عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 6 - (بابُ مَنِ اسْتَأجَرَ أجِيرا
فَبَيَّنَ لَهُ الأجَلَ ولَمْ يُبَيِّنُ لَهُ الْعَمَلَ
لِقَوْلِهِ {إنِّي أرِيدُ أنْ أنْكِحَكَ إحْدَى بِنْتَيَّ
هَاتَيْننِ عَلَى أنْ تأجُرَنِي} إِلَى قَوْله: {وَالله
علَى مَا نقولُ وَكِيلٌ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اسْتَأْجر أَجِيرا فَبين
لَهُ الْأَجَل، أَي الْمدَّة وَلم يبين لَهُ، أَي:
للْأَجِير الْعَمَل، يَعْنِي: لم يبين أَي عمل يعمله لَهُ،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: إِذا اسْتَأْجرهُ، وَجَوَاب: من،
مَحْذُوف تَقْدِيره وَهل يَصح ذَلِك أم لَا؟ وميل
البُخَارِيّ إِلَى الصِّحَّة، فَلذَلِك ذكر هَذِه الْآيَة
فِي معرض الِاحْتِجَاج. حَيْثُ قَالَ: لقَوْله تَعَالَى:
{إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابنتيي} (الْقَصَص: 72)
. الْآيَة، وَجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه لم يَقع فِي
سِيَاق الْقِصَّة الْمَذْكُورَة بَيَان الْعَمَل،
وَإِنَّمَا فِيهِ أَن مُوسَى آجر نَفسه من وَالِد
الْمَرْأَتَيْنِ. فَإِن قلت: كَيفَ يَقُول لم يَقع فِي
سِيَاق الْقِصَّة بَيَان الْعَمَل، وَقد قَالَ شُعَيْب:
إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى بِنْتي هَاتين؟ قلت:
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ يَصح أَن ينكحه
إِحْدَى ابْنَتَيْهِ من غير تَمْيِيز؟ قلت: لم يكن ذَلِك
عقد النِّكَاح، وَلَكِن مواعدة ومواضعة أَمر قد عزم
عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ عقدا لقَالَ: قد أنكحتك، وَلم يقل:
إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك. انْتهى. قلت: حَاصله أَن شعيبا،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إستأجر مُوسَى، لم يبين
لَهُ الْعَمَل أَولا، لكنه بَين لَهُ الْأَجَل، فَدلَّ
ذَلِك أَن الْإِجَارَة إِذا بَين فِيهَا الْمدَّة وَلم
يبين الْعَمَل جَائِزَة، لَكِن هَذَا فِي مَوضِع يكون نفس
الْعَمَل مَعْلُوما بِنَفس العقد كاستئجار العَبْد لأجل
الْخدمَة وَأما اذا لم يكن نفس الْعَمَل مَعْلُوما بِنَفس
العقد فَلَا يجوز إلاَّ بِبَيَان الْعَمَل، لِأَن
الْجَهَالَة فِيهِ تقضي إِلَى الْمُنَازعَة، وَقَالَ
الْمُهلب، رَحمَه الله تَعَالَى عَلَيْهِ: لَيْسَ فِي
الْآيَة دَلِيل على جَهَالَة الْعَمَل فِي الْإِجَارَة،
لِأَن ذَلِك كَانَ مَعْلُوما بَينهم من سقِِي وحرث ورعي
واحتطاب. وَمَا شاكل ذَلِك من أَعمال الْبَادِيَة ومهنة
أَهلهَا فَهَذَا مُتَعَارَف، وَإِن لم يبين لَهُ أشخاص
الْأَعْمَال، وَقد عرفه الْمدَّة وسماها لَهُ. انْتهى.
وَأجِيب: بِأَن هَذَا ظن أَن البُخَارِيّ أجَاز أَن يكون
الْعَمَل مَجْهُولا وَلَيْسَ كَمَا ظن، إِنَّمَا أَرَادَ
البُخَارِيّ أَن التَّنْصِيص على الْعَمَل بِاللَّفْظِ غير
مَشْرُوط، وَأَن المنبع الْمَقَاصِد لَا الْأَلْفَاظ،
فَيَكْفِي دلَالَة الْفَوَائِد عَلَيْهَا.
قلت: يُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث
عتبَة ابْن الندر، قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، (فَقَالَ: إِن مُوسَى، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، آجر نَفسه ثَمَان سِنِين أَو عشرا
على عفة فرجه وَطَعَام بَطْنه) . انْتهى. وَلَيْسَ فِيهِ
بَيَان الْعَمَل من قبل مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَعتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة،
والندر، بِضَم النُّون وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عتبَة بن الندر السّلمِيّ، صَحَابِيّ
يُقَال: هُوَ عتبَة بن عبد السّلمِيّ، وَلَيْسَ بِشَيْء،
روى عَنهُ عَليّ بن رَبَاح وخَالِد بن معدان.
