عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 61 - (بابُ العَبْدِ إذَا أحْسنَ عِبَادَةَ
رَبِّهِ ونَصَحَ سَيِّدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل العَبْد أَو فِي بَيَان
ثَوَابه إِذا أحسن عبَادَة ربه، بِأَن أَقَامَهَا بشروطها.
قَوْله: (ونصح) ، من النَّصِيحَة، وَهِي كلمة جَامِعَة
مَعْنَاهَا: حِيَازَة الْحَظ للمنصوح لَهُ، وَهُوَ
إِرَادَة صَلَاح حَاله وتخليصه من الْخلَل وتصفيته من
الْغِشّ.
6452 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ العَبْدُ إذَا
نصَحَ سَيِّدَهُ وأحْسَنَ عِبادَةَ رَبِّهِ كانَ لَهُ
أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ.
(الحَدِيث 6452 طرفه فِي: 0552) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم
فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي وَهُوَ عبد الله بن مسلمة شيخ
البُخَارِيّ. وَفِيه: حض الْمَمْلُوك على نصح سَيّده،
لِأَنَّهُ راعٍ فِي مَاله، وَهُوَ مسؤول عَمَّا استرعى.
قَوْله: (كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ) ، مرّة لنصح سَيّده
وَمرَّة لإحسان عبَادَة ربه.
7452 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثيرٍ قَالَ أخبرنَا
سفْيانُ عنْ صالِحٍ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ أبِي بُرْدَةَ
عنْ أبِي موساى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
قالَ قالَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّمَا رَجلٍ
كانَتْ لَهُ جارِيَةٌ فَأدَّبَهَا فأحْسَنَ تَأدِيبَهَا
وأعْتَقَهَا وتَزَوَّجَهَا فلَهُ أجْرَانِ وأيُّما عَبْدٍ
أدَّى حَقَّ الله وحقَّ مَوالِيهِ فلَهُ أجْرَانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَيّمَا عبد) إِلَى
آخِره لِأَن أَدَاء حق الله هُوَ معنى: أحسن عبَادَة ربه،
وَأَدَاء حق موَالِيه هُوَ معنى نصح سَيّده. وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ، وَصَالح هُوَ ابْن صَالح أَبُو حَيّ
الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَأَبُو
بردة اسْمه الْحَارِث أَو عَامر، وَأَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس. وَالنّصف الأول من
الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْجَارِيَة قد مر عَن قريب
فِي: بَاب فضل من أدب جَارِيَته، وَالنّصف الثَّانِي
وَهُوَ الَّذِي فِيهِ أَمر العَبْد قد مر فِي كتاب الْعلم
فِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته وَأَهله، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْمحَاربي عَن صَالح
بن حَيَّان عَن الشّعبِيّ، وَقد مر
(13/108)
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَصَالح بن
حَيَّان هَذَا هُوَ صَالح بن صَالح أَبُو حَيّ
الْمَذْكُور، غير أَن البُخَارِيّ ذكره هُنَاكَ بنسبته
إِلَى جده، فَإِنَّهُ صَالح بن صَالح بن مُسلم بن حَيَّان،
وَلَيْسَ بِصَالح بن حَيَّان الْقرشِي الْكُوفِي الَّذِي
يروي عَن أبي وَائِل، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
مستقصًى.
8452 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ
الله قَالَ أخبرنَا يونسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ
سَعِيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ يَقولُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم للعبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أجْرَانِ
والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ
الله والحَجُّ وبِرُّ أُمِّي لأحْبَبْتُ أنْ أموتَ وأنَا
مَمْلُوكٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَوَقع
فِي كتاب ابْن بطال عزو حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا لأبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ غلط، فَإِنَّهُ أسقط حَدِيث
أبي مُوسَى وَركبهُ على حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَبشر،
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة:
ابْن مُحَمَّد السجسْتانِي الْمروزِي، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن
مُسلم بن شهَاب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن
أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة بن يحيى وَفِي
الْأَيْمَان عَن زُهَيْر بن حَرْب.
قَوْله: (للْعَبد الْمَمْلُوك) إِنَّمَا وصف العَبْد
بالمملوك، لِأَن العَبْد أَعم من أَن يكون مَمْلُوكا وَغير
مَمْلُوك، فَإِن النَّاس كلهم عبيد الله. قَوْله:
(الصَّالح) ، أَي: فِي عبَادَة الرب ونصح السَّيِّد.
قَوْله: (أَجْرَانِ) ، قَالَ ابْن بطال: لما كَانَ للْعَبد
فِي عبَادَة ربه أجر، كَذَلِك لَهُ فِي نصح السَّيِّد أجر،
وَلَا يُقَال: الأجران متساويان، لِأَن طَاعَة الله
تَعَالَى أوجب من طَاعَته. قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ) ، قَالَ ابْن بطال: لفظ: (وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ. .) إِلَى آخِره هُوَ من قَول أبي هُرَيْرَة،
وَكَذَا قَالَه الدَّاودِيّ وَغَيره، وَقَالُوا: يدل على
أَنه مدرج يَعْنِي: الحَدِيث لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ:
(وبرُّ أُمِّي) ، وَلم يكن للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حِينَئِذٍ أم يبرها، وجنح الْكرْمَانِي إِلَى أَنه
من كَلَام الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ
قَالَ: فَإِن قلت: مَاتَ أم الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهُوَ طِفْل، فَمَا معمى بره أمه؟ قلت: لتعليم
الْأمة، أَو على سَبِيل فرض الْحَيَاة، أَو المُرَاد بِهِ
أمه الَّتِي أَرْضَعَتْه، وَهِي حليمة السعدية. انْتهى.
قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على مَا اطلع عَلَيْهِ من
يَدعِي الإدراج لما تكلّف هَذَا التَّأْوِيل المتعسف، وَقد
صرح بالإدراج الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق آخر عَن عبد
الله بن الْمُبَارك بِلَفْظ: وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة
بِيَدِهِ ... إِلَى آخِره، وَكَذَلِكَ أخرجه الْحُسَيْن بن
الْحسن الْمروزِي فِي كتاب (الْبر والصلة) عَن ابْن
الْمُبَارك، وَصرح مُسلم أَيْضا بذلك، فَقَالَ: حَدثنِي
أَبُو الطَّاهِر وحرملة بن يحيى، قَالَا: أخبرنَا ابْن
وهب، قَالَ: أخبرنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب، سَمِعت سعيد
بن الْمسيب يَقُول: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (للْعَبد الْمَمْلُوك
الصَّالح أَجْرَانِ، وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة
بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، وَالْحج وبر
أُمِّي لأحببت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك) . قَالَ:
وبلغنا أَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن يحجّ حَتَّى مَاتَت أمه
لصحبتها، قَالَ أَبُو الطَّاهِر: فِي حَدِيثه (للْعَبد
المصلح) وَلم يذكر الْمَمْلُوك. انْتهى. وَاسم أم أبي
هُرَيْرَة: أُمَيْمَة، بِالتَّصْغِيرِ، وَقيل: مَيْمُونَة،
وَهِي صحابية ثَبت ذكر إسْلَامهَا فِي (صَحِيح مُسلم)
وَبَين أَبُو مُوسَى اسْمهَا فِي ذيل (الْمعرفَة) ،
وإنمااستثنى أَبُو هُرَيْرَة هَذِه الْأَشْيَاء
الْمَذْكُورَة لِأَن الْجِهَاد وَالْحج يشْتَرط فيهمَا
إِذن السَّيِّد، وَكَذَلِكَ بر الْأُم، قد يحْتَاج إِلَى
إِذن السَّيِّد فِي بعض وجوهه، بِخِلَاف بَقِيَّة
الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة، وَلم يتَعَرَّض للعبادات
الْمَالِيَّة إِمَّا لكَونه كَانَ إِذْ ذَاك لم يكن لَهُ
مَال يزِيد على قدر حَاجته فيمكنه صرفه فِي القربات
بِدُونِ إِذن السَّيِّد، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ يرى أَن
للْعَبد أَن يتَصَرَّف فِي مَاله بِغَيْر إِذْنه. فَإِن
قيل: فِي قَوْله: أَجْرَانِ، يلْزم كَون أجر المماليك ضعف
أجر السادات؟ قلت: أجَاب الْكرْمَانِي: بِأَن لَا مَحْذُور
فِي ذَلِك، أَو يكون أجر المماليك مضاعفاً من هَذِه
الْجِهَة، وَقد يكون للسادات جِهَات أُخْرَى يسْتَحق بهَا
أجر العَبْد، أَو يكون المُرَاد تَرْجِيح العَبْد
الْمُؤَدِّي للحقين على العَبْد الْمُؤَدِّي لأَحَدهمَا.
وَالله أعلم. قَوْله: (لأحببت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك)
، الْوَاو، فِيهِ للْحَال. قَالَ الْخطابِيّ: وَلِهَذَا
الْمَعْنى امتحن الله، عز وَجل، أنبياءه، عَلَيْهِم
السَّلَام، ابتلى يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، بِالرّقِّ
(13/109)
ودانيال حِين سباه بخْتنصر، وَكَذَا مَا
رُوِيَ عَن خضر، عَلَيْهِ السَّلَام، حِين سُئِلَ لوجه
الله فَلم يكن عِنْده مَا يُعْطِيهِ، فَقَالَ لَا أملك
إلاَّ نَفسِي، فبعني واستنفق ثمني، وَنَحْو ذَلِك.
9452 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْر قَالَ حدَّثنا أَبُو
أُسامَةَ عنِ الأعْمَشِ قَالَ حدَّثنا أبُو صالِحٍ عَنْ
أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعِمَّا مَا
لِأَحَدِكُمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ ويَنْصَحُ
لِسَيِّدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ لِأَن
مَعْنَاهُ: نعمَّا للمملوك يحسن عبَادَة ربه، على مَا
نبينه عَن قريب. وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم بن نصر فَذكره بنسبته إِلَى جده السَّعْدِيّ
البُخَارِيّ، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب بني سعد
وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان
الزيات السمان.
قَوْله: (نعمَّا مَا لأَحَدهم) ، بِفَتْح النُّون وَكسر
الْعين وإدغام الْمِيم فِي الْأُخْرَى، وَيجوز كسر النُّون
وَفتحهَا أَيْضا مَعَ إسكان الْعين وتحريك الْمِيم،
فالجملة أَربع لُغَات. قَالَ الزّجاج: مَا، بِمَعْنى
الشَّيْء، فالتقدير: نعم الشَّيْء، وَقَالَ ابْن التِّين:
وَقع فِي نُسْخَة الشَّيْخ أبي الْحسن الْقَابِسِيّ: نعم
مَا، بتَشْديد الْمِيم الأولى وَفتحهَا، وَلَا وَجه لَهُ،
وَالصَّوَاب إدغامها فِي: مَا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{إنَّ الله نعمَّا يعظكم بِهِ} (النِّسَاء: 85) . والمخصوص
بالمدح مَحْذُوف. قَوْله: (يحسن) مُبين لَهُ تَقْدِيره:
نعمَّا لمملوك لأَحَدهم يحسن عبَادَة ربه وَينْصَح
لسَيِّده.
71 - (بابُ كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ علَى الرَّقِيقِ
وقَوْلِهِ عَبْدِي أوْ أمَتِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التطاول أَي الترفع والتجاوز
عَن الْحَد فِيهِ. قيل: المُرَاد بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَة
التَّنْزِيه، وَذَلِكَ لِأَن الْكل عبيد الله،، وَالله
لطيف بعباده رَفِيق بهم، فَيَنْبَغِي للسادة امْتِثَال
ذَلِك فِي عبيدهم، وَمن ملكهم الله إيَّاهُم، وَيجب
عَلَيْهِم حسن الْملك ولين الْجَانِب، كَمَا يجب على
العبيد حسن الطَّاعَة والنصح لسادتهم والانقياد لَهُم
وَترك مخالفتهم. قَوْله: (وَقَوله) ، بِالْجَرِّ، عطف على:
كَرَاهِيَة التطاول، وَالتَّقْدِير: وكراهية قَول الشَّخْص
لمن يملكهُ من العبيد: عَبِيدِي، وَلمن يملك من
الْجَوَارِي: أمتِي، وَالْكَرَاهَة فِيهِ أَيْضا للتنزيه
من غير تَحْرِيم.
