عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 93 - (بابُ التَّحَنُّطِ عِنْدَ القِتَالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال الحنوط عِنْد
الْقِتَال، وَقد مر تَفْسِير الحنوط فِي بَاب الْجَنَائِز،
وَهُوَ عطر مركب من أَنْوَاع الطّيب، يطيب بِهِ الْمَيِّت.
5482 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الوَهَّابِ قَالَ
حدَّثنا خالِدُ بنُ الحَارِثِ قالَ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ
عنْ مُوسَى بنِ أنَسٍ قَالَ وذَكَرَ يَوْمَ اليَمَامَةِ
قَالَ أتَى أنَسٌ ثابتَ بنَ قَيْسٍ وَقد حَسَرَ عنْ
فَخِذَيْهِ
(14/138)
وهْوَ يَتَحَنَّطُ فَقَالَ يَا عَمِّ مَا
يَحْبِسُكَ أنْ لاَ تَجِيءَ قَالَ الآنَ يَا ابنَ أخِي
وجَعَلَ يتَحَنَّطَ يَعْنِي مِنَ الحُنُوطِ ثُمَّ جاءَ
فَجَلَسَ فذَكَرَ فِي الحَدِيثِ انْكِشَافاً مِنَ النَّاسِ
فَقَالَ هَكَذَا عنْ وُجُوهِنَا حَتَّى نضَارِبَ القَوْمَ
مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أقْرَانَكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهُوَ يتحنط) ، و (جعل
يتحنط يَعْنِي: من الحنوط) .
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن عبد
الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: خَالِد بن الْحَارِث الهُجَيْمِي، بِضَم
الْهَاء وَفتح الْجِيم، مر فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة.
الثَّالِث: ابْن عون، بِفَتْح الْعين: وَهُوَ عبد الله بن
عون، مر فِي الْعلم. الرَّابِع: مُوسَى بن أنس بن مَالك.
الْخَامِس: أنس بن مَالك. السَّادِس: ثَابت بن قيس بن
شماس، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم وَفِي
آخِره سين مُهْملَة: الخزرجي خطيب الْأَنْصَار، قتل يَوْم
الْيَمَامَة شَهِيدا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن
شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم بصريون مَا
خلا ثَابتا. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
التَّابِعِيّ، وهما ابْن عون ومُوسَى، وَابْن عون رأى أنس
بن مَالك وَلم يثبت لَهُ سَماع مِنْهُ. وَفِيه: إثنان من
الصَّحَابَة وهما: أنس وثابت. وَفِيه: أَتَى أنس ثَابت بن
قيس، وَفِي رِوَايَة البرقاني من وَجه آخر، فَقَالَ: عَن
مُوسَى بن أنس عَن أَبِيه، قَالَ: أتيت ثَابت بن قيس،
وَفِي رِوَايَة ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) : حَدثنَا
الْأنْصَارِيّ حدثناابن عون أخبرنَا مُوسَى بن أنس عَن أنس
بن مَالك، قَالَ: لما كَانَ يَوْم الْيَمَامَة جِئْت إِلَى
ثَابت بن قيس بن شماس ... فَذكره، وَهَذَا الحَدِيث من
أَفْرَاده.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَذكر يَوْم الْيَمَامَة) ،
الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ بِلَا
وَاو، و: الْيَمَامَة، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَتَخْفِيف الْمِيم: وَهِي مَدِينَة من الْيَمين على
مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف، سميت باسم جَارِيَة زرقاء
كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة بِلَاد، وَكَانَ
اسْمهَا: الجو، فسميت باسم هَذِه الْمَرْأَة لِكَثْرَة مَا
أضيف إِلَيْهَا. أَو ذكر الجاحظ أَن الْيَمَامَة كَانَت من
بَنَات لُقْمَان بن عَاد، وَأَن اسْمهَا عنز، وَكَانَت
زرقاء، وَقَالَ المَسْعُودِيّ: هِيَ يمامة بنت رَبَاح بن
مرّة، وَيَوْم الْيَمَامَة هُوَ الْيَوْم الَّذِي كَانَت
فِيهِ الْوَقْعَة بَين الْمُسلمين وَبَين بني حنيفَة
أَصْحَاب مُسَيْلمَة الْكذَّاب، وَكَانَت فِي ربيع الأول
من سنة اثْنَتَيْ عشرَة من الْهِجْرَة فِي خلَافَة أبي بكر
الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل: كَانَت فِي
أَوَاخِر سنة إِحْدَى عشرَة، وَالْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ:
أَن ابتداءها كَانَ فِي السّنة الْحَادِيَة عشرَة
وانتهاءها فِي السّنة الثَّانِيَة عشرَة، وَقتل فِيهَا
جمَاعَة من الْمُسلمين وهم أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ من
حَملَة الْقُرْآن وَمن الصَّحَابَة، مِنْهُم: ثَابت بن قيس
ابْن شماس، وَكَانَت راية الْأَنْصَار مَعَ ثَابت هَذَا،
وَكَانَ رَأس الْعَسْكَر خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ بَنو حنيفَة نَحوا من أَرْبَعِينَ
ألفا والمسلمون نَحوا من ...
... وَقتل من بني حنيفَة نَحْو من إِحْدَى وَعشْرين ألفا،
وَفِيهِمْ مُسَيْلمَة الْكذَّاب، قَتله وَحشِي بن حَرْب
قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَمَاه
بِحَرْبَة فأصابته وَخرجت من الْجَانِب الآخر، وسارع
إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك بن حرثة فَضَربهُ
بِالسَّيْفِ فَسقط. قَوْله: (أَتَى أنس ثَابت بن قيس) ،
وارتفاع: أنس، بالفاعلية وانتصاب: ثَابت، بالمفعولية.
قَوْله: (وَقد حسر) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَلِكَ
فِي قَوْله: (وَهُوَ يتحنط) وحسر، بمهملتين مفتوحتين
مَعْنَاهُ: كشف. قَوْله: (يَا عَم) ، إِنَّمَا دَعَاهُ
بذلك لِأَنَّهُ كَانَ أسن مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ من قَبيلَة
الْخَزْرَج. قَوْله: (مَا يحبسك؟) أَي: مَا يؤخرك. قَوْله:
(أَن لَا تَجِيء؟) ، بِالنّصب. قَالَ الْكرْمَانِي: لَا،
زَائِدَة، وبالرفع وَتَخْفِيف اللَّام، وَفِي رِوَايَة
الْأنْصَارِيّ: (فَقلت: يَا عَم! أَلا ترى مَا يلقى
النَّاس؟) وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَلا تَجِيء؟ وَكَذَا
فِي رِوَايَة خَليفَة فِي (تَارِيخه) . وَقَالَ فِي
جَوَابه: بلَى يَا ابْن أخي الْآن. قَوْله: (وَجعل يتحنط)
، أَي: جعل يسْتَعْمل الحنوط. قَوْله: (يَعْنِي من الحنوط)
، إِنَّمَا فسر بِهَذَا حَتَّى لَا يتصحف بِمَا يشتق من
الْخياطَة، أَو من شَيْء آخر. وَقَالَ بَعضهم: وَكَأن
قَائِلهَا أَرَادَ دفع من يتَوَهَّم أَنَّهَا من
(14/139)
الْحِنْطَة. قلت: هَذَا الْوَهم بعيد وَلَا
معنى يُفِيد أَن يتحنط من الْحِنْطَة، وَهَذِه اللَّفْظَة
لم تقع فِي رِوَايَة الْأنْصَارِيّ، وَلكنهَا مَوْجُودَة
فِي الأَصْل.
وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ بن عبد الْعَزِيز وَأبي
مُسلم الكبشي، قَالَا: حَدثنَا حجاج بن منهال (ح) وَحدثنَا
مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْمُؤَدب حَدثنَا عَفَّان أخبرنَا
حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس أَن ثَابت بن قيس بن
شماس جَاءَ يَوْم الْيَمَامَة وَقد تحنظ وَنشر أَكْفَانه،
وَقَالَ: أللهم إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ
هَؤُلَاءِ، وأعتذر مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ، فَقيل: وَكَانَت
لَهُ درع فسرقت، فَرَآهُ رجل فِيمَا يرى النَّائِم،
فَقَالَ: إِن دِرْعِي فِي قدر تَحت كانون فِي مَكَان كَذَا
وَكَذَا، وأوصاه بوصايا، فطلبوا الدرْع فوجدوها وانفذوا
الْوَصَايَا. وَعند التِّرْمِذِيّ: قَالَ أنس: لما
انْكَشَفَ النَّاس يَوْم الْيَمَامَة، قلت لِثَابِت ...
فَذكر الحَدِيث. وَفِيه: وَكَانَ عَلَيْهِ درع نفيسة، فَمر
بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخَذُوهَا. وَفِيه: لما رأى فِي
الْمَنَام وَدلّ على الدرْع، قَالَ: لَا تقل هَذَا مَنَام،
فَإِذا جِئْت أَبَا بكر فَأعلمهُ أَن على من الدّين كَذَا
وَكَذَا، وَفُلَان من رقيقي عَتيق، وَفُلَان ... فأنفذ
أَبُو بكر وَصيته، وَلَا يعلم أحد أجيزت وَصيته بعد مَوته
سواهُ. وَفِي كتاب (الرِّدَّة) لِلْوَاقِدِي بِإِسْنَادِهِ
عَن بِلَال أَنه رأى سَالم مولى أبي حُذَيْفَة، وَهُوَ
قافل إِلَى الْمَدِينَة من غَزْوَة الْيَمَامَة: أَن
دِرْعِي مَعَ الرّفْقَة الَّذين مَعَهم الْفرس الأبلق تَحت
قدرهم، فَإِذا أَصبَحت فَخذهَا وأدِّها إِلَى أَهلِي،
وَإِن عَليّ شَيْئا من الدّين فمرهم أَن يقضوه عني،
فَأخْبرت أَبَا بكر بذلك، فَقَالَ: نصدق قَوْلك ونقضي
عَنهُ دينه الَّذِي ذكرته. وَفِيه: أَن عَبدِي سَعْدا
وسالما حران. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ أنس: لما
انْكَشَفَ النَّاس يَوْمئِذٍ: أَلا ترى يَا عَم؟ فَقَالَ:
مَا هَكَذَا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بئْسَمَا عودتم أَقْرَانكُم. ثمَّ قَاتل حَتَّى
قتل، وَكَانَ عَلَيْهِ درع نفيسة، فَمر بِهِ رجل من
الْمُسلمين فَأَخذهَا، فَرَآهُ بعض الصَّحَابَة فِي
الْمَنَام، فَقَالَ: إِنِّي أوصيك بِوَصِيَّة فَلَا
تضيعها، إِنِّي لما قتلت أَخذ رجل دِرْعِي، ومنزله فِي
أقْصَى النَّاس، وَعند خبائه فرس، وَقد كفا على الدرْع
برمة وَفَوق البرمة رَحل، فأتِ خَالِدا، وَكَانَ أَمِير
الْعَسْكَر وَقل لَهُ يَأْخُذ دِرْعِي مِنْهُ، فَإِذا قدمت
الْمَدِينَة فَقل لخليفة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يَعْنِي: أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:
إِن عَليّ من الدّين كَذَا وَكَذَا، وَفُلَان من رَقِيق
عَتيق. فَأتى الرجل خَالِدا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَأخْبرهُ، فَبعث إِلَى الدرْع فَأتى بهَا، وَحدث أَبَا
بكر فَأجَاز وَصيته، وَلَا نعلم أحدا أجيزت وَصيته بعد
مَوته غير ثَابت، وَهُوَ من الغرائب.
قَوْله: (فَذكر فِي الحَدِيث انكشافاً) أَي: فَذكر أنس فِي
حَدِيثه نوعا من الانهزام، أَي: أَشَارَ إِلَى الْفرج بَين
وُجُوه الْمُسلمين والكافرين بِحَيْثُ لَا يبْقى بَيْننَا
وَبينهمْ أحد، وقدرنا على أَن نضاربهم بِلَا حَائِل
بَيْننَا وبينم، فَقَالَ ثَابت: مَا كُنَّا نَفْعل كَذَا
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل كَانَ
الصَّفّ الأول لَا ينحرف عَن مَوْضِعه، وَكَانَ الصَّفّ
الثَّانِي مساعداً لَهُم، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي
زَائِدَة: فجَاء حَتَّى جلس فِي الصَّفّ وَالنَّاس
منكشفون، أَي: منهزمون. قَوْله: (بئس مَا عودتم
أَقْرَانكُم) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع
فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: عودكم أَقْرَانكُم. قلت:
فعلى الأول: أَقْرَانكُم، بِالنّصب، لِأَنَّهُ مفعول:
عودتم، وعَلى الثَّانِي: بِالرَّفْع، لِأَنَّهُ فَاعل:
عودكم. والأقران: النظراء، وَهُوَ جمع قرن، بِكَسْر
الْقَاف، وَهُوَ الَّذِي يعادل الآخر فِي الشدَّة، والقرن،
بِفَتْح الْقَاف: من يعادل فِي السن، وَأَرَادَ ثَابت،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهَذَا الْكَلَام توبيخ
المنهزمين، أَي: عودتم نظراءكم فِي الْقُوَّة من عَدوكُمْ
الْفِرَار مِنْهُم حَتَّى طمعوا فِيكُم؟ وَفِي رِوَايَة
الْأنْصَارِيّ وَابْن أبي زَائِدَة، ومعاذ بن معَاذ:
فَتقدم فقاتل حَتَّى قتل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دلَالَة على الْأَخْذ
بالشدة فِي اسْتِهْلَاك النَّفس وَغَيرهَا فِي ذَات الله،
عز وَجل، وَترك الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ لمن قدر عَلَيْهَا.
وَفِيه: أَن التَّطَيُّب للْمَوْت سنة من أجل مُبَاشرَة
الْمَلَائِكَة للْمَيت. وَفِيه: التداعي لِلْقِتَالِ،
لِأَن أنسا قَالَ لِعَمِّهِ: مَا يحبسك أَن لَا تَجِيء؟
وَفِيه: قُوَّة ثَابت بن قيس وَصِحَّة يقينه وَنِيَّته.
وَفِيه: التوبيخ لمن نفر من الْحَرْب. وَفِيه: الْإِشَارَة
إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ الصَّحَابَة فِي عهد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الشجَاعَة والثبات فِي
الْحَرْب.
رَوَاهُ حَمَّادٌ عنْ ثَابِتَ عنْ أنَسٍ
أَي: روى الحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ
عَن أنس بن مَالك، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البرقاني عَن
أبي الْعَبَّاس ابْن حمدَان بِالْإِسْنَادِ عَن قبيصَة بن
عقبَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس بِلَفْظ:
انكشفنا يَوْم الْيَمَامَة فجَاء ثَابت بن
(14/140)
قيس بن شماس، فَقَالَ: بئس مَا عودتم
أَقْرَانكُم مُنْذُ الْيَوْم، وَإِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك
مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم، وَأَعُوذ بك مِمَّا
صنع هَؤُلَاءِ، وخلوا بَيْننَا وَبَين أقراننا سَاعَة،
وَقد كَانَ تكفن وتحنيط، فقاتل حَتَّى قتل. قَالَ: وَقتل
يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ من الْأَنْصَار فَكَانَ أنس يَقُول:
يَا رب سبعين من الْأَنْصَار يَوْم أحد، سبعين يَوْم
مُؤْتَة، سبعين يَوْم بِئْر مَعُونَة، سبعين يَوْم
الْيَمَامَة ... وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان.
04 - (بابُ فَضْلِ الطَّلِيعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الطليعة، بِفَتْح الطَّاء
وَكسر اللَّام، وطليعة الْجَيْش من بعث ليعلم الْعَدو
ويطلع على أَحْوَالهم، وَيجمع على طلائع، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: الطَّلَائِع هُوَ الْقَوْم الَّذين يبعثون
ليطلعوا، طلع الْعَدو كالجواسيس،. والطليعة تطلق على
الْوَاحِد وعَلى الْجَمَاعَة، قلت: طلع الْعَدو، بِكَسْر
الطَّاء وَسُكُون اللَّام: اسْم من اطلع على الشَّيْء إِذا
علمه.
6482 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عنْ جابِرٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القَوْمِ يَوْمَ
الأحْزَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ أَنا ثُمَّ قَالَ مَنْ
يأتِينِي بِخَبَرِ القَوْمُ قَالَ الزُّبَيْرُ أنَا
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ لِكُلِّ
نَبِيٍّ حَوَارِيَّاً وحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن قَوْله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (من يأتيني بِخَبَر الْقَوْم؟) انتداب
لأحد يَأْتِيهِ بِخَبَر الْعَدو، فَانْتدبَ لَهُ الزبير،
فَاسْتحقَّ الْفضل بذلك.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن
مُحَمَّد بن كثير. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي
كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن وَكِيع.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مَحْمُود بن
غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي السّير عَن
قَاسم بن زَكَرِيَّا. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن
عَليّ ابْن مُحَمَّد عَن وَكِيع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من يأتيني بِخَبَر الْقَوْم؟) .
أَرَادَ بهم بني قُرَيْظَة من الْيَهُود، وَعند
النَّسَائِيّ قَالَ وهب بن كيسَان: أشهد لسمعت جَابِرا
يَقُول: لما اشْتَدَّ الْأَمر يَوْم بني قُرَيْظَة من
الْيَهُود، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(من يأتينا بخبرهم؟) فَلم يذهب أحد، فَذهب الزبير فجَاء
بخبرهم، ثمَّ اشْتَدَّ الْأَمر أَيْضا فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يأتينا بخبرهم؟ فَلم يذهب أحد
فَذهب الزبير، فجَاء بخبرهم، ثمَّ اشْتَدَّ الْأَمر
أَيْضا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن
لكل نَبِي حوارِي. وَإِن الزبير حوارِي) . وَعند ابْن أبي
عَاصِم، من حَدِيث وهب بن كيسَان عَن جَابر: لما كَانَ
يَوْم الخَنْدَق وَاشْتَدَّ الْأَمر، قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَلا رجل يَأْتِي بني قُرَيْظَة
فَيَأْتِينَا بخبرهم؟) فَانْطَلق الزبير فجَاء بخبرهم،
ثمَّ اشْتَدَّ الْأَمر فَقَالَ (ألاَ رجل ينْطَلق إِلَى
بني قُرَيْظَة؟) الحَدِيث، وَفِي لفظ: ثَلَاث مَرَّات،
فَلَمَّا رَجَعَ جمع لَهُ أَبَوَيْهِ. قَوْله: (يَوْم
الْأَحْزَاب) ، هُوَ يَوْم الخَنْدَق، والأحزاب كَانُوا من
قُرَيْش وَغَيرهم، وَكَانَ بَنو قُرَيْظَة نقضوا الْعَهْد
الَّذِي كَانَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين ووافقوا قُريْشًا
على حَرْب الْمُسلمين. قَوْله: (حوارياً) أَي: أَي خَاصَّة
من الصَّحَابَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ والحواري وَمِنْه
الحواريون من أَصْحَاب الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام أَي
خلصاؤه وأنصاره، وَأَصله من التحوير وَهُوَ التبييض.
وَقيل: (إِنَّهُم كَانُوا قصارين يحورون الثِّيَاب، أَي:
يبيضونها) . وَمِنْه الْخبز الْحوَاري الَّذِي نخل مرّة
بعد مرّة. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الحواريون خلصاء
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ
عبد الرَّزَّاق: عَن معمر عَن قَتَادَة: الْحوَاري
الْوَزير إِذا أضيف الْحوَاري إِلَى: يَا، من
الْمُتَكَلّم: بِحَذْف الْيَاء وَحِينَئِذٍ ضَبطه جمَاعَة
بِفَتْح الْيَاء وَأَكْثَرهم بِكَسْرِهَا. قَالُوا:
وَالْقِيَاس الْكسر، لكِنهمْ حِين استثقلوا الكسرة
وَثَلَاث ياآت حذفوا يَاء الْمُتَكَلّم وأبدلوا من الكسرة
فَتْحة، وَقد قرىء فِي الشواذ: إِن ولي الله، بِالْفَتْح
وَفِي (التَّوْضِيح) : اعْلَم أَنه وَقع هُنَا مَا
ذَكرْنَاهُ، أَرَادَ بِهِ: من أَن الَّذِي توجه إِلَى كشف
بني قريضة الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَالْمَشْهُور كَمَا قَالَه شَيخنَا فتح الدّين
الْيَعْمرِي: أَن الَّذِي توجه ليَأْتِي بِخَبَر الْقَوْم
حُذَيْفَة بن الْيَمَان، كَمَا روينَا عَنهُ من طَرِيق
ابْن إِسْحَاق وَغَيره، قَالَ: يَعْنِي: رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (من رجل يقوم فَينْظر لنا مَا فعل
الْقَوْم: ثمَّ يرجع) فَشرط لَهُ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الرّجْعَة، أسأَل الله أَن يَجعله رفيقي
فِي الْجنَّة؟ فَمَا قَامَ رجل من شدَّة الْخَوْف والجزع
وَالْبرد، فَلَمَّا لم يقم أحد دَعَاني، فَقَالَ: يَا
حُذَيْفَة إذهب وادخل فِي الْقَوْم ... وَذكر الحَدِيث،
وَذكر ابْن عُيَيْنَة وَغَيره خُرُوج حُذَيْفَة إِلَى
الْمُشْركين ومشقة ذَلِك عَلَيْهِ إِلَى أَن
(14/141)
قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
(قُم يحفظك الله من أمامك وَمن خَلفك وَعَن يَمِينك وَعَن
شمالك حَتَّى ترجع إِلَيْنَا) ، فَقَامَ حُذَيْفَة
مُسْتَبْشِرًا بِدُعَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، كَأَنَّهُ احْتمل احْتِمَالا، فَمَا شقّ عَلَيْهِ
شَيْء مِمَّا كَانَ فِيهِ، وَالله أعلم بِحَقِيقَة
الْحَال.
14 - (بابٌ هَلْ يَبْعَثُ الطَّلِيعَةَ وَحْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يبْعَث الطليعة إِلَى كشف
الْعَدو مُنْفَردا وَحده؟ وَجَوَاب: هَل، الاستفهامية
مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: يبْعَث أَو يجوز بَعثه وَحده؟
7482 - حدَّثنا صَدَقَةُ قَالَ أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ
قَالَ حَدثنَا ابنُ الْمُنْكَدِرِ أنَّهُ سَمِعَ جابِرَ
بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ
ندَبَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَاس قَالَ
صَدَقَةُ أظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فانْتَدَبَ
الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ
نَدَبَ النَّاسَ فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِياً
وإنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ..
هَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْبَاب السَّابِق،
غير أَنه رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ، وَهنا رَوَاهُ: عَن صَدَقَة ابْن الْفضل عَن
سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَأَيْضًا هُنَا ترْجم عَلَيْهِ
فِي جَوَاز إرْسَال الطليعة وَحده. قَوْله: (ندب النَّاس)
، يُقَال: نَدبه لأمر فَانْتدبَ لَهُ أَي: دَعَاهُ لَهُ
فَأَجَابَهُ. قَوْله: (أَظُنهُ) ، أَي: قَالَ صَدَقَة، شيخ
البُخَارِيّ: أَظن أَن النّدب يَوْم الخَنْدَق، وَرَوَاهُ
الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة فَقَالَ فِيهِ يَوْم
الخَنْدَق من غير شكّ.
