عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 701 - (بابُ فَتْلِ الْقَلاَئِدِ
لِلْبُدْنِ والْبَقَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فتل القلائد لأجل التَّعْلِيق
على الْبدن، وَهُوَ جمع قلادة. قَوْله: (وَالْبَقر) أَي:
وللبقر.
7961 - حدَّثنا مُسَددٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ
عُبَيْدِ الله قَالَ أَخْبرنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ
حَفْصَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قالَتْ قُلْتُ يَا
رسُولَ الله مَا شأنُ النَّاسَ حَلُّوا ولَمْ تَحْلِلْ
أنْتَ قَالَ إنِّي لبَّدْتُ رَأسِي وقَلَّدْتُ هَدْيِي
فَلاَ أُحِلُّ حَتَّى أحِلَّ مِنَ الْحَجِّ.
.
(10/38)
مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب التَّمَتُّع
والإقران فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن
مَالك عَن نَافِع، وَعَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن
نَافِع عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ. قيل: وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث ذكر الْبَقر،
فَلَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة. قلت: لفظ
الْهَدْي يتَنَاوَل الْإِبِل وَالْبَقر جَمِيعًا،
لِأَنَّهُ صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أهداهما جَمِيعًا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ دلّ
الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ ثمَّ أجَاب بِأَن التَّقْلِيد
لابد لَهُ من الفتل، وَتَبعهُ بَعضهم على ذَلِك، فَقَالَ:
مناسبته للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن التَّقْلِيد يسْتَلْزم
تقدم الفتل عَلَيْهِ. قلت: هَذَا غير مُسلم، لِأَن القلادة
أَعم من أَن تكون من شَيْء يفتل وَمن شَيْء لَا يفتل.
8961 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا
الليْثُ قَالَ حدَّثنا ابنُ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ وعنْ
عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَتْ كانَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ فأفْتِلُ
قَلاَئِدَ ثُمَّ لاَ يَجْتَنِبُ شَيْئا مِمَّا
يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وقتيبة
وَمُحَمّد بن رمح. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
قُتَيْبَة وَيزِيد بن خَالِد، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن
رمح كلهم عَن لَيْث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة وَعمرَة،
كِلَاهُمَا عَن عَائِشَة بِهِ.
قَوْله: (وَعَن عمْرَة) عطف على عُرْوَة، وَابْن شهَاب روى
هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة بن الزبير وَعَن عمْرَة بنت
عبد الرَّحْمَن جَمِيعًا، كِلَاهُمَا عَن عَائِشَة.
قَوْله: (ثمَّ لَا يجْتَنب) أَي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (مِمَّا يجتنبه الْمحرم) ، ويروى:
(مِمَّا يجْتَنب الْمحرم) مَعْنَاهُ أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يبْعَث بِالْهَدْي وَلَا يحرم،
فَلهَذَا لَا يجْتَنب عَن مَحْظُورَات الْإِحْرَام. وَقد
بوب مُسلم على هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: بَاب الْبَعْث
بِالْهَدْي وتقليده من غير أَن يحرم.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَفِيه: دَلِيل على اسْتِحْبَاب بعث
الْهَدْي إِلَى الْحرم وَأَن من لم يذهب إِلَيْهِ يسْتَحبّ
لَهُ بَعثه مَعَ غَيره وَفِيه: أَن من بعث هَدْيه لَا يصير
محرما وَلَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا يحرم على الْمحرم،
وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمذهب الْعلمَاء كَافَّة إلاَّ
رِوَايَة حكيت عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَطَاء
وَسَعِيد ابْن جُبَير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
وَحَكَاهُ الْخطابِيّ أَيْضا عَن أهل الرَّأْي أَنه إِذا
فعل ذَلِك لزمَه اجْتِنَاب مَا يجتنبه الْمحرم، وَلَا يصير
محرما من غير نِيَّة الْإِحْرَام، وَالصَّحِيح مَا قَالَه
الْجُمْهُور، ولهذه الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
801 - (بابُ إشعارِ الْبُدُنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِشْعَار الْبدن وَحكم
الْإِشْعَار قد علم مِمَّا تقدمه من الْأَبْوَاب،
وَإِنَّمَا ذكر هَذَا الْبَاب مَعَ أَن فِيهِ حديثين
أَحدهمَا مُعَلّق وَقد ذكرهمَا فِيمَا قبل لأجل اخْتِلَاف
سَنَده، ولبعض التَّفَاوُت فِي الْمُتُون، يظْهر لَك عِنْد
الْوُقُوف عَلَيْهِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ عنِ المِسْوَرِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
قَلَّدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدْيَ
وأشْعَرَهُ وأحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَأَشْعرهُ، وعلقه عَن
عُرْوَة بن الزبير عَن الْمسور بن مخرمَة، وَأخرجه
مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب من أشعر وقلده بِذِي
الحليفة.
9961 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا
أفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ عنِ الْقَاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ أشْعَرَها
وقلَّدَها أوْ قَلَّدْتُها ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى
الْبَيْتِ وأقامَ بِالمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عليْهِ شَيءٌ
كانَ لَهُ حِلٌّ..
قد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب من أشعر وقلد بِذِي
الحليفة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن
أَفْلح، وَهَهُنَا: عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن
أَفْلح إِلَى آخِره. قَوْله: (أَو قلدتها) شكّ من
الرَّاوِي. وَفِيه جَوَاز الإستنابة فِي التَّقْلِيد.
قَوْله: (وَأقَام بِالْمَدِينَةِ)
(10/39)
يَعْنِي حَلَالا فَمَا حرم عَلَيْهِ شَيْء
من مَحْظُورَات الْإِحْرَام. قَوْله: (كَانَ لَهُ حل) أَي:
حَلَال، وَهَذِه الْجُمْلَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا
صفة لقَوْله شَيْء، وَهُوَ مَرْفُوع بقول: (فَمَا حرم)
بِضَم الرَّاء.
901 - (بابُ منْ قَلَّدَ الْقَلاَئِدَ بِيَدِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قلد القلائد على الْهَدْي
بِيَدِهِ بِدُونِ استنابة لغيره بذلك.
0071 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ
عَن عبْدِ الله بنِ أبي بَكْرِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْم عنْ
عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّها أخْبَرَتْهُ
أنَّ زِيادَ بنَ أبي سُفْيانَ كتَبَ إِلَى عائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهاأنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ مَنْ أهْدَى هَدْيا حَرُمَ
عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ
هَدْيُهُ قالَتْ عَمْرَةُ فقالَتْ عائِشةُ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا لَيْسَ كَما قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ إِنَّا
فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِيَدَيْهِ ثُمَّ بعَثَ بِهَا معَ أبي
فَلَمْ يَحْرُمْ عَلى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَيءٌ أحَلَّهُ الله حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ قلدها رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيدَيْهِ) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا،
وَعبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم قد مر فِي: بَاب
الْوضُوء مرَّتَيْنِ، وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، سقط عَمْرو، وَعمرَة هِيَ خَالَة
عبد الله الرَّاوِي عَنْهَا، وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم
مدنيون إلاَّ شيخ البُخَارِيّ، وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف دَال
مُهْملَة: ابْن أبي سُفْيَان أَبُو الْمُغيرَة، وَهُوَ
الَّذِي ادَّعَاهُ مُعَاوِيَة أَخا لَهُ لِأَبِيهِ فألحقه
بنسبه، وَقيل لَهُ: زِيَاد بن أَبِيه.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوكَالَة عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَج
عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن
مَالك بِالْحَدِيثِ دون الْقِصَّة.