وَجه الْكَرَاهَة: أَن هَذَا الأسم من بَاب الْمُضَاف
وَمُقْتَضَاهُ إِثْبَات الْعُبُودِيَّة لَهُ، وَصَاحبه
الَّذِي هُوَ الْمَالِك عبد لله تَعَالَى متعبد بأَمْره
وَنَهْيه، فإدخال مَمْلُوك الله تَعَالَى تَحت هَذَا الأسم
يُوجب الشّرك، وَمعنى المضاهاة، فَلذَلِك اسْتحبَّ لَهُ
أَن يَقُول: فَتَاي وَفَتَاتِي، وَالْمعْنَى فِي ذَلِك
كُله يرجع إِلَى الْبَرَاءَة من الْكبر، والأليق بالشخص
الَّذِي هُوَ عبد الله ومملوك لَهُ أَن لَا يَقُول:
عَبدِي، وَإِن كَانَ قد ملك قياده فِي الِاسْتِخْدَام
ابتلاء فِيهِ من الله بخلقه، قَالَ الله تَعَالَى:
{وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ}
(الْفرْقَان: 02) . وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن قَالَ عَبدِي
أَو أمتِي وَلم يرد التكبر فأرجو أَن لَا إِثْم عَلَيْهِ.
وقالَ الله تَعَالَى {والصَّالِحِينَ مِنْ عَبَادِكُمْ
وإمَائِكُمْ} (النُّور: 23) . وَقَالَ: {عَبْداً
مَمْلُوكاً} (النَّحْل: 57) . {وألْفَيا سَيِّدَهَا لَدَى
الْبابِ} (يُوسُف: 52) . وَقَالَ {مِنْ فَتَيَاتِكُمْ
الْمُؤْمِناتِ} (النِّسَاء: 52) . وَقَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ
{واذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (يُوسُف: 24) . أيْ
سَيَّدِكَ ومَنْ سَيِّدِكُمْ
ذكر هَذَا كُله دَلِيلا لجَوَاز أَن يَقُول: عَبدِي
وَأمتِي، وَأَن النَّهْي الَّذِي ورد فِي الحَدِيث عَن
قَول الرجل: عَبدِي وَأمتِي. وَعَن قَوْله: إسق ربَّكَ،
وَنَحْوه للتنزيه لَا للتَّحْرِيم. قَوْله:
{وَالصَّالِحِينَ من بادكم وَإِمَائِكُمْ} هُوَ فِي سُورَة
النُّور، وأوله: {وَانْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم
وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا
فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله وَالله وَاسع عليم}
(النُّور: 23) . وَلما أَمر الله تَعَالَى قبل هَذِه
الْآيَة بغض الْأَبْصَار وَحفظ الْفروج، بقوله: {قل
للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم}
(النِّسَاء: 52) . الْآيَة، بَين بعده أَن الَّذِي أَمر
بِهِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يحل، فَبين بعد ذَلِك
طَرِيق الْحل، فَقَالَ: {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى}
(النُّور: 23) . أَصْلهَا: أيائم، فَقلب، والأيم للرجل
وَالْمَرْأَة، فالأيامي: هم الَّذين لَا أَزوَاج لَهُم من
الرِّجَال وَالنِّسَاء، يُقَال: رجل أيم وَامْرَأَة إيم
وأيمة. وآم الرجل وآمت الْمَرْأَة بأيم أيمة، وأيوماً إِذا
لم يتزوجا بكرين كَانَا أَو ثيبين، وَقَالَ ابْن بطال:
جَازَ أَن يَقُول الرجل: عَبدِي وَأمتِي، لقَوْله
تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ}
(النُّور: 23) . وَإِنَّمَا نهى عَنهُ على سَبِيل الغلظة
لَا على سَبِيل التَّحْرِيم، وَكره ذَلِك لاشْتِرَاط
اللَّفْظ، إِذْ يُقَال: عبد الله
(13/110)
وَأمة الله. قَوْله: (وَقَالَ {عبدا
مَمْلُوكا} (النَّحْل: 57)) هُوَ فِي سُورَة النَّحْل،
وأوله: {وَضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على
شَيْء ... } (النَّحْل: 57) . الْآيَة، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ فِي أول: بَاب من ملك الْعَرَب رَقِيقا. قَوْله:
{وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب} (يُوسُف: 52) هُوَ فِي
سُورَة يُوسُف، وَقَبله: {واستبقا الْبَاب وقدت قَمِيصه من
دبر وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب} (يُوسُف: 52) .