وَفِيه: شجاعة الزبير، وتقدمته وفضله. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: وَلَا أعلم رجلا جمع لَهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أَبَوَيْهِ إلاَّ الزبير بن الْعَوام
وَسعد بن أبي وَقاص، كَانَ يَقُول لَهُ: (إرم فدَاك أبي
وَأمي) . وَإِنَّمَا كَانَ يَقُول لغَيْرِهِمَا: (إرم
فدَاك أبي، أَو فدتك أُمِّي) ، وَهِي كلمة تقال للتبجيل
لَيْسَ على الدُّعَاء وَلَا على الْخَبَر، وَقَالَ ابْن
بطال: زعم بعض الْمُعْتَزلَة أَن بعث النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الزبير وَحده معَارض لقَوْله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (الرَّاكِب شَيْطَان) ، وَنهى أَيْضا عَن
أَن يُسَافر الرجل وَحده، قَالَ الْمُهلب: وَلَيْسَ
بَينهمَا تعَارض لاخْتِلَاف الْمَعْنى فِي الْحَدِيثين،
وَهُوَ أَن الَّذِي يُسَافر وَحده لَا يأنس بِأحد وَلَا
يقطع طَرِيقه بمحدث يهون عَلَيْهِ مؤونة السّفر، كالشيطان
الَّذِي لَا يأنس بِأحد وَيطْلب الْوحدَة ليغويه. وَأما
سفر الزبير فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ كَانَ كالجاسوس
يتجسس على قُرَيْش مَا يُرِيدُونَ من حَرْب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُنَاسِبه إلاَّ الْوحدَة، على
أَنه خرج فِي مثل هَذَا الْأَمر الخطير لحماية الدّين
وَإِظْهَار طَاعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم
يزل، كَانَ عَلَيْهِ حفظ من الله تَعَالَى ببركة دُعَاء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَيْنَ هَذَا من
ذَلِك؟ أَلا يرى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما
بلغه أَن سَعْدا بنى قصراً أرسل شخصا وَحده ليهدمه؟ وَذكر
ابْن أبي عَاصِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أرسل عبد الله بن أنس سَرِيَّة وَحده؟ وَبعث عَمْرو بن
أُميَّة وَحده عينا؟ وَذكر ابْن سعد: أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أرسل سَالم بن عُمَيْر سَرِيَّة وَحده،
وَحمل الطَّبَرِيّ الحَدِيث على جَوَاز السّفر للرجل
الْوَاحِد إِذا كَانَ لَا يهوله هول، وإلاَّ فَمَمْنُوع من
السّفر وَحده خشيَة على عقله أَو يَمُوت فَلَا يدْرِي
خَبره أحد وَلَا يشهده، كَمَا قَالَ عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: أَرَأَيْتُم إِذا سَافر وَحده فَمَاتَ، من
أسأَل عَنهُ؟ قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي عَن
السّفر وَحده نهي تَأْدِيب وإرشاد إِلَى مَا هُوَ الأولى.
وَقَالَ ابْن التِّين: وَحمله الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد على
السّفر الَّذِي يقصر فِيهِ الصَّلَاة.
24 - (بابُ سَفرِ الإثْنيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز سفر الرجلَيْن مَعًا
وَلَيْسَ المُرَاد سفر يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَزعم ابْن
التِّين أَن الدَّاودِيّ فهم مِنْهُ سفر يَوْم
الْإِثْنَيْنِ، وَاعْترض على البُخَارِيّ بقوله: لَيْسَ
فِي الحَدِيث ذكر سفر يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ
بِشَيْء، لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ إلاَّ سفر الرجلَيْن،
لِأَنَّهُ تقدم ذكر سفر الرجل وَحده ثمَّ أتبعه بِبَيَان
سفر الرجلَيْن، وَلَو نظر متن الحَدِيث لوضح لَهُ
(14/142)
بِخِلَاف قَوْله، وسفر يَوْم
الْإِثْنَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ مَذْكُور فِي حَدِيث
الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن تَبُوك، قَالَ كَعْب:
كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب أَن
يُسَافر يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس.
8482 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا أَبُو
شهَابٍ عَن خالِدٍ الحَذَّاءِ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ
مالِكِ ابنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ انْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَنَا أَنا
وصاحِبٌ لِي أذِّنَا وأقِيما ولْيَؤُمَّكُمَا
أكْبَرُكُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن يُونُس هُوَ
أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي،
وَأَبُو شهَاب مُوسَى بن نَافِع الْأَسدي الحناط
الْكُوفِي، وَهُوَ أَبُو شهَاب الْأَكْبَر، وَأَبُو
قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وبالباء
الْمُوَحدَة: عبد الله بن زيد الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث مضى
فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الْأَذَان
للْمُسَافِر. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَنا) ، تَأْكِيد أَو بدل أَو بَيَان أَو خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف. قَوْله: (صَاحب) ، بِالْجَرِّ
وَالرَّفْع، عطف عَلَيْهِ.
34 - (بابٌ الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ
إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْخَيل ... إِلَى آخِره،
وَهَذِه التَّرْجَمَة هِيَ عين حَدِيث الْبَاب.
9482 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا
مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الخَيْلُ فِي نَوَاصِيها الخَيْرُ إلَى
يَوْمِ القِيامَةِ.
(الحَدِيث 9482 طرفه فِي: 4463) .
التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَاحِد. والْحَدِيث أخرجه مُسلم
فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ.
قَوْله: (الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا) ، وَفِي
رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) لَيْسَ فِيهِ: مَعْقُود، وَوَقع
بإثباتها عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة عبد الله بن
نَافِع عَن نَافِع، وَسَيَجِيءُ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة
من طَرِيق عبد الله بن عمر عَن نَافِع بإثباتها، وَذَلِكَ
فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده، وَعند ابْن
أبي عَاصِم: (الْخَيل فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر) ،
وَلَيْسَ فِيهِ لفظ مَعْقُود، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد عَن
شيخ من بني سليم عَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ، سمع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَقُول: لَا تقصوا نواصي الْخَيل
وَلَا معارفها وَلَا أذنابها، فَإِن أذنابها مذابها،
ومعارفها دفاؤها، ونواصيها مَعْقُود فِيهَا الْخَيْر) وسمى
أَبُو يعلى الْموصِلِي الشَّيْخ: نصر بن عَلْقَمَة، وروى
الْبَزَّار عَن سَلمَة بن نفَيْل: (الْخَيل مَعْقُود فِي
نَوَاصِيهَا الْخَيْر، وَأَهْلهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا) ،
وروى مُسلم من حَدِيث جرير: رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يلوي نَاصِيَة فرسه بإصبعه وَهُوَ يَقُول:
(الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة الْأجر وَالْغنيمَة) . وروى عبد الله بن وهب:
حَدثنَا عَمْرو بن الْحَارِث عَن الْحَارِث بن يَعْقُوب
عَن أبي الْأسود الْغِفَارِيّ عَن أبي ذَر، قَالُوا: قَالَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْخَيل مَعْقُود
فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (الْخَيل) ، مُبْتَدأ وَقَوله:
(مَعْقُود) ، مَرْفُوع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ
الْمُؤخر، وَهُوَ قَوْله: الْخَيْر، وَالْجُمْلَة خبر
الْمُبْتَدَأ الأول، وَمعنى قَوْله: مَعْقُود: ملازم لَهَا
كَأَنَّهُ مَعْقُود فِيهَا، وَهُوَ من بَاب الِاسْتِعَارَة
المكنية، لِأَن الْخَيْر لَيْسَ بمحسوس حَتَّى تعقد
عَلَيْهِ الناصية، وَلَكنهُمْ يدْخلُونَ الْمَعْقُول فِي
جنس المحسوس ويحكمون عَلَيْهِ بِمَا يحكم على المحسوس
مُبَالغَة فِي اللُّزُوم، وَذكر الناصية تَجْرِيد
للاستعارة، والنواصي جمع: نَاصِيَة، وَهِي قصاص الشّعْر،
وَهُوَ الشّعْر المسترسل على الْجَبْهَة. وَخص النواصي
بِالذكر لِأَن الْعَرَب تَقول غَالِبا: فلَان مبارك
الناصية، فيكنى بهَا عَن الْإِنْسَان. وَقَوله: الْخَيل
... إِلَى آخِره لَفظه عَام، وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص
لِأَنَّهُ لم يرد إلاَّ بعض الْخَيل بِدَلِيل قَوْله:
الْخَيل لثَلَاثَة، فَبين أَنه أَرَادَ الْخَيل الغازية
فِي سَبِيل الله، لَا أَنَّهَا على كل وجوهها، ذكره ابْن
الْمُنْذر، وَقَالَ غَيره: الْخَيْر، هُنَا المَال، قَالَ:
عز وَجل: {إِن ترك خيرا} (الْبَقَرَة: 081) . وَقَالَ أهل
التَّفْسِير فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أَحْبَبْت حب
الْخَيْر} (ص: 23) . إِنَّه أَرَادَ بِهِ الْخَيل.
وَفِيه: الْحَث على ارتباط الْخَيل فِي سَبِيل الله
تَعَالَى، يُرِيد أَن من ارتبطها كَانَ لَهُ ثَوَاب ذَلِك،
فَهُوَ خير آجل، وَهُوَ مَا يُصِيبهُ على ظهرهَا من
الْغَنَائِم، وَفِي بطونها من النِّتَاج خير عَاجل.
(14/143)
0582 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ حُصَيْنٍ وابنِ أبي السَّفَرِ عنِ
الشَّعْبِيِّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ عنِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي
نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: حَفْص بن عمر بن
الْحَارِث، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: شُعْبَة بن
الْحجَّاج. الثَّالِث: حُصَيْن بِضَم الْحَاء وَفتح
الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الرَّحْمَن
السّلمِيّ. الرَّابِع: عبد الله بن أبي السّفر، بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء، واسْمه سعيد.
الْخَامِس: عَامر الشّعبِيّ. السَّادِس: عُرْوَة بن
الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة،
وَيُقَال: ابْن أبي الْجَعْد الْبَارِقي الْأَزْدِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه بَصرِي، وَأَن شُعْبَة
واسطي والبقية كوفيون. وَفِيه: عَن الشّعبِيّ عَن عُرْوَة،
وَفِي رِوَايَة زَكَرِيَّاء عَن الشّعبِيّ: حَدثنَا
عُرْوَة، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده، وَلما
رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم عَن غنْدر حَدثنَا شُعْبَة عَن
ابْن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ، قَالَ: عَن عُرْوَة
الْبَارِقي، قَالَ الْحميدِي، زَاد البرقاني فِي حَدِيث
الشّعبِيّ من رِوَايَة عبد الله بن إِدْرِيس: عَن حُصَيْن
يرفعهُ: الْإِبِل عز لأَهْلهَا، وَالْغنم بركَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي (الْجِهَاد) ، عَن أبي نعيم، (وَفِي الْخمس)
عَن مُسَدّد، وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن عَليّ بن
عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن
عبد الله بن نمير وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عمر وَعَن يحيى بن
يحيى وَخلف بن هِشَام وَأبي بكر وَعَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار وَعَن عبيد الله بن معَاذ. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ (فِي الْجِهَاد) عَن هناد. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْخَيل عَن أبي كريب وَعَن ابْن الْمثنى
وَابْن بشار عَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْجِهَاد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَفِي التِّجَارَات
عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن ابْن إِدْرِيس بِهِ،
وَزَاد فِي أَوله: الْإِبِل عز لأَهْلهَا وَالْغنم بركَة.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ عنْ شُعْبةَ عنْ عُرْوَةَ بنِ أبي
الجَعْدِ
أَي: قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب ... إِلَى آخِره،
وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن سُلَيْمَان خَالف حَفْص بن عمر
فِي اسْم وَالِد عُرْوَة، فَقَالَ حَفْص: عُرْوَة بن
الْجَعْد، وَقَالَ سُلَيْمَان: عُرْوَة بن أبي الْجَعْد،
بِزِيَادَة لفظ: الْأَب، وَاعْلَم أَن قَوْله: عَن شُعْبَة
عَن عُرْوَة، لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن شُعْبَة يروي عَن
عُرْوَة، لِأَن شُعْبَة لم يدْرك عُرْوَة، وَإِنَّمَا
الْمَعْنى: أَن شُعْبَة قَالَ فِي رِوَايَته: هُوَ عُرْوَة
بن أبي الْجَعْد، فَافْهَم فَإِنَّهُ مَوضِع التَّأَمُّل،
وَتَعْلِيق سُلَيْمَان رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن
فاروق: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله حَدثنَا
سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الله بن أبي
السّفر، وحصين عَن الشّعبِيّ عَن عُرْوَة بن أبي الْجَعْد،
فَذكره.
تابَعَهُ مُسَدَّدٌ عنْ هُشَيْمٍ عنْ حُصَيْنٍ عنِ
الشَّعْبِيِّ عنْ عُرْوَةَ بنِ أبِي الجعْد
أَي: تَابع سُلَيْمَان بن حَرْب فِي زِيَادَة لفظ الْأَب
فِي الْجَعْد مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ عَن هشيم بن بشير
عَن حُصَيْن ... إِلَى آخِره.
1582 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْياى بنُ
سَعِيدٍ عنْ شُعْبَةَ عنْ أبِي التَّيَّاحِ عنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي
الخَيْلِ.
(الحَدِيث 1582 طرفه فِي: 5463) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (الْبركَة) ،
لِأَنَّهَا عين الْخَيْر. وَيحيى: هُوَ ابْن سعيد
الْقطَّان، وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء المثاة من
فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه يزِيد بن
حميد الضبعِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات
النُّبُوَّة عَن قيس بن حَفْص. وَأخرجه مُسلم فِي
الْمَغَازِي عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي مُوسَى
وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْخَيل عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،
وَعَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (فِي نواصي الْخَيل) ، يتَعَلَّق بِمَحْذُوف
تَقْدِيره:
(14/144)
الْبركَة حَاصِلَة أَو نازلة فِي نواصي
الْخَيل. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَاصِم بن
عَليّ عَن شُعْبَة بِلَفْظ (الْبركَة تنزل فِي نواصي
الْخَيل) ، وَقَالَ عِيَاض: إِذا كَانَ فِي نَوَاصِيهَا
الْبركَة فيبعد أَن يكون فِيهَا شوم. فَإِن قلت: جَاءَ:
إِن كَانَ الشوم فَفِي ثَلَاث: فِي الْفرس الحَدِيث. قلت:
الشؤم فِي الْفرس الَّذِي يرتبط لغير الْجِهَاد ويقتنى
للفخر وَالْخُيَلَاء، وَالْخَيْل الَّتِي أعدت للْجِهَاد
هِيَ الْمَخْصُوصَة بِالْخَيرِ وَالْبركَة.
44 - (بابٌ الجهادُ ماضِ علَى البَرِّ والفَاجِرِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْجِهَاد ... إِلَى آخِره،
وَقَالَ ابْن التِّين: وَقع فِي رِوَايَة أبي الْحسن
الْقَابِسِيّ: الْجِهَاد ماضٍ على الْبر والفاجر. قَالَ:
وَمَعْنَاهُ أَنه يجب على كل أحد. وَقَالَ بَعضهم: هَذِه
التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُد
وَأَبُو يعلى. مَرْفُوعا وموقوفاً عَن أبي هُرَيْرَة. قلت:
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح، قَالَ:
حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح عَن
الْعَلَاء ابْن الْحَارِث عَن مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(الْجِهَاد وَاجِب عَلَيْكُم مَعَ كل أَمِير، برا كَانَ
أَو فَاجِرًا، وَإِن عمل الْكَبَائِر) الحَدِيث، وَيُقَال:
إِنَّه لم يسمع من أبي هُرَيْرَة.
لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَيْلُ
مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيها الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ
القِيَامَةِ
وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لما أبقى الْخَيْر فِي نواصي الْخَيل إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة، علم أَن الْجِهَاد مَاض إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة، وَقد علم أَن فِي أمته أَئِمَّة جور لَا
يعدلُونَ ويستأثرون بالمغانم، وَمَعَ هَذَا فقد أوجب
الْجِهَاد مَعَهم، وَيُقَوِّي هَذَا الْمَعْنى أمره
بِالصَّلَاةِ وَرَاء كل بر وَفَاجِر. وَقَوله: (على الْبر
والفاجر) ، أَعم من أَن يكون: كل مِنْهُمَا أَمِيرا أَو
مَأْمُورا.
2582 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ
عنْ عامِرٍ قَالَ حدَّثنا عُرْوَةُ البارِقِيُّ أنَّ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الخَيْلُ
مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيها الخَيْرُ إلَى يَوْمِ
القِيَامَةِ الأجْرُ والمَغْنَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فِي نَوَاصِيهَا
الْخَيْر) إِلَى آخِره. وَأَبُو نعيم: الْفضل بن دُكَيْن،
وزكرياء هُوَ ابْن زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.
قَوْله: (الْبَارِقي) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر
الرَّاء بعْدهَا قَاف: نِسْبَة إِلَى بارق، جبل بِالْيمن،
وَقيل: مَاء بالسراة. وَقَالَ الرشاطي: الْبَارِقي نِسْبَة
إِلَى ذِي بارق، قَبيلَة من ذِي رعين. قَوْله: (الْأجر) ،
هُوَ نفس الْخَيْر، أَي: الثَّوَاب فِي الْآخِرَة.
والمغنم: أَي: الْغَنِيمَة فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: يجوز أَن يكون الْخَيْر الْمُفَسّر
بِالْأَجْرِ، وَالْغنيمَة اسْتِعَارَة مكنية، شبهه
لظُهُوره وملازمته بِشَيْء محسوس مَعْقُود بِحَبل على
مَكَان رفيع ليَكُون منظوراً للنَّاس ملازماً لنظره، فنسب
الْخَيل إِلَى لَازم الْمُشبه بِهِ، وَذكر الناصية تجريداً
للاستعارة.
وَفِيه: التَّرْغِيب فِي اتِّخَاذ الْخَيل للْجِهَاد.
وَفِيه: أَن الْجِهَاد لَا يَنْقَطِع أبدا.
54 - (بابُ منِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من احْتبسَ فرسا، يُقَال:
حَبسته وَاحْتَبَسَتْهُ، وَاحْتبسَ أَيْضا بِنَفسِهِ
يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى، وَالْمعْنَى يحْبسهُ على نَفسه
لسد مَا عَسى أَن يحدث فِي ثغر من الثغور من ثلمة،
وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ. قَوْله: (فِي سَبِيل الله) ،
وَفِي بعض النّسخ أَيْضا: (من احْتبسَ فرسا فِي سَبِيل
الله) .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ومِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ}
(الْأَنْفَال: 06) .
وأوله: {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن
رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ ... }
(الْأَنْفَال: 06) . الْآيَة، أَمر الله تَعَالَى بإعداد
آلَات الْحَرْب لمقاتلة الْكفَّار حسب الطَّاقَة والإمكان
والاستطاعة، فَقَالَ: {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم}
(الْأَنْفَال: 06) . أَي: مهما أمكنكم من قُوَّة أَي: رمي.
روى أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث عقبَة بن عَامر،
يَقُول: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول وَهُوَ على الْمِنْبَر: {وَأَعدُّوا لَهُم مَا
اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} (الْأَنْفَال: 06) . ألاَّ أَن
الْقُوَّة الرَّمْي، أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي) .
وَرَوَاهُ مُسلم عَن هَارُون بن مَعْرُوف، وَأَبُو دَاوُد
عَن سعيد بن مَنْصُور، وَابْن مَاجَه عَن يُونُس بن عبد
الْأَعْلَى. وَقيل: الْقُوَّة كل مَا يتقوى بِهِ على
الْحَرْب: كالسيف وَالرمْح
(14/145)
والقوس. وَقيل: ذُكُور الْخَيل، وَقيل:
اتِّفَاق الْكَلِمَة، وَقيل: الثِّقَة بِاللَّه
وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ. قَوْله: {وَمن رِبَاط الْخَيل}
(الْأَنْفَال: 06) . يَعْنِي: ربطها واقتناءها للغزو،
وَهُوَ عَام للذكور وَالْإِنَاث فِي قَول الْجُمْهُور.
وَعَن عِكْرِمَة: الْإِنَاث. قَوْله: {ترهبون بِهِ}
(الْأَنْفَال: 06) . أَي: تخوِّفون بِهِ، وقرىء مشدداً
ومخففاً.
3582 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ
الْمُبَارَكِ قَالَ أخبرَنا طَلْحَةُ بنُ أبي سَعِيدٍ
قَالَ سَمِعْتُ سَعِيداً المَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنِ احْتَبَسَ
فَرَساً فِي سَبِيلِ الله إِيمَانًا بِاللَّه وتَصْدِيقاً
بِوَعْدِهِ فإنَّ شِبَعَهُ ورِيَّهُ ورَوْثَهُ وبَوْلَهُ
فِي مِيزَانهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن حَفْص الْمروزِي
نزل عسقلان، قَالَ البُخَارِيّ: لَقيته بعسقلان سنة سبع
عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَلم يروِ عَنهُ إلاَّ هَذَا
الحَدِيث، وَآخر فِي مَنَاقِب الزبير مَوْقُوفا، وَآخر فِي
كتاب الْقدر مَقْرُونا ببشير بن مُحَمَّد، وَابْن
الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَطَلْحَة بن أبي سعيد الْمصْرِيّ نزيل الْإسْكَنْدَريَّة،
وَكَانَ أَصله من الْمَدِينَة. وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع. والْحَدِيث أخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْخَيل عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (من احْتبسَ) ، قد مضى مَعْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: (إِيمَانًا) ، نصب على أَنه مفعول لَهُ أَي: ربطه
خَالِصا لله تَعَالَى امتثالاً لأَمره. قَوْله:
(وَتَصْدِيقًا بوعده) عبارَة عَن الثَّوَاب الْمُتَرَتب
على الاحتباس، وَيُقَال: بوعده، أَي: للثَّواب فِي
الْقِيَامَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: تلخيصه أَنه احْتبسَ
امتثالاً واحتساباً، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى وعد
الثَّوَاب على الاحتباس، فَمن احْتبسَ فَكَأَنَّهُ قَالَ:
صدقت فِيمَا وَعَدتنِي. قَوْله: (شبعه) ، بِكَسْر الشين
أَي: مَا يشبه بِهِ. قَوْله: (وريه) ، بِكَسْر الرَّاء
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: من رويت من المَاء،
بِالْكَسْرِ أروي رياً ورياً وروياً أَيْضا، مثل: رَضِي،
وَوَقع فِي حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد أخرجه أَحْمد: وَمن
ربطها رِيَاء وَسُمْعَة ... الحَدِيث. وَفِيه: فَإِن شبعها
وجوعها ... إِلَى آخِره، خسران فِي مَوَازِينه. قَوْله:
(وروثه) أَرَادَ بِهِ ثَوَاب ذَلِك، لَا أَن الأرواث توزن
بِعَينهَا، وروى ابْن بنت منيع من حَدِيث عَليّ مَرْفُوعا:
من ارْتبط فرسا فِي سَبِيل الله فعلفه وأثره فِي
مَوَازِينه يَوْم الْقِيَامَة. وروء ابْن أبي عَاصِم من
حَدِيث الْمطعم بن الْمِقْدَام عَن الْحسن عَن سهل بن
الحنظلية يرفعهُ: من ارْتبط فرسا فِي سَبِيل الله كَانَت
النَّفَقَة عَلَيْهِ كالماد يَده بِصَدقَة لَا يقبضهَا،
وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث مُحَمَّد بن عقبَة القَاضِي
عَن أَبِيه عَن جده عَن تَمِيم الدَّارِيّ: سَمِعت رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (من ارْتبط فرسا
فِي سَبِيل الله، فعالج علفه، كَانَ لَهُ بِكُل حَبَّة
حَسَنَة.
وَفِيه: أَن النِّيَّة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْأجر.
