عمدة القاري شرح صحيح البخاري

81 - (بابٌ {فَلَمَّا جاءَ آلُ لُوطٍ المُرْسَلُونَ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (الْحجر: 26) .)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ} (الْحجر: 26) . إِلَى آخِره، وفاعل جَاءَ هُوَ قَوْله: المُرْسَلُونَ، وهم الْمَلَائِكَة المُرْسَلُونَ من عِنْد الله لهلاك قوم لوط. قَوْله: (آل لوط) بِالنّصب مفعول: جَاءَ. قَوْله: (قَالَ) أَي: لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (إِنَّكُم قوم منكرون) أَي: لَا أعرفكُم، قَالُوا: بل جئْنَاك بِالْحَقِّ، أَي: الْيَقِين، وَإِنَّا لصادقون فِي قَوْلنَا، ثمَّ حكى الله تَعَالَى بَقِيَّة الْقِصَّة، بقوله: فأسرِ بأهلك ... إِلَى آخرهَا.
بِرُكْنِهِ بِمَنْ مَعَهُ لأِنَّهُمْ قُوَّتُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَتَوَلّى بركنه وَقَالَ ساحراً أَو مَجْنُون} . وَأول الْآيَة {وَفِي مُوسَى إِذْ أرسلناه إِلَى فِرْعَوْن بسُلْطَان مُبين فَتَوَلّى بركته} . قَوْله: (وَفِي مُوسَى) عطف على قَوْله: {وَفِي الأَرْض آيَات} قَوْله: (بركنه) يَعْنِي: بقَوْمه وَمن مَعَه يَعْنِي: المنعة والعشير، وَقَالَ المُورج بجانبه وَجَمِيع بدنه وَهُوَ كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة عَن الْإِعْرَاض وَالْإِنْكَار، والركن مَا ركن إِلَيْهِ الْإِنْسَان من مَال وجند وَقُوَّة. قَوْله: {وَقَالَ سَاحر أَو مَجْنُون} . أَي: وَقَالَ فِرْعَوْن: مُوسَى سَاحر أَو مَجْنُون. وَهَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ هَهُنَا لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ فِي قصَّة مُوسَى، والترجمة فِي قصَّة لوط، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمَعَ هَذَا أَن التفاسير الَّتِي ذكرهَا هُنَا لم تُوجد إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده.
تَرْكَنُوا تَمِيلُوا

(15/270)


أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا} (هود: 311) . أَي: لَا تميلوا إِلَيْهِم، وَهَذَا أَيْضا لَا تعلق لَهُ بِقصَّة لوط، وَقيل: كَأَنَّهُ ذكره هُنَاكَ لوُجُود مَادَّة: ركن. قلت: هَذَا بعيد، حَيْثُ لم يذكرهُ بمعية مَا وَقع فِي قصَّة لوط.
فأنْكَرَهُمْ ونَكِرَهُمْ واسْتَنْكَرَهُمْ واحِدٌ

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم} (هود: 07) . وَهَذَا أَيْضا لَا وَجه لَهُ، لِأَن هَذَا الْإِنْكَار فِي الْآيَة من إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ غير إِنْكَار لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَذَلِكَ لِأَن الْمَلَائِكَة الْأَرْبَعَة الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ عَن قريب، لما دخلُوا على إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي صور مُردٍ حِسان جَاءَ إِلَيْهِم بعجل حِينَئِذٍ فأمسكوا أَيْديهم، {فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة قَالُوا لَا تخف إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم لوط} (هود: 07) . وَأما إِنْكَار لوط فَفِي مَجِيء قومه إِلَيْهِم كَمَا هُوَ الْمَذْكُور فِي قصَّته.
يُهْرَعُونَ يُسْرِعُونَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ} (هود: 87) . أَي: جَاءَ لوطاً قومه يهرعون، أَي: يسرعون ويهرولون، وَذَلِكَ أَن امْرَأَة لوط هِيَ الَّتِي أَخْبَرتهم بمجيء هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة فِي صُورَة الرِّجَال المردان، وقصته مَشْهُورَة.
دَابِرَ آخِرَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وقضينا إِلَيْهِ ذَلِك الْأَمر أَن دابر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع} (الْحجر: 66) . أَي: آخِرهم مَقْطُوع مستأصل.
صَيْحَةً هَلَكَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَت إلاَّ صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون} (ي س: 92) . وَهَذَا أَيْضا لَا وَجه لَهُ هَهُنَا لِأَن هَذِه الْآيَة لَا تعلق لَهَا بِقصَّة لوط.
لِلْمُتَوَسِّمِينَ لِلنَّاظِرِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} (الْحجر: 57) . وَفَسرهُ بقوله: للناظرين، وَهَكَذَا فسره الضَّحَّاك، وَقَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ للمتفرسين، وَقَالَ الْفراء: للمتفكرين وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: للمتبصرين، وَحَقِيقَته من توسمت الشَّيْء: نظرته، نظر تثبت.
لَبِسَبِيلٍ لَبِطَرِيقٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهَا لبسبيل مُقيم} (الْحجر: 67) . وَفسّر السَّبِيل بِالطَّرِيقِ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَالضَّمِير فِي قَوْله: وَإِنَّهَا، يرجع إِلَى: مَدَائِن قوم لوط صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: إِلَى الْآيَات.

6733 - حدَّثنا مَحْمُودٌ حَدَّثَنا أَبُو أحْمَدَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قرَأ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِّرْ} (الْقَمَر: 51، 71، 22، 23، 04، و 15) . .

هَذَا قد مر فِي: بَاب قَوْله عز وَجل: {وَأما عَاد فأهلكوا برِيح صَرْصَر} (الحاقة: 6) . وَوجه مُنَاسبَة ذكره هُنَا هُوَ أَنه ذكر فِي قصَّة لوط، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {كذبت قوم لوط بِالنذرِ} (الْقَمَر: 33) . إِلَى قَوْله: {فَذُوقُوا عَذَابي ونذرِ} (الْقَمَر: 73 و 93) . ثمَّ قَالَ: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدَّكر} (الْقَمَر: 15) . وَكَذَلِكَ ذكر عقيب قصَّة عَاد وقصة ثَمُود أَيْضا، وَكلهَا فِي سُورَة الْقَمَر. قَوْله: {فَهَل من مدكر} بِالدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، بالغين الْمُعْجَمَة، وَأَبُو أَحْمد هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الزبيرِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَمْرو، وَالْأسود بن يزِيد وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

91 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {وَإِلَى ثَمُودَ أخاهُمْ صالِحَاً} (الْأَعْرَاف: 37) .)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ بَيَان قَول الله عز وَجل: {وَإِلَى ثَمُود} أَي: أرسلنَا إِلَيّ ثَمُود {أَخَاهُم صَالحا} (الْأَعْرَاف: 37) . وَإِنَّمَا قَالَ: أَخَاهُم، لِأَن

(15/271)