الْآيَة، والقصة مَشْهُورَة، وَالْمعْنَى: تسابقا إِلَى
الْبَاب يَعْنِي: يُوسُف وزليخا فنفر يُوسُف عَنْهَا فأسرع
يُرِيد الْبَاب ليخرج، وأسرعت زليخا وَرَاءه لتمنعه من
الْخُرُوج، وقدت قَمِيصه من دُبُرٍ لِأَنَّهَا جبذته من
خَلفه فشقت قَمِيصه، وألفيا سَيِّدهَا أَي: صادفا ولَقِيا
بَعْلهَا، وَهُوَ قطفير، وَإِنَّمَا قَالَ: سَيِّدهَا،
وَلم يقل: سيدهما، لِأَن ملك يُوسُف لم يَصح، فَلم يكن
سيداً لَهُ على الْحَقِيقَة. قَوْله: (وَقَالَ: {من
فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} (النِّسَاء: 52)) هُوَ فِي
سُورَة النِّسَاء، وأوله: {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا
أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمَا ملكت
أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات ... }
(النِّسَاء: 52) . الْآيَة، يَعْنِي: مِنْهُ لم يجد
مِنْكُم طولا أَي: سَعَة وقدرة أَن ينْكح الْمُحْصنَات
الْمُؤْمِنَات من الْحَرَائِر العفائف وَالْمُؤْمِنَات،
فتزوجوا من الْإِمَاء الْمُؤْمِنَات اللَّاتِي يملكهن
الْمُؤْمِنُونَ، والفتيات جمع فتاة وَهِي: الآمة. قَوْله:
(وَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قومُوا إِلَى
سيدكم) ، هُوَ قِطْعَة من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي على مَا يَأْتِي،
فَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا
شُعْبَة عَن سعد، قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة، قَالَ:
سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول: نزل أهل قُرَيْظَة
على حكم سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأرْسل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد، فَأتى على
حمَار، فَلَمَّا دنا من الْمَسْجِد قَالَ للْأَنْصَار:
(قومُوا إِلَى سيدكم) الحَدِيث، وخاطب الْأَنْصَار بقوله:
(قومُوا إِلَى سيدكم) يُرِيد بِهِ سعد بن معَاذ، فَمن
هَذَا أَخذ أَن لَا يمْنَع العَبْد أَن يَقُول: سَيِّدي
ومولاء، لِأَن مرجع السِّيَادَة إِلَى معنى الرياسة على من
تَحت يَده والسياسة لَهُ وَحسن التَّدْبِير، وَلذَلِك سمى
الزَّوْج سيداً، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وألفيا
سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب} (يُوسُف: 52) . وَقد قيل
لمَالِك: هَل كره أحد بِالْمَدِينَةِ قَوْله لسَيِّده: يَا
سَيِّدي؟ قَالَ: لَا. وَاحْتج بِهَذِهِ الْآيَة، وَقَوله
تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (آل عمرَان: 93) . قيل
لَهُ: يَقُولُونَ: السَّيِّد هُوَ الله؟ قَالَ: أَيْن هُوَ
فِي كتاب الله تَعَالَى؟ وَإِنَّمَا فِي الْقُرْآن: {ربِّ
اغْفِر لي ولوالدي} (نوح: 82) . قيل: أنكر أَن يَدْعُو يَا
سَيِّدي. قَالَ: مَا فِي الْقُرْآن أحب إِلَيّ، وَدُعَاء
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد
قَالَ بعض أهل اللُّغَة: إِنَّمَا سمى السَّيِّد لِأَنَّهُ
يملك السوَاد الْأَعْظَم، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْحسن: إِن ابْني هَذَا سيد. قَوْله: (
{واذكرني عِنْد رَبك} (يُوسُف: 24)) هُوَ فِي سُورَة
يُوسُف وأوله: {وَقَالَ للَّذي ظن أَنه ناجٍ مِنْهُمَا:
أذكرني عِنْد رَبك ... } (يُوسُف: 24) الْآيَة، وقصته
مَشْهُورَة، مَعْنَاهُ: صفني عِنْد الْملك بصفتي، وقص
عَلَيْهِ بقصتي لَعَلَّه يرحمني ويخرجني من السجْن،
فَلَمَّا وكل أمره إِلَى غير الله أمكثه فِي السجْن سبع
سِنِين. وَقَالَ الْخطابِيّ: لَا يُقَال أطْعم رَبك، لِأَن
الْإِنْسَان مربوب مَأْمُور بإخلاص التَّوْحِيد وَترك
الْإِشْرَاك مَعَه، فكره لَهُ المضاهاة بالإسم. وَأما
غَيره من سَائِر الْحَيَوَان والجماد فَلَا بَأْس
بِإِطْلَاق هَذَا الإسم عَلَيْهِ عِنْد الْإِضَافَة،
كَقَوْلِهِم: رب الدَّار، وَرب الدَّابَّة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قد ورد فِي الْقُرْآن مثل قَوْله: {إِنَّه
رَبِّي أحسن مثواي} (يُوسُف: 32) . {واذكرني عِنْد رَبك}
(يُوسُف: 24) . قلت: ذَاك شرع من قبلنَا. فَإِن قلت: كَمَا
أَنه لَا رب حَقِيقَة غير الله، كَذَا لَا سيد وَلَا مولى
حَقِيقَة أَيْضا إلاَّ الله تَعَالَى، فَلِمَ جَازَ هَذَا
وَامْتنع هَذَا؟ قلت: التربية الْحَقِيقِيَّة مُخْتَصَّة
بِاللَّه تَعَالَى، بِخِلَاف السِّيَادَة فَإِنَّهَا
ظَاهِرَة، بعض النَّاس سَادَات على الآخرين، وَأما الْمولى
فقد جَاءَ بمعاني بَعْضهَا لَا يَصح إلاَّ على
الْمَخْلُوق. قَوْله: (وَمن سيدكم؟) هَذِه اللَّفْظَة
سَقَطت من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي ذَر وَأبي الْوَقْت،
وَثبتت فِي رِوَايَة البَاقِينَ، وَهِي قِطْعَة من حَدِيث
أخرجه البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق
حجاج الصَّواف عَن أبي الزبير، قَالَ: حَدثنَا جَابر،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من
سيدكم يَا بني سَلمَة؟) قُلْنَا: الْجد بن قيس على أَنا
نبخله. قَالَ وَأي داى أدوى من الْبُخْل؟ بل سيدكم عَمْرو
بن الجموح، وَكَانَ عَمْرو على أصنامهم فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يُولِمُ عَن رَسُول لله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا تزوج. وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق
مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة
نَحوه. وَالْحَد، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الدَّال: هُوَ
ابْن قيس بن صَخْر بن خنساء بن سِنَان بن عبيد بن عدي بن
غنم، بِسُكُون النُّون: ابْن كَعْب بن سَلمَة، بِكَسْر
اللَّام، يكنى أَبَا عبد الله، وَقَالَ أَبُو عمر: كَانَ
يرْمى بالنفاق، وَيُقَال: إِنَّه تَابَ وَحسنت تَوْبَته
وعاش إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَأما عَمْرو بن الجموح، بِفَتْح الْجِيم
وَضم الْمِيم المخففة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: فَهُوَ
ابْن زيد بن حرَام، بمهملتين: ابْن كَعْب بن غنم بن
سَلمَة، قَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ مَا سَادَات بني
سَلمَة، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عَقبي، وَفِي قَول: بَدْرِي،
اسْتشْهد يَوْم أحد، هُوَ وَابْنه خَلاد. فَإِن قلت: ذكر
ابْن مَنْدَه من حَدِيث كَعْب بن مَالك أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من سيدكم يَا بني سَلمَة؟)
قَالُوا: جد بن قيس، فَذكر الحَدِيث، فَقَالَ: سيدكم
(13/111)
بشر بن الْبَراء بن معْرور) ، بِسُكُون
الْعين الْمُهْملَة: ابْن صَخْر، يجْتَمع مَعَ عَمْرو بن
الجموح فِي صَخْر؟ قلت: اخْتلف فِي وَصله وإرساله على
الزُّهْرِيّ، على أَنه يُمكن التَّوْفِيق بِأَن تحمل قصَّة
بشر على أَنَّهَا كَانَت بعد قتل عَمْرو بن الجموح، وَمَات
بشر الْمَذْكُور بعد خَيْبَر، أكل مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من الشَّاة المسمومة، وَكَانَ قد شهد
الْعقبَة وبدراً، ذكره إِبْنِ إِسْحَاق.
0552 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ أخبرنَا يَحْيَى عنْ
عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافعٌ عنْ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ إذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وأحْسنَ عِبادَةَ
رَبِّهِ كانَ لَهُ أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ.
(انْظُر الحَدِيث 6452) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن العَبْد إِذا نصح
سَيّده وَأحسن عبَادَة ربه، يكره تطاول مَوْلَاهُ
عَلَيْهِ، وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي أول: بَاب العَبْد
إِذا أحسن عبَادَة ربه، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد
الله هُوَ ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرجه مُسلم فِي الْعتْق
وَفِي النذور عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى.
1552 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثنا
أَبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي
مُوساى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ
عِبَادَةَ رَبِّهِ ويُؤَدِّي إلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ
عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ والنَّصِيحَةِ والطَّاعَةِ لَهُ
أجْرَانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَيُؤَدِّي
إِلَى سَيّده) إِلَى آخِره، لِأَنَّهُ إِذا قَامَ بِمَا
ذكر فِيهِ يكره التطاول عَلَيْهِ. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْعلم فِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته، وَعَن قريب فِي:
بَاب العَبْد إِذا أحسن عبَادَة ربه، مَعَ زِيَادَة
ونقصان، يظْهر ذَلِك عِنْد النّظر بِالتَّأَمُّلِ. وَأَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن أبي بردة، واسْمه الْحَارِث
أَو عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله
بن قيس. قَوْله: (الْمَمْلُوك) مُبْتَدأ وَخَبره
الْجُمْلَة، وَهِي قَوْله: (لَهُ أَجْرَانِ) ، ويروى:
للمملوك، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة يكون قَوْله:
أَجْرَانِ مُبْتَدأ، وَقَوله: للمملوك، مقدما خَبره. وَلَا
يكون فِي هَذِه الرِّوَايَة لَفْظَة: لَهُ.
2552 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامِ بنِ
مُنَبِّهٍ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ يُحَدِّثُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّهُ قَالَ لَا يَقُلْ أحَدُكُمْ أطْعِمْ رَبَّكَ
وَضِّىءْ رَبَّكَ اسْقِ رَبَّكَ ولْيَقُلْ سَيِّدي ومَوْلا
وَلَا يَقُلْ أحَدُكُم عَبْدِي أمَتي ولْيَقُلْ فَتايَ
وفَتَاتِي وغُلامِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا يقل أحدكُم
عَبدِي أمتِي) فَإِن من جملَة التَّرْجَمَة قَوْله: عَبدِي
وَأمتِي.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد، لم يذكر
مُحَمَّد هَذَا مَنْسُوبا فِي أَكثر الرِّوَايَات إلاَّ
فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن شبويه، فَقَالَ: حَدثنَا
مُحَمَّد بن سَلام، وَكَذَا حَكَاهُ الجياني عَن رِوَايَة
ابْن السكن، وَحكى عَن الْحَاكِم أَنه الذهلي. وَقد أخرج
مُسلم هَذَا الحَدِيث فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد ابْن
رَافع عَن عبد الرَّزَّاق. وَلَا يبعد أَن يكون مُحَمَّد
هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن رَافع، لِأَنَّهُ روى عَنهُ أَيْضا
فِي (الصَّحِيح) . الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام.
الثَّالِث: معمر بن رَاشد. الرَّابِع: همام بن مُنَبّه.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة
الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي
مَوضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: تحديث أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بِهَذِهِ
الصِّيغَة نَادِر.
قَوْله: (أطْعم) بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الْإِطْعَام،
(وَرَبك) مَنْصُوب مَفْعُوله. قَوْله: (وضىء) ، أَمر بِمن:
وضأه يوضئه. قَوْله: (إسق) ،، بِكَسْر الْهمزَة: أَمر من
سقَاهُ يسْقِيه، تثبت فِي الِابْتِدَاء وَتسقط فِي الدرج.
قَوْله: (وَليقل سَيِّدي ومولاي) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
السِّيَاق يَقْتَضِي أَن يُقَال: سيدك ومولاك، لتناسب:
رَبك. قلت: الأول خطاب للسادات. وَالثَّانِي: للمماليك.
