَعَن رجل من آل عَليّ بن أبي طَالب: لما دفن إِبْرَاهِيم
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل من أحد
يَأْتِي بقربة؟ فَأتى رجل من الْأَنْصَار بقربة مَاء،
فَقَالَ: رشها على قبر إِبْرَاهِيم.
وَاخْتلف فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، فصححه ابْن حزم، وَقَالَ
أَحْمد: مُنكر جدا. وَقَالَ السّديّ: سَأَلت أنسا: أصلى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْنه إِبْرَاهِيم؟
قَالَ: لَا أَدْرِي، وروى عَطاء عَن ابْن عجلَان عَن أنس
أَنه كبر عَلَيْهِ أَرْبعا، وَهُوَ أفقه، أَعنِي: عَطاء.
وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَنه: مَا صلى،
وَهِي مُرْسلَة، فَيجوز أَن يكون اشْتغل بالكسوف عَن
الصَّلَاة. وَحكى الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْعِرَاقِيّ
السبتي: أَن مَعْنَاهُ: لم يصل عَلَيْهِ بِنَفسِهِ، وَصلى
عَلَيْهِ غَيره. وَقيل: لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي على نَبِي،
وَقد جَاءَ عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لَو
عَاشَ كَانَ نَبيا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: كل هَذِه
ضَعِيفَة، وَالصَّلَاة عَلَيْهِ أثبت.
وَفِيه: جَوَاز تَقْبِيل من قَارب الْمَوْت وَذَلِكَ قبل
الْوَدَاع والتشفي مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز الْبكاء
الْمُجَرّد والحزن، وَقد مر هَذَا فِيمَا مضى. فَإِن قلت:
روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا مُحَمَّد بن
بشر حَدثنَا مُحَمَّد بن عمر وحَدثني أبي عَن عَلْقَمَة
(عَن عَائِشَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لَا تَدْمَع عينه على أحد، قَالَ عَلْقَمَة: أَي
أمه! كَيفَ كَانَ يصنع؟ قَالَت: كَانَ إِذا وجد فَإِنَّمَا
هُوَ أَخذ بلحيته) . قلت: يحْتَمل أَن عَائِشَة مَا شاهدت
مَا شَاهده غَيرهَا، أَو يكون مرادها: لَا تَدْمَع عينه
بفيض.
رَوَاهُ مُوسى عنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيرَةِ عنْ
ثَابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي
الْمنْقري عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم
وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن
أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَوَصله الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيق
تمْتَام الْحَافِظ عَنهُ، و: تمْتَام، بتائين مثناتين من
فَوق: لقب مُحَمَّد بن غَالب الْبَغْدَادِيّ.
وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ وهدبة بن خَالِد،
كِلَاهُمَا عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن
أنس فَذكره.
44 - (بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْبكاء عِنْد الْمَرِيض،
وَفِي بعض النّسخ: الْبكاء على الْمَرِيض، وَلَفظ: بَاب،
سَاقِط فِي رِوَايَة أبي ذَر.
(8/103)
62 - (حَدثنَا أصبغ عَن ابْن وهب قَالَ
أَخْبرنِي عَمْرو عَن سعيد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ عَن
عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا. قَالَ اشْتَكَى سعد
بن عبَادَة شكوى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعودهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي
الله عَنْهُم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غاشية
أَهله فَقَالَ قد قضى قَالُوا لَا يَا رَسُول الله فَبكى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا
رأى الْقَوْم بكاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بكوا فَقَالَ أَلا تَسْمَعُونَ إِن الله لَا
يعذب بدمع الْعين وَلَا بحزن الْقلب وَلَكِن يعذب بِهَذَا
وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه أَو برحم وَإِن الْمَيِّت يعذب
ببكاء أَهله عَلَيْهِ وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يضْرب
فِيهِ بالعصا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ ويحثي
بِالتُّرَابِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي بكائه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد سعد بن عبَادَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول
أصبغ بن الْفرج أَبُو عبد الله مَاتَ يَوْم الْأَحَد
لأَرْبَع بَقينَ من شَوَّال سنة خمس وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي عبد الله بن وهب. الثَّالِث
عَمْرو بن الْحَارِث. الرَّابِع سعد بن الْحَارِث
الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة. الْخَامِس عبد الله بن
عمر (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع
فِي مَوضِع والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع
وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاث مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي
موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ وَابْن وهب
وَعَمْرو بن الْحَارِث مصريون وَسَعِيد بن الْحَارِث مدنِي
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى
وَعَمْرو بن سَواد كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن عَمْرو بن
الْحَارِث عَن سعيد بن الْحَارِث بِهِ. (ذكر مَعْنَاهُ)
قَوْله " اشْتَكَى " أَي ضعف قَالَه بَعضهم وَلَيْسَ
كَذَلِك لِأَنَّهُ على هَذَا التَّفْسِير لَا يلائمه
قَوْله " شكوى " لِأَن معنى الشكوى الْمَرَض وَالتَّفْسِير
الصَّحِيح أَن اشتكي من الشكاية وشكوى بِلَا تَنْوِين
لِأَنَّهُ مثل حُبْلَى أَي اشْتَكَى سعد عَن مزاجه لمَرض
لَهُ قَوْله " يعودهُ " جملَة حَالية قَوْله " فِي غاشية
أَهله " بالغين والشين المعجمتين وَقَالَ الْخطابِيّ هَذَا
يحْتَمل وَجْهَيْن أَن يُرَاد بِهِ الْقَوْم الْحُضُور
عِنْده الَّذين هم غاشيته أَي يغشونه للْخدمَة وَأَن
يُرَاد يتغشاه من كرب الوجع الَّذِي بِهِ (قلت) لفظ أَهله
يَأْبَى الْمَعْنى الثَّانِي فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا على
رِوَايَة الْعَامَّة بِإِسْقَاط أَهله ويروى فِي غَشيته
قَالَ الْكرْمَانِي أَي فِي إغمائه وَقَالَ التوريشتي فِي
شرح المصابيح الغاشية الداهية من شَرّ أَو مرض أَو
مَكْرُوه وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا مَا كَانَ يتغشاه من كرب
الوجع الَّذِي فِيهِ لَا الْمَوْت لِأَنَّهُ بَرِيء من
ذَلِك الْمَرَض وعاش بعده زَمَانا قَوْله " فَقَالَ " أَي
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَوْله " قد قضى " فِيهِ معنى الِاسْتِفْهَام أَي أقد خرج
من الدُّنْيَا ظن أَنه قد مَاتَ فَسَأَلَ عَن ذَلِك قَوْله
" أَلا تَسْمَعُونَ " لَا يَقْتَضِي مَفْعُولا لِأَنَّهُ
جعل كالفعل اللَّازِم أَي أَلا تَجِدُونَ السماع قَوْله "
إِن الله " بِكَسْر الْهمزَة لِأَنَّهُ ابْتِدَاء كَلَام
هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَاعْتمد عَلَيْهِ بَعضهم
حَتَّى نَقله عَنهُ من غير أَن ينْسب إِلَيْهِ وَلَكِنِّي
أَقُول مَا الْمَانِع أَن يكون أَن الْفَتْح فِي مَحل
الْمَفْعُول لتسمعون وَهُوَ الملائم لِمَعْنى الْكَلَام
قَوْله " وَلَكِن يعذب بِهَذَا " يَعْنِي إِذا قَالُوا سوأ
من القَوْل وهجرا قَوْله " أَو يرحم الله " قَالَ ابْن
بطال يحْتَمل مَعْنيين أَو يرحم إِن لم ينفذ الْوَعيد
فِيهِ أَو يرحم من قَالَ خيرا أَو استسلم لقَضَاء الله
تَعَالَى وَقَالَ الْكرْمَانِي إِن صحت الرِّوَايَة
بِالنّصب أَو بِمَعْنى إِلَى أَنه يَعْنِي يعذب إِلَى أَن
يرحمه الله لِأَن الْمُؤمن لَا بُد أَن يدْخل الْجنَّة
آخرا قَوْله " وَكَانَ عمر " عطف على لفظ اشْتَكَى فَيكون
مَوْصُولا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَى ابْن عمر
رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ
يضْرب بعد الْمَوْت لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " فَإِذا وَجب فَلَا تبكين باكية " فِي
حَدِيث الْمُوَطَّأ عَن جَابر بن عتِيك وَكَانَ عمر يضربهن
أدبا لَهُنَّ لِأَنَّهُ كَانَ الإِمَام قَالَه الدَّاودِيّ
وَقَالَ غَيره إِنَّمَا كَانَ يضْرب فِي بكاء مَخْصُوص
وَقبل الْمَوْت وَبعده سَوَاء وَذَلِكَ إِذا نَحن وَنَحْوه
قَوْله " ويحثي بِالتُّرَابِ " كَانَ يتأسى بقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نسَاء جَعْفَر " أحث
فِي أفواههن التُّرَاب " (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ)
فِيهِ اسْتِحْبَاب عِيَادَة الْفَاضِل الْمَفْضُول
واستحباب عِيَادَة الْمَرِيض. وَفِيه النَّهْي عَن
الْمُنكر وَبَيَان الْوَعيد عَلَيْهِ. وَفِيه جَوَاز
الْبكاء عِنْد الْمَرِيض والترجمة معقودة لذَلِك. وَفِيه
جَوَاز اتِّبَاع الْقَوْم للباكي فِي بكائه. وَفِيه أَن
الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
مُسْتَوْفِي -
(8/104)
54 - (بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ
والبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عنْ ذالِك)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى ... إِلَى آخِره،
وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: بَاب النَّهْي، وَكلمَة:
من، بَيَانِيَّة وَالْفرق بَين الْبكاء وَالنوح أَن
الْبكاء إِذا كَانَ بِالْمدِّ يكون بِمَعْنى النوح، وَإِذا
كَانَ مَقْصُورا يكون بِمَعْنى الْحزن، والزجر: الردع.
5031 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ
قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ
سَعيد. قَالَ أخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قالَتْ سَمِعْتُ
عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَقُولُ لَمَّا
جاءَ قَتْلُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وعَبْدِ الله
بنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُعْرَفُ فِيهِ الحزْنُ وأنَا أطَّلِعُ مِنْ شَقِّ البَابِ
فأتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رسولَ الله إنَّ نِسَاءَ
جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فأمَرَهُ بِأنْ
يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أتَى فَقَالَ قَدْ
نَهَيْتُهُنَّ وذَكَرَ أنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ
فَأمَرَهُ الثَّانِيَةَ أنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ
أتَى فَقَالَ وَالله لَقَدْ غَلَبْنَنِي أوْ غَلَبْنَنَا
الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ حَوْشَبٍ فَزَعَمَتْ أنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فاحْثُ فِي
أفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ فَقُلْتُ أرْغَمَ الله
أنْفَكَ فَوَالله مَا أنْتَ بِفَاعِلٍ وَما تَرَكْتَ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ العَنَاءِ.
(أنظر الحَدِيث 9921 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأمره بِأَن ينهاهن) .
وَفِي قَوْله: (فاحث فِي أفواههن من التُّرَاب) فَإِن
فِيهِ زجرا عَن ذَلِك، وَقد مر الحَدِيث قبل هَذَا الْبَاب
بأَرْبعَة أَبْوَاب فِي: بَاب من جلس عِنْد الْمُصِيبَة
يعرف فِيهِ الْحزن.
وَأخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد
الْوَهَّاب إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ
مستقصىً. وحوشب، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْوَاو وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة على وزن جَعْفَر، وَمُحَمّد هَذَا طائفي، نزل
الْكُوفَة. قَالَ بَعضهم: ذكر الْأصيلِيّ أَنه لم يرو
عَنهُ غير البُخَارِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل روى عَنهُ
أَيْضا مُحَمَّد بن مُسلم بن واره كَمَا ذكره الْمزي فِي
(التَّهْذِيب) قلت: مُرَاد الْأصيلِيّ أَنه لم يرو عَنهُ
غَيره من أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة. قَوْله: (أَي رَسُول
الله) يَعْنِي: يَا رَسُول الله. قَوْله: (إِن نسَاء
جَعْفَر) ، خبر: إِن، مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ قَوْله:
(فَذكر بكاءهن) . قَوْله: (الشَّك من مُحَمَّد بن حَوْشَب)
، من كَلَام البُخَارِيّ وَنسبه هُنَا إِلَى جده. قَوْله:
(مَا أَنْت بفاعل) أَي: لما أَمرك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من النَّهْي الْوَاجِب. قَوْله: (من
العناء) أَي: من جِهَة العناء وَهُوَ التَّعَب أَو خَالِيا
مِنْهُ.