قَوْله: (إِن زِيَاد بن أبي سُفْيَان) ، كَذَا وَقع فِي
(الْمُوَطَّأ) وَكَانَ شيخ مَالك حدث بِهِ كَذَلِك فِي زمن
بني أُميَّة. وَأما بعدهمْ فَمَا كَانَ يُقَال لَهُ إلاَّ
زِيَاد بن أَبِيه. وَقيل: استلحاق مُعَاوِيَة لَهُ
لِأَنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ: زِيَاد بن عبيد، وَكَانَت
أمه سميَّة مولاة الْحَارِث بن كلدة الثَّقَفِيّ تَحت عبيد
الْمَذْكُور، فَولدت زيادا على فرَاشه، فَكَانَ ينْسب
إِلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة شهد
جمَاعَة على إِقْرَار أبي سُفْيَان بِأَن زيادا وَلَده،
فاستلحقه مُعَاوِيَة لذَلِك وزوى ابْنه ابْنَته، وَأمر
زيادا على العراقين: الْبَصْرَة والكوفة، جَمعهمَا لَهُ،
وَمَات فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَخمسين، وَوَقع
عِنْد مُسلم عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك: أَن ابْن زِيَاد،
بدل قَوْله: إِن زِيَاد بن أبي سُفْيَان، قَالُوا: إِنَّه
وهم نبه عَلَيْهِ الغساني وَمن تبعه مِمَّن يتَكَلَّم على
صَحِيح مُسلم وَالصَّوَاب مَا وَقع فِي البُخَارِيّ
لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُود عِنْد جَمِيع رُوَاة
الْمُوَطَّأ وَكَذَا وَقع فِي سنَن أبي دَاوُد وغيرهامن
الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَلِأَن ابْن زِيَاد لم يدْرك
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (من
أهْدى) أَي: من بعث الْهَدْي إِلَى مَكَّة. قَوْله: (على
الْحَاج) ويروى: (من الْحَاج) . قَوْله: (حَتَّى ينْحَر
هَدْيه) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (قَالَت عمْرَة)
أَي: عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُورَة فِي
السَّنَد، وَإِنَّمَا قَالَت بالسند الْمَذْكُور. قَوْله:
(ثمَّ بعث بهَا) أَي: ثمَّ بعث رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْهَدْي، وَإِنَّمَا أنث الضَّمِير
بِاعْتِبَار الْبَدنَة لِأَن هَدْيه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الَّذِي بعث بِهِ كَانَ بَدَنَة. قَوْله: (مَعَ أبي)
، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة:
وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَكَانَ بَعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهديه مَعَ أبي بكر
سنة تسع عَام حج أَبُو بكر بِالنَّاسِ. قَوْله: (حَتَّى
نحر الْهَدْي) أَي حَتَّى نحر أَبُو بكر الْهَدْي، ويروي:
(حَتَّى نحر) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: عدم الْحُرْمَة لَيْسَ مغيا
إِلَى النَّحْر إِذْ هُوَ بَاقٍ بعده، فَلَا مُخَالفَة
بَين حكم مَا بعد الْغَايَة وَمَا قبلهَا؟ قلت: هُوَ
غَايَة النَّحْر لَا لما يحرم أَي: الْحُرْمَة المنتهية
أَي: النَّحْر لم يكن، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رد لكَلَام ابْن
عَبَّاس، وَهُوَ كَانَ مثبتا للْحُرْمَة إِلَى النَّحْر
انْتهى. وَوَقعت زِيَادَة فِي رِوَايَة مُسلم هُنَا عَن
يحيى بن يحيى بعد قَوْله: (حَتَّى ينْحَر الْهَدْي) ،
وَهِي: وَقد بعث بهديي فأكتبي إِلَيّ بِأَمْرك، وَوَقعت
فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ زِيَادَة أُخْرَى، وَهِي بعد
قَوْله: (فاكتبي إليَّ بِأَمْرك أَو مري صَاحب الْهَدْي) ،
أَي: الَّذِي مَعَه الْهَدْي، يَعْنِي: مري بِمَا يصنع،
وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من ثَمَانِيَة
(10/40)
عشر طَرِيقا كلهَا فِي بَيَان حجَّة من
قَالَ: لَا يجب على من بعث بِهَدي أَن يتجرد عَن ثِيَابه
وَلَا يتْرك شَيْء مِمَّا يتْركهُ الْمحرم إلاَّ
بِدُخُولِهِ فِي الْإِحْرَام، إِمَّا بِحَجّ وَإِمَّا
بِعُمْرَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي: بَاب من
أشعر وقلد بِذِي الحليفة، وَقد ذكرنَا أَنهم ردوا قَول
ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَا ذهب
إِلَيْهِ من قَوْله: (إِن من بعث بهديه إِلَى مَكَّة
وَأقَام هُوَ، فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يجْتَنب مَا يجتنبه
الْمحرم حَتَّى ينْحَر هَدْيه) . وَقَالَ ابْن التِّين:
خَالف ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي هَذَا
جَمِيع الْفُقَهَاء، واحتجت عَائِشَة بِفعل رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا روته فِي ذَلِك يجب أَن
يُصَار إِلَيْهِ، وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، رَجَعَ عَنهُ. انْتهى قلت: ابْن عَبَّاس
لم ينْفَرد بذلك، بل ثَبت ذَلِك عَن جمَاعَة من
الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. مِنْهُم: ابْن
عمر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن علية عَن أَيُّوب
وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن
عمر، كَانَ إِذا بعث بِالْهَدْي يمسك عَمَّا يمسك عَنهُ
الْمحرم إلاَّ أَنه لَا يُلَبِّي. وَمِنْهُم: قيس بن سعد
بن عبَادَة، أخرج سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق سعيد بن
الْمسيب عَنهُ نَحْو ذَلِك. وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق
مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن عمر، وَعلي رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرجل
يُرْسل ببدنته: إِنَّه يمسك عَمَّا يمسك عَنهُ الْمحرم،
وَهَذَا مُنْقَطع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا
وَجه رد عَائِشَة على ابْن عَبَّاس؟ قلت: حَاصله أَن ابْن
عَبَّاس قَالَ ذَلِك قِيَاسا للتوكيل فِي أَمر الْهَدْي
على الْمُبَاشرَة لَهُ، فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: لَا
اعْتِبَار للْقِيَاس فِي مُقَابلَة السّنة الظَّاهِرَة.
انْتهى. قلت: لَا نسلم أَن ابْن عَبَّاس قَالَ ذَلِك،
قِيَاسا، بل الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا قَالَه لقِيَام
دَلِيل من السّنة عِنْده، وَلم يقل ابْن عَبَّاس هَذَا
وَحده، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، ألاَ يرى أَن جمَاعَة من
التَّابِعين وهم: الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن
الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَمُجاهد وَعَطَاء بن
أبي رَبَاح وَسَعِيد بن جُبَير وافقوا ابْن عَبَّاس فِيمَا
ذهب إِلَيْهِ من ذَلِك؟ وَاحْتج لَهُم الطَّحَاوِيّ فِي
ذَلِك من حَدِيث جَابر بن عبد الله، قَالَ: كنت عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فقد قَمِيصه
حَتَّى أخرجه من رجلَيْهِ، فَنظر الْقَوْم إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي أمرت ببدني
الَّتِي بعثت بهَا أَن تقلد الْيَوْم وتشعر على مَكَان
كَذَا وَكَذَا، فَلبِست قَمِيصِي ونسيت، فَلم أكن لأخرج
قَمِيصِي من رَأْسِي، وَكَانَ بعث ببدنة وَأقَام
بِالْمَدِينَةِ، وَإِسْنَاده حسن، وَأخرجه أَبُو عمر
أَيْضا.