أَي: لَا يَقُول السَّيِّد الْمَمْلُوك: أطْعم رَبك، إِذْ
فِيهِ نوع من التكبر، وَلَا يَقُول العَبْد أَيْضا لفظا
(13/112)
يكون فِيهِ نوع تَعْظِيم لَهُ، بل يَقُول:
أطعمت سَيِّدي ومولاي وَنَحْوه. قلت: روى مُسلم
وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن
أبي هُرَيْرَة فِي ذَا الحَدِيث نَحوه، وَزَاد: وَلَا يقل
أحدكُم مولَايَ، فَإِن مولاكم الله. قلت: اخْتلفُوا فِي
هَذِه الزِّيَادَة على الْأَعْمَش، مِنْهُم من ذكرهَا،
وَمِنْهُم من حذفهَا، وَقَالَ عِيَاض: حذفهَا أصح، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: الْمَشْهُور حذفهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا
صرنا إِلَى التَّرْجِيح للتعارض مَعَ تعذر الْجمع وَعدم
الْعلم بالتاريخ. وَسبب النَّهْي عَن قَول: أطْعم رَبك،
وَنَحْوه مَا ذَكرْنَاهُ فِي أَوَائِل الْكتاب. وَقَالَ
ابْن بطال: لَا يجوز أَن يُقَال لأحد غير الله: رب، كَمَا
لَا يجوز أَن يُقَال: إِلَه. قلت: النَّهْي عِنْد
الْإِطْلَاق، وَأما الْإِضَافَة فَيجوز، كَمَا فِي {أذكرني
عِنْد رَبك} (يُوسُف: 24) . وَنَحْو ذَلِك، وَيحْتَمل أَن
يكون النَّهْي للتنزيه، وَمَا ورد من ذَلِك فلبيان
الْجَوَاز، وَقيل: هُوَ مَخْصُوص بِغَيْر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يرد مَا فِي الْقُرْآن، إِذْ
المُرَاد النَّهْي عَن الْإِكْثَار من ذَلِك واتخاذ
اسْتِعْمَال هَذِه اللَّفْظَة عَادَة، وَلَيْسَ المُرَاد
النَّهْي عَن ذكرهَا فِي الْجُمْلَة. فَإِن قلت: ذكر
قَوْله: (أطْعم رَبك، وضىء رَبك، إسق رَبك) ، أَمْثِلَة
تدل على التَّخْصِيص أم لَا؟ قلت: لَا، وَإِنَّمَا ذكرت
دون غَيرهَا لغَلَبَة اسْتِعْمَالهَا فِي المخاطبات.
قَوْله: (وَلَا يقل أحدكُم: عَبدِي أمتِي) ، زَاد مُسلم
فِي رِوَايَته، من طَرِيق الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن
أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: (كلكُمْ عبيد الله وكل
نِسَائِكُم إِمَاء الله) ، فأرشد، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إِلَى الْعلَّة، لِأَن حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة
إِنَّمَا يَسْتَحِقهَا الله، عز وَجل، وَلِأَن فِيهَا
تَعْظِيمًا لَا يَلِيق بالمخلوق اسْتِعْمَاله لنَفسِهِ.
قَوْله: (وَليقل: فَتَاي وَفَتَاتِي) ، زَاد مُسلم:
وجاريتي، فأرشد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إِلَى مَا يُؤَدِّي المعني مَعَ السَّلامَة من التعاظم،
لِأَن لفظ: الْفَتى والغلام، لَا يدل على مَحْض الْملك
كدلالة العَبْد، فقد كثر اسْتِعْمَال الْفَتى فِي الْحر،
وَكَذَلِكَ الْغُلَام وَالْجَارِيَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ:
المُرَاد بِالنَّهْي من اسْتَعْملهُ على جِهَة التعاظم لَا
من أَرَادَ التَّعْرِيف.
3552 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا جريرُ بنُ
حازِمٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ
أعْتَقَ نَصيباً لَهُ مِنَ العَبْدِ فَكانَ لَهُ مِنَ
المَالِ مَا يبْلُغُ قيمَتَهُ يُقَوَّمُ علَيْهِ قِيمَةَ
عَدْلٍ وأُعْتِقَ مِنْ مالِهِ وإلاَّ فَقدْ عَتَقَ منْهُ
مَا عَتَقَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لَو لم يحكم
عَلَيْهِ بِعِتْق كُله عِنْد الْيَسَار لَكَانَ بذلك
متطاولاً عَلَيْهِ، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن
الْفضل السدُوسِي. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعتْق فِي:
بَاب إِذا أعتق عبدا بَين اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حداد عَن أَيُّوب عَن
نَافِع عَن ابْن عمر ... إِلَى آخِره.
4552 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحيى عنْ
عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عنْ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ
فالأميرُ الَّذِي علَى النَّاسِ راعٍ وهْوَ مَسْئُولٌ
عَنْهُمْ والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتهِ وهْوَ
مَسْئُولٌ عَنْهُمْ والمَرْأةُ راعِيَةٌ على بَيْتِ
بَعْلِهَا وَولَدِهِ وهْيَ مَسْئولَةٌ عَنْهُم والْعَبْدُ
راعٍ على مالِ سَيِّدِهِ وهْوَ مَسئُولٌ عنْهُ ألاَّ
فكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَالْعَبْد رَاع
على مَال سَيّده) فَإِنَّهُ إِذا كَانَ ناصحاً لَهُ فِي
خدمته مُؤديا الْأَمَانَة يَنْبَغِي أَن يُعينهُ وَلَا
يَتَطَاوَل عَلَيْهِ. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله
هُوَ ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب
الْعمريّ. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن عبيد الله بن
سعيد. والْحَدِيث مضى أَيْضا فِي آخر كتاب الاستقراض فِي:
بَاب العَبْد رَاع فِي مَال سَيّده، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ
عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر، وَأخرجه
أَيْضا فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب الْجُمُعَة فِي
الْقرى والمدن: عَن بشر بن مُحَمَّد عَن عبد الله عَن
يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم ... إِلَى آخِره.
(13/113)
6552 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعيلَ قَالَ
حدَّثنا سُفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ
الله قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ وزَيْدَ بنَ خالِدٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ إذَا زَنَتِ الأمَةُ فاجْلِدُوهِا ثمَّ إذَا
زَنتْ فاجْلِدُوها ثُمَّ إذَا زَنَتْ فاجْلِدُوها فِي
الثَّالِثَة أوِ الرَّابِعَةِ يبِيعُوهَ ولَوْ بِضَفَيرٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من حَيْثُ إِن الْأمة إِذا
زنت لَا يكره التطاول عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يكره التطاول
إِذا نصحت سَيِّدهَا وَأَدت حق الله فَإِذا زنت أخلت
بالإثنين، فتؤدب، فَإِن لم ينجع تبَاع، وَلَو بِيعَتْ
بضفير، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء:
وَهُوَ الْحَبل المفتول، والْحَدِيث مضى فقي كتاب الْبيُوع
فِي: بَاب بيع العَبْد الزَّانِي، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
من طَرِيقين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
وَمَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد بن دِرْهَم أَبُو
غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله ابْن عتبَة بن
مَسْعُود.