6031 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ
حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ
مُحَمَّدٍ عنْ أمِّ عطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
قالَتْ أخذَ عَلَيْنَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عِنْدَ البَيْعَةِ أنْ لاَ نَنُوحَ فَما وفتْ مِنَّا
امْرَأةٌ غَيْرُ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمُ سُلَيْمٍ وَأُمُ
العَلاَءِ وَابْنَةُ أبِي سَبْرَةَ امْرَأةُ مُعَاذ
وَامْرَأتَيْنِ أوْ ابْنَةُ أبِي سَبْرَةَ وَامْرَأةُ
مُعَاذٍ وِامْرَأةٌ أُخْرَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَخذ علينا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا ننوح) ، وَالنوح لَو لم
يكن مَنْهِيّا عَنهُ لما أَخذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَلَيْهِنَّ فِي الْبيعَة ترك النوح، وَعبد الله بن عبد
الْوَهَّاب هُوَ الحَجبي، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن
سِيرِين، وَأم عَطِيَّة اسْمهَا نسيبة، وَالْكل تقدمُوا
وَكلهمْ بصريون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن
حَمَّاد عَن أَيُّوب بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْبيعَة عَن الْحسن بن أَحْمد.
قَوْله: (عِنْد الْبيعَة) ، بِفَتْح الْبَاء وَهِي
المعاهدة لما بايعهن على الْإِسْلَام. قَوْله: (أَن لَا
ننوح) أَي: بِأَن لَا ننوح، و: أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله:
(فَمَا وفت) أَي: بترك النوح. قَوْله: (أم سليم) ، بِضَم
السِّين: هِيَ ابْنة ملْحَان وَالِدَة أنس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَاسْمهَا: سهلة، على اخْتِلَاف فِيهِ.
قَوْله: (وَأم الْعَلَاء) ، بِالْمدِّ، الْأَنْصَارِيَّة
تقدم ذكرهَا فِي الْبَاب الثَّالِث من أول الْجَنَائِز.
قَوْله: (وَابْنَة أبي سُبْرَة) بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي امْرَأَة
معَاذ بن جبل
(8/105)
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ
الذَّهَبِيّ فِي: بَاب زَوْجَة فلَان: زَوْجَة معَاذ،
قَالَت أم عَطِيَّة: أَخذ علينا فِي الْبيعَة أَن لَا
ننوح، فَمَا وفت منا غير خمس، فَسَمت هَذِه. قَوْله:
(وَامْرَأَتَانِ) ، ويروى: (وَامْرَأَتَيْنِ) ، وَذَلِكَ
بِحَسب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَهُوَ أَن قَوْله: (أم
سليم) يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَنه خبر مُبْتَدأ الرّفْع
على مَحْذُوف تَقْدِيره: أَحدهَا أم سليم، وَالْآخر
الْجَرّ على أَنه بدل من خمس نسْوَة، وَكَذَلِكَ
الْوَجْهَانِ فِي أم الْعَلَاء وَابْنَة أبي سُبْرَة.
وَقَوله: (وَامْرَأَتَيْنِ) تَكْمِلَة الْخمس النسْوَة،
وَهِي: أم سليم وَأم الْعَلَاء وَابْنَة أبي سُبْرَة
وَامْرَأَتَانِ. قَوْله: (أَو ابْنة أبي سُبْرَة) إِلَى
آخِره، شكّ من الرَّاوِي، فعلى القَوْل الأول تكون بنت أبي
سُبْرَة امْرَأَة معَاذ بن جبل، وعَلى القَوْل الثَّانِي
تكون غَيرهَا، لِأَنَّهُ عطف على ابْنة أبي سُبْرَة،
بقوله: (وَامْرَأَة معَاذ) ، وعَلى هَذَا الْخمس هِيَ: أم
سليم وَأم الْعَلَاء وَابْنَة أبي سُبْرَة وَامْرَأَة
معَاذ وَامْرَأَة أُخْرَى. وَلَقَد خلط بَعضهم فِي هَذَا
الْمَكَان بِالنَّقْلِ من مَوَاضِع كَثِيرَة غير الصِّحَاح
وَتكلم بالتخمين والحسبان، وَالصَّحِيح مَا فِي الصَّحِيح
وَالله أعلم، وَقَالَ النَّوَوِيّ قَوْلهَا: (فَمَا وفت
منا امْرَأَة) إلاَّ خمس، مَعْنَاهُ: لم يَفِ مِمَّن بَايع
مَعَ أم عَطِيَّة فِي الْوَقْت الَّذِي بَايَعت فِيهِ من
النسْوَة، لَا أَنه لم يتْرك النِّيَاحَة من المسلمات غير
خمس.
وَقَالَ: فِيهِ: تَحْرِيم النوح وَعظم قبحه والاهتمام
بإنكاره والزجر عَنهُ لِأَنَّهُ مهيج للحزن ودافع للصبر.
وَفِيه: مُخَالفَة للتسليم للْقَضَاء والإذعان لأمر الله
تَعَالَى.
64 - (بابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقيام للجنازة إِذا مرت بِهِ
وَلم يكن مَعهَا، وَإِنَّمَا لم يشر إِلَى الحكم لِأَن
فِيهِ اخْتِلَافا على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
7031 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا
سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ عنْ سَالِمٍ عنْ
أبِيهِ عنْ عَامِرِ بنِ أبِي رَبِيعَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا رَأيْتُمْ الجِنَازَةَ
فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ. قَالَ سُفْيَانُ قَالَ
الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ عنْ أبِيهِ. قَالَ
أخبرنَا عامِرُ بنُ رَبِيعَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم زَادَ الحُمَيْدِيُّ حَتَّى تخَلِّفَكُمْ
أوْ تُوضَعَ.
(الحَدِيث 7031 طرفه فِي: 8031) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: عَليّ بن عبد الله
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان
ابْن عُيَيْنَة. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: سَالم بن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب. الْخَامِس: أَبوهُ عبد الله بن عمر. السَّادِس:
عَامر بن ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء
الْمُوَحدَة: صَاحب الهجرتين، مر فِي كتاب تَقْصِير
الصَّلَاة. السَّابِع: الْحميدِي، بِضَم الْحَاء وَفتح
الْمِيم: واسْمه عبد الله بن الزبير الْقرشِي.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن
سُفْيَان والْحميدِي مكيان وَالزهْرِيّ وَسَالم مدنيان.
وَفِيه: أَن الْحميدِي أَيْضا من أَفْرَاده. وَفِيه:
رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وَرِوَايَة صَحَابِيّ
عَن صَحَابِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم عَن ابْن أبي شيبَة
وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَابْن نمير،
جَمِيعهم عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَعَن قُتَيْبَة وَعَن
مُحَمَّد بن رمح، كِلَاهُمَا عَن لَيْث وَعَن حَرْمَلَة بن
يحيى عَن ابْن وهب وَعَن أبي كَامِل الجحدري عَن حَمَّاد
بن زيد وَعَن يَعْقُوب بن أبراهيم عَن ابْن علية وَعَن أبي
مُوسَى عَن ابْن أبي عدي وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد
الرَّزَّاق. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن
سُفْيَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة عَن
اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عَامر بن ربيعَة
وَعَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن
عبد الله عَن أَبِيه عَن عَامر بن ربيعَة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن نَافِع عَن
ابْن عمر عَن عَامر بن ربيعَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن
مُحَمَّد بن رمج عَن اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع إِلَى
آخِره. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا من خمس طرق صِحَاح.
(8/106)
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَتَّى تخلفكم)
بِضَم التَّاء وَتَشْديد اللَّام أَي: تتجاوزكم وتجعلكم
خلفهَا، وَلَيْسَ المُرَاد التَّخْصِيص بِكَوْن
الْجِنَازَة تتقدم، بل المُرَاد مفارقتها سَوَاء تخلف
الْقَائِم لَهَا وَرَاءَهَا أَو خلفهَا الْقَائِم وَرَاءه
وَتقدم، وَهُوَ من قَوْلك: خلفت فلَانا ورائي فَتخلف عني
أَي: تَأَخّر، وَهُوَ بتَشْديد اللَّام. وَأما خلفت
بتَخْفِيف اللَّام فَمَعْنَاه: صرت خَليفَة عَنهُ، تَقول:
خلفت الرجل فِي أَهله إِذا أَقمت بعده فيهم وَقمت عَنهُ
بِمَا كَانَ يَفْعَله، وَخلف الله لَك بِخَير وأخلف
عَلَيْك خيرا أَي: أبدلك بِمَا ذهب مِنْك وعوضك عَنهُ،
وَالْخلف، بتحريك اللَّام والسكون: كل من يَجِيء بعد من
مضى، إلاَّ أَن بِالتَّحْرِيكِ فِي الْخَيْر، وبالتسكين
فِي الشَّرّ. يُقَال: خلف صدق وَخلف سوء. قَالَ الله
تَعَالَى: {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة}
(مَرْيَم: 95) . ثمَّ إِسْنَاد التخليف إِلَى الْجِنَازَة
على سَبِيل الْمجَاز لِأَن المُرَاد حاملها: قَوْله: (زَاد
الْحميدِي) ، يَعْنِي: عَن سُفْيَان بِهَذَا الْإِسْنَاد،
وَقد رَوَاهُ الْحميدِي مَوْصُولا فِي (مُسْنده) . قَوْله:
(أَو تُوضَع) ، هَذَا رُوِيَ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة. فَفِي
رِوَايَة البُخَارِيّ: (حَتَّى تخلفكم أَو تُوضَع) أَي:
أَو تُوضَع الْجِنَازَة من أَعْنَاق الرِّجَال على
الأَرْض، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (حَتَّى تخلفه أَو
تُوضَع) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (حَتَّى تخلفكم) ،
فَقَط وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (حَتَّى تُوضَع أَو
تخلفكم) ، وَقَالَ عِيَاض: وَفِي لفظ: (حَتَّى تخلف أَو
تُوضَع) . ثمَّ هَل المُرَاد بِالْوَضْعِ الْوَضع على
الأَرْض أَو وَضعهَا فِي اللَّحْد؟ اخْتلفت فِيهِ
الرِّوَايَات، فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) عقيب
حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَة
فَقومُوا، فَمن تبعها فَلَا يقْعد حَتَّى تُوضَع) . روى
هَذَا الحَدِيث الثَّوْريّ عَن سهل عَن أَبِيه عَن أبي
هُرَيْرَة، قَالَ فِيهِ: (حَتَّى تُوضَع بِالْأَرْضِ) .
وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة عَن سُهَيْل، قَالَ: (حَتَّى
تُوضَع فِي اللَّحْد) . قَالَ أَبُو دَاوُد: وسُفْيَان
أحفظ من أبي مُعَاوِيَة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث
وَأَمْثَاله من حَدِيث عُثْمَان. أخرجه الطَّحَاوِيّ من
حَدِيث أبان بن عُثْمَان أَنه: مرت بِهِ جَنَازَة فَقَامَ
لَهَا، وَقَالَ: إِن عُثْمَان مرت بِهِ جَنَازَة فَقَامَ
لَهَا: وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مرت بِهِ جَنَازَة فَقَامَ لَهَا. وَرَوَاهُ أَحْمد
وَالْبَزَّار أَيْضا. وَمن حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور
آنِفا، وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا صلى أحدكُم على جَنَازَة وَلم
يمش مَعهَا فَليقمْ حَتَّى تغيب عَنهُ، فَإِن مَشى مَعهَا
فَلَا يقْعد حَتَّى تُوضَع) . أخرجه الطَّحَاوِيّ، وروى
ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة،
قَالَ: (مر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِجنَازَة فَقَامَ، وَقَالَ: قومُوا فَإِن للْمَوْت
فَزعًا) . وَمن حَدِيث يزِيد بن ثَابت: (أَنهم كَانُوا
جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطلعت
جَنَازَة، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَامَ من مَعَه، فَلم يزَالُوا قيَاما حَتَّى بَعدت) .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَمن حَدِيث عبد الله بن سَخْبَرَة:
(أَن أَبَا مُوسَى أخْبرهُم أَن النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِذا مرت بِهِ جَنَازَة قَامَ حَتَّى
تجاوزه) ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة. وَقوم على أَن
الْجِنَازَة إِذا مرت بِأحد يقوم لَهَا وهم: الْمسور ابْن
مخرمَة وَقَتَادَة وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالشعْبِيّ
وَالنَّخَعِيّ وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَمْرو بن
مَيْمُون. وَقَالَ أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) : جَاءَت
آثَار صِحَاح ثَابِتَة توجب الْقيام للجنازة، وَقَالَ بهَا
جمَاعَة من السّلف وَالْخلف، ورأوها غير مَنْسُوخَة،
وَقَالُوا: لَا يجلس من اتبع الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع
عَن أَعْنَاق الرِّجَال، مِنْهُم إِسْحَاق وَالْحسن بن
عَليّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو
سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَذهب
إِلَى ذَلِك الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَبِه
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ
فَقَالُوا: لَيْسَ على من مرت بِهِ جَنَازَة أَن يقوم
لَهَا، وَلمن تبعها أَن يجلس وَإِن لم تُوضَع. قلت:
أَرَادَ بالآخرين عُرْوَة ابْن الزبير وَسَعِيد بن الْمسيب
وعلقمة وَالْأسود وَنَافِع وَابْن جُبَير وَأَبا حنيفَة
ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأَبا يُوسُف ومحمدا، وَهُوَ قَول
عَطاء بن أبي رَبَاح وَمُجاهد وَأبي إِسْحَاق،. ويروى
ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْنه الْحسن وَابْن
عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة، قَالَه الْحَازِمِي، وَقَالَ
عِيَاض: وَمِنْهُم من ذهب إِلَى التَّوسعَة والتخيير
وَلَيْسَ بِشَيْء، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وَابْن
حبيب وَابْن الْمَاجشون من الْمَالِكِيَّة.