وَفِيه: أَن الْأَمْثَال تضرب لصِحَّة الْمعَانِي. وَقيل:
يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَن هَذِه الْحَسَنَات تقبل
من صَاحبهَا لتنصيص الشَّارِع على أَنَّهَا فِي مِيزَانه،
بِخِلَاف غَيرهَا، فقد لَا تقبل فَلَا تدخل الْمِيزَان.
64 - (بابُ اسْمِ الفَرَسِ والحِمارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْمِيَة الْفرس الَّذِي هُوَ
اسْم جنس باسم يَخُصُّهُ ليتميز بِهِ عَن غَيره، وَكَذَا
فِي بَيَان تَسْمِيَة الْحمار الَّذِي هُوَ اسْم جنش،
كَذَلِك. وَاقْتصر فِي التَّرْجَمَة على الْفرس وَالْحمار
وَغَيرهمَا من الدَّوَابّ، كَذَلِك بَيَان ذَلِك: أَنه
كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة
وَعِشْرُونَ فرسا، كل وَاحِد مِنْهَا كَانَ مُسَمّى باسم
مَخْصُوص معِين، مثل: السكب والمرتجز واللحيف، وَكَانَ
لَهُ حمَار يُسمى: يَعْفُور، وَغَيره، وَكَانَ لَهُ بغلة
تسمى: دُلْدُل، وَكَانَت لَهُ لقاح تسمى: الْحِنَّاء
والسمراء وَغَيره ذَلِك ... وَكَانَت لَهُ نَاقَة تسمى:
القصوى، وَالْأُخْرَى: العضباء، وَغَيرهمَا. . وَكَانَت
لَهُ غنم مِنْهَا سَبْعَة أعنز كل وَاحِدَة مِنْهَا
مُسَمَّاة باسم، وشَاة تدعى: عيثة.
4582 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ قَالَ حدَّثنا
فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ عَبْدِ الله
ابنِ أبِي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ أنَّهُ خَرَجَ مَعَ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَخَلَّفَ أبُو
قَتَادَةَ مَعَ أصْحَابِهِ وهُمْ مُحْرِمُونَ وهْوَ غَيْرُ
مُحْرِمٍ فَرَأوْا حِمَارَاً وَحْشِيَّاً قَبْلَ أنْ
يَرَاهُ فَلَمَّا رَأوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ
(14/146)
أبُو قَتَادَةَ فَرَكِبَ فَرَساً لَهُ
يُقَالُ لَهُ الجَرَادَةُ فَسَألَهُمْ أنْ يُنَالُوُهُ
سَوْطَهُ فأبَوْا فتَنَاوَلَهُ فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ ثُمَّ
أكَلَ فأكَلُوا فَقَدِمُوا فلَمَّا أدْرَكُوهُ قَالَ هَلْ
مَعَكُمْ مِنْهُ شَيءٌ قَالَ معَنَا رِجْلُهُ فأخَذَهَا
النبيُّ فأكَلَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَركب فرسا لَهُ يُقَال
لَهُ: الجرادة) ، بِفَتْح الْجِيم وَتَخْفِيف الرَّاء،
وَوَقع فِي (السِّيرَة) لِابْنِ هِشَام: أَن اسْم فرس أبي
قَتَادَة الحزوة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الزَّاي بعْدهَا وَاو، وَقَالَ بَعضهم: إِمَّا أَن يكون
لَهَا إسمان، وَإِمَّا أَن أَحدهمَا تَصْحِيف، وَالَّذِي
فِي (الصَّحِيح) هُوَ الْمُعْتَمد. قلت: دَعْوَى
التَّصْحِيف غير صَحِيحَة، وَلَا مَانع أَن يكون لَهَا
إسمان: وَمُحَمّد بن أبي بكر شيخ البُخَارِيّ هُوَ
الْمقدمِي، وَهُوَ الصَّوَاب، قَالَ الجياني: وَفِي
نُسْخَة أبي زيد الْمروزِي مُحَمَّد بن بكر، وَهُوَ خطأ.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي شُيُوخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن بكر،
وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: سَلمَة
بن دِينَار، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي
الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث قد مر بمباحثه فِي كتاب الْحَج فِي أَرْبَعَة
أَبْوَاب مُتَوَالِيَة، أَولهَا بَاب إِذا صَاد الْحَلَال
فأهدى للْمحرمِ.
قَوْله: (خرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
ويروى: مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله
(حمارا وحشياً) ويروي حمَار وَحش. قَوْله: (يُقَال لَهُ:
الجرادة) ، ويُروى: لَهَا.
5582 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ قَالَ
حدَّثنا مَعْنُ بنُ عِيسَى قَالَ حدَّثنَا أُبَيُّ بنُ
عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ كانَ
لِلنِّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائِطِنَا فَرَسٌ
يُقالُ لَهُ اللُّحَيْفُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن قَوْله: فرس،
(يُقَال لَهُ: اللحيف) ، يُطَابق قَوْله فِي اسْم الْفرس،
وَعلي بن عبد الله بن جَعْفَر هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ:
ابْن الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، ومعن، بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالنون: ابْن عِيسَى
الْقَزاز، بِالْقَافِ وَتَشْديد الزَّاي الأولى: الْمدنِي،
وَأبي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عَبَّاس، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي
آخِره سين مُهْملَة: ابْن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ
الْأنْصَارِيّ. قَالُوا: لَيْسَ لأبي فِي البُخَارِيّ غير
هَذَا الحَدِيث. وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (فِي حائطنا) ، الْحَائِط هُوَ الْبُسْتَان من
النَّحْل إِذا كَانَ عَلَيْهِ جِدَار وَيجمع علء حَوَائِط
والحائط الْجِدَار أَيْضا قَوْله اللحيف بِضَم اللَّام
وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَفِي آخِره فَاء، وَقَالَ ابْن قرقول: هَكَذَا
ضبط عَن عَامَّة الْمَشَايِخ، سمي بذلك لطول ذَنبه،
كَأَنَّهُ يلحف الأَرْض بجريه، يُقَال: لحفت الرجل باللحاف
إِذا طرحته عَلَيْهِ، وَعَن ابْن سراج، بِفَتْح اللَّام
وَكسر الْحَاء على وزن: رغيف، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ،
بنُون وحاء مُهْملَة، وَفِي (المغيث) : بلام مَفْتُوحَة
وجيم مَكْسُورَة. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: الْمَحْفُوظ
بِالْحَاء، فَإِن رُوِيَ بِالْجِيم فيراد بِهِ السرعة،
لِأَن اللجيف: سهم نصله عريض، قَالَه صَاحب (التَّتِمَّة)
.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله وَقَالَ بَعْضُهُم اللُّخَيْفُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، يَعْنِي: قَالَ
بَعضهم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. وَفِي (التَّلْوِيح) :
وَصَحَّ عَن البُخَارِيّ أَنه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة،
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَلم يتحققه، وَالْمَشْهُور هُوَ
الأول يَعْنِي: بِالْحَاء الْمُهْملَة مُصَغرًا، وَبِه جزم
الْهَرَوِيّ والدمياطي، وَقيل: الَّذِي قَالَه البُخَارِيّ
رِوَايَة عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل أَخُو أبي بن
عَبَّاس، وَلَفظه عِنْد ابْن أبي مَنْدَه: كَانَ لرَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد سعد بن سعد وَالِد
سهل ثَلَاثَة أَفْرَاس، فَسمِعت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يسميهن: لزازا، يَعْنِي بِكَسْر اللَّام
وبزايين الأولى خَفِيفَة، و: الظرب، بِفَتْح الظَّاء
الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة. و:
اللخيف، وَحكى سبط ابْن الْجَوْزِيّ: أَن البُخَارِيّ
ضَبطه بِالتَّصْغِيرِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، قَالَ:
وَكَذَا حَكَاهُ ابْن سعيد عَن الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ:
أهداه لَهُ ربيعَة بن أبي الْبَراء مَالك بن عَامر
العامري، وَأَبوهُ الَّذِي يعرف بملاعب الأسنة، فأثابه
عَلَيْهِ فَرَائض من نعم بني كلاب، وَقَالَ ابْن أبي
خَيْثَمَة: أهداه لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي من أَرض
البلقاء.
(14/147)
6582 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ
أنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بنَ آدَمَ قَالَ حدَّثنا أَبُو
الأحْوَصِ عنْ أبي إسْحَاقَ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونَ عنْ
مُعاذٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنْتُ رِدْفَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حِمَارٍ يُقالُ لَهُ
عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقَّ الله
على عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ علَى الله قلْتُ الله
ورَسُولُهُ أعْلَمُ قَالَ فإنَّ حَقَّ الله علَى العِبَادِ
أنْ يَعْبُدُوهُ ولاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وحَقَّ
العِبَادِ علَى الله أنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ
بِهِ شَيْئاً فقُلْتُ يَا رسولَ الله! أفَلاَ أُبَشِّرُ
النَّاسَ قَالَ لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (على حمَار يُقَال لَهُ:
عفير) فَإِن اسْم الْحمار اسْم جنس سمي بِهِ عفير ليتميز
بِهِ عَن غَيره، وَإِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي
يعرف بِابْن رَاهَوَيْه الْمروزِي، وَيحيى ابْن آدم بن
سُلَيْمَان الْقرشِي المَخْزُومِي الْكُوفِي، وَأَبُو
الْأَحْوَص اسْمه سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي،
قبل أَبُو الْأَحْوَص هَذَا عمار بن زُرَيْق الضَّبِّيّ
الْكُوفِي. قلت: لَا يَصح هَذَا لِأَن عماراً هَذَا مِمَّا
انْفَرد بِهِ مُسلم وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو
إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَعَمْرو
بن مَيْمُون الأودي، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو:
من كبار التَّابِعين أدْرك الْجَاهِلِيَّة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن هناد بن
السّري بِقصَّة الْحمار حسب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الْإِيمَان عَن مَحْمُود بن غيلَان وَلم يذكر قصَّة
الْحمار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن
عبد الله المَخْزُومِي وَلم يذكر قصَّة الْحمار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) ، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة.
قَالَ الْجَوْهَرِي: الردف المرتدف، وَهُوَ الَّذِي يركب
خلف الرَّاكِب، وأردفته أَنا إِذا أركبته مَعَك، وَذَلِكَ
الْموضع الَّذِي يركبه رداف، وكل شَيْء تبع شَيْئا فَهُوَ
ردفه، والردف يجمع على أرداف. قَوْله: (عفير) ، بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء تَصْغِير أعفر، أَخْرجُوهُ عَن
بِنَاء أَصله كَمَا قَالُوا: سُوَيْد فِي تَصْغِير: أسود،
مَأْخُوذ من العفرة وَهِي حمرَة يخالطها بَيَاض، وَزعم
عِيَاض أَنه بغين مُعْجمَة ورد ذَلِك عَلَيْهِ، وَقَالَ
ابْن عَبدُوس، فِي (أَسمَاء خيله ودوابه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) : كَانَ أَخْضَر من العفر وَهُوَ التُّرَاب. وَفِي
(التَّلْوِيح) : وَزعم شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد التوني أَنه
شبه فِي عَدْوِهِ باليعفور وَهُوَ الظبي، أهداه لسيدنا
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُقَوْقس،
وَأهْدى لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو حمارا يُقَال لَهُ: يعقور،
وَقَالَ ابْن عَبدُوس: هما وَاحِد، ورد عَلَيْهِ الدمياطي
فَقَالَ: عفير أهداه الْمُقَوْقس، ويعفور أهداه فَرْوَة بن
عَمْرو، وَقيل بِالْعَكْسِ، ويعفور، بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الْفَاء:
وَهُوَ ولد الظبي، كَأَنَّهُ سمي بذلك لسرعته. وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ: نعق يَعْفُور منصرف رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة الْوَدَاع، وَقيل: طرح نَفسه فِي
بِئْر يَوْم مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكره
السُّهيْلي. قَوْله: (أَن يعبدوه) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: أَن يعبدوا، بِحَذْف الْمَفْعُول. قَوْله:
(فيتكلوا) ، بتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من خص
بِالْعلمِ قوما دون قوم.