81 - (بابٌ إذَا أتاهُ خادِمُهُ بِطَعَامِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أَتَى الشَّخْص خادمه،
وَهُوَ الَّذِي يَخْدمه، سَوَاء كَانَ عبدا أَو حرا، ذكرا
كَانَ أَو أُنْثَى، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره:
فليجلسه مَعَه فَإِن لم يجلسه فليناوله لقْمَة أَو لقمتين،
وَإِنَّمَا طوى ذكره اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي الحَدِيث.
7552 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدثنَا
شُعبَةُ قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ زِيادٍ قَالَ
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أتاى أحدَكُمْ
خادِمُهُ بِطَعَامِهِ فإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ معَهُ
فَلْيُناوِلُهُ لُقْمَةً أوْ لُقْمَتَيْنِ أوْ أُكْلَةً
أوْ أُكْلَتَيْنِ فإنَّهُ وَلِيَ عِلاجَهُ.
(الحَدِيث 7552 طرفه فِي: 0645) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن زِيَاد،
بِكَسْر الزاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، مر فِي:
بَاب غسل الأعقاب، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي الْأَطْعِمَة عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة.
قَوْله: (فَإِن لم يجلسه مَعَه) ، مَعْطُوف على مُقَدّر
تَقْدِيره: فليجلسه مَعَه. قَوْله: (أَو أُكلة) ، شكّ من
الرَّاوِي، والأكلة، بِضَم الْهمزَة: اللُّقْمَة. قَوْله:
(علاجه) مصدر عالج يعالج، وَالْمعْنَى هُنَا: ولي عمله.
وَقَوله: ولي، إِمَّا من الْولَايَة، أَي: تولى ذَلِك،
وَإِمَّا من الْوَلِيّ، وَهُوَ الْقرب أَي: قاسى كلفة
اتِّخَاذه.
وَفِيه: الْحَث على مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَهُوَ
الْمُوَاسَاة فِي الطَّعَام لَا سِيمَا فِي حق من صنعه
وَحمله، لِأَنَّهُ تحمل حره ودخانه وتعلقت بِهِ نَفسه وشم
رَائِحَته، قَالَ الْمُهلب: هَذَا الحَدِيث يُفَسر حَدِيث
أبي ذَر فِي التَّسْوِيَة بَين العَبْد وَالسَّيِّد، أَنه
على سَبِيل النّدب، لِأَنَّهُ لم يوسه فِي هَذَا الحَدِيث
فِي المواكلة، وَالله أعلم.
91 - (بابٌ العَبْدُ راعٍ فِي مَال سيِّدِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ العَبْد رَاع فِي مَال سَيّده،
فَإِذا كَانَ رَاعيا يلْزمه حفظه، وَهَذِه التَّرْجَمَة
بِعَينهَا مَضَت فِي آخر كتاب الاستقراض.
ونَسبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المالَ إِلَى
السَّيدِ
كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث ابْن عمر: من بَاعَ
عبدا وَله مَال، فَمَاله للسَّيِّد إلاَّ أَن يَشْتَرِطه
الْمُبْتَاع، وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي
حنيفَة، وَالْعَبْد لَا يملك شَيْئا، لِأَن الرّقّ منافٍ
للْملك، وَمَاله لسَيِّده عِنْد بَيْعه وَعند عتقه،
وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأبي
هُرَيْرَة، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَالثَّوْري
وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَت طَائِفَة: مَاله دون سَيّده
فِي الْعتْق، وَالْبيع، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَابْنه
وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ
النَّخعِيّ وَالْحسن.
8552 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخْبَرنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالمُ بنُ عبْدِ الله عنْ
(13/114)
عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما أنَّهُ سَمِعَ رسولَ لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يقولُ كلُّكم راعٍ وَمَسْئُول عنْ رَعِيَّتِهِ فالإمَامُ
راعٍ ومسْئولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ والرَّجُلُ فِي أهْلِهِ
راعٍ وهْوَ مَسْئولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ والْمَرْأةُ فِي
بيْتِ زَوْجهَا راعِيَةٌ وهْيَ مَسْئُولَةٌ عنْ
رَعِيَّتِها والخَادِمُ فِي مالِ سَيِّدِهِ راعٍ وهْوَ
مَسْئولٌ عَن رَعِيَّتِهِ قَالَ فسَمِعْتُ هؤلاَءِ مِنَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ والرَّجُلُ فِي
مالِ أبِيهِ راعٍ ومسئولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ فكُلُّكُمْ
رَاعٍ وكلُّكُمْ مسْئُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَالْخَادِم فِي مَال
سَيّده رَاع، وَالْمرَاد من الْخَادِم هُنَا العَبْد،
وَإِن كَانَ يتَنَاوَل غَيره مِمَّن يخْدم غَيره، وَأَبُو
الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب هُوَ ابْن
أبي حَمْزَة الْحِمصِي، والْحَدِيث قد مر فِي الْبَاب
السَّابِق، وَفِي غَيره فِيمَا مضى، وَقد بَيناهُ فِي
الْبَاب السَّابِق.