وذهبوا إِلَى أَن الْأَمر بِالْقيامِ مَنْسُوخ، وتمسكوا
فِي ذَلِك بِأَحَادِيث مِنْهَا: مَا أخرجه مُسلم فِي
(صَحِيحه) : عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يقوم فِي
الْجِنَازَة ثمَّ جلس بعد) ، وَعند ابْن حبَان فِي
(صَحِيحه) (كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقيامِ فِي الْجَنَائِز
ثمَّ جلس بعد ذَلِك وَأمر بِالْجُلُوسِ) . قَالَ
الْحَازِمِي: قَالَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن: حَدثنَا أَبُو بكر الطَّبَرِيّ حَدثنَا يحيى
بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة عَن
سُفْيَان عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَن أبي معمر قَالَ: مرت
بِنَا جَنَازَة فَقُمْت، فَقَالَ عَليّ: من أَفْتَاك
هَذَا؟ قلت: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَقَالَ عَليّ:
مَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ مرّة
(8/107)
فَلَمَّا نسخ ذَلِك وَنهى عَنهُ) .
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَمر الْمَذْكُور فِي الحَدِيث،
فَقيل: للْوُجُوب، وَإِن الْقيام للجنازة إِذا مرت وَاجِب
وَقيل للنَّدْب والاستحباب، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن حزم.
وَقيل: كَانَ وَاجِبا ثمَّ نسخ على مَا ذكرنَا، وَاخْتَارَ
النَّوَوِيّ على أَنه للاستحباب، وَإِلَيْهِ ذهب
الْمُتَوَلِي من الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
والْحَدِيث لَيْسَ بمنسوخ وَلَا تصح دَعْوَى النّسخ فِي
مثل هَذَا، لِأَن النّسخ إِنَّمَا يكون إِذا تعذر الْجمع
بَين الْأَحَادِيث وَلم يتَعَذَّر. قلت: ورد التَّصْرِيح
بالنسخ فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
الْمَذْكُور، وَتكلم الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، على حَدِيث عَامر بن ربيعَة باحتمالات حَكَاهُ
عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والحازمي، فَقَالَ: وَهَذَا لَا يعدو
أَن يكون مَنْسُوخا. وَأَن يكون النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَامَ لَهَا لعِلَّة، وَقد رَوَاهَا بعض
الْمُحدثين أَنَّهَا كَانَت جَنَازَة يَهُودِيّ، فَقَامَ
لَهَا كَرَاهَة أَن تطوله. قَالَ: وَأيهمَا كَانَ فقد
جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَركه بعد
فعله، قَالَ: وَالْحجّة فِي ذَلِك فِي الْآخِرَة من أمره
إِن كَانَ الأول وَاجِبا فالآخر من أمره نَاسخ، وَإِن
كَانَ الأول اسْتِحْبَابا فالآخر من أمره هُوَ
الِاسْتِحْبَاب، وَإِن كَانَ مُبَاحا فَلَا بَأْس
بِالْقيامِ وَالْقعُود. قَالَ: وَالْقعُود أحب إِلَيّ
لِأَنَّهُ الآخر من فعله، ثمَّ الْأَمر بِالْقيامِ للجنازة
فِي حَدِيث الْبَاب وَغَيره عَام فِي جَنَازَة الْمُسلم
وَغَيره من أهل الْكتاب، وَقد ورد فِي حَدِيث أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ التَّصْرِيح بذلك فِيمَا رَوَاهُ عبد الله
بن أَحْمد فِي (زياداته على الْمسند) والطَّحَاوِي من
رِوَايَة لَيْث عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا مرت بكم
جَنَازَة فَإِن كَانَ مُسلما أَو يَهُودِيّا أَو
نَصْرَانِيّا فَقومُوا لَهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ يقوم لَهَا
وَلَكِن يقوم لمن مَعهَا من الْمَلَائِكَة) . وَقَالَ
شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: فِي حَدِيث أبي مُوسَى
هَذَا التَّخْصِيص بِجنَازَة الْمُسلم وَأهل الْكتاب،
وَالْعلَّة الْمَذْكُورَة فِيهِ تَقْتَضِي عدم تَخْصِيصه
بهم، بل بِجَمِيعِ بني آدم، وَإِن كَانُوا كفَّارًا غير
أهل كتاب، لِأَن الْمَلَائِكَة مَعَ كل نفس.
وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي تَعْلِيل الْقيام بِجنَازَة
الْيَهُودِيّ أَو الْيَهُودِيَّة، فَفِي حَدِيث جَابر:
التَّعْلِيل، بقوله: (إِن الْمَوْت فزع) ، وَحَدِيث جَابر
أخرجه البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي، وَأخرجه مُسلم
وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. وَفِي حَدِيث سهل بن حنيف وَقيس
التَّعْلِيل بِكَوْنِهَا نفسا، وحديثهما أخرجه البُخَارِيّ
وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ على مَا يَأْتِي. وَفِي حَدِيث
أنس: (إِنَّمَا قمنا للْمَلَائكَة) ، أخرجه النَّسَائِيّ
من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة (عَن أنس: أَن
جَنَازَة مرت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَامَ، فَقيل: إِنَّهَا جَنَازَة يَهُودِيّ ... فَقَالَ:
إِنَّمَا قمنا للْمَلَائكَة) ، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح.
وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: (إِنَّمَا يقومُونَ
إعظاما للَّذي يقبض الْأَرْوَاح) أخرجه ابْن حبَان فِي
(صَحِيحه) من رِوَايَة ربيعَة بن سيف المغافري عَن أبي عبد
الرَّحْمَن الْجبلي (عَن عبد الله ابْن عَمْرو، قَالَ:
سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
يَا رَسُول الله، تمر بِنَا جَنَازَة الْكَافِر أفنقوم
لَهَا؟ قَالَ: نعم، فَقومُوا لَهَا فَإِنَّكُم لَسْتُم
تقومون لَهَا، إِنَّمَا تقومون إعظاما للَّذي يقبض
الْأَرْوَاح) . وَفِي حَدِيث الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه كره أَن تعلو رَأسه، أخرجه
النَّسَائِيّ (فَقَالَ الْحسن: مر بِجنَازَة يَهُودِيّ
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على طريقها
جَالِسا، فكره أَن تعلو رَأسه جَنَازَة يَهُودِيّ فَقَامَ)
. وَفِي حَدِيث رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن
الْحسن وَابْن عَبَّاس، أَو عَن أَحدهمَا. (أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرت بِهِ جَنَازَة يَهُودِيّ
فَقَامَ) وَقَالَ: آذَانِي (نتنها) ويروي آذَانِي
(رِيحهَا) .
(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة) 2.
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَتى يقْعد الرجل إِذا قَامَ
لجنازة مرت بِهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي ذكر
هَذَا الْبَاب وَلَا التَّرْجَمَة وَثبتت التَّرْجَمَة دون
ذكر الْبَاب فِي رِوَايَة غَيره.
حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن
نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن عَامر بن
ربيعَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ إِذا رأى أحدكُم جَنَازَة فَإِن لم يكن
مَاشِيا مَعهَا فَليقمْ حَتَّى يخلفها أَو تخلفه أَو
تُوضَع من قبل أَن تخلفه.
مطابقته للتَّرْجَمَة على تَقْدِير وجودهَا تَأْخُذ من
قَوْله (أَو تُوضَع) فَإِنَّهَا إِذا وضعت يقْعد وَهَذَا
زمَان الْقعُود وعَلى تَقْدِير عدم التَّرْجَمَة يكون
الحَدِيث دَاخِلا فِي حكم الْبَاب السَّابِق، لِأَن
الْمَذْكُور فيهمَا عَن عَامر بن ربيعَة. قَوْله: (حَتَّى
يخلفها
(8/108)
أَو تخلفه) شكّ من أحد الروَاة، أَي:
حَتَّى يخلف الرجل الْجِنَازَة أَو تخلف الْجِنَازَة
الرجل، وَقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة وَمُسلم
عَنهُ وَعَن مُحَمَّد بن رمح، كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث
فَقَالَا: (حَتَّى تخلفه) من غير شكّ. قَوْله: (أَو
تُوضَع) كلمة: أَو، هُنَا للتنويع لَا للشَّكّ أَي: تُوضَع
الْجِنَازَة على الأَرْض من أَعْنَاق الرِّجَال.
0131 - حدَّثنا مُسْلِمٌ يَعْنِي ابنَ إبْرَاهِيمَ قَالَ
حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى عنْ أبِي سَلَمَةَ
عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ إذَا
رَأيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ
يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ.
(أنظر الحَدِيث 9031) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَا يقْعد حَتَّى
تُوضَع) ، فَإِنَّهُ يدل على أَن زمن الْقعُود لمن مرت
بِهِ جَنَازَة حِين وَضعهَا على الأَرْض إِذا تبعها، وَأما
إِذا يتبعهَا فَإِنَّهُ يقوم إِلَى أَن تغيب عَنهُ
الْجِنَازَة لما روى أَحْمد فِي (مُسْنده) من طَرِيق سعيد
ابْن مرْجَانَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من صلى على
جَنَازَة وَلم يمش مَعهَا، فَليقمْ حَتَّى تغيب عَنهُ،
وَإِن مَشى مَعهَا فَلَا يقْعد حَتَّى تُوضَع) . وَشَيخ
البُخَارِيّ هُوَ مُسلم بن أبراهيم، وَهِشَام هُوَ
الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَالْكل قد ذكرُوا
غير مرّة. قَوْله: (فَقومُوا) أَمر بِالْقيامِ، وَلَا
يُؤمر بِالْقيامِ إلاَّ للقاعد، فَإِن كَانَ رَاكِبًا يقف
لِأَن الْوُقُوف فِي حَقه كالقيام فِي حق الْقَاعِد.
84 - (بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلاَ يَقْعُدُ حَتَّى
تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ
بِالقِيامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من اتبع جَنَازَة،
وَالْحكم هُوَ أَن لَا يقْعد حَتَّى تُوضَع الْجِنَازَة
عَن مناكب الرِّجَال، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي المُرَاد
بِالْوَضْعِ: هَل هُوَ وَضعهَا على الأَرْض أَو فِي
اللَّحْد؟ فَكَأَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنه اخْتَار
رِوَايَة من روى حَتَّى تُوضَع فِي الأَرْض. قَوْله:
(أَمر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، مَعْنَاهُ: أَن الَّذِي
مرت بِهِ جَنَازَة إِن كَانَ قَائِما ثمَّ قعد فَإِنَّهُ
يُؤمر بِالْقيامِ إِلَى أَن تُوضَع، وَقد مر الْكَلَام فِي
الْأَمر بِالْقيامِ: هَل كل وَاجِبا أَو سنة أَو
مُسْتَحبا؟
9031 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا ابنُ
أبِي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِيهِ. قَالَ
كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فأخَذَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ بِيَدِ مَرْوَانَ فَجَلَسَا قَبْلَ أنْ
تُوضَعَ فَجَاءَ أبُو سعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
فأخَذَ بِيَدَ مَرْوَانَ فَقَالَ قُمْ فَوَالله لَقَدْ
عَلِمَ هاذَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَهَانَا عنْ ذالِكَ فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ صَدَقَ.
(الْحَدث 9031 طرفه فِي: 0131) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا سعيد أَمر
بِالْقيامِ للجنازة بعد أَن جلس هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَة
فَإِن قلت: سلمنَا أَنه أَمر مَرْوَان بِالْقيامِ، وَلَكِن
قِيَامه لَا يفهم من صَرِيح الحَدِيث؟ قلت: روى
الطَّحَاوِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن أبي سعيد، قَالَ: مر
على مَرْوَان بِجنَازَة فَلم يقم، فَقَالَ لَهُ أَبُو
سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مرت عَلَيْهِ جَنَازَة فَقَامَ،
فَقَامَ مَرْوَان، وأصل الحَدِيث وَاحِد.
