عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 03 - (بابُ التَّلْبِيَةِ إذَا انْحَدَرَ
فِي الوَادِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّلْبِيَة إِذا انحدر
الْمحرم فِي الْوَادي، وَقد ورد فِي الحَدِيث أَن
التَّلْبِيَة فِي بطُون الأودية من سنَن الْمُرْسلين،
وَأَنَّهَا تتأكد عِنْد الهبوط كَمَا تتأكد عِنْد الصعُود.
5551 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثني
ابنُ أبي عَدِيٍّ عنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ مُجَاهِدٍ قَالَ
كُنَّا عِنْدَ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا فذَكَرُوا الدَّجَّالَ أنَّهُ قالَ مَكْتُوبٌ
بَيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ فَقَالَ ابنُ عَبَّاس لمْ
أسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أمَّا مُوسى كأنِّي أنْظُرُ
إلَيْهِ إذَا انْحَدَرَ فِي الوَادِي يُلَبِّى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذا انحدر فِي
الْوَادي يُلَبِّي) .
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى بن
عبيد، أَبُو مُوسَى يعرف بالزمن الْعَنْبَري. الثَّانِي:
مُحَمَّد بن أبي عدي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر
الدَّال وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَاسم أبي عدي:
إِبْرَاهِيم، مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة.
الثَّالِث: عبد الله بن عون، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَالنُّون، مر فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: رب مبلّغ. الرَّابِع: مُجَاهِد. الْخَامِس: عبد
الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة
فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن الروَاة الثَّلَاثَة بصريون وَأَن مُجَاهدًا
مكي. وَفِيه: إثنان مذكوران بالإبن وَوَاحِد مُجَرّد. .
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَفِي
أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، عَن بَيَان ابْن عَمْرو. وَأخرجه مُسلم فِي
الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنه) بِفَتْح الْهمزَة أَي: أَن
الدَّجَّال. قَوْله: (مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ: كَافِر)
فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر: أَن. وَقَوله: (كَافِر)
مَرْفُوع بقوله: مَكْتُوب، وَاسم الْمَفْعُول يعْمل عمل
فعله كاسم الْفَاعِل. قَوْله: (وَلكنه قَالَ) أَي:
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (كَأَنِّي أنظر
إِلَيْهِ) جَوَاب: أما، وَالْفَاء فِيهِ محذوفة،
وَالْأَصْل: فَكَأَنِّي، وَهُوَ حجَّة على النُّحَاة
حَيْثُ لم يجوزوا حذفهَا، كَذَا قَالُوا. قلت: يحْتَمل أَن
يكون حذف الْفَاء من الرَّاوِي. قَوْله: (إِذا انحدر) ،
كَذَا وَقع فِي الْأُصُول بِكَلِمَة إِذا، وَحكى عِيَاض
أَن بعض الْعلمَاء أنكر إِثْبَات الْألف وَغلط رُوَاته،
وَقَالَ: وَهُوَ غلط مِنْهُ إِذْ لَا فرق بَين إِذا وَإِذ،
هُنَا لِأَنَّهُ وَصفه حَالَة انحداره فِيمَا مضى. وَقَالَ
الْمُهلب: ذِكْرُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، هُنَا وهمٌ
من بعض رُوَاته، لِأَنَّهُ لم يأتِ أثر وَلَا خبر أَن
مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَيّ، وَأَنه
سيحج، وَإِنَّمَا أُتِي ذَلِك عَن عِيسَى، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَاشْتَبَهَ على الرَّاوِي، وَيدل
عَلَيْهِ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر: (ليهلن ابْن مَرْيَم
بفج الروحاء) وَأجِيب عَنهُ: بِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي
اللبَاس بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَبِزِيَادَة: ذكر
إِبْرَاهِيم فِيهِ: أفيقال إِن الرَّاوِي غلط فِيهِ فزاده؟
وَقد روى مُسلم هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أبي الْعَالِيَة
عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: كَأَنِّي أنظر إِلَى مُوسَى
هابطا من التَّثْنِيَة وَاضِعا إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ مارا
بِهَذَا الْوَادي وَله جؤار إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ.
وَكَذَلِكَ جَاءَ ذكر يُونُس فِي هَذَا الحَدِيث، أفيقال
إِن الرَّاوِي الآخر غلط فِيهِ؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي
الرَّد: أما من روى إِذْ انحدر، بِلَفْظ: إِذْ للماضي
فَيصح مُوسَى بِأَن يرَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْمَنَام أَو يُوحى إِلَيْهِ بذلك، وَسلم
الْغَلَط فِي رِوَايَة إِذا، لِأَنَّهُ إِخْبَار عَمَّا
يكون فِي الْمُسْتَقْبل. قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على
حَقِيقَة الحَدِيث لما قسم هَذَا التَّقْسِيم، فَلَا
يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكْلِيف، لِأَن الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَحيَاء عِنْد رَبهم
يرْزقُونَ. فَلَا مَانع أَن يحجوا فِي هَذِه الْحَال كَمَا
ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أنس أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: رأى مُوسَى قَائِما فِي قَبره يُصَلِّي.
فَإِن قلت: مَا الدَّاعِي إِلَى عِبَادَتهم بعد الْمَوْت
وَمَوْضِع الْعِبَادَة دَار الدُّنْيَا؟ قلت: حببت
إِلَيْهِم الْعِبَادَة فهم متعبدون بِمَا يجدونه بِمَا
يجدونه من دواني أنفسهم لَا بِمَا يلزمون بِهِ، وَذَلِكَ
كَمَا يلهم أهل الْجَاهِلِيَّة الذّكر، وَيُؤَيِّدهُ أَن
أَعمال الْآخِرَة ذكر وَدُعَاء. كَقَوْلِه تَعَالَى:
{دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ... } (يُونُس:
01) . الْآيَة، وَيجوز
(9/181)
أَن يكون مثلت لَهُم أَحْوَالهم الَّتِي
كَانَت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا كَيفَ تعبودا وَكَيف
حجُّوا وَكَيف لبوا، وَلِهَذَا قَالَ: كَأَنِّي، وَيحْتَمل
أَن يكون إخْبَاره ذَلِك بِالْوَحْي عَنهُ، وَيحْتَمل أَن
يكون ذَلِك فِي الْمَنَام، ومنام الْأَنْبِيَاء وَحي،
وَحَدِيث مُسلم الْمَذْكُور حجَّة على الْمُهلب، ورد لما
قَالَه وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُنَاسب لذكر الدَّجَّال
ذكر عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قلت: قَالَ
ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى أَن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، هُوَ الَّذِي يقتل الدَّجَّال، وَلَو كَانَ
لَهُ اطلَاع على الحَدِيث الْمَذْكُور لما ادّعى هَذِه
الْمُنَاسبَة.
13 - (بابٌ كيُفَ تُهِلُ الحَائِضُ والنُّفَساءُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة إهلال الْحَائِض
وَالنُّفَسَاء، وَالْمرَاد بالإهلال الْإِحْرَام.
أهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ وَاسْتَهْلَلْنَا وأهْلَلْنَا
الهِلاَلَ كُلّهُ مِنَ الظّهُورِ وَاسْتَهَلَّ المَطَرُ
خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ وَمَا أُهِلَّ لِغيرِ الله وَهْوَ
مِنِ اسْتِهْلالِ الصَّبِيِّ
جرى البُخَارِيّ على دأبه أَنه إِذا رأى مَادَّة من
الْكَلَام تسْتَعْمل فِي معانٍ كَثِيرَة مِمَّا جَاءَ فِي
الْكتاب أَو فِي السّنة يذكر ذَلِك ويبينه، وَذكر أَشْيَاء
مِنْهَا، قَوْله: (أهلَّ: تكلم بِهِ) يَعْنِي: إِذا تكلم
أظهره مَا فِي قلبه. وَمِنْهَا قَوْله: (استهللنا وأهللنا
الْهلَال) ، يَعْنِي: طلبنا ظُهُوره، وَيُقَال: أهل
الْهلَال واستهل، على مَا لم يسم فَاعله، وَيُقَال أَيْضا:
اسْتهلّ على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَمَعْنَاهُ: تبين، وَلَا
يُقَال أهلَّ. وَيُقَال: أَهْلَلْنَا عَن لَيْلَة كَذَا،
وَلَا يُقَال: أهللناه فَهَل، كَمَا يُقَال: أدخلْنَاهُ
فَدخل وَهُوَ قِيَاسه. وَمِنْهَا: (اسْتهلّ الْمَطَر) إِذا
ظهر نُزُوله من السَّحَاب بِصَوْت، وَيُقَال: تهلل وَجه
الرجل من فرحه، واستهل إِذا ظهر سروره، وتهللت دُمُوعه
إِذا سَالَتْ، وانهلت السَّمَاء: صبَّتْ، وانهل الْمَطَر
إنهلالاً إِذا سَالَ بِشدَّة، وَمِنْهَا قَوْله: {وَمَا
أهلَّ لغير الله} مَعْنَاهُ: إِذا نُودي عَلَيْهِ بِغَيْر
إسم الله، وَأَصله رفع صَوت الذَّابِح عِنْد الذّبْح.
وَمِنْهَا قَوْله: (وَهُوَ من استهلال الصَّبِي) وَهُوَ
ظُهُور صياحه عِنْد الْولادَة، وَمِنْه: أهل الْمُعْتَمِر،
إِذا رفع صَوته بِالتَّلْبِيَةِ. قَوْله: (كُله من
الظُّهُور) أَي: كل وَاحِد من أهلَّ واستهللنا، وأهللنا من
الظُّهُور، وَهَذَا كَانَ مَحَله أَن يذكر بعد قَوْله:
(وَهُوَ من استهلال الصَّبِي) ، لِأَن جَمِيع مَا ذكره من
الْموَاد الْمَذْكُورَة من الظُّهُور، وَذكره بعد قَوْله:
(وأهللنا الْهلَال) فِي غير مَحَله.
6551 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا
مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ
عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ خَرَجْنا مَعَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فأهْلَلْنَا
بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قالَ النبيُّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلَّ
حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ
وأنَا حائِضٌ ولَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالمَرْوَةَ فشَكَوْتُ ذالكَ إلَى النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ انْقُضِي رأْسَكِ وَامتَشِطِي
وَأهِلِّي بالحَجِّ ودعِي العُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فلَمَّا
قَضَيْنَا الحَجَّ أرْسَلَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرٍ إِلَى
التَّنْعِيمَ فاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هاذَا مَكانُ
عُمْرَتِكَ قالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ كانُوا أهَلُّوا
بِالعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
ثُمَّ أحَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافا وَاحِدا بَعْدَ أنْ
رَجَعُوا مِنْ مِنىً وَأمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ
وَالعُمْرَةَ فإنَّمَا طافُوا طَوَافا واحِدا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (انقضي رَأسك وامتشطي)
إِلَى قَوْله: (هَذِه مَكَان عمرتك) .
وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَعبد الله بن مسلمة، بِفَتْح
الميمين: هُوَ القعْنبِي، وَابْن شهَاب: هُوَ مُحَمَّد بن
مُسلم الزُّهْرِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرج البُخَارِيّ
هَذَا الحَدِيث فِي الْحيض، وَعقد لَهُ بَابا بقوله: بَاب
كَيفَ تهل الْحَائِض بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة: حَدثنَا يحيى
بن بكير، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب
عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، قَالَت: خرجنَا مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَبَين
الطَّرِيقَيْنِ والمتن
(9/182)
تفَاوت يسير يعرف بِالنّظرِ، وَأخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف،
وَفِي الْمَغَازِي عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله. وَأخرجه
مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن
أبي مُصعب عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن مُحَمَّد
بن يحيى النَّيْسَابُورِي، وَعَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي،
وَفِيه وَفِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله، وَفِي
الطَّهَارَة أَيْضا عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه
ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار وَأبي مُصعب، كِلَاهُمَا
عَن مَالك.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي حجَّة الْوَدَاع) ، وَكَانَت
فِي سنة عشر من الْهِجْرَة، وَلم يحجّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من الْمَدِينَة بعد الْهِجْرَة غَيرهَا وَمَا قبلهَا
لما كَانَ بِمَكَّة حج حجَجًا لَا يعلم عَددهَا إِلَّا
الله، وَسميت: حجَّة الْوَدَاع: لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وعظهم وودعهم، فسميت بذلك حجَّة الْوَدَاع.
قَوْله: (فأهللنا بِعُمْرَة) قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن
قلت: تقدم فِي: بَاب الْحيض، وَسَيَجِيءُ فِي: بَاب
التَّمَتُّع، أَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ إِلَّا الْحَج؟
قلت: مَعْنَاهُ: وَلَا يرَوْنَ عِنْد الْخُرُوج إلاَّ
ذَلِك فَبعد ذَلِك أَمرهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بالاعتمار رفعا لما اعتقدوا من حُرْمَة الْعمرَة
فِي أشهر الْحَج. انْتهى. قلت: لَو وقف الْكرْمَانِي على
الرِّوَايَات الَّتِي رويت عَن عَائِشَة لما احْتَاجَ
إِلَى هَذَا السُّؤَال وَلَا إِلَى الْجَواب عَنهُ: فَإِن
الرِّوَايَات اخْتلفت فِي إِحْرَام عَائِشَة اخْتِلَافا
كثيرا، فههنا فأهللنا بِعُمْرَة، وَفِي أُخْرَى: فمنا من
أهل بِعُمْرَة وَمنا من أهل بِحَجّ. قَالَت: وَلم أهل
إلاَّ بِعُمْرَة. وَفِي أُخْرَى: خرجنَا لَا نُرِيد إلاَّ
الْحَج، وَفِي أُخْرَى: لبينا بِالْحَجِّ، وَفِي أُخْرَى:
مهلين بِالْحَجِّ، وَالْكل صَحِيح. وَفِي رِوَايَة: وَكنت
مِمَّن تمتّع وَلم يسق الْهَدْي. وَقَالَ أَبُو عمر:
وَالْأَحَادِيث عَن عَائِشَة فِي هَذَا مضطربة جدا،
وَكَذَا قَالَ القَاضِي عِيَاض، وَذكر أَن فِي
الرِّوَايَات عَنْهَا اخْتِلَافا شَدِيدا. وَقَالَ ابْن
عبد الْبر فِي (تمهيده) : دفع الْأَوْزَاعِيّ
وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَابْن علية حَدِيث عُرْوَة
هَذَا، وَقَالُوا: هُوَ غلط لم يُتَابع عُرْوَة على ذَلِك
أحد من أَصْحَاب عَائِشَة. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن
إِسْحَاق: اجْتمع هَؤُلَاءِ يَعْنِي: الْقَاسِم وَالْأسود
وَعمرَة على أَن أم الْمُؤمنِينَ كَانَت مُحرمَة بِحجَّة
لَا بِعُمْرَة، فَعلمنَا بذلك أَن الرِّوَايَة الَّتِي
رويت عَن عُرْوَة غلط، لِأَن عُرْوَة قَالَ فِي رِوَايَة
حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام عَنهُ: حَدثنِي غير وَاحِد
أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَهَا: دعِي
عمرتَكِ، فَدلَّ على أَنه لم يسمع الحَدِيث مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن حزم: حَدِيث أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن
عَائِشَة، وَحَدِيث يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب
عَنْهَا منكران وخطآن عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وَقد
سبقَنا إِلَى تخطئة حَدِيث أبي الْأسود هَذَا أَحْمد بن
حَنْبَل، وَقَالَ مَالك: لَيْسَ الْعَمَل عندنَا على
حَدِيث عُرْوَة عَنْهَا قَدِيما وَلَا حَدِيثا. قَوْله:
(من كَانَ مَعَه هدي) بِسُكُون الدَّال أَو بِكَسْرِهَا
وَتَشْديد الْيَاء وَإِسْكَان الدَّال أفْصح، وَسوى
بَينهمَا ثَعْلَب، وَالتَّخْفِيف لُغَة أهل الْحجاز،
والتثقيل لُغَة تَمِيم، وَوَاحِد الْهَدْي: هَدِيَّة، وَقد
قرى مُبْهما جَمِيعًا فِي قَوْله: {حَتَّى يبلغ الْهَدْي
مَحَله} (الْبَقَرَة: 691) . وَهُوَ مَا يهدي إِلَى الْحرم
من النعم. قَوْله: (مِنْهُمَا) أَي: من الْحَج
وَالْعمْرَة. قَوْله: (فَقدمت) ، بِضَم التَّاء، وَهُوَ
إِخْبَار عَائِشَة عَن نَفسهَا. قَوْله: (وَأَنا حَائِض) ،
جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله: (ذَلِك) أَي: ترك
الطّواف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة بِسَبَب
الْحيض. قَوْله: (انقضي رَأسك) من النَّقْض، بالنُّون
وَالْقَاف وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَيجوز بِالْفَاءِ إِن صحت الرِّوَايَة. قلت: لِأَن كلا
مِنْهُمَا بِمَعْنى، وَلَكِن رِوَايَة الْفَاء مَا ثبتَتْ.
قَوْله: (وامتشطي) ، من امتشاط الشّعْر وَهُوَ: تسريحه.
قَوْله: (ودعي الْعمرَة) يدل على أَنَّهَا كَانَت قارنة.
قَوْله: (فَفعلت) أَي: نقض الرَّأْس والامتشاط. قَوْله:
(مَعَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر) ، هُوَ أَخُوهَا شقيقها،
وأمهما أم رُومَان بنت عَامر. قَوْله: (إِلَى التَّنْعِيم)
، قد مر تَفْسِيره مرّة، وَهُوَ طرف حرم مَكَّة من نَاحيَة
الشَّام، وَهُوَ الْمَشْهُور بمساجد عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (هَذِه مَكَان عمرتك) بِرَفْع
مَكَان على أَنه خبر، أَي: عوض عمرتك الْفَائِتَة، وَيجوز
بِالنّصب على الظّرْف، قيل: النصب أوجه، وَلَا يجوز غَيره،
وَالْعَامِل فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذِه كائنة مَكَان
عمرتك أَو مجعولة مَكَانهَا. قَالَ القَاضِي عِيَاض:
وَالرَّفْع أوجه عِنْدِي إِذْ لم يرد بِهِ الظّرْف،
إِنَّمَا أَرَادَ عوض عمرتك، فَمن قَالَ: كَانَت قارنة،
قَالَ: مَكَان عمرتك الَّتِي أردْت أَن تَأتي بهَا
مُفْردَة، وَمن قَالَ: كَانَت مُفْردَة، قَالَ: مَكَان
عمرتك الَّتِي فسخت الْحَج إِلَيْهَا وَلم تتمكني من
الْإِتْيَان بهَا للْحيض، وَكَانَ ابْتِدَاء حَيْضهَا
يَوْم السبت لثلاث خلون من ذِي الْحجَّة بسرف، وطهرت يَوْم
السبت وَهُوَ يَوْم النَّحْر. قَوْله: (وَبَين الصَّفَا
والمروة)
(9/183)
أَي: وطافوا بَين الصَّفَا والمروة،
وَأَرَادَ بِهِ السَّعْي بَينهمَا. قَوْله: (طَوافا
وَاحِدًا) فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني والجرجاني: (طَوافا آخر) . وَقَالَ عِيَاض هُوَ
الصَّوَاب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْحجَّة لمن يَقُول
بأفضلية الْقُرْآن لقَوْله: فَمن كَانَ مَعَه هدي فليهل
بِالْحَجِّ مَعَ الْعمرَة، وَهَذَا هُوَ الْقُرْآن، لِأَن
فِيهِ الْجمع بَين النُّسُكَيْنِ فِي سفرة وَاحِدَة.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهره أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَمرهم بِالْقُرْآنِ. وَقَوله: (ثمَّ لَا يحل حَتَّى
يحل مِنْهُمَا جَمِيعًا) هَذَا هُوَ حكم الْقُرْآن بِلَا
نزاع، وَمِمَّنْ ذهب إِلَى تَفْضِيل الْقُرْآن بِهِ
وبالأحاديث الَّتِي ذَكرنَاهَا الدَّالَّة على أَفضَلِيَّة
الْقُرْآن، وعَلى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ قَارنا فِي حجَّة الْوَدَاع: شَقِيق بن سَلمَة
وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِسْحَاق والمزني من أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَأَبُو
إِسْحَاق الْمروزِي وَابْن الْمُنْذر، وَهُوَ قَول عَليّ
بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي
(الْمُجَرّد) . وَإِمَّا حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَاخْتلف فِيهِ بِحَسب الْمذَاهب، وَالْأَظْهَر قَول
أَحْمد: لَا أَشك أَنه كَانَ قَارنا، والمتعة أحب إِلَيّ.
فَإِن قلت: قد رُوِيَ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرد
الْحَج، وَرُوِيَ: أَنه تمتّع، وَرُوِيَ: أَنه قرن، فَمَا
التَّوْفِيق فِيهَا؟ قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: طَرِيق
التَّوْفِيق فِيهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرم
بِعُمْرَة فِي بَدْء أمره فَمضى فِيهَا مُتَمَتِّعا، ثمَّ
أحرم بِحجَّة قبل طَوَافه وإفرادها بِالْإِحْرَامِ،
فَصَارَ بهَا قَارنا. فَإِن قلت: فِيهِ إِدْخَال الْحَج
على الْعمرَة فَمَا حكمه؟ قلت: قَالَ القَاضِي عِيَاض:
اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز إِدْخَال الْحَج على الْعمرَة،
وشذ بعض النَّاس فَمَنعه، وَقَالَ: لَا يدْخل بِإِحْرَام
على إِحْرَام، كَمَا فِي الصَّلَاة. وَاخْتلفُوا فِي
عَكسه، وَهُوَ إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج، فجوزه أَبُو
حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَمنعه آخَرُونَ،
وَقَالُوا: هَذَا كَانَ خَاصّا بِالنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قُلْنَا: دَعْوَى الخصوصية تحْتَاج إِلَى
دَلِيل.
وَفِيه: أَن الْمُتَمَتّع إِذا فرغ من أَعمال الْعمرَة لم
يحل حَتَّى يحرم بِالْحَجِّ إِذا كَانَ مَعَه هدي، وَهُوَ
مَذْهَب أَصْحَابنَا عملا بقوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لَهَا بِنَقْض رَأسهَا ثمَّ بالامتشاط، فَقَالَ
الشَّافِعِي: تَأْوِيله أَنه أَمر لَهَا أَن تدع الْعمرَة
وَتدْخل عَلَيْهَا الْحَج فَتَصِير قارنة. وَقَالَ ابْن
حزم: وَالصَّحِيح أَنَّهَا كَانَت قارنة. وَقَالَ
الْخطابِيّ: الحَدِيث مُشكل جدا إلاَّ أَن يؤول على
التَّرَخُّص لَهَا أَن تدع الْعمرَة وَتدْخل على الْحَج،
فَتكون قارنة. لَا أَن تدع الْعمرَة نَفسهَا. فَإِن قلت:
يوهن هَذَا التَّأْوِيل لفظ: (انقضي رَأسك وامتشطي) . قلت:
لَا، لِأَن نقض الرَّأْس والامتشاط جائزان فِي الْإِحْرَام
بِحَيْثُ لَا تنتف شعرًا، وَقد يتَأَوَّل بِأَنَّهَا
كَانَت معذورة بِأَن كَانَ برأسها أَذَى، فأباح لَهَا
كَمَا أَبَاحَ لكعب بن عجْرَة للأذى. وَقيل: المُرَاد
بالامتشاط تَسْرِيح الشّعْر بالأصابع لغسل الْإِحْرَام
بِالْحَجِّ، وَيلْزمهُ مِنْهُ نقضه.
وَفِيه: فِي قَوْلهَا: (فَقدمت مَكَّة وَأَنا حَائِض وَلم
أطف بِالْبَيْتِ وَلَا بَين الصَّفَا والمروة) قَالَ ابْن
الْجَوْزِيّ: فِيهِ دلَالَة على أَن طواف الْمُحدث لَا
يجوز، وَلَو كَانَ ذَلِك لأجل الْمَسْجِد لقَالَ: لَا
يدْخل الْمَسْجِد، وَقد اخْتلفُوا فِيهِ، فَعَن أَحْمد:
طواف الْمُحدث وَالْجنب لَا يَصح، وَعنهُ: يَصح. وَقَالَ
أَصْحَابنَا: الطَّهَارَة لَيست بِشَرْط فَلَو طَاف
وَعَلِيهِ نَجَاسَة أَو طَاف مُحدثا أَو جنبا صَحَّ
طَوَافه، لقَوْله تَعَالَى: {وليطوفوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيق} (الْحَج: 92) . أَمر بِالطّوافِ مُطلقًا،
وتقييده بِالطَّهَارَةِ بِخَبَر الْوَاحِد زِيَادَة على
النَّص فَلَا يجوز، وَلَكِن إِن طَاف مُحدثا فَعَلَيهِ
شَاة، وَإِن طَاف جنبا فَعَلَيهِ بَدَنَة، ويعيده مَا
دَامَ فِي مَكَّة، وَعَن دَاوُد: الطَّهَارَة لَهُ
وَاجِبَة. فَإِن طَاف مُحدثا أَجزَأَهُ إلاَّ الْحَائِض.
وَعند الشَّافِعِي: الطَّهَارَة شَرط فَلَا يَصح
بِدُونِهَا، وَمذهب الْجُمْهُور: أَن السَّعْي يَصح من
الْمُحدث وَالْجنب وَالْحَائِض. وَعَن الْحسن: أَنه إِن
كَانَ قبل التَّحَلُّل أعَاد السَّعْي، وَإِن كَانَ بعده
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَفِيه: حجَّة لمن قَالَ: الطّواف الْوَاحِد وَالسَّعْي
الْوَاحِد يكفيان للقارن، وَهُوَ مَذْهَب عَطاء وَالْحسن
وطاووس، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ
وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد، وَقَالَ مُجَاهِد
وَجَابِر بن زيد وَشُرَيْح القَاضِي وَالشعْبِيّ وَمُحَمّد
بن عَليّ بن حُسَيْن وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَالثَّوْري وَالْأسود بن يزِيد وَالْحسن بن حَيّ
وَحَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد ابْن سُلَيْمَان وَالْحكم
بن عُيَيْنَة وَزِيَاد بن مَالك وَابْن شبْرمَة وَابْن أبي
ليلى وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا بُد للقارن من
طوافين وسعيين، وَحكي ذَلِك عَن عمر وَعلي وإبنيه: الْحسن
وَالْحُسَيْن، وَابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، هُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد. وروى مُجَاهِد عَن
ابْن عمر أَنه جمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة، وَقَالَ:
سبيلهما وَاحِد، وَطَاف لَهما طوافين وسعى لَهما سعيين،
وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يصنع كَمَا صنعت، وَعَن عَليّ: أَنه جمع بَينهمَا،
وَفعل ذَلِك ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله
(9/184)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا عَن
عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: طَاف رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لعمرته وحجته طوافين وسعى سعيين،
وَأَبُو بكر وَعمر وَعلي، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
أَيْضا من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن وَضَعفه، وَالله أعلم.
23 - (بابُ مَنْ أهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ كإهْلالِ
النبيِّ قالَهُ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أهلَّ، أَي: أحرم فِي زمن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلال النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى جَوَاز
الْإِحْرَام على الْإِيهَام ثمَّ يصرفهُ الْمحرم لما شَاءَ
لكَون ذَلِك وَقع فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم
يَنْهَهُ عَن ذَلِك، وَقيل: كَانَ البُخَارِيّ لما لم ير
إِحْرَام التَّقْلِيد وَلَا الْإِحْرَام الْمُطلق ثمَّ
يعين بعد ذَلِك أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بقوله: بَاب
من أهل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلاله،
إِلَى أَن هَذَا خَاص بذلك الزَّمن، فَلَيْسَ لأحد أَن
يحرم مَا أحرم بِهِ فلَان، بل لَا بُد أَن يعين
الْعِبَادَة الَّتِي يَرَاهَا، ودعت الْحَاجة إِلَى
الْإِطْلَاق وَالْحوالَة على إِحْرَامه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لِأَن عليا وَأَبا مُوسَى لم يكن عِنْدهمَا أصل
يرجعان إِلَيْهِ فِي كَيْفيَّة الْإِحْرَام، فأحالا على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَما الْآن فقد
اسْتَقَرَّتْ الْأَحْكَام وَعرفت مَرَاتِب كيفيات
الْإِحْرَام. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه سلمناه
فِي بعضه، وَلَا نسلم فِي قَوْله: كَانَ البُخَارِيّ لم ير
إِحْرَام التَّقْلِيد وَلَا الْإِحْرَام الْمُطلق، أَشَارَ
بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى هَذَا خَاص بذلك الزَّمن،
لِأَنَّهُ ذكر فِي التَّرْجَمَة مُطلقًا. من أهل كإهلال
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمن أَيْن تَأتي هَذِه
الْإِشَارَة إِلَى مَا ذكره؟ فالترجمة ساكتة عَن ذَلِك
وَلَا يُعلم رَأْي البُخَارِيّ فِي هَذَا الحكم مَا هُوَ؟
فَافْهَم. قَوْله: (قَالَ ابْن عمر) أَي: قَالَ هَذَا
الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ التَّرْجَمَة عبد الله بن عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَيُشِير بِهِ إِلَى مَا
أخرجه فِي: بَاب بعث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
إِلَى الْيمن، فِي (كتاب الْمَغَازِي) من طَرِيق بكر بن
عبد الله الْمُزنِيّ عَن ابْن عمر، فَذكر حَدِيثا فِيهِ:
(فَقدم علينا عَليّ بن أبي طَالب من الْيمن حَاجا، فَقَالَ
لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِمَ أَهلَلْت
فَإِن مَعنا أهلك؟ فَقَالَ: أَهلَلْت بِمَا أهلَّ بِهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .) الحَدِيث.
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: (فَإِن مَعنا أهلك) لِأَن
فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَت قد تمتعت
بِالْعُمْرَةِ وَأحلت، كَمَا بَينه مُسلم فِي حَدِيث
جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: (وَقدم
علينا عَليّ من الْيمن ببدن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَوجدَ فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
مِمَّن حل ولبست ثيابًا صبيغا واكتحلت إِلَى أَن قَالَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا قلت حِين
فرضت الْحَج؟ قَالَ: قلت: أللهم إِنِّي أهل بِمَا أهل بِهِ
رَسُولك. قَالَ: فَإِن معي الْهَدْي فَلَا تحل) . وَفِي
هَذَا دَلِيل لمَذْهَب الشَّافِعِي وَمن وَافقه، فَإِنَّهُ
يَصح الْإِحْرَام مُعَلّقا بِأَن يَنْوِي إحراما كإحرام
زيد، فَيصير هَذَا الْمُعَلق كإحرام زيد، فَإِن كَانَ زيد
أحرم بِحَجّ كَانَ هَذَا بِحَجّ أَيْضا، وَإِن كَانَ
بِعُمْرَة فبعمرة، وَإِن كَانَ بهما فبهما، فَإِن كَانَ
زيد أحرم مُطلقًا صَار هَذَا محرما وإحراما مُطلقًا،
فيصرفه إِلَى مَا شَاءَ من حج أَو عمْرَة وَلَا يلْزمه
مُوَافقَة زيد فِي الصّرْف، قَالَه النَّوَوِيّ: وَحكى
الرَّافِعِيّ وَجها أَنه يلْزمه مُوَافَقَته فِي الصّرْف،
وَالصَّوَاب الأول، وَلَا يجوز عِنْد سَائِر الْعلمَاء
وَالْأَئِمَّة، رَحِمهم الله، الْإِحْرَام بِالنِّيَّةِ
المبهمة. لقَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . وَلقَوْله: {وَلَا
تُبْطِلُوا أَعمالكُم} (مُحَمَّد: 33) . وَلِأَن هَذَا
كَانَ لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خُصُوصا، وَكَذَا
لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَيَأْتِي بَيَانه، إِن
شَاءَ الله تَعَالَى.
7551 - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ
جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جابِرٌ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليَّا رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ أَن يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ وذَكَرَ
قَوْلَ سُرَاقَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَمر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عليا أَن يُقيم على إِحْرَامه) ، وَذَلِكَ
أَنه قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيمن
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَّة، وَكَانَ
قد أرْسلهُ إِلَى الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع، وَكَانَ
عَليّ أحرم كإحرام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ لَهُ: بِمَ أَهلَلْت؟ فَقَالَ: بإهلالك يَا رَسُول
الله، فَأمره أَن يُقيم على إِحْرَامه وَلَا يحل لِأَنَّهُ
كَانَ مَعَه هدي.
ذكر رِجَاله: وهم: أَرْبَعَة: الأول: الْمَكِّيّ بن
إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد الْحَنْظَلِي التَّمِيمِي
الْبَلْخِي أَبُو السكن، وَهُوَ من جملَة من روى عَن أبي
حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَاتَ سنة أَربع عشر
وَمِائَتَيْنِ ببلخ، وَقد قَارب مائَة سنة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هُوَ الْمَنْسُوب إِلَى مَكَّة
(9/185)
المشرفة، وَقد اعْترض عَلَيْهِ بَعضهم
بِأَن قَالَ: مَنْسُوب إِلَى مَكَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل
هُوَ اسْمه، وَهُوَ من بَلخ قلت: أَرَادَ بِهِ
الْكرْمَانِي أَنه على صُورَة النِّسْبَة إِلَى مَكَّة
وَلم يدَّعِ أَنه مَنْسُوب إِلَى مَكَّة حَقِيقَة.
الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الثَّالِث: عَطاء بن أبي رَبَاح. الرَّابِع: جَابر بن عبد
الله الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي
موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بلخي وان ابْن جريج وَعَطَاء
مكيان. وَفِيه: قَالَ عَطاء وَقَالَ جَابر وَهُوَ صُورَة
التَّعْلِيق، وَهُوَ من رباعيات البُخَارِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عليا أَن يُقيم على إِحْرَامه) ، وَذَلِكَ حِين قدم
عَليّ من الْيمن كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَأمره أَن يُقيم
على إِحْرَامه الَّذِي كَانَ أحرم بِهِ كإحرام النَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يحل لِأَن مَعَه الْهَدْي
قَوْله: (وَذكر قَول سراقَة) ، أَي: ذكر جَابر فِي حَدِيثه
قَول سراقَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَاعل ذكر إِمَّا
الْمَكِّيّ، وَإِمَّا جَابر، فقائله إِمَّا البُخَارِيّ،
وَإِمَّا عَطاء. وسراقة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الرَّاء بعد الْألف قَاف: ابْن مَالك بن جعْشم،
بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الشين
الْمُعْجَمَة، وَقيل بفتجها الْكِنَانِي، بالنونين:
المدلجي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة
وَكسر اللَّام وبالجيم: الْحِجَازِي، رُوِيَ لَهُ عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة عشر حَدِيثا،
روى البُخَارِيّ مِنْهَا وَاحِدًا، مَاتَ فِي أول خلَافَة
عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة أَربع وَعشْرين،
وَقَول سراقَة مَا ذكره البُخَارِيّ فِي: بَاب عمْرَة
التَّنْعِيم، من حَدِيث حبيب الْمعلم عَن عَطاء (حَدثنِي
جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهلَّ
هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أحد مِنْهُم
هدي غير النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَطَلْحَة،
وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قدم من الْيمن
وَمَعَهُ هدي. .) الحَدِيث. وَفِيه: (أَن سراقَة لَقِي
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْعقبَةِ وَهُوَ
يرميها، فَقَالَ: ألكم هَذِه خَاصَّة يَا رَسُول الله؟
قَالَ لَا، بل لأبد الْأَبَد) . وَرَوَاهُ مُسلم فِي
(صَحِيحه) عَن مُحَمَّد ابْن حَاتِم: حَدثنَا يحيى
الْقطَّان أخبرنَا ابْن جريج (أَخْبرنِي عَطاء، سَمِعت
جَابِرا قَالَ: قدم عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من
سعايته، فَقَالَ: بِمَ أَهلَلْت؟ قَالَ: بِمَا أهلَّ بِهِ
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: فامكث
حَرَامًا. قَالَ: وأهد لَهُ هَديا؟ فَقَالَ سراقَة بن
مَالك بن جعْشم: يَا رَسُول الله! لِعَامِنَا هَذَا أم
لِلْأَبَد؟ فَقَالَ: لأبد) . فَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح)
: وَذكره البُخَارِيّ أَيْضا فِي: بَاب بعث النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، عَليّ بن أبي طَالب وخَالِد بن
الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من (كتاب
الْمَغَازِي) عَن الْمَكِّيّ بِسَنَدِهِ، وَلم يذكر
الْمُزنِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، وَلَا من سلفه أَن
البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خرجه فِيهِ
وَهُوَ ثَابت فِيهِ، فِيمَا رَأَيْت من نسخ البُخَارِيّ،
رَحمَه الله تَعَالَى.
8551 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ
الهُذْلِيُّ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حدَّثنا
سَليمُ بنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأصْفَرَ
عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ
قَدِمَ عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عَلَى النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ اليَمَنِ فقالَ بِمَ
أهْلَلْتَ قَالَ بِمَا أهَلَّ بِه النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فقالَ لَوْلاَ أنَّ مَعِي الهَدْيَ
لأحْلَلْتُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: الْحسن بن عَليّ
الْخلال، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام
الأولى: أَبُو عَليّ الْهُذلِيّ، بِضَم الْهَاء وَفتح
الذَّال الْمُعْجَمَة، مَاتَ فِي مَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد
الْوَارِث، وَقد مر. الثَّالِث: سليم، بِفَتْح السِّين
وَكسر اللَّام: ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْهَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، مر فِي:
بَاب التَّكْبِير على الْجِنَازَة. الرَّابِع: مَرْوَان
الْأَصْفَر. وَيُقَال: الْأَحْمَر أَبُو خلف، وَيُقَال:
اسْم أَبِيه خاقَان، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن
أنس سوى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ من أَفْرَاد الصَّحِيح.
الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه:
السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه
حلواني، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، نِسْبَة إِلَى حلوان،
سكن مَكَّة وَأَن عبد الصَّمد وَسليمَان ومروان بصريون،
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى الْقَبِيلَة
وَهِي هُذَيْل بن مدركة وَإِلَى الحرفة. وَفِيه: أحد
الروَاة مَذْكُور بلقبه.
ذكر من
(9/186)
أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا
عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن حجاج بن الشَّاعِر. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن عبد الْوَارِث ابْن عبد الصَّمد،
وَقَالَ: حسن غَرِيب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بِمَا أَهلَلْت؟) أَي: بِمَا
أَحرمت، وَقَالَ ابْن التياني: كَذَا وَقع، أَي: لفظ:
(بِمَا أَهلَلْت؟) . وَفِي الْأُمَّهَات بِالْألف
وَصَوَابه بِغَيْر ألف لِأَنَّهُ اسْتِفْهَام. قَوْله:
(بِمَا أهل بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي:
بِالَّذِي أهل بِهِ، أَي: أحرم بِهِ النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لَوْلَا أَن معي الْهَدْي
لأحللت) أَي: من الْإِحْرَام، وتمتعت لِأَن صَاحب الْهَدْي
لَا يُمكنهُ التَّحَلُّل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله،
وَهُوَ فِي يَوْم النَّحْر. قَوْله: (لأحللت) اللَّام
فِيهِ للتَّأْكِيد، و: أحللت، من أحلَّ من إِحْرَامه
فَهُوَ محلٌّ وحِلٌّ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا حللتم
فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) . وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح)
: اعْلَم أَن فِي حَدِيث أنس مُوَافقَة لرأي الْجَمَاعَة
فِي إِفْرَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْمُهلب:
ويردهم حَدِيث أنس، أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قرن،
واتفاقه مَعَ الْجَمَاعَة أولى من الإتباع مِمَّا انْفَرد
بِهِ وَخَالفهُم فِيهِ، فتسويغ الشَّارِع لنَفسِهِ لَوْلَا
الْهَدْي يدل أَنه كَانَ مُفردا لِأَنَّهُ لَا يجوز للقارن
الْإِحْلَال، وَإِن لم يكن مَعَه الْهَدْي حَتَّى يفرغ من
الْحَج. قلت: قَالَ الْخطابِيّ: فِي حَدِيث سليم دلَالَة
على أَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
كَانَ قَارنا لِأَن الْهَدْي لَا يجب على غير الْقَارِن
أَو الْمُتَمَتّع، وَلَو كَانَ مُتَمَتِّعا لحل من
إِحْرَامه للْعُمْرَة ثمَّ اسْتَأْنف إحراما لِلْحَجِّ،
وَبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور احْتج الشَّافِعِي على جَوَاز
الْإِحْرَام الْمُبْهم وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَزَادَ مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ
لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ يَا
عَلَّيُّ قَالَ بَمَا أهَلَّ بِهِ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأهْدِ وامْكُثْ حَرَاما كَمَا أنْتَ
أَي: زَاد مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي الَّذِي مر ذكره
فِي: بَاب تَضْييع الصَّلَاة، فِي كتاب الْمَوَاقِيت عَن
عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء عَن جَابر،
وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق
مُحَمَّد بن بشار وَأَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) عَن عمار،
كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن بكر بِهِ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هَذَا تَعْلِيق من ابْن جريج أَو دَاخل تَحت
الْإِسْنَاد الأول. قلت: إِذا كَانَ دَاخِلا فِي
الْإِسْنَاد الأول لَا يكون تَعْلِيقا إلاَّ بِحَسب
الصُّورَة.
قَوْله: (فاهد) ، بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهَا همزَة
الْقطع من الرباعي. قَوْله: (وامكث) ، أَمر من: مكث يمْكث
مكثا إِذا لبث، وَذَلِكَ لأجل سوق الْهَدْي، وَمن سَاقه
لَا يحل حَتَّى يتم الْحَج. قَوْله: (حَرَامًا) ، نصب على
الْحَال أَي: محرما. قَوْله: (كَمَا أَنْت) أَي: على مَا
أَنْت عَلَيْهِ، وللنحويين فِي هَذَا الْمِثَال أعاريب:
أَحدهَا: أَن: مَا، مَوْصُولَة، وَأَنت، مُبْتَدأ مَحْذُوف
خَبره. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَوْصُولَة و: أَنْت، خبر
حذف مبتدؤه أَي: كَالَّذي هُوَ أَنْت. وَالثَّالِث: أَن:
مَا، زَائِدَة ملغاة، وَالْكَاف جَارة، وَأَنت ضمير
مَرْفُوع أنيب عَن الْمَجْرُور كَمَا فِي قَوْلهم: مَا
أَنا كَأَنْت، وَالْمعْنَى: كن فِيمَا تسْتَقْبل مماثلاً
لنَفسك فِيمَا مضى. وَالرَّابِع: أَن، مَا، كَافَّة،
وَأَنت مُبْتَدأ حذف خَبره أَي: عَلَيْهِ، أَو كَائِن
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقَالُوا: فِيهِ دَلِيل على أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَارنا، إِذْ وجوب الْهَدْي
إِنَّمَا هُوَ على الْقَارِن والمتمتع لَا الْمُفْرد،
وَلَيْسَ مُتَمَتِّعا لِأَن لفظ: أمكث يدل على عَدمه.
9551 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قالَ حدَّثنا
سُفْيَانُ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلمٍ عنْ طَارِقٍ بنِ شِهَابٍ
عنْ أبي مُوسى ارضي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ بعَثَنِي
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى قَوْمٍ بِاليَمَنِ
فَجِئْتُ وَهْوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَالَ بِمَ أهْلَلْتَ
قُلْتُ أهْلَلْتُ كإهْلاَلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ لاَ فأمرَنِي
فَطُفْتُ بِالبيْتِ وبِالصَّفَا وَالمَرْوةِ ثُمَّ أمرنِي
فأحْللْتُ فأتيتُ امْرأةً مِنْ قَوْمي فمَشطَتْنِي أوْ
غَسَلَتْ رَأسِي فقَدِمَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
فَقَالَ إنْ نَأخُذْ بِكِتَابِ الله فإنَّهُ يأمُرُنَا
بِالتَّمَامِ قَالَ الله وَأتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ
لله وَإنْ نأخُذْ بسنَّةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فإنَّهُ لَمُ يَحِلَّ حَتَّى نحَرَ الهَدْيَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَهلَلْت بإهلال
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف
التنيسِي أَبُو مُحَمَّد. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث: قيس بن مُسلم بِلَفْظ الْفَاعِل من الْإِسْلَام
الجدلي. الرَّابِع: طَارق
(9/187)
ابْن شهَاب بن عبد شمس البَجلِيّ الأحمسي،
وَقد مر فِي: بَاب زِيَادَة الْإِيمَان. الْخَامِس: أَبُو
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه من
أَفْرَاده وَأَصله من دمشق وَالثَّلَاثَة الَّذين بعده
كوفيون. وَفِيه: قيس بن مُسلم عَن طَارق وَفِي رِوَايَة
أَيُّوب بن عَائِد فِي الْمَغَازِي عَن قيس بن مُسلم:
سَمِعت طَارق بن شهَاب، وَفِيه: طَارق عَن أبي مُوسَى،
وَفِي رِوَايَة أَيُّوب الْمَذْكُور: حَدثنِي أَبُو
مُوسَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار بِهِ، وَعَن عبد الله بن معَاذ وَعَن إِسْحَاق
بن مَنْصُور وَعبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن أبي مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قوم بِالْيمن) ، كَانَ بَعثه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه إِلَى الْيمن فِي السّنة
الْعَاشِرَة من الْهِجْرَة قبل حجَّة الْوَدَاع، وَعَن أبي
بردة قَالَ: (بعث النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أَبَا مُوسَى ومعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، إِلَى الْيمن، وَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا على
مخلاف) . قَالَ: واليمن مخلافان، والمخلاف بِكَسْر الْمِيم
فِي الْيمن كالرستاق فِي الْعرَاق، وَجمعه: مخاليف.
