عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 02 - (بابُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خدِيجَةَ وفَضْلِهَا رَضِي الله تَعَالَى
عنهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَزْوِيج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد بن عبد
الْعُزَّى بن قصي، تَجْتَمِع مَعَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي قصي وَهِي من أقرب نِسَائِهِ إِلَيْهِ
فِي النّسَب، وَلم يتَزَوَّج من ذُرِّيَّة قصي غَيرهَا
إلاَّ أم حَبِيبَة. قَالَ الزبير: كَانَت خَدِيجَة تدعى
فِي الْجَاهِلِيَّة الطاهرة، أمهَا فَاطِمَة بنت زَائِدَة
بن الْأَصَم، والأصم اسْمه: جُنْدُب بن هرم بن رَوَاحَة بن
حجر بن عبد معيص بن عَامر بن لؤَي، تزَوجهَا رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سنة خمس وَعشْرين من مولده
فِي قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو عمر: كَانَت إِذْ
تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنت
أَرْبَعِينَ سنة، وأقامت مَعَه أَرْبعا وَعشْرين سنة
وَتوفيت وَهِي بنت أَربع وَسِتِّينَ سنة، وَسِتَّة أشهر،
وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ
تزَوجهَا ابْن إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَقيل: ابْن خمس
وَعشْرين، وَهُوَ الْأَكْثَر، وَقيل: ابْن ثَلَاثِينَ
وَتوفيت قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين.
(16/277)
وَقيل: بِأَرْبَع، وَقَالَ قَتَادَة: قبل
الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين، قَالَ أَبُو عمر: قَول
قَتَادَة عندنَا أصح، وَقَالَ أَبُو عمر: يُقَال: إِنَّهَا
توفيت بعد موت أبي طَالب بِثَلَاثَة أَيَّام، توفيت فِي
شهر رَمَضَان ودفنت فِي الْحجُون، وَذكر الْبَيْهَقِيّ:
أَن أَبَاهَا خويلد هُوَ الَّذِي زوجه إِيَّاهَا، وَذكر
ابْن الْكَلْبِيّ أَنه زَوجهَا إِيَّاه عَمها عَمْرو بن
أَسد، وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن الَّذِي زوجه إِيَّاهَا
أَخُوهَا عَمْرو بن خويلد، وَكَانَت قبل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أبي هَالة بن النباش بن زُرَارَة
التَّمِيمِي حَلِيف بني عبد الدَّار، قَالَ الزبير: اسْمه
مَالك، وَقَالَ ابْن مَنْدَه: زُرَارَة، وَقَالَ العسكري:
هِنْد، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اسْمه النباش وَابْنه
هِنْد، وَمَات أَبُو هَالة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَت
خَدِيجَة قبله عِنْد عَتيق بن عَائِذ المَخْزُومِي، ثمَّ
خلف عَلَيْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم
يَخْتَلِفُوا أَنه ولد لَهُ مِنْهَا أَوْلَاده كلهم إلاَّ
إِبْرَاهِيم، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق، ولدت خَدِيجَة لَهُ
زَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة وَالقَاسِم، وَبِه
كَانَ يكنى، والطاهر وَالطّيب، فالثلاثة هكلوا فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَأما بَنَاته فكلهن أدركن الْإِسْلَام
فأسلمن وهاجرن مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت:
كَيفَ قَالَ: بَاب تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَدِيجَة، وَكَانَ يَقْتَضِي الْكَلَام أَن يُقَال:
بَاب تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاب
التفعل لَا من بَاب التفعيل؟ وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون
التَّزْوِيج لغيره؟ قلت: قد وَقع فِي بعض النّسخ: بَاب
تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة على
الأَصْل، وَلَكِن فِي أَكثر النّسخ بِلَفْظ: تَزْوِيج،
فوجهه أَن يُقَال: إِن التفعيل يَجِيء بِمَعْنى التفعل،
وَلِهَذَا يُقَال: بِمَعْنى الْمُتَقَدّمَة، أَو المُرَاد:
تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة من
نَفسه. قَوْله: (وفضلها) أَي: وَفِي بَيَان فضل خَدِيجَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
5183 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخْبَرَنَا عَبْدَةُ عنْ هِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ
جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّاً رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يقُولُ. . ح وحدَّثني صَدَقَةُ أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ
الله بنَ جَعْفَر عَنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ
عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خَيْرُ
نِسَائِهَا مَرْيَمُ وخَيْرُ نِسائِهَا خَدِيجَةُ. (انْظُر
الحَدِيث 2343) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين الأول: عَن مُحَمَّد بن سَلام
البُخَارِيّ البيكندي وَهُوَ من أَفْرَاده عَن عَبدة بن
سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير عَن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب عَن عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. الثَّانِي: عَن صَدَقَة بن الْفضل
الْمروزِي عَن عَبدة ... إِلَى آخِره.
وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ، هِشَام عَن
أَبِيه، وَرِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ: عبد الله بن
جَعْفَر عَن عَمه عَليّ بن أبي طَالب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي
بَاب: {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله
اصطفاك} (آل عمرَان: 24) . وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الضَّمِير يَعْنِي فِي: نسائها،
عَائِد على غير مَذْكُور، لكنه يفسره الْحَال والشأن،
يَعْنِي بِهِ نسَاء الدُّنْيَا. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ:
الضَّمِير الأول يرجع إِلَى الْأمة الَّتِي كَانَت فِيهَا
مَرْيَم، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالثَّانِي
إِلَى هَذِه الْأمة، وَلِهَذَا كرر الْكَلَام تَنْبِيها
على أَن حكم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا غير حكم الْأُخْرَى،
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن وَكِيع عَن هِشَام فِي
هَذَا الحَدِيث، وَأَشَارَ وَكِيع إِلَى السَّمَاء
وَالْأَرْض، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يبين أَن المُرَاد
نسَاء الدُّنْيَا، وَأَن الضميرين يرجعان إِلَى
الدُّنْيَا، وَبِهَذَا جزم الْقُرْطُبِيّ أَيْضا. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَالضَّمِير يرجع إِلَى الأَرْض، وَقَالَ
بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر لي أَن قَوْله: (خير نسائها) خبر
مقدم، وَالضَّمِير لِمَرْيَم، وَكَأَنَّهُ قَالَ: مَرْيَم
خير نسائها، أَي: نسَاء زمانها، وَكَذَا فِي خَدِيجَة:
قلت: هَذَا فِيهِ تعسف من وُجُوه: الأول: تَقْدِيم
الْخَبَر لغير نُكْتَة غير طائل. وَالثَّانِي: إِضَافَة
النِّسَاء إِلَى مَرْيَم غير صَحِيحَة. وَالثَّالِث: فِيهِ
الْحَذف وَهُوَ غير الأَصْل.
6183 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
قَالَ كَتَبَ إلَيَّ هِشَامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ مَا غِرْتُ علَى
امْرَأةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا غِرْتُ
عَلَى خَدِيجَةَ هَلَكَتْ قَبْل أنْ يَتَزَوَّجَنِي لِمَا
كُنْتُ أسْمَعُهُ يَذْكُرُها وأمَرَهُ الله أنْ
يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ وإنْ كانَ لَيَذْبَحُ
الشَّاةَ
(16/278)
فَيُهْدِي فِي خَلاَئِلِهَا مِنْهَا مَا
يَسَعُهُنَّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير، بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف: وَهُوَ سعيد بن كثير بن عفير أَبُو عُثْمَان
الْمصْرِيّ، وَقد نسب إِلَى جده، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كتب إِلَيّ هِشَام) يَعْنِي: هِشَام بن عُرْوَة
ابْن الزبير، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر
عَن اللَّيْث: حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، قيل: لَعَلَّ
اللَّيْث لَقِي هشاماً بعد أَن كتب إِلَيْهِ بِهَذَا
الحَدِيث فحدثه بِهِ. وَقيل: كَانَ مَذْهَب اللَّيْث أَن
الْكِتَابَة والتحديث سَوَاء، وَنقل عَنهُ الْخَطِيب
ذَلِك. قَوْله: (مَا غرت) بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة
من الْغيرَة وَهِي الحمية والأنفة، يُقَال: رجل غيور
وَامْرَأَة غيور بِلَا: هَاء، لِأَن فعولًا يشْتَرك فِيهِ
الذّكر وَالْأُنْثَى، وَجَاء فِي حَدِيث: أَن امْرَأَة
غيرى، على وزن فعلى، من الْغيرَة يُقَال: غرت على أَهلِي
أغار غيرَة فَأَنا غائر وغيور للْمُبَالَغَة، وَفِيه
ثُبُوت الْغيرَة وَأَنَّهَا غير مستنكر وُقُوعهَا من
فاضلات النِّسَاء، فضلا عَمَّن دونهن، وَكَانَت عَائِشَة
تغار من نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن
تغار من خَدِيجَة أَكثر، وَذَلِكَ لِكَثْرَة ذكر رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِيَّاهَا. وأصل غيرَة
المرأ من تخيل محبَّة غَيرهَا أَكثر مِنْهَا وَكَثْرَة
الذّكر تدل على كَثْرَة الْمحبَّة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
مرادها بِالذكر لَهَا مدحها وَالثنَاء عَلَيْهَا. قَوْله:
(هَلَكت قبل أَن يَتَزَوَّجنِي) أَي: مَاتَت خَدِيجَة قبل
أَن يتَزَوَّج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعائشة،
وَيَأْتِي عَن قريب بَيَان الْمدَّة إِن شَاءَ الله
تَعَالَى. وأشارت عَائِشَة بذلك إِلَى أَن خَدِيجَة لَو
كَانَت حَيَّة فِي زمانها لكَانَتْ غيرتها مِنْهَا أَكثر
وَأَشد. قَوْله: (وَأمره الله أَن يبشرها) ، أَي: أَمر
الله تَعَالَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يبشر
خَدِيجَة (بِبَيْت من قصب) بِفتْحَتَيْنِ، قَالَ
الْجَوْهَرِي: هُوَ أنابيب من جَوْهَر، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: المُرَاد بِهِ قصب اللُّؤْلُؤ المجوف، وَقيل:
قصب من ذهب منظوم بالجواهر، وَيُقَال: الْقصب هُنَا
اللُّؤْلُؤ المجوف الْوَاسِع كالقصر المنيف، وَقد جَاءَ
فِي رِوَايَة عبد الله بن وهب: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة قلت:
يَا رَسُول الله {وَمَا بَيت من قصب؟ قَالَ: بَيت من لؤلؤة
مجوفة، رَوَاهُ السَّمرقَنْدِي فِي (صَحِيح مُسلم) :
مجوبة، وروى الْخطابِيّ: مجوبة، بِضَم الْجِيم، أَي: قطع
داخلها فتفرغ، وخلا من قَوْلهم: جبت الشَّيْء إِذا قطعته،
وروى أَبُو الْقَاسِم بن مطير بِإِسْنَادِهِ عَن فَاطِمَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سيدة نسَاء الْعَالمين
أَنَّهَا قَالَت: (يَا رَسُول الله أَيْن أُمِّي خَدِيجَة؟
قَالَ: فِي بَيت من قصب، لَا لَغْو فِيهِ وَلَا نصب، بَين
مَرْيَم وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن. قَالَت: يَا رَسُول
الله} أَمن هَذَا الْقصب؟ قَالَ: لَا من الْقصب المنظوم
بالدر واللؤلؤ والياقوت. فَإِن قلت: قَالَ: من قصب، وَلم
يقل: من لُؤْلُؤ وَنَحْوه؟ قلت: هَذَا من بَاب المشاكلة
لِأَنَّهَا لما أحرزت قصب السَّبق إِلَى الْإِيمَان دون
غَيرهَا من الرِّجَال وَالنِّسَاء ذكر الْجَزَاء بِلَفْظ
الْعَمَل، وَالْعرب تسمي السَّابِق مُحرز الْقصب. فَإِن
قلت: كَيفَ بشرها بِبَيْت وَأدنى أهل الْجنَّة منزلَة من
يُعْطي مسيرَة ألف عَام فِي الْجنَّة، كَمَا فِي حَدِيث
ابْن عمر عِنْد التِّرْمِذِيّ؟ قلت: قيل: بِبَيْت زَائِد
على مَا أعده الله لَهَا من ثَوَاب أَعمالهَا. وَقَالَ
الْخطابِيّ: الْبَيْت هُنَا عبارَة عَن قصر، ألاَ يرى قد
يُقَال لمنزل الرجل: بَيته، وَيُقَال فِي الْقَوْم: هَل
هُوَ أهل بَيت شرف وَعز؟ وَقَالَ السُّهيْلي ماملخصه: أَنه
من بَاب المشاكلة لِأَنَّهَا كَانَت ربة بَيت فِي
الْإِسْلَام وَلم يكن على وَجه الأَرْض بَيت إِسْلَام
إلاَّ بَيتهَا حِين آمَنت، وَجَزَاء الْفِعْل يذكر بِلَفْظ
الْفِعْل، وَإِن كَانَ أشرف مِنْهُ، كَمَا قيل: من بنى لله
مَسْجِدا بنى الله لَهُ مثله فِي الْجنَّة، لم يرد مثله
فِي كَونه مَسْجِدا وَلَا فِي صفته، وَلكنه قَابل
الْبُنيان بالبنيان أَي: كَمَا بنى بني لَهُ. قَوْله:
(وَإِن كَانَ) ، كلمة: إِن، مُخَفّفَة من المثقلة وَيُرَاد
بهَا تَأْكِيد الْكَلَام وَلِهَذَا أَتَت بِاللَّامِ فِي
قَوْلهَا (ليذبح) . قَوْله: (فيهدي) فِي خلائلها،
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جمع خَلِيلَة، وَهِي الصديقة
وَهَذَا أَيْضا من أَسبَاب الْغيرَة لما فِيهِ من
الْإِشْعَار باستمرار حبه لَهَا حَتَّى كَانَ يتَعَاهَد
صواحباتها. قَوْله: (مِنْهَا) أَي: من الشَّاة. قَوْله:
(مَا يسعهن) أَي: مَا يسع لَهُنَّ، كَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي:
(مَا يتسعهن) ، أَي: مَا يَتَّسِع لَهُنَّ، وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ: مَا يشبعهن) من الإشباع، قيل: لَيْسَ فِي
رِوَايَته كلمة مَا.
7183 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا حُمَيْدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ
أبِيهِ عنْ عائِشةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ مَا
غِرْتُ عَلَى خَدِيجةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ
(16/279)
رَسُولِ الله إيَّاهَا قالَتْ
وتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلاثِ سِنينَ وأمَرَهُ رَبُّهُ
عزَّ وجلَّ أوْ جِبْرِيلُ علَيْهِ السَّلامُ أنْ
يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور عَن
قُتَيْبَة عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الرُّؤَاسِي، بِضَم
الرَّاء وهمزة بعد الرَّاء وسين مُهْملَة، وَلَيْسَ لَهُ
فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَحَدِيث آخر فِي
الْحُدُود، وَفِيه زِيَادَة قَوْله: (وَتَزَوَّجنِي
بعْدهَا) أَي: بعد موت خَدِيجَة بِثَلَاث سِنِين. قَالَ
النَّوَوِيّ: أَرَادَت بذلك زمن دُخُولهَا عَلَيْهِ، وَأما
العقد فَتقدم على ذَلِك بِمدَّة سنة وَنصف. قَوْله: (أَو
جِبْرِيل) ، شكّ من الرَّاوِي.
8183 - حدَّثني عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ حدَّثنا
أبي حدَّثنا حَفْصٌ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ مَا غِرْتُ علَى أحَدٍ
مِنْ نِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
غِرْتُ علَى خدِيجَةَ وَمَا رأيْتُها ولَكِنْ كانَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا
ورُبَّما ذَبحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُها أعْضاءٍ ثُمَّ
يبْعَثُهَا فِي صدَائِقِ خدِيجَةَ فرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ
كأنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امرَأةٌ إلاَّ
خدِيجَةُ فيَقُولُ إنَّهَا كانَتْ وكانَتْ وكانَ لِي
مِنْها ولَدٌ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور أخرجه
عَن عمر بن مُحَمَّد بن حسن الْمَعْرُوف بِابْن التل،
بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد اللَّام
الْأَسدي الْكُوفِي، مَاتَ فِي شَوَّال سنة خمسين
وَمِائَتَيْنِ، يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد بن حسن بن الزبير
أبي جَعْفَر الْأَسدي الْكُوفِي هُوَ وَابْنه من أَفْرَاد
البُخَارِيّ، وَهُوَ يروي عَن حَفْص بن غياث النَّخعِيّ
الْكُوفِي قاضيها عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه
عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
وَهَذَا الْإِسْنَاد نَازل لِأَنَّهُ يروي عَن حَفْص بن
غياص بِوَاسِطَة شخص، وَهنا روى عَنهُ بِوَاسِطَة
اثْنَيْنِ، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ لعمر إلاَّ هَذَا
الحَدِيث، وَآخر فِي الزَّكَاة، وَقد مر، وَهُوَ من صغَار
شُيُوخه.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فضل خَدِيجَة أَيْضا عَن سهل
بن عُثْمَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن أبي
هِشَام الرِّفَاعِي.
قَوْله: (وَمَا رَأَيْتهَا) جملَة حَالية، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: (وَلم أدْركهَا) ، وَالْمعْنَى: مَا رَأَيْتهَا
عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا أدركتها
عِنْده، ورؤيتها إِيَّاهَا كَانَت مُمكنَة، وَكَذَلِكَ
إِدْرَاكهَا إِيَّاهَا لِأَنَّهَا كَانَت عِنْد موت
خَدِيجَة بنت سِتّ سِنِين، وَلَكِن نَفيهَا الرُّؤْيَة
والإدراك بالقيد الْمَذْكُور. قَوْله: (كَأَنَّهُ لم يكن)
، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (كَأَن لم يكن) ، بِحَذْف
الْهَاء. قَوْله: (أَنَّهَا كَانَت) ، أَي: أَن خَدِيجَة
كَانَت، وَكَانَت أَي: كَانَت فاضلة، وَكَانَت عاملة
وَكَانَت تقية وَنَحْوهَا ذَلِك، قَوْله: (وَكَانَ لي
مِنْهَا) أَي: من خَدِيجَة: (ولد) وَقد ذكرنَا أَن جَمِيع
أَوْلَاده من خَدِيجَة إلاَّ ابْنه إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ
من مَارِيَة الْقبْطِيَّة.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَفِي هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه
دلَالَة لحسن الْعَهْد وَحفظ الود ورعاية حُرْمَة الصاحب
والمعاشر حَيا وَمَيتًا، وإكرام معارف ذَلِك الصاحب.
307 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن
إِسْمَاعِيل قَالَ قلت لعبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله
عَنْهُمَا بشر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - خَدِيجَة قَالَ نعم بِبَيْت من قصب لَا صخب
فِيهِ وَلَا نصب) يحيى هُوَ الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل هُوَ
ابْن أبي خَالِد وَعبد الله بن أبي أوفى وَاسم أبي أوفى
عَلْقَمَة الْأَسْلَمِيّ لَهما صُحْبَة قَوْله بشر
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَدِيجَة
أَي هَل بشر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وأداة الِاسْتِفْهَام محذوفة قَوْله قَالَ نعم أَي
قَالَ عبد الله نعم بشرها بِبَيْت من قصب وَقد مضى فِي
أَبْوَاب الْعمرَة فِي بَاب مَتى يحل الْمُعْتَمِر فِي
رِوَايَة جرير عَن إِسْمَاعِيل أَنهم قَالُوا لعبد الله بن
أبي أوفى حَدثنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَة قَالَ قَالَ بشروا
خَدِيجَة بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا
نصب وَقد
(16/280)
مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ والقصب قد مر
تَفْسِيره والصخب بِالْمُهْمَلَةِ والمعجمة المفتوحتين
الصَّوْت الْمُخْتَلط الْمُرْتَفع وَالنّصب الْمَشَقَّة
والتعب وَذكر الصخب وَالنّصب أَيْضا من بَاب المشاكلة
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما
دَعَاهَا إِلَى الْإِيمَان أَجَابَتْهُ سَرِيعا وَلم تحوجه
إِلَى أَن يصخب كَمَا يصخب الرجل إِذا تعصت عَلَيْهِ
امْرَأَته وَلَا أَن ينصب بل أزالت عَنهُ كل نصب وآنسته من
كل وَحْشَة وهونت عَلَيْهِ كل مَكْرُوه وأزاحت بمالها كل
كدر وَنصب فوصف منزلهَا الَّذِي بشرت بِهِ بِالصّفةِ
الْمُقَابلَة لفعلها وَصُورَة حَالهَا -
0283 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قالَ حدَّثنا
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عنْ عُمَارَةَ عنْ أبِي زُرْعَةَ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أتَى
جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَ يَا
رسولَ الله هذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أتَتْ مَعَهَا إنَاءٌ
فِيهِ إدامٌ أَو طَعَامٌ أوْ شَرَابٌ فإذَا هِيَ أتَتْكَ
فاقْرَأ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي
وبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ
صَخَبَ فِيهِ ولاَ نَصَبَ. (الحَدِيث 0283 طرفه فِي: 7947)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث من مَرَاسِيل
الصَّحَابَة، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يدْرك خَدِيجَة
وَلَا أَيَّامهَا، وَعمارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن قعقاع، وَأَبُو زرْعَة بن عَمْرو
بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ اسْمه هرم، وَقيل: عبد
الله، وَقيل: غير ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن
زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي
بكر، وَأبي كريب وَابْن نمير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
المناقب عَن عَمْرو بن عَليّ.
قَوْله: (عَن أبي هُرَيْرَة) وَفِي رِوَايَة مُسلم: سَمِعت
أَبَا هُرَيْرَة. قَوْله: (أَتَى جِبْرِيل) وَعند
الطَّبَرَانِيّ أَن ذَلِك كَانَ وَهُوَ بحراء. قَوْله: (قد
أَتَت) وَفِي رِوَايَة مُسلم: قد أتتك، أَي: تَوَجَّهت
أليك، قَوْله: (فِيهِ إدام أَو طَعَام أَو شراب) شكّ من
الرَّاوِي، وَعند الطَّبَرَانِيّ أَنه كَانَ حَيْسًا.
قَوْله: (فَإِذا هِيَ أتتك) أَي: وصلت إِلَيْك. قَوْله:
(فاقرأ عَلَيْهَا السَّلَام) أَي: سلم عَلَيْهَا من رَبهَا
ومني. فَإِن قلت: كَيفَ ردَّتْ الْجَواب؟ قلت: بَين ذَلِك
الطَّبَرَانِيّ فِي رِوَايَته، فَقَالَت: هُوَ السَّلَام
وَمِنْه السَّلَام وعَلى جِبْرِيل السَّلَام. وللنسائي من
رِوَايَة أنس، قَالَ: قَالَ جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يقرىء خَدِيجَة السَّلَام،
يَعْنِي: فَأَخْبرهَا فَقَالَت: إِن الله هُوَ السَّلَام
وعَلى جِبْرِيل السَّلَام وَعَلَيْك يَا رَسُول الله
السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَفِي رِوَايَة
ابْن السّني زِيَادَة وَهِي قَوْلهَا: وعَلى من سمع
السَّلَام إلاَّ الشَّيْطَان. فَإِن قلت: فَلم مَا قَالَت:
وعَلى الله السَّلَام؟ كَمَا قَالَت: وعَلى جِبْرِيل
وَعَلَيْك يَا رَسُول الله؟ قلت: لِأَن الله هُوَ
السَّلَام، وَهُوَ إسم من أَسْمَائِهِ فَلَا يرد عَلَيْهِ
السَّلَام كَمَا يرد على المخلوقين، أَلا يرى أَن بعض
الصَّحَابَة لما قَالُوا فِي التَّشَهُّد: السَّلَام على
الله؟ نَهَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
ذَلِك، وَقَالَ: إِن الله هُوَ السَّلَام؟ فَقولُوا
التَّحِيَّات لله، وَلِأَن السَّلَام دُعَاء أَيْضا
بالسلامة فَلَا يصلح أَن يرد بِهِ على الله، فَفِيهِ
دلَالَة على صِحَة فهم خَدِيجَة وَقُوَّة إِدْرَاكهَا مثل
هَذَا. فَإِن قلت: لما ردَّتْ الْجَواب بِمَا ذكرنَا، هَل
كَانَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَاضرا؟
قلت: بلَى، كَانَ حَاضرا فَردَّتْ عَلَيْهِ وَردت على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مرَّتَيْنِ، ثمَّ أخرجت
الشَّيْطَان مِمَّن سمع لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الدُّعَاء
بذلك.
1283 - وقَالَ إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ قالَ أخبَرَنا
علِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشَام عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتِ اسْتأذَنَتْ هالَةُ
بِنْتُ خُوَيْلِد أخْتُ خَدِيجَةَ علَى رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ
فارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقالَ اللَّهُمَّ هَالة قالَتْ
فَغِرْتُ فقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ
عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي
الدَّهْرِ قَدْ أبْدَلَكَ الله خَيْرَاً مِنْهَا.
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة من حَيْثُ دلَالَته
على التَّزْوِيج بطرِيق اللُّزُوم. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
المُرَاد من التَّرْجَمَة لفظ: وفضلها، كَمَا تَقول:
أعجبني زيد وَكَرمه، وتريد أعجبني كرم زيد. قلت: على
قَوْله لَا يُوجد فِي الْبَاب للجزء الأول من التَّرْجَمَة
حَدِيث يطابقها.
وَإِسْمَاعِيل بن خَالِد أَبُو عبد الله الخزار الْكُوفِي،
روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقَالَ البُخَارِيّ:
جَاءَنَا نعيه سنة خمس
(16/281)
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (وَقَالَ
إِسْمَاعِيل) صورته صُورَة التَّعْلِيق فِي النّسخ كلهَا،
لَكِن الْحَافِظ الْمزي قَالَ: حَدِيث اسْتَأْذَنت هَالة
... وَذكر الحَدِيث، ثمَّ قَالَ حِينَئِذٍ فِي فضل
خَدِيجَة: عَن إِسْمَاعِيل بن خَلِيل، فَهَذِهِ الْعبارَة
تدل على أَنه روى عَنهُ، فتقتضي اتِّصَاله. وَأخرجه مُسلم
فِي الْفَضَائِل عَن سُوَيْد بن سعيد. وَأخرجه أَبُو
عوَانَة عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن إِسْمَاعِيل
الْمَذْكُور.
قَوْله: (اسْتَأْذَنت هَالة) ، بِالْهَاءِ وَتَخْفِيف
اللَّام، وَهِي أُخْت خَدِيجَة وكلتاهما بِنْتا خويلد بن
أَسد، وَكَانَت زوج الرّبيع بن عبد الْعُزَّى ابْن عبد شمس
وَالِد أبي الْعَاصِ زوج زَيْنَب بنت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَذكرت فِي الصَّحَابَة، وَقد هَاجَرت
إِلَى الْمَدِينَة لِأَن استيذانها كَانَ بِالْمَدِينَةِ.
قَوْله: (فَعرف اسْتِئْذَان خَدِيجَة) ، أَي: تذكر
استئذانها لشبه صَوتهَا بِصَوْت خَدِيجَة. قَوْله: (فارتاع
لذَلِك) من الروع أَي: فزع، وَلَكِن المُرَاد لَازمه
وَهُوَ التَّغَيُّر، ويروى: فارتاح، بِالْحَاء الْمُهْملَة
أَي: اهتز لذَلِك سُرُورًا قَوْله: (فَقَالَ: أللهم هَالة)
بِالنّصب تَقْدِيره: يَا الله إجعلها هَالة، فَتكون هَالة
مَنْصُوبًا على المفعولية، وَيجوز رَفعهَا على أَنه خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذِه هَالة، وروى المستغفري من
طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بِهَذَا السَّنَد.
قدم ابْن لِخَدِيجَة يُقَال لَهُ هَالة، فَسمع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قابلته كَلَام هَالة فانتبه
وَقَالَ: هَالة هَالة، ثمَّ قَالَ المستغفري: الصَّوَاب
هَالة أُخْت خَدِيجَة. قَوْله: (قَالَت) ، أَي: عَائِشَة
(فغرت) من الْغيرَة. (فَقلت: مَا تذكر من عَجُوز من
عَجَائِز قُرَيْش؟) أَرَادَت بِهِ خَدِيجَة. قَوْله:
(حَمْرَاء الشدقين) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء،
والشدق بِالْكَسْرِ جَانب الْفَم، أَرَادَت أَنَّهَا
عَجُوز كَبِيرَة جدا قد سَقَطت أسنانها من الْكبر وَلم
يبْق بشدها بَيَاض من الْأَسْنَان إِنَّمَا بقيت فِيهِ
حمرَة اللثات. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قيل: معنى حَمْرَاء
الشدقين بَيْضَاء الشدقين، وَالْعرب تطلق الْأَحْمَر على
الْأَبْيَض كَرَاهَة لاسم الْبيَاض لكَونه يشبه البرص،
وَفِيه نظر لَا يخفى، وَحكى ابْن التِّين أَنه رُوِيَ
بِالْجِيم وَالزَّاي وَلم يذكر لَهُ معنى، وَهُوَ
تَصْحِيف، قَالَه بَعضهم. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) :
روى كِلَاهُمَا وَلم يذكر الْمَعْنى أَيْضا. قَوْله: (خيرا
مِنْهَا) ، أَي: من خَدِيجَة، وَقَالَ ابْن التِّين: فِي
سكُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على هَذِه
الْمقَالة دَلِيل على أَفضَلِيَّة عَائِشَة على خَدِيجَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إلاَّ أَن يكون المُرَاد
بالخيرية هُنَا حسن الصُّورَة وَصغر السن، وَقَالَ
الطَّبَرِيّ وَغَيره: الْغيرَة تسَامح للنِّسَاء مَا يَقع
مِنْهُنَّ وَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِنَّ فِي تِلْكَ الْحَالة
لما جبلن عَلَيْهَا، وَلِهَذَا لم يزْجر، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَائِشَة عَن ذَلِك. قلت: فعلى هَذَا
سُكُوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمقَالة
الْمَذْكُورَة لَا يدل على أَفضَلِيَّة عَائِشَة على
خَدِيجَة، على أَنه جَاءَت رِوَايَة بِالرَّدِّ لهَذِهِ
الْمقَالة، وَهِي مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من
رُوَاة ابْن أبي نجيح عَن عَائِشَة، أَنَّهَا قَالَت: قد
أبدلك الله بكبيرة السن حَدِيثَة السن، فَغَضب حَتَّى قلت:
وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا أذكرها بعد هَذَا إلاَّ
بِخَير.
12 - (بابُ ذِكْرِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله البَجَليِّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر جرير بن عبد الله بن جَابر،
وَهُوَ الشليل، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وبلامين
بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف: ابْن مَالك بن نصر بن
ثَعْلَبَة بن جشم بن عَوْف البَجلِيّ، نِسْبَة إِلَى بجيلة
بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة أم ولد أَنْمَار بن أراش أحد
أجداد جرير، وكنيته أَبُو عَمْرو، نزل الْكُوفَة ثمَّ نزل
قرقيسيا وَبهَا مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين، وَكَانَ سيداً
مُطَاعًا مليحاً طوَالًا بديع الْجمال صَحِيح الْإِسْلَام
كَبِير الْقد، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على وَجهه
مسحة ملك. وَعَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:
إِنَّه يُوسُف هَذِه الْأمة، وَلما دخل على رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أكْرمه وَبسط لَهُ رِدَاءَهُ،
وَقَالَ: إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه. رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث قيس عَنهُ،
وَقَالَ أَبُو عمر: كَانَ إِسْلَامه فِي الْعَام الَّذِي
توفّي فِيهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ
جرير: أسلمت قبل موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ ثَبت فِي
(الصَّحِيح) : أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ لَهُ: استنصت النَّاس فِي حجَّة الْوَدَاع وَذَلِكَ
قبل مَوته بِأَكْثَرَ من ثَمَانِينَ يَوْمًا، قيل:
الصَّحِيح أَن إِسْلَامه كَانَ فِي سنة الْوُفُود سنة تسع
أَو سنة عشر.
2283 - حدَّثنا إسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ قالَ حدَّثنا خالِدٌ
عنْ بَيان عنْ قَيْسٍ قالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ
جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ مَا
حَجَبَنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ
أسْلَمْتُ ولاَ رآنِي إلاَّ ضَحِكَ. (انْظُر الحَدِيث 5303
وطرفه) .
(16/282)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ
ذكر جرير وإكرام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إِيَّاه، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ ابْن بشر
وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن عبد
الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ من
الصَّالِحين، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر، بِالْبَاء
الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة: الأحمسي الْمعلم، وَقيس هُوَ
ابْن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي،
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من لَا يثبت على
الْخَيل، بأتم مِنْهُ.
3283 - وعَنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ
كانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقالُ لَهُ ذُو
الخَلَصَةِ وكانَ يُقالُ لَهُ الكَعْبَةُ الْيَمانِيَّةُ
أوِ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فقالَ لِي رَسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَلْ أنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي
الخَلَصَةِ قالَ فنَفَرْتُ إلَيْهِ فِي خَمْسِينَ
وَمَائَةِ فارِسٍ مِنْ أحْمَسَ قالَ فكَسَرْنَاهُ
وقَتلْنَا مَنْ وجَدْنا عِنْدَهُ فأتَيْنَاهُ
فأخْبَرْنَاهُ فدَعَا لَنَا وَلأِحْمَسَ. .
فِيهِ أَيْضا ذكر جرير وَخَبره، وَفِيه الْمُطَابقَة
وَفِيه إكرام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ
حَيْثُ دَعَا لَهُ ولأحمس، وَهُوَ بالمهملتين اسْم
قَبيلَة، وَهُوَ أحمس بن غوث، وغوث هَذَا ابْن بجيلة بنت
مُصعب الْمَذْكُور آنِفا.
قَوْله: (وَعَن قيس) ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور، وَهُوَ قيس بن أبي حَازِم.
والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الْجِهَاد فِي: بَاب
الْبشَارَة فِي الْفتُوح، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ،
وَلَكِن نتكلم بِبَعْض شَيْء لطول الْعَهْد من هُنَاكَ
فَنَقُول.
قَوْله: (بَيت) وَكَانَ لخثعم وَكَانَ بِالْيمن وَكَانَ
فِيهِ صنم يدعى بالخلصة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
الْمَفْتُوحَة وباللام الْمَفْتُوحَة، وَحكى سكونها،
واليمانية بتَخْفِيف الْيَاء على الْأَصَح. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: فِيهِ إِشْكَال، إِذْ كَانُوا يسمونها
بِالْكَعْبَةِ اليمانية فَقَط، وَأما الْكَعْبَة الشامية
فَهِيَ الْكَعْبَة المكرمة الَّتِي بِمَكَّة، شرفها الله
تَعَالَى، وَفرقُوا بَينهمَا بِالْوَصْفِ للتمييز، فَلَا
بُد من تَأْوِيل اللَّفْظ بِأَن يُقَال: كَانَ يُقَال
لَهَا الْكَعْبَة اليمانية، وَالَّتِي بِمَكَّة الْكَعْبَة
الشامية، وَقد يرْوى بِدُونِ: الْوَاو، فَمَعْنَاه: كَانَ
يُقَال هَذَانِ اللفظان أَحدهمَا لموْضِع وَالْآخر لآخر،
وَقَالَ القَاضِي: ذكر الشامية غلط من الروَاة وَالصَّوَاب
حذفه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الضَّمِير فِي: لَهُ، رَاجع
إِلَى الْبَيْت، وَالْمرَاد بِهِ: بَيت للصنم، كَانَ
يُقَال لبيت الصَّنَم: الْكَعْبَة اليمانية، والكعبة
الشامية فَلَا غلط وَلَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل بالعدول
عَن الظَّاهِر. قَوْله: (مريحي) من الإراحة، بالراء
الْمُهْملَة.
22 - (بابُ ذكْرِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ العَبْسِيِّ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر حُذَيْفَة بن الْيَمَان،
واليمان لقب واسْمه: حسيل، وَقيل: حسل، وَإِنَّمَا قيل
لَهُ الْيَمَان لِأَنَّهُ حَالف اليمانية، وحسل بن جَابر
بن أَسد بن عَمْرو بن مَالك أَبُو عبد الله الْعَبْسِي
حَلِيف بني الْأَشْهَل صَاحب سر رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ ولأبيه صُحْبَة، قتل أَبوهُ يَوْم
أحد وَكَانَ حُذَيْفَة أَمِيرا على الْمَدَائِن،
اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَمَات بعد قتل عُثْمَان بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، سكن
الْكُوفَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: مَاتَ بِدِمَشْق، وَقد
ذكره البُخَارِيّ فِيمَا مضى فِي مَنَاقِب عمار
وَحُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:
(الْعَبْسِي) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى
عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان.
4283 - حدَّثني إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ قالَ أخبرَنَا
سلَمَةُ بنُ رَجَاءٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ
عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمَّا
كانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ هَزِيمَةً
بَيِّنَةٍ فَصاحَ إبْلِيسُ أيْ عَبَادَ الله أُخْرَاكُمْ
فرَجَعَتْ أُوُلاهُمْ علَى أُخْرَاهُمْ فاجْتَلَدَتْ
أُخْرَاهُمْ فنَظَر حُذَيْفَةُ فإذَا هُوَ بأبِيهِ فَنَادى
أيْ عِبَادَ الله أبي أبي فَقالَتْ فَوَالله مَا
احْتَجَزُوا حتَّى قَتلُوهُ فقالَ حُذَيْفَةُ غَفَرَ الله
لَكُمْ قَالَ أبِي فَوَالله مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ
مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حتَّى لَقِيَ الله عَزَّ وجَلَّ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن خَلِيل
عَن قريب مضى، وَسَلَمَة بن رَجَاء، بِفَتْح اللَّام:
أَبُو عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي، والْحَدِيث
(16/283)
من أَفْرَاده.
قَوْله: (هزم) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَيِّنَة)
أَي: ظَاهِرَة. قَوْله: (أخراكم) أَي: اقْتُلُوا اخراكم
أَو انصروا أخراكم، قَالَ ذَلِك إِبْلِيس تغليطاً
وتلبيساً، وَالْخطاب للْمُسلمين أَو للْمُشْرِكين.
(فاجتلدت) يُقَال: تجالد الْقَوْم بِالسُّيُوفِ،
وَكَذَلِكَ: اجتلدوا. قَوْله: (أبي أبي) بالتكرار،
يَعْنِي: هَذَا أبي، يحذر الْمُسلمين عَن قَتله وَلم
يسمعوه فَقَتَلُوهُ يَظُنُّونَهُ من الْمُشْركين وَلَا
يَدْرُونَ، فَتصدق حُذَيْفَة بديته على من أَصَابَهُ.
قَوْله: (فَقَالَت) أَي: عَائِشَة. قَوْله: (مَا احتجزوا)
أَي: مَا انفصلوا من الْقِتَال وَمَا امْتنع بَعضهم من بعض
(حَتَّى قَتَلُوهُ) أَي: أَبَا حُذَيْفَة قَوْله: (قَالَ)
، أَي: هِشَام بن عُرْوَة، (قَالَ: أبي) أَي: عُرْوَة،
وَفصل هَذَا من حَدِيث عَائِشَة فَصَارَ مُرْسلا. قَوْله:
(مِنْهَا) أَي: من هَذِه الْكَلِمَة أَي بِسَبَبِهَا وَهِي
قَول حُذَيْفَة: غفر الله لكم. قَوْله: (بَقِيَّة خير
حَتَّى لَقِي الله عز وَجل) ، يُؤْخَذ مِنْهُ أَن فعل
الْخَيْر تعود بركته على صَاحبه فِي طول حَيَاته، وَهَذَا
الْبَاب وَالَّذِي قبله وَقعا فِي بعض النّسخ قبل: بَاب
تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
32 - (بابُ ذِكْرِ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر هِنْد يجوز فِيهِ الصّرْف
وَمنعه بنت عتبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن ربيعَة ابْن عبد شمس وَهِي
وَالِدَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قتل أَبوهَا ببدر
كَمَا سَيَأْتِي وَشهِدت هِيَ مَعَ زَوجهَا أبي سُفْيَان
أحدا وحرضت على قتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه قتل عَمها
شيبَة، فَقتله وَحشِي بن حَرْب، ثمَّ أسلمت هِنْد يَوْم
الْفَتْح وَكَانَت من عقلاء النِّسَاء وَكَانَت قبل أبي
سُفْيَان عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي،
ثمَّ طَلقهَا فِي قصَّة جرت، ثمَّ تزَوجهَا أَبُو سُفْيَان
فأنجبت عِنْده، وَمَاتَتْ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
5283 - وقالَ عَبْدَانُ أخبرَنَا عبْدُ الله أخبرَنا
يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالتْ جاءَتْ هِنْدُ بنْتُ
عُتْبَةَ قالَتْ يَا رَسُول الله مَا كانَ على ظَهْرِ
الأرْضِ مِنْ أهْلِ خِبَاءٍ أحَبُّ إلَيَّ أنْ يَذِلُّوا
منْ أهْلِ خِبَائِكَ ثُمَّ مَا أصْبَحَ اليَوْمَ علَى
ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يعِزُّو
مَنْ أهْلِ خِبائِكَ قالَتْ وَأَيْضًا والَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ قالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ أبَا سُفْيانَ
رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهلْ علَيَّ حَرَجٌ أنْ أُطْعِمَ مِنَ
الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا قالَ لَا أُرَاهُ إلاَّ
بالمَعْرُوفِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ ذكر هِنْد،
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَقد مر غير
مرّة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النَّفَقَات عَن
مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن
يحيى بن بكير، وَأخرجه هُنَا مُعَلّقا وَكَلَام أبي نعيم
فِي (الْمُسْتَخْرج) يَقْتَضِي أَن البُخَارِيّ أخرجه
مَوْصُولا وَوَصله الْبَيْهَقِيّ عَن عَبْدَانِ.
قَوْله: (خباء) ، هِيَ الْخَيْمَة الَّتِي من الْوَبر أَو
الصُّوف على عمودين أَو ثَلَاثَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
يحْتَمل أَن تُرِيدُ بِهِ نَفسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكنت عَنهُ بذلك إجلالاً لَهُ، وَأهل بَيته، والخباء يعبر
بِهِ عَن مسكن الرجل وداره. قَوْله: (قَالَت: وَأَيْضًا
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) ، هَذَا جَوَاب لهِنْد
بِتَصْدِيق مَا ذكرته يَعْنِي: وَأَنا أَيْضا
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك مثل ذَلِك، وَقيل: مَعْنَاهُ
وَأَيْضًا ستزيدين فِي ذَلِك ويتمكن الْإِيمَان فِي قَلْبك
فيزيد حبك لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويقوى
رجوعك عَن غَضَبه، وَهَذَا الْمَعْنى أولى وأوجه من الأول،
بَيَان ذَلِك من جِهَة طرف الْحبّ والبغض، فقد كَانَ فِي
الْمُشْركين من هُوَ أَشد أَذَى للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من هِنْد وَأَهْلهَا، وَكَانَ فِي
الْمُسلمين بعد أَن أسلمت من هُوَ أحب إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا وَمن أَهلهَا، فَلَا يُمكن
حمل الْخَبَر على ظَاهره فيفسر بِمَا ذَكرْنَاهُ أَولا.
قَوْله: (قَالَت: يَا رَسُول الله!) أَي: قَالَت هِنْد:
يَا رَسُول الله (إِن أَبَا سُفْيَان) تَعْنِي زَوجهَا
وَالِد مُعَاوِيَة. (رجل مسيك) بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد
السِّين الْمُهْملَة، وَهِي صِيغَة مُبَالغَة أَي: بخيل
جدا شحيح. قَوْله: (هَل عَليّ؟) ، بتَشْديد الْيَاء
اسْتِفْهَام على سَبِيل الاستعلام، أَي: هَل عَليّ حرج أَو
إِثْم (أَن أطْعم) أَي: بِأَن أطْعم من الْإِطْعَام؟
قَوْله: (من الَّذِي لَهُ) أَي: من المَال الَّذِي لأبي
سُفْيَان قَوْله: (عيالنا) بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول:
أطْعم، بِضَم الْهمزَة. قَوْله: (قَالَ: لَا) أَي: قَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أرى ذَلِك، أَي:
الْإِطْعَام. (إلاَّ بِالْمَعْرُوفِ) أَي: بِقدر الْحَاجة
(16/284)
والضرورة دون الزِّيَادَة عَلَيْهَا.
وَفِيه: وجوب النَّفَقَة للأولاد الصغار الْفُقَرَاء،
وَمِنْهُم من احْتج بِهِ على جَوَاز الحكم للْغَائِب، ورد
ذَلِك بِأَن هَذَا كَانَ إِفْتَاء لَا حكما.
42 - (بابُ حَدِيثِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَدِيث زيد بن عَمْرو بن
نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن قرط بن
رزاح بن عدي بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر الْعَدوي،
وَهُوَ وَالِد سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة المبشرة، وَابْن
عَم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن عمر
هُوَ ابْن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى وَعَمْرو
الَّذِي هُوَ وَالِد زيد أَخُو خطاب وَالِد عمر بن
الْخطاب، فَيكون زيد هَذَا ابْن عَم عمر بن الْخطاب،
وَكَانَ زيد هَذَا مِمَّن طلب التَّوْحِيد، وخلع
الْأَوْثَان وجانب الشّرك وَلكنه مَاتَ قبل مبعث النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: مَاتَ
وقريش تبني الْكَعْبَة قبل نزُول الْوَحْي على رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخمْس سِنِين، وَعَن
زَكَرِيَّا السَّعْدِيّ: أَنه لما مَاتَ دفن بِأَصْل حراء،
وَعند ابْن إِسْحَاق: أَنه لما توَسط بِلَاد لحم عدوا
عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَعند الزبير: بلغنَا أَن زيدا
كَانَ بِالشَّام فَلَمَّا بلغه خُرُوج سيدنَا رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقبل يُريدهُ فَقتله أهل ميفعة.
وَقَالَ الْبكْرِيّ، وَهِي قَرْيَة من أَرض البلقاء
بِالشَّام، وَيُقَال: كَانَ زيد سكن حراء وَكَانَ يدْخل
مَكَّة سرَّاً ثمَّ سَار إِلَى الشَّام يسْأَل عَن الدّين
فَسَمتْهُ النَّصَارَى فَمَاتَ. فَإِن قلت: مَا حكمه من
جِهَة الدّين؟ قلت: ذكره الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد
الصَّحَابَة) وَقَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يبْعَث أمة وَحده، وَعَن جَابر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أَنه كَانَ
يسْتَقْبل الْقبْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَيَقُول: إل هِي
إل هـ إِبْرَاهِيم وديني دين إِبْرَاهِيم وَيسْجد، فَقَالَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْشر ذَاك أمه
وَحده بيني وَبَين عِيسَى ابْن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا
السَّلَام، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وروى مُحَمَّد بن سعد
من حَدِيث عَامر بن ربيعَة حَلِيف بني عدي بن كَعْب،
قَالَ: قَالَ لي زيد بن عَمْرو: إِنِّي خَالَفت قومِي
وَاتَّبَعت مِلَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، وَمَا
كَانَا يعبدان، وَإِن كَانَا يصليان إِلَى هَذِه الْقبْلَة
وَأَنا أنْتَظر نَبيا من بني إِسْمَاعِيل يبْعَث، وَلَا
أَرَانِي أدْركهُ وَأَنا أومن بِهِ وأصدقه وَأشْهد أَنه
نَبِي، وَإِن طَالَتْ بك حَيَاة فأقرئه مني السَّلَام.
قَالَ عَامر فَلَمَّا أسلمت أعلمت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِخَبَرِهِ، قَالَ: فَرد عَلَيْهِ
السَّلَام، وترحم عَلَيْهِ، وَقَالَ: لقد رَأَيْته فِي
الْجنَّة يسحب ذيولاً، وروى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ
من حَدِيث سعيد بن زيد، وَفِيه قَالَ: سَأَلت أَنا وَعمر،
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن زيد، فَقَالَ:
غفر الله لَهُ، ورحمه. فَإِنَّهُ مَاتَ على دين
إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقَالَ
الباغندي عَن أبي سعيد الْأَشَج عَن أبي مُعَاوِيَة عَن
هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (دخلت الْجنَّة فَرَأَيْت لزيد بن عَمْرو بن نفَيْل
دوحتين) ، وَقَالَ ابْن كثير: وَهَذَا إِسْنَاد جيد
وَلَيْسَ فِي شَيْء من الْكتب. فَإِن قلت: لم ذكر
البُخَارِيّ هَذَا الْبَاب فِي كِتَابه؟ قلت: أَشَارَ بِهِ
إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيه قبل أَن
يبْعَث، وَذكر فِي شَأْنه مَا ذكره حَتَّى إِن الذَّهَبِيّ
وَغَيره ذَكرُوهُ فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ صَاحب
(التَّوْضِيح) ميل البُخَارِيّ إِلَيْهِ، قلت: فَلذَلِك
ذكره بَين ذكر الصَّحَابَة.
6283 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ حدَّثنا
فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثنا مُوساى حدَّثنا سالِمُ
بنُ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ بأسْفَلِ بلْدَحَ
قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فقُدَّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سُفْرَةٌ فأبَى أنْ يأكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ
زَيْدٌ إنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تذْبَحُونَ علَى
أنْصَابِكُمْ ولاَ آكُلُ إِلاَّ مَا ذُكِرَ اسْمُ الله
علَيْهِ وأنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرٍ وكانَ يَعِيبُ علَى
قُرَيْشٍ ذَبائِحَهُمْ ويَقُولُ الشَّاةُ خَلَقَهَا الله
وأنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّماءِ المَاءَ وأنْبَتَ لَهَا
مِنَ الأرْضِ ثُمَّ تَذْبَحُونَها علَى غيْرِ اسْمِ الله
إنْكَارَاً لِذَلِكَ وإعْظَاماً لَهُ. (الحَدِيث 6283 طرفه
فِي: 9945) .
(16/285)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ
حَدِيث زيد الْمَذْكُور. وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عَليّ بن
عَطاء بن مقدم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي
الْبَصْرِيّ، يروي عَن فُضَيْل بن سُلَيْمَان النميري
الْبَصْرِيّ، يروي عَن مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش
الْأَسدي الْمَدِينِيّ عَن سَالم بن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب عَن أَبِيه عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن
مُعلى بن أَسد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن
أَحْمد بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (يلدح) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
اللَّام وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره حاء
مُهْملَة، قَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ مَوضِع فِي ديار بني
فَزَارَة، وَهُوَ وَاد فِي طَرِيق التَّنْعِيم إِلَى
مَكَّة. قَوْله: (فَقدمت) على صِيغَة الْمَجْهُول: قَوْله:
(سفرة) قَالَ ابْن الْأَثِير: السفرة طَعَام يَتَّخِذهُ
الْمُسَافِر وَأكْثر مَا يحمل فِي جلد مستدير فَنقل اسْم
الطَّعَام إِلَى الْجلد وَسمي بِهِ، كَمَا سميت المزادة
راوية، وَغير ذَلِك من الْأَسْمَاء المنقولة. قَوْله:
(فَأبى) أَي: أَبى زيد، أَي: امْتنع أَن يَأْكُل مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن بطال: كَانَت السفرة لقريش فقدموها للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأبى أَن يَأْكُل مِنْهَا،
فَقَدمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لزيد بن
عَمْرو فَأبى أَن يَأْكُل مِنْهَا. وَقَالَ مُخَاطبا لقريش
الَّذين قدموها أَولا: إِنَّا لَا نَأْكُل كل مَا ذبح على
أنصابكم. انْتهى. والأنصاب جمع النصب، قَالَ الْكرْمَانِي:
وَهُوَ مَا نصب فعبد من دون الله، عز وَجل. قلت: هِيَ
أَحْجَار كَانَت حول الْكَعْبَة يذبحون عَلَيْهَا للأصنام.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَل أكل رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا؟ قلت: جعله فِي سفرة رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدل على أَنه كَانَ
يَأْكُلهُ، وَكم شَيْء يوضع فِي سفرة الْمُسَافِر مِمَّا
لَا يَأْكُلهُ هُوَ بل يَأْكُل مَن مَعَه، وَإِنَّمَا لم
ينْه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَعَه عَن أكله
لِأَنَّهُ لم يُوح إِلَيْهِ إِذْ ذَاك وَلم يُؤمر بتبليغ
شَيْء تَحْرِيمًا وتحليلاً حِينَئِذٍ. انْتهى. قلت: لَو
اطلع الْكرْمَانِي على كَلَام الْقَوْم لما احْتَاجَ إِلَى
هَذَا السُّؤَال، وَالْجَوَاب، وَقد ذكرنَا الْآن عَن ابْن
بطال مَا يُغني عَن ذَلِك. وَقَوله أَيْضا: فِي سفرة
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غير صَحِيح، لِأَن
السفرة كَانَت لقريش كَمَا مر الْآن، وَقَالَ السُّهيْلي:
إِن قلت: كَيفَ وفْق زيد إِلَى ترك أكل ذَلِك وَسَيِّدنَا
أولى بالفضيلة فِي الْجَاهِلِيَّة لما ثَبت من عصمته؟ قلت:
عَنهُ جوابان: أَحدهمَا: أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل مِنْهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ:
أَن زيدا لما قدمت إِلَيْهِ أَبى. ثَانِيهمَا: أَن زيدا
إِنَّمَا فعل ذَلِك بِرَأْي رَآهُ لَا بشرع مُتَقَدم،
وَإِنَّمَا تقدم شرع إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام،
بِتَحْرِيم الْميتَة لَا بِتَحْرِيم مَا ذبح لغير الله،
وَإِنَّمَا نزل تَحْرِيم ذَلِك فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ
الْخطابِيّ: امْتنَاع زيد من أكل مَا فِي السفرة إِنَّمَا
هُوَ من أجل خَوفه أَن يكون اللَّحْم الَّذِي فيهمَا
مِمَّا ذبح على الأنصاب، وَقد كَانَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا لَا يَأْكُل من ذَبَائِحهم الَّتِي
كَانُوا يذبحونها لأصنامهم، فَأَما ذَبَائِحهم لمأكلهم
فَلم نجد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ يتنزه عَنْهَا، وَقد
كَانَ بَين ظهرانيهم مُقيما، وَلم يذكر أَنه كَانَ
يتَمَيَّز عَنْهُم إلاَّ فِي أكل الْميتَة، لِأَن قُريْشًا
كَانُوا يتنزهون أَيْضا فِي الْجَاهِلِيَّة عَن الْميتَة
مَعَ أَنه أَبَاحَ الله لنا طَعَام أهل الْكتاب
وَالنَّصَارَى يذبحون ويشركون فِي ذَلِك الله تَعَالَى.
قَوْله: (وَإِن كَانَ زيد بن عَمْرو) هُوَ مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله: (كَانَ يعيب) بِفَتْح
الْيَاء. قَوْله: (إنكاراً) ، نصب على التَّعْلِيل
(وإعظاماً) عطف عَلَيْهِ.
7283 - قَالَ مُوساى حدَّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله ولاَ
أعْلَمُهُ إلاَّ يُحَدِّثُ بِهِ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ
زَيْدَ بنَ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلَى الشَّامِ
يَسأَلُ عنِ الدِّينِ ويَتَّبِعُهُ فلَقِيَ عالِمَاً مِنَ
اليَهُودِ فسألَهُ عنْ دِينِهِمْ فقالَ إنِّي لعَلِّي أنْ
أدِينَ دِينَكُمْ فأخْبرني فقالَ لاَ تَكُونُ علَى
دِينِنَا حتَّى تأخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ الله قَالَ
زَيْدٌ مَا أفِرُّ إلاَّ مِنْ غَضَبِ الله ولاَ أحْمِلُ
مِنْ غَضَبِ الله شَيْئَاً أبَدَاً وأنَا أسْتَطِيعُهُ
فَهَلْ تَدُلُّنِي علَى غَيْرِهِ قَالَ مَا أعْلَمُهُ
إلاَّ أنْ يَكُونَ حَنِيفاً قَالَ زَيْدٌ وَمَا
(16/286)
الحَنِيفُ قَالَ دِينُ إبْرَاهِيمَ لَمْ
يَكُنْ يَهُودِيَّاً ولاَ نَصْرَانِيَّاً ولاَ يَعْبُدُ
إلاَّ الله فخَرَجَ زَيْدٌ فلَقِيَ عالِمَاً مِنَ
النَّصارى فذَكَرَ مثْلَهُ فقالَ لَنْ تَكُونَ علَى
دينِنَا حَتَّى تأخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ الله
قَالَ مَا أفِرُّ إلاَّ مِنْ لَعْنَةِ الله ولاَ أحْمِلُ
مِنْ لَعْنَةِ الله وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئاً أبَدَاً
وأنَا أسْتَطِيعُ فَهَلْ تَدُلُّنِي علَى غَيْرِهِ قالَ
مَا أعْلَمُهُ إلاَّ أنْ يَكُونَ حَنِيفاً قَالَ وَمَا
الحَنِيفُ؟ قالَ دِينُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ
يَهُودِيَّاً ولاَ نَصْرَانِيَّاً ولاَ يَعْبُدُ إلاَّ
الله فلَمَّا رأى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إبرَاهِيمَ
علَيْهِ السَّلامُ خَرَجَ فلَمَّا برَزَ رفَعَ يَدَيْهِ
فَقالَ اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ أنِّي علَى دِينِ
إبْرَاهِيمَ.
مُوسَى هُوَ ابْن عقبَة الْمَذْكُور الَّذِي روى عَن
سَالم، وَظَاهره التَّعْلِيق، وَلِهَذَا قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: مَا أَدْرِي هَذِه الْقِصَّة
الثَّانِيَة من رِوَايَة الفضيل عَن مُوسَى أم لَا. وَقيل:
هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَفِيه نظر لَا
يخفى.
قَوْله: (ويتبعه) بِالتَّشْدِيدِ من الِاتِّبَاع، ويروى
عَن الْكشميهني: يبتغيه من الابتغاء بالغين الْمُعْجَمَة،
وَهُوَ الطّلب. قَوْله: (لعلِّي) كلمة: لَعَلَّ، للترجي
تنصب الإسم وترفع الْخَبَر وَاسْمهَا هُنَا: يَاء
الْمُتَكَلّم وخبرها. قَوْله: (أَن أدين) قَوْله:
(فَأَخْبرنِي) أَي: عَن حَال دينكُمْ وكيفيته. قَوْله: (من
غضب الله) المُرَاد من غضب الله هُوَ إِيصَال الْعَذَاب.
قَوْله: (فَذكر مثله) أَي: مثل مَا ذكر لعالم الْيَهُود،
قَوْله: (من لعنة الله) المُرَاد من اللَّعْنَة إبعاد الله
عَبده من رَحمته وطرده عَن بَابه، لِأَن اللَّعْنَة فِي
اللُّغَة الطَّرْد، وَإِنَّمَا خص الْغَضَب باليهود
واللعنة بالنصارى لِأَن الْغَضَب أردى من اللَّعْنَة،
فَكَانَ الْيَهُود أَحَق بِهِ لأَنهم أَشد عَدَاوَة لأهل
الْحق. قَوْله: (وَأَنا أَسْتَطِيع) أَي: وَالْحَال أَن لي
قدرَة على عدم حمل ذَلِك. قَوْله: (فَلَمَّا برز) ، أَي:
لما ظهر خَارِجا عَن أَرضهم. قَوْله: (إِنِّي أشهدك)
بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: (أَنِّي على دين إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ السَّلَام) بِفَتْح الْهمزَة. وَفِي حَدِيث سعد
بن زيد: فَانْطَلق زيد وَهُوَ يَقُول: لبيْك حَقًا حَقًا،
تعبداً وَرقا، ثمَّ يخر فَيسْجد لله عز وَجل.
8283 - وقَالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إلَيَّ هِشَامٌ عنْ أبِيهِ
عنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قالَتْ رأيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ
قائِمَاً مُسْنِدَاً ظَهْرَهُ إلَى الكَعْبَةِ يقُولُ يَا
مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَالله مَا مِنْكُمْ على دِينِ
إبْرَاهِيمَ غَيْرِي وكانَ يُحْيى المَوؤُدَةَ يقُولُ
لِلرَّجُلِ إذَا أرَادَ أنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لاَ
تَقْتُلْهَا أنَا أكْفِيكَها مَؤُنَتها فيَأخُذُها فإذَا
تَرَعْرَعَتْ قالَ لأبِيهَا إنْ شِئْتَ دَفَعْتُها إلَيْكَ
وإنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَؤُونَتها.
أَي: قَالَ اللَّيْث بن سعد: كتب إِلَيّ هِشَام بن عُرْوَة
عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله
أَبُو بكر بن أبي دَاوُد عَن عِيسَى بن حَمَّاد
الْمَعْرُوف بزغبة عَن اللَّيْث ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن الْحُسَيْن بن
مَنْصُور بن جَعْفَر عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام بن
عُرْوَة.
قَوْله: (مَا مِنْكُم على دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ
السَّلَام غَيْرِي) وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة كَانَ
يَقُول: إل هِي إل هـ إِبْرَاهِيم وديني دين إِبْرَاهِيم،
وَرِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد: وَكَانَ قد ترك عبَادَة
الْأَوْثَان وَترك أكل مَا يذبح على النصب، وَفِي رِوَايَة
ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ يَقُول: أللهم لَو أعلم أحب
الْوُجُود إِلَيْك لعبدتك بِهِ، وَلَكِن لَا أعلمهُ ثمَّ
يسْجد على راحتيه. قَوْله: (وَكَانَ يحيي الموؤدة)
الْإِحْيَاء هُنَا مجَاز عَن الْإِبْقَاء، وَهُوَ على وزن
مفعولة من الوأد وَهُوَ الْقَتْل، كَانَ إِذا ولد لأَحَدهم
فِي الْجَاهِلِيَّة بنت دَفنهَا فِي التُّرَاب وَهِي
حَيَّة، يُقَال: وأدها يئدها وأداً فَهِيَ موؤدة، وَهِي
الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز،
وَفِي الحَدِيث: الوئيد فِي الْجنَّة، أَي: الموؤدة، فعيل
بِمَعْنى مفعول، وَزعم بعض الْعَرَب: أَنهم كَانُوا
يَفْعَلُونَ ذَلِك غيرَة على الْبَنَات، وَقَول الله عز
وَجل هُوَ الْحق: وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم من إملاق أَي:
خشيَة إملاق، أَي: فقر وَقلة، وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره
أَنهم كَانُوا يئدون من الْبَنَات من كَانَت مِنْهُنَّ
زرقاء أَو هرشاء أَو شيماء أَو كشحاء تشاؤماً مِنْهُم
بِهَذِهِ الصِّفَات. قلت: هرشاء من التهريش وَهُوَ مقاتلة
الْكلاب، والشيماء من التشاؤم، والكشحاء من الكشاحة وَهُوَ
إِضْمَار الْعَدَاوَة. قَوْله: (أَنا أكفيكها مؤونتها)
كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:
أَنا أكفيك مؤنتها. قَوْله: (فَإِذا ترعرعت) ، براءين
وعينين مهملتين أولاهما مَفْتُوحَة أَي: تحركت ونشأت.
52 - (بابُ بُنْيَانِ الكَعْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بُنيان الْكَعْبَة على يَد
قُرَيْش فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل
بعثته. وَذكر ابْن إِسْحَاق وَغَيره: إِن قُريْشًا لما بنت
الْكَعْبَة كَانَ عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
خمْسا وَعشْرين سنة، وروى إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه من
(16/287)
طَرِيق خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة بِنَاء إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الْبَيْت، قَالَ: فَمر
عَلَيْهِ الدَّهْر فانهدم، فبنته العمالقة فَمر عَلَيْهِ
الدَّهْر فانهدم، فبنته جرهم فَمر عَلَيْهِ الدَّهْر
فانهدم، فبنته قُرَيْش وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يَوْمئِذٍ شَاب، فَلَمَّا أَرَادوا أَن يضعوا
الْحجر الْأسود اخْتَصَمُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يحكم
بَيْننَا أول من يخرج من هَذِه السِّكَّة، فَكَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أول من خرج مِنْهَا،
فَحكم بَينهم أَن يَجْعَلُوهُ فِي ثوب ثمَّ يرفعهُ من كل
قَبيلَة رجل، وَذكر أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي
الحَدِيث: أَنهم قَالُوا: نحكم أول من يدْخل من بَاب بني
شيبَة، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أول من
دخل مِنْهُ، فأخبروه فَأمر بِثَوْب فَوضع الْحجر فِي
وَسطه، وَأمر كل فخان يَأْخُذ بطَائفَة من الثَّوْب
فَرَفَعُوهُ، ثمَّ أَخذه فَوَضعه بِيَدِهِ. وَذكر الفاكهي:
أَن الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِم أَن يحكموا أول دَاخل أَبُو
أُميَّة بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي أَخُو الْوَلِيد.
وَاخْتلفُوا فِي أول من بنى الْكَعْبَة، فَقيل: أول من
بناها الْمَلَائِكَة ليطوفوا خوفًا من الله حِين قَالُوا:
{أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} (الْبَقَرَة: 03) .
الْآيَة، وَقيل: أول من بناها آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، ذكره ابْن إِسْحَاق، وَقيل: أول من بناها
شِيث، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ فِي عهد
آدم الْبَيْت الْمَعْمُور فَرفع، وَقيل: رفع وَقت الطوفان،
وَقيل: كَانَت تِسْعَة أَذْرع من عهد إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يكن لَهَا سقف، وَلما بناها
قُرَيْش قبل الْإِسْلَام زادوا فِيهَا تِسْعَة أَذْرع
فَكَانَت ثَمَان عشرَة ذِرَاعا، وَرفعُوا بَابهَا من
الأَرْض لَا يصعد إِلَيْهَا إِلَّا بدرج أَو سلم، وَذَلِكَ
حِين سرق دويك مولى بني مليح مَال الْكَعْبَة، وَأول من
عمل لَهَا غلقان تبع، ثمَّ لما بناها ابْن الزبير زَاد
فِيهَا تِسْعَة أَذْرع أُخْرَى فَكَانَت سبعا وَعشْرين
ذِرَاعا، وعَلى ذَلِك هِيَ إِلَى الْآن.
9283 - حدَّثني مَحْمُودٌ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
قَالَ أخبَرَني ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبرَنِي عَمْرُو بنُ
دِينارٍ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ
ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعبَّاسٌ
يَنْقُلانِ الحِجَارَةَ فَقَالَ عَبَّاسٌ للنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إجْعَلْ إزَارَكَ علَى رَقَبَتِكَ
يَقِيكَ مِنَ الحِجَارَةِ فَخَرَّ إِلَى الأرْضِ وطَمَحَتْ
عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ أفَاقَ فَقَالَ إزَارِي
إزَارِي فَشَدَّ عَلَيْهِ إزَارَهُ. (انْظُر الحَدِيث 463
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لما بنيت
الْكَعْبَة) وَمن قَوْله: (ينقلان الْحِجَارَة) لِأَن
نقلهَا كَانَ للْبِنَاء. ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة مضى فِي كتاب الْحَج
فِي: بَاب فضل مَكَّة وبنيانها، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج
... إِلَخ نَحوه.
قَوْله: (لما بنيت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: لما
بناها قُرَيْش فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (يقيك) ، أَي: يحفظك من الْوِقَايَة. قَوْله:
(فَخر) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَفعل مَا قَالَه عَبَّاس
فَخر، أَي: فَسقط إِلَى الأَرْض، وَفِي حَدِيث أبي
الطُّفَيْل الَّذِي تقدم فِي الْحَج: فَبَيْنَمَا رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْقل الْحِجَارَة مَعَهم
إِذْ انكشفت عَوْرَته، فَنُوديَ: يَا مُحَمَّد غطِّ عورتك،
فَذَلِك أول مَا نُودي فَمَا رؤيت لَهُ عَورَة بعد وَلَا
قبل. قَوْله: (طمحت عَيناهُ) أَي: ارْتَفَعت. قَوْله:
(إزَارِي إزَارِي) ، هَكَذَا هُوَ مُكَرر أَي: ناولوني
إزَارِي.
0383 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ وعُبَيْدِ الله بنِ أبِي
يَزِيدَ قالاَ لَمْ يَكُنْ علَى عَهْدِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَوْلَ البَيْتِ حائِطٌ كانُوا يُصَلُّونَ
حَوْلَ البَيْتِ حَتَّى كانَ عُمَرُ فبَنَى حَوْلَهُ
حائِطَاً قَالَ عُبَيْدُ الله جدْرُهُ قَصِيرٌ فبَنَاهُ
ابنُ الزُّبَيْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (فَبنى حوله
حَائِطا) الخ. وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل
السدُوسِي، وَعبيد الله بن أبي يزِيد من الزِّيَادَة مولى
أهل الْكُوفَة الْمَكِّيّ، وَهُوَ عَمْرو بن دِينَار
تابعيان لم يدركا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَهُوَ من بَاب الْإِرْسَال
(16/288)
وَقيل: مُنْقَطع. قَوْله: (على عهد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: على زَمَنه.
قَوْله: (حَتَّى كَانَ عمر) أَي: زمَان خِلَافَته، وَهُوَ
أَيْضا مُنْقَطع لِأَنَّهُمَا لم يدركا عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا. قَوْله: (جدره) ، بِفَتْح الْجِيم
أَي: جِدَاره وَهُوَ مُبْتَدأ. وَقَوله: (قصير) خَبره
وَالْجُمْلَة صفة لقَوْله: (حَائِطا) وَأغْرب الْكرْمَانِي
بقوله: جدره، بِفَتْح الْجِيم بِلَفْظ الْمُفْرد
مَنْصُوبًا، وقصيراً حَال أَي: بنى عمر جدره قَصِيرا،
وَالَّذِي قُلْنَا أوجه. قَوْله: (فبناه ابْن الزبير) ،
أَي: بنى الْبَيْت عبد الله بن الزبير مرتفعاً طَويلا،
وَهَذَا الْمِقْدَار من الحَدِيث مَوْصُول، وَقد مضى عَن
قريب طول الْبَيْت وَكَيف كَانَ أَولا.
62 - (بابُ أيَّامِ الجاهِلِيَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَيَّام الْجَاهِلِيَّة وَهِي
الْأَيَّام الَّتِي كَانَت قبل الْإِسْلَام، قَالَ بَعضهم:
أَي مَا كَانَ بَين مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والمبعث، وَفِيه نظر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَيَّام
الْجَاهِلِيَّة هِيَ مُدَّة الْفطْرَة الَّتِي كَانَت بَين
عِيسَى وَرَسُول الله، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَسميت بهَا لِكَثْرَة جهالاتهم. قلت: هَذَا هُوَ
الصَّوَاب.
1383 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ هِشَامٌ
حدَّثني أبِي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا
قالَتْ كانَ عَاشُورَاءُ يَوْمَاً تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي
الجَاهِلِيَّةِ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَصُومُهُ فلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صامَهُ وأمَرَ
بِصِيامِهِ فلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانَ كانَ مَنْ شَاءَ
صامَهُ ومنْ شاءَ لَا يَصُومُهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تصومه قُرَيْش فِي
الْجَاهِلِيَّة) . وَيحيى قو الْقطَّان وَهِشَام هُوَ ابْن
عُرْوَة بن الزبير. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي:
بَاب صِيَام عَاشُورَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد
الله بن مسلمة عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
2383 - حدَّثنا مُسْلِمٌ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا ابنُ
طاوُسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ كانُوا يَرَوْنَ أنَّ العُمْرَةَ فِي أشْهُرِ
الحَجِّ منَ الفُجُورِ فِي الأرْضِ وكانُوا يُسَمُّونَ
المُحَرَّمَ صفَرَاً ويَقُولُونَ إذَا برَا الدَّبْرْ
وعَفَا الأثَرْ حَلَّتْ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ قَالَ
فَقَدمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُهُ
رابِعَةً مُهِلِّينَ بالحَجِّ وأمرَهُمُ النَّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً قالُوا يَا
رسُولَ الله أيُّ الحِلِّ قَالَ الحِلُّ كُلُّهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانُوا يرَوْنَ
أَن الْعمرَة) إِلَى قَوْله: (قَالَ: فَقدم) لِأَن مَا ذكر
فِيهِ كُله من أَفعَال الْجَاهِلِيَّة، وَمُسلم هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم، ووهيب بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن خَالِد،
وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يروي عَن أَبِيه.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب التَّمَتُّع
والإفراد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عَن وهيب الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يسمون الْمحرم صفراً) أَي: يجعلونه مَكَانَهُ فِي
الْحُرْمَة، وَذَلِكَ هُوَ النسيء الْمَشْهُور بَينهم
كَانُوا يؤخرون ذَا الْحجَّة إِلَى الْمحرم، وَالْمحرم
إِلَى صفر وهلم جراً. قَوْله: (الدبر) ، بِالدَّال
الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ: الْجرْح
الَّذِي يحصل على ظهر الْإِبِل، وَنَحْوه. قَوْله: (وَعَفا
الْأَثر) أَي: انمحى أثر الدبر. قَوْله: (رَابِعَة) ، أَي:
صبح رَابِعَة من شهر ذِي الْحجَّة أَو لَيْلَة رَابِعَة.
قَوْله: (مهلّين) ، حَال. قَوْله: (أَي الْحل) ، أَي: أَي
شَيْء من الْأَشْيَاء يحل لنا. قَوْله: (الْحل كُله) ،
أَي: يحل فِيهِ جَمِيع مَا يحرم على الْمحرم، حَتَّى
الْجِمَاع.
3383 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ
قَالَ كانَ عَمْرٌ ويَقُولُ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ
المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ جاءَ سَيْلٌ فِي
الجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ قَالَ
سُفْيَانُ ويَقُولُ إنَّ هَذَا لَحَدِيثٌ لَهُ شأنٌ.
(16/289)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي
الْجَاهِلِيَّة) وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف
بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن
الْمسيب التَّابِعِيّ الْكَبِير الْفَقِيه، ومسيب هُوَ
ابْن حزن بن أبي وهب بن عَمْرو ابْن عَائِذ بن عمرَان بن
مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي، أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي،
مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبد
الْملك وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة، وَهُوَ يروي عَن
أَبِيه الْمسيب، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف
الْمَفْتُوحَة، وَحكى كسرهَا، وَكَانَ الْمسيب مِمَّن
بَايع تَحت الشَّجَرَة وَكَانَ تَاجِرًا. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: قَالَ الْحفاظ: لم يروِ عَن الْمسيب إلاَّ
ابْنه سعيد، قَالَ: وَفِيه رد على الْحَاكِم أبي عبد الله
الْحَافِظ فِيمَا قَالَ: لم يخرج البُخَارِيّ عَن أحد
مِمَّن لم يروِ عَنهُ
إلاَّ راوٍ واحدٍ، قَالَ: وَلَعَلَّه أَرَادَ من غير
الصَّحَابَة، وَالْمُسَيب هُوَ ابْن حزن، بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وَفِي آخِره نون وَكَانَ من
الْمُهَاجِرين وَمن أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة،
وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لحزن: (مَا اسْمك؟) قَالَ: حزن، قَالَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنْت سهل؟) فَقَالَ: إسم سماني
بِهِ أبي. ويروى أَنه قَالَ لَهُ: إِنَّمَا السهولة
للحمار. قَالَ سعيد بن الْمسيب: فَمَا زَالَت الحزونة تعرف
فِينَا حَتَّى الْيَوْم، وَفِيه أخرج البُخَارِيّ أَيْضا
فِي الْأَدَب عَن إِسْحَاق بن نصر وَعلي بن عبد الله
ومحمود، على مَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. .
قَوْله (فِي الْجَاهِلِيَّة) أَي قبل الْإِسْلَام قَوْله
(فكساما بَين الجبلين) أَي غطى مَا بَين جبلي مَكَّة
المشرفين عَلَيْهَا
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ الرَّاوِي. قَوْله:
(وَيَقُول) أَي: عَمْرو الْمَذْكُور. قَوْله: (شَأْن) أَي:
قصَّة طَوِيلَة، وَذكر مُوسَى بن عقبَة أَن السَّيْل كَانَ
يَأْتِي من فَوق الرَّدْم بِأَعْلَى مَكَّة فيخربه،
فتخوفوا أَن يدْخل المَاء الْكَعْبَة فأرادوا تشييد
بنيانها، فَكَانَ أول من طلعها وَهدم مِنْهَا شَيْئا
الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَذكر الْقِصَّة. قَالَ
الْكرْمَانِي: الْحِكْمَة فِي أَن الْبَيْت ضبط فِي طوفان
نوح، عَلَيْهِ، الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْغَرق وَرفع
إِلَى السَّمَاء، وَفِي هَا السَّيْل قد غرق أَنه لَعَلَّه
كَانَ ذَلِك عذَابا وَهَذَا لم يكن عذَابا. انْتهى. قلت:
هَذَا تصرف عَجِيب، لِأَنَّهُ لما جَاءَ الطوفان كَانَ
الْبَيْت الْمَعْمُور مَوضِع الْبَيْت، وَلما أهبط الله
آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى الأَرْض أُتِي
إِلَيْهِ من الْهِنْد، وَقيل: لما آل الْأَمر إِلَى شِيث
بنى الْكَعْبَة، وَذكر ابْن هِشَام: أَن المَاء لم يعله
حِين الطوفان وَلكنه قَامَ حوله وَبَقِي فِي الْهَوَاء
إِلَى السَّمَاء، وَأَن نوحًا، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، طَاف بِهِ هُوَ وَمن مَعَه فِي السَّفِينَة،
ثمَّ بناها إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا
السَّلَام.
4383 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ
عَن بَيَانٍ أبي بِشْرٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبِي حازمٍ قَالَ
دَخَلَ أبُو بَكْر علَى امْرَأةٍ مِنْ أحْمَسَ يُقالُ
لَهَا زَيْنَبُ فرَآهَا لاَ تَكَلَّمُ فَقالَ مَا لَهَا
لاَ تَكَلَّمُ قالُوا حَجَّتْ مُصْمِتَةً قَالَ لَهَا
تَكَلَّمِي فإنَّ هذَا لاَ يَحِلُّ هاذَا مِنْ عَمَلِ
الجاهِلِيَّةِ فتَكَلَّمَتْ فقالَتْ مَنْ أنْتَ قَالَ
امْرُءٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ قالَتْ أيُّ المُهَاجِرِينَ
قَالَ مِنْ قُرَيْشٍ قالَتْ مِنْ أيُّ قُرَيْشٍ أنْتَ
قَالَ إنَّكِ لَسَؤُولٌ أنَا أبُو بَكْرٍ قالَتْ مَا
بَقاؤُنا على هَذَا الأمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جاءَ الله
بهِ بَعْدَ الجاهِلِيَّةِ قَالَ بَقَاؤُكُمْ علَيْهِ مَا
اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أئِمَّتُكُمْ قالَتْ وَمَا لأئِمَّةُ
قَالَ أما كانَ لِقَوْمِكِ رُؤُسٌ وأشْرَافٌ يأمُرُونَهُمْ
فيُطِيعُونَهُمْ قالَتْ بَلَى قَالَ فَهُمْ أُولَئِكَ علَى
النَّاسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَذَا من عمل
الْجَاهِلِيَّة) . وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل
السدُوسِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة:
الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَبَيَان، بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف:
ابْن بشر المكنى بِأبي بشر الأحمسي الْمعلم الْكُوفِي،
وَابْن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: اسْمه
عَوْف، قدم إِلَى الْمَدِينَة طَالبا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بَعْدَمَا قبض، وَقد مر غير مرّة.
قَوْله: (دخل أَبُو بكر) يَعْنِي الصّديق، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (من أحمس) بالمهملتين وَفتح
الْمِيم، وَهِي قَبيلَة من بجيلة ورد على ابْن التِّين فِي
قَوْله: امْرَأَة من الحمس، وهم من قُرَيْش. قَوْله:
(يُقَال لَهَا زَيْنَب) هِيَ بنت المُهَاجر، روى حَدِيثهَا
مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) من طَرِيق عبد الله بن
جَابر الأحمسي عَن عمته زَيْنَب بنت المُهَاجر، قَالَت:
خرجت حَاجَة ... فَذكر هَذَا
(16/290)
الحَدِيث وَذكر ابْن مَنْدَه فِي (تَارِيخ
النِّسَاء) لَهُ: أَن زَيْنَب بنت جَابر أدْركْت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروت عَن أبي بكر، وروى عَنْهَا
عبد الله بن جَابر وَهِي عمته، قَالَ: وَقيل: هِيَ بنت
المُهَاجر بن جَابر، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل
أَن فِي رِوَايَة شريك وَغَيره عَن إِسْمَاعِيل بن أبي
خَالِد فِي حَدِيث الْبَاب: أَنَّهَا زَيْنَب بنت عَوْف،
قَالَ: وَذكر ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل أَنَّهَا جدة
إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، قيل: الْجمع بَين هَذِه
الْأَقْوَال مُمكن بِأَن من قَالَ: بنت المُهَاجر،
نَسَبهَا إِلَى أَبِيهَا، وَبنت جَابر نَسَبهَا إِلَى جدها
الْأَدْنَى، أَو: بنت عَوْف نَسَبهَا إِلَى جدها
الْأَعْلَى. قَوْله: (مصمتة) بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل
بِمَعْنى: صامتة، يَعْنِي: ساكتة يُقَال: أصمت إصماتاً
وَصمت صموتاً وصمتاً وصماتاً، وَالِاسْم: الصمت
بِالضَّمِّ، قَوْله: (فَإِن هَذَا) أَي: ترك الْكَلَام
(لَا يحل) قَوْله: (هَذَا) أَي: الصمات من عمل
الْجَاهِلِيَّة، وَقد احْتج بِهَذَا على أَن من حلف لَا
يتَكَلَّم اسْتحبَّ لَهُ أَن يتَكَلَّم، وَلَا كَفَّارَة
عَلَيْهِ، لِأَن أَبَا بكر لم يأمرها بِالْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) : لَيْسَ من شَرِيعَة
الْإِسْلَام صمت الْكَلَام، وَظَاهر الْأَخْبَار
تَحْرِيمه. وَاحْتج بِحَدِيث أبي بكر وَبِحَدِيث عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. يرفعهُ: لَا يتم بعد احْتِلَام
وَلَا يصمت يَوْم إِلَى اللَّيْل، أخرجه أَبُو دَاوُد،
وَقَالَ: فَإِن نذر ذَلِك لم يلْزمه الْوَفَاء، وَبِهَذَا
قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَلَا نعلم فِيهِ
خلافًا. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله
بن عَمْرو بن الْعَاصِ: من صمت نجا. وَأخرج ابْن أبي
الدُّنْيَا مُرْسلا بِرِجَال ثقاة: أيسر الْعِبَادَة
الصمت. قلت: الصمت الْمُبَاح المرغوب فِيهِ ترك الْكَلَام
الْبَاطِل، وَكَذَا الْمُبَاح الَّذِي يجر إِلَى شَيْء من
ذَلِك، والصمت الْمنْهِي عَنهُ ترك الْكَلَام عَن الْحق
لمن يستطيعه، وَكَذَا الْمُبَاح الَّذِي يَسْتَوِي طرفاه.
قَوْله: (إنكِ) بِكَسْر الْكَاف لِأَنَّهُ خطاب لِزَيْنَب
الْمَذْكُورَة. قَوْله: (لسؤول) أَي: كَثِيرَة السُّؤَال،
وَصِيغَة فعول يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذكر والمؤنث،
وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (الْأَمر الصَّالح)
أَي: دين الْإِسْلَام، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْعدْل
واجتماع الْكَلِمَة وَنصر الْمَظْلُوم وَوضع كل شَيْء فِي
مَحَله. قَوْله: (بقاؤكم عَلَيْهِ مَا استقامت بكم أئمتكم)
وَقت الْبَقَاء بالاستقامة إِذْ هم باستقامتهم تُقَام
الْحُدُود وَتُؤْخَذ الْحُقُوق وَيُوضَع كل شَيْء فِي
مَوْضِعه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَا اسقامت لكم،
وَقَالَ الْمُغيرَة: كُنَّا فِي بلَاء شَدِيد نعْبد الشّجر
وَالْحجر ونمص الْجلد والنوى، فَبعث إِلَيْنَا رب
السَّمَوَات رَسُولا منا، فَأمرنَا بِعبَادة الله وَحده
وَترك مَا يعبد أباؤنا، وَذكر الحَدِيث وَمَا كَانُوا
عَلَيْهِ على عهد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من
الْأَمر واجتماع الْكَلِمَة، وَأَن لَا يظلم أحد أحدا.
5383 - حدَّثني فَرْوَةُ بنُ أبِي المغْرَاءِ أخْبرَنا
علِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ أسْلَمَتْ امْرأةٌ
سَوْدَاءُ لِبَعْضِ العَرَبِ وكانَ لَهَا حِفْأ فِي
المَسْجِدِ قالَتْ فَكانَتْ تأتِينَا فتَحَدَّثُ عِنْدَنا
فإذَا فَرَغَتْ مِنْ حدِيثِهَا قالَتْ:
(ويَوْمُ الوشاحِ مِنْ تَعاجِيبِ رَبِّنا ... ألاَ إنَّهُ
مِنْ بَلْدَةَ الكُفْرِ أنْجَانِي)
فلَمَّا أكْثَرَتْ قالَتْ لَهَا عائِشَةٌ وَمَا يَوْمُ
الوِشَاحِ قالَتْ خَرَجَتْ جُوَيْرِيةٌ لِبَعْضِ أهْلِي
وعلَيْهَا وِشاحٌ مِنْ أدَمٍ فسَقَطَ مِنْهَا فانْحَطَّتْ
علَيْهِ الحُدَيَّا وهْيَ تَحْسِبُهُ لَحْمَاً فأخَذَتْ
فاتَّهَمُونِي بِهِ فعَذَّبُونِي حتَّى بَلَغَ مِنْ أمْرِي
أنَّهُمْ طلَبُوا فِي قُبُلِي فبَيْنَمَا هُمْ حَوْلِي
وأنَا فِي كَرْبِي إذْ أقْبَلَتِ الحُدَيَّا حتَّى وازَتْ
بِرُؤوسِنَا ثُمَّ ألْقَتْهُ فأخَذُوهُ فقُلْتُ لَهُمْ
هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وأنَا مِنْهُ
بَرِيئَةٌ. (انْظُر الحَدِيث 934) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل
الْجَاهِلِيَّة من الْجفَاء فِي الْفِعْل وَالْقَوْل، أَلا
ترى أَن الَّذين أتهموا هَذِه الْمَرْأَة السَّوْدَاء
كَيفَ جفوها وعذبوها وبالغوا فِيهِ حَتَّى فتشوا فِي
قبلهَا؟ قَوْله: (وفروة) ، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون
الرَّاء ابْن أبي المغراء، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد: أَبُو الْقَاسِم
الْكِنْدِيّ الْكُوفِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي: بَاب نوم
الْمَرْأَة فِي الْمَسْجِد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام ...
إِلَخ، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (حفش)
(16/291)
بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْفَاء وَفِي آخِرَة شين مُعْجمَة: وَهُوَ الْبَيْت
الضّيق الصَّغِير. قَوْله: (والوشاح) بِكَسْر الْوَاو.
وَيُقَال لَهُ: إشاح أَيْضا. وَهُوَ شَيْء ينسج عريضاً من
أَدِيم وَرُبمَا رصع بالجوهر والخرز وتشده الْمَرْأَة بَين
عاتقها وكشحها. قَوْله: (من تعاجيب رَبنَا) ويروى: من
تباريح رَبنَا، والتعاجيب الْعَجَائِب لَا وَاحِد لَهَا من
لَفظهَا، والتباريح جمع تبريح وَهُوَ الْمَشَقَّة والشدة.
قَوْله: (أَلا أَنه) ويروى: على أَنه قَوْله: (من بَلْدَة
الْكفْر) ، قَوْله: ويروي من دارة الْكفْر (الحديا) ، مصغر
الحدأة على وزن العنبة، قَوْله: (وازت) أَي: حاذت.
6383 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ
جَعْفَرٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ألاَ مَنْ كانَ حالِفَاً فَلاَ
يَحْلِفُ إلاَّ بِاللَّه فَكانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ
بآبَائِهَا فَقَالَ لاَ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، فَإِن فِيهِ
النَّهْي عَن الْحلف بِالْآبَاءِ لِأَنَّهُ من أَفعَال
الْجَاهِلِيَّة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان
وَالنُّذُور عَن يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة
وَعلي بن حجر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن
حجر.
وَكلمَة (ألاَ) للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا قبلهَا.
قَوْله: (من كَانَ حَالفا) يَعْنِي: من أَرَادَ أَن يحلف
لتأكيد فعل أَو قَول فَلَا يحلف إلاَّ بِاللَّه، لِأَن
الْحلف يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ، وَحَقِيقَة
العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه تَعَالَى فَلَا يضاهى بِهِ
غَيره، وَقد جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا: لِأَن أَحْلف بِاللَّه تَعَالَى مائَة مرّة
فآثم خير من أَن أَحْلف بِغَيْرِهِ فأبر. وَيكرهُ الْحلف
بِغَيْر أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وَسَوَاء فِي
ذَلِك: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والكعبة
وَالْمَلَائِكَة وَالْأَمَانَة وَالروح، وَغير ذَلِك، وَمن
أَشدّهَا كَرَاهَة الْحلف بالأمانة. فَإِن قلت: قد أقسم
الله تَعَالَى بمخلوقاته، كَقَوْلِه: {وَالصَّافَّات}
{والذاريات} {وَالْعَادِيات} ؟ قلت: إِن الله تَعَالَى أَن
يقسم بِمَا شَاءَ من مخلوقاته تَنْبِيها على شرفها.
قَوْله: (فَكَانَت قُرَيْش تحلف بِآبَائِهَا) بِأَن يَقُول
وَاحِد مِنْهُم عِنْد إِرَادَة الْحلف، وَأبي أفعل هَذَا،
أَو: وَأبي لَا أفعل، أَو يَقُول: وَحقّ أبي، أَو تربة أبي
وَنَحْو ذَلِك، فَنهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ لِأَن
هَذَا من أَيْمَان الْجَاهِلِيَّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم:
(إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن
كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) وَفِي رِوَايَة:
لَا تحلفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِآبَائِكُمْ. قَالَ
النَّوَوِيّ: فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث مُخَالف لقَوْله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق)
فَجَوَابه: إِن هَذِه كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصد
بهَا الْيَمين، وَقَالَ غَيره: بل هِيَ من جملَة مَا
يُزَاد فِي الْكَلَام لمُجَرّد التَّقْرِير والتأكيد،
وَلَا يُرَاد بهَا الْقسم كَمَا تزاد صِيغَة النداء
لمُجَرّد الِاخْتِصَاص دون الْقَصْد إِلَى النداء.
7383 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني
ابنُ وهْبٍ قَالَ أخْبَرَنِي عَمْرٌ وأنَّ عَبْدَ
الرَّحْمانِ ابنَ القَاسِمِ حدَّثَهُ أنَّ القَاسِمَ كانَ
يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الجَنَازَةِ ولاَ يَقُومُ لَهَا
ويُخْبِرُ عنْ عائِشةَ قالَتْ كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ
يقُومُونَ لَهَا يَقُولُونَ إذَا رَأوْهَا كُنْتِ فِي
أهْلِكِ مَا أنْتِ مَرَّتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ: (أهل الْجَاهِلِيَّة) .
وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ سكن مصر،
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: قدم مصر وَحدث بهَا وَتُوفِّي بهَا
سنة ثَمَان، وَيُقَال: سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ،
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب
الْمصْرِيّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث الْمصْرِيّ،
وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة) ، وَفِيه
خلاف، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة الْمَشْي أَمَام
الْجِنَازَة أفضل، وَعند الْحَنَفِيَّة وَرَاءَهَا أفضل،
لِأَنَّهَا متبوعة، وَبِه قَالَ فِي رِوَايَة، وَعنهُ:
الْأَفْضَل أَن تكون المشاة أمامها والركبان خلفهَا، وَبِه
قَالَ أَحْمد. قَوْله: (وَلَا يقوم لَهَا) ، أَي: وَلَا
يقوم الْقَاسِم أَي للجنازة، ويخبر عَن أم الْمُؤمنِينَ
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت:
كَانَ أَي أهل الْجَاهِلِيَّة يقومُونَ لَهَا إِذا رَأَوْا
الْجِنَازَة، وَالظَّاهِر أَن أَمر الشَّارِع بِالْقيامِ
لَهَا لم يبلغ عَائِشَة، فرأت أَن ذَلِك من أَفعَال أهل
الْجَاهِلِيَّة، وَلَكِن الشَّارِع فعله، وَاخْتلف فِي
نسخه، فَقَالَت الشَّافِعِيَّة وَمَالك: هُوَ مَنْسُوخ
بجلوسه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمُخْتَار أَنه
باقٍ، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون، قَالَ
(16/292)
هُوَ على التَّوسعَة، وَالْقِيَام فِيهِ
أجر وَحِكْمَة باقٍ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تقدمها لم
يجلس حَتَّى تحضر وَيُصلي عَلَيْهَا. قَوْله: (كنت فِي
أهلك مَا أَنْت مرَّتَيْنِ) كلمة: مَا، مَوْصُولَة وَبَعض
صلته مَحْذُوف أَي: الَّذِي أَنْت فِيهِ كنت فِي الْحَيَاة
مثله إِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر، وَذَلِكَ فِيمَا
كَانُوا يدعونَ من أَن روح الْإِنْسَان تصير طائراً مثله،
وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْدهم بالصدي والهام، وَيجوز أَن
تكون كلمة: مَا، استفهامية أَي: كنت فِي أهلك شريفاً مثلا،
فَأَي شَيْء أَنْت الْآن؟ وَيجوز أَن يكون: مَا، نَافِيَة،
وَلَفظ: مرَّتَيْنِ من تَتِمَّة الْمَقُول، أَي: كنت مرّة
فِي الْقَوْم وَلست بكائن فيهم مرّة أُخْرَى، كَمَا هُوَ
مُعْتَقد الْكفَّار، حَيْثُ قَالُوا: {مَا هِيَ إلاَّ
حياتنا الدُّنْيَا} (الجاثية: 42) .
8383 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدَّثَنا عَبْدُ
الرَّحْمانِ حدَّثَنَا سُفْيانُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ
عَمْرِو ابنِ ميْمُونٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ إنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا لَا يُفِيضُونَ
مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ علَى ثَبِيرٍ
فخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأفاضَ
قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. (انْظُر الحَدِيث 4861) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِن الْمُشْركين
لَا يفيضون من جمع حَتَّى تشرق الشَّمْس) . وَعَمْرو بن
عَبَّاس، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو عُثْمَان
الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ
ابْن مهْدي بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي الْكُوفِي، وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي أَبُو
عبد الله الْكُوفِي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ
بِالشَّام ثمَّ سكن الْكُوفَة. والْحَدِيث قد مضى فِي
الْحَج فِي: بَاب مَتى يدْفع من جمع؟
قَوْله: (لَا يفيضون) ، من الْإِفَاضَة وَهِي الدّفع
هُنَا، وكل دفْعَة إفَاضَة، وَالْمعْنَى: لَا يدْفَعُونَ
من جمع، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم بعْدهَا عين
مُهْملَة: وَهِي الْمزْدَلِفَة. قَوْله: (حَتَّى تشرق)
بِفَتْح التَّاء وَضم الرَّاء، كَذَا ضَبطه ابْن التِّين،
وَالْمَشْهُور بِضَم التَّاء وَكسر الرَّاء. قَوْله: (على
ثبير) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ
جبل مَعْرُوف عِنْد مَكَّة.
1483 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْدَقُ كلِمَةٍ
قالَهَا الشاعِرُ كلِمَةُ لَبِيدٍ:
(ألاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله باطِلٌ ... وكادع
امَيَّةُ بنُ أبِي الصَّلْتِ أنْ يُسْلِمَ)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ: إِن كلاَّ من لبيد
وَأُميَّة شَاعِر جاهلي أما لبيد فَهُوَ ابْن ربيعَة بن
عَامر بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب
(16/293)
ابْن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن
مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن الْجَعْفَرِي العامري، شَاعِر
من فحول الشُّعَرَاء مفلق مُتَقَدم فِي الفصاحة مجيد فَارس
جواد حَكِيم، يكنى أَبَا عقيل مخضرم، أدْرك الْجَاهِلِيَّة
وَالْإِسْلَام، وَهُوَ عِنْد ابْن سَلام من الطَّبَقَة
الثَّالِثَة من شعراء الْجَاهِلِيَّة، وَفد على رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة وَفد بني جَعْفَر
فَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: قدم على
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي وَفد كلاب
وَكَانَ شريفاً فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، مَاتَ
بِالْكُوفَةِ فِي إِمَارَة الْوَلِيد بن عقبَة عَلَيْهَا
فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ
مَالك بن أنس: بَلغنِي أَنه عَاشَ مائَة وَأَرْبَعين سنة،
وَقيل: مَاتَ وَهُوَ ابْن مائَة وَسبع وَخمسين سنة،
وَقَالَ أَكثر أهل الْعلم بالأخبار: لم يقل شعرًا مُنْذُ
أسلم، وَأما أُميَّة فَهُوَ ابْن أبي الصَّلْت عبد الله بن
أبي ربيعَة ابْن عَوْف بن عقدَة بن غيرَة بن ثَقِيف أَبُو
عُثْمَان، وَيُقَال: أَبُو الحكم، قدم دمشق قبل
الْإِسْلَام، وَقيل: إِنَّه كَانَ صَالحا. وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ قد تنبأ فِي الْجَاهِلِيَّة فِي أول
زَمَانه، وَأَنه كَانَ فِي أول عمره على الْإِيمَان، ثمَّ
زاغ عَنهُ وَأَنه هُوَ الَّذِي أَرَادَ الله بقوله: {واتل
عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا}
(الْأَعْرَاف: 571) . الْآيَة. وَكَانَ شَاعِرًا مجيداً،
إلاَّ أَنه لقرَاءَته الْكتب الْمنزلَة كَانَ يَأْتِي فِي
شعره بأَشْيَاء لَا تعرفها الْعَرَب، فَلذَلِك كَانَت
الْعلمَاء لَا تحتج بِشعرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْفرج:
وَقيل: لما بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ
أُميَّة ابنيه وهرب بهما إِلَى الْيمن، ثمَّ عَاد إِلَى
الطَّائِف وَمَات فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم
النُّون: الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: سُفْيَان بن
عُيَيْنَة. الثَّالِث: عبد الْملك بن عُمَيْر الْكُوفِي.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن. الْخَامِس:
أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْأَدَب عَن ابْن بشار وَفِي الرقَاق عَن
مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه مُسلم فِي الشّعْر عَن
مُحَمَّد بن الصَّباح وَعَن جمَاعَة آخَرين. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي الإستيذان عَن عَليّ بن حجر وَفِي
الشَّمَائِل عَن مُحَمَّد بن بشار وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الصَّباح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أصدق كلمة) ، أصدق أفعل
التَّفْضِيل تدل على الْمُبَالغَة فِي الصدْق، وَفِي
رِوَايَة البُخَارِيّ وَمُسلم: أشعر كلمة تَكَلَّمت بهَا
الْعَرَب كلمة لبيد ... إِلَى آخِره، وروينا هَذِه
الرِّوَايَة أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، وَقد رويت
هَذِه اللَّفْظَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة: أصدق بَيت قَالَه
الشَّاعِر، وَإِن أصدق بَيت قالته الشُّعَرَاء، وَكلهَا
فِي (الصَّحِيح) ، وَمِنْهَا: أشعر كلمة قالتها الْعَرَب،
قَالَه ابْن مَالك فِي (شَرحه للتسهيل) وَكلهَا من وصف
الْمعَانِي مُبَالغَة بِمَا يُوصف بِهِ الْأَعْيَان
كَقَوْلِهِم: شعر شَاعِر، خوف خَائِف، وَمَوْت مائت، ثمَّ
يصاغ مِنْهُ أفعل بِاعْتِبَار ذَلِك الْمَعْنى، فَيُقَال:
شعرك أشعر من شعره وخوفي أخوف من خَوفه. قَوْله: (كلمة) ،
فِيهِ إِطْلَاق الْكَلِمَة على الْكَلَام، وَهُوَ مجَاز
مهمل عِنْد النَّحْوِيين مُسْتَعْمل عِنْد
الْمُتَكَلِّمين، وَهُوَ من بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء باسم
جزئه على سَبِيل التَّوَسُّع. قَوْله: (أَلا كل شَيْء)
كلمة: ألاَ، حرف استفتاح فتصدر بهَا الْجُمْلَة الإسمية
والفعلية، وَلَفظ: كل، إِذا أضيف إِلَى النكرَة يَقْتَضِي
عُمُوم الْأَفْرَاد، وَإِذا أضيف إِلَى الْمعرفَة
يَقْتَضِي عُمُوم الْأَجْزَاء، يظْهر ذَلِك فِي: كل رمان
مَأْكُول، وكل الرُّمَّان مَأْكُول، فَالْأول صَحِيح دون
الثَّانِي. قَوْله: (مَا خلا الله) ، كلمة: خلا وَعدا،
إِذا وَقعا صلَة: لما، المصدرية وَجب أَن يَكُونَا فعلين،
لِأَن الْحَرْف لَا يُوصل بالحرف، فَوَجَبَ أَن يَكُونَا
فعلين، فَوَجَبَ النصب، وَلَفْظَة: الله، مَنْصُوبَة
بقوله: خلا. وَقَوله: (كل شَيْء) مُبْتَدأ. وَقَوله:
(بَاطِل) خَبره، وَمَعْنَاهُ: ذَاهِب، من بَطل الشَّيْء
يبطل بطلاً وبطلاً وبطولاً وبطلاناً، وَمَعْنَاهُ: كل
شَيْء سوى الله تَعَالَى زائل فَائت مضمحل لَيْسَ لَهُ
دوَام. فَإِن قلت: الطَّاعَات والعبادات حق لَا محَالة،
وَكَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُعَائِهِ فِي
اللَّيْل: أَنْت الْحق وقولك الْحق وَالْجنَّة وَالنَّار
حق فَكيف تُوصَف هَذِه الْأَشْيَاء بِالْبُطْلَانِ. قلت:
المُرَاد من قَوْله: (مَا خلا الله) أَي: مَا خلاه، وخلا
صِفَاته الذاتية والفعلية من رَحْمَة وَعَذَاب وَغير
ذَلِك، وَجَوَاب آخر: الْجنَّة وَالنَّار إِنَّمَا يبقيان
بإبقاء الله لَهما وَخلق الدَّوَام لأهلهما. وكل شَيْء سوى
الله يجوز عَلَيْهِ الزَّوَال لذاته، وكل شَيْء لَا يَزُول
فبإبقاء الله تَعَالَى وَالنّصف الْأَخير للبيت.
وكل نعيم لَا محَالة زائل
وَهُوَ من قصيدة من الطَّوِيل وجملتها عشرَة أَبْيَات
ذَكرنَاهَا فِي (شرح الشواهد الْكُبْرَى) وتكلمنا بِمَا
فِيهِ الْكِفَايَة. قَوْله: (وَكَاد أُميَّة بن أبي
الصَّلْت) ، وَلَفْظَة: كَاد، من أَفعَال المقاربة، وَهُوَ
مَا وضع لدنو الْخَبَر رَجَاء أَو حصولاً، وأخذاً فِيهِ،
تَقول
(16/294)
كَاد زيد يخرج وَكَاد: أَن يخرج، أَي:
قَارب أُميَّة الْإِسْلَام وَلكنه لم يسلم وَكَانَ يتعبد
فِي الْجَاهِلِيَّة ويؤمن بِالْبَعْثِ وَأدْركَ
الْإِسْلَام وَلم يسلم، وَفِي (صَحِيح مُسلم) : عَن
الشريد، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن سُوَيْد. قَالَ:
(ردفت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا
فَقَالَ: هَل مَعَك من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت شَيْء؟
قلت: نعم. قَالَ: هيه، فَأَنْشَدته بَيْتا، فَقَالَ: هيه،
حَتَّى أنشدته مائَة بَيت، فَقَالَ: لقد كَاد يسلم فِي
شعره) ، وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن
الفارعة بنت أبي الصَّلْت أُخْت أُميَّة أَتَت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنْشَدته من شعر أُميَّة.
قَالَ: لقد كَاد أَن يسلم فِي شعره.
2483 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمَانَ
بنِ بِلالٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ ابنِ القاسِمِ عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ لأِبي
بَكْرٍ غُلَام يخرج لَهُ الْخراج وَكَانَ أَبُو بكر
يَأْكُل من خراجه فجَاء يَوْمًا بِشَيْء فَأكل مِنْهُ
أَبُو بكر فَقالَ لَهُ الغُلاَمُ تَدْرِي مَا هَذَا فَقالَ
أبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإنْسَانٍ
فِي الجاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ إلاَّ أنَّي
خَدَعْتُهُ فلَقِيَنِي فأعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا
الَّذِي أكَلْتَ مِنْهُ فأدْخَلَ أبُو بَكْرٍ يَدَهُ فقاءَ
كلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كنت تكهنت لإِنْسَان
فِي الْجَاهِلِيَّة) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس،
واسْمه: عبد الله الْمدنِي ابْن أُخْت مَالك ابْن أنس.
وَأَخُوهُ عبد الحميد يكنى أَبَا بكر الْمدنِي، وَسليمَان
هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ
الْمدنِي، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي
الْمَدِينَة.
قَوْله: (يخرج) ، بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج، أَرَادَ
أَنه يَأْتِي لَهُ بِمَا يكسبه من الْخراج وَهُوَ مَا
يقرره السَّيِّد على عَبده من مَال يَدْفَعهُ إِلَيْهِ من
كَسبه. قَوْله: (كنت تكهنت) ، من الكهانة وَهُوَ إِخْبَار
عَمَّا سَيكون من غير دَلِيل شَرْعِي، وَكَانَ هَذَا كثيرا
فِي الْجَاهِلِيَّة خُصُوصا قبل ظُهُور النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَمَا أحسن) الْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: (فَأَعْطَانِي بذلك) ، أَي: بِمُقَابلَة
مَا تكهنت لَهُ. قَوْله: (فقاء) ، أَي: استفرغ كل مَا أكل
مِنْهُ، وَإِنَّمَا قاء لِأَن حلوان الكاهن مَنْهِيّ
عَنهُ، والمحصل من المَال بطرِيق الخديعة حرَام، وَقَالَ
ابْن التِّين: وَالله تَعَالَى وضع مَا كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَلَو كَانَ فِي الْإِسْلَام لغرم مثل مَا
أكل أَو قِيمَته إِن لم يكن مِمَّا يقْضِي فِيهِ
بِالْمثلِ.
3483 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ
الله قَالَ أخبَرَنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قالَ كانَ أهْلُ الجَاهِلِيَّةِ
يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الجَزُورِ إلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ
قالَ وحَبَلُ الحَبَلَةِ أنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي
بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْمِلُ الَّتِي نُتِجَتْ فَنَهَاهُمُ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَلِكَ. (انْظُر
الحَدِيث 3412 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. والْحَدِيث مضى فِي
كتاب الْبيُوع فِي: بَاب بيع الْغرَر، وحبل الحبلة، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
4483 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا مَهْدِيٌّ قَالَ
حدَّثنا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيرٍ كُنَّا نأتِي أنَسَ بنَ
مَالِكٍ فيُحَدِّثُنَا عنِ الأنْصَارِ وكَانَ يَقُولُ لِي
فَعلَ قَوْمُكَ كذَا وكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وفَعَلَ
قوْمُكَ كذَا وكَذَا يَوْمَ كذَا وكذَا. (انْظُر الحَدِيث
6773) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله: (فعل قَوْمك
كَذَا وَكَذَا) إِلَى آخِره، يحْتَمل أَن يُشِير بِهِ
إِلَى مَا صدر عَنْهُم من الوقائع فِي الْجَاهِلِيَّة.
فَإِن قلت: يحْتَمل أَيْضا أَن يُشِير بِهِ إِلَى مَا صدر
عَنْهُم من الوقائع فِي الْإِسْلَام فَلَا يُطَابق
التَّرْجَمَة. قلت: يحْتَمل الْأَعَمّ مِنْهُمَا أَيْضا
فالمطابقة بِهَذَا الْمِقْدَار كَافِيَة.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، ومهدي
هُوَ ابْن مَيْمُون المغولي الْأَزْدِيّ
(16/295)
الْبَصْرِيّ، وغيلان، بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن جرير
بِفَتْح الْجِيم المغولي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ
فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن المَخْزُومِي عَن مهْدي
نَحوه.
72 - (الْقَسَامَةُ فِي الجَاهِلِيَّةِ)
أَي: هَذَا بَيَان الْقسَامَة الَّتِي كَانَت فِي
الْجَاهِلِيَّة وأقرت فِي الْإِسْلَام، والقسامة أَقسَام
المتهمين بِالْقَتْلِ على نفي الْقَتْل عَنْهُم، وَقيل:
هِيَ قسْمَة الْيَمين عَلَيْهِم، وَعند الشَّافِعِي:
قسْمَة أَوْلِيَاء الدَّم الْأَيْمَان على أنفسهم بِحَسب
استحقاقهم الدَّم، أَو أقسامهم وَلَا يلْزم عَلَيْهِم،
تَحْلِيف أهل الْجَاهِلِيَّة الْمُدعى عَلَيْهِم إِذْ لَا
حجَّة فِي فعلهم، وَفِي بعض النّسخ: بَاب الْقسَامَة فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَهَذِه التَّرْجَمَة ثبتَتْ عِنْد أَكثر
الروَاة عَن الْفربرِي، وَلم تقع عِنْد النَّسَفِيّ.
5483 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عبْدُ الوَارِثِ
حدَّثنا قَطَنٌ أبُو الهَيْثَمِ حدَّثَنَا أبُو يَزِيدَ
المَدَنِيُّ عنْ عِكْرَمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُمَا قَالَ إنَّ أوَّلَ قَسامَةٍ كانَتْ فِي
الجَاهِلِيَّةِ لَفِينا بَنِي هاشِمٍ كانَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي هاشِمٍ اسْتَأجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ
فَخْذٍ أخْرَى فانْطَلَقَ معَهُ فِي إبِلِهِ فَمَرَّ
رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هاشِمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ
جُوَالِقِهِ فَقالَ أغِثْنِي بِعِقَالٍ أشُدُّ بِهِ
عُرْوَةَ جُوَالِقي لاَ تَنْفِرُ الإبِلُ فأعْطَاهُ
عقَالًا فشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ فلَمَّا
نَزَلُوا عُقِلَتِ الأبِلُ إلاَّ بَعِيرَاً وَاحِداً
فَقالَ الَّذِي اسْتَأجَرَهُ مَا شأنُ هَذَا البَعِيرِ
لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإبِلِ قَالَ لَيْسَ لَهُ
عِقَالٌ قَالَ لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ قَالَ فأيْنَ عِقَالُهُ
قَالَ فَحَذَفَهُ بِعَصَاً كانَ فِيهَا أجَلُهُ فَمَرَّ
بِهِ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الْيَمَنِ فَقالَ أتَشْهَدُ
الْمَوْسِمَ قَالَ مَا أشْهَدُ ورُبَّمَا شَهِدْتُهُ قَالَ
هَلْ أنْتُ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ
الدَّهْرِ قَالَ نَعمْ قَالَ فَكُنْتُ إذَا أنْتَ شَهِدْتَ
الْمَوْسِمَ فَنادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ فإذَا أجَابُوكَ
فَنادِ يَا آلَ بَنِي هاشِمٍ فإنْ أجابُوكَ فَسَلْ عنْ أبي
طالِبٍ فأخْبِرْهُ أنَّ فُلاناً قتَلَنِي فِي عِقَالٍ
وماتَ المُسْتَأجَرُ فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأجَرَهُ
أتاهُ أبُو طَالِبٍ فَقالَ مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا قَالَ
مرِضَ فأحْسَنْتُ الْقِيَامَ علَيْهِ فوَلِيتُ دَفْنَهُ
قَالَ قَدْ كانَ أهْلَ ذَاكَ مِنْكَ فَمَكُثَ حِينَاً
ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أوْصَى إلَيْهِ أنْ يُبْلِغَ
عنْهُ وَافى المَوْسِمَ فَقَالَ يَا آلَ قُرَيْشٍ قالُوا
هاذِهِ قُرَيْشٌ قَالَ يَا آلَ بَنِي هاشِمٍ قالُوا هاذِهِ
بَنُو هاشِمٍ قَالَ أيْنَ أبُو طَالِبٍ قالُوا هاذَا أبُو
طَالِبٍ قَالَ أمَرَنِي فُلانٌ أنْ أُبْلِغَكَ رِسالَةً
أنَّ فُلاَناً فِي عِقَالٍ فأتاهُ أبُو طَالِبٍ فَقالَ
لَهُ اخْتَرْ مِنَّا إحْدَى ثَلاثٍ إنْ شِئْتَ أنْ
تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإبِلِ فإنَّكَ قتَلْتَ صاحِبَنَا
وإنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ إنَّكَ لَمْ
تَقْتُلْهُ فإنْ أبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ فأتَى قَوْمَهُ
فقالُوا نَحْلِفُ فأتَتْهُ امْرَأةٌ مِنْ بَنِي هاشِمٍ
كانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قدْ ولَدَتْ لَهُ فقالَتْ
يَا أبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا
بِرَجُلٍ مِنَ الخَمْسِينَ ولاَ تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ
تُصْبَرُ الأيْمَانُ فَفَعَلَ فأتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ
فَقال يَا أبَا طالِبٍ أرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلاً أنْ
يَحلِفُوا مَكانَ مِائَةٍ مِنَ الإبِلِ يُصِيبُ كُلَّ
رَجُلٍ بَعِيرَانِ هَذَانِ بَعِيرَانِ فاقْبَلْهُمَا
عَنِّي ولاَ تَصْبُرْ يَمِيني حَيْثُ تُصْبَرُ الأيْمَانُ
فَقَبِلَهُمَا وجاءَ ثَمانِيَةٌ وأرْبَعُونَ فحَلَفُوا
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حالَ
الحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وأرْبَعِينَ عَيْنٌ
تَطْرِفُ.
(16/296)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو
معمر عبد الله بن عَمْرو المقعد وَقد تكَرر ذكره، وَعبد
الْوَارِث هُوَ بن سعيد أَبُو عُبَيْدَة، وقطن، بِالْقَافِ
والطاء الْمُهْملَة ثمَّ النُّون: هُوَ ابْن كَعْب أَبُو
الْهَيْثَم الْقطعِي بِضَم الْقَاف الْبَصْرِيّ وَأَبُو
يزِيد من الزِّيَادَة الْمدنِي الْبَصْرِيّ وَيُقَال لَهُ:
الْمَدِينِيّ بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَلَعَلَّ
أَصله كَانَ من الْمَدِينَة، وَلَكِن لم يرو عَنهُ أحد من
أهل الْمَدِينَة، وَسُئِلَ عَنهُ مَالك فَلم يعرفهُ، وَلَا
عرف إسمه وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَلَيْسَ
لَهُ وَلَا للراوي عَنهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا
الحَدِيث.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقسَامَة عَن مُحَمَّد بن يحيى
عَن معمر نَحوه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن أول قسَامَة) أَي: فِي حكم
أبي طَالب، وَاخْتلفُوا فِي أول من سنّ الدِّيَة مائَة من
الْإِبِل، فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عبد الْمطلب، وَقيل:
القلمس، وَقيل: النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة قتل
أَخَاهُ لأمه فوداه مائَة من الْإِبِل من مَاله، وَقَالَ
ابْن الْكَلْبِيّ: وثب ابْن كنَانَة على عَليّ بن مَسْعُود
فَقتله، فوداه خُزَيْمَة بِمِائَة من الْإِبِل، فَهِيَ أول
دِيَة كَانَت فِي الْعَرَب، وَقيل: قتل مُعَاوِيَة بن بكر
بن هوَازن أَخَاهُ زيدا فوداه عَامر بن الضَّرْب مائَة من
الْإِبِل، فَهِيَ أول دِيَة كَانَت فِي الْعَرَب. قَوْله:
(لفينا) فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر لقَوْله: (أول
قسَامَة) وَاللَّام فِيهِ لتأكيد معنى الحكم بهَا. قَوْله:
(بني هَاشم) ، مجرور لِأَنَّهُ بدل من الضَّمِير
الْمَجْرُور، وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّه مَنْصُوب على
الإختصاص، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون نصبا على
التَّمْيِيز، أَو على النداء بِحَذْف حرف النداء. قلت: لَا
وَجه لِأَن يكون مَنْصُوبًا على التَّمْيِيز لِأَن
التَّمْيِيز مَا يرفع الْإِبْهَام المستقر عَن ذَات
مَذْكُورَة أَو مقدرَة وَالْمرَاد بالإبهام المستقر مَا
كَانَ بِالْوَضْعِ أَي: مَا وَضعه الْوَاضِع مُبْهما،
وَلَيْسَ فِي قَوْله: لفينا، إِبْهَام بِوَضْع الْوَاضِع
وَلَا وَجه أَيْضا لِأَن يكون مَنْصُوبًا على النداء،
لِأَن الْمُنَادِي غير المنادى، وَهنا قَوْله: (بني هَاشم)
هُوَ معنى قَوْله: (لفينا) ، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (كَانَ رجل من بني هَاشم) ، هُوَ عَمْرو بن
عَلْقَمَة بن الْمطلب بن عبد منَاف نَص عَلَيْهِ الزبير بن
بكار فِي هَذِه الْقِصَّة، وَسَماهُ ابْن الْكَلْبِيّ
عَامِرًا. قَوْله: (اسْتَأْجرهُ رجل) ، قَالَ
الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا حذف الْمَفْعُول مِنْهُ،
وَجَاء على الْوَجْهَيْنِ هَكَذَا: اسْتَأْجر رجل فِي
رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة
وَغَيرهَا: اسْتَأْجر رجلا من قُرَيْش، وَهُوَ مقلوب،
وَالْأول هُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (من فَخذ أُخْرَى) ،
بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَقد تسكن، الْفَخْذ أقل من
الْبَطن الْأَقَل من الْعِمَارَة الْأَقَل من الفصيلة
الْأَقَل من الْقَبِيلَة. وَنَصّ الزبير بن بكار على أَن
الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور: هُوَ خِدَاش بن عبد الله بن
أبي قيس العامري، وخداش، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة
وبدال مُهْملَة وشين مُعْجمَة. قَوْله: (فَمر بِهِ) ، أَي:
بالأجير. قَوْله: (عُرْوَة جوالقه) ، بِضَم الْجِيم وَكسر
اللَّام: الْوِعَاء من جلدو وَثيَاب وَغَيرهَا، وَهُوَ
فَارسي مُعرب، وَأَصله: كواله، وَالْجمع: الجوالق، بِفَتْح
الْجِيم والجواليق بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَوْله: (أَغِثْنِي) ، من الإغاثة بالغين الْمُعْجَمَة
والثاء الْمُثَلَّثَة، وَمَعْنَاهُ: أَعنِي، بِالْعينِ
الْمُهْملَة وَالنُّون. قَوْله: (بعقال) ، بِكَسْر الْعين
الْمُهْملَة وَهُوَ: الْحَبل، قَوْله: (فَحَذفهُ) ، فِيهِ
حذف تَقْدِيره: فأعطيته فَحَذفهُ، بِالْحَاء الْمُهْملَة
ويروى بِالْمُعْجَمَةِ، أَي: رَمَاه، والحذف الرَّمْي
بالأصابع. قَوْله: (كَانَ فِيهَا أَجله) أَي: فَأصَاب
مَقْتَله وأشرف على الْمَوْت بِدَلِيل. قَوْله: (فَمر بِهِ
رجل من أهل الْيمن) قبل أَن يقْضِي. قَوْله: (أَتَشهد
الْمَوْسِم؟) ، أَي: موسم الْحَج ومجتمعهم. قَوْله: (مرّة
من الدَّهْر) أَي: وقتا من الْأَوْقَات. قَوْله: (قَالَ:
فَكنت) بِضَم الْكَاف وَسُكُون النُّون من الْكَوْن،
هَكَذَا رِوَايَة أبي ذَر، والأصيلي، وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، فَكتب، من الْكِتَابَة وَهُوَ الْأَوْجه،
وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار: فَكتب إِلَى أبي طَالب
يُخبرهُ بذلك. قَوْله: (يَا آل قُرَيْش) الْهمزَة
للاستغاثة. قَوْله: (يَا آل بني هَاشم) وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: يَا بني هَاشم. قَوْله: (قتلني فِي عقال) أَي:
بِسَبَب عقال. قَوْله: (وَمَات الْمُسْتَأْجر) بِفَتْح
الْجِيم. قَوْله: (أهل ذَاك) بِالنّصب ويروى. ذَلِك.
قَوْله: (وافى الْمَوْسِم) أَي: أَتَاهُ. قَوْله: (أَيْن
أَبُو طَالب؟) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة
غَيره: من أَبُو طَالب؟ هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: من أَبُو طَالب؟ قَوْله: (أَن فلَانا
قَتله) ويروى: فتكه، بِالْفَاءِ وَالْكَاف. قَوْله:
(إِحْدَى ثَلَاث) يحْتَمل أَن تكون هَذِه الثَّلَاث كَانَت
مَعْرُوفَة بَينهم، وَيحْتَمل أَن تكون هَذِه الثَّلَاث
كَانَت مَعْرُوفَة بَينهم، وَيحْتَمل أَن يكون شَيْء
اخترعه أَبُو طَالب، وَقَالَ ابْن التِّين: لم ينْقل أَنهم
تشاوروا فِي ذَلِك وَلَا تدافعوا، فَدلَّ على أَنهم
كَانُوا يعْرفُونَ الْقسَامَة قبل ذَلِك، قيل: فِيهِ نظر
لقَوْل ابْن عَبَّاس رَاوِي الحَدِيث: إِنَّهَا أول
قسَامَة، ورد بِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون مُرَاد ابْن
عَبَّاس الْوُقُوع، وَإِن كَانُوا يعْرفُونَ الحكم قبل
ذَلِك، وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ عَن قريب. قَوْله:
(إِن شِئْت أَن تُؤدِّي) ويروى: تُؤدِّي، بِدُونِ لَفْظَة:
أَن، قَوْله: (فَإنَّك) الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة.
قَوْله: (حلف) فعل مَاض. و: (خَمْسُونَ) بِالرَّفْع
فَاعله، قَوْله: (فَأَتَتْهُ امْرَأَة من بني هَاشم) هِيَ:
زَيْنَب بنت
(16/297)
عَلْقَمَة أُخْت الْمَقْتُول: (وَكَانَت
تَحت رجل مِنْهُم) وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي قيس
العامري، وَاسم وَلَدهَا مِنْهُ: حويطب مُصَغرًا بمهملتين
وَقد عَاشَ حويطب بعد هَذَا دهراً طَويلا وَله صُحْبَة،
وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي كتاب الْأَحْكَام. قَوْله: (أَن
تجيزا بني هَذَا) ، بِالْجِيم وَالزَّاي، أَي: تهبه مَا
يلْزمه من الْيَمين، وَقَالَ صَاحب (جَامع الْأُصُول) :
إِن كَانَ: تجير، بالراء فَمَعْنَاه: تؤمنه من الْيَمين،
وَإِن كَانَ بالزاي فَمَعْنَاه: تَأذن لَهُ فِي ترك
الْيَمين. قَوْله: (وَلَا تصبر يَمِينه) ، بالصَّاد
الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة المضمومة، قَالَ
الْجَوْهَرِي: صَبر الرجل إِذا حلف صبرا إِذا حبس على
الْيَمين حَتَّى يحلف، والمصبورة هِيَ الْيَمين، وَقَالَ
الْخطابِيّ: معنى الصَّبْر فِي الْإِيمَان الْإِلْزَام
حَتَّى لَا يَسعهُ أَن لَا يحلف، وَحَاصِل معنى: صَبر
الْيَمين، هُوَ أَن يلْزم الْمَأْمُور بهَا وَيكرهُ
عَلَيْهَا. قَوْله: (حَيْثُ تصبر الْأَيْمَان) أَي: بَين
الرُّكْن وَالْمقَام، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمن
هَذَا اسْتدلَّ الشَّافِعِي على أَنه لَا يحلف بَين
الرُّكْن وَالْمقَام على أقل من عشْرين دِينَارا، وَهُوَ
مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة، قيل: لَا يدرى كَيفَ يَسْتَقِيم
هَذَا الِاسْتِدْلَال، وَلم يذكر أحد من أَصْحَاب
الشَّافِعِي أَن الشَّافِعِي اسْتدلَّ لذَلِك بِهَذِهِ
الْقَضِيَّة. قَوْله: (فَحَلَفُوا) ، زَاد ابْن
الْكَلْبِيّ: حلفوا عِنْد الرُّكْن أَن خداشاً بَرِيء من
دم الْمَقْتُول. قَوْله: (قَالَ ابْن عَبَّاس: وَالَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ) قَالَ ابْن التِّين: كَانَ الَّذِي أخبر
ابْن عَبَّاس بذلك جمَاعَة اطمأنت نَفسه إِلَى صدقهم
حَتَّى وَسعه أَن يحلف على ذَلِك، قيل: يَعْنِي أَنه كَانَ
حِين الْقسَامَة لم يُولد، وَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي
أخبرهُ بذلك هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهَذَا وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي (الصَّحِيح) .
قَوْله: (فَمَا حَال الْحول) أَي: من يَوْم حلفوا. قَوْله:
(وَمن ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:
وَمن الثَّمَانِية، وَعند الْأصيلِيّ: وَالْأَرْبَعِينَ.
قَوْله: (عين تطرف) ، بِكَسْر الرَّاء، أَي: تتحرك. وَزَاد
ابْن الْكَلْبِيّ: وَصَارَت رباع الْجَمِيع لحويطب،
فَلذَلِك كَانَ أَكثر من بِمَكَّة رباعاً، وَكَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّة أَن من ظلم أحدا يعجل لَهُ عُقُوبَته، وروى
الفاكهي من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن أَبِيه، قَالَ: حلف
نَاس عَن الْبَيْت قسَامَة على بَاطِل، ثمَّ خَرجُوا
فنزلوا تَحت صَخْرَة فانهدمت عَلَيْهِم، قَالَ عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ يفعل بهم ذَلِك فِي
الْجَاهِلِيَّة ليتناهوا عَن الظُّلم، لأَنهم كَانُوا لَا
يعْرفُونَ الْبَعْث، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أخر
الْقصاص إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
6483 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ يَوْمُ بُعاثَ يَوْمَاً
قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدِ
افْتَرَقَ مَلأُهُمْ وقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا
قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
دُخُولِهِمْ فِي الإسْلاَمِ. (انْظُر الحَدِيث 7773 وطرفه)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن يَوْم بُعَاث كَانَ
فِي الْجَاهِلِيَّة وَعبيد بن إِسْمَاعِيل كَانَ اسْمه فِي
الأَصْل عبد الله، ويكنى: أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري
الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير،
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَنَاقِب الْأَنْصَار بِعَين
هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن عبيد إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
7483 - وقَالَ ابنُ وَهْبٍ أخْبَرَنَا عَمْرٌ وعنْ
بُكَيْرِ بنِ الأشَجِّ أنَّ كُرَيْبَاً مَوْلَى ابنِ
عبَّاس حدَّثه أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الوَادِي
بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سُنَّةً إنَّمَا كانَ أهْلُ
الجاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَها ويَقُولُونَ لاَ نُجِيزُ
البَطْحَاءَ إلاَّ شَدَّا.
أَي: قَالَ عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث
الْمصْرِيّ عَن بكير مصغر بكر بِالْيَاءِ الْمُوَحدَة ابْن
الْأَشَج، بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَشد الْجِيم: وَهُوَ بكير
بن عبد الله بن الْأَشَج مولى بني مَخْزُوم كَانَ من صلحاء
أهل الْمَدِينَة.
وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من
طَرِيق حَرْمَلَة بن يحيى عَن عبد الله بن وهب.
قَوْله: (لَيْسَ السَّعْي) المُرَاد مِنْهُ السَّعْي
اللّغَوِيّ وَهُوَ الْعَدو أَي: لَيْسَ الْإِسْرَاع فِي
السَّعْي بِبَطن الْوَادي بَين الصَّفَا والمروة سنة،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِسنة، بباء الْجَرّ، وَقَالَ
ابْن التِّين: خُولِفَ فِيهِ
(16/298)
ابْن عَبَّاس، بل قَالُوا: إِنَّه
فَرِيضَة. قلت: أَرَادَ ابْن عَبَّاس أَن شدَّة السَّعْي
لَيْسَ بِسنة، وَلَا يُرِيد بذلك نفس سنية السَّعْي
الْمُجَرّد، وَفِيه خلاف فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد: السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من أَرْكَان
الْحَج وَعند أَصْحَابنَا: لَيْسَ بِرُكْن، بل هُوَ من
الْوَاجِبَات كَمَا علم فِي مَوْضِعه. قَوْله: (لَا نجيز)
، بِضَم النُّون أَي: لَا نقطع الْبَطْحَاء بمسيل
الْوَادي، يُقَال: أجزته، أَي: خلفته وقطعته، وَيُقَال:
جزت الْموضع أَي: سرت فِيهِ وأجزته خلفته وقطعته، وَقيل:
أجزته بِمَعْنى جزته، ويروى: لَا تجوز الْبَطْحَاء، أَي:
لَا نتجاوزها إلاَّ شداً، وانتصابه على أَنه صفة لمصدر
مَحْذُوف أَي: لَا نجيز إجَازَة شداً، أَي: بقوةَ وعدوٍ
شَدِيد، وَيجوز أَن يكون حَالا بِمَعْنى شادِّين.
8483 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدُ الجُعَفِيُّ
حدَّثَنَا سُفْيَانُ أخبَرَنًّا مُطَرِّفٌ سَمِعْتُ أبَا
السَّفَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رضيَ الله
عَنْهُمَا يَقُولُ يَا أيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مِنِّي
مَا أقُولُ لَكُمْ وأسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ ولاَ
تَذْهَبُوا فَتَقُولُوا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ ابْن
عَبَّاسٍ مَنْ طافَ بالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ ورَاءِ
الحِجْرِ ولاَ تَقُولُوا الحَطِيمُ فإنَّ الرَّجُلَ فِي
الجَاهِلِيَّةِ كانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أوْ
نَعْلَهُ أوْ قَوْسَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن الرجل فِي
الْجَاهِلِيَّة) وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، ومطرف،
على صِيغَة الْفَاعِل من التطريف، ابْن طريف، بِالطَّاءِ
الْمُهْملَة: الْحَارِثِيّ، وَأَبُو السّفر، بِالسِّين
الْمُهْملَة وَالْفَاء المفتوحتين: واسْمه سعيد بن يحمد،
بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر الْمِيم: الْكُوفِي الْهَمدَانِي.
قَوْله: (اسمعوا) إسماع ضبط وإتقان. قَوْله: (مَا أَقُول)
مفعول: اسمعوا، قَوْله: (واسمعوني) بِفَتْح الْهمزَة
وَسُكُون السِّين من الإسماع. قَوْله: (مَا تَقولُونَ) ،
مفعول ثَان لقَوْله: اسمعوني، قَوْله: (وَلَا تذْهبُوا) ،
أَي: قبل أَن تضبطوا فتقولوا: (قَالَ ابْن عَبَّاس) بِلَا
ضبط وَلَا إتقان. قَوْله: (قَالَ ابْن عَبَّاس) كَلَام
مُسْتَقل وَلَيْسَ بتكرار، وَهُوَ مقول. قَوْله: (اسمعوا
مني مَا أَقُول لكم) وَقَوله: (من طَاف) مقول. قَوْله:
(قَالَ بَان عَبَّاس) قَوْله: (من وَرَاء الْحجر) ،
بِكَسْر الْمُهْملَة وَهُوَ: المحوط الَّذِي تَحت
الْمِيزَاب. قَوْله: (وَلَا تَقولُوا: الْحطيم) لِأَنَّهُ
من أوضاع الْجَاهِلِيَّة كَانَت عَادَتهم أَنهم إِذا
كَانُوا يتحالفون بَينهم كَانُوا يحطمون أَي: يدْفَعُونَ
نعلا أَو سَوْطًا أَو قوساً إِلَى الْحجر عَلامَة لعقد
حلفهم فَسَموهُ بذلك لكَونه يحطم أمتعتهم، وَقيل: إِنَّمَا
قيل لَهُ الْحطيