عمدة القاري شرح صحيح البخاري

851 - (بابُ الكَذِبِ فِي الحَرْبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْكَذِب فِي الْحَرْب هَل يجوز أم لَا؟ وَإِذا جَازَ يجوز بالتصريح أَو بالتلويح؟ وَيَجِيء بَيَانه الْآن.

1303 - حدَّثنا قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرِو بنِ دِينَار عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأشْرَفِ فإنَّهُ قَدْ آذَى الله ورسُولَه قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مسْلَمَةَ أتُحِبُّ أنْ أقْتُلَهُ يَا رسولَ الله قَالَ نَعَمْ قالَ فأتَاهُ فَقال إنَّ هَذا يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ عَنَّانا وسألَنا الصَّدَقَةَ قَالَ وَأَيْضًا وَالله لَتَمَلَّنَّهُ قَالَ فأنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أنْ نَدَعَهُ حتَّى تَنْظُرَ إلَى مَا يَصيرُ أمْرُهُ قالَ فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فقَتَلَهُ..
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن الَّذِي وَقع من مُحَمَّد بن مسلمة فِي قتل كَعْب بن الْأَشْرَف يُمكن أَن يكون تعريضاً. وَأجِيب: بِوُجُود الْمُطَابقَة، فَإِن مُحَمَّد بن مسلمة، قَالَ: فَأذن لي، فَأَقُول؟ قَالَ: قد فعلت فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ الْإِذْن فِي الْكَذِب تَصْرِيحًا وتلويحاً. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب هَذَا. قلت: هَذِه الزِّيَادَة ثَابِتَة فِي حَدِيث الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، والْحَدِيث وَاحِد فِي الأَصْل عَن جَابر على أَنه قد جَاءَ من ذَلِك صَرِيحًا فِيمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد مَرْفُوعا: لَا يحل الْكَذِب إلاَّ فِي ثَلَاث: يحدث الرجل امْرَأَته ليرضيها، وَالْكذب فِي الْحَرْب، وَفِي الْإِصْلَاح بَين النَّاس. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر إِبَاحَة حَقِيقَة الْكَذِب فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة، لَكِن التَّعْرِيض أولى.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الشّركَة فِي: بَاب رهن السِّلَاح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو عَن جَابر.
قَوْله: (من لكعب بن الْأَشْرَف؟) أَي: من لقَتله؟ و: من، مُبْتَدأ، و: لكعب، خَبره، وَكَعب بن الْأَشْرَف ضد الأخس الْيَهُودِيّ الْقرظِيّ، وَكَانَ يهجو رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويؤذيه قَوْله (قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة) بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ قَوْله (قد آذَى الله) فِيهِ حذف أَي آذن رَسُول الله. وأذاه لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ أَذَى لله، لِأَنَّهُ لَا يرضى بِهِ. قَوْله: (أَتُحِبُّ؟) الْهمزَة فِي للاستفهام، وَكلمَة: أَن، فِي: (أَن أَقتلهُ) مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير:

(14/276)


أَتُحِبُّ قَتله؟ قَوْله: (قد عنانا) ، بِفَتْح النُّون الْمُشَدّدَة أَي: أتعبنا، وَهَذَا من التَّعْرِيض الْجَائِز بل من المستحسن، لِأَن مَعْنَاهُ فِي الْبَاطِن أدبنا بآداب الشَّرِيعَة الَّتِي فِيهَا تَعب، لكنه تَعب فِي مرضاة الله تَعَالَى، وَالَّذِي فهم الْمُخَاطب هُوَ العناء الَّذِي لَيْسَ بمحبوب، قَوْله: (وَسَأَلنَا) ، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح اللَّام وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّدَََقَة مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول ثَان. قَوْله: (وَأَيْضًا وَالله لتملنه) أَي وَالله بعد ذَلِك تزيد ملالتكم عَنهُ وتتضجرون عَنهُ أَكثر وأزيد من ذَلِك. فَإِن قلت: هَذَا غدر فَكيف جَازَ؟ قلت: حاشا، لِأَنَّهُ نقض الْعَهْد بإيذائه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْمَازرِيّ: نقض عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهجاه وأعان الْمُشْركين على حربه. فَإِن قلت: أَمنه مُحَمَّد بن مسلمة؟ قلت: لم يُصَرح لَهُ بِأَمَان فِي كَلَامه، وَإِنَّمَا كَلمه فِي أَمر البيع وَالشِّرَاء والشكاية إِلَيْهِ والاستيناس بِهِ حَتَّى تمكن من قَتله، وَقيل: فِي قتل مُحَمَّد بن مسلمة كَعْب بن الْأَشْرَف دلَالَة أَن الدعْوَة سَاقِطَة مِمَّن قرب من دَار الْإِسْلَام، وَكَانَت قَضِيَّة مُحَمَّد بن مسلمة فِي رَمَضَان، وَقيل: فِي ربيع الأول الأول أشهر فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة. وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: أَتَى كَعْب الْمَدِينَة فنزلها، وَلما جرى ببدر مَا جرى، قَالَ: وَيحكم أَحَق هَذَا؟ وَأَن مُحَمَّدًا قتل أَشْرَاف الْعَرَب وملوكها؟ وَالله إِن كَانَ هَذَا حَقًا لبطن الأَرْض خير من ظهرهَا، ثمَّ خرج حَتَّى قدم مَكَّة فَنزل على الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي، فَأكْرمه الْمطلب فَجعل ينوح ويبكي على قَتْلَى بدر ويحرض النَّاس على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنْشد الْأَشْعَار فِي ذَلِك، وَبلغ ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من لكعب بن الْأَشْرَف؟ فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ، أَخُو بني عبد الْأَشْهَل: أَنا لَهُ يَا رَسُول الله، وسرد فِي ذَلِك كلَاما كثيرا، ثمَّ قَالَ إِنَّه اجْتمع بِهِ وَسَأَلَهُ أَن يسلفه سلفا وَجرى بَينهمَا مَا يتَعَلَّق بِالرَّهْنِ إِلَى أَن قَالَ: نرهنك اللاّمة؟ يَعْنِي: السِّلَاح. قَالَ: نعم، فواعده أَن يَأْتِيهِ بِالْحَارِثِ بن أَوْس وَأبي عبس جَابر بن عتِيك وَعباد بن بشر، قَالَ: فجاؤه فَدَعوهُ لَيْلًا فَنزل إِلَيْهِم، فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: إِنِّي لأسْمع صَوتا كَأَنَّهُ صَوت دم، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بن مسلمة ورضيعي أَبُو نائلة، وَإِن الْكَرِيم لَو دعِي إِلَى طعنة لأجاب. وَقَالَ مُحَمَّد: إِنِّي إِذا جَاءَ سأمد يَدي، فَإِذا اسْتَمْكَنت مِنْهُ فدونكم. قَالَ: فَنزل وَهُوَ متوشح فَقَالَ لَهُ: نجد مِنْك ريح الطّيب، قَالَ: نعم، تحتي فُلَانَة أعطر نسَاء الْعَرَب، فَقَالَ مُحَمَّد: أتأذن لي أَن أَشمّ مِنْهُ؟ قَالَ: نعم، فشم. فَتَنَاول فشم، ثمَّ عَاد فشم، فَلَمَّا استمكن مِنْهُ، قَالَ: دونكم! فَقَتَلُوهُ ثمَّ أَتَوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه. وَحكى الطَّبَرِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ: جاؤوا بِرَأْس كَعْب بن الْأَشْرَف إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كتاب (شرف الْمُصْطَفى) : أَن الَّذين قتلوا كَعْبًا حملُوا رَأسه فِي المخلاة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام. وَقيل: بل رَأس أبي غرَّة الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ) فَقتله وَاحْتمل رَأسه إِلَى الْمَدِينَة فِي رمح، وَأما أول مُسلم حمل رَأسه فِي الْإِسْلَام فعمرو بن الْحمق، وَله صُحْبَة.

951 - (بابُ الْفَتْكِ بأهْلِ الحَرْبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الفتك بِأَهْل الْحَرْب، والفتك، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا كَاف: وَهُوَ أَن يَأْتِي الرجل صَاحبه وَهُوَ غَار غافل فيشتد عَلَيْهِ فيقتله.

2303 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرو عنْ جابِرٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأشْرَفِ فَقال مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ أتُحِبُّ أنْ أقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأذَنْ لِي فأقُولَ قَالَ قدْ فعلْتُ..
وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة يُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، لِأَن مُحَمَّد بن مسلمة غر كَعْبًا فاستغفله، فَشد عَلَيْهِ فَقتله. وَهُوَ الفتك بِعَيْنِه، وَهَذَا طرف من حَدِيث جَابر الَّذِي مضى قبله. قَوْله: (فَأَقُول؟) أَي: عني وعنك مَا رَأَيْته مصلحَة من التَّعْرِيض وَغَيره مَا لم يحِق بَاطِلا وَلم يبطل حَقًا؟ قَوْله: (قَالَ: قد فعلت) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أَذِنت، وَلَفظ الْفِعْل أَعم الْأَفْعَال يعبر بِهِ عَن أَلْفَاظ كَثِيرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.

(14/277)


061 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الاحْتِيَالِ والحَذَرِ مَعَ مَنْ يَخْشَى مَعَرَّتَهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز إِلَى آخِره. قَوْله: (مَعَ من يخْشَى) ، على بِنَاء الْمَعْلُوم، وَيجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَجْهُول، فعلى الأول: مَعْرفَته، مَنْصُوب وَعلي الثَّانِي، مَرْفُوع. والمعرة، بِفَتْح الْمِيم وَالْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء: الشدَّة وَمَا يكره من فَسَاد.

3303 - قالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثَنِي عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّهُ قالَ انْطَلَقَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ أبَيُّ بنُ كَعْبٍ قِبَلَ ابنِ صَيَّادٍ فَحُدِّثَ بِهِ فِي نَخْلٍ فلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخْلَ طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وابنُ صَيَّادٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيها رَمْرَمَةٌ فرَأتْ أُمُّ ابنِ صَيَّادٍ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَتْ يَا صَافُ هَذا مُحَمَّدٌ فوَثَبَ ابنُ صَيَّادٍ فَقالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (طفق يَتَّقِي بجذوع النّخل) لِأَن مَعْنَاهُ: شرع يخفي نَفسه بجذوع النّخل حَتَّى لَا ترَاهُ أم ابْن صياد، وَهَذَا احتيال وحذر، لِأَن أم ابْن صياد مِمَّن يخْشَى معرته، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح ذكر هُنَا الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث، وَأَن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء.
وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد، وَعقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يحيى بن بكير وَأبي صَالح، كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث، وَقد مضى قصَّة ابْن صياد مُطَوَّلَة فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ هَل يصلى عَلَيْهِ؟ .
قَوْله: (قِبَل ابْن صياد) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: ناحيته وجهته، قَوْله: (فَحدث بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير فِي: بِهِ، يرجع إِلَى ابْن صياد. قَوْله: (فِي نخل) ، حَال من الضَّمِير الْمَجْرُور، وَالْمعْنَى: أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن صياد، وَالْحَال أَنه فِي نخل. قَوْله: (طفق يَتَّقِي) ، قد مر تَفْسِيره الْآن. قَوْله: (فِي قطيفة) ، وَهِي: الكساء المخمل. قَوْله: (لَهُ فِيهَا) ، أَي: لِابْنِ صياد فِي القطيفة (رمرمة) براءين، وَهُوَ الصَّوْت، ويروى بالزايين. قَوْله: (يَا صَاف) ، صَاف اسْم ابْن صياد، بِضَم الْفَاء وَكسرهَا. قَوْله: (لَو تركته بَين) ، أَي: لَو تركته أمه بِحَيْثُ لَا تعرف قدوم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يندهش مِنْهُ، بيّن لكم باخْتلَاف كَلَامه مَا يهون عَلَيْكُم أمره، وَقد سبقت مباحثه مستقصاة فِي كتاب الْجَنَائِز فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

161 - (بابُ الرَّجَزِ فِي الحَرْبِ ورَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الخَنْدَقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من إنْشَاء الرجز فِي الْحَرْب، وَالرجز، بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم وَفِي آخِره زَاي: وَهُوَ بَحر من بحور الشّعْر، وَهُوَ مَعْرُوف، وَنَوع من أَنْوَاع الشّعْر يكون كل مصراع مِنْهُ مُفردا، وَتسَمى قصائده أراجيز، واحدتها أرجوزة، فَهُوَ كَهَيئَةِ السجع إلاَّ أَنه فِي وزن الشّعْر، وَيُسمى قَائِله: راجزاً، كَمَا يُسمى قَائِل بحور الشّعْر: شَاعِرًا، وَلم يعده الْخَلِيل شعرًا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَالرجز لَيْسَ بِشعر عِنْد أَكْثَرهم. قَوْله: (وَرفع) ، مجرور عطفا على لفظ: الرجز، أَي: وَفِي بَيَان مَا جَاءَ من رفع الصَّوْت فِي حفر الخَنْدَق، وَهُوَ الَّذِي حفره الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يَوْم الْأَحْزَاب، وَكَانُوا ينقلون التُّرَاب على ظُهُورهمْ وينشدون الأراجيز، على مَا مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب حفر الخَنْدَق، وَكَانَت عَادَة الْعَرَب بِاسْتِعْمَال الأراجيز فِي الحروب لِأَنَّهَا تزيد النشاط وتهيج الهمم.
فيهِ سَهْلٌ وأنَسٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: مِمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب، روى سهل بن سعد الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوصل البُخَارِيّ حَدِيثه فِي غَزْوَة الخَنْدَق وَفِيه:
(اللَّهُمَّ لَا عَيْش إلاَّ عَيْش الْآخِرَة)

قَوْله: (وَأنس) ، بِالرَّفْع عطف على سهل، وَحَدِيثه مضى فِي: بَاب حفر الخَنْدَق، وَوَصله عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه:

(14/278)


(أللهم لَا خير إلاَّ خير الْآخِرَة)

وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وفِيهِ يَزيدُ عنْ سَلَمَةَ

أَي: وَفِي الْبَاب أَيْضا روى يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد، مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن مَوْلَاهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَة خَيْبَر، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

4303 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الأحْوَصِ قَالَ حدَّثَنَا أبُو إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الخَنْدَقَ وهْوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حتَّى وارَى التُّرَابَ شَعَرَ صَدْرِهِ وكانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ وهْوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ الله بنِ رَوَاحَةَ.
(أللَّهُمَّ لَوْلاَ أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... ولاَ تَصَدَّقْنَا ولاَ صَلَّيْنَا)

(فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا)

(إنَّ الأعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا علَيْنَا ... إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنا)

يرفَعُ بِهَا صَوْتَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهُوَ يرتجز برجز عبد الله) ، وَفِي قَوْله: (يرفع بهَا صَوته) وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب حفر الخَنْدَق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن حَفْص ابْن عمر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره. وَفِيه: وَقد وارى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه، وَهنا زِيَادَة، وَهِي قَوْله: وَكَانَ رجلا كثير الشّعْر. وَفِيه أَيْضا هُنَا: وَهُوَ يرتجز برجز عبد الله، وَهُوَ عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ البدري، النَّقِيب الشَّاعِر وَهنا: إِن الْأَعْدَاء، وَهُنَاكَ: إِن الأولى، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (وَهُوَ ينْقل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَا الْوَاو فِي قَوْله: (وَهُوَ يرتجز) قَوْله: (بغوا) ، من الْبَغي، وَهُوَ الاستطالة وَالظُّلم. قَوْله: (أَبينَا) ، من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع. قَوْله: (يرفع بهَا صَوته) جملَة وَقعت حَالا من قَوْله: (وَهُوَ يرتجز) .

261 - (بابُ مَنْ لاَ يَثْبُتُ علَى الخَيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّعَاء فِي حق من لَا يثبت على الْخَيل، وَقَالَ بَعضهم: بَاب من لَا يصبت على الْخَيل، أَي: يَنْبَغِي لأهل الْخَيْر أَن يَدْعُو لَهُ بالثبات. قلت: مَا أبعد هَذَا التَّفْسِير من معنى التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى على المتأمل، بل يَنْبَغِي أَن يُفَسر مثل مَا فسرنا، ثمَّ يُقَال: وَيَنْبَغِي لأهل الْخَيْر أَن يَدْعُو لَهُ بالثبات تأسياً بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ دَعَا لجرير حِين شكا إِلَيْهِ من عدم ثباته على الْخَيل.

5303 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ نُمَيْرٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ إدْرِيسَ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسْلَمْتُ ولاَ رآنِي إلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. ولَقَدْ شَكَوْتُ إلَيْهِ أنِّي لَا أثْبُتُ علَى الخَيْلِ فَضَرَب بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ أللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعَلْهُ هادِياً مَهْدِيَّاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا أثبت على الْخَيل) وَابْن إِدْرِيس هُوَ عبد الله بن إِدْرِيس بن يزِيد، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقيس بن أبي حَازِم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَدَب أَيْضا عَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن نمير أَيْضا، وَفِي فضل جرير عَن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الحميد بن بَيَان وَيحيى بن يحيى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن ابْن نمير، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.

(14/279)


وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن ابْن نمير بِهِ.
قَوْله: (مَا حجبني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسلمت) ، أَي: مَا مَنَعَنِي مِمَّا التمست مِنْهُ أَو من دُخُول الدَّار، وَلَا يلْزم مِنْهُ النّظر إِلَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (فِي وَجْهي) ، هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: فِي وَجهه، وَفِي الْتِفَات من التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة. قَوْله: (وَلَقَد شَكَوْت) إِلَى آخِره، مضى فِي: بَاب حرق الدّور والنخيل عَن قريب.
وَفِيه: أَن الرجل الْوَجِيه فِي قومه لَهُ حُرْمَة ومكانة على من هُوَ دونه، لِأَن جَرِيرًا كَانَ سيد قومه. وَفِيه: أَن لِقَاء النَّاس بالتبسم وطلاقة الْوَجْه من أَخْلَاق النُّبُوَّة، وَهُوَ منَاف للتكبر وجالب للمودة. وَفِيه: فضل الفروسية وَأَحْكَام ركُوب الْخَيل، فَإِن ذَلِك مِمَّا يَنْبَغِي أَن يتعلمه الرجل الشريف والرئيس. وَفِيه: أَنه لَا بَأْس للْإِمَام أَو للْعَالم إِذا أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَان فِي مُخَاطبَة أَو غَيرهَا أَن يضع عَلَيْهِ يَده وَيضْرب بعض جسده، وَذَلِكَ من التَّوَاضُع واستماله النُّفُوس. وَفِيه: بركَة دَعوته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه مَا سقط بعد ذَلِك من الْخَيل.

361 - (بابُ دَوَاءِ الجَرْحِ بإحْرَاقِ الْحَصِيرِ وغَسْلِ المَرْأةِ عنْ أبِيها الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ وحَمْلِ المَاءِ فِي التُّرْسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من دَوَاء الْجرْح إِلَى آخِره. قَوْله: (وَحمل المَاء) ، مَعْطُوف على قَوْله: (دَوَاء الْجرْح) أَي وَفِي بَيَان مَا جَاءَ من حمل الرجل المَاء فِي الترس لأجل غسل الدَّم، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَأْخُوذَة من معنى حَدِيث الْبَاب، لِأَن المُرَاد من الْمَرْأَة هِيَ فَاطِمَة بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي داوت جرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالحصير المحرق بالنَّار بعد غسلهَا الدَّم عَن وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ لإزدياد الدَّم بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ وَعدم انْقِطَاعه. وَأما حمل المَاء فَكَانَ من عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

7303 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا أبُو حَازِمٍ قَالَ سألُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بِأيِّ شَيءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي كانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بالْمَاءِ فِي تُرْسِهِ وكانَتْ يَعْنِي فَاطِمَةَ تَغْسِلُ الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ وأُخِذَ حَصِيرٌ فأُحْرِقَ ثُمَّ حُشِيَ بِهِ جُرْحُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ: ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج. والْحَدِيث بِعَيْنِه مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: غسل الْمَرْأَة أَبَاهَا الدَّم عَن وَجهه، غير أَنه هُنَاكَ أخرجه عَن مُحَمَّد عَن سُفْيَان ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (جرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: الَّذِي وَقع يَوْم أحد من شج رَأسه الْمُبَارك. قَوْله: (مَا بَقِي) ، لِأَنَّهُ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ.

461 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَازُعِ والاخْتِلافُ فِي الحَرْبِ وعقُوبَةِ منْ عَصَي إمَامَهُ)

أَي: هَذ بَاب فِي بَيَان مَا يكره إِلَى آخِره. قَوْله: (فِي الْحَرْب) ، أَي: من الْمُقَاتلَة فِي أَحْوَال الْحَرْب. قَوْله: (وعقوبة) ، أَي: وَفِي بَيَان عُقُوبَة من عصى إِمَامه، يَعْنِي: بالهزيمة وحرمان الْغَنِيمَة، وَفِي (التَّوْضِيح) : التَّنَازُع هُوَ الِاخْتِلَاف. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ يلْزم عطف الشَّيْء على نَفسه فِي التَّرْجَمَة، وَلَا يُقَال: إِنَّه عطف بَيَان لِأَن التَّنَازُع مَعْلُوم فَلَا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان، والتنازع هُوَ التخاصم والتجادل، وَالِاخْتِلَاف أَن يذهب كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى رَأْي، وَالِاخْتِلَاف سَبَب الْهَلَاك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، لِأَن الله عز وَجل قد عبر فِي كِتَابه بِالْخِلَافِ الَّذِي قضى بِهِ على عباده عَن الْهَلَاك فِي قَوْله: {وَلَو شَاءَ الله مَا اخْتلفُوا} (الْأَنْفَال: 64) . ثمَّ قَالَ: وَلذَلِك خلقهمْ، يَعْنِي: ليكونوا فريقين: فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير، من أجل اخْتلَافهمْ.
وَقَالَ الله تَعَالى {ولاَ تَنَازَعُوا فتَفْشَلُوا وتَذْهَبُ رِيحُكُمْ} (الْأَنْفَال: 64) .
أول الْآيَة: {وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا} (الْأَنْفَال: 64) . وَقبلهَا، خَاطب الْمُؤمنِينَ بقوله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا

(14/280)


واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون} (الْأَنْفَال: 54) . فَأمروا بالثبات عِنْد ملاقاتهم الْأَعْدَاء، وَالصَّبْر على مبارزتهم، ثمَّ أَمرهم بِذكرِهِ فِي تِلْكَ الْحَال وَلَا ينسونه بل يستعينون بِهِ ويوكلون عَلَيْهِ ويسألونه النَّصْر عَلَيْهِم، ثمَّ أَمرهم بإطاعة الله وَرَسُوله فِي حَالهم ذَلِك، فَمَا أَمرهم بِهِ ايتمروا وَمَا نَهَاهُم عَنهُ انزجروا، وَلَا يتنازعون فِيمَا بَينهم فيفشلون، من الفشل: وَهُوَ الْفَزع والجبن والضعف. قَوْله: {وَتذهب ريحكم} (الْأَنْفَال: 64) . أَي: قوتكم وحدتكم وَمَا كُنْتُم فِيهِ من الإقبال {واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين} (الْأَنْفَال: 64) . قَوْله: (يَعْنِي الْحَرْب) ، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده.
وقَالَ قَتَادَةُ الرِّيحُ الحَرْبُ

هَذَا هُوَ الَّذِي وَقع فِي هَذَا الْموضع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، قَالَ قَتَادَة: الرّيح الْحَرْب، وَهَذَا وَصله عبد الرَّزَّاق فِي تَفْسِيره عَن معمر عَن قَتَادَة بِهِ، وَقَالَ مُجَاهِد: الرّيح النَّصْر، وَقيل: الدولة، شبهت فِي نُفُوذ أمرهَا وتمشيه بِالرِّيحِ وهبوبها، فَقيل: هبت ريَاح فلَان: إِذا دالت لَهُ.

8303 - حدَّثنا يَحْيَى قَالَ حدَّثنا وَكِيعُ عنْ شُعْبَةَ عنْ سَعِيدِ بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ مُعاذَاً وَأَبا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ يَسِّرَا ولاَ تُعَسِّرَا وبَشِّرَا ولاَ تُنَفِّرَا وتَطاوَعَا ولاَ تَخْتَلِفَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا تختلفا) .
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: يحيى، قيل: هُوَ يحيى بن جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّاء البُخَارِيّ البيكندي، وَقيل: يحيى بن مُوسَى بن عبد ربه أَبُو زَكَرِيَّاء السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي، يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وكل مِنْهُمَا سمع وكيعاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي يحيى بن جَعْفَر الْبَلْخِي: وَلَيْسَ إلاَّ البُخَارِيّ، وَقَالَ فِي يحيى بن مُوسَى الختي بِالنِّسْبَةِ إِلَى خت، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن خت لقبه وَمَا هُوَ بمنسوب إِلَيْهِ. الثَّانِي: وَكِيع، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: شُعْبَة، كَذَلِك. الرَّابِع: سعيد بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر. الْخَامِس: أَبُو عَامر. السَّادِس: جده أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس، وَالضَّمِير فِي: جده، رَاجع إِلَى سعيد لَا إِلَى الْأَب، يَعْنِي: روى سعيد عَن عَامر عَن عبد الله.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن إِسْحَاق، وَفِي الْأَحْكَام عَن مُحَمَّد بن بشار، وَفِي الْمَغَازِي عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَعَن إِسْحَاق بن شاهين أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن قُتَيْبَة وَإِسْحَاق وَعَن مُحَمَّد بن عباد وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن أَحْمد وَعَن زيد بن أبي أنيسَة وَفِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عباد وَعَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي خلف. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود فِي قصَّة الْيَهُودِيّ الَّذِي أسلم. ثمَّ ارْتَدَّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْأَشْرِبَة وَفِي الْوَلِيمَة عَن أَحْمد بن عبد الله وَعبد الله بن الْهَيْثَم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن بشار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يسرا) ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة مَعْنَاهُ: خذا بِمَا فِيهِ التَّيْسِير. قَوْله: (وَلَا تعسرا) ، من التعسير وَهُوَ التَّشْدِيد والتعصيب. قَوْله: (وبشرا) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة: من التبشير، وَهُوَ إِدْخَال السرُور من بشرت الرجل أُبَشِّرهُ بشرا وبشوراً من الْبُشْرَى. قَوْله: (وَلَا تنفرا) ، من التنفير، يَعْنِي: لَا تذكرا شَيْئا يهربون مِنْهُ، وَلَا تقصدا إِلَى مَا فِيهِ الشدَّة. قَوْله: (وتطاوعا) أَي: تحابا. قَوْله: (وَلَا تختلفا) ، فَإِن الِاخْتِلَاف يُورث الاختلال.

9303 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ قَالَ حدَّثنا زُهَيْرٌ حَدَّثنا أَبُو إسْحاق قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُحَدَّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وكانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً عَبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ فَقالَ إنْ رَأيْتُمُونَا تخْطَفُنا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا مَكانَكُمْ هَذا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ وإنْ رَأيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وأوْطَاْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حتَّى أُرْسلَ إلَيْكُمْ فَهَزَمُوهُمْ قالَ فأنَا وَال لَهُ

(14/281)


رأيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قدْ بدَتْ خَلاخِلُهُنَّ وأسُوُقُهُنَّ رافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقالَ أصْحَابُ عَبْدِ الله ابنِ جُبَيْرٍ الغَنِيمَةَ أيْ قَوْمُ الغَنِيمَةَ ظَهَرَ أصْحَابُكُمْ فَما تَنْتَظِرُونَ فَقال عبْدُ الله بنُ جُبَيْرٍ أنَسِيتُمْ مَا قالَ لَكُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا وَالله لَنَأتِيَنَّ النَّاسَ فلَنَّصيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ فلَمَّا أتَوْهُمْ صُرفَتْ وُجُوهُهُمْ فأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فذَاكَ إذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ فلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاٍ فأصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُه أصابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أرْبَعِينَ ومائَةً سَبْعِينَ أسِيراً وسَبْعِينَ قَتِيلاً فَقال أبُو سُفْيانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاثَ مَرَّاتِ فنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قالَ أَفِي القَوْمِ ابنُ أبِي قُحَافَةَ ثَلاثَ مَرَّاتَ ثُمَّ قالَ أَفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رجَعَ إِلَى أصْحَابِهِ فَقَالَ أمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا فَما مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَالله يَا عَدُوَّ الله إنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأحْياءٌ كُلُّهُمْ وقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ والحَرْبُ سِجَالٌ إنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي القَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا ولَمْ تَسُؤْنِي ثُمَّ أخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ أُعْلُ هُبَلْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ تُجِيبُوا لَهُ قَالُوا يَا رسولَ الله مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا ألله أعْلَى وأجَلُّ قَالَ إنَّ لَنا العُزَّى ولاَ عُزَّي لَكُمْ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ تُجِيبُوا قَالَ قَالُوا يَا رسولَ الله مَا نَقولُ قَالَ قُولُوا ألله مَوْلانَا ولاَ مَوْلَى لَكُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَصْحَاب عبد الله بن جُبَير) فَإِن الْهَزِيمَة وَقعت بِسَبَب مخالفتهم.
وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي وَفِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن خَالِد أَيْضا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن زِيَاد بن يحيى وَعَمْرو بن يزِيد وَفِي التَّفْسِير عَن هِلَال بن الْعَلَاء.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يحدث) ، جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال من الْبَراء، لِأَن الصَّحِيح أَن: سَمِعت، لَا يتَعَدَّى إلاَّ إِلَى مفعول وَاحِد. قَوْله: (على الرجالة) ، بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْجِيم: جمع راجل، على خلاف الْقيَاس. قَوْله: (يَوْم أحد) ، نصب على الظّرْف، وَكَانَ يَوْم أحد يَوْم السبت فِي منتصف شَوَّال من سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَكَانَ السَّبَب فِي غَزْوَة أحد مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق: لما أُصِيب يَوْم بدر من كفار قُرَيْش أَصْحَاب القليب وَرجع فَلهم إِلَى مَكَّة، مَشى عبد الله بن أبي ربيعَة وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَصَفوَان بن أُميَّة فِي رجال من قُرَيْش مِمَّن أُصِيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يَوْم بدر وكلموا أَبَا سُفْيَان بن حَرْب أَن يخرج بهم لَعَلَّهُم يدركوا آثَارهم، فاجتمعت قُرَيْش لِحَرْب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأحابيشها وَمن أطاعها من قبائل كنَانَة وَأهل تهَامَة، فَخَرجُوا وَأَبُو سُفْيَان قائدهم وَمَعَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة، وَمِنْهُم ظعائن التمَاس الحفيظة، وهم ثَلَاثَة آلَاف وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَارس قد جنبوها، فعلى الميمنة خَالِد بن الْوَلِيد، وعَلى الميسرة عِكْرِمَة بن أبي جهل بن هِشَام، وعَلى الْخَيل صَفْوَان بن أُميَّة، وَقيل: عَمْرو بن الْعَاصِ، وعَلى الرماء عبد الله بن ربيعَة، وَكَانُوا مائَة وَفِيهِمْ سَبْعمِائة دارع، والظعن خَمْسَة عشر، وَخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي ألف من أَصْحَابه وَنزل على أحد وَرجع عَنهُ عبد الله بن أبي بن سلول فِي ثَلَاثمِائَة، فَبَقيَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَبْعمِائة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ فِي أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مائَة دارع، وَلم يكن مَعَهم من الْخَيل سوى فرسين: فرس لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفرس لأبي بردة، وأمَّر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الرُّمَاة يَوْمئِذٍ عبد الله بن جُبَير، وَهُوَ قَول الْبَراء: جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الرجالة يَوْم أحد، وَكَانُوا خمسين رجلا عبد الله بن جُبَير، وَهُوَ مَنْصُوب بقوله: جعل،

(14/282)


وَعبد الله بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن النُّعْمَان بن أُميَّة بن أمرىء الْقَيْس، واسْمه: البرك بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو ابْن عَوْف الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة ثمَّ شهد بَدْرًا، وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، وَقَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (تخطفنا الطير) من خطف يخْطب من بَاب نصر ينصر، وَيُقَال من بَاب ضرب يضْرب، وَهُوَ قَلِيل، ومصدره خطف وَهُوَ: استلاب الشَّيْء وَأَخذه سرعَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا مثل يُرِيد بِهِ الْهَزِيمَة يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن رَأَيْتُمُونَا قد زلنا عَن مَكَاننَا وولينا منهزمين فَلَا تَبْرَحُوا أَنْتُم وَهَذَا كَقَوْلِهِم: فلَان سَاكن الطير، إِذا كَانَ هادياً وقوراً وَلَيْسَ هُنَاكَ طير، وَأَيْضًا فالطير لَا يَقع إِلَّا على الشَّيْء السَّاكِن، وَيُقَال للرجل إِذا أسْرع وخف: قد طَار طيره، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ إِن قتلنَا وأكلت الطير لحومنا فَلَا تَبْرَحُوا مكناكم. قَوْله: (وأوطأناهم) قَالَ ابْن التِّين: يُرِيد مشينا عَلَيْهِم وهم قَتْلَى على الأَرْض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْهمزَة فِي (أوطأناهم) للتعريض أَي: جعلناهم فِي معرض الدوس بالقدم. قَوْله: (قَالَ: فَإنَّا وَالله) أَي: قَالَ الْبَراء. قَوْله: (يشتددن) أَي: على الْكفَّار، يُقَال: شدّ عَلَيْهِ فِي الْحَرْب أَي: حمل عَلَيْهِ، وَيُقَال: مَعْنَاهُ يعدون، والاشتداد الْعَدو، ويروى: يسندن، قَالَ ابْن التِّين: هِيَ رِوَايَة أبي الْحسن، وَمَعْنَاهُ: يَمْشين فِي سَنَد الْجَبَل يردن أَن يرقين الْجَبَل. قَوْله: (قد بَدَت) ، جملَة حَالية أَي: قد ظَهرت. قَوْله: (وأسوقهن) ، جمع سَاق. قَوْله: (رافعات) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: يشتددن. وَقَوله: (ثيابهن) ، مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (الْغَنِيمَة) ، نصب على الإغراء. قَوْله: (أَي قوم) ، يَعْنِي: يَا قوم، وَهُوَ منادى. قَوْله: (ظهر) ، أَي: غلب. قَوْله: (أنسيتم؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (صرفت وُجُوههم) ، يَعْنِي: قلبت وحولت إِلَى مَوضِع جاؤوا مِنْهُ، وَذَلِكَ عُقُوبَة لعصيانهم قَول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (منهزمين) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: أَقبلُوا. قَوْله: (فَذَاك إِذْ يَدعُوهُم) أَي: حِين يَقُول لَهُم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِلَى يَا عباد الله إِلَيّ يَا عباد الله أَنا رَسُول الله من يكر فَلهُ الْجنَّة) . قَوْله: (فِي أخراهم) أَي: فِي جَمَاعَتهمْ الْمُتَأَخِّرَة. قَوْله: (فَلم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اثْنَي عشر) ، وَكَذَا قَالَ مقَاتل، وَقَالَ ابْن سعد: وَثَبت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا زَالَ يَرْمِي عَن قوسه حَتَّى صَارَت شظايا، وَثَبت مَعَه عِصَابَة من أَصْحَابه أَرْبَعَة عشر رجلا: سَبْعَة من الْمُهَاجِرين فيهم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسَبْعَة من الْأَنْصَار، حَتَّى تحاجزوا. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَابْن إِسْحَاق ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهم: لما انهزم الْمُسلمُونَ بَقِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نفر يسير. وَقَالَ هِشَام: كَانُوا تِسْعَة: سَبْعَة من الْأَنْصَار وَرجلَيْنِ من الْمُهَاجِرين. وَقَالَ البلاذري: ثَبت مَعَه من الْمُهَاجِرين: أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمن الْأَنْصَار: الْحباب بن الْمُنْذر وَأَبُو دُجَانَة وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الْأَفْلَح والْحَارث بن الصمَّة وَأسيد ابْن حضير وَسعد بن معَاذ. وَقيل: وَسَهل بن حنيف. قَوْله: (فَأَصَابُوا منا سبعين) ، وَذكر ابْن إِسْحَاق: أَنهم خَمْسَة وسون، واستدرك علية ابْن هِشَام خَمْسَة أُخْرَى فصاروا على قَوْله: سبعين، وَهُوَ رِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم أحد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين أَرْبَعَة نفر وهم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب، قَتله وَحشِي غُلَام جُبَير بن مطعم. وَعبد الله بن جحش. وَمصْعَب بن عُمَيْر، قَتله ابْن قمئة. وشماس بن عُثْمَان وَمن الْأَنْصَار: عَمْرو بن معَاذ. والْحَارث بن أنس. وَعمارَة بن زِيَاد. وَسَلَمَة بن ثَابت بن وقش. وَعمر بن ثَابت بن وقش. وثابت أَبوهُمَا. وَرِفَاعَة بن وقش. وحسيل بن جَابر أَبُو حُذَيْفَة. وَصَيْفِي بن قيظي. وخباب بن قيظي. وَعباد بن سهل. والْحَارث بن أَوْس بن معَاذ. وَإيَاس بن أَوْس. وَعبيد ابْن التيهَان. وحبِيب بن زيد، وَيزِيد بن حَاطِب. وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث. وحَنْظَلَة بن أبي عَامر. وأنيس بن قَتَادَة. وَأَبُو حَيَّة ابْن عَمْرو بن ثَابت. وَعبد الله بن جُبَير، أَمِير الرُّمَاة. وخيثمة أَبُو سعد. وَعبد الله بن مسلمة. وسبيع بن حَاطِب. وَعَمْرو بن قيس. وَأَبوهُ قيس بن عَمْرو. وثابت بن عَمْرو. وعامر بن مخلد. وَأَبُو هُبَيْرَة بن الْحَارِث. وَعَمْرو بن مطرف. وَأَوْس بن ثَابت أَخُو حسان بن ثَابت. وَأنس بن النَّضر. وَقيس بن مخلد. وكيسان، عبد بني مَازِن. وسليم بن الْحَارِث. ونعمان بن عبد عَمْرو. وخارجة بن زيد. وَسعد بن الرّبيع. وَأَوْس بن الأرقم. وَمَالك بن سِنَان، أَبُو أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَسَعِيد بن سُوَيْد. وَعتبَة ابْن ربيع. وثعلبة بن سعد. وثقف بن فَرْوَة. وَعبد الله بن عَمْرو بن وهب. وضمرة، حَلِيف بني طريف. وَنَوْفَل بن عبد الله

(14/283)


وعباس بن عبَادَة. ونعمان بن مَالك. والمجدر بن زِيَاد. وَعبادَة بن الحسحاس. وَرِفَاعَة بن عَمْرو. وَعبد الله بن عَمْرو بن حرَام وَعَمْرو بن الجموح بن زيد بن حرَام. وخلاد بن عَمْرو بن الجموح. وَأَبُو أَيمن، مولى عَمْرو بن الجموح. وسليم بن عَمْرو. ومولاه عنترة. وَسَهل بن قيس. وذكوان بن عبد قيس. وَعبيد بن الْمُعَلَّى. فَهَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم ابْن إِسْحَاق.
وَأما الَّذين استدرك عَلَيْهِم ابْن هِشَام فهم: مَالك بن نميلَة. والْحَارث بن عدي وَمَالك بن إِيَاس. وَإيَاس بن عدي. وَعَمْرو بن إِيَاس.
قَوْله: (أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد؟) الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الإستخبار. قَوْله: (فنهاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُجِيبُوهُ) أَي: بِأَن يجيبوا أَبَا سُفْيَان، وَنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِجَابَة أبي سُفْيَان تصاوناً عَن الْخَوْض فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ. قَوْله: (ابْن أبي قُحَافَة) هُوَ: أَبُو بكر الصّديق، وَأَبُو قُحَافَة اسْمه: عُثْمَان. قَوْله: (فَمَا ملك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَفسه فَقَالَ: كذبت يَا عَدو الله) وَكَانَت إجَابَته بعد النَّهْي حماية للظن برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قتل، وَأَن بِأَصْحَابِهِ الوهن. وَقَالَ ابْن بطال: وَلَيْسَ فِيهِ عصيان لسيدنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَقِيقَة، وَإِن كَانَ عصياناً فِي الظَّاهِر، فَهُوَ مِمَّا يُؤجر بِهِ. قَوْله: (وَقد بَقِي لَك مَا يسوءك) يَعْنِي: يَوْم الْفَتْح. قَوْله: (قَالَ: يَوْم بِيَوْم بدر) أَي: قَالَ أَبُو سُفْيَان: هَذَا يَوْم فِي مُقَابلَة يَوْم بدر، لِأَن الْمُسلمين قتلوا يَوْم بدر سبعين رجلا وَالْأسَارَى كَذَلِك، قَالَه ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب. قَوْله: (وَالْحَرب سِجَال) ، أَي: دوَل مرّة لهَؤُلَاء وَمرَّة لهَؤُلَاء، وَأَصله أَن المستقين بالسجل وَهُوَ الداو يكون لكل وَاحِد مِنْهُم بسجال. قَوْله: (مثلَة) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة: اسْم من مثل بِهِ، وَمثله أَي: خدعه. قَوْله: (لم آمُر بهَا) أَي: بالمثلة، قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ أَنه لَا يَأْمر بالأفعال الخبيثة الَّتِي ترد على فاعلها نقصا. قَوْله: (وَلم تسؤني) ، يُرِيد لأنكم عدوي، وَقد كَانُوا قتلوا ابْنه يَوْم بدر وَخَرجُوا لينالوا العيرة الَّتِي كَانُوا بهَا، فوقعوا فِي كفار قُرَيْش وسلمت العير. قَوْله: (أعلُ هُبل) ، وَفِي رِوَايَة: إرق، مَكَان: أعلُ. و: هُبل، بِضَم الْهَاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْم صنم كَانَ فِي الْكَعْبَة، وَمعنى: إرق مَكَان أعل، يَعْنِي: ارق فِي الْجَبَل على حزبك، أَي: عَلَوْت حَتَّى صرت كالجبل العالي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يُرِيد بذلك تعيير الْمُسلمين حِين انحازوا إِلَى الْجَبَل. قَوْله: (قَالَ: لَا تجيبوا لَهُ؟) أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تجيبوا لأبي سُفْيَان؟ وَقَوله: أَلا تجيبوا، بِحَذْف النُّون بِغَيْر الناصب والجازم، وَهِي لُغَة فصيحة، ويروى: أَلا تجيبونه؟ قَوْله: (الْعُزَّى) ، تَأْنِيث الْأَعَز، إسم صنم كَانَ لقريش، قَالَه الضَّحَّاك وَأَبُو عبيد. وَفِي (التَّلْوِيح) : الْعُزَّى شَجَرَة لغطفان كَانُوا يعبدونها، وروى أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى ليقطعها. قَوْله: (الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم) ، يَعْنِي: الله ناصرنا، وَالْمولى يَأْتِي لمعان كَثِيرَة، وَالْمولى فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق} (الْأَنْعَام: 26) . يَعْنِي: الْمَالِك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْمولى هُنَا بِمَعْنى الْوَلِيّ، وَالله، عز وَجل، يتَوَلَّى الْمُؤمنِينَ بالنصر والإعانة ويخذل الْكَافرين.

561 - (بابٌ إذَا فَزِعُوا باللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا فزع الْعَسْكَر بِاللَّيْلِ أَو أهل بَلْدَة، والفزع هُوَ الْخَوْف فِي الأَصْل، لكنه وضع مَوضِع الإغاثة والنصر، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يَنْبَغِي لإمامهم أَن يكْشف الْخَبَر بِنَفسِهِ أَو بِمن يندبه لذَلِك.

0403 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيد قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ النَّاسِ وأجْوَدَ النَّاسِ وأشْجَعَ النَّاسِ قَالَ وقَدْ فَزِعَ أهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتَاً قَالَ فتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى فرَسٍ لأبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وهْوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ثُمَّ قالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَدْتُهُ بَحْرَاً يَعْنِي الفَرَسَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجِهَاد مرَارًا، وَفِي آخر كتاب الْهِبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (عري) ، بِضَم الْعين وَسُكُون الرَّاء، أَي: مُجَرّد من السرج، وَاسم الْفرس: مَنْدُوب، وَمعنى: (لم تراعوا) : لَا تراعوا أَي: لَا تخافوا.