قَوْله: (وَهُوَ بالبطحاء) الْوَاو فِي: وَهُوَ، للْحَال،
والبطحاء: بطحاء مَكَّة، وَهُوَ المحصب، وَهُوَ فِي
الأَصْل مسيل واديها، وبطحاء الْوَادي حَصَاة اللين فِي
بطن المسيل. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من حَدِيد خيف بني
كنَانَة، وَحده من الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى منى، وَفِي
رِوَايَة شُعْبَة عَن قيس الْآتِيَة فِي: بَاب مَتى يحل
الْمُعْتَمِر وَهُوَ منيخ، أَي: نَازل بهَا. قَوْله:
(فَأمرنِي فطفت) ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: (طف
بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة) . قَوْله: (فأحللت) من: أحل
يحل إحلالاً، وَمَعْنَاهُ: خرجت من الْإِحْرَام. قَوْله:
(فَأتيت امْرَأَة من قومِي) ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة:
(امْرَأَة من قيس) ، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ قيس غيلَان
لِأَنَّهُ لَا نِسْبَة بَينهم وَبَين الْأَشْعَرِيين،
وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ أَبوهُ قيس بن سليم، وَالدَّلِيل
عَلَيْهِ رِوَايَة أَيُّوب بن عَائِد: (امْرَأَة من بني
قيس) ، وَهُوَ أَبُو أبي مُوسَى، وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَت
الْمَرْأَة زَوْجَة بعض إخْوَة أبي مُوسَى، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ لَهُ من الْإِخْوَة: أَبُو رهم
وَأَبُو بردة وَمُحَمّد. قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: (فَأتيت
امْرَأَة) مَحْمُول على أَن هَذِه الْمَرْأَة كَانَت محرما
لَهُ، وَامْرَأَة الْأَخ لَيست بِمحرم، فَالصَّوَاب مَعَ
الْكرْمَانِي، فَيحمل حِينَئِذٍ على أَن الْمَرْأَة كَانَت
بنت بعض أخوته. قَوْله: (أَو غسلت رَأْسِي، بِالشَّكِّ)
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وغسلت) ، بواو الْعَطف. قَوْله:
(فَقدم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) لم يكن قدوم عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي تِلْكَ الْحجَّة على مَا
يفهم من ظَاهر الْكَلَام بل المُرَاد من قدومه مَا كَانَ
فِي خِلَافَته، اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ وَبسطه مُسلم،
فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار، قَالَ
ابْن الْمثنى: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
أخبرنَا شُعْبَة عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب (عَن
أبي مُوسَى قَالَ: قدمت على رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ منيخ بالبطحاء، فَقَالَ لي: حججْت؟
فَقلت: نعم. فَقَالَ: بِمَ أَهلَلْت؟ قلت: لبيت بإهلال
كإهلال النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فقد
أَحْسَنت، طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة، ثمَّ أتيت
امْرَأَة من بني قيس، فغسلت رَأْسِي ثمَّ أَهلَلْت
بِالْحَجِّ، فَكنت أُفْتِي بِهِ النَّاس حَتَّى كَانَ فِي
خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ لَهُ
رجل: يَا أَبَا مُوسَى أَو يَا عبد الله بن قيس رويدك بعض
فتياك، فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ
فِي النّسك بعْدك، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس من كُنَّا
أفتيناه فتيا فليتئد، فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قادم
عَلَيْكُم فبه فائتموا، قَالَ: فَقدم عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَذكرت لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: إِن نَأْخُذ
بِكِتَاب الله تَعَالَى، فَإِن كتاب الله تَعَالَى يَأْمر
بالتمام، وَإِن نَأْخُذ بِسنة رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لم يحل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله) ، وَأخرجه
النَّسَائِيّ، وَفِي لَفظه: (فَكنت أُفْتِي النَّاس بذلك
إِمَارَة أبي بكر وإمارة عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، وَإِنِّي لقائم بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي
رجل فَقَالَ: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير
الْمُؤمنِينَ فِي النّسك. .) الحَدِيث. قَوْله: (بِهِ) فِي
رِوَايَة مُسلم، وَبِذَلِك فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ أَي:
بِفَسْخ الْحَج إِلَى الْعمرَة. قَوْله: (رويدك بعض فتياك)
، ويروى: (رويد بعض فتياك) ، و: رويد، اسْم فعل،
وَمَعْنَاهُ: أمْهل. قَوْله: (فليتئذ) ، أَي: فليتأنَّ
وليصبر، من اتأد إِذا تأنَّى، وَأَصله من: تئد يتأد تأدا.
قَوْله: (إِن نَأْخُذ) بنُون الْجَمَاعَة ظَاهر، وَهَذَا
من عمر إِنْكَار فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة وإتمام الْحَج،
وَاحْتج بِالْآيَةِ وَهِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا
الْحَج وَالْعمْرَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} (الْبَقَرَة:
691) . أَمر الله تَعَالَى بإتمام أفعالهما بعد الشُّرُوع
فيهمَا، وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير
وطاووس: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة:
691) . أَن يحرم من دويرة أَهله. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق:
أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: بلغنَا أَن عمر،
رَضِي الله تَعَالَى
(9/188)
عَنهُ، قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى:
{وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) .
قَالَ: من تَمامهَا أَن يفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا من
الآخر، وَأَن يعْتَمر فِي غير أشهر الْحَج، إِن الله
تَعَالَى يَقُول: {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} (الْبَقَرَة:
791) . قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لم يحل) أَي: لم يخرج من
إِحْرَامه (حَتَّى نحر الْهَدْي) فِي منى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الدّلَالَة على جَوَاز
الْإِحْرَام الْمُعَلق، وَبِه أَخذ الشَّافِعِي، وَقد
ذَكرْنَاهُ مَعَ الْجَواب عَنهُ. وَفِيه: فسخ الْحَج إِلَى
الْعمرَة، وَنهى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن
الْمُتْعَة. وَقَالَ الْمَازرِيّ: قيل: إِن الْمُتْعَة
الَّتِي نهى عَنْهَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فسخ
الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَقيل: وَنهى عمر عَن الْعمرَة فِي
أشهر الْحَج، ثمَّ الْحَج من عَامَّة، وعَلى الثَّانِي:
إِنَّمَا نهى عَنْهَا ترغيبا فِي الْإِفْرَاد الَّذِي هُوَ
أفضل، لَا أَنه يعْتَقد بُطْلَانهَا وتحريمها. وَقَالَ
عِيَاض: الظَّاهِر أَنه نهى عَن الْفَسْخ، وَلِهَذَا كَانَ
يضْرب النَّاس عَلَيْهَا، كَمَا رَوَاهُ مُسلم، بِنَاء على
أَن الْفَسْخ كَانَ خَاصّا بِتِلْكَ السّنة. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار أَنه نهى عَن الْمُتْعَة
الْمَعْرُوفَة الَّتِي هِيَ الاعتمار فِي أشهر الْحَج،
ثمَّ الْحَج من عَامَّة، وَهُوَ على التَّنْزِيه للترغيب
فِي الْإِفْرَاد، ثمَّ انْعَقَد الْإِجْمَاع على جَوَاز
التَّمَتُّع من غير كَرَاهَة. وَقيل: عِلّة كَرَاهَة عمر
الْمُتْعَة أَن يكون معرسا بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يشرع فِي
الْحَج وَرَأسه يقطر، وَذَلِكَ أَنه كَانَ من رَأْيه عدم
الترفه للْحَاج بِكُل طَرِيق، فكره لَهُم قرب عَهدهم
بِالنسَاء لِئَلَّا يسْتَمر الْميل إِلَى ذَلِك، بِخِلَاف
من بعد عَهده مِنْهُنَّ، وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ
مُسلم عَن أبي مُوسَى أَنه كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ،
فَقَالَ رجل: رويدك بِبَعْض فتياك فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا
أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ بعد، حَتَّى لقِيه بعد
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قد
علمت أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد فعله
وَأَصْحَابه، وَلَكِن كرهت أَن يظلوا معرسين بِهن فِي
الْأَرَاك ثمَّ يروحون فِي الْحَج تقطر رؤوسهم. وَفِيه:
حجَّة لأبي حنيفَة وَأحمد من أَن الْمُعْتَمِر إِذا كَانَ
مَعَه الْهَدْي لَا يتَحَلَّل من عمرته حَتَّى ينْحَر
هَدْيه يَوْم النَّحْر. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ:
إِنَّه إِذا طَاف وسعى وَحلق حل من عمرته وَحل لَهُ كل
شَيْء فِي الْحَال، سَوَاء كَانَ سَاق هَديا أم لَا.
والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِمَا. فَإِن قلت: كَيفَ أَمر
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا مُوسَى فِي
هَذَا الحَدِيث بالإحلال وَلم يَأْمر عليا، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَالْحَال أَن كلا مِنْهُمَا قَالَ:
إهلالي كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت:
لِأَن أمره لأبي مُوسَى بالإحلال على معنى مَا أَمر بِهِ
غَيره بِالْفَسْخِ بِالْعُمْرَةِ لمن لَيْسَ مَعَه هدي،
وَأمره لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يهدي
وَيمْكث حَرَامًا إِمَّا لِأَنَّهُ وَالله تَعَالَى أعلم
كَانَ مَعَه هدي، أَو قد يكون قد اعْتقد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه يهدي عَنهُ، أَو يكون خصّه بذلك، أَو
لما كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بسوق
هَذِه الْبدن من الْيمن فَكَانَ كمن مَعَه هدي، وَلَا يظنّ
أَن هَذِه الْبدن من السّعَايَة وَالصَّدَََقَة بِوَجْه،
إِذْ لَا يحل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الصَّدَقَة، وَلَا يهدي مِنْهَا. وَالْأَشْبَه أَن عليا
اشْتَرَاهَا بِالْيمن كَمَا اشْترى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بقيتها، وَجَاء بهَا من الْمَدِينَة على
مَا جَاءَ فِي حَدِيث أَيْضا: أَنه اشْترى هَدْيه بِقديد،
وَفِي حَدِيث ابْن عمر: فساق الْهَدْي مَعَه من ذِي
الحليفة، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد
أعلمهُ أَنه سيعطيه هَديا مِنْهَا، وَفِي حَدِيث جَابر:
أَنه قدم ببدن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد
يحْتَمل أَنه كَانَ لَهُ فِيهَا هدي لم يحْتَج إِلَى
ذكرهَا فِي الحَدِيث، فَلم يُمكنهُ أَن يحل. وَيدل على
هَذَا سُؤال النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي
مُوسَى: هَل سَاق هَديا؟ وَلم يسْأَل عَليّ، فَدلَّ على
علمه بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن أهْدى أَو مِمَّن حكمه حكم من
أهْدى، وَالله أعلم.
33 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {الحَجُّ أشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ
وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَفْسِير قَول الله تَعَالَى:
{الْحَج أشهر مَعْلُومَات} الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع:
الأول فِي إعرابها: فَقَوله: {الْحَج} مُبْتَدأ. وَقَوله:
{أشهر} خَبره. وَقَوله: {مَعْلُومَات} صفة الْأَشْهر، وَمن
شَرط الْخَبَر أَن يَصح بِهِ الْإِخْبَار عَن الْمُبْتَدَأ
فَلَا يَصح أَن يخبر بِالْأَشْهرِ عَن الْحَج، فَلذَلِك
قدر فِيهِ حذف تَقْدِيره: وَقت الْحَج أشهر مَعْلُومَات،
وَيُقَال: تَقْدِيره الْحَج حج أشهر مَعْلُومَات، فعلى
الأول الْمُقدر قبل الْمُبْتَدَأ، وعَلى الثَّانِي قبل
الْخَبَر، وَإِن كَانَ يصلح فِيهِ تَقْدِير كلمة: فِي،
فَلَا يُقَال إلاَّ بِالرَّفْع، وَكَذَلِكَ كَلَام
الْعَرَب يَقُولُونَ: الْبرد شَهْرَان، فَلَا ينصبونه،
وَقَالَ الواحدي: يُمكن حمله على غير إِضْمَار، وَهُوَ أَن
الْأَشْهر جعلت نفس الْحَج اتساعا لكَون الْحَج يَقع
فِيهَا، كَقَوْلِهِم: ليل نَائِم. قَوْله: (أشهر) جمع شهر،
وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ ثَلَاثَة أشهر كوامل، وَلَكِن
المُرَاد
(9/189)
شَهْرَان وَبَعض الثَّالِث، وَوَجهه أَن
اسْم الْجمع يشْتَرك فِيهِ مَا وَرَاء الْوَاحِد، بِدَلِيل
قَوْله تَعَالَى: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4)
. وَلَو قَالَ: الْحَج ثَلَاثَة أشهر كَانَ يتَوَجَّه
السُّؤَال وَقيل: نزل بعض الشَّهْر منزلَة كُله، كَمَا
يُقَال: رَأَيْتُك سنة كَذَا، أَو على عهد فلَان،
وَلَعَلَّ الْعَهْد عشرُون سنة أَو أَكثر، وَإِنَّمَا
رَآهُ فِي سَاعَة مِنْهَا. قَوْله: (مَعْلُومَات) يَعْنِي:
معروفات عِنْد النَّاس لَا تشكل عَلَيْهِم. قَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: وَفِيه: أَن الشَّرْع لم يَأْتِ على خلاف
مَا عرفوه، وَإِنَّمَا جَاءَ مقررا لَهُ. قَوْله: {فَمن
فرض فِيهِنَّ الْحَج} (الْبَقَرَة: 791) . أَي: فَمن ألزم
نَفسه بِالتَّلْبِيَةِ أَو بتقليد الْهَدْي وسوقه.
وَقَوله: {فَلَا رفث} هُوَ جَوَاب: من، الشّرطِيَّة.،
وَقَالَ القتبي: الْفَرْض هُوَ وجوب الشَّيْء، يُقَال:
فرضت عَلَيْكُم أَي أوجبت. قَالَ الله تَعَالَى: {فَنصف
مَا فرضتم} (الْبَقَرَة: 732) . فَمن: أهل فِيهِنَّ
بِالْحَجِّ. قَوْله: (فَلَا رفث) ، نفي، وَمَعْنَاهُ
النَّهْي أَي: فَلَا ترفثوا، وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو
عمر {فَلَا رفث وَلَا فسوق} (الْبَقَرَة: 791) . أَي
ألزمتم أَنفسكُم وَقَالَ ابْن عَبَّاس الْفَرْض
التَّلْبِيَة وَقَالَ الضَّحَّاك هُوَ الْإِحْرَام قَالَ
عَطاء فَمن فرض فِيهِنَّ بِالرَّفْع مَعَ التَّنْوِين،
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب بِغَيْر تَنْوِين،
وَاتَّفَقُوا فِي قَوْله: {وَلَا جِدَال} بِالنّصب غير أبي
جَعْفَر الْمدنِي فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالرَّفْع، وَهَذَا
يُقَال لَهُ: لَا، التبرئة فَفِي كل مَوضِع يدْخل فِيهِ:
لَا، التبرئة فصاحبه بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ نَصبه
بِغَيْر تَنْوِين، وَإِن شَاءَ ضمه بِالتَّنْوِينِ،
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ وجوب
انتفائها وَأَنَّهَا حَقِيقَة بِأَن لَا تكون، وقرىء
المنفيات الثَّلَاث بِالنّصب وَالرَّفْع، وَقَرَأَ أَبُو
عَمْرو وَابْن كثير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
الْأَوَّلين بِالرَّفْع وَالْآخر بِالنّصب، لِأَنَّهُمَا
حملا الْأَوَّلين على معنى النَّهْي، كَأَنَّهُ قيل: فَلَا
يكونن رفث وَلَا فسوق، وَالثَّالِث على معنى الْإِخْبَار
بِانْتِفَاء الْجِدَال، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا شكّ وَلَا
خلاف فِي الْحَج.
النَّوْع الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا: قَوْله: (الْحَج) فِي
اللُّغَة: الْقَصْد، من حججْت الشَّيْء أحجه حجا: إِذا
قصدته. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: وأصل الْحَج من قَوْلك:
حججْت فلَانا أحجه حجا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة بعد
أُخْرَى، فَقيل: حج الْبَيْت، لِأَن النَّاس يأتونه كل
سنة، وَالْحج فِي اصْطِلَاح الشَّرْع: قصد إِلَى زِيَارَة
الْبَيْت الْحَرَام على وَجه التَّعْظِيم بِأَفْعَال
مَخْصُوصَة. قَوْله: (أشهر) جمع شهر، جمع قلَّة، لِأَنَّهُ
على وزن: أفعل، بِضَم الْعين، والشهر عبارَة عَن الزَّمَان
الَّذِي بَين الهلالين، واشتقاقه من الشُّهْرَة، والهلال
أول لَيْلَة من الشَّهْر وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة،
ثمَّ هُوَ قمر بعد ذَلِك إِلَى آخر الشَّهْر، وَفِي
اللَّيْلَة الرَّابِعَة عشر يُقَال لَهُ: بدر، لتمامه.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: إِنَّمَا سمي بَدْرًا لمبادرته
الشَّمْس بالطلوع. وَقَالَ الْفراء: هُوَ فِي أول لَيْلَة
هِلَال، ثمَّ قمير ثمَّ قمر ثمَّ بدر. قَوْله: {فَلَا رفث}
: الرَّفَث الْجِمَاع، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أحل
لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم}
(الْبَقَرَة: 781) . وَهُوَ حرَام على الْمحرم، وَكَذَلِكَ
دواعيه من الْمُبَاشرَة والتقبيل. وَنَحْو ذَلِك، وَكَذَا
التَّكَلُّم بِحَضْرَة النِّسَاء، وَقَالَ ابْن جرير:
حَدثنَا يُونُس أخبرنَا ابْن وهب أَخْبرنِي يُونُس أَن
نَافِعًا أخبرهُ أَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، كَانَ يَقُول: الرَّفَث إتْيَان النِّسَاء، والتكلم
بذلك بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا ذكرُوا ذَلِك
بأفواههم. وَقَالَ ابْن وهب: وحَدثني أَبُو صَخْر عَن
مُحَمَّد بن كَعْب مثله، وَقَالَ عبد الله بن طَاوُوس عَن
أَبِيه: سَأَلت ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، عَن قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رفث وَلَا فسوق
وَلَا جِدَال فِي الْحَج} (الْبَقَرَة: 791) . قَالَ:
الرَّفَث التَّعَرُّض بِذكر الْجِمَاع، وَهِي: العرابة،
فِي كَلَام الْعَرَب، وَهُوَ أدنى الرَّفَث. وَقَالَ عَطاء
بن أبي رَبَاح: الرَّفَث الْجِمَاع وَمَا دونه من قَول
الْفُحْش، وَكَذَا قَالَ عَمْرو بن دِينَار، وَقَالَ:
وَكَانُوا يكْرهُونَ العرابة، وَهُوَ التَّعْرِيض بِذكر
الْجِمَاع وَهُوَ محرم، وَقَالَ طَاوُوس: هُوَ أَن يَقُول
للْمَرْأَة إِذا حللت أصبتك، وَكَذَا قَالَ أَبُو
الْعَالِيَة، وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم: الرَّفَث غشيان النِّسَاء، وَكَذَا
قَالَ سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم
وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَكْحُول وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي
وَعَطَاء بن يسَار وعطية وَالربيع وَالزهْرِيّ وَالسُّديّ
وَمَالك بن أنس وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَعبد الْكَرِيم بن
مَالك وَالْحسن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَآخَرُونَ.
قَوْله: (وَلَا فسوق) ، قَالَ مقسم وَغير وَاحِد عَن ابْن
عَبَّاس: هِيَ الْمعاصِي، وَكَذَا قَالَ عَطاء وَمُجاهد
وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ
وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَعَطَاء
الْخُرَاسَانِي وَعَطَاء بن يسَار وَمُقَاتِل بن حَيَّان،
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن نَافِع عَن ابْن عمر،
قَالَ: الفسوق مَا أُصِيب من معاصي الله صيدا أَو غَيره،
وروى ابْن وهب عَن يُونُس عَن نَافِع: أَن عبد الله ابْن
عمر كَانَ يَقُول: الفسوق إتْيَان معاصي الله تَعَالَى فِي
الْحرم. وَقَالَ آخَرُونَ: الفسوق هَهُنَا السباب، قَالَه
ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَمُجاهد
وَالسُّديّ وَإِبْرَاهِيم وَالْحسن، وَقد تمسك هَؤُلَاءِ
بِمَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : (سباب الْمُسلم فسوق وقتاله
كفر) ، وروى
(9/190)
ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن
بن زيد بن أسلم: الفسوق هَهُنَا الذّبْح للأصنام، وَقَالَ
الضَّحَّاك: الفسوق التَّنَابُز بِالْأَلْقَابِ. قَوْله:
{وَلَا جِدَال فِي الْحَج} (الْبَقَرَة: 791) . فِيهِ
قَولَانِ: أَحدهمَا: وَلَا مجادلة فِي وَقت الْحَج وَفِي
مَنَاسِكه. وَالثَّانِي: أَن المُرَاد بالجدال هَهُنَا
الْمُخَاصمَة، وَعَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَلَا
جِدَال فِي الْحَج} (الْبَقَرَة: 791) . قَالَ: أَن
تُمَارِي صَاحبك حَتَّى تغضبه، وَعَن ابْن عَبَّاس:
الْجِدَال المراء والملاحاة حَتَّى تغْضب أَخَاك
وَصَاحِبك، فَنهى الله عَن ذَلِك. وَعَن ابْن عمر:
الْجِدَال المراء والسباب والخصومات.
النَّوْع الثَّالِث: فِي الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بأشهر
الْحَج: قَالَ الله تَعَالَى: {أشهر مَعْلُومَات}
(الْبَقَرَة: 791) . وَهِي: شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر
من ذِي الْحجَّة، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء، وَهُوَ
الْمَنْقُول عَن عَطاء وطاووس وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين
وَمَكْحُول وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالربيع بن أنس
وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَأبي ثَوْر،
وَاخْتَارَهُ ابْن جرير، ويحكى عَن عمر، وَعلي وَابْن
مَسْعُود وَعبد الله بن الزبير وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي
الْقَدِيم: هِيَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
بِكَمَالِهِ، وَهُوَ رِوَايَة عَن ابْن عمر أَيْضا ابْن
وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق قَالَ:
حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا شريك عَن إِبْرَاهِيم بن
مهَاجر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، قَالَ: شَوَّال وَذُو
الْقعدَة وَذُو الْحجَّة، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي
(تَفْسِيره) : حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى حَدثنَا
ابْن وهب أَخْبرنِي ابْن جريج، قَالَ: قلت لنافع: سَمِعت
عبد الله بن عمر يُسمى شهور الْحَج؟ قَالَ: نعم، كَانَ عبد
الله يُسَمِّي شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة.
قَالَ ابْن جريج: وَقَالَ ذَلِك ابْن شهَاب وَعَطَاء
وَجَابِر بن عبد الله صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى ابْن جريج، وَحكي
هَذَا أَيْضا عَن مُجَاهِد وطاووس وَعُرْوَة بن الزبير
وَالربيع بن أنس وَقَتَادَة، قَالَ ابْن كثير فِي
(تَفْسِيره) : وَجَاء فِيهِ حَدِيث مَرْفُوع، وَلكنه
مَوْضُوع رَوَاهُ الْحَافِظ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق
حُصَيْن بن الْمخَارِق، وَهُوَ مُتَّهم بِالْوَضْعِ عَن
يُونُس بن عبيد عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي أُمَامَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أشهر
مَعْلُومَات: شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة) ،
وَهَذَا كَمَا رَأَيْت لَا يَصح رَفعه، وَاحْتج
الْجُمْهُور بِمَا علقه البُخَارِيّ على مَا يَجِيء، قَالَ
ابْن عمر: هِيَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر من ذِي
الْحجَّة، وَرَوَاهُ ابْن جرير: حَدثنِي أَحْمد بن حَازِم
بن أبي عزْرَة حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا وَرْقَاء عَن
عبد الله بن دِينَار (عَن ابْن عمر: أشهر الْحَج
مَعْلُومَات؟ قَالَ: شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر ذِي
الْحجَّة) إِسْنَاده صَحِيح، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا
فِي (مُسْتَدْركه) عَن الْأَصَم عَن الْحسن بن عَليّ بن
عَفَّان عَن عبد الله بن نمير عَن عبيد الله عَن نَافِع
عَن ابْن عمر فَذكره. وَقَالَ: على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَعَن الْحَاكِم رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة)
بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه، وَمِمَّا احْتج بِهِ مَالك مَا
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) عَن شريك عَن أبي
إِسْحَاق عَن الضَّحَّاك (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أشهر
الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة) ،
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود نَحوه، وَعَن عبد الله
بن الزبير نَحوه. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا أَرَادَ
من قَالَ: أشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو
الْحجَّة، أَن هَذِه الْأَشْهر لَيست أشهر الْعمرَة
إِنَّمَا هِيَ لِلْحَجِّ وَإِن كَانَ الْحَج يَنْقَضِي
بِانْقِضَاء إيام منى. قلت: الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فِيهَا
أكمل من الْإِحْرَام بِهِ فِيمَا عَداهَا، وَإِن كَانَ
صَحِيحا. وَالْقَوْل بِصِحَّة الْإِحْرَام فِي جَمِيع
السّنة مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وَأحمد وَإِسْحَاق،
وَهُوَ مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالثَّوْري
وَاللَّيْث بن سعيد، وَمذهب الشَّافِعِي: أَنه لَا يَصح
الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أشهر الْحَج، فَلَو أحرم
بِهِ قبلهَا لم ينْعَقد إِحْرَامه بِهِ، وَهل ينْعَقد
عمْرَة؟ فِيهِ قَولَانِ عَنهُ: وَالْقَوْل بِأَنَّهُ: لَا
يَصح الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أشهر الْحَج
مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر، وَبِه يَقُول طَاوُوس
وَعَطَاء وَمُجاهد. فَإِن قلت: هَل يدْخل يَوْم النَّحْر
فِي عشر ذِي الْحجَّة أم لَا؟ قلت: قَالَ أَبُو حنيفَة
وَأحمد: يدْخل، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يدْخل، وَهُوَ
الْمَشْهُور الْمُصَحح عَنهُ، وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة:
تسع من ذِي الْحجَّة، وَلَا يَصح فِي يَوْم النَّحْر وَلَا
ليلته، وَهُوَ شَاذ.
{ويَسْألُونَكَ عنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لَلنَّاسِ وَالحَجِّ} (الْبَقَرَة: 981) .
وَقَوله: {ويسألونك عَن الْأَهِلّة} (الْبَقَرَة: 981) .
عطف على: قَول الله تَعَالَى أَي: وَفِي بَيَان تَفْسِير
قَول الله تَعَالَى. وَقَالَ الْعَوْفِيّ: عَن ابْن
عَبَّاس، سَأَلَ الناسُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن الْأَهِلّة فَنزلت هَذِه الْآيَة يعلمُونَ بهَا
حل دينهم وعدة نِسَائِهِم وَوقت حجهم، وَقَالَ أَبُو
جَعْفَر: عَن الرّبيع عَن أبي الْعَالِيَة: بلغنَا أَنهم
قَالُوا: يَا رَسُول الله! لم خلقت الْأَهِلّة؟ فَأنْزل
الله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة}
(الْبَقَرَة: 981) . وَقَالَ
(9/191)
الواحدي: عَن معَاذ: يَا رَسُول الله إِن
الْيَهُود تغشانا، ويكثرون مَسْأَلَتنَا، فَأنْزل الله
هَذِه الْآيَة. وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) :
نزلت هَذِه الْآيَة فِي عدي بن حَاتِم ومعاذ بن جبل
سَأَلَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الْهلَال، فَنزلت أَي: يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة مَا
لَهَا تبدو صَغِيرَة ثمَّ تصير بدورا ثمَّ تعود كالعرجون؟
وَمَا معنى تغير أحوالها؟ وَقَالَ الْكَلْبِيّ: نزلت فِي
معَاذ وثعلبة بن غنمة الأنصاريين، قَالَا: يَا رَسُول الله
مَا بَال الْهلَال يَبْدُو دَقِيقًا مثل الْخَيط، ثمَّ
يزِيد ثمَّ ينقص؟ فَنزلت، والأهلة: جمع هِلَال، وَهُوَ
إِذا كَانَ لليلة أَو لَيْلَتَيْنِ، وَسمي بِهِ لِأَن
النَّاس يرفعون أَصْوَاتهم عِنْد رُؤْيَته. فَإِن قلت: مَا
وَجه ذكر الْحَج بالخصوص من بَين الْعِبَادَات؟ قلت:
لكَونه أهم وأشق، وَلِهَذَا ذكره البُخَارِيّ بعد هَذِه
الْآيَة.
وقالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أشْهُرُ
الحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو القِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن جرير، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن
قريب، وَوَصله الطَّبَرِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من
طَرِيق وَرْقَاء عَن عبد الله بن دِينَار، عَنهُ، قَالَ:
(الْحَج أشهر مَعْلُومَات، شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر
من ذِي الْحجَّة) . فَإِن قلت: روى مَالك فِي الْمُوَطَّأ)
عَن عبد الله بن دِينَار (عَن ابْن عمر، قَالَ: من اعْتَمر
فِي أشهر الْحَج شَوَّال أَو ذِي الْقعدَة أَو ذِي
الْحجَّة قبل الْحَج فقد استمتع) ؟ قلت: لَعَلَّه تجوز فِي
ذكر ذِي الْحجَّة بِكَمَالِهِ، وَبِهَذَا يجمع بَين
الرِّوَايَتَيْنِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مِنَ
السُّنَّةِ أنْ لاَ يُحْرِمَ بِالحَجِّ إلاَّ فِي أشْهُرِ
الحَجِّ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم
وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق الحكم عَن مقسم عَنهُ،
قَالَ: (لَا يحرم بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أشهر الْحَج فَإِن
من سنة الْحَج أَن لَا يحرم بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أشهر
الْحَج فَإِن من سنة الْحَج أَن لَا يحرم بِالْحَجِّ إلاَّ
فِي أشهر الْحَج) . وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح على
شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: من السّنة
أَي من الشَّرِيعَة، إِذْ هُوَ وَاجِب وَلَا ينْعَقد
الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهره عِنْد
الشَّافِعِي، وَأما عِنْد غَيره: فَلَا يَصح شَيْء من
أَفعَال الْحَج إلاَّ فِيهَا. قلت: هَذَا تَفْسِير على
مساعدة مَا قَالَه إِمَامه، وَلَكِن لَا يساعده هَذَا
فَإِن قَوْله: (من السّنة) ، لَا يدل على الْوُجُوب قطعا،
إِذْ يحْتَمل أَن يكون من السّنة الَّتِي إِذا فعلهَا
كَانَ لَهُ أجر، وَإِذا تَركهَا لَا يفْسد مَا فعله من
الْإِحْرَام قبل أشهر الْحَج. وَأَيْضًا قَوْله: وَأما
عِنْد غَيره، فَلَيْسَ بقسيم لما قبله مِمَّا قَالَه
الشَّافِعِي، لِأَن قسيمه أَن يُقَال: وَأما عِنْد غَيره
فَينْعَقد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قبل أشهر الْحَج،
وَالَّذِي ذكره مُتَّفق عَلَيْهِ، أَفعَال الْحَج أَفعَال
الْحَج قبل أشهر الْحَج لَا تصح بِلَا خلاف.
وَكِرِهَ عُثْمَانُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنْ يُحْرِمَ
مِنْ خُرَاسَانَ أوْ كَرْمانَ
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه)
عَن عبد الْأَعْلَى عَن يُونُس عَن الْحسن: أَن ابْن عَامر
أحرم من خُرَاسَان فعاب عَلَيْهِ وعيره فكرهوه، وروى
أَحْمد بن سيار فِي (تَارِيخ مرو) : من طَرِيق دَاوُد بن
أبي هِنْد، قَالَ: لما فتح عبد الله بن عَامر خُرَاسَان
قَالَ: لأجعلن شكري لله أَن أخرج من موضعي هَذَا محرما
فَأحْرم من نيسابور، فَلَمَّا قدم على عُثْمَان لأمه على
مَا صنع. قلت: عبد الله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن
حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي العبشمي،
ابْن خَال عُثْمَان ابْن عَفَّان، ولد حَيَاة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتغفل فِي فِيهِ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، واستنابه عُثْمَان على الْبَصْرَة
بعد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وولاه بِلَاد فَارس بعد
عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وعمره إِذْ ذَاك خمس وَعِشْرُونَ
سنة، فَفتح خُرَاسَان كلهَا وأطراف فَارس وكرمان وسجستان
وبلاد غزيَّة، وَقتل كسْرَى فِي أَيَّامه وَهُوَ يزدجرد،
مَاتَ فِي سنة ثَمَانِيَة وَخمسين من الْهِجْرَة، وَأما
خُرَاسَان فإقليم وَاسع من الغرب الْمَفَازَة الَّتِي
بَينهَا وَبَين بِلَاد الْجَبَل وجرجان، وَمن الْجنُوب
مفازة واصلة بَينهَا وَبَين فَارس وقومس، وَمن الشرق نواحي
سجستان وبلاد الْهِنْد، وَمن الشمَال بِلَاد مَا وَرَاء
النَّهر وَشَيْء من تركستان. وخراسان يشْتَمل على كور
كَثِيرَة كل كورة مِنْهَا نَحْو إقليم، وَلها مدن
كَثِيرَة، مِنْهَا: بَلخ فِي وسط خُرَاسَان، خرج مِنْهَا
خلق من الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ لَا
يُحصونَ. وَمِنْهَا: جرجان وطالعان وطابران وكشمهين ونسا
وهراة، وَأما كرمان، فبفتح الْكَاف وَقيل بِكَسْرِهَا،
وَفِي (الْمُشْتَرك) : هُوَ صقع كَبِير بَين فَارس
وسجستان، وَحدهَا يتَّصل بخراسان، وَمن بلادها
الْمَشْهُورَة: زرند والسيرجان، وَهُوَ أكبر مدن كرمان.
(9/192)
0651 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار
قَالَ حدَّثني أبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ قَالَ حدَّثنا
أفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ
مُحَمَّدٍ عنْ عَائِشةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قالَتْ خَرَجْنا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي أشْهُرِ الحَجِّ ولَيَالي الحَجِّ وَحُرِم الْحَج
فنِزَلْنا بِسَرِفَ قالَتْ فخَرَجَ إِلَى أصْحَابِهِ
فَقَالَ مَنُ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فأحَبَّ
أنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَل وَمَنْ كانَ معَهُ
الهَديُ فلاَ قالَتْ فالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا
مِنْ أصْحَابِهِ قالَتْ فأمَّا رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَرِجَالٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَكانُوا أهْلَ
قُوَّةٍ وكانَ مَعَهُمْ الهَدْيُ فَلَم يَقْدِرُوا عَلَى
العُمْرَةِ قالَتْ فدَخَلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وأنَا أبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ يَا
هَنْتَاهْ قُلْتُ سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأصْحَابِكَ
فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ قالَ وَما شأنَكَ قُلْتُ لَا
أُصَلَّي قَالَ فَلاَ يَضِيرُكِ إنَّمَا أنْتِ امْرَأةٍ
مِنْ بَنَاتٍ آدَمَ كَتَبَ الله عَلَيْكِ مَا كتَبَ
عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى الله أنْ
يَرْزُقَيكِهَا قالَتْ فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى
قَدِمْنَا مِنًى فَظَهَرَتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى
فأفَضْتُ بِالبَيْتِ قالَتْ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي
النَّفَرِ الآخرِ حَتَّى نَزلَ المُحَصَّبَ ونَزَلْنَا
مَعَهُ فدعَا عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبي بَكْرِ فَقَالَ
اخْرُج بأختِكَ منَ الحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ
افْرُغا ثُمَّ ائْتِيَا هاهُنَا فانِّي أنظُرُ كَمَا
حَتَّى تأتِيَانِي قالَتْ فخَرَجْنَا حَتَّى إذَا فَرَغْتُ
وفَرَغتُ مِنَ الطُّوافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ
هَلْ فَرَغْتُمْ فقُلْتُ نعَمْ فآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي
أصْحَابِهِ فارْتَحَلَ النَّاسِ فَمَرَّ مُتَوَجِّها إلَى
المَدِينَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أشهر الْحَج وليالي الْحَج وَحرم
الْحَج) .
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن بشار،
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين
الْمُعْجَمَة: الملقب ببندار، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي:
أَبُو بكر الْحَنَفِيّ واسْمه عبد الْكَبِير بن عبد
الْمجِيد. الثَّالِث: أَفْلح بن حميد، بِضَم الْحَاء: ابْن
نَافِع الْأنْصَارِيّ، مر فِي: بَاب هَل يدْخل الْجنب
يَده. الرَّابِع: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق. الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة
فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل
فِي موضِعين. وَفِيه: أَن الِاثْنَيْنِ الْأَوَّلين بصريان
والاثنين الآخرين مدنيان.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن أبي نعيم، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن
مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن هناد بن السّري.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَحرم الْحَج) ، بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَضم الرَّاء، ويروى بِضَم الْحَاء وَفتح
الرَّاء، فَالْمَعْنى على الأول: أزمنة الْحَج وأمكنته
وحالاته، وعَلى الثَّانِي: مُحرمَات الْحَج وممنوعاته
لِأَنَّهُ جمع حُرْمَة. فَإِن قلت: كَانَ مُقْتَضى
التَّرْكِيب أَن يُقَال: أشهر الْحَج ولياليه وَحرمه،
بالإضمار فِي الآخرين. قلت: بلَى، د وَلَكِن لما قصد بذلك
التَّعْظِيم لَهُ والتفخيم ذكر بِالظَّاهِرِ مَوضِع
الْمُضمر. قَوْله: (بسرف) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره فَاء. وَهُوَ غير منصرف للعلمية
والتأنيث لِأَنَّهُ إسم بقْعَة قريبَة من مَكَّة، وَأول
حُدُودهَا. قَوْله: (فَخرج) أَي: رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خرج من قُبَّته الَّتِي ضربت لَهُ إِلَى
أَصْحَابه. قَوْله: (فَلْيفْعَل) أَي: فَلْيفْعَل
الْعمرَة، وَهَذَا يدل على أَن الْأَمر بذلك لمن كَانُوا
مفردين بِالْحَجِّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمر بِالْفَسْخِ
لمن أفرد لَا لمن قرن، وَلَا لمن أهلَّ بِعُمْرَة،
فَأَمرهمْ بذلك ليتمتعوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج،
فَعلم من ذَلِك أَن الْأَمر بِالْفَسْخِ كَانَ بسرف،
وَإِنَّمَا أَرَادَت فسخ الْحَج فمنعت من ذَلِك، وَقَالَ
عِيَاض: وَالَّذِي تدل عَلَيْهِ النُّصُوص من أَحَادِيث
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا إِنَّمَا قَالَ لَهُم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد إحرامهم بِالْحَجِّ،
وَيحْتَمل أَنه كرر الْأَمر بذلك فِي الْمَوْضِعَيْنِ،
وَأَن الْعَزِيمَة كَانَت آخرا حِين أَمرهم بِالْفَسْخِ
إِلَى الْعمرَة. قَوْله: (فَلَا) أَي: فَلَا يفعل. قَوْله:
(فالآخذ بهَا) ، مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ و (التارك)
عطف عَلَيْهِ وَخَبره هُوَ قَوْله: (من أَصْحَابه) وَيجوز
أَن يكون مَرْفُوعا بِتَقْدِير
(9/193)
كَانَ التَّامَّة أَي: فَكَانَ الْآخِذ
بهَا والتارك لَهَا، وَالضَّمِير فِي: بهَا وَلها، يرجع
إِلَى الْعمرَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهره
التَّخْيِير، فَلذَلِك كَانَ مِنْهُم الْآخِذ والتارك،
لَكِن لما ظهر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزْم
حِين غَضَبه، قَالُوا: تحللنا وَسَمعنَا وأطعنا، وَكَانَ
ترددهم لأَنهم مَا كَانُوا يرَوْنَ الْعمرَة فِي أشهر
الْحَج جَائِزَة، وَأَنَّهَا من أفجر الْفُجُور، فَبين
لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز ذَلِك.
قَوْله: (وَأَنا أبْكِي) جملَة حَالية. قَوْله: (يَا
هنتاه) يَعْنِي: يَا هَذِه من غير أَن يُرَاد بِهِ مدح أَو
ذمّ، وأصل هَذَا مَأْخُوذ من: هن، على وزن: أَخ، وَهُوَ
كِنَايَة عَن شَيْء لَا تذكره باسمه، وَتقول فِي النداء:
يَا هن، للرجل وللمرأة يَا هنة، وَلَك أَن تذخل فيهمَا
الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة فَتَقول: يَا هنة وَيَا هنته،
وَإِذا أشبعت الْحَرَكَة تتولد الْألف فَتَقول حِينَئِذٍ:
يَا هَناه وَيَا هنتاه، وَلَا يستعملان إلاَّ فِي النداء
وَقَالَ السفاقسي: ضبط فِي رِوَايَة أبي ذَر بِإِسْكَان
النُّون، وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن بِفَتْحِهَا. وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: تضم الْهَاء الْآخِرَة وتسكن وَتقول فِي
التَّثْنِيَة للمذكر: هنان، وللجمع: هنون وللمؤنث هنتان
وهنات، وَقيل: معنى يَا هنتاه: يَا بلهاء، كَأَنَّهَا نسبت
إِلَى قلَّة الْمعرفَة بمكائد النَّاس وشرورهم. وَقَالَ
التَّيْمِيّ: الْألف وَالْهَاء فِي آخِره كالألف وَالْهَاء
فِي الندبة. قَوْله: (قلت لَا أُصَلِّي) كِنَايَة عَن
أَنَّهَا حَاضَت، وَفِيه رِعَايَة الْأَدَب وَحسن
المعاشرة. قَوْله: (فَلَا يضيرك) ، من الضير بالضاد
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
رَاء الضَّرَر وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة
(لَا يَضرك) بتَشْديد الرَّاء من الضَّرَر. قَوْله: (أَن
يرزقيكها) أَي: الْعمرَة. قَوْله: (فِي النَّفر الآخر) ،
وَهُوَ الْيَوْم الثَّالِث عشر من ذِي الْحجَّة، والنفر
الأول هُوَ الثَّانِي عشر مِنْهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
النَّفر، بِسُكُون الْفَاء وَفتحهَا. قَوْله: (حَتَّى نزل
المحصب) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وَفِي آخِره
بَاء مُوَحدَة: وَهُوَ مَكَان متسع بَين مَكَّة وَمنى،
وَسمي بِهِ لِاجْتِمَاع الْحَصْبَاء فِيهِ بِحمْل
السَّيْل، وَأَنه مَوضِع منهبط، وَهُوَ الأبطح والبطحاء،
وحدوه بِأَنَّهُ مَا بَين الجبلين إِلَى الْمَقَابِر
وَلَيْسَت الْمقْبرَة مِنْهُ، وَفِيه لُغَة أُخْرَى:
الحصاب، بِكَسْر الْحَاء. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من
حُدُود خيف بني كنَانَة، وَحده من الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى
منى. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: وَهُوَ الْخيف. قَالَ ياقوت:
وَهُوَ غير المحصب مَوضِع رمي الْجمار بمنى. قَوْله:
(فلتهل) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: من الإهلال،
وَهُوَ الْإِحْرَام. قَوْله: (ثمَّ أفرغا) أَمر لعبد
الرَّحْمَن وَعَائِشَة كليهمَا أَي: أفرغا من الْعمرَة،
وَهَذَا يدل على أَن عبد الرَّحْمَن أَيْضا اعْتَمر مَعَ
عَائِشَة. قَوْله: (هَهُنَا) أَي: المحصب. قَوْله:
(فَإِنِّي أنظركما) بِمَعْنى: انتظركما، وَفِي رِوَايَة
للكشميهني: (انتظركما) ، من الِانْتِظَار. قَوْله: (حَتَّى
تأتياني) وَفِي غَالب النّسخ، تأتيان، بنُون الْوِقَايَة
وَحذف الْيَاء الَّتِي للمتكلم والإكتفاء بالكسرة عَنْهَا.
قَوْله: (حَتَّى إِذا فرغت وفرغت) بالتكرار وصلَة الأول
محذوفة أَي: فرغت من الْعمرَة وفرغت من الطّواف، وَحذف
الأول للْعلم بِهِ، ويروى: (حَتَّى إِذا فرغت وَفرغ) ،
بِلَفْظ الْغَائِب أَي: حَتَّى إِذا فرغت أَنا من الْعمرَة
وَطواف الْوَدَاع وَفرغ عبد الرَّحْمَن أَيْضا. قَوْله:
(بِسحر) ، بِفَتْح الرَّاء بِدُونِ التَّنْوِين وبجرها
مَعَ التَّنْوِين، وَهُوَ عبارَة عَن قبيل الصُّبْح
الصَّادِق، فَإِذا أردْت بِهِ سحر ليلتك بِعَيْنِه لم
تصرفه لِأَنَّهُ معدول عَن السحر، وَهُوَ علم لَهُ، وَإِن
أردْت نكرَة صفة فَهُوَ منصرف، وَالْأولَى هُنَا هُوَ
الأول. قَوْله: (هَل فَرَغْتُمْ؟) خطاب لعبد الرَّحْمَن
ولعائشة وَمن مَعَهُمَا فِي ذَلِك الإعمار، وإلاَّ
فَالْقِيَاس أَن يُقَال: هَل فرغتما، أَو نقُول: إِن أقل
الْجمع اثْنَان. قَوْله: (فآذن بالرحيل) أَي: فَاعْلَم
النَّاس بالارتحال. قَوْله: (مُتَوَجها) أَي: حَال كَونه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَجها نَحْو الْمَدِينَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن من كَانَ بِمَكَّة
وَأَرَادَ الْعمرَة فميقاته لَهَا الْحل، وَإِنَّمَا وَجب
الْخُرُوج إِلَيْهِ ليجمع فِي نُسكه بَين الْحل وَالْحرم،
كَمَا يجمع الْحَاج بَينهمَا، فَإِن عَرَفَات من الْحل.
وَفِيه: النُّزُول بالمحصب، فَظَاهره أَن النُّزُول فِيهِ
سنة كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس، وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: كَانَ ابْن عمر يرَاهُ سنة، وَقَالَ نَافِع:
حصب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده،
أخرجه مُسلم، وَزعم ابْن حبيب أَن مَالِكًا كَانَ يَأْمر
بالتحصيب ويستحبه، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَقَالَ
عِيَاض: هُوَ مُسْتَحبّ عِنْد جَمِيع الْعلمَاء، وَهُوَ
عِنْد الْحِجَازِيِّينَ أوكد مِنْهُ عِنْد الْكُوفِيّين،
وَأَجْمعُوا أَنه لَيْسَ بِوَاجِب، وَأخرج مُسلم عَن
نَافِع (عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَبا بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
كَانُوا ينزلون بِالْأَبْطح) ، وأخرجت الْأَئِمَّة
السِّتَّة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: إِنَّمَا نزل رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمحصب ليَكُون أسمح
لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسنة، فَمن شَاءَ نزله وَمن شَاءَ
لم ينزله.
(9/194)
ضَيْرَ مِنْ ضارَ يَضِيرُ ضَيْرا ويُقَالُ ضار يَضُورُ
ضَوْرا وضَرَّ يَضُرُّ ضَرَّا
لما كَانَت رِوَايَتَانِ فِي قَوْله: (فَلَا يضيرك)
إِحْدَاهمَا: (فَلَا يضيرك) وَالْأُخْرَى: (فَلَا يَضرك)
أَشَارَ بقوله: (ضير) بالأجوف اليائي إِلَى أَن مصدر: لَا
يضيرك، ضير وَأَشَارَ إِلَى أَن فِيهِ لغتين إِحْدَاهمَا:
(ضار يضير) من: بَاب بَاعَ يَبِيع، وَالْأُخْرَى: ضار
يضور) من بَاب، قَالَ يَقُول، وَأَشَارَ إِلَى الرِّوَايَة
الثَّانِيَة بقوله: (وضر يضر ضرا) من: بَاب فعل يفعل،
بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي، وَضمّهَا فِي
الْمُسْتَقْبل، وضرا مصدره بِضَم الضَّاد، وَيَجِيء أَيْضا
مصدره ضَرَرا بِفتْحَتَيْنِ. وَفِي (الْمطَالع) : الضَّرَر
والضير والضر والضر والضرار كل ذَلِك بِمَعْنى قلت: وَفِي
الحَدِيث: (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) ، فعلى مَا ذكره يكون
هَذَا للتَّأْكِيد، وَفرق بَعضهم بَينهمَا فَقَالَ:
الضَّرَر وَمَا تضر بِهِ صَاحبك مِمَّا تنْتَفع أَنْت
بِهِ، والضرار أَن تضره من غير أَن تَنْفَع نَفسك، وَمَتى
قرن بالنفع لم يكن فِيهِ إلاَّ الضّر والضر لَا ضير. |