فَإِن قلت: كَيفَ حكم النِّكَاح على أَعمال الْبدن؟ قلت:
لَا يجوز عِنْد أهل الْمَدِينَة، لِأَنَّهُ غرر، وَمَا
وَقع من النِّكَاح على مثل هَذَا الصَدَاق لَا يُؤمر بِهِ
الْيَوْم لظُهُور الْغرَر فِي طول الْمدَّة، وَهُوَ خُصُوص
لمُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عِنْد أَكثر
الْعلمَاء، لِأَنَّهُ قَالَ إِحْدَى ابْنَتي هَاتين، وَلم
يعينها، وَهَذَا لَا يجوز إلاَّ بِالتَّعْيِينِ.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك، فَقَالَ مَالك: إِذا
تزَوجهَا على أَن يؤجرها نَفسه سنة أَو أَكثر يفْسخ
النِّكَاح إِن لم يكن دخل بهَا، فَإِن دخل ثَبت النِّكَاح
بِمهْر الْمثل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: إِن
كَانَ حرآ فلهَا مهر مثلهَا، وَإِن كَانَ عبدا فلهَا خدمَة
سنة، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، وَقَالَ مُحَمَّد:
يجب عَلَيْهِ قيمَة الْخدمَة سنة لِأَنَّهَا مُتَقَومَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: النِّكَاح جَائِز على خدمته إِذا
كَانَ وقتا مَعْلُوما، وَيجب عله عين الْخدمَة سنة.
وَكَذَلِكَ الْخلاف إِذا تزَوجهَا على تَعْلِيم الْقُرْآن.
(12/85)
ثمَّ الْكَلَام فِي تَفْسِير الْآيَات
الْكَرِيمَة. قَوْله: {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك}
(الْقَصَص: 72) . أَي: أُرِيد أَن أزَوجك {إِحْدَى ابْنَتي
هَاتين على أَن تَأْجُرنِي} (الْقَصَص: 82) . نَفسك مُدَّة
ثَمَانِي حجج أَي: على أَن تكون أَجِيرا لي ثَمَانِي
سِنِين من أجرته إِذا كنت لَهُ أَجِيرا، كَقَوْلِك: أبوته
إِذا كنت لَهُ أَبَا، وثماني حجج ظرفه، وَيجوز أَن يكون من
آجرته كَذَا إِذا أثْبته إِيَّاه، وَمِنْه تَعْزِيَة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (آجركم الله
وَرَحِمَكُمْ الله) ، وثماني حجج مفعول بِهِ، أَي: رعية
ثَمَانِي حجج، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت: كَيفَ
جَازَ أَن يمهرها إِجَارَة نَفسه فِي رعية الْغنم، وَلَا
بُد من تَسْلِيم مَا هُوَ مَال؟ أَلاَ ترى إِلَى أبي
حنيفَة كَيفَ منع أَن يتَزَوَّج امْرَأَة بِأَن يخدمها
سنة؟ وَجوز أَن يَتَزَوَّجهَا بِأَن يخدمها عَبده سنة أَو
يسكنهَا دَاره سنة، لِأَنَّهُ فِي الأول سلم نَفسه،
وَلَيْسَ بِمَال وَفِي الثَّانِي هُوَ مُسلم مَالا، وَهُوَ
العَبْد أَو الدَّار. قلت: الْأَمر على مَذْهَب أبي حنيفَة
كَمَا ذكرت، وَأما الشَّافِعِي فقد جوز التَّزْوِيج على
الْإِجَازَة بِبَعْض الْأَعْمَال والخدمة إِذا كَانَ
الْمُسْتَأْجر لَهُ أَو المخدوم فِيهِ أمرا مَعْلُوما،
وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ جَائِزا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة،
وَيجوز أَن يكون الْمهْر شَيْئا آخر، وَإِنَّمَا أَرَادَ
أَن يكون رعي غنمه هَذِه الْمدَّة، وَأَرَادَ أَن ينكحه
ابْنَته، فَذكر لَهُ المرادين، وعلق الْإِنْكَاح بالرعية
على معنى: أَنِّي أفعل هَذَا إِذا فعلت ذَلِك، على وَجه
المفاهدة لَا على وَجه المعاقدة، وَيجوز أَن يستأجره لرعي
غنمه ثَمَانِي سِنِين بمبلغ مَعْلُوم ويوفيه إِيَّاه ثمَّ
ينكحه ابْنَته بِهِ، وَيجْعَل قَوْله: على أَن تَأْجُرنِي
ثَمَانِي حجج، عبارَة عَمَّا جرى بَينهمَا {فَإِن أتممت
الْعَمَل عشرا فَمن عنْدك} (الْقَصَص: 72) . فإتمامه من