صَالحا، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ من قبيلتهم.
وَاخْتلفُوا فِي ثَمُود، فَقَالَ الْجَوْهَرِي: ثَمُود قَبيلَة من الْعَرَب الأولى، وهم قوم صَالح، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفراء: سميت بذلك لقلَّة مَائِهِمْ، وَقَالَ الزّجاج: الثمد المَاء الْقَلِيل الَّذِي لَا مَادَّة لَهُ، وَقيل: ثَمُود اسْم رجل، وَقَالَ عِكْرِمَة: هُوَ ثَمُود بن جَابر بن إرم بن سَام بن نوح، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: وَكَانَت هَذِه الْقَبِيلَة تنزل فِي وَادي الْقرى إِلَى الْبَحْر والسواحل وأطراف الشَّام، وَكَانَت أعمارهم طَوِيلَة وَكَانُوا يبنون الْبُنيان والمساكن، فتنهدم، فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِم اتَّخذُوا من الْجبَال بُيُوتًا ينحتونها وعملوها على هَيْئَة الدّور، وَيُقَال: كَانَت مَنَازِلهمْ أَولا بِأَرْض كوش من بِلَاد عالج ثمَّ انتقلوا إِلَى الْحجر بَين الْحجاز وَالشَّام إِلَى وَادي الْقرى، وخالفوا أَمر الله وعبدوا غَيره، وأفسدوا فِي الأَرْض فَبعث الله إِلَيْهِم صَالحا نَبيا فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى شمط وَلم يتبعهُ مِنْهُم إلاَّ قَلِيل يستضعفون، وَصَالح هُوَ ابْن عبيد بن جاثر بن إرم بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل: صَالح بن عبيد بن أنيف بن ماشخ بن جادر بن جاثر بن ثَمُود، قَالَه مقَاتل، وَقيل: صَالح بن كانوه، قَالَه الرّبيع، وَقيل: صَالح بن عبيد بن يُوسُف بن شالخ بن عبيد بن جاثر بن ثَمُود، قَالَه مُجَاهِد. قَالَ مُجَاهِد: كَانَ بَينه وَبَين ثَمُود مائَة سنة وَكَانَ فِي قومه بقايا من قوم عَاد على طولهم وهيئاتهم، وَكَانَ لَهُم صنم من حَدِيد يدْخل فِيهِ الشَّيْطَان فِي السّنة مرّة وَاحِدَة ويكلمهم، وَكَانَ أَبُو صَالح سادنه فغار لله وهمَّ بكسره، فناداهم الصَّنَم: اقْتُلُوا كانوه، فَقَتَلُوهُ، ورموه فِي مغارة، فَبَكَتْ عَلَيْهِ امْرَأَته مُدَّة، فَجَاءَهَا ملك فَقَالَ لَهَا: إِن زَوجك فِي المغارة الْفُلَانِيَّة، فَجَاءَت إِلَيْهِ وَهُوَ ميت فأحياه الله تَعَالَى، فَقَامَ إِلَيْهَا فَوَطِئَهَا فِي الْحَال فعلقت بِصَالح من ساعتها، وَعَاد كانوه مَيتا بِإِذن الله، وَلما شب صَالح بَعثه الله إِلَى قومه قبل الْبلُوغ، وَلكنه قد راهق، قَالَه وهب. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لما تمّ لَهُ أَرْبَعُونَ سنة أرْسلهُ إِلَيْهِم وَذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فِي خَمْسَة مَوَاضِع، وَبَين قصَّته مَعَ قومه، فَلَمَّا أهلك الله قومه نزل صَالح بفلسطين وَأقَام بالرملة، وَقَالَ السّديّ: أَتَى صَالح وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ إِلَى مَكَّة وَأَقَامُوا يتعبدون حَتَّى مَاتُوا فقبورهم غربي الْكَعْبَة بَين دَار الندوة وَالْحجر، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَقَامَ صَالح فِي قومه عشْرين سنة وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وثمان وَخمسين سنة، وَقيل: ابْن ثَلَاثمِائَة وست وَثَلَاثِينَ سنة، وَحَكَاهُ الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ الْأَظْهر، وَيُقَال: إِن صَالحا مَاتَ فِي الْيمن وقبره بِموضع يُقَال لَهُ الشبوه، وَذكر الْفربرِي: أَن صَالحا خرج مَعَ الْمُؤمنِينَ إِلَى الشَّام فسكنوا فلسطين وَمَات بهَا، وَكَانَ بَين صَالح وَبَين هود مائَة سنة، وَبَين صَالح وَبَين إِبْرَاهِيم سِتّمائَة سنة وَثَلَاثُونَ سنة.
{كَذَبَ أصْحَابُ الْحِجْرِ} (الْحجر: 08) . الحِجْرُ مَوْضِعُ ثَمُودَ. وأمَّا حَرْثٌ حِجْرٌ حَرَامٌ وكلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ والْحِجْرُ كُلُّ بِناءٍ بَنَيْتَهُ ومَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ ومِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرَاً كأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومِ مِثْلُ قَتِيلٍ مِنَ مَقْتُولٍ ويُقال لِلأُنْثَاى مِنَ الخَيْلِ الْحِجْرُ ويُقالُ لِلْعَقْلِ حِجْرٌ وحِجًى وأمَّا حَجْرُ اليَمامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ
قَوْله: (كذب أَصْحَاب الْحجر) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد كذب أَصْحَاب الْحجر الْمُرْسلين} (الْحجر: 08) . وَفسّر الْحجر بقوله: مَوضِع ثَمُود، وَهُوَ مَا بَين الْمَدِينَة وَالشَّام، وَأَرَادَ بِالْمُرْسَلين صَالحا، وَهُوَ وَإِن كَانَ وَاحِدًا فَالْمُرَاد هُوَ وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ، كَمَا قَالُوا الخبيبيون فِي ابْن الزبير وَأَصْحَابه، وَقيل: كل من كذب وَاحِدًا من الرُّسُل فَكَأَنَّمَا كذبهمْ جَمِيعًا. قَوْله: (وَأما حرث حجر حرَام) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا هَذِه أنعام وحرث حجر} (الْأَنْعَام: 831) . وَفسّر الْحجر بقوله: حرَام، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَحذف البُخَارِيّ الْفَاء من جَوَاب: أما، وَهُوَ قَوْله: حرَام، وَهُوَ جَائِز. قَوْله: (وكل منوع فَهُوَ حجر مَحْجُور) أَي: كل شَيْء يمْنَع فَهُوَ حجر أَي: حرَام، وَمِنْه: حجر مَحْجُور، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} (الْفرْقَان: 22) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَي حَرَامًا محرما. قَوْله: (وَالْحجر كل بِنَاء بنيته) ، بتاء الْخطاب فِي آخِره، ويروي: (تبنيه) ، بتاء الْخطاب فِي أَوله. قَوْله: (فَهُوَ حجر) ، إِنَّمَا دخلت الْفَاء فِيهِ لِأَن قَوْله: (وَمَا حجرت عَلَيْهِ) ، يتَضَمَّن معنى الشَّرْط. قَوْله: (وَمِنْه سمي الْحطيم) ، أَي: وَمن قبيل هَذِه الْمَادَّة سمي حطيم الْبَيْت أَي الْكَعْبَة حجرا، وَهُوَ الْحَائِط المستدير إِلَى جَانب الْكَعْبَة. قَوْله: (كَأَنَّهُ مُشْتَقّ من محطوم مثل قَتِيل من مقتول) ، أَرَادَ: أَن الْحطيم بِمَعْنى المحطوم، كَمَا أَن الْقَتِيل بِمَعْنى الْمَقْتُول يَعْنِي فعيل، وَلكنه بِمَعْنى مفعول، وَلَيْسَ فِيهِ اشتقاق

(15/272)


اصطلاحي، وَمعنى: محطوم، مكسور، وَكَأن الْحطيم سمي بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل دَاخل الْكَعْبَة فانكسر بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا. قَوْله: (وَيُقَال للْأُنْثَى من الْخَيل الْحجر) وَيجمع على حجورة. قَوْله: (وَيُقَال لِلْعَقْلِ حجر) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {هَل فِي ذَلِك قسم لذِي حجر} (الْفجْر: 5) . أَي: لذِي عقل، لِأَنَّهُ يمْنَع صَاحبه من الْوُقُوع فِي المهالك. قَوْله: (وحجى) بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْجِيم مَقْصُور، وَهُوَ أَيْضا من أَسمَاء الْعقل، وَمِنْه: الحجى بِمَعْنى السّتْر، وَفِي الحَدِيث: (من بَات على ظهر بَيت لَيْسَ عَلَيْهِ حجى فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة) شبهه بالحجى الْعقل، لِأَن الْعقل يمْنَع الْإِنْسَان من الْفساد ويحفظه من التَّعَرُّض للهلاك، فَكَذَلِك السّتْر الَّذِي على السَّطْح يمْنَع الْإِنْسَان من التردي والسقوط. قَوْله: (وَأما حجر الْيَمَامَة فَهُوَ منزل) ، يَعْنِي: أما حجر الْيَمَامَة، بِفَتْح الْحَاء: فَهُوَ اسْم منزل ثَمُود بِنَاحِيَة الشَّام عِنْد وَادي الْقرى، وَهَذَا لَيْسَ لَهُ تعلق بِمَا قبله من الْأَلْفَاظ السِّتَّة، وَلكنه ذكره اسْتِطْرَادًا، وَمن مكسور الْحَاء غيير مَا ذكره حجر الْقَمِيص، وَفِيه جَاءَ الْكسر وَالْفَتْح أفْصح وَمِنْه حجر الْإِنْسَان، قَالَ ابْن فَارس: فِيهِ لُغَتَانِ وَيجمع على حجور، وَجَاء فِي الْحجر الَّذِي بِمَعْنى الْحَرَام الْكسر وَالضَّم وَالْفَتْح. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْكسر أفْصح، وَالْحجر بِفتْحَتَيْنِ مَعْرُوف، وَهُوَ اسْم رجل أَيْضا، وَمِنْه أَوْس بن حجر الشَّاعِر، وَالْحجر بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الْجِيم مصدر حجر القَاضِي عَلَيْهِ إِذا مَنعه من التَّصَرُّف فِي مَاله، وَحجر بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْجِيم: نبت مر، وَاسم رجل أَيْضا وَهُوَ حجر الْكِنْدِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: آكل المرار، وَحجر بن عدي الَّذِي يُقَال لَهُ: الأدبر، وَاعْلَم أَن فِي بعض النّسخ وَقع هَذَا الْبَاب عقيب قَوْله: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً} (الْأَعْرَاف: 37) . وَقَالَ بَعضهم: الصَّوَاب إثْبَاته هُنَا، يَعْنِي: عقيب قَوْله: {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً} (الْأَعْرَاف: 37) . ثمَّ أيد كَلَامه بِمَا حَكَاهُ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ عَن أبي ذَر الْهَرَوِيّ: أَن نُسْخَة الأَصْل من البُخَارِيّ كَانَت وَرقا غير محبوك، فَرُبمَا وجدت الورقة فِي غير موضعهَا فنسخت على مَا وجدت فَوَقع فِي بعض التراجم إِشْكَال بِحَسب ذَلِك، وإلاَّ فقد وَقع فِي الْقُرْآن مَا يدل على أَن ثَمُود كَانُوا بعد عَاد، كَمَا أَن عاداً بعد قوم نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قلت: الِاعْتِمَاد على هَذَا الْكَلَام مِمَّا يسْتَلْزم سوء التَّرْتِيب بَين الْأَبْوَاب وَعدم الْمُطَابقَة بَين الْأَحَادِيث والتراجم مَعَ الاعتناء الشَّديد فِي كتب البُخَارِيّ على تَرْتِيب مَا وَضعه المُصَنّف فِي تِلْكَ الْأَيَّام، وَلَا يسْتَلْزم وُقُوع قصَّة ثَمُود بعد قصَّة عَاد فِي الْقُرْآن لُزُوم رِعَايَة التَّرْتِيب فِيهِ.