02 - (بابٌ إذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: إِذا ضرب الرجل عَبده لأجل
التَّأْدِيب، فليجتنب وَجهه إِكْرَاما لَهُ، قَالَ
الْمُهلب: لِأَن الله خلقه بِيَدِهِ. قلت: يَعْنِي: بقدرته
الْبَالِغَة الْكَامِلَة، وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام
فِيهِ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
9552 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثنا
ابنُ وهْبٍ قَالَ حدَّثني مالكُ بنُ أنَسٍ قَالَ وأخبرَنِي
ابنُ فُلانٍ عنْ سَعِيدٍ الْمقْبُريِّ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وحدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ
هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قاتَلَ
أحَدُكُمْ فلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه إِذا وَجب احتناب
الْوَجْه عِنْد الْقِتَال مَعَ الْكَافِر، فاجتناب وَجه
العَبْد الْمُؤمن أوجب.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد بن عبيد الله أبي ثَابت الْمدنِي،
مولى عُثْمَان بن عَفَّان، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن
وهب هُوَ عبد الله بن وهب. قَوْله: (قَالَ وَأَخْبرنِي
ابْن فلَان) ، أَي: قَالَ ابْن وهب: حَدثنِي مَالك وَابْن
فلَان، كِلَاهُمَا عَن سعيد المَقْبُري، قيل: لم يُصَرح
باسم ابْن وهب لضَعْفه، قَالَ الْمزي: يُقَال: هُوَ ابْن
سمْعَان، يَعْنِي: عبد الله بن زِيَاد بن سُلَيْمَان بن
سمْعَان الْمدنِي، وَكَذَا قَالَ أَبُو نصر الكلاباذي
وَغَيره، وروى عَن أبي ذَر الْهَرَوِيّ فِي رِوَايَته عَن
الْمُسْتَمْلِي، كَذَلِك، وَقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي
(غرائب مَالك) من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن خرَاش، بِكَسْر
الْخَاء الْمُعْجَمَة، عَن البُخَارِيّ قَالَ: حَدثنَا
أَبُو ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله الْمدنِي، فَذكر
الحَدِيث، لَكِن قَالَ بدل قَوْله ابْن فلَان ابْن
سمْعَان، فَكَأَنَّهُ لم يُصَرح باسمه فِي الصَّحِيح، بل
كنى بِهِ لأجل ضعفه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيُقَال: إِن
مَالِكًا كذبه، وَهُوَ أحد المتروكين. قلت: كذبه أَحْمد
وَغَيره أَيْضا وَمَاله فِي البُخَارِيّ شيىء إلاَّ هَذَا
الْموضع.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد
الله الْجعْفِيّ البُخَارِيّ، الْمَعْرُوف بالمسندي عَن
عبد الرَّزَّاق بن همام عَن همام بن مُنَبّه
الْأَنْبَارِي، وَلم يسق الحَدِيث على لفظ هَذَا
الطَّرِيق. وَأخرجه مُسلم من طَرِيق أبي صَالح عَن أبي
هُرَيْرَة بِلَفْظ: فليتق، بدل: فليتجنب، وَله من طَرِيق
الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: إِذا ضرب، وَكَذَا
فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق عجلَان، وَلأبي
دَاوُد من طَرِيق أبي سَلمَة، كِلَاهُمَا عَن أبي
هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ بَعضهم:
هَذَا يُفِيد على أَن لفظ: قَاتل، بِمَعْنى: قتل، وَأَن
المفاعلة لَيست على ظَاهرهَا. قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل
بَاب المفاعلة على حَالهَا ليتناول مَا يَقع عِنْد أهل
الْعدْل مَعَ الْبُغَاة، وَعند دفع الصَّائِل، فيجتنبون
عِنْد ذَلِك عَن الضَّرْب على الْوَجْه، فَإِذا وَجب
الاجتناب فِي مثل هَذَا الْموضع، فَفِي بَاب التَّعْزِير
والتأديب وَالْحُدُود بطرِيق الأولى فِي الْوُجُوب، وَقد
روى أَبُو دَاوُد وَغَيره فِي حَدِيث أبي بكرَة فِي قصَّة
الَّتِي زنت فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
برجمها، وَقَالَ: إرموا وَاتَّقوا الْوَجْه، فَإِذا كَانَ
ذَلِك فِي حق من تعين إهلاكه، فَمن دونه أولى.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء، إِنَّمَا نهى عَن
ضرب الْوَجْه لِأَنَّهُ لطيف
(13/115)
يجمع المحاسن، وَأكْثر مَا يَقع الْإِدْرَاك بأعضائه فيخشى
من ضربه أَن يبطل أَو يتشوه كلهَا أَو بَعْضهَا، والشين
فِيهِ فَاحش لبروزه وظهوره، بل لَا يسلم إِذا ضرب غَالِبا
من شين. انْتهى. وَهَذَا تَعْلِيل حسن، وَلَكِن روى مُسلم،
وَفِي رِوَايَته تَعْلِيل آخر، فَإِنَّهُ روى الحَدِيث من
طَرِيق أبي أَيُّوب المراعي عَن أبي هُرَيْرَة، وَزَاد:
فَإِن الله خلق آدم على صورته. وَاخْتلف فِي مرجع هَذَا
الضَّمِير، فَعِنْدَ الْأَكْثَرين: يرجع إِلَى
الْمَضْرُوب، وَهَذَا حسن، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أعَاد
بَعضهم الضَّمِير على الله، متمسكاً بِمَا ورد من ذَلِك
فِي بعض طرقه أَن الله تَعَالَى خلق آدم على صُورَة
الرَّحْمَن، وَأنكر الْمَازرِيّ وَغَيره صِحَة هَذِه
الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: وعَلى تَقْدِير صِحَّتهَا يحمل
على مَا يَلِيق بالباري سُبْحَانَهُ، عز وَجل. قيل: كَيفَ
يُنكر هَذِه الزِّيَادَة وَقد أخرجهَا ابْن أبي عَاصِم فِي
السّنة، وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر بِإِسْنَاد
رِجَاله ثِقَات، وأخرجها أَيْضا ابْن أبي عَاصِم من طَرِيق
أبي يُوسُف عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ يرد التَّأْوِيل
الأول؟ قَالَ: من قَاتل فليجتنب الْوَجْه فَإِن صُورَة
وَجه الْإِنْسَان على صُورَة وَجه الرَّحْمَن، فَإِذا
كَانَ الْأَمر كَذَلِك تعين إجراؤه على مَا تقرر بَين أهل
السّنة من إمراره، كَمَا جَاءَ من غير اعْتِقَاد تَشْبِيه
أَو يؤول على مَا يَلِيق بالرحمن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَإِن قلت: مَا حكم هَذَا النَّهْي؟ قلت: ظَاهره
التَّحْرِيم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم من
حَدِيث سُوَيْد بن مقرن أَنه رأى رجلا لطم غُلَامه،
فَقَالَ: أما علمت أَن الصُّورَة مُحرمَة؟ . |