عنْدك، وَالْمعْنَى: فَهُوَ من عنْدك لَا من عِنْدِي،
يَعْنِي: لَا ألزمك وَلَا أحتمه عَلَيْك، وَلَكِن إِن
فعلته فَهُوَ مِنْك تَفْضِيل وتبرع، وإلاَّ فَلَا عَلَيْك
{وَمَا أُرِيد أَن أشق عَلَيْك} (الْقَصَص: 72) . فِي
هَذِه الْمدَّة فأكلفك مَا يصعب عَلَيْك: {ستجدني إِن
شَاءَ الله من الصَّالِحين} (الْقَصَص: 72) . فِي حسن
الْعشْرَة وَالْوَفَاء بالعهد، وَهَذَا شَرط للْأَب
وَلَيْسَ بِصَدَاق، وَقيل: صدَاق، وَالْأول أظهر لقَوْله:
{تَأْجُرنِي} (الْقَصَص: 72) . وَلم يقل: تأجرها،
وَإِنَّمَا قَالَ: إِن شَاءَ الله، للاتكال على توفيقه
ومعونته. قَوْله: {قَالَ ذَلِك} (الْقَصَص: 82) . أَي:
قَالَ مُوسَى لشعيب عَلَيْهِمَا السَّلَام، ذَلِك مُبْتَدأ
{بيني وَبَيْنك} (الْقَصَص: 82) . خَبره، وَهُوَ إِشَارَة
إِلَى مَا عاهده عَلَيْهِ شُعَيْب. ثمَّ قَالَ مُوسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {أَيّمَا الْأَجَليْنِ}
(الْقَصَص: 82) . أَي: أجل من الْأَجَليْنِ أطولهما
الَّذِي هُوَ الْعشْر وأقصرهما الَّذِي هُوَ ثَمَان.
{قضيت} أَي: أوفيتك إِيَّاه وفرغت من الْعَمَل فِيهِ
{فَلَا عدان عَليّ} أَي: لَا سَبِيل عَليّ، وَالْمعْنَى:
لَا تَعْتَد عَليّ بِأَن تلزمني أَكثر مِنْهُ. قَوْله:
{وَالله على مَا نقُول وَكيل} (الْقَصَص: 82) . أَي: على
مَا نقُول من النِّكَاح وَالْأَجْر وَالْإِجَارَة وَكيل،
أَي: حفيظ وَشَاهد، وَلما اسْتعْمل وَكيل فِي مَوضِع
الشَّاهِد عدى بعلى، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا:
سَأَلَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أَي
الْأَجَل قضى مُوسَى؟ فَقَالَ: أتمهما وأكملهما) .
يأجُرُ فُلاَنا يُعْطِيهِ أجْرا ومِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ
آجَرَكَ الله
يأجر، بِضَم الْجِيم، وَالْمَقْصُود مِنْهُ تَفْسِير
قَوْله تَعَالَى: {تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} (الْقَصَص:
72) . وَبِهَذَا فسر أَبُو عُبَيْدَة فِي (الْمجَاز) .
قَوْله: (وَمِنْه) أَي: وَمن هذاالمعنى قَوْلهم فِي
التَّعْزِيَة: آجرك الله أَي: يعطيك أجره، وَهَكَذَا فسر
أَبُو عُبَيْدَة أَيْضا، وَزَاد: يأجرك أَي: يثيبك. وَقيل:
الْمَعْنى فِي قَوْله: على أَن تَأْجُرنِي أَن تكون لي
أَجِيرا، أَو التَّقْدِير: على أَن تَأْجُرنِي نَفسك،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي جَوَاب من قَالَ: مَا
الْفَائِدَة فِي عقد هَذَا الْبَاب إِذْ لم يذكر فِيهِ
حَدِيثا؟ بِأَن البُخَارِيّ كثيرا مَا يقْصد بتراجم
الْأَبْوَاب بَيَان الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة، فَأَرَادَ
هُنَا بَيَان جَوَاز مثل هَذِه الْإِجَارَة، وَاسْتدلَّ
عَلَيْهِ بِالْآيَةِ، ثمَّ قَالَ: قَالَ الْمُهلب: لَيْسَ
كَمَا ترْجم، لِأَن الْعَمَل كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم.
انْتهى. قلت: قد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
7 - (بابٌ إذَا اسْتَأجَرَ أَجِيرا علَى أنْ يُقِيمَ
حائِطا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ جازَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا اسْتَأْجر أحد أَجِيرا
لأجل إِقَامَة حَائِط يُرِيد أَن ينْقض، أَي: بسقط،
يُقَال: انقض الطَّائِر سقط من الْهَوَاء بِسُرْعَة.