7733 - حدَّثنا الْحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيَانُ حدَّثنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بنِ زَمْعَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذَكَرَ الَّذِي عقَرَ النَّاقَةَ فَقَالَ انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ ومَنَعَةٍ فِي قُوَّةٍ كَأبي زَمْعَةَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن عقر النَّاقة فِي قصَّة صَالح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والْحميدِي، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: عبد الله بن الزبير ابْن عِيسَى وَقد مر غير مرّة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله بن زَمعَة، بِفَتْح الزاء وَسُكُون الْمِيم وَفتحهَا: ابْن الْأسود بن الْمطلب ابْن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي، أمه قريبَة بنت أبي أُميَّة ابْنة أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش، وَكَانَ يَأْذَن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعد فِي أهل الْمَدِينَة، وَزَمعَة وَأَخُوهُ عقيل قتلا يَوْم بدر كَافِرين، وأبوهما الْأسود كَانَ من الْمُسْتَهْزِئِينَ، ذكرُوا أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ضرب فِي وَجهه بِوَرَقَة فَعميَ، وَكَانَ لعبد الله ابْن يُسمى: يزِيد، قَتله مُسْرِف بن عقبَة صبرا يَوْم الْحرَّة، وَقتل لَهُ بنُون أَيْضا يَوْم الْحرَّة، وَلَيْسَ لعبد الله بن زَمعَة فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو عمر وروى عَنهُ عُرْوَة ثَلَاثَة أَحَادِيث: أَحدهَا: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: يضْرب أحدكُم الْمَرْأَة ضرب العَبْد ثمَّ يضاجعها من آخر يَوْمه. وَالثَّانِي: أَنه ذكر الضرطة فوعظهم فِيهَا، فَقَالَ: لِمَ يضْحك أحدكُم مِمَّا يفعل؟ وَالثَّالِث: حَدِيث الْبَاب، وَقد جمع عُرْوَة الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث وَاحِد، كَمَا يَجِيء بَيَانه عَن قريب.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْأَدَب عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن يُوسُف. وَأخرجه البُخَارِيّ هُنَا بِحَدِيث عقر النَّاقة وَفِي الْأَدَب بِالْحَدِيثِ الأول

(15/273)


والْحَدِيث الثَّانِي، وَفِي النِّكَاح بِالْحَدِيثِ الأول، وَأخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن هَارُون بن إِسْحَاق وَعَن عَبدة بن سُلَيْمَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع وَهَارُون بن إِسْحَاق بِحَدِيث الْبَاب وَفِي عشرَة النِّسَاء بِالْحَدِيثِ الأول. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة بِالْحَدِيثِ الأول.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَذكر الَّذِي عقر النَّاقة) ، أَي: نَاقَة صَالح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وقصتها هِيَ: أَن صَالحا لما دَعَا قومه إِلَى الله تَعَالَى اقترحوا عَلَيْهِ نَاقَة لأَنهم كَانُوا أَصْحَاب إبل وَكَانَت النوق عِنْدهم عزيزة، فَقَالُوا: لتكن النَّاقة سَوْدَاء حالكة عشراء ذَات عرف وناصية ووبر، فَسَأَلَ الله فَأوحى إِلَيْهِ: أخرج بهم إِلَى فضاء من الأَرْض، فَخَرجُوا فَقَالَ: من أَيْن تريدونها، فأشاروا إِلَى صَخْرَة، فَقَالُوا: من هَذِه فَأَشَارَ إِلَيْهَا صَالح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: أَخْرِجِي بِإِذن الله، فتمخضت تمخض الْحَامِل وانفجرت عَن نَاقَة كَمَا طلبُوا، ثمَّ تَلَاهَا فصيل لَهَا، فَآمن خلق مِمَّن حضر مِنْهُم ملكهم جندع بن عَمْرو ورهط من قومه، وَأَرَادَ أَشْرَاف ثَمُود أَن يُؤمنُوا فنهاهم دؤاب بن عَمْرو وَصَاحب أوثانهم ورئاب بن ضمعر، وَكَانَ من أَشْرَاف ثَمُود وَفِي (تَارِيخ الْفربرِي) : قَالُوا لصالح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لن نؤمن لَك حَتَّى تخرج لنا من هَذِه الصَّخْرَة نَاقَة ذَات ألوان من أَحْمَر ناصع وأصفر فَاقِع وأسود حالك وأبيض يقق، وَيكون نظرها كالبرق الخاطف ورغاؤها كالرعد القاصف، وَيكون طولهَا مائَة ذِرَاع وعرضها كَذَلِك، ذَات ضروع أَرْبَعَة فنحلب مِنْهَا مَاء وَعَسَلًا ولبناً وخمراً، وَيكون لَهَا تبيع على صفتهَا، وَليكن حنينها بتوحيد إل هك وَالْإِقْرَار بنبوتك، فَخرجت مثل مَا قَالُوا، فَآمن الْملك وَكذب بَعضهم وَكذب أَخُو الْملك صَالحا وَملكه مِمَّن لم يُؤمن بِهِ مِنْهُم، والقصة طَوِيلَة، فآخر الْأَمر قَالُوا: قد ضايقتنا هَذِه النَّاقة فِي المَاء والكلأ، فأجمَعوا على عقرهَا كَمَا نذكرهُ. قَوْله: (انتدب لَهَا رجل) ، من نَدبه لأمر فَانْتدبَ أَي: دَعَا لَهُ فَأجَاب. قَوْله: (ذُو عز ومنعة) ، بِفَتْح الْمِيم وَالنُّون وبالعين الْمُهْملَة، وَقيل: بِسُكُون النُّون: وَهِي الْقُوَّة وَمَا يمْنَع بِهِ الْخصم. قَوْله: (فِي قُوَّة) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني والسرخسي وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين فِي قومه. قَوْله: (كَأبي زَمعَة) ، وَهُوَ الْأسود بن الْمطلب وَكَانَ ذَا عز ومنعة فِي قومه كعاقر النَّاقة، والتشبيه فِي هَذَا، وعاقر الناقر هُوَ قدار بن سالف، وَذكر السُّهيْلي: أَنه كَانَ ولد زنا وَهُوَ أَحْمَر ثَمُود الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فِي الشؤم، وَكَانَ أَحْمَر أشقر أَزْرَق سناطاً قَصِيرا، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: اسْمه قديرة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اسْمه قدار بِالدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ الْأَصَح وَقَالَ وهب: وَكَانَ فِي الْمَدِينَة ثَمَانِيَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون فانضاف إِلَيْهِم قدار فصاروا تِسْعَة وَقَالَ وهب: وَكَانَت الثَّمَانِية حاكة وَكَانَ الَّذِي تولى عقرهَا قدار بن سالف، ورماها مصدع بن مهرج، وَذكرهمْ ابْن دُرَيْد فِي (الوشاح) ، فَقَالَ: قدار بن سالف بن جدع. ومصدع بن مهرج بن هزيل بن الْمحيا. وهزيل بن عنز بن غنم بن ميلع. وسبيع بن مكيف بن سيحان. وعرام بن نهبى بن لَقِيط. ومهرب بن زُهَيْر بن سبيع. وسبيع بن رغام بن ملدع، وعريد بن نجد ابْن مهان، ورعين بن عمر بن داعر.

8733 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَسَّانَ بنِ حَيَّانَ أبُو زَكَرِيَّاءَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا نَزَلَ الحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أمَرَهُمْ أنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا ولاَ يَسْتَقُوا مِنْهَا فقالُوا قَدْ عَجَّنَا مِنْهَا واسْتَقَيْنَا فأمَرَهُمْ أَن يَطْرَحُوا ذالِكَ العَجِينَ ويُهَرِيقُوا ذالِكَ المَاءَ. (الحَدِيث 8733 طرفه فِي: 9733) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن مِسْكين الْيَمَانِيّ شيخ الشَّيْخَيْنِ، وَيحيى بن حسان منصرفاً وَغير منصرف ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، التنيسِي مر فِي الْجَنَائِز، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب مولى الْقَاسِم بن مُحَمَّد ابْن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ بربرياً.
قَوْله: (لما نزل الْحجر) أَي: منَازِل ثَمُود. قَوْله: (وَيُهرِيقُوا) ، أَي: ويريقوا من الإراقة، وَالْهَاء زَائِدَة، وَإِنَّمَا أَمرهم أَن لَا يشْربُوا من مَائِهَا خوفًا أَن يورثهم قسوة أَو شَيْئا يضرهم.

(15/274)


ويُرْوَى عنْ سَبْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ وَأبي الشَّمُوسِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ بإلقَاءِ الطَّعَامِ
سُبْرَة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء: ابْن معبد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة. وَقَالَ أَبُو عمر: سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ، وَيُقَال: بن عَوْسَجَة بن حَرْمَلَة بن سُبْرَة بن خديج بن مَالك بن عَمْرو الْجُهَنِيّ، يكنى أَبَا ثرية، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ أَبُو عمر: الصَّوَاب ضم الثَّاء، يَعْنِي الْمُثَلَّثَة وَفتح الرَّاء، سكن الْمَدِينَة وَله بهَا دا ثمَّ انْتقل إِلَى مرو وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَوصل حَدِيثه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الْعَزِيز ابْن سُبْرَة بن معبد عَن أَبِيه عَن جده سُبْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه حِين رَاح من الْحجر: (من كَانَ عجن مِنْكُم من هَذَا المَاء عجينة أَو حاس بِهِ حَيْسًا فليلقه) ، وَأَبُو الشموس، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْمِيم وَفِي آخِره سين مُهْملَة: البلوي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام، وَلَا يعرف لَهُ اسْم، وَوصل حَدِيثه البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه من طَرِيق سليم ابْن مطير عَن أَبِيه عَنهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك ... فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: فَألْقى ذُو الْعَجِين عجينة وَذُو الحيس حيسه، وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم من هَذَا الْوَجْه، وَزَاد: فَقلت: يَا رَسُول الله! قد حست حيسة أفألقمها رَاحِلَتي؟ قَالَ: نعم.
وَقَالَ أبُو ذَرٍّ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ
أَبُو ذَر اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة. قَوْله: (من اعتجن بمائه) ، أَي: أَمر من اعتجن بمائه بالإلقاء، وَوَصله الْبَزَّار من طَرِيق عبد الله بن قدامَة عَنهُ: أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، فَأتوا على وَاد، فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم بوادٍ مَلْعُون فَأَسْرعُوا، وَقَالَ: من اعتجن عجينة أَو طبخ قدرا فليكبها ... الحَدِيث، وَقَالَ: لَا نعلمهُ إلاَّ بِهَذَا الْإِسْنَاد.

9733 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا أنَسُ بنُ عِيَاضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نَافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أخْبَرَهُ أنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْضَ ثَمُودَ الحِجْرَ فاسْتَقُوا مِنْ بِئْرِهَا واعْتَجَنُوا بِهِ فأمَرَهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وأنْ يَعْلِفُوا الإبِلَ العَجِينَ وأمَرَهُمْ أنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتَي كانَتْ تَرِدُها النَّاقَةُ. (انْظُر الحَدِيث 8733) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (الْحجر) ، بِالنّصب على أَنه بدل من أَرض ثَمُود. قَوْله: (وَأَن يعلفوا) ، بِفَتْح الْيَاء من: علفت الدَّابَّة علفاً، قيل: أَمر فِي الحَدِيث الْمَاضِي بالطرح، وَهَهُنَا قَالَ بالتعليف. وَأجِيب: بِأَن المُرَاد بالطرح ترك الْأكل أَو الطرح عِنْد الدَّوَابّ. قَوْله: (الَّتِي كَانَت) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره الَّتِي كَانَ.
وَفِيه: كَرَاهَة الاستقاء من آبار ثَمُود، قيل: وَيلْحق بهَا نظائرها من الْآبَار والعيون الَّتِي كَانَت لمن هلك بتعذيب الله تَعَالَى على كفره، وَاخْتلف فِي الْكَرَاهَة الْمَذْكُورَة، فَقيل: للتَّحْرِيم، وَقيل: للتنزيه، وعَلى التَّحْرِيم هَل يمْتَنع صِحَة التطهر من ذَلِك المَاء أم لَا؟ وَالظَّاهِر لَا يمْتَنع.
تابَعَهُ أُسَامَةُ عنْ نافِعٍ
أَي: تَابع عبيد الله أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة اللَّيْثِيّ عَن نَافِع، يَعْنِي روى عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة حَرْمَلَة بن يحيى أَبُو حَفْص التجِيبِي الْمصْرِيّ عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد فَذكر مثل حَدِيث عبيد الله، وَفِي آخِره: فَأَمرهمْ أَن ينزلُوا على بِئْر نَاقَة صَالح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيستقوا مِنْهَا.

0833 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخبَرَنَا عَبْدُ الله عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا مَرَّ بالحِجْرِ قَالَ لاَ تَدْخُلُوا مَساكِنَ الَّذِينَ ظلَمُوا إلاَّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ أنْ يُصِيبَكُمْ مَا أصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وهْوَ عَلَى الرَّحْلِ. .

(15/275)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن مقَاتل، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن سُوَيْد بن نصر.
قَوْله: (لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا) وَزَاد فِي رِوَايَة: أنفسهم. وَقَوله: مسَاكِن، أَعم من أَن يكون: مسَاكِن ثَمُود وَغَيرهم، مِمَّن هُوَ كصفتهم، وَإِن كَانَ السَّبَب ورد فِي ثَمُود. قَوْله: (بَاكِينَ) وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: باكيين، بياءين. قَالَ ابْن التِّين: وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْيَاء الأولى مَكْسُورَة فِي الأَصْل فاسثقلت وحذفت إِحْدَى اليائين لالتقاء الساكنين. قَوْله: (الَّذين ظلمُوا) : ثَمُود وَمن فِي معناهم من سَائِر الْأُمَم الَّذين نزلت بهم المثلات. قَوْله: (أَن يُصِيبكُم) أَي: حذر أَن يُصِيبكُم، كَقَوْلِك: لَا تقرب الْأسد أَن يفترسك، و: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: كَرَاهَة الْإِصَابَة، وَهَذَا التَّقْدِير عِنْد الْبَصرِيين، وَالتَّقْدِير عِنْد الْكُوفِيّين: لِئَلَّا يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم، وَهَذَا خطأ عِنْد الْبَصرِيين لأَنهم لَا يجوزون إِضْمَار: لَا. قَوْله: (ثمَّ تقنَّع) ، أَي تستر. قَوْله: (على الرحل) ، وَهُوَ رَحل الْبَعِير.

1833 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا وهْبٌ حدَّثنا أبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَدْخُلُوا مَساكِنَ الَّذِينَ ظلَمُوا أنْفُسَهُمْ إلاَّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أصَابَهُمْ. .

عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، ووهب هُوَ ابْن جرير يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم الْبَصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب، وَقد مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف حَدِيث ابْن عمر من وَجه آخر رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تدْخلُوا على هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين إلاَّ أَن تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِن لم تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِم لِئَلَّا يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم) . وَالله أعلم.

81 - (بابٌ {أمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ} (الْبَقَرَة: 331) .)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {أم كُنْتُم شُهَدَاء} (الْبَقَرَة: 331) . ثبتَتْ هَذِه التَّرْجَمَة هُنَا وَهِي مكررة ذكرت قبل بِثَلَاثَة أَبْوَاب فَلذَلِك لَا تُوجد فِي كثير من النّسخ.

2833 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصِورٍ أخبرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ الْكَرِيمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكريمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ علَيْهِمُ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن يُوسُف دَاخل فِي وَصِيَّة يَعْقُوب حِين حَضَره الْمَوْت، وَإِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج الْمروزِي الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب، سكن نيسابور وَمَات سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وروى لَهُ الْجَمَاعَة إلاَّ أَبَا دَاوُد وَلَهُم: إِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَلَهُم ثَالِث: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن حَيَّان الْأَسدي الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث أَبُو سهل التنوري الْحَافِظ الْحجَّة، وروى لَهُ الْجَمَاعَة، وَلَهُم: عبد الصَّمد بن حبيب العوادي روى لَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ البُخَارِيّ: لين، وَعبد الصَّمد بن سُلَيْمَان الْبَلْخِي الْحَافِظ روى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة مَاتَ فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي آخر هَذَا الْبَاب أَيْضا عَن عَبدة بن عبد الله الصفار. وَأخرجه فِي التَّفْسِير أَيْضا. وَقَالَ عبد الله.
قَوْله: (يُوسُف) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ وَهُوَ قَوْله: (الْكَرِيم) ، ضد اللَّئِيم وكل نفس كريم هُوَ متناول للصالح الْجيد دينا وَدُنْيا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وأصل الْكَرم كَثْرَة الْخَيْر وَقد جمع يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَكَارِم الْأَخْلَاق مَعَ شرف النُّبُوَّة، وَكَونه ابْنا لثَلَاثَة أَنْبيَاء متناسلين وَمَعَ شرف رياسة الدُّنْيَا ملكهَا بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، وَكَون قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْكَرِيم

(15/276)


ابْن الْكَرِيم) إِلَى آخِره مَوْزُونا مقفى لَا يُنَافِي: {وَمَا علمناه الشّعْر} (ي س: 96) . إِذْ لم يكن هَذَا بِالْقَصْدِ بل وَقع بالِاتِّفَاقِ، أَو المُرَاد بِهِ صَنْعَة الشّعْر، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود: (يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق ذبيح الله) . وَله من حَدِيث ابْن عَبَّاس: (قيل: يَا رَسُول الله! من السَّيِّد؟ قَالَ: يُوسُف بن يَعْقُوب، قَالَ: فَمَا فِي أمتك سيد؟ قَالَ: رجل أعْطى مَالا حَلَالا ورزق سماحة) ، وَإِسْنَاده ضَعِيف.

91 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وإخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} (يُوسُف: 17) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {لقد كَانَ فِي يُوسُف} (يُوسُف: 17) . ويوسف فِيهِ سِتَّة أوجه: ضم السِّين وَكسرهَا وَفتحهَا مَعَ الْهَمْز وَتَركه. وَاخْتلفُوا فِيهِ: هَل هُوَ أعجمى أَو عَرَبِيّ؟ فالأكثرون على أَنه أعجمي، وَلِهَذَا لم ينْصَرف. وَقيل: عَرَبِيّ مَأْخُوذ من الأسف وَهُوَ الْحزن، أَو الأسيف وَهُوَ العَبْد، وَقد اجْتمعَا فِي يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَسُمي بِهِ. وَقَالَ مقَاتل: ذكر الله يُوسُف فِي الْقُرْآن فِي سَبْعَة وَعشْرين موضعا. قَوْله: (وَإِخْوَته) ، أَي: فِي خبرهم. قَوْله: (آيَات) ، أَي: عبر. قَوْله: (للسائلين) قيل: الْيَهُود، وَقيل: آيَات أَي عَلَامَات وَدَلَائِل على قدرَة الله تَعَالَى وحكمته فِي كل شَيْء، للسائلين: يَعْنِي لمن سَأَلَ عَن قصتهم، وَقيل: آيَات على نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للَّذين سَأَلُوهُ من الْيَهُود عَنْهَا فَأخْبرهُم بِالصِّحَّةِ من غير سَماع من أحد وَلَا قِرَاءَة كتاب، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقريء: لآيَة، وَفِي بعض الْمَصَاحِف: عِبْرَة.
وَأما أَسمَاء أخوة يُوسُف: فروبيل، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام، وَهُوَ أكبرهم، وشمعون، ولاوي، ويهودا، ورويالون. ويسخر وَيُقَال: أَي ساخر. وأمهم ليا بنت لايان، وَهُوَ خَال يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وداني، ويفتالي، وجاد، وآشر، وَهَؤُلَاء من سريتين، ثمَّ توفيت ليا فَتزَوج يَعْقُوب أُخْتهَا راحيل، فَولدت لَهُ يُوسُف وبنيامين، فَالْكل إثنا عشر نَفرا.

3833 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَن أسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخْبَرَنِي سَعِيدُ بنُ أبِي سَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ سُئِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أتْقَاهُم لله قَالُوا لَيْسَ عنْ هَذَا نَسْألُكَ قَالَ فأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ الله ابنُ نَبِيِّ الله ابنِ نَبِيِّ الله ابنِ خَلِيلِ الله قالُوا لَيْسَ عَنْ هاذَا نَسْألُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْألُونِي النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمِ إذَا فَقُهُوا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أكْرم النَّاس يُوسُف نَبِي الله) وَعبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن إِسْمَاعِيل واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله أَبُو مُحَمَّد الْهَبَّاري الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت} (الْبَقَرَة: 331) . قَالَ الْعلمَاء: لما سَأَلُوا عَن أكْرم النَّاس أخبر بأكرم الْكِرَام، فَقَالَ: أَتْقَاهُم، لِأَن المتقي كَبِير فِي الْآخِرَة، فَلَمَّا قَالُوا لَا نَسْأَلك عَنهُ، فَقَالَ: يُوسُف، نَبِي الله الَّذِي جمع بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَلَمَّا قَالُوا مَا قَالُوا فهم أَن مُرَادهم قبائل الْعَرَب وأصولهم. قَوْله: (فقهوا) ، بِضَم الْقَاف وَحكي كسرهَا.
حدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ أخبرَنَا عَبْدَةُ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعيدٍ عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا
هَذَا وَجه آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور، قَالَ: حَدثنِي ويروى: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن سَلام أخبرنَا عَبدة ويروى: أَخْبرنِي عَبدة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لَعَلَّه المَقْبُري، وشنع عَلَيْهِ بعض من عاصره، لَا شكّ أَن سعيداً هُوَ المَقْبُري بِلَا حرف ترج، وَمثل هَذَا كَيفَ يتَصَدَّى لشرح البُخَارِيّ؟ قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث.

3833 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَن أسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخْبَرَنِي سَعِيدُ بنُ أبِي سَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ سُئِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أتْقَاهُم لله قَالُوا لَيْسَ عنْ هَذَا نَسْألُكَ قَالَ فأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ الله ابنُ نَبِيِّ الله ابنِ نَبِيِّ الله ابنِ خَلِيلِ الله قالُوا لَيْسَ عَنْ هاذَا نَسْألُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْألُونِي النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمِ إذَا فَقُهُوا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أكْرم النَّاس يُوسُف نَبِي الله) وَعبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن إِسْمَاعِيل واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله أَبُو مُحَمَّد الْهَبَّاري الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت} (الْبَقَرَة: 331) . قَالَ الْعلمَاء: لما سَأَلُوا عَن أكْرم النَّاس أخبر بأكرم الْكِرَام، فَقَالَ: أَتْقَاهُم، لِأَن المتقي كَبِير فِي الْآخِرَة، فَلَمَّا قَالُوا لَا نَسْأَلك عَنهُ، فَقَالَ: يُوسُف، نَبِي الله الَّذِي جمع بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَلَمَّا قَالُوا مَا قَالُوا فهم أَن مُرَادهم قبائل الْعَرَب وأصولهم. قَوْله: (فقهوا) ، بِضَم الْقَاف وَحكي كسرهَا.
حدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ أخبرَنَا عَبْدَةُ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعيدٍ عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا
هَذَا وَجه آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور، قَالَ: حَدثنِي ويروى: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن سَلام أخبرنَا عَبدة ويروى: أَخْبرنِي عَبدة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لَعَلَّه المَقْبُري، وشنع عَلَيْهِ بعض من عاصره، لَا شكّ أَن سعيداً هُوَ المَقْبُري بِلَا حرف ترج، وَمثل هَذَا كَيفَ يتَصَدَّى لشرح البُخَارِيّ؟ قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث.

(15/277)


4833 - حدَّثنا بَدلُ بنُ الْمُحَبَّرِ أخْبرَنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا مُرِي أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بالنَّاسِ قالَتْ إنَّهُ رَجُلٌ أسِيفٌ مَتَى يَقُمْ مَقامَكَ رَقَّ فَعَادَتْ قَالَ شُعْبَةُ فقالَ فِي الثَّالِثَةِ أوِ الرَّابِعَةِ إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أبَا بَكْر. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يُوسُف) . وَبدل، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالدَّال الْمُهْملَة وباللام: ابْن المحبر، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة وبالراء: الْيَرْبُوعي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: الوَاسِطِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب من أسمع النَّاس تَكْبِير الإِمَام وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وَفِي: بَاب إِذا بَكَى الإِمَام فِي الصَّلاة.
قَوْله: (مرى) ، أَمر من: أَمر يَأْمر وَأَصله: اؤمري، فحذفت الْهمزَة الثَّانِيَة تَخْفِيفًا وَاسْتغْنى عَن همزَة الْوَصْل فحذفت، فَصَارَ، مري، على وزن: عَليّ. قَوْله: (أسيف) وَفِي رِوَايَة زَائِدَة بعْدهَا: رَقِيق الْقلب سريع الْبكاء والحزن. قَوْله: (رق) ، أَي: يحصل لَهُ الرقة. قَوْله: (فَعَاد) ، أَي: فَعَاد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى كَلَامه بِأَن قَالَ (مري) قَوْله: (فَعَادَت) أَي: عَائِشَة إِلَى كَلَامهَا الأول بِأَن قَالَت: إِنَّه رجل أسيف، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.

5833 - حدَّثنا الرَّبِيعُ بنُ يَحْيَى البَصَرِيُّ حدَّثنا زَائِدَةُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ أبِي بُرْدَةَ بنِ أبِي مُوساى عنْ أبِيهِ قَالَ مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقالَتْ إنَّ أبَا بَكْرٍ رَجُلٌ فقالَ مِثْلَهُ فقالَ مُرُوهُ فإنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فأمَّ أبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ حُسَيْنٌ عنْ زَائِدَةَ رَجُلٌ رَقِيقٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يُوسُف) . وزائدة بن قدامَة وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه عَامر، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ.
قَوْله: (فَقَالَت) ، أَي: عَائِشَة. قَوْله: (فَقَالَ مثله) ، أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثل مَا قَالَ فِي الحَدِيث السَّابِق. قَوْله: (فَقَالَت مثله) ، أَي: فَقَالَت عَائِشَة مثل مَا قَالَت فِي الحَدِيث السَّابِق. قَوْله: (فَقَالَ حُسَيْن) ، وَالْحُسَيْن هُوَ ابْن عَليّ الْجعْفِيّ وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الَّذِي فِي: بَاب أهل الْعلم الَّذِي ذكرنَا آنِفا، وَهُوَ الرَّاوِي عَن زَائِدَة فِيهِ.

6833 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبرَنَا شُعَيْبٌ حدَّثَنَا أبُو الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبِي رَبِيعَةَ أللَّهُمَّ أنْجِ سلَمَةَ بنَ هِشَامٍ أللَّهُمَّ أنْجِ الولِيدَ بنَ الوَلِيدِ أللَّهُمَّ أنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ ألَّلهُمَّ اجْعَلْهَا سِنينَ كَسِني يُوسُفَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَسِنِي يُوسُف) وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه على هَذَا النسق قد مر غير مرّة، وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة مطولا فِي: بَاب يهوي بِالتَّكْبِيرِ حِين يسْجد، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

7833 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ ابنِ أخِي جُوَيْرِيَةَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ مالِكٍ عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ سَعِيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ وأبَا عُبَيْدٍ أخْبَرَاهُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْحَمُ الله لوطَاً لَقَدْ كانَ يَأوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ولَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أتَانِي الدَّاعِي لأجَبْتُهُ. .

(15/278)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا لبث يُوسُف) وَعبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة وَهُوَ من الْأَعْلَام الْمُشْتَركَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث: ابْن أَسمَاء بِوَزْن حَمْرَاء الضبعِي. والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب قَوْله عز وَجل: {ونبئهم عَن ضيف إِبْرَاهِيم} (الْحجر: 15) . وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