وَفِيه: جَوَاز تَسْمِيَة الدَّوَابّ بأسماء تخصها غير
أَسمَاء أجناسها. وَفِيه: إرداف النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أفاضل الصَّحَابَة، ومعاذ أحد الْأَرْبَعَة
الَّذين حفظوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَزيد بن ثَابت وَأبي بن كَعْب وَأَبُو
زيد الْأنْصَارِيّ. وَفِيه: جَوَاز الإرداف على الدَّابَّة
وَالْحمل عَلَيْهَا مَا أقلت وَلم يَضرهَا.
7582 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدثنَا
غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ
عنْ أنَسِ ابنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
كانَ فَزَعٌ بالمَدِينَةِ فاسْتَعَارَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فرَسَاً لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ
فَقَالَ مَا رَأيْنَا مِنْ فَزَعٍ وإنْ وَجَدْنَاهُ
لَبَحْرَاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فرسا لنا يُقَال لَهُ:
مَنْدُوب) فَإِنَّهُ خص باسم تميز بِهِ عَن غَيره،
وَمُحَمّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد
الشين الْمُعْجَمَة، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة:
مُحَمَّد بن جَعْفَر.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة فِي: بَاب من اسْتعَار
من النَّاس الْفرس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن آدم عَن
شُعْبَة إِلَى آخِره، وَفِيه فاستعار فرسا من أبي طَلْحَة،
وَهُوَ زوج أم أنس، فَلذَلِك
(14/148)
قَالَ هُنَا: فرسا لنا، لِأَن أنسا كَانَ
فِي حجر أبي طَلْحَة، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة قَالَ أنس:
لنا. وَالله أعلم.
74 - (بابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الفَرَسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي الْأَحَادِيث من
شُؤْم الْفرس، هَل هُوَ عَام فِي جَمِيع الْخَيل أَو
مَخْصُوص بِبَعْضِهَا؟ وَهل هُوَ على ظَاهره أَو مؤول؟
وذِكر فِي الْبَاب حَدِيث عمر وَحَدِيث سهل بن سعد يدل على
أَنه لَيْسَ على ظَاهره كَمَا سنبينه، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى. ثمَّ ذكره الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب
يدل على خُصُوص الشؤم بِبَعْض الْخَيل دون كلهَا كَمَا
سَيَأْتِي بَيَانه أَن شَاءَ الله تَعَالَى والشؤم ضد
الْيمن، يُقَال: تشَاء مت بالشَّيْء وتيمنت بِهِ،
وَالْوَاو فِي: الشؤم، همزَة وَلكنهَا خففت فَصَارَت
واواً، وَغلب عَلَيْهَا التَّخْفِيف حَتَّى لم ينْطق بهَا
مَهْمُوزَة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: رجل مشوم
ومشؤم، وَيُقَال مَا أشأم فلَانا، والعامة تَقول مَا
أيشمه. قلت: الْعَامَّة أَيْضا تَقول: ميشوم، وَهُوَ من
تصحيفاتهم.
8582 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخْبرنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيُّ قَالَ أخبرَني سالِمُ بنُ عبْدِ الله أنَّ
عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ
إنَّمَا الشؤمُ فِي ثَلاَثَةٍ فِي الفَرَسِ والمَرْأةِ
والدَّارِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي الْفرس) وَهَذَا
السَّنَد بهؤلاء الرِّجَال قد مر غير مرّة. وَأَبُو
الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: الحكم بن
نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حمرَة الْحِمصِي،
وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن عبيد الله بن عبد
الرَّحْمَن عَن أبي الْيَمَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
عِشرة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن خلي عَن بشر بن
شُعَيْب عَن أبي حَمْزَة عَن أَبِيه بِهِ.
قَوْله: (أَخْبرنِي سَالم) ، كَذَا صرح شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ بِإِخْبَار سَالم لَهُ، لَا وشذ ابْن أبي
ذِئْب فَأدْخل بَين الزُّهْرِيّ وَسَالم مُحَمَّد بن زيد
بن قنفذ، وَاقْتصر شُعَيْب على سَالم، وَتَابعه ابْن جريج
عَن ابْن شهَاب عِنْد أبي عوَانَة، وَكَذَا روى
البُخَارِيّ فِي كتاب الطِّبّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد،
أخبرنَا عُثْمَان بن عمر أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ
عَن سَالم عَن ابْن عمر ... الحَدِيث. وَنقل التِّرْمِذِيّ
عَن ابْن الْمَدِينِيّ والْحميدِي أَن سُفْيَان كَانَ
يَقُول: لم يرو الزُّهْرِيّ هَذَا الحَدِيث إلاَّ عَن
سَالم. قلت: هَذَا مَمْنُوع، وَقد روى الطَّحَاوِيّ:
حَدثنَا يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس وَمَالك عَن ابْن شهَاب عَن حَمْزَة
وَسَالم ابْني عبد الله بن عمر عَن ابْن عمر عَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِنَّمَا الشوم
فِي ثَلَاثَة: فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالْفرس) .
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن أبي الطَّاهِر وحرملة عَن ابْن
وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن حَمْزَة وَسَالم ابْني
عبد الله بن عمر عَن عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (قَالَ: لَا عدوى وَلَا طيرة،
وَإِنَّمَا الشؤم فِي ثَلَاثَة: الْمَرْأَة وَالْفرس
وَالدَّار) . وَقَالَ مُسلم أَيْضا: حَدثنَا أَبُو بكر بن
إِسْحَاق، قَالَ: أخبرنَا ابْن أبي مَرْيَم، قَالَ:
حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال، قَالَ: حَدثنَا عتبَة ابْن
مُسلم عَن حَمْزَة بن عبد الله عَن أَبِيه: أَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن كَانَ الشؤم
فِي شَيْء فَفِي الْفرس والمسكن وَالْمَرْأَة) . قَوْله:
(إِنَّمَا الشؤم فِي ثَلَاثَة) ، أَي: كَانَ فِي ثَلَاثَة
أَشْيَاء، وَجَاء فِي رِوَايَة مَالك وسُفْيَان، وَسَائِر
الروَاة بِحَذْف أَدَاة الْحصْر، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ:
الْحصْر فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَادة لَا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخلقَة، وَقيل: إِنَّمَا خصت هَذِه
الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة بِالذكر لطول ملازمتها، لِأَن
غَالب أَحْوَال الْإِنْسَان لَا يَسْتَغْنِي عَن دَار
يسكنهَا، وَزَوْجَة يعاشرها، وَفرس مرتبطة. واتفقت الطّرق
كلهَا على الِاقْتِصَار على الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة،
وَوَقع عِنْد إِسْحَاق فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق، قَالَ
معمر، قَالَت أم سَلمَة: وَالسيف. قَالَ أَبُو عمر:
رَوَاهُ جوَيْرِية عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن بعض أهل
أم سَلمَة عَن أم سَلمَة، والمبهم الْمَذْكُور هُوَ أَبُو
عُبَيْدَة بن عبد الله بن زَمعَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه
مَوْصُولا عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله
بن زَمعَة عَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة عَن أم سَلمَة:
أَنَّهَا حدثت بِهَذَا الحَدِيث، وزادت: فِيهِنَّ
السَّيْف. وَأَبُو عبيد الْمَذْكُور هُوَ ابْن بنت أم
سَلمَة، وَأمه زَيْنَب بنت سَلمَة. قلت: التَّحْقِيق فِي
هَذَا الْموضع أَن هَذَا الْحصْر لَيْسَ على ظَاهره،
وَكَانَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
يَقُول: إِن كَانَ الشؤم فِي شَيْء فَهُوَ فِيمَا بَين
اللحيين مَعَ اللِّسَان، وَمَا شَيْء أحْوج إِلَى سجن
(14/149)
طَوِيل من لِسَان، وَإِنَّمَا قُلْنَا:
إِنَّه مَتْرُوك الظَّاهِر لأجل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لَا طيرة) ، وَهِي نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي،
فتعم الْأَشْيَاء الَّتِي يتطير بهَا، وَلَو خلينا
الْكَلَام على ظَاهره لكَانَتْ هَذِه الْأَحَادِيث يَنْفِي
بَعْضهَا بَعْضًا. وَهَذَا محَال أَن يظنّ بِالنَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل هَذَا الِاخْتِلَاف من
النَّفْي وَالْإِثْبَات، فِي شَيْء وَاحِد، وَوقت وَاحِد.
وَالْمعْنَى الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب نفي الطَّيرَة
بأسرها بقوله: (لَا طيرة) ، فَيكون قَوْله، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِنَّمَا الشؤم فِي ثَلَاثَة)
بطرِيق الْحِكَايَة عَن أهل الْجَاهِلِيَّة لأَنهم كَانُوا
يَعْتَقِدُونَ الشؤم فِي هَذِه الثَّلَاثَة، لَا أَن
مَعْنَاهُ: أَن الشؤم حَاصِل فِي هَذِه الثَّلَاثَة فِي
اعْتِقَاد الْمُسلمين، وَكَانَت عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، تَنْفِي الطَّيرَة وَلَا تعتقد مِنْهَا
شَيْئا حَتَّى قَالَت لنسوة كن يُكْرهن الابتناء بأزواجهن
فِي شَوَّال: (مَا تزَوجنِي رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ فِي شَوَّال، وَلَا بنى بِي إلاَّ
فِي شَوَّال، فَمن كَانَ أحظى مني عِنْده؟ وَكَانَ
يسْتَحبّ أَن يدْخل على نِسَائِهِ فِي شَوَّال) . وروى
الطَّحَاوِيّ عَن عَليّ بن معبد، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن
هَارُون قَالَ: أخبرنَا همام ابْن يحيى عَن قَتَادَة عَن
أبي حسان، قَالَ: دخل رجلَانِ من بني عَامر على عَائِشَة،
فأخبراها أَن أَبَا هُرَيْرَة يحدث عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة
وَالدَّار وَالْفرس) ، فَغضِبت وطارت شقة مِنْهَا فِي
السَّمَاء وشقة فِي الأَرْض، فَقَالَت: وَالَّذِي نزل
الْقُرْآن على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
قَالَه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ،
إِنَّمَا قَالَ: (إِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا
يَتَطَيَّرُونَ من ذَلِك) ، فَأخْبرت عَائِشَة أَن ذَلِك
القَوْل كَانَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حِكَايَة عَن أهل الْجَاهِلِيَّة، لَا أَنه عِنْده
كَذَلِك. وَأخرجه أَيْضا ابْن عبد الْبر عَن أبي حسان
الْمَذْكُور وَفِي رِوَايَته: كَذَّاب، وَالَّذِي أنزل
الْقُرْآن ... وَفِي آخِره، ثمَّ قَرَأت عَائِشَة: {مَا
أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إلاَّ
فِي كتاب} (الْحَدِيد: 22) . الْآيَة. قلت: أَبُو حسان
الْأَعْرَج، وَيُقَال الأجرد واسْمه: مُسلم بن عبد الله
الْبَصْرِيّ، وَثَّقَهُ يحيى وَابْن حبَان وروى لَهُ
الْجَمَاعَة وَالْبُخَارِيّ مستشهداً. قَوْله: طارت شقة،
أَي: قِطْعَة، وَرَوَاهُ بعض الْمُتَأَخِّرين: بِالسِّين
الْمُهْملَة، وَأَرَادَ بِهِ الْمُبَالغَة فِي الْغَضَب
والغيظ. وَقَالَ أَبُو عمر: قَول عَائِشَة فِي أبي
هُرَيْرَة كذب، فَإِن الْعَرَب تَقول: كذبت إِذا أَرَادوا
بِهِ التَّغْلِيظ، وَمَعْنَاهُ: أوهم وَظن حَقًا وَنَحْو
هَذَا. وَهنا جَوَاب آخر: وَهُوَ أَنه يحْتَمل أَن يكون
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشوم فِي ثَلَاثَة) ،
كَانَ فِي أول الْإِسْلَام خَبرا عَمَّا كَانَ تعتقده
الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا على مَا قَالَت عَائِشَة،
ثمَّ نسخ ذَلِك وأبطله الْقُرْآن وَالسّنَن، وأخبار
الْآحَاد لَا تقطع على عينهَا، وَإِنَّمَا توجب الْعَمَل
فَقَط. وَقَالَ تَعَالَى: {قل لن يصيبنا إلاَّ مَا كتب
الله لنا هُوَ مولينا} (التَّوْبَة: 9) . وَقَالَ {مَا
أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض ... } (الْحَدِيد: 9) .
الْآيَة، وَمَا خطّ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لم يكن
مِنْهُ بُد، وَلَيْسَت الْبِقَاع وَلَا الْأَنْفس بصارفة
من ذَلِك شَيْئا. وَقد يُقَال: إِن شُؤْم الْمَرْأَة أَن
تكون سَيِّئَة الْخلق، أَو تكون غير قانعة، أَو تكون
سليطة، أَو تكون غير ولود. وشؤم الْفرس أَن يكون شموساً.
وَقيل: (أَن لَا يكون يغزى عَلَيْهَا) . وشؤم الدَّار أَن
تكون ضيقَة، وَقيل: (أَن يكون جارها سوء) وروى الدمياطي
بِإِسْنَاد ضَعِيف فِي الْخَيل: إِذا كَانَ ضروباً فَهُوَ
مشئوم، وَإِذا حنت الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا الأول فَهِيَ
مشؤومة، وَإِذا كَانَت الدَّار بعيدَة من الْمَسْجِد لَا
يسمع مِنْهَا الْأَذَان فَهِيَ مشؤمة. فَإِن قلت: روى
مَالك فِي (موطئة) عَن يحيى ابْن سعيد أَنه قَالَ: جَاءَت
امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت: يَا رَسُول الله! دَار سكناهَا، فالعدد كثير
وَالْمَال وافر، فَقل الْعدَد وَذهب المَال فَقَالَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (دَعُوهَا ذميمة) . قلت:
إِنَّمَا قَالَ ذَلِك كَذَلِك لما رأى مِنْهُم أَنه رسخ
فِي قُلُوبهم مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جاهليتهم، ثمَّ
بَين لَهُم ولغيرهم ولسائر أمته الصَّحِيح. بقوله: (لَا
طيرة وَلَا عدوى) ، وَقَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون
أَمرهم بِتَرْكِهَا والتحول عَنْهَا إبطالاً لما وَقع فِي
قُلُوبهم مِنْهَا من أَن يكون الْمَكْرُوه إِنَّمَا
أَصَابَهُم بِسَبَب الدَّار سكناهَا فَإِذا تحولوا مِنْهَا
انْقَطَعت مَادَّة ذَلِك الْوَهم، وَقد أخرج التِّرْمِذِيّ
من حَدِيث حَكِيم بن مُعَاوِيَة قَالَ: سَمِعت رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (لَا شُؤْم، وَقد
يكون الْيمن فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالْفرس) . قلت:
فِي إِسْنَاده ضعف، وروى أَبُو نعيم فِي كتاب (الْحِلْية)
من حَدِيث خبيب بن عبيد عَن عَائِشَة، قَالَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشؤم سوء الْخلق) ، فَإِن قلت:
مَا الْفرق بَين الدَّار وَبَين مَوضِع الوباء الَّذِي منع
من الْخُرُوج مِنْهُ؟ قلت: مَا لم يَقع التأذي بِهِ وَلَا
اطردت عَادَته بِهِ خَاصَّة وَلَا عَامَّة، وَلَا نادرة
وَلَا متكررة لَا يصغي إِلَيْهِ، وَقد أنكر الشَّارِع
الِالْتِفَات إِلَيْهِ. كلقي غراب فِي بعض الْأَسْفَار،
أَو صُرَاخ بومة فِي دَار، فَفِي مثل هَذَا قَالَ، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا طيرة وَلَا تطير) ، وَأَيْضًا
إِنَّه لَا يفر مِنْهُ لِإِمْكَان أَن يكون قد وصل
الضَّرَر إِلَى الفار، فَيكون سَفَره زِيَادَة فِي محنته
وتعجيلاً لهلكته.
(14/150)
9582 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ
عنْ مالِكٍ عنْ أبِي حازِمِ بنِ دِينارٍ عنْ سَهْلِ بنِ
سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ
رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنْ كانَ فِي
شَيْءٍ فَفِي المَرْأةِ والفَرَسِ والمَسْكَنِ.
(الحَدِيث 9582 طرفه فِي: 5905) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو حَازِم اسْمه:
سَلمَة، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن
عبد الله بن يُوسُف وَفِي الطِّبّ عَن القعْنبِي. وَأخرجه
مُسلم فِي الطِّبّ عَن القعْنبِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
النِّكَاح عَن عبد السَّلَام ابْن عَاصِم الرَّازِيّ.
قَوْله: (إِن كَانَ فِي شَيْء) ، إِلَى آخر هَكَذَا هُوَ
فِي جَمِيع النّسخ، وَكَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) لَكِن زَاد
فِي آخِره: يَعْنِي الشؤم، وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم: وَهنا
اسْم: كَانَ، مُقَدّر تَقْدِيره: (إِن كَانَ الشؤم فِي
شَيْء حَاصِلا فَيكون فِي الْمَرْأَة وَالْفرس والمسكن.
فَقَوله: (إِن كَانَ فِي شَيْء) . . إِلَى آخِره إِخْبَار
أَنه لَيْسَ فِيهِنَّ، فَإِذا لم يكن فِي هَذِه
الثَّلَاثَة فَلَا يكون فِي شَيْء، والشؤم والطيرة وَاحِد،
والطيرة شرك لما رُوِيَ أَبُو دَاوُد من حَدِيث زر بن
حُبَيْش عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (الطَّيرَة شرك الطَّيرَة
شرك، ثَلَاثًا، وَمَا منا إلاَّ وَفِيه، وَلَكِن الله، عز
وَجل، يذهبه بالتوكل) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ:
حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَوله: الطَّيرَة شرك خَارج مخرج
الْمُبَالغَة والتغليظ قَوْله (وَمَا منا إلاَّ وَفِيه)
فِيهِ حذف تَقْدِيره: إلاَّ وَفِيه الطَّيرَة. أَو: إلاَّ
قد يَعْتَرِيه التطير، ويسبق إِلَى قلبه الْكَرَاهِيَة،
فِيهِ، فَحذف اختصاراً واعتماداً على فهم السَّامع،
وَالدَّلِيل على أَن الطَّيرَة والشؤم وَاحِد، قَوْله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا عدوى وَلَا طيرة وَإِن كَانَ
فِي شَيْء فَفِي الْمَرْأَة وَالْفرس وَالدَّار) . رَوَاهُ
أَبُو سعيد. وَأخرجه عِنْد الطَّحَاوِيّ.
84 - (بابٌ الخَيْلِ لِثَلاثَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْخَيل لثَلَاثَة، أَي:
الْخَيل تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام عِنْد اقتنائها
لثَلَاثَة أنفس على مَا يَجِيء فِي الحَدِيث، وَهَذِه
التَّرْجَمَة صدر حَدِيث الْبَاب، وَذكر هَذَا الْمِقْدَار
اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، وَالْخَيْل جمع
لَا وَاحِد لَهُ وَجمعه: خُيُول، كَذَا فِي (الْمُخَصّص)
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: وَاحِدهَا: خائل،
لاختيالها، فَهُوَ على هَذَا اسْم للْجمع عِنْد
سِيبَوَيْهٍ، وَجمع عِنْد أبي الْحسن. وَفِي (الْمُحكم)
لَيْسَ هَذَا بِمَعْرُوف، يَعْنِي: قَول أبي عُبَيْدَة.
قَالَ: وَقَول ابْن أبي ذُؤَيْب.
(فتنازلا واتفقت خيلاهما ... وَكِلَاهُمَا بَطل اللِّقَاء
مخدع)
ثناه على قَوْلهم: لقاحان أسودان وحمالان، وَالْجمع أخيال
عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَالْأول أشهر، وَفِي الاحتفال
لأبي عبد الله بن رضوَان، وَقد جَاءَ فِيهِ الْجمع أَيْضا
على أخيل، وَإِذا صغرت الْخَيل أدخلت الْهَاء، فَقلت:
خييلة، وَلَو طرحت الْهَاء لَكَانَ وَجها، والخولة
بِالْفَتْح جمَاعَة الْخَيل.
وقَوْلهُ تَعالى {والخَيْلَ والبِغَالَ والحمِيرَ
لتَرْكَبُوها وزِينَةً} (النَّحْل: 8) .
وَقَوله: (مَرْفُوع) ، عطفا على قَوْله: الْخَيل، وَفِي
بعض النّسخ، وَقَول الله تَعَالَى قَوْله: (وَالْخَيْل) ،
عطف على قَوْله: {والأنعام خلقهَا لكم} (النَّحْل: 8) .
أَي: وَخلق الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، أَي: وَخلق
هَؤُلَاءِ للرُّكُوب والزينة، وَاللَّام فِي: لتركبوها،
للتَّعْلِيل. قَوْله: (وزينة) ، مفعول لَهُ عطف على مَحل:
لتركبوها، وَلم يرد الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ على
سنَن وَاحِد، لِأَن الرّكُوب فعل المخاطبين، وَأما
الزِّينَة فَفعل الزائن، وَهُوَ الْخَالِق وقرىء {زِينَة}
(النَّحْل: 8) . بِلَا: وَاو، أَي: وخلقها زِينَة
لتركبوها، وَاحْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك على حُرْمَة
أكل الْخَيل لِأَنَّهُ علل خلقهَا بالركوب، والزينة وَلم
يذكر الْأكل كَمَا ذكره فِي الْأَنْعَام.
0682 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ
زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ
أجْر ولِرَجُلٍ سِتْرٌ وعَلى رَجُلٍ وزْرٌ فأمَّا الَّذي
لَهُ أجْرٌ فَرَجُلٌ ربَطَهَا فِي سَبِيلِ الله فأطالَ فِي
مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ فَمَا أصابَتْ فِي طِيَلِها ذَلِكَ
مِنَ المَرْجِ أَو الرَّوْضَةِ كانَتْ لَهُ حَسَناتٍ ولَوْ
أنَّها قَطَعَتْ طِيَلَها فاسْتَنَّت شَرَفَاً
(14/151)
أوْ شَرَفَيْنِ كانَتْ أرْوَاثُهَا
وآثَارُهَا حَسَناتٍ لَهُ ولَوْ أنَّها مَرَّتْ بِنَهْرٍ
فشَرَبَتْ مِنْهُ ولمْ يُردْ أنْ يَسْقِيَهَا كانَ ذَلَكَ
حَسناتٍ لَهُ ورَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرَاً ورِياءً ونِواءً
لأهْلِ الإسْلامِ فَهْيَ وِزْرٌ على ذَلِكَ وسُئِلَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الحُمُرِ فَقَالَ مَا
أُنْزِلَ علَيَّ فِيها إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ
الفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ خَيْرَاً
يَرَهُ ومَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ}
(الزلزلة: 7 8) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْخَيل لثَلَاثَة) ،
وَقد ذكرنَا أَنَّهَا صدر حَدِيث الْبَاب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب فِي: بَاب شرب النَّاس
وَالدَّوَاب من الْأَنْهَار، غير أَنه لم يذكر فِيهِ هُنَا
الْقسم الثَّالِث اختصاراً. وَهُوَ قَوْله: (وَرجل ربطها
تغَنِّيا) إِلَى آخر مَا ذكره هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ مُسْتَوفى، ولنذكر بعض شَيْء لزِيَادَة الْفَائِدَة.
قَوْله: (الْخَيل لثَلَاثَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
(الْخَيل ثَلَاثَة) ، قَوْله: (فِي مرج أَو رَوْضَة) ، شكّ
من الرَّاوِي، والمرج مَوضِع الْكلأ، وَأكْثر مَا يُطلق
على الْموضع المطمئن وَالرَّوْضَة أَكثر مَا يُطلق على
الْموضع الْمُرْتَفع. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المرج:
الأَرْض الواسعة ذَات نَبَات كثير تمرج فِيهَا الدَّوَابّ
أَي: تخلى تسرح مختلطة كَيفَ شَاءَت، وَالرَّوْضَة:
الْموضع الَّذِي يستنقع فِيهِ المَاء. قَوْله: (طيلها) ،
بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف
بعْدهَا لَام: وَهُوَ الْحَبل الَّذِي ترتبط بِهِ، وَيطول
لَهَا الترعي، وَيُقَال لَهُ: طول أَيْضا. قَوْله:
(فاستنت) ، من الاستنان، وَهُوَ الْعَدو، والشرف: الشوط.
قَوْله: (ونواء) ، بِكَسْر النُّون المناوأة وَهِي
المعاداة، وَحكى عِيَاض عَن الدَّاودِيّ أَنه وَقع عِنْده.
وَنوى، بِفَتْح النُّون وَالْقصر، قَالَ: وَلَا يَصح
ذَلِك، وَقيل: حَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس فَإِن ثَبت فَمَعْنَاه: وبعداً
لأهل الْإِسْلَام، وَقيل: الظَّاهِر أَن الْوَاو فِي
قَوْله: (ورياء ونواء) ، بِمَعْنى: أَو، لِأَن هَذِه
الْأَشْيَاء قد تفترق فِي الْأَشْخَاص، وكل وَاحِد مِنْهَا
مَذْمُوم على حِدة. قَوْله: (الفاذة) ، بِالْفَاءِ
وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة: أَي المنفردة فِي
مَعْنَاهَا، يَعْنِي: مُنْفَرِدَة فِي عُمُوم الْخَيْر
وَالشَّر.
94 - (بابُ مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الغزْوِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ضرب دَابَّة غَيره الَّتِي
وقفت من العي إِعَانَة لَهُ ورفقاً بِهِ.
1682 - حدَّثنا مُسلِمٌ قَالَ حدَّثنا أبُو عُقَيْلٍ قَالَ
حدَّثنا أَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ قَالَ أتَيْتُ
جابِرَ ابنَ عَبْدِ الله الأنْصَارِيَّ فقُلْتُ لَهُ
حدِّثْنِي بِما سَمِعْتُ مِنْ رَسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ
أسْفَارِهِ قَالَ أَبُو عَقِيلٍ لَا أدْرِي غَزْوَةً أوْ
عُمْرَةً فلَمَّا أنْ أقْبَلْنا قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم منْ أحَبَّ أنْ يتَعَجَّلَ إِلَى أهْلِهِ
فَلْيُعَجِّلْ قَالَ جابِرٌ فأقْبَلْنَا وَأَنا عَلَى
جَمَلٍ لي أرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَّةٌ والنَّاسُ خَلْفِي
فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِكَ إذْ قامَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جابِرُ
اسْتَمْسِكْ فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً فَوَثَبَ
البَعِيرُ مَكانَهُ فَقَالَ أتَبِيعُ الجَمَلَ قُلْتُ
نَعَمْ فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ودَخَلَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ
أصْحَابِهِ فَدَخَلْتُ إلَيْهِ وعَقَلْتُ الجَمَلَ فِي
ناحِيَةِ البَلاَطِ فَقُلْتُ أَهَذَا جَمَلُكَ فَخَرَجَ
فجَعَلَ يُطِيفُ بالجَمَلِ ويَقولُ الجَمَلُ جَمَلُنَا
فبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَاقٍ مِنْ
ذَهَبٍ فَقالَ أعْطُوهاجابرَاً ثُمَّ قَالَ اسْتَوْفَيْتَ
الثَّمَنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الثَّمَنُ والجَمَلُ لَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَضَربهُ بِسَوْطِهِ
ضَرْبَة) فالضارب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والمضروب: دَابَّة غَيره، وَهُوَ جمل جَابر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم القصاب
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو عقيل، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَكسر الْقَاف: اسْمه بشير ضد النذير بن عقبَة
الدَّوْرَقِي الْأَزْدِيّ النَّاجِي، وَيُقَال السَّامِي
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو المتَوَكل عَليّ بن دَاوُد
النَّاجِي، بالنُّون وَالْجِيم مَنْسُوبا إِلَى بني
نَاجِية بن سامة بن لؤَي،
(14/152)
قَبيلَة كَبِيرَة مِنْهُم، والْحَدِيث مضى
بِهَذَا الْإِسْنَاد مُخْتَصرا فِي الْمَظَالِم، وَمَضَت
مباحثه مستوفاة فِي الشُّرُوط.
قَوْله: (أَو عمْرَة) ، كَذَا فِي رِوَايَة الكشميهنيي
وَفِي رِوَايَة غَيره: أم عمْرَة. قَوْله: (فَلَمَّا أَن
أَقبلنَا) ، كلمة: أَن، زَائِدَة، قَوْله: (فليعجل) ،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَليَتَعَجَّل) ، فَالْأول من
بَاب التفعيل، وَالثَّانِي من بَاب التفعل. قَوْله: (أرمك)
برَاء وكاف، على وزن: أَحْمَر. قَالَ الْأَصْمَعِي: الأرمك
لون يخالط حمرته سوَاده، وَيُقَال: بعير أرمك وناقة رمكاء،
وَعَن ابْن دُرَيْد: الرمك كل شَيْء خالطت غيرته سواداً
كدراً. وَقيل: الرمكة الرماد. وَقَالَ ابْن قرقول:
وَيُقَال: أربك، بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَيْضا، وَالْمِيم
أشهر. قَوْله: (لَيْسَ فِيهِ شية) ، بِكَسْر الشين
الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الْخَفِيفَة
أَي: لَيْسَ فِيهِ لمْعَة من غير لَونه، وَعَن قَتَادَة
فِي قَوْله: (لَا شية) ، أَي: لَا عيب، وَيُقَال: الشية:
كل لون يُخَالف مُعظم لون الْحَيَوَان. قَوْله: (وَالنَّاس
خَلْفي) ، جملَة حَالية من قَوْله: (وَأَنا على جمل لي) ،
أَرَادَ أَن جمله كَانَ يسْبق جمال النَّاس. قَوْله:
(فَبينا أَنا كَذَلِك) ، أَي: فِي حَالَة كَانَ النَّاس
خَلْفي. قَوْله: (إِذا قَامَ عَليّ) ، جَوَاب بَينا أَنا
كَذَلِك، أَي: إِذْ وقف الْجمل، يُقَال: قَامَت الدَّابَّة
إِذا وقفت من الكلال. قَوْله: (البلاط) ، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَهِي الْحِجَارَة المفروشة، وَقيل: هُوَ
مَوضِع.
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلفُوا فِي الْمُكْتَرِي يضْرب
الدَّابَّة فتموت، فَقَالَ مَالك: إِذا ضربهَا ضربا لَا
يضْرب مثله، أَو حَيْثُ لَا يضْرب ضمن، وَبِه قَالَ أَحْمد
وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَيُقَال: إِذا ضربهَا ضربا
يضْربهَا صَاحبهَا مثله وَلم يَتَعَدَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ
شَيْء، وَاسْتحْسن هَذَا القَوْل أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد.
وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة: ضَامِن إلاَّ أَن يكون
أمره بضربها.
05 - (بابُ الرُّكُوبِ علَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ
والفَحُولَةِ مِنَ الخَيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الرّكُوب على
الدَّابَّة الصعبة إِذا كَانَ من أهل ذَلِك، والصعبة،
بِسُكُون الْعين: الشَّدِيدَة والفحولة، بِفَتْح الْفَاء
والحاء الْمُهْملَة: جمع فَحل، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَلَعَلَّ التَّاء فِيهِ لتأكيد الْجمع كَمَا فِي:
الْمَلَائِكَة.
وَقَالَ رَاشِدُ بنُ سَعْدٍ كانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ
الفَحُولَةَ لأِنَّهَا أجْرَأ وأجْسَرُ
رَاشد بن سعد المقرئي، بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَسُكُون
الْقَاف وَفتح الرَّاء بعْدهَا همزَة، نِسْبَة إِلَى:
مقرأ، قَرْيَة من قرى دمشق، وَهُوَ تَابِعِيّ وَرُوِيَ عَن
ثَوْبَان مولى سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأبي أُمَامَة وَمُعَاوِيَة وَغَيرهم، مَاتَ سنة
ثَلَاثَة عشر وَمِائَة، وَالصَّحِيح أَنه مَاتَ سنة ثَمَان
وَمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا
الْأَثر الْوَاحِد. قَوْله: (السّلف) ، أَي: من
الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ. قَوْله: (لِأَنَّهَا أجرأ) ،
أفعل من الجراءة، وَيكون أَيْضا من الجري لَكِن الأول
بِالْهَمْز وَالثَّانِي بِدُونِهِ. قَوْله: (وأجسر) أفعل
من الجسارة، بِالْجِيم وَالسِّين الْمُهْملَة، والمفضل
عَلَيْهِ مَحْذُوف لدلَالَة الْقَرِينَة عَلَيْهِ،
تَقْدِيره: أجرأ وأجسر من الْإِنَاث، أَو من المخصية.
وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: أَن ركُوب الفحولة أفضل
للرُّكُوب من الْإِنَاث لشدتها وجرأتها، وَمَعْلُوم أَن
الْمَدِينَة لم تخل من إناث الْخَيل وَلم ينْقل عَن سيدنَا
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا جملَة
أَصْحَابه أَنهم ركبُوا غير الفحول، وَلم يكن ذَلِك إلاَّ
لفضلها إِلَّا مَا ذكر عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ لَهُ فرس أُنْثَى بلقاء، وَذكر
سيف فِي (الْفتُوح) : أَنَّهَا الَّتِي ركبهَا أَبُو محجن
حِين كَانَ عِنْد سعد مُقَيّدا بالعراق، وَذكر
الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) عَن الْمِقْدَاد، قَالَ:
غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر على
فرس لي أُنْثَى، وروى الْوَلِيد بن مُسلم فِي الْجِهَاد
لَهُ من طَرِيق عبَادَة بن نسي، بِضَم النُّون وَفتح
السِّين الْمُهْملَة، اَوْ ابْن محيريز: أَنهم كَانُوا
يستحبون إناث الْخَيل فِي الغارات والبيات، وَلما خَفِي من
أُمُور الْحَرْب، ويستحبون الفحولة فِي الصُّفُوف والحصون،
وَلما ظهر من أُمُور الْحَرْب، وَرُوِيَ عَن خَالِد بن
الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ لَا
يُقَاتل إلاَّ على أُنْثَى، لِأَنَّهَا تدفع الْبَوْل،
وَهِي أقل صهيلاً، والفحل يحْبسهُ فِي جريه حَتَّى ينفتق
ويؤذي بصهيله، وروى أَبُو عبد الرَّحْمَن عَن معَاذ بن
الْعَلَاء عَن يحيى بن أبي كثير يرفعهُ: عَلَيْكُم بإناث
الْخَيل، فَإِن ظُهُورهَا عز وبطونها كنز، وَفِي لفظ:
ظُهُورهَا حرز.
2682 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا
عَبْدُ الله قَالَ أخْبرَنا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ قَالَ
سَمِعْتُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(14/153)
(أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ
بالمَدِينَةِ فَزَعٌ فاسْتَعَارَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَرَساً لأبي طَلْحَةَ يُقالُ لَهُ
مَنْدُوبٌ فَرَكِبَهُ وَقَالَ مَا رَأيْنَا مِنْ فَزَعٍ
وإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرَاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (والفحولة من الْخَيل)
وَأحمد بن مُحَمَّد، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ أَحْمد
بن مُحَمَّد بن ثَابت بن عصمان الْخُزَاعِيّ أَبُو
الْحُسَيْن بن شبويه، وَذكر فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) :
هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاس،
يُقَال لَهُ: مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي، وَهُوَ من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبد الله: هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب اسْم الْفرس وَالْحمار،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. |