قَوْله: (جَازَ) ، جَوَاب: إِذا، وَقَالَ ابْن التِّين:
تبويب البُخَارِيّ يدل على أَن هَذَا جَائِز لجَمِيع
النَّاس، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك للخضر، عَلَيْهِ
السَّلَام، خَاصَّة، وَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ أَن
يَبْنِي لَهُ حَائِطا من الأَصْل، أَو يصلح لَهُ حَائِطا.
انْتهى. قلت: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا جَائِزا لجَمِيع
النَّاس، وتخصيصه بالخضر، عَلَيْهِ السَّلَام، لَا دَلِيل
عَلَيْهِ، وَجه ذَلِك على الْعُمُوم أَن حَائِط رجل إِذا
أشرف على السُّقُوط، فخيف من سُقُوطه، فاستأجر أحدا يعلقه
حَتَّى لَا يسْقط فَإِنَّهُ يجوز بِلَا خلاف، ثمَّ بعد
التَّعْلِيق إِمَّا أَن يرمه وَيقطع عَيبه، أَو يهده
ويبنيه جَدِيدا. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا جَازَ
الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ لقَوْل مُوسَى، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام: {لَو
(12/86)
شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} (الْكَهْف:
77) . وَالْأَجْر لَا يُؤْخَذ إلاَّ على عمل مَعْلُوم،
وَإِنَّمَا كَانَ يكون لَهُ الْأجر لَو عَامله عَلَيْهِ
قبل عمله، وَأما بعد أَن أَقَامَهُ بِغَيْر إِذن صَاحبه
فَلَا يجْبر صَاحبه على غرم شَيْء، وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: وَفِيه جَوَاز الِاسْتِئْجَار على الْبناء.
7622 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُسَى قَالَ أخبرنَا
هِشامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخبرَهُمْ قَالَ
أخْبَرَنِي يَعْلَى بنُ مُسْلِمٍ وعَمْرُو بنُ دِينارٍ عنْ
سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ يَزيدُ أحَدُهُمَا علَى صاحِبه
وغَيْرُهُما قَالَ قدْ سَمِعتُهُ يُحَدِّثُهُ عنْ سَعِيدٍ
قَالَ قَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ حدَّثني أبيُّ بنُ كَعْبٍ قَالَ قَالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانْطَلَقا فوَجَدا
جِدَارا يُرِيدُ أنْ ينقَضَّ قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ
هَكَذَا ورَفَعَ يدَيْهِ فاسْتَقامَ قالَ يَعْلَى حَسِبْتُ
أنَّ سَعِيدا قَالَ فمَسَحَهُ بِيَدِهِ فاسْتَقامَ لَوْ
شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا قَالَ سَعيدٌ أجْرا
نأكُلُهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {فَوجدَ جدارا
يُرِيد أَن ينفض فأقامه} .
ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى
بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق، يعرف بالصغير.
الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن، قَاضِي
الْيمن. الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: يعلى بن مُسلم بن هُرْمُز. الْخَامِس: عَمْرو
بن دِينَار الْقرشِي الْأَثْرَم. السَّادِس: سعيد بن
جُبَير. السَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس. الثَّامِن: أبي
بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وبصيغة الْإِخْبَار
بِجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه:
السماع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي
سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه رازي وَأَن هشاما
يماني وَأَن ابْن جريج وَعمر مكيان وَسَعِيد بن جُبَير
كُوفِي. وَفِيه: يروي ابْن جريج عَن شيخين. وَفِيه: يزِيد
أَحدهمَا أَي: يعلى أَو عَمْرو.
قَوْله: (سمعته) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْغَيْر،
أَي: قَالَ ابْن جريج: وَسمعت غَيرهمَا أَيْضا يحدث عَن
سعيد بن جُبَير، قَالَ الْكرْمَانِي: يلْزم من زِيَادَة
أَحدهمَا على صَاحبه نوع محَال، وَهُوَ أَن يكون الشَّيْء
مزيدا ومزيدا عَلَيْهِ، ثمَّ أجَاب: بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ
بِأَحَدِهِمَا وَاحِدًا معينا مِنْهُمَا فَلَا إِشْكَال
وَإِن أَرَادَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فَمَعْنَاه أَنه يزِيد
شَيْئا غير مَا زَاده الآخر، فَهُوَ مزِيد بِاعْتِبَار
شَيْء مزيدعليه، بِاعْتِبَار شَيْء آخر، ثمَّ قَالَ: هَذَا
الْمَرْوِيّ مَجْهُول، إِذْ لَا يعلم الزِّيَادَة مِنْهُ،
ثمَّ أجَاب: علم من سِيَاقه زِيَادَة يعلى إِذْ قَالَ:
حسبت.
وَقد ذكرنَا تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: وَمَا
يتَعَلَّق بِهِ من كل الْوُجُوه فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب
ذهَاب مُوسَى فِي الْبَحْر إِلَى الْخضر، وَهنا ذكر
قِطْعَة من حَدِيث مُوسَى وَالْخضر، وَقد أوردهُ مُسْتَوفى
فِي التَّفْسِير. قَوْله: (يُرِيد) نِسْبَة الْإِرَادَة
إِلَى الْجِدَار مجَاز. وَفِيه: حجَّة على من يُنكر
الْمجَاز. قَوْله: {أَن ينْقض} وقرىء: ينقاض، أَي: ينقلع
من أَصله، وَيُقَال للبئر إِذا انهارت: انقاضت، بالضاد
الْمُعْجَمَة، وقرىء بِالْمُهْمَلَةِ مَوضِع الْألف، أَي:
ينشق طولا. قَوْله: (يرفع يَدَيْهِ) ، أَي: إِلَى
الْجِدَار، فاستقام، وَهُوَ تَفْسِير لقَوْله: فأقامه،
وروى: يَده، بِالْإِفْرَادِ.
8 - (بابُ الإجارَةِ إلَى نِصْفِ النَّهارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْإِجَارَة إِلَى نصف
النَّهَار، يَعْنِي: من أول النَّهَار إِلَى نصفه، ثمَّ
قَالَ بعد هَذَا الْبَاب: بَاب الْإِجَارَة إِلَى صَلَاة
الْعَصْر، ثمَّ قَالَ بعد بَاب آخر: بَاب الْإِجَارَة من
الْعَصْر إِلَى اللَّيْل، وَهَذَا كُله فِي حكم يَوْم
وَاحِد، وَأَرَادَ بذلك إِثْبَات صِحَة الْإِجَارَة
بِأَجْر مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم، إِذْ لَوْلَا جَازَت
مَا أقره الشَّارِع فِي الحَدِيث الَّذِي ضرب بِهِ الْمثل،
كَمَا يَأْتِي، وَمَا اتَّخذهُ من هَذَا الحَدِيث، وَقيل:
يحْتَمل أَن يكون الْغَرَض من كل ذَلِك إِثْبَات جَوَاز
الْإِجَارَة بِقِطْعَة من النَّهَار إِذا كَانَت
مَعْلُومَة مُعينَة دفعا لتوهم من يتَوَهَّم أَن أقل
الْأَجَل الْمَعْلُوم أَن يكون يَوْمًا كَامِلا.
8622 - حدَّثنا سلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حَدثنَا
حمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ مَثَلُكُمْ ومثَلُ أهْلِ الكتابَيْنِ كمَثَل
رَجُلٍ اسْتَأجَرَ أُجَرَاءَ فقالَ
(12/87)
منْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إلَى
نِصْفِ النهارِ عَلى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ ثُمَّ
قالَ من يَعْمَلُ لِي مِن نِصْفِ النهارِ إِلَى صلاةِ
العَصْرِ علَى قِيراطٍ فعَمِلَتِ النَّصارَى ثُمَّ قالَ
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى أنْ تَغِيبَ
الشَّمْسُ على قِيراطَيْنِ فأنْتُمْ هُمْ فغَضِبَتِ
اليَهُودُ والنَّصارَى فَقالوا مَا لَنا أكْثرَ عمَلاً
وأقَلَّ عَطاء قالَ هَلْ نَقَصْتُكُم مِنْ حَقِّكُم
قَالُوا لاَ فذَلِكَ فَضْلِي أوُتيهِ مَنْ أشاءُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من يعْمل لي غدْوَة
إِلَى نصف النَّهَار) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب من
أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن
عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن
ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه، وَبَينهمَا
تفَاوت فِي الْمَتْن أَيْضا، وَلَكِن الأَصْل وَاحِد، وَقد
مضى الْكَلَام فِيهِ، ولنذكر بعض شَيْء.
قَوْله: (أهل الْكِتَابَيْنِ) ، المُرَاد بِهِ الْيَهُود
وَالنَّصَارَى. قَوْله: (كَمثل رجل) فِيهِ حذف تَقْدِيره:
وَهُوَ مثلكُمْ مَعَ نَبِيكُم وَمثل أهل الْكِتَابَيْنِ
مَعَ أَنْبِيَائهمْ كَمثل رجل اسْتَأْجر، فالمثل مَضْرُوب
للْأمة مَعَ نَبِيّهم، والممثل بِهِ الأجراء مَعَ من
استأجرهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْقيَاس يَقْتَضِي أَن
يُقَال: كَمثل أجراء، ثمَّ قَالَ: هُوَ من تَشْبِيه
الْمُفْرد بالمفرد فَلَا اعْتِبَار إلاَّ بالمجموعين، أَو
التَّقْدِير: مثل الشَّارِع مَعكُمْ كَمثل رجل مَعَ أجراء.
قَوْله: (على قِيرَاط) وَفِي رِوَايَة عبد الله بن
دِينَار: على قِيرَاط قِيرَاط، وَالْمرَاد بالقيراط
النَّصِيب، وَهُوَ فِي الأَصْل نصف دانق، والدانق سدس
دِرْهَم قَوْله: (فَغضِبت الْيَهُود وَالنَّصَارَى) ، أَي:
الْكفَّار مِنْهُم. قَوْله: (أَكثر) بِالرَّفْع وَالنّصب،
أما الرّفْع فعلى تَقْدِير: مَا لنا نَحن أَكثر، على أَنه
خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَأما النصب فعلى الْحَال. وَيجوز
أَن يكون خَبرا كَانَ تَقْدِيره: مَا لنا كُنَّا أَكثر
عملا؟ قَوْله: (عملا) ، نصب على التَّمْيِيز. قَوْله:
(وَأَقل عَطاء) مثله على الْعَطف، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
كَيفَ كَانُوا أَكثر عملا وَوقت الظّهْر إِلَى الْعَصْر
مثل وَقت الْعَصْر إِلَى الْمغرب؟ وَأجَاب بِأَنَّهُ لَا
يلْزم من أكثرية الْعَمَل أكثرية الزَّمَان، وَقد مضى
الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فَذَلِك فضلي) ، فِيهِ
حجَّة لأهل السّنة على أَن الثَّوَاب من الله على سَبِيل
الْإِحْسَان مِنْهُ.
9 - (بابُ الإجارَةِ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْإِجَارَة إِلَى صَلَاة
الْعَصْر.
9622 - حدَّثنا إسماعِيلُ بنُ أبِي أوَيْسٍ قَالَ حدَّثني
مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ دينارٍ مَوْلَى عَبْدِ الله
ابنِ عُمَرَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّما مَثَلُكُمْ واليَهُودُ
والنَّصارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فقالَ منْ
يَعْمَلُ لِي نِصْفَ النَّهارِ علَى قِيراطٍ قِيراطٍ
فعَمِلَتِ اليَهُودُ علَى قِيراطٍ قيراطٍ ثُمَّ عَملَتِ
النَّصارَى علَى قيراطٍ قيراطٍ ثُمَّ أنْتُمْ الَّذِينَ
تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاةِ العَصْرِ إلَى مغَارِبِ الشِّمْسِ
على قِيراطَيْنِ قيرَاطَيْنِ فغَضِبَتِ الْيَهُودُ
والنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلاً وأقَلُّ
عَطاءً قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئا
قَالُوا لاَ فقالَ فذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أشَاءُ.
.
وَقَالَ ابْن بطال: لفظ نَحن أَكثر عملا من قَول الْيَهُود
خَاصَّة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {نسيا حوتهما} (الْكَهْف:
16) . وَالنَّاسِي هُوَ يُوشَع. وَقَوله تَعَالَى: {يخرج
مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} (الرَّحْمَن: 22) .
وَالْحَال أَنه لَا يخرج إلاَّ من المالح، هَذَا طَرِيق
آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (وَالْيَهُود) ،
عطف على الْمُضمر الْمَجْرُور بِدُونِ إِعَادَة الْخَافِض،
وَهُوَ جَائِز على رَأْي الْكُوفِيّين، وَقيل: يجوز
الرّفْع على تَقْدِير: وَمثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى، على
حذف الْمُضَاف وَإِعْطَاء الْمُضَاف إِلَيْهِ إعرابه،
وَقيل: فِي أصل أبي ذَر بِالنّصب، وَوَجهه أَن تكون
الْوَاو بِمَعْنى: مَعَ. قَوْله: (على قِيرَاط قِيرَاط) ،
بالتكرار ليدل على تَقْسِيم القراريط على جَمِيعهم.
قَوْله: (إِلَى مغارب الشَّمْس)
(12/88)
وَوَقع فِي رِوَايَة سُفْيَان الْآتِيَة
فِي (فَضَائِل الْقُرْآن) إِلَى مغرب الشَّمْس، على
الْإِفْرَاد وَهُوَ الأَصْل، وَهنا الْجمع كَأَنَّهُ
بِاعْتِبَار الْأَزْمِنَة المتعددة بِاعْتِبَار الطوائف
الْمُخْتَلفَة الْأَزْمِنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله: (هَل ظلمتكم) أَي: هَل نقصتكم فَإِن قلت: لم كَانَ
للْمُؤْمِنين قيراطان؟ قلت: لإيمانهم بمُوسَى وَعِيسَى،
عَلَيْهِمَا السَّلَام، لِأَن التَّصْدِيق أَيْضا عمل.
01 - (بابُ إثْمِ مَنْ مَنَعَ أجْرَ الأجيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم الَّذِي يمْنَع أجر
الْأَجِير، وَقد أخر ابْن بطال هَذَا الْبَاب عَن الْبَاب
الَّذِي بعده، وَهُوَ الْأَوْجه، فَإِن فِيهِ رِعَايَة
الْمُنَاسبَة.
0722 - حدَّثنا يوسفُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثني يَحْيَى
بنُ سُلَيْمٍ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ أمَيَّةَ عنْ سَعِيدَ
بنِ أبِي سَعِيد عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ
الله تَعَالَى ثلاثَةٌ أَنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ رجُلٌ أعطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ورَجُلٌ باعَ
حُرّا فأكَلَ ثَمَنُهُ ورجلٌ اسْتَأجَرَ أَجِيرا
فاسْتَوْفَى مِنُهُ ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ. (انْظُر
الحَدِيث 7222) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث
فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب إِثْم من بَاعَ حرا،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن بشر ابْن مَرْحُوم عَن يحيى
بن سليم عَن إِسْمَاعِيل بن علية إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه
عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن سَابق الْعُصْفُرِي، روى عَنهُ
البُخَارِيّ هَهُنَا، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد، ويوسف هَذَا
من أَفْرَاده.
11 - (بابُ الإجارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْإِجَارَة من أول وَقت
الْعَصْر إِلَى أول دُخُول اللَّيْل.
11 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء قَالَ حَدثنَا أَبُو
أُسَامَة عَن يزِيد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي
الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ مثل الْمُسلمين وَالْيَهُود
وَالنَّصَارَى كَمثل رجل اسْتَأْجر قوما يعْملُونَ لَهُ
عملا يَوْمًا إِلَى اللَّيْل على أجر مَعْلُوم فعملوا لَهُ
إِلَى نصف النَّهَار فَقَالُوا لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك
الَّذِي شرطت لنا وَمَا عَملنَا بَاطِل فَقَالَ لَهُم لَا
تَفعلُوا أكملوا بَقِيَّة عَمَلكُمْ وخذوا أجركُم كَامِلا
فَأَبَوا وَتركُوا واستأجر أجيرين بعدهمْ فَقَالَ لَهما
أكملا بَقِيَّة يومكما هَذَا ولكما الَّذِي شرطت لَهُم من
الْأجر فعملا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر
قَالَا لَك مَا عَملنَا بَاطِل وَلكم الْأجر الَّذِي جعلت
لنا فِيهِ فَقَالَ لَهما أكملا بَقِيَّة عملكما فَإِن مَا
بَقِي من النَّهَار شَيْء يسير فأبيا واستأجر قوما أَن
يعملوا لَهُ بَقِيَّة يومهم فعملوا بَقِيَّة يومهم حَتَّى
غَابَتْ الشَّمْس واستكملوا أجر الْفَرِيقَيْنِ كليهمَا
فَذَلِك مثلهم وَمثل مَا قبلوا من هَذَا النُّور) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " واستأجر قوما " أَن يعملوا
إِلَى قَوْله الشَّمْس وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب
الصَّلَاة فِي بَاب من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن كريب عَن أبي أُسَامَة عَن
بريد إِلَى آخِره بأخصر مِنْهُ وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد
بن الْعَلَاء بن كريب أَي كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي عَن
أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن بريد بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
عَن أبي بردة واسْمه عَامر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
عبد الله بن قيس قَوْله " كَمثل رجل اسْتَأْجر قوما " هُوَ
من بَاب الْقلب وَالتَّقْدِير كَمثل قوم استأجرهم قوم أَو
هُوَ من بَاب التَّشْبِيه بالمركب قَوْله " إِلَى اللَّيْل
" هَذَا
(12/89)
مُغَاير لحَدِيث ابْن عمر لِأَن فِيهِ أَنه استأجرهم على
أَن يعملوا إِلَى نصف النَّهَار وَأجِيب بِأَن ذَلِك
بِالنِّسْبَةِ إِلَى من عجز عَن الْإِيمَان بِالْمَوْتِ