8833 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ أخْبَرَنا ابنُ فُضَيْلٍ حدَّثنا حُصَيْنٌ عنْ شَقِيقٍ عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سألْتُ أمَّ رُومانَ وهْيَ أمُّ عائِشَةَ عَمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ قالَتْ بَيْنَمَا أنَا مَعَ عَائِشَةَ جالِسَتَانِ إذْ ولَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ وهْيَ تَقُولُ فَعَلَ الله بِفُلاَنٍ وفَعَلَ قالَتْ فَقُلْتُ لِمَ قالَتْ إنَّهُ نَمَّى ذِكْرَ الحَدِيثِ فَقالَتْ عائِشَةُ أيُّ حَدِيثٍ فأخْبَرَتْهَا قالَتْ فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيَّاً عَلَيْهَا فَما أفَاقَتْ إلاَّ وعَلَيْهَا حُمَّى بِنافِضٍ فَجاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا لِهَذِهِ قُلْتُ حُمَّى أخَذَتْها مِنْ أجْلٍ حَدِيثٍ تُحَدِّثُ بِهِ فقَعَدَتْ فقالَتْ وَالله لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي ولَئِنِ اعْتَذَرْتُ لاَ تَعْذِرُونِي فَمَثَلِي ومَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وبَنِيهِ فَالله الْمُسْتَعَانُ علَى مَا تَصِفُونَ فانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنْزَلَ الله مَا أنْزَلَ فأخْبَرَهَا فقالَتْ بِحَمْدِ الله لَا بِحَمْدِ أحَدٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْلهَا: (فمثلي ومثلكم كَمثل يَعْقُوب وبنيه) فَإِن فِيهِ يُوسُف أَيْضا، وَسَيَأْتِي فِي قصَّة الْإِفْك فِي سُورَة النُّور عَن عَائِشَة بِلَفْظ: والتمست اسْم يَعْقُوب فَلم أَجِدهُ، فَقلت: مَا أحد لي وَلكم مثلا، إِلَّا أَبَا يُوسُف.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن سَلام البُخَارِيّ البيكندي وَهُوَ من أَفْرَاده. الثَّانِي: مُحَمَّد بن فُضَيْل مصغر فضل ابْن غَزوَان الْكُوفِي. الثَّالِث: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الرَّحْمَن الْهِلَالِي. الرَّابِع: شَقِيق بن سَلمَة الْأَسدي أَبُو وَائِل الْكُوفِي. الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع الْهَمدَانِي الوادعي أَبُو عَائِشَة الْكُوفِي. السَّادِس: أم رُومَان، بِضَم الرَّاء، وَقيل: بِفَتْحِهَا بنت عَامر بن عُوَيْمِر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع ابْن دهمان بن الْحَارِث بن غنم بن مَالك بن كنَانَة، قَالَ أَبُو عمر: هَكَذَا نَسَبهَا مُصعب، وَخَالفهُ غَيره، وَالْخلاف من أَبِيهَا إِلَى كنَانَة كثير جدا، وَأَجْمعُوا أَنَّهَا من بني غنم بن مَالك بن كنَانَة، امْرَأَة أبي بكر الصّديق وَأم عَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن ابْني أبي بكر، وَذكر فِي (التَّوْضِيح) : أم رُومَان دعد، وَيُقَال: زَيْنَب بنت عُمَيْر بن عَامر، وَقيل: بنت عَامر بن عُوَيْمِر.
ذكر مَا قيل فِي هَذَا السَّنَد اخْتلف فِيهِ، فَقيل: إِنَّه مُنْقَطع. قَالَ أَبُو عمر: رِوَايَة مَسْرُوق عَن أم رُومَان مُرْسلَة، وَلَعَلَّه سمع ذَلِك من عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ ابْن سعد وَأَبُو حسان الزيَادي: أم رُومَان مَاتَت فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة سِتّ، وَنزل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبرها، زَاد الزبير: فِي ذِي الْحجَّة، وَقَالَ أَبُو عمر: سنة أَربع، وَقيل: سنة خمس، فعلى هَذَا لَا يتَّجه سَماع مَسْرُوق مِنْهَا، وَيكون حَدِيثه مُنْقَطِعًا، وَقَالَ آخَرُونَ: الحَدِيث مُتَّصِل، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ فِي (تَارِيخه) و (علله) : سَأَلَ مَسْرُوق أم رُومَان وَله خمس عشرَة سنة، وَمَات وَله ثَمَان وَسَبْعُونَ سنة، وَهِي أقدم من حدث عَنهُ مَسْرُوق، وَقد صلى خلف أبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو نعيم الْحَافِظ: بقيت بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دهراً طَويلا، فعلى هَذَا الحَدِيث مُتَّصِل، وَقَالَ الْخَطِيب: الْعجب من الْحَرْبِيّ كَيفَ خفى عَلَيْهِ اسْتِحَالَة سُؤال مَسْرُوق لَهَا مَعَ علو قدره فِي الْعلم، وأحسب الْعلَّة الَّتِي دخلت عَلَيْهِ اتِّصَال السَّنَد وثقة رِجَاله، وَلم يتفكر فِيمَا وَرَاء ذَلِك، فَهِيَ الْعلَّة الَّتِي دخلت على البُخَارِيّ حَتَّى خرجه، أما مُسلم فَلم يُخرجهُ، وَرِجَاله على شَرطه، وَأَحْسبهُ فطن لاستحالته فردَّه، وَقَول الْحَرْبِيّ: سَأَلَهَا وَله خمس عشرَة سنة، فعلى هَذَا لَو كَانَ لَهُ وَقت وَفَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضع عشرَة سنة، فَمَا الَّذِي مَنعه أَن يسمع من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَلَقَد انتصر بَعضهم للْبُخَارِيّ: بِأَنَّهُ لما ذكر رِوَايَة عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن الْقَاسِم: مَاتَت أم رُومَان زمن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فِيهِ نظر، لضعف عَليّ وَانْقِطَاع حَدِيث الْقَاسِم. وَحَدِيث مَسْرُوق أسْند، وَقَالَ أَيْضا: الَّذِي رَوَاهُ ابْن سعد

(15/279)


أَصله من الْوَاقِدِيّ وَفِيه مقَال، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْحميدِي قَالَ: كَانَ بعض من لَقينَا من البغداديين الْحفاظ يَقُولُونَ: الْإِرْسَال فِي هَذَا الحَدِيث بيِّن. وَقَالَ الْخَطِيب: وَقع فِي كتاب فِي رِوَايَة: رَوَاهُ مَسْرُوق عَن أبي مَسْعُود عَن أم رُومَان، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَه، وَكَذَا قَالَه نَاصِر السلَامِي، وَقَالَ الْخَطِيب أَيْضا: الصَّوَاب أَن يُقَال: سُئِلت أم رُومَان على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي وَهَذَا أشبه بِالصِّحَّةِ، لِأَن من النَّاس من يكْتب الْهمزَة ألفا فِي جَمِيع أحوالها الرّفْع وَالنّصب والخفض، فَلَعَلَّ بعض النقلَة كتب على صُورَة سَأَلت بِالْألف وَدون عَلَيْهِ وَرَوَاهُ؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا يَنْفَعهُ هَذَا الْعذر لما جَاءَ فِي حَدِيث الْإِفْك من الْمَغَازِي، قَالَ مَسْرُوق: حَدَّثتنِي أم رُومَان، قلت: قيل: إِنَّه وهم فِيهِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ من الْوَهم أَن أم مسطح من قُرَيْش، وَقَالَت: ولجت علينا امْرَأَة من الْأَنْصَار، وَقَالَ الْخَطِيب: الرَّاوِي عَن شَقِيق عَن مَسْرُوق هُوَ حُصَيْن، وحصين قد اخْتَلَط فِي آخر عمره، فَلَعَلَّهُ روى الحَدِيث فِي حَال اخْتِلَاطه؟ قَالَ الْخَطِيب أَيْضا: وَفِي رِوَايَة عَن مَسْرُوق: سُئِلت أم رُومَان، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه بِالصِّحَّةِ، وَالله أعلم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَمَّا قيل فِيهَا) ، أَي: فِي عَائِشَة، مَا قيل من الْإِفْك. قَوْله: (إِذا ولجت) ، أَي: دخلت. قَوْله: (فعل الله بفلان وَفعل) ، أَرَادَت الْأَنْصَارِيَّة الْمَذْكُورَة بفلان: مسطحًا، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ مسطح بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي، يكنى أَبَا عباد، وَقَالَ أَبُو عمر: اسْمه عَوْف لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك، وَغلب عَلَيْهِ مسطح، وَأمه سلمى بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة، وَهِي ابْنة خَالَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: أم مسطح سلمى بنت صَخْر بن عامرة خَالَة أبي بكر الصّديق، شهد مسطح بَدْرًا وَمَات سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن سِتّ وَخمسين سنة، وَقد قيل: إِنَّه شهد صفّين مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ الْأَكْثَر، وَلما خَاضَ فِي الْإِفْك على عَائِشَة وَنزلت براءتها جلده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيمَن جلد فِي ذَلِك، وَكَانَ أَبُو بكر ينْفق عَلَيْهِ لِقَرَابَتِهِ وَفَقره، فتألَّى أَن لَا ينْفق عَلَيْهِ، فَنزلت: {وَلَا يأتلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة ... } (النُّور: 22) . الْآيَة، فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله لي، فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ ينْفق عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله لَا أنزعهَا عَنهُ أبدا. قَوْله: (إِنَّه نمَّى) ، بتَشْديد الْمِيم من التنمية، وَهِي رفع الْخَبَر، يُقَال: نميت الحَدِيث أنميه: إِذا بلغته على وَجه الْإِصْلَاح وَطلب الْخَيْر، فَإِذا بلَّغته على وَجه الْإِفْسَاد والنميمة، قلت: نميته، بِالتَّشْدِيدِ، كَذَا قَالَه أَبُو عبيد وَابْن قُتَيْبَة وَغَيرهمَا من الْعلمَاء، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: نمى، مُشَدّدَة وَأكْثر الْمُحدثين يَقُولُونَهَا مُخَفّفَة، قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهَذَا لَا يجوز، يَعْنِي هَهُنَا. وَفِي (الْمطَالع) : وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالتَّخْفِيفِ. قَوْله: (ينافض) ، أَي: ملتبسة بارتعاد، والنافض من الْحمى هُوَ ذَات الرعدة، والنفض التحريك. قَوْله: (من أجل حَدِيث) ، وَهُوَ حَدِيث الْإِفْك. قَوْله: (تحدث بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول صفة لحَدِيث. قَوْله: (ومثلي) أَي: صِفَتي كصفة يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَيْثُ صَبر صبرا جميلاً، وَقَالَ: {وَالله الْمُسْتَعَان} (يُوسُف: 81) . قَوْله: (مَا أنزل) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين جاؤا بالإفك عصبَة مِنْكُم ... } (النُّور: 11) . الْعشْر الْآيَات، فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا عَائِشَة أما الله فقد برأك، فَقَالَت أمهَا: قومِي إِلَيْهِ، فَقَالَت: وَالله لَا أقوم إِلَيْهِ فَإِنِّي وَلَا أَحْمد إلاَّ الله، عز وَجل) وَهُوَ معنى قَوْلهَا: (بِحَمْد الله لَا بِحَمْد أحد) .

9833 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلِ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ أنَّهُ سألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَأيْتِ قَوْلَهُ حَتَّى إذَا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا أوْ كُذِبُوا قالَتْ بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ فَقُلْتُ وَالله لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ ومَا هُوَ بالظِّنِّ فقالَتْ يَا عُرَيَّةُ لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذالِكَ قُلْتُ فلَعَلَّهَا أوْ كُذِبُوا قالَتْ مَعَاذَ الله لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذالِكَ بِرَبِّهَا وأمَّا هاذِهِ الآيَةُ قالَتْ هُمْ أتْباعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وصَدَّقُوهُمْ وطَالَ عَلَيْهِمِ البَلاءُ واسْتأخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إذَا اسْتَيْأسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وظَنُّوا أنَّ أتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جاءَهُمْ نَصْرُ الله. .

(15/280)


مَا رَأَيْت أحدا ذكر وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة، وَلَكِن لَهُ مُنَاسبَة للْحَدِيث السَّابِق من حَيْثُ مَجِيء النَّصْر فِي حق كل مِمَّن ذكر فِيهَا بعد الْيَأْس، فَيكون هَذَا مطابقاً للْحَدِيث السَّابِق من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ نقُول: المطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.
وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة.
قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبِرِينِي. قَوْله: (وَقَوله) أَي: قَول الله تَعَالَى {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} (يُوسُف: 011) . وَتَمام الْآيَة: {جَاءَهُم نصرنَا فنجى من نشَاء وَلَا يرد بأسنا عَن الْقَوْم الْمُجْرمين} (يُوسُف: 011) . قَوْله: (إِذا استيأس الرُّسُل) من الْيَأْس وَهُوَ الْقنُوط، وَنَذْكُر بَقِيَّة الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (وظنوا) أَي: الرُّسُل ظنُّوا أَنهم كذبُوا، وَفهم عُرْوَة من ظَاهر الْكَلَام: أَن نِسْبَة الظَّن بالتكذيب لَا يَلِيق فِي حق الرُّسُل، فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: لَيْسَ كَمَا زعمت، بل مَعْنَاهُ مَا أشارت إِلَيْهِ بقوله بِكَلِمَة الإضراب: بل كذبهمْ قَومهمْ، فِي وعد الْعَذَاب، وَقَرِيب مِنْهُ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: وظنوا حِين ضعفوا وغلبوا أَنهم قد أخْلفُوا مَا وعدهم الله من النَّصْر، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وظنوا أَنهم قد كذبُوا، أَي: كذبتهم أنفسهم حِين حدثتهم بِأَنَّهُم ينْصرُونَ. قَوْله: (فَقلت) ، الْقَائِل هُوَ عُرْوَة، فَكَأَنَّهُ أشكل عَلَيْهِ قَوْله: وظنوا لأَنهم تيقنوا، وَمَا ظنُّوا، فَقَالَ: وَالله لقد استيقنوا أَن قَومهمْ كذبوهم، فَردَّتْ عَلَيْهِ عَائِشَة بقولِهَا يَا عرية لقد استيقنوا بذلك، وأشارت بذلك أَن الظَّن هُنَا بِمَعْنى الْيَقِين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إلاَّ إِلَيْهِ} (التَّوْبَة: 811) . أَي: تيقنوا، ثمَّ عَاد عُرْوَة إِلَيْهَا فَقَالَ: أَو كذبُوا، بِالتَّخْفِيفِ، وَلَفظ الْقُرْآن على لفظ الْفَاعِل على معنى: وَظن الرُّسُل أَنهم قد كذبُوا فِيمَا حدثوا بِهِ قَومهمْ، فأجابت عَائِشَة بقولِهَا: معَاذ الله، لم تكن الرُّسُل تظن ذَلِك بربها، وأشارت بذلك إِلَى مَا فهمه عُرْوَة مِنْهُ، وَلما لم ترض عَائِشَة بِمَا قَالَه فِي الْمَوْضِعَيْنِ خاطبته بقولِهَا: يَا عرية بِالتَّصْغِيرِ وَلكنه تَصْغِير الشَّفَقَة والمحبة والدلال، وَلَيْسَ تَصْغِير التحقير، وَأَصلهَا: عريوة، اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء. قَوْله: (وَأما هَذِه الْآيَة) ، جَوَاب: أما مَحْذُوف تَقْدِيره: فَالْمُرَاد من الظانين فِيهَا هم أَتبَاع الرُّسُل ... إِلَى آخِره.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله اسْتَيأسُوا افْتَعَلُوا مِنْ يَئِسْتُ مِنْهُ مِنْ يُوسُفَ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (افتعلوا) ، يَعْنِي: وزن استيأسوا افتعلوا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل وَزنه: استفعلوا وَالسِّين وَالتَّاء فِيهِ زائدتان للْمُبَالَغَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: استيأسوا استفعلوا، وَفِي بعض النّسخ: افتعلوا، وغرضه بَيَان الْمَعْنى، وَأَن الطّلب لَيْسَ مَقْصُودا فِيهِ وَلَا بَيَان الْوَزْن والاشتقاق. قلت: قَالَ بَعضهم فِي كثير من الرِّوَايَات: افتعلوا، وَقَوله: إِن الطّلب لَيْسَ مَقْصُودا مِنْهُ، كَلَام واهٍ لِأَن من قَالَ: إِن السِّين فِيهِ للطلب، قَالَ: لَيْسَ إلاَّ للْمُبَالَغَة كَمَا ذَكرْنَاهُ، نَص الزَّمَخْشَرِيّ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجياً} (يُوسُف: 08) . قَوْله: وَلَا بَيَان الْوَزْن، أَيْضا كَلَام واه لِأَنَّهُ إِذا لم يكن مُرَاده بَيَان الْوَزْن لِمَ قَالَ: استيأسوا افتعلوا؟ وَهَذَا عين بَيَان الْوَزْن، وَالظَّاهِر أَن مثل هَذَا من قُصُور الْيَد فِي علم التصريف.
{لَا تَيْأسُوا مِنْ رَوْحِ الله} (يُوسُف: 78) . مَعْناهُ الرَّجاءُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الرّوح فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تيأسوا من روح الله} (يُوسُف: 78) . بِمَعْنى: الرَّجَاء، وَعَن قَتَادَة: أَي لَا تيأسوا من رَحْمَة الله، كَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن بشير عَنهُ.

0933 - أخْبرَني عَبْدَةُ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الكَرِيمُ ابنُ الكَرِيمِ بنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ أسْحااقَ ابنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلامُ. (انْظُر الحَدِيث 2833 وطرفه) .

عَبدة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله أَبُو سهل الصفار الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ بالأهواز سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَفِي بعض النّسخ: حَدثنَا عَبدة، وَفِي السِّتَّة: عَبدة بن سُلَيْمَان الْكلابِي، وَعَبدَة ابْن أبي لبَابَة تَابِعِيّ كُوفِي نزل دمشق، روى لَهُ الْجَمَاعَة مَا خلا أَبَا دَاوُد، وَعَبدَة بن سُلَيْمَان الْمروزِي نزل المصيصة صَاحب ابْن الْمُبَارك. روى عَنهُ أَبُو دَاوُد، وَقيل: روى عَنهُ البُخَارِيّ أَيْضا، ذكره ابْن عدي وَلم يذكر غَيره، وَعَبدَة بن عبد الرَّحِيم

(15/281)


الْمروزِي روى لَهُ التِّرْمِذِيّ، مَاتَ بِدِمَشْق سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله. والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت} (الْبَقَرَة: 331) .