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد: تنَاول الْكَبِير
الشَّيْء بِنَفسِهِ، وَإِن كَانَ لَهُ من يَكْفِيهِ إِذا
كَانَ مِمَّا يهتم بِهِ، وَلَا سِيمَا مَا كَانَ من
إِقَامَة الشَّرَائِع وَأُمُور الدّيانَة. وَفِيه: رد بعض
الْعلمَاء على بعض. وَفِيه: رد الِاجْتِهَاد بِالنَّصِّ.
وَفِيه: أَن الأَصْل فِي أَفعَال النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم التأسي حَتَّى تثبت الخصوصية.
011 - (بابُ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَقْلِيد الْغنم.
1071 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ
إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ أهْدَي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَرَّةً غنَما..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من لَوَازِم الْهَدْي
التَّقْلِيد شرعا، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَالْأسود ابْن يزِيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَأبي
بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ
عَن هناد عَن وَكِيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد
وَعَن ابْن بشار وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود. وَأخرجه
ابْن مَاجَه فِيهِ عَن ابْن أبي شيبَة وَعَن عَليّ بن
مُحَمَّد. وَاحْتج الشَّافِعِي بِهَذَا الحَدِيث على أَن
الْغنم تقلد، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر
وَابْن حبيب، وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا تقلد
لِأَنَّهَا تضعف عَن التَّقْلِيد. وَقَالَ أَبُو عمر:
احْتج من لم يره بِأَن الشَّارِع إِنَّمَا حج حجَّة
وَاحِدَة لم يهد فِيهَا غنما، وأنكروا حَدِيث الْأسود
الَّذِي فِي البُخَارِيّ فِي تَقْلِيد الْغنم، قَالُوا
هُوَ حَدِيث لَا يعرفهُ أهل بَيت عَائِشَة. وَقَالَ
بَعضهم: مَا أَدْرِي مَا وَجه الْحجَّة مِنْهُ، لِأَن
حَدِيث الْبَاب دلّ على أَنه أرسلها وَأقَام، فَكَانَ
ذَلِك قبل حجَّته قطعا، فَلَا تعَارض بَين الْفِعْل
وَالتّرْك، لِأَن مُجَرّد التّرْك لَا يدل على نسخ
الْجَوَاز، ثمَّ من الَّذِي صرح بِهِ من الصَّحَابَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِأَنَّهُ لم يكن فِي هداياه
فِي حجَّته غنم حَتَّى يسوغ الِاحْتِجَاج بذلك؟ انْتهى
قلت: الْهَدْي الَّذِي أرسل بِهِ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من الْغنم
(10/41)
لَيْسَ هدي الْإِحْرَام، وَلِهَذَا أَقَامَ
حَلَالا بعد إرْسَاله، وَلم ينْقل أَنه أهْدى غنما فِي
إِحْرَامه. وَقَوله: فَلَا تعَارض بَين الْفِعْل وَالتّرْك
كَلَام واهٍ، لِأَن من ادّعى التَّعَارُض بَينهمَا
والتعارض تقَابل الحجتين، وَهَهُنَا الْفِعْل لم يُوجد،
فَكيف يتَصَوَّر التَّعَارُض حَتَّى يحْتَاج إِلَى دَفعه.
وَقَوله: ثمَّ من الَّذِي صرح من الصَّحَابَة ... إِلَى
آخِره، يرد بِأَن يُقَال من الَّذِي صرح مِنْهُم بِأَنَّهُ
كَانَ فِي هداياه فِي حجَّته غنم. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل
أَيْضا: وَالْحَنَفِيَّة فِي الأَصْل يَقُولُونَ لَيست
الْغنم من الْهَدْي، فَالْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم. قلت:
هَذَا افتراء على الْحَنَفِيَّة، فَفِي أَي مَوضِع قَالَت
الْحَنَفِيَّة: إِن الْغنم لَيست من الْهَدْي؟ بل كتبهمْ
مشحونه بِأَن الْهَدْي اسْم لما يهدى من الْغنم إِلَى
الْحرم ليتقرب بِهِ. قَالُوا: وَأَدْنَاهُ شَاة، لقَوْل
ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: مَا
اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة، وَعَن هَذَا قَالُوا:
الْهَدْي إبل وبقر وغنم، ذكورها وإناثها، حَتَّى قَالُوا
هَذَا بِالْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا مَذْهَبهم أَن
التَّقْلِيد فِي الْبَدنَة وَالْغنم لَيست من الْبَدنَة
فَلَا تقلد لعدم التعارف بتقليدها، إِذْ لَو كَانَ تقليدها
سنة لما تركوها، وَقَالُوا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: تفرد
بِهِ الْأسود وَلم يذكرهُ غَيره على مَا ذكرنَا، وَادّعى
صَاحب الْمَبْسُوط أَنه أثر شَاذ. فَإِن قلت: كَيفَ
يُقَال: تركوها؟ وَقد ذكر ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه)
أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ:
لقد رَأَيْت الْغنم يُؤْتى بهَا مقلدة؟ وَعَن أبي جَعْفَر:
رَأَيْت الكباش مقلدة، وَعَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر:
أَن الشَّاة كَانَت تقلد، وَعَن عَطاء: رَأَيْت أُنَاسًا
من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يسوقون
الْغنم مقلدة؟ قلت: لَيْسَ فِي ذَلِك كُله أَن التَّقْلِيد
كَانَ فِي الْغنم الَّتِي سيقت فِي الْإِحْرَام، وَأَن
أَصْحَابهَا كَانُوا محرمين، على أنَّا نقُول: إِنَّهُم
مَا منعُوا الْجَوَاز، وَإِنَّمَا قَالُوا بِأَن
التَّقْلِيد فِي الْغنم لَيْسَ بِسنة.
2071 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ
الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا قالَتْ كُنْتُ أفْتِلُ الْقَلائِدَ
لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَلِّدُ
الْغَنَمَ ويُقِيمُ فِي أهْلِهِ حَلاَلاً..
هَذَا طَرِيق آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي
النُّعْمَان، بِضَم النُّون، وَهُوَ مُحَمَّد بن الْفضل
السدُوسِي عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَإِنَّمَا أرْدف
الطَّرِيق السَّابِق بِهَذَا الطَّرِيق لِأَن فِيهِ
تَصْرِيح الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عَن إِبْرَاهِيم.
وَفِي هَذَا الطَّرِيق أَيْضا زِيَادَة، وَهُوَ
التَّقْلِيد، وَذكر إِقَامَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
أَهله حَلَالا، وللحنفية أَن يحتجوا بِالزِّيَادَةِ
الثَّانِيَة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من أَن تَقْلِيد
الْغنم إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ فِي الأحرام.
3071 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ
قَالَ حدَّثنا منْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ قَالَ (ح)
وحدَّثنا محَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ عنْ
مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كنْتُ أفْتِلُ
قَلائِدَ الْغَنَمُ لِلنَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فيَبْعَثُ بِهَا ثُمَّ يَمْكُثُ حَلاَلاً..