قبل ظُهُور دين آخر وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من أدْرك
دين الْإِسْلَام وَلم يُؤمن بِهِ وَقد تقدم تَمام الْبَحْث
فِي ذَاك الْبَاب قَوْله " لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك "
إِشَارَة إِلَى أَنهم كفرُوا وتولوا وَاسْتغْنى الله
عَنْهُم وَهَذَا من بَاب إِطْلَاق القَوْل وَإِرَادَة
لَازمه لِأَن لَازمه ترك الْعَمَل الْمعبر بِهِ عَن ترك
الْإِيمَان قَوْله " وَمَا عَملنَا بَاطِل " إِشَارَة
إِلَى إحباط عَمَلهم بكفرهم بِعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام إِذْ لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان بمُوسَى
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحده بعد بعثة عِيسَى
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَذَلِكَ القَوْل فِي
النَّصَارَى إِلَّا أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مدتهم
كَانَت قدر نصف الْمدَّة فاقتصروا على نَحْو الرّبع من
جَمِيع النَّهَار قَوْله " لَا تَفعلُوا " أَي إبِْطَال
الْعَمَل وَترك الْأجر الْمَشْرُوط (فَإِن قلت)
الْمَفْهُوم مِنْهُ أَن أهل الْكِتَابَيْنِ لم يَأْخُذُوا
شَيْئا وَمن السَّابِق أَنهم أخذُوا قيراطا قيراطا (قلت)
الآخذون هم الَّذين مَاتُوا قبل النّسخ والتاركون الَّذين
كفرُوا بِالنَّبِيِّ الَّذِي بعد نَبِيّهم قَوْله "
فَإِنَّمَا بَقِي من النَّهَار شَيْء يسير " أَي
بِالنِّسْبَةِ لما مضى مِنْهُ وَالْمرَاد مَا بَقِي من
الدُّنْيَا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر هُوَ
بِنصب حِين وَيجوز الرّفْع قَالَه بَعضهم وَلم يبين وَجهه
وَلَا وَجه النصب (قلت) أما النصب فعلى الظَّرْفِيَّة
وَأما الرّفْع فعلى أَنه اسْم كَانَ قَوْله " أجر
الْفَرِيقَيْنِ كليهمَا " كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر
وَغَيره وَحكى ابْن التِّين أَن فِي رِوَايَته كِلَاهُمَا
بِالرَّفْع ثمَّ خطأه (قلت) لَيْسَ لما قَالَه وَجه لِأَن
كِلَاهُمَا بِالْألف على لُغَة من يَجْعَل الْمثنى فِي
الْأَحْوَال الثَّلَاثَة بِالْألف قَوْله " فَذَلِك مثلهم
" أَي مثل الْمُسلمين وَمثل مَا قبلوا من هَذَا النُّور
أَي نور الْهِدَايَة إِلَى الْحق وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ فَذَلِك مثل الْمُسلمين الَّذين قبلوا
هدى الله وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُوله وَمثل الْيَهُود
وَالنَّصَارَى تركُوا مَا أَمرهم الله بِهِ وَالْمَقْصُود
من التمثيلين من الأول بَيَان أَن أَعمال هَذِه الْأمة
أَكثر ثَوابًا من أَعمال سَائِر الْأُمَم وَمن الثَّانِي
أَن الَّذين لم يُؤمنُوا بِمُحَمد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْمَالهم السالفة على
دينهم لَا ثَوَاب لَهَا قيل اسْتدلَّ بِهِ على أَن بَقَاء
هَذِه الْأمة تزيد على الْألف لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن
مُدَّة الْيَهُود نَظِير مدتي النَّصَارَى وَالْمُسْلِمين
وَقد اتّفق أهل النَّقْل على أَن مُدَّة الْيَهُود إِلَى
بعثة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَانَت أَكثر من ألفي سنة وَمُدَّة النَّصَارَى من ذَلِك
سِتّمائَة سنة وَقيل أقل فَيكون مُدَّة الْمُسلمين أَكثر
من ألف قطعا (قلت) فِيهِ نظر لِأَنَّهُ صَحَّ عَن ابْن
عَبَّاس من طرق صِحَاح أَنه قَالَ الدُّنْيَا سَبْعَة
أَيَّام كل يَوْم ألف سنة وَبعث رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْيَوْم الآخر مِنْهَا
وَقد مَضَت مِنْهُ سنُون أَو مئون وَيُؤَيّد هَذَا أَيْضا
حَدِيث زمل الْخُزَاعِيّ حِين قصّ على رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رُؤْيَاهُ وَقَالَ
فِيهَا رَأَيْتُك على مِنْبَر لَهُ سبع دَرَجَات الحَدِيث
وَفِيه فِي الْمِنْبَر ودرجاته الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف
سنة بعثت فِي آخرهَا ألفا وَقد صحّح أَبُو جَعْفَر
الطَّبَرِيّ هَذَا الأَصْل بآثار - |