ذكر رِجَاله: وهم أَحْمد بن يُونُس وَهُوَ أَحْمد بن عبد
الله بن يُونُس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي
الْكُوفِي، وَابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال
الْمُعْجَمَة: هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَسَعِيد
المَقْبُري، بِفَتْح الْمِيم وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَفتحهَا وَقيل بِكَسْرِهَا أَيْضا: سمي بِهِ لِأَنَّهُ
كَانَ يحفظ مَقْبرَة بني دِينَار، وَأَبوهُ كيسَان، ومروان
هُوَ ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ أَبُو عبد الْملك
الْأمَوِي، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن
مَالك، وَالْكل تقدمُوا. والْحَدِيث من أَفْرَاد
البُخَارِيّ.
قَوْله: (لقد علم هَذَا) أَي: أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا عَن الْجُلُوس قبل
وضع الْجِنَازَة. قَوْله: (صدق) ، أَي: أَبُو سعيد، وَفِي
(التَّوْضِيح) : قعُود أبي هُرَيْرَة ومروان دَلِيل على
أَنَّهُمَا علما أَن الْقيام لَيْسَ بِوَاجِب، وَأَنه أَمر
مَتْرُوك لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل، لِأَنَّهُ لَا يجوز
أَن يكون الْعَمَل على الْقيام عِنْدهم، ويجلسان، وَلَو
كَانَ مَعْمُولا بِهِ لما خَفِي على مَرْوَان لتكرر مثل
هَذَا الْأَمر وَكَثْرَة شهودهم الْجَنَائِز. فَإِن قلت:
مَا وَجه تَصْدِيق أبي هُرَيْرَة أَبَا سعيد على مَا ذكر؟
قلت: تَصْدِيقه إِيَّاه لأجل مَا علم من
(8/109)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى
أَولا عَن الْقعُود عِنْد مُرُور الْجِنَازَة، وَعلم بعد
ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعد، فَصدقهُ
على مَا كَانَ أَولا وَجلسَ هُوَ ومروان على مَا اسْتَقر
عَلَيْهِ آخر الْعَمَل.
94 - (بابُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من قَامَ لأجل جَنَازَة
يَهُودِيّ، وَلَيْسَ ذكر الْيَهُودِيّ قيدا، بل
النَّصْرَانِي وَغَيرهمَا من الْكفَّار سَوَاء، وَقد
ذكرنَا وَجه ذَلِك عَن قريب.
1131 - حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حدَّثنا
هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عنْ عُبَيدِ الله بنِ مِقْسَمٍ عنْ
جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ مرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فقامَ لَهَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَقُمْنَا بِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله
إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ إذَا رَأيْتُمْ
الْجِنَازَةَ فَقُومُوا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالْقيامِ عِنْد رُؤْيَة
الْجِنَازَة، وَلَو كَانَت جَنَازَة غير مُسلم.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: معَاذ بن فضَالة،
بِفَتْح الْفَاء: أَبُو زيد الزهْرَانِي. الثَّانِي:
هِشَام الدستوَائي. الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير ضد
الْقَلِيل. الرَّابِع: عبد الله بن مقسم، بِكَسْر الْمِيم
وَسُكُون الْقَاف وَفتح السِّين الْمُهْملَة: مولى ابْن
أبي نمر الْقرشِي. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده،
وَأَنه بَصرِي وَهِشَام أَيْضا بَصرِي وَلكنه اشْتهر
بنسبته إِلَى دستوا قَرْيَة من قرى الأهواز، كَانَ يَبِيع
الثِّيَاب الَّتِي تجلب مِنْهَا فنسب إِلَيْهَا، وَيحيى
يمامي وَعبيد الله مدنِي.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز أَيْضا
عَن شُرَيْح بن يُونُس وَعلي بن حجر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِيهِ عَن مُؤَمل بن الْفضل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن عَليّ بن حجر وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، وَلَفظ
مُسلم: (مرت جَنَازَة فَقَامَ لَهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وقمنا مَعَه، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله
إِنَّهَا يَهُودِيَّة؟ فَقَالَ: إِن الْمَوْت فزع، فَإِذا
رَأَيْتُمْ الْجِنَازَة فَقومُوا) . وَلَفظ أبي دَاوُد،
قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذْ مرت جَنَازَة، فَقَامَ لَهَا، فَلَمَّا ذَهَبْنَا
لنحمل أذا هِيَ جَنَازَة يَهُودِيّ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول
الله إِنَّمَا هِيَ جَنَازَة يَهُودِيّ؟ فَقَالَ: إِن
الْمَوْت فزع، فَإِذا رَأَيْتُمْ جَنَازَة فَقومُوا) .
وَلَفظ النَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم، وَعلل صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْقيام للجنازة بِالرُّؤْيَةِ فِي
رِوَايَة البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره بِكَوْن
الْمَوْت فَزعًا، فَيكون الْقيام لأجل الْفَزع من الْمَوْت
وعظمته، والجنازة تذكر ذَلِك فتستوي فِيهِ جَنَازَة
الْمُسلم وَالْكَافِر. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
قَوْله: (مر بِنَا) ، بِضَم الْمِيم على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (مرت) ، بِفَتْح
الْمِيم. قَوْله: (فَقَامَ لَهَا) ، وَسقط: لَهَا، فِي
رِوَايَة كَرِيمَة. قَوْله: (وقمنا) ، بِالْوَاو رِوَايَة
أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: (فقمنا) بِالْفَاءِ،
وَزَاد الْأصيلِيّ وكريمة: (بِهِ) ، وَالضَّمِير فِيهِ
يرجع إِلَى الْقيام الدَّال عَلَيْهِ. قَوْله: (قَامَ)
أَي: قمنا لأجل قِيَامه. قَوْله: (فزع) من قبيل قَوْلهم:
رجل عدل للْمُبَالَغَة، لِأَنَّهُ جعل نفس الْمَوْت
فَزعًا، أَو التَّقْدِير: ذُو فزع، وَيُؤَيّد هَذَا مَا
رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (إِن
للْمَوْت فَزعًا) ، وَمثله عَن ابْن عَبَّاس عِنْد
الْبَزَّار.
2131 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ
حَدثنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمانِ بنَ أبِي لَيْلَى. قَالَ كانَ سَحْلُ بنُ
حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ قاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ
فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ
لَهُمَا إنَّهَا مِنْ أهْلِ الأرْضِ أيْ مِنْ أهْلِ
الذِّمَّةِ فقالاَ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فقَامَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا
جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ ألَيْسَتْ نَفْسا؟
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: آدم بن أبي إِيَاس خراساني، سكن عسقلان،
وَشعْبَة بن الْحجَّاج واسطي، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم
الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: ابْن عبد الله الْمرَادِي
الْأَعْمَى الْكُوفِي، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى،
بِفَتْح الّلامين، وَاسم أبي ليلى يسَار الْكُوفِي، وَسَهل
بن حنيف، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون
وَسُكُون الْيَاء وَفِي آخِره فَاء: الأوسي الْأنْصَارِيّ،
(8/110)
رُوِيَ لَهُ أَرْبَعُونَ حَدِيثا، للْبُخَارِيّ مِنْهَا
أَرْبَعَة، مَاتَ بِالْكُوفَةِ وَصلى عَلَيْهِ عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيس بن سعد بن عبَادَة،
بِضَم الْمُهْملَة: الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ
الْجواد ابْن الْجواد، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة ودهاة
الْعَرَب شرِيف قومه لم يكن فِي وَجهه لحية وَلَا شَعْرَة،
وَكَانَت الْأَنْصَار تَقول: وَدِدْنَا أَن نشتري لحية
الْقَيْس بِأَمْوَالِنَا، وَكَانَ جميلاً، مَاتَ سنة
سِتِّينَ.
واالحديث أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَمُحَمّد
بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار وَعَن الْقَاسِم بن
زَكَرِيَّا. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن
مَسْعُود.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَاعِدين) ، تَثْنِيَة قَاعد
مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ. قَوْله: (بالقادسية) ،
بِالْقَافِ وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالسين الْمُهْملَة
الْمَكْسُورَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: مَدِينَة
صَغِيرَة ذَات نخيل ومياه. قَالَ الْكرْمَانِي: بَينهَا
وَبَين الْكُوفَة مرحلتان، وَفِي (الْمُشْتَرك) بَينهَا
وَبَين الْكُوفَة خَمْسَة عشر فرسخا فِي طَرِيق الْحَاج،
وَبهَا كَانَت وقْعَة الْقَادِسِيَّة فِي أَيَّام عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والقادسية قَرْيَة
كَبِيرَة بِالْقربِ من سامراء يعْمل فِيهَا الزّجاج،
وَإِنَّمَا سميت بِهَذَا الإسم لنزول أهل قادس بهَا، وقادس
قَرْيَة بمرو الروذ، وَذكر ياقوت خمس بِلَاد يُقَال لكل
وَاحِد مِنْهَا: قادسية. قَوْله: (عَلَيْهِمَا) وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: (عَلَيْهِم) ، أَي: على
سهل وَقيس وَمن كَانَ مَعهَا. قَوْله: (أَي من أهل
الذِّمَّة) ، هَذَا تَفْسِير لقَوْله: (من أهل الأَرْض) ،
كَذَا فِي رِوَايَات (الصَّحيحين) وَغَيرهمَا، وَقَالَ
ابْن التِّين نَاقِلا عَن الدَّاودِيّ: إِنَّه شَرحه
بِلَفْظ: أَو، الَّتِي للشَّكّ. وَقَالَ: لم أر لغيره،
وَقيل: لأهل الذِّمَّة: أهل الأَرْض، لِأَن الْمُسلمين لما
فتحُوا الْبِلَاد أقروهم على عمل الأَرْض وَحمل الْخراج.
قَوْله: (أليست نفسا؟) قَالَ ابْن بطال: أليست نفسا
فَمَاتَتْ؟ فالقيام لَهَا لأجل صعوبة الْمَوْت وتذكره،
فَكَأَنَّهُ إِذا قَامَ كَانَ أَشد لتذكره، وَقد ذكرنَا
فِي: بَاب الْقيام للجنازة، اخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي
تَعْلِيل الْقيام لَهَا، فتراها أحسن وأوجه من الَّذِي
ذكره بَعضهم فِي هَذَا الْموضع.
3131 - وَقَالَ أبُو حمْزَةُ عَن الأَعْمَشِ عنْ عَمْرٍ
وعنِ ابنِ أبي لَيْلَى. قَالَ كنْتُ مَعَ قَيْسٍ وسَهْلٍ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فقَالاَ كُنَّا مَعَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة: واسْمه مُحَمَّد بن
مَيْمُون السكرِي، مر فِي: بَاب نقض الْيَدَيْنِ من
الْغسْل، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَعَمْرو
بِالْوَاو هُوَ عَمْرو بن مرّة الْمَذْكُور، وَهَذَا
تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق
عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة وَلَفظه نَحْو حَدِيث شُعْبَة
إلاَّ أَنه قَالَ فِي رِوَايَته: (فمرت عَلَيْهِمَا
جَنَازَة فقاما) ، وَلم يقل فِيهِ: بالقادسية، وَأَرَادَ
البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان سَماع عبد
الرَّحْمَن بن أبي ليلى لهَذَا الحَدِيث من سهل وَقيس،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأَرَادَ بِهَذَا التقوية حَيْثُ
قَالَ بِلَفْظ: كُنَّا، بِخِلَاف الطَّرِيق الأول
فَإِنَّهُ يحْتَمل الْإِرْسَال.
وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ عنِ الشَّعْبِيِّ عنِ ابنِ أبِي
لَيْلَى كانَ أبُو مَسْعُودٍ وقَيْسٌ يَقُومَانِ
لِلْجَنَازَةِ
زَكَرِيَّا هُوَ: ابْن أبي زَائِدَة، من الزِّيَادَة،
وَالشعْبِيّ هُوَ: عَامر بن شرَاحِيل، وَهَذَا تَعْلِيق
وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن
زَكَرِيَّا، وَأَبُو مَسْعُود اسْمه: عقبَة بن عَمْرو
الْأنْصَارِيّ الخزرجي البدري، وَلم يشْهد بَدْرًا،
وَإِنَّمَا قيل لَهُ البدري لِأَنَّهُ من مَاء بدر، سكن
الْكُوفَة، مر فِي: بَاب مَا جَاءَ أَن الْأَعْمَال
بِالنِّيَّةِ، وَقيس هُوَ الْمَذْكُور ابْن سعد، وغرضه من
ذكر أبي مَسْعُود هُوَ الْإِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ يقوم
للجنازة مثل قيس. |