هَذَانِ طَرِيقَانِ آخرَانِ: أَحدهمَا: عَن أبي
النُّعْمَان الْمَذْكُور عَن حَمَّاد بن زيد عَن مَنْصُور
بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن
عَائِشَة، وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار عَن عبد الرَّحْمَن بن
مهْدي عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن
الْأسود عَن عَائِشَة، قَالَت: كنت أفتل قلائد هدي
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهَا غنما، ثمَّ لَا
يحرم. وَقَالَ بَعضهم: أرْدف رِوَايَة عبد الْوَاحِد
بِرِوَايَة مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم استظهارا لرِوَايَة
عبد الْوَاحِد، لما فِي حفظ عبد الْوَاحِد عِنْدهم، وَأَن
كَانَ هُوَ عِنْده حجَّة.
4071 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ
عَنْ عَامِرٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ فتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم تَعْنِي الْقَلائِدَ قَبْلَ أنْ
يُحْرِمَ..
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور عَن أبي
نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة
عَن عَامر الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَنْهَا.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الضَّحَايَا عَن أَحْمد بن
مُحَمَّد عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن إِسْمَاعِيل عَن
(10/42)
الشّعبِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج
أَيْضا عَن سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن إِسْمَاعِيل
بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن
زَكَرِيَّا بِهِ، وَعَن أبي مُوسَى عَن عبد الْوَهَّاب
الثَّقَفِيّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى
عَن إِسْمَاعِيل بِهِ. فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث لَا يدل
ظَاهرا على كَون القلائد للغنم، فَلَا يُطَابق
التَّرْجَمَة؟ قلت: لفظ الْهَدْي يتَنَاوَل الْغنم أَيْضا
لِأَنَّهُ فَرد من أَفْرَاد مَا يهدى إِلَى الْحرم،
وَأَيْضًا إرداف هَذَا الحَدِيث بِالْحَدِيثين السَّابِقين
يدل على أَنه مثلهمَا فِي حكم تَقْلِيد الْغنم.
111 - (بابُ الْقَلائِدِ مِنَ الْعِهْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم القلائد من العهن، بِكَسْر
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء وَفِي آخِره نون:
وَهُوَ الصُّوف الْمَصْبُوغ ألوانا. وَيُقَال: كل صوف عهن،
والقطعة مِنْهُ عهنة، وَالْجمع عهون، ذكره فِي (الموعب)
وَفِي (الْمُحكم) : الْمَصْبُوغ أَي لون كَانَ، وَقَالَ
ابْن قرقول: هُوَ الْأَحْمَر من الصُّوف.
5071 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا مُعاذُ
بنُ مُعَاذٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ عنِ الْقَاسِمِ عنْ
أمِّ المُؤمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ
فَتَلْتُ قَلائِدَه مِنْ عِهْنٍ كانَ عِنْدِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن عَليّ بن كثير
أَبُو حَفْص الصَّيْرَفِي الْبَصْرِيّ، ومعاذ بن معَاذ،
بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وبالذال
الْمُعْجَمَة فِي اللَّفْظَيْنِ: ابْن نصر بن حسان
الْعَنْبَري التَّمِيمِي قَاضِي الْبَصْرَة، مَاتَ سنة
سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة، وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون
أرطبان مر فِي كتاب الْعلم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى
بأتم من البُخَارِيّ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
مُسَدّد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن
مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي.
قَوْله: (عَن أم الْمُؤمنِينَ) ، هِيَ عَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، بَينه أَبُو نعيم فِي
(الْمُسْتَخْرج) عَن يحيى بن حَكِيم عَن معَاذ، وَكَذَا
فِي كتاب الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عون.
قَوْله: (فتلت قلائدها) ، أَي: الْبدن أَو الْهَدَايَا.
وَفِي رِوَايَة يحيى الْمَذْكُورَة: (أَنا فتلت تِلْكَ
القلائد) ، وَرَوَاهُ مُسلم من وَجه آخر عَن ابْن عون
مثله، وَزَاد: فَأصْبح فِينَا حَلَالا يَأْتِي مَا يَأْتِي
الْحَلَال من أَهله.
وَفِيه: رد على من كره القلائد من الأوبار وَاخْتَارَ أَن
يكون من نَبَات الأَرْض. وَهُوَ مَنْقُول عَن ربيعَة
وَمَالك. وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّه أَرَادَ الأولى
مَعَ القَوْل بِجَوَاز كَونهَا من الصُّوف.
211 - (بابُ تَقْلِيدِ النَّعْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تَقْلِيد الْهَدْي بالنعل،
وَهُوَ الْحذاء، مؤنثه وتصغيرها نعيلة، تَقول: نعلت
وانتعلت إِذا احتذيت، وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْجِنْس
يتَنَاوَل الْوَاحِدَة وَمَا فَوْقهَا، وَفِي حكمهَا خلاف،
فَعِنْدَ الثَّوْريّ: الشَّرْط نَعْلَانِ فِي التَّقْلِيد،
وَعند غَيره: تجوز الْوَاحِدَة. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا
يتَعَيَّن النَّعْل فِي التَّقْلِيد، بل كل مَا قَامَ
مقَامهَا يجزىء، حَتَّى أذن الْإِدَاوَة والقطعة من
المزادة. وَالْحكمَة فِيهِ أَنه إِشَارَة إِلَى السّفر
وَالْجد فِيهِ. وَقيل: الْحِكْمَة فِيهِ أَن الْعَرَب
تَعْتَد النَّعْل مركوبة لكَونهَا تَقِيّ عَن صَاحبهَا،
وَتحمل عَنهُ وعر الطَّرِيق. فَكَانَ الَّذِي أهْدى وقلده
بالنعل خرج عَن مركوبه لله تَعَالَى حَيَوَانا، وَغَيره
فبالنظر إِلَى هَذَا يسْتَحبّ النَّعْلَانِ فِي
التَّقْلِيد.
6071 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرَنا عَبْدُ الأعْلَى
بنُ عَبْدِ الأعْلَى عنْ مَعْمَرٍ عنْ يَحْيَى بنِ أبي
كَثيرٍ عَن عِكْرَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أنَّ نبيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رَأى رجُلاً يَسُوقُ بَدَنةً قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ
إنَّهَا بَدَنَةً قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ فَلَقَدْ
رَأيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم والنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا.
(10/43)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (والنعل
فِي عُنُقهَا) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد كَذَا وَقع غير
مَنْسُوب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة
أبي ذَر مُحَمَّد هُوَ ابْن سَلام، وَكَذَا وَقع لِابْنِ
السكن، وَقَالَ الجياني: لَعَلَّه مُحَمَّد بن الْمثنى
لِأَنَّهُ قَالَ بعد هَذَا فِي: بَاب الذّبْح قبل الْحلق:
حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عبد الْأَعْلَى
يُؤَيّدهُ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم فِي
(مستخرجيهما) من طَرِيق الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عبد الْأَعْلَى فذكرا حَدِيث
النَّعْل. الثَّانِي: عبد الْأَعْلَى ابْن عبد الْأَعْلَى
ابْن مُحَمَّد السَّامِي، بِالسِّين الْمُهْملَة: من بني
سامة بن لؤَي. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن
رَاشد. الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير، وَاسم أبي كثير:
صَالح بن المتَوَكل، وَقيل غير ذَلِك. الْخَامِس:
عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَأما عِكْرِمَة بن عمار
فَهُوَ تلميذ يحيى بن أبي كثير لَا شَيْخه. السَّادِس:
أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك. وَفِيه:
العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه إِن
كَانَ مُحَمَّد بن سَلام فَهُوَ البيكندي البُخَارِيّ،
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن الْمثنى
فَهُوَ الْبَصْرِيّ وَكَذَلِكَ عبد الْأَعْلَى وَمعمر
بصريان وَيحيى بن أبي كثير يمامي وَعِكْرِمَة مدنِي.