22 - (بابُ قَوْلِ الله تَعالى عزَّ وجَلَّ {وأيُّوبَ إذْ نادَى رَبَّهُ أنِّي مسَّنِي الضُّرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 38) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ذكر فِي حَال أَيُّوب فِي قَول الله تَعَالَى عز وَجل: {وَأَيوب إِذْ نَادَى ربه} (الْأَنْبِيَاء: 38) . الْآيَة. وَأَيوب: اسْم أعجمي لَا ينْصَرف للعجمة والعلمية، ذكره الله فِي الْقُرْآن فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَقَوله: وَأَيوب عطف على مَا قبله: {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث} (الْأَنْبِيَاء: 87) . وَالتَّقْدِير: وَاذْكُر أَيُّوب، كَمَا أَن التَّقْدِير فِي قَوْله: وَدَاوُد: أذكر دَاوُد. وَاخْتلفُوا فِي نسبه. فَقيل: أَيُّوب ابْن أموص بن رزاح بن روم بن عيصو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا السَّلَام، نقل هَذَا عَن كَعْب وَابْن إِسْحَاق. وَقيل: أَيُّوب ابْن أموص بن زيرح بن رعويل بن عيصو. وَقيل: أَيُّوب بن ساري بن رغوال بن عيصو، وَالْمَشْهُور الأول. وَقيل: كَانَ أَبوهُ مِمَّن آمن بإبراهيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَوْم ألقِي فِي النَّار، وَالْمَشْهُور أَنه من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم لقَوْله تَعَالَى: {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان وَأَيوب ... } (الْأَنْعَام: 48) . الْآيَة، وَالْمَشْهُور أَن الضَّمِير عَائِد إِلَى إِبْرَاهِيم دون نوح، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَت أمه من ولد لوط بن هاران، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَأمه بنت لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ أَيُّوب فِي زمن يَعْقُوب وَتزَوج ابْنة يَعْقُوب وَاسْمهَا رَحْمَة، وَقيل: دنيا، وَقيل: ليا، وَقيل: إِنَّمَا تزوج أَيُّوب رَحْمَة بنت مِيشَا بن يُوسُف بن يَعْقُوب. وَقيل: رَحْمَة بنت إفرائيم بن يُوسُف، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التَّبْصِرَة) : أَنه كَانَ فِي زمن يَعْقُوب وَلَكِن لم يكن نَبيا فِي زَمَانه ونبيء بعد يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: كَانَ بعد سُلَيْمَان، رُوِيَ عَن مقَاتل، وَكَانَ أَيُّوب رجلا غَنِيا وَكَانَ لَهُ خَمْسمِائَة فدان يتبعهَا خَمْسمِائَة عبد، لكل عبد امْرَأَة وَولد وَتحمل آلَة كل فدان أتان، لَكِن أتان ولد من اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَفَوق ذَلِك. وَقيل: لَهُ سِتّ مائَة عبد وَلكُل عبد امْرَأَة وَمَال، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة عشر ولدا وَكَانَ كثير الضِّيَافَة على مَذْهَب إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ يكفل الأرامل واليتامى وَيحمل المنقطعين وَمَا كَانَ يشْبع حَتَّى يشْبع الجائع، وَلَا يكتسي حَتَّى يكسو العاري.
قَوْله: (إِذْ نَادَى ربه) أَي: حِين نَادَى ربه، أَي: حِين دَعَا ربه: إِنِّي مسني الضّر، قَرَأَ حَمْزَة: مسني، بِسُكُون الْيَاء وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، والضر، بِالضَّمِّ: الضَّرَر فِي النَّفس من مرض وهزال، وبالفتح: الضَّرَر فِي كل شَيْء. وَاخْتلفُوا فِي معنى قَوْله: إِنِّي مسني الضّر؟ فَقيل: قَالَ ذَلِك عِنْد بيع امْرَأَته قرنا من شعرهَا لشَيْء اشتهاه فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لما سمع نَفرا يَقُولُونَ: إِنَّمَا أُصِيب هَذَا لذنب عَظِيم فعله. وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك عِنْد انْقِطَاع الْوَحْي عَنهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فخاف الهجران. وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك عِنْد أكل الدُّود جَمِيع جسده، ثمَّ أَرَادَ الدَّب إِلَى قلبه. وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك عَن تَأَخّر زَوجته عَنهُ أَيَّامًا لمَرض حصل لَهَا فَلم يبْق من ينظر فِي أمره.
وَقَالَ الْحسن: أَتَى إِبْلِيس إِلَى امْرَأَته بسخلة، فَقَالَ: قولي لَهُ ليذبحها لي حَتَّى يبرأ، فَجَاءَت وحكت بذلك، فَقَالَ: كدت أَن تهلكيني. لَئِن فرج الله عني لأجلدنك مائَة، تَأْمُرِينِي أَن أذبح لغير الله ثمَّ طردها عَنهُ وَبَقِي وحيداً لَيْسَ لَهُ معِين، فَقَالَ: مسني الضّر، وَقيل غير ذَلِك. فَإِن قلت: فَلِمَ لَم يدع أول مَا نزل بِهِ الْبلَاء؟ قلت: لِأَنَّهُ علم أَمر الله فِيهِ، وَلَا تصرف للْعَبد مَعَ مَوْلَاهُ، وَأَرَادَ مضاعفة الثَّوَاب فَلم يسْأَل كشف الْبلَاء.
قَوْله: (وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ) تَعْرِيض مِنْهُ بسؤال الرَّحْمَة إِذْ أثنى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أرْحم وألطف فِي السُّؤَال حَيْثُ ذكر نَفسه بِمَا يُوجب الرَّحْمَة، وَذكر ربه بغاية الرَّحْمَة، وَلم يُصَرح بالمطلوب، وَقَالَ بَعضهم: لم يثبت عِنْد البُخَارِيّ فِي قصَّة أَيُّوب شَيْء فَاكْتفى بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي على شَرطه، قلت: إِنَّه أَرَادَ بِهِ حَدِيث الْبَاب، وَفِيمَا قَالَه نظر لعدم الدَّلِيل على عدم ثُبُوت غير هَذَا الحَدِيث عِنْده، وَلَا يلْزم من عدم ذكره غير هَذَا الحَدِيث أَن لَا يكون عِنْده شَيْء غير هَذَا الحَدِيث على شَرطه، ثمَّ قَالَ: وَأَصَح مَا ورد فِي قصَّته مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من طَرِيق نَافِع بن يزِيد عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، أَن أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْتُلِيَ فَلبث فِي بلائه ثَلَاث عشرَة سنة فرفضه الْقَرِيب والبعيد ... الحَدِيث، وروى أَحْمد بن وهب عَن عَمه عبد الله بن وهب: أخبرنَا نَافِع عَن يزِيد عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن أنس مَرْفُوعا: أَن أَيُّوب مكث فِي بلائه ثَمَان عشرَة سنة، وَعَن خَالِد بن دريك: أَصَابَهُ الْبلَاء على رَأس ثَمَانِينَ سنة من عمره، وَعَن ابْن عَبَّاس: مكث فِي الْبلَاء سبع سِنِين وَكَانَ

(15/282)


أَصَابَهُ بعد السّبْعين من عمره، وَعَن ابْن عَبَّاس: سبع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام وَسبع سَاعَات، وَقَالَ الْحسن: مكث أَيُّوب مطروحاً على كناسَة مزبلة لبني إِسْرَائِيل سبع سِنِين وأشهراً، وَقَالَ الطَّبَرِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ، رَحِمهم الله تَعَالَى: كَانَ عمره حِين مَاتَ ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة، وَقيل: عَاشَ مائَة وستاً وَأَرْبَعين سنة، وَدفن فِي الْموضع الَّذِي ذهب فِيهِ بلاؤه، وَهُوَ بالبثنية بِالشَّام، وقبره ظَاهر بهَا.
ارْكُضْ اضْرِبْ يَرْكُضُونَ يَعْدُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام: {أركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} (ص: 24) . الْمَعْنى: اضْرِب برجلك الأَرْض وحرك هَذَا مغتسل فِيهِ إِضْمَار مَعْنَاهُ، فركض فنبعت عين، فَقيل: هَذَا مغتسل أَي: هَذَا مَاء مغتسل بَارِد وشراب أَي: يغْتَسل بِهِ وَيشْرب مِنْهُ، وَلما أمره الله بذلك ركض بِرجلِهِ الأَرْض فنبعت عين فاغتسل فِيهَا فَلم يبْق عَلَيْهِ شَيْء من الدَّاء وَعَاد إِلَيْهِ شبابه وجماله أحسن مَا كَانَ، ثمَّ ضرب بِرجلِهِ فنبعت عين أُخْرَى فَشرب مِنْهَا، فَلم يبْق فِي جَوْفه دَاء إلاَّ خرج فَقَامَ صَحِيحا وكسي حلَّة. وَقَالَ السّديّ: جَاءَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، بحلة من الْجنَّة فألبسها. فَإِن قلت: كَانَ يَكْفِيهِ ركضة وَاحِدَة؟ قلت: الركضة الأولى لزوَال الضَّرَر. وَالثَّانيَِة: دَلِيل الْفَرح والطرب بالعافية بِشَربَة مِنْهَا، وَإِنَّمَا خص الرِّجل بالركض لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِأَن تنبع المَاء من تَحت الرِّجل فَكَانَ ذَلِك معْجزَة لَهُ. قَوْله: (يركضون) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذا هم مِنْهَا يركضون} (الْأَنْبِيَاء: 21) . وَفَسرهُ بقوله: يعدُون، وَفَسرهُ الْفراء بقوله: يهربون، وَوجه ذكر هَذَا كَون: أركض ويركضون، من مَادَّة وَاحِدَة.

1933 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَمَا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانَاً خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَي رَبُّهُ يَا أيّوبُ ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى يَا رَبِّ ولَكِنْ لاَ غِنَى لِي عنْ بَرَكَتِكَ. (انْظُر الحَدِيث 972 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ أَن عقيب قَوْله: {رَبِّي إِنِّي مسني الضّر} (الْأَنْبِيَاء: 38) . جَاءَ الْوَحْي بقوله: {اركض برجلك} (ص: 24) . فركض فنبع المَاء فاغتسل فِيهِ، وَهُوَ عُرْيَان، فَنزل عَلَيْهِ رجل جَراد، ورواة هَذَا قد مروا غير مرّة.
والْحَدِيث مر فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب من اغْتسل عُريَانا، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن أصل: بَينا، بَين، فأشبعت الفتحة بِالْألف ويضاف إِلَى جملَة وَهِي: أَيُّوب مُبْتَدأ، ويغتسل خَبره، وعرياناً نصب على الْحَال. قَوْله: (خر) أَي: سقط، وَهُوَ جَوَاب: بَينا، وَقد ذكرنَا أَيْضا أَن الْأَفْصَح فِي جَوَابه أَن يكون بِلَا: إِذْ قَوْله: (رجل) ، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ جمَاعَة من الْجَرَاد، كَمَا يُقَال: سرب من الظباء، وعانة من الْحمر، وَهُوَ من أَسمَاء الْجَمَاعَات الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا. قَوْله: (يحثى) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: يَأْخُذ بيدَيْهِ جَمِيعًا فِي رِوَايَة بشير بن نهيك: يلتقط، وروى ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس: فَجعل أَيُّوب ينشر طرف ثَوْبه فَيَأْخُذ الْجَرَاد فَيَجْعَلهُ فِيهِ، فَكلما امْتَلَأت نَاحيَة نشر نَاحيَة. قَوْله: (فناداه ربه) يحْتَمل: أَن يكون بِوَاسِطَة أَو بِلَا وَاسِطَة أَو بإلهام قَوْله: (بلَى) ، أَي: أغنيتني. قَوْله: (لَا غنى لي) ، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة مَقْصُور بِلَا تَنْوِين، وَخبر: لَا، يجوز أَن يكون قَوْله: لي، أَو قَول: من بركته، ويروى: من فضلك، وَقَالَ وهب: تطاير الْجَرَاد من المَاء الَّذِي اغْتسل فِيهِ، وَكَانَ لَهُ أندران أَحدهمَا: الْقَمْح، وَالْآخر: الشّعير، فَبعث الله سحابتين، فأفرغت إِحْدَاهمَا على أندر الْقَمْح ذَهَبا، وَالْأُخْرَى فضَّة، وتطاير الْجَرَاد على الْكل، وَإِنَّمَا خص الْجَرَاد لكثرته.
وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: دلَالَة على أَن من نثر عَلَيْهِ دَرَاهِم أَو نَحْوهَا فِي إملاك وَنَحْوه أَنه أَحَق بِمَا نثر عَلَيْهِ، وَتعقبه ابْن التِّين فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا ذكره لِأَنَّهُ شَيْء خص الله بِهِ نبيه أَيُّوب، وَإِن ذَلِك شَيْء من فعل الْآدَمِيّ فَيكْرَه فعله، لِأَنَّهُ من السَّرف وينازع فِي كَونه خَاصّا، وَبِأَنَّهُ جَاءَ من الشَّارِع وَلَا سرف فِيهِ.

(15/283)