وَفِيه: ثَلَاثَة مذكورون بِغَيْر نِسْبَة. وَفِيه: من
هُوَ اسْمه وَاسم أَبِيه وَاحِد. وَفِيه: رِوَايَة
تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ. وَقيل: يحيى رأى أنسا يُصَلِّي
وَلم يرو عَنهُ شَيْئا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يَسُوق بَدَنَة) ، جملَة حَالية.
قَوْله: (قَالَ) أَي: أَبُو هُرَيْرَة. قَوْله: (فَلَقَد
رَأَيْته) أَي: الرجل الْمَذْكُور. قَوْله: (راكبها) نصب
على الْحَال لِأَن إِضَافَته لفظية، فَهُوَ نكرَة وَيجوز
أَن يكون بَدَلا من ضمير الْمَفْعُول فِي: رَأَيْته، وَقد
مر الْبَحْث فِيهِ فِي: بَاب ركُوب الْبدن، فَإِنَّهُ أخرج
هُنَاكَ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق مَالك عَن أبي
الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ
ظَاهر الْعبارَة أَن مُحَمَّد بن بشار تَابع مُحَمَّد بن
الْمثنى، وَقَالَ بَعضهم: المتابَع بِالْفَتْح هُوَ معمر،
والمتابِع بِالْكَسْرِ هُوَ مُحَمَّد بن بشار ظَاهرا،
وَلكنه فِي التَّحْقِيق هُوَ عَليّ بن الْمُبَارك، ثمَّ
قَالَ: إِنَّمَا احْتَاجَ معمر عِنْده إِلَى الْمُتَابَعَة
لِأَن فِي رِوَايَة الْبَصرِيين عَنهُ مقَالا لكَونه
حَدثهمْ بِالْبَصْرَةِ من حفظَة، وَهَذَا من رِوَايَة
الْبَصرِيين. انْتهى. قلت: الَّذِي يَقْتَضِيهِ حق
التَّرْكِيب يرد مَا قَالَه على مَا لَا يخفى، وَالَّذِي
حمله على هَذَا ذكر عَليّ بن الْمُبَارك فِي السَّنَد
الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا، وَهَذَا فِي غَايَة الْبعد
على مَا لَا يخفى. غَايَة مَا فِي الْبَاب: أَن السَّنَد
الَّذِي فِيهِ عَليّ بن الْمُبَارك يظْهر أَنه تَابع معمرا
فِي رِوَايَته فِي نفس الْأَمر لَا فِي الظَّاهِر، لِأَن
التَّرْكِيب لَا يساعد مَا قَالَه أصلا. فَافْهَم.
حدَّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ قَالَ أخبرَنا عَلِيُّ بنُ
الْمُبارَكِ عنْ يَحْيى عنْ عِكْرِمةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَشَارَ بِهَذَا الطَّرِيق إِلَى أَن مُتَابعَة عَليّ بن
الْمُبَارك معمرا لما ذكرنَا. وَفِي بعض النّسخ، قَالَ:
حَدثنَا أَي: قَالَ البُخَارِيّ. ويروى: أخبرنَا عُثْمَان
عَن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ. قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن
الْمُبَارك الْهنائِي الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن أبي كثير
عَن عِكْرِمَة عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق وَكِيع عَن عَليّ بن
الْمُبَارك بمتابعة عُثْمَان بن عمر، وَقَالَ: إِن
حُسَيْنًا الْمعلم رَوَاهُ عَن يحيى بن أبي كثير أَيْضا.
311 - (بابُ الْجِلاَلِ لِلْبُدْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْجلَال الْمعدة للبدن،
وَهُوَ بِكَسْر الْجِيم جمع: جلّ، بِضَم الْجِيم. وَهُوَ
الَّذِي يطْرَح على ظهر الْحَيَوَان من الْإِبِل وَالْفرس
وَالْحمار والبغل، وَهَذَا من حَيْثُ الْعرف، وَلَكِن
الْعلمَاء قَالُوا: إِن التجليل مُخْتَصّ بِالْإِبِلِ من
كسَاء وَنَحْوهَا.
وكانَ ابنُ عُمعرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لاَ
يَشُقُّ مِنَ الجِلاَلِ إلاَّ مَوْضِعَ السَّنامِ وإذَا
نَحَرَهَا نزَعَ جِلاَلَهَا مَخَافَةَ أنْ يُفْسِدَها
الدَّمُ ثُمَّ يتَصَدَّقُ بِهَا
(10/44)
هَذَا التَّعْلِيق وصل بعضه مَالك فِي
(الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع أَن عبد الله بن عمر كَانَ
يُجَلل بدنه الْقبَاطِي والجلل، ثمَّ يبْعَث بهَا إِلَى
الْكَعْبَة فيكسوها إِيَّاهَا. وَعَن مَالك أَنه سَأَلَ
عبد الله بن دِينَار: مَا كَانَ ابْن عمر يصنع بِجلَال
بدنه حِين كُسِيت الْكَعْبَة هَذِه الْكسْوَة؟ قَالَ:
كَانَ يتَصَدَّق بهَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ، بعد أَن
أخرجه من طَرِيق يحيى بن بكير عَن مَالك: زَاد فِيهِ غير
يحيى عَن مَالك: إلاَّ مَوضِع السنام ... إِلَى آخر
الْأَثر الْمَذْكُور. قَالَ الْمُهلب: لَيْسَ التَّصَدُّق
بِجلَال الْبدن فرضا، وَإِنَّمَا صنع ذَلِك ابْن عمر
لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يرجع فِي شَيْء أهل بِهِ لله. وَلَا
فِي شَيْء أضيف إِلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ أَصْحَابنَا:
وَيتَصَدَّق بِجلَال الْهَدْي وزمامه لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَمر عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
بذلك، كَمَا يَجِيء الْآن. وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْأَمر
أَمر اسْتِحْبَاب. وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ مَالك وَأَبُو
حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يرَوْنَ تجليل الْبدن. ثمَّ إعلم
أَن فَائِدَة شقّ الجل من مَوضِع السنام ليظْهر
الْإِشْعَار وَلَا يستر تحتهَا.
7071 - حدَّثنا قَبِيصةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عَن ابنِ
أبي نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي
لَيْلَى عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
أمَرني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ أتَصَدَّقَ
بِجِلالِ البُدْنِ الَّتي نَحَرْتُ وبِجُلُودِهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقبيصَة، بِفَتْح
الْقَاف: ابْن عقبَة بن عَامر السوَائِي العامري
الْكُوفِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَابْن أبي نجيح،
بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم: واسْمه عبد الله بن يسَار
الْمَكِّيّ، وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي
ليلى وَاسم أبي ليلى: يسَار بن بِلَال، لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الْوكَالَة عَن قبيصَة،
وَأخرجه أَيْضا فِي الْحَج عَن أبي نعيم، وَعَن مُسَدّد
وَعَن مُحَمَّد بن كثير. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن
ابْن أبي شيبَة، وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وَزُهَيْر
بن حَرْب وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم عَن معَاذ بن هِشَام وَعَن مُحَمَّد ابْن
حَاتِم وَمُحَمّد بن مَرْزُوق وَعبد بن حميد. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَعَن عَمْرو بن يزِيد وَعَن عَمْرو بن عَليّ
وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَعَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن مُحَمَّد بن
آدم، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح
وَفِي الْأَضَاحِي عَن مُحَمَّد بن معمر. وَقَالَ
البُخَارِيّ فِي: بَاب لَا يعْطى الجزار من الْهَدْي
شَيْئا، فَأمرنِي فقسمت لحمومها، ثمَّ أَمرنِي فقسمت
جلالها وجلودها، وَلَا أعْطى عَلَيْهَا شَيْئا فِي
جزارتها، وَفِي لفظ: وَكَانَت مائَة بَدَنَة، والجزارة،
بِكَسْر الْجِيم: اسْم الْفِعْل، وبالضم السواقط الَّتِي
يَأْخُذهَا الجازر، قَالَه ابْن التِّين، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: الجزارة بِالضَّمِّ كالعمالة، مَا يَأْخُذهُ
الجزار من الذَّبِيحَة من أجرته، وَأَصلهَا أَطْرَاف
الْبَعِير: الرَّأْس وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ سميت بذلك
لِأَن الجزار كَانَ يَأْخُذهَا عَن أجرته، وَقَالَ ابْن
الْجَوْزِيّ: قَالَ قوم: هِيَ كالخياطة، يُرِيد بهَا عمله
فِيهَا.
411 - (بابُ منِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ
وقَلَّدَهُ)
ذكر هَذَا الْبَاب قبل ثَمَانِيَة أَبْوَاب بقوله: بَاب من
اشْترى الْهَدْي من الطَّرِيق، وَزَاد فِي هَذِه
التَّرْجَمَة قَوْله: وقلده. قَوْله: (هَدْيه) ، بِسُكُون
الدَّال وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَيجوز بِكَسْر
الدَّال وَتَشْديد الْيَاء، وَفِي بعض النّسخ: وقلدها،
بتأنيث الضَّمِير، إِمَّا بِاعْتِبَار أَن الْهَدْي اسْم
الْجِنْس، أَو بِاعْتِبَار مَا صدق عَلَيْهِ الْهَدْي
وَهُوَ الْبَدنَة، ويروى: ببدنة، بِالتَّاءِ الفارقة بَين
اسْم الْجِنْس وواحده.
8071 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا
أبُو ضَمْرَةَ قَالَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ
نَافِعٍ قَالَ أرَادَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا الْحَجَّ عامَ حَجَّةِ الحَرُورِيَّةِ فِي
عَهْدِ ابنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
فَقِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ كائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ
ونَخافُ أنْ يَصُدُّوكَ فَقَالَ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ الله إسْوَةٌ حسَنَةٌ إِذا أصْنَعَ كَما صنَعَ
أُشْهِدُكُمْ أنِّي أوْجَبْتُ عُمْرَةً حَتَّى كانَ
بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ مَا شَأنُ الْحَجِّ
والْعُمْرَةِ إلاَّ واحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أنِّي جمعْتُ
حجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ وأهْدَى هَدْيا مُقَلَّدا اشْتَرَاهُ
حَتَّى قَدِمَ
(10/45)
فطَافَ بِالْبَيْتِ وبِالصَّفَا ولَمْ
يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ولَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ
مِنْهُ حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ فحَلَقَ ونَحَرَ ورَأى أنْ
قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الْحَجَّ والْعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ
الأوَّلِ ثُمَّ قَالَ كذَلِكَ صَنَعَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأهْدى هَديا مُقَلدًا
اشْتَرَاهُ) ، وَكَانَ الشِّرَاء من قديد، كَمَا صرح بِهِ
فِي الحَدِيث الْمَاضِي الْمَذْكُور فِي: بَاب من اشْترى
الْهَدْي من الطَّرِيق، وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث فِي
الْبَاب الْمَذْكُور: عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَن
أَيُّوب عَن نَافِع، قَالَ: قَالَ عبد الله بن عبد الله بن
عمر ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن
الْمُنْذر أبي إِسْحَاق الْحزَامِي الْمدنِي، وَهُوَ من
أَفْرَاده عَن أبي ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة
وَسُكُون الْمِيم: واسْمه أنس بن عِيَاض اللَّيْثِيّ
الْمدنِي عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي عَيَّاش الْأَسدي
الْمدنِي عَن نَافِع، مولى ابْن عمر، وهم كلهم مدنيون،
فَاعْتبر التَّفَاوُت بَين متني حَدِيثي الْبَابَيْنِ.
قَوْله: (عَام حجَّة الحرورية) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (عَام حج الحرورية) ، والحرورية، بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى: منسوبة إِلَى
قَرْيَة من قرى الْكُوفَة، وَالْمرَاد بهم الْخَوَارِج،
وَقد مر تَحْقِيقه فِي: بَاب لَا تقضي الْحَائِض
الصَّلَاة. قَوْله: (فِي عهد ابْن الزبير) يَعْنِي: فِي
أَيَّام عبد الله بن الزبير بن الْعَوام. فَإِن قلت: هَذَا
يُخَالف قَوْله فِي: بَاب طواف الْقَارِن، وَمن رِوَايَة
اللَّيْث عَن نَافِع عَام نزل الْحجَّاج بِابْن الزبير،
لِأَن خجة الحرورية كَانَت فِي السّنة الَّتِي مَاتَ
فِيهَا يزِيد بن مُعَاوِيَة سنة أَربع وَسِتِّينَ،
وَذَلِكَ قبل أَن يتسمى ابْن الزبير بالخلافة، ونزول
الْحجَّاج بِابْن الزبير كَانَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين،
وَذَلِكَ فِي آخر أَيَّام ابْن الزبير. قلت: تَوْجِيهه
بِأحد الْأَمريْنِ: أَحدهمَا: أَن الرَّاوِي قد أطلق على
الْحجَّاج وَأَتْبَاعه: حرورية، لجامع مَا بَينهم من
الْخُرُوج على أَئِمَّة الْحق. وَالْآخر: أَن يحمل على
تعدد الْقِصَّة. قَوْله: (فَقيل لَهُ) الظَّاهِر أَن
الْقَائِل لِابْنِ عمر بِهَذَا القَوْل هُوَ وَلَده عبد
الله، لِأَنَّهُ صرح بذلك فِي رِوَايَة أَيُّوب عَن نَافِع
الَّذِي مضى فِي: بَاب من اشْترى الْهَدْي من الطَّرِيق.
قَوْله: (إِذا إصنع كَمَا صنع) أَي: حِينَئِذٍ أصنع فِي
حجي كَمَا صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (حَتَّى كَانَ بِظَاهِر
الْبَيْدَاء) ، ويروى: (حِين كَانَ) ، والبيداء هُوَ
الشّرف الَّذِي قُدَّام ذِي الحليفة إِلَى جِهَة مَكَّة،
سمي بِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاء وَلَا أثر، وكل
مفازة بيداء. قَوْله: (اشْتَرَاهُ) أَي: من قديد، كَمَا
ذكرنَا. قَوْله: (وبالصفاء) ، ويروى: (وبالصفا والمروة) .
قَوْله: (وَرَأى أَن قد قضى) ، أَي: أدّى. قَوْله:
(الْحَج) ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي الْحَج. قَالَ
الْكرْمَانِي، كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي بعض النّسخ،
ويروى: (طواف الْحَج) ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي
الْحَج. قَالَ الْكرْمَانِي، كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي
بعض النّسخ. ويروى: (طواف الْحَج) ، بِإِضَافَة الطّواف
إِلَى الْحَج. قَوْله: (بطوافه الأول) أَي: طَوَافه
الَّذِي وَقع أَولا. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي لم يَجْعَل
لِلْقُرْآنِ طوافين، بل اكْتفى بِالْأولِ فَقَط. وَهُوَ
مَذْهَب الشَّافِعِي حَيْثُ قَالَ: يَكْفِي للقارن طواف
وَاحِد. انْتهى. قلت: إِنَّمَا فسر الْكرْمَانِي بِهَذَا
التَّفْسِير نصْرَة لمَذْهَب إِمَامه، وَلَكِن لَا يتم
بِهِ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم قَوْله: بطوافه
الأول، أَن يكون طَوافا وَاحِدًا فِي نَفسه، لِأَن
الطوافين يُطلق عَلَيْهِمَا: الطّواف الأول بِالنِّسْبَةِ
إِلَى طواف الرُّكْن، وَهُوَ طواف الْإِفَاضَة، لِأَنَّهُ
لَا بُد من الطّواف بعد الْوُقُوف. فَافْهَم. قَوْله:
(ثمَّ قَالَ: كَذَلِك صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) ، ويروى: (هَكَذَا صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) .
511 - (بابُ ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عنْ نِسَائِهِ
مِنْ غَيْرِ أمْرِهِنَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذبح الرجل الْبَقر ...
إِلَى آخِره، هَذَا التَّقْدِير على أَن يكون فِي معنى
التَّرْجَمَة اسْتِفْهَام بِمَعْنى: هَل يجزىء ذبح الرجل
الْبَقر عَن نِسَائِهِ من غير أمرهن إِذْ وَجب عَلَيْهِنَّ
الدَّم؟ وَجَوَابه يفهم من حَدِيث الْبَاب أَنه يجزىء
عَنْهُن، وَعَن هَذَا قَالَ الْمُهلب فِي حَدِيث عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، من الْفِقْه: أَنه من كفر
عَن غَيره كَفَّارَة يَمِين أَو كَفَّارَة ظِهَار أَو قتل
أَو أهْدى عَنهُ أَو أدّى عَنهُ دينا فَإِن ذَلِك يكون
مجزئا عَنهُ، لِأَن نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يعرفن مَا أدّى عَنْهُن لما وَجب عَلَيْهِنَّ من
نسك التَّمَتُّع.
9071 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ يَحيى بنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ قالَتْ سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ لاَ
نُرَى إلاَّ الحَجَّ فلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أمَرَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ
معَهُ هَدْيٌ إذَا
(10/46)
طافَ وسَعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ
أنْ يَحِلَّ قالَتْ فَدُخِلَ علَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ
بِلَحْمِ بَقَرٍ فقُلْتُ مَا هاذا قَالَ نَحَرَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى
فذَكَرْتُهُ لِلقَاسِمِ فَقَالَ أتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى
وَجْهِهِ..
قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن
التَّرْجَمَة بِالذبْحِ والْحَدِيث بِلَفْظ النَّحْر.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ أَشَارَ بِلَفْظ الذّبْح إِلَى مَا ورد
فِي بعض طرق الحَدِيث بِلَفْظ: الذّبْح، وَسَيَأْتِي هَذَا
بعد سَبْعَة أَبْوَاب فِي: بَاب مَا يَأْكُل من الْبدن
وَمَا يتَصَدَّق، وللعلماء فِيهِ خلاف سَيَأْتِي إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، قد تكَرر ذكرهم، وَيحيى بن سعيد
الْأنْصَارِيّ، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن
زُرَارَة الْأَنْصَارِيَّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك. وَفِيه:
العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي
موضِعين. وَفِيه: أَن رِجَاله مدنيون مَا خلا شيخ
البُخَارِيّ فَإِنَّهُ تنيسي وَهُوَ أَيْضا من أَفْرَاده.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التابعية عَن الصحابية.
وَفِيه: عَن عمْرَة، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال:
عَن يحيى حَدَّثتنِي عمْرَة، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن القعْنبِي عَن مَالك، وَفِي
الْحَج أَيْضا عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن
بِلَال، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن القعْنبِي
عَن سُلَيْمَان بن بِلَال وَعَن مُحَمَّد ابْن أبي الْمثنى
وَعَن ابْن أبي عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن عَمْرو
ابْن عَليّ وَعَن هناد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لخمس بَقينَ) ، كَذَا قالته
عَائِشَة لِأَنَّهَا حدثت بذلك بعد أَن انْقَضى الشَّهْر،
فَإِن كَانَ فِي الشَّهْر فَالصَّوَاب أَن تَقول: لخمس إِن
بَقينَ، لِأَنَّهُ لَا يدْرِي الشَّهْر كَامِل أَو نَاقص.
قَوْله: (من ذِي الْقعدَة) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا،
سمي بذلك لأَنهم كَانُوا يَقْعُدُونَ فِيهِ عَن الْقِتَال.
قَوْله: (لَا نرى) ، بِضَم النُّون وَفتح الرَّاء: أَي لَا
نظن إلاَّ الْحَج، وَهَذَا يحْتَمل أَن تُرِيدُ حِين
خُرُوجهمْ من الْمَدِينَة قبل الإهلال، وَيحْتَمل أَن
تُرِيدُ إِن إِحْرَام من أحرم مِنْهُم بِالْعُمْرَةِ لَا
يحل حَتَّى يردف الْحَج، فَيكون الْعَمَل لَهما جَمِيعًا،
والإهلال مِنْهُمَا، وَلَا يَصح إرادتها، أَن كلهم أحرم
بِالْحَجِّ لحديثها الآخر من رِوَايَة عمْرَة عَنْهَا،
فمنا من أهل بِالْحَجِّ، وَمنا من أهل بِعُمْرَة، وَمنا من
أهل بهما. وَقيل: لَا نرى إِلَّا الْحَج أَي: لم يَقع فِي
أنفسهم إلاَّ ذَلِك، وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَفِيه دَلِيل
أَنهم أهلوا منتظرين، وَترد عَلَيْهِ رِوَايَة: (لَا نذْكر
إِلَّا الْحَج) . قَوْله: (أَن يحل) ، بِكَسْر الْحَاء
أَي: يصير حَلَالا بِأَن يتمتع، وَأما من مَعَه الْهَدْي،
فَلَا يتَحَلَّل حَتَّى يبلغ الْهَدْي. قَوْله: (فَدخل
علينا) على صِيغَة الْمَجْهُول، بِضَم الدَّال. قَوْله:
(يَوْم النَّحْر) ، بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي
يَوْم النَّحْر. قَوْله: (نحر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن أَزوَاجه) مُقْتَضَاهُ نحر الْبَقر.
قَوْله: (فَقَالَ أتتك) أَي: قَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد
بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أتتك
عمْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بِالْحَدِيثِ
الَّذِي حدثته على وَجهه، يَعْنِي: ساقته لَك سياقا تَاما
لم تختصر مِنْهُ شَيْئا، وَلَا غيرته بِتَأْوِيل وَلَا
غَيره، فَذكرت ابْتِدَاء الْإِحْرَام وانتهاءه حَتَّى
وصلوا إِلَى مَكَّة، وَفِيه تَصْدِيق لعمرة، وإخبار عَن
حفظهَا وضبطها.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن نحر الْبَقر جَائِز
عِنْد الْعلمَاء إلاَّ أَن الذّبْح مُسْتَحبّ عِنْدهم
لقَوْله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة}
(الْبَقَرَة: 76) . وَخَالف الْحسن بن صَالح فاستحب نحرها.
وَقَالَ مَالك: إِن ذبح الْجَزُور من غير ضَرُورَة أَو نحر
الشَّاة من غير ضَرُورَة لم تُؤْكَل، وَكَانَ مُجَاهِد
يسْتَحبّ نحر الْبَقر. قلت: الحَدِيث ورد بِلَفْظ
النَّحْر، كَمَا هَهُنَا، وَورد أَيْضا بِلَفْظ: الذّبْح،
وَعَلِيهِ ترْجم البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ
الله تَعَالَى. قيل: يجوز أَن يكون الرَّاوِي لما اسْتَوَى
الْأَمْرَانِ عِنْده عبر مرّة بالنحر وَمرَّة بِالذبْحِ.
وَفِي رِوَايَة ضحى، قَالَ ابْن التِّين: فَإِن يكنَّ
هَدَايَا فَهُوَ أصل مَذْهَب مَالك، وَإِن يكنَّ ضحايا
فَيحْتَمل أَن تكون وَاجِبَة كوجوب ضحايا غير الْحَاج.
وَقَالَ الْقَدُورِيّ: الْمُسْتَحبّ فِي الْإِبِل
النَّحْر، فَإِن ذَبحهَا جَازَ وَيكرهُ، وَإِنَّمَا يكره
فعله لَا الْمَذْبُوح، وَالذّبْح هُوَ قطع الْعُرُوق
الَّتِي فِي أَعلَى الْعُنُق تَحت اللحيين، والنحر يكون
فِي اللبة، كَمَا أَن الذّبْح يكون فِي الْحلق. وَفِيه:
احتجاج جمَاعَة من الْعلمَاء فِي جَوَاز الِاشْتِرَاك فِي
هدي التَّمَتُّع وَالْقرَان، وَمنعه مَالك. قَالَ ابْن
بطال: وَلَا حجَّة لمن خَالفه فِي هَذَا الحَدِيث
(10/47)
لِأَن قَوْله: (نحر عَن أَزوَاجه بقرة وَاحِدَة فَإِن
يُونُس انْفَرد بِهِ وَحده وَخَالفهُ مَالك فَأرْسلهُ
وَرَوَاهُ الْقَاسِم وَعمرَة عَن عَائِشَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر عَن
أَزوَاجه الْبَقر) ، يحْتَمل أَن يكون نحر عَن كل وَاحِدَة
مِنْهُنَّ بقرة، قَالَ: وَهَذَا غير مَدْفُوع فِي
التَّأْوِيل، وردَّ بِأَنَّهُ يَدْفَعهُ رِوَايَة عُرْوَة
(عَن عَائِشَة: ذبح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
عَمَّن اعْتَمر من نِسَائِهِ بقرة) ، ذكره ابْن عبد الْبر
من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة.
وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث جَابر: (ذبح رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِسَائِهِ بقرة يَوْم
النَّحْر) ، وَفِي رِوَايَة: بقرة فِي حجَّته) ، وَفِي
رِوَايَة: (ذَبحهَا عَن نِسَائِهِ) . وَفِي (صَحِيح
الْحَاكِم) على شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث يحيى بن أبي
كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (ذبح رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن اعْتَمر من نِسَائِهِ فِي
حجَّة الْوَدَاع بقرة بَينهُنَّ) . وَقَالَ ابْن بطال:
فَإِن قيل: إِنَّمَا نحر الْبَقَرَة عَنْهُن على حسب مَا
أَتَى عَنهُ فِي الْحُدَيْبِيَة أَنه نحر الْبَقَرَة عَن
سَبْعَة، والبدنة عَن سَبْعَة. قيل: هَذِه دَعْوَى لَا
دَلِيل عَلَيْهَا، لِأَن نَحره فِي الْحُدَيْبِيَة كَانَ
عندنَا تَطَوّعا، والاشتراك فِي هدي التَّطَوُّع جَائِز
على رِوَايَة ابْن عبد الحكم عَن مَالك، وَالْهَدْي فِي
حَدِيث عَائِشَة وَاجِب، والاشتراك مُمْتَنع فِي الْهَدْي
الْوَاجِب، فالحديثان مستعملان عندنَا على هَذَا
التَّأْوِيل، وَقَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل: وَأما
رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نحر عَن أَزوَاجه بقرة وَاحِدَة، فَإِن
يُونُس انْفَرد بِهِ وَحده، وَخَالفهُ مَالك فَأرْسلهُ،
وَرَوَاهُ الْقَاسِم وَعمرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر عَن
أَزوَاجه الْبَقر، وَحدثنَا بذلك أَبُو مُصعب عَن مَالك
عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة،
وَحدثنَا بِهِ القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن
يحيى عَن عمْرَة عَنْهَا. انْتهى. وَاعْلَم أَن الشَّاة
لَا تجزىء إلاَّ عَن وَاحِد، وَأَنَّهَا أقل مَا يجب،
وَذكر بعض شرَّاح (الْهِدَايَة) أَنه إِجْمَاع. وَقَالَ
السكاكي وَقَالَ مَالك وَأحمد وَاللَّيْث
وَالْأَوْزَاعِيّ: تجوز الشَّاة عَن أهل بَيت وَاحِد،
وَكَذَا بقرة أَو بَدَنَة، والبدنة تجزىء عَن سَبْعَة إِذا
كَانُوا يُرِيدُونَ بهَا وَجه الله، وَكَذَا الْبَقَرَة.
وَإِن كَانَ أحدهم يُرِيد الْأكل لم يجز عَن الْكل.
وَكَذَا لَو كَانَ نصيب أحدهم أقل من السَّبع، وَيَسْتَوِي
الْجَواب إِذا كَانَ الْكل من جنس وَاحِد أَو من أَجنَاس
مُخْتَلفَة أحدهم يُرِيد جَزَاء الصَّيْد، وَالْآخر هدي
الْمُتْعَة، وَالْآخر الْأُضْحِية بعد أَن يكون الْكل لوجه
الله تَعَالَى، وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس أَن لَا
يجوز، وَبِه قَالَ زفر، رَحمَه الله تَعَالَى. وَفِيه: مَا
قَالَه الدَّاودِيّ وَهُوَ: النَّحْر عَمَّن لم يَأْمر،
فَإِن الْإِنْسَان يُدْرِكهُ مَا عمل عَنهُ بِغَيْر أمره.
وَأَن معنى قَوْله تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان
إلاَّ مَا سعى} (النَّجْم: 93) . أَي: لَا يكون لَهُ مَا
سعاه غَيره لنَفسِهِ. وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تنسوا
الْفضل بَيْنكُم} (الْبَقَرَة: 732) . مَعَ قَوْله: {لَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن
تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} (النِّسَاء: 92) . فَخرج
هَذَا عُمُوما يُرَاد بِهِ الْخُصُوص، ثمَّ بَينه بقوله:
{وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} (الْبَقَرَة: 732) .
وَبِقَوْلِهِ: {إلاَّ أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم
مَعْرُوفا} (سُورَة الْأَحْزَاب: 6) . وَبِقَوْلِهِ: {من
بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين} (النِّسَاء: 11) .
فَلَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى، أَو سعى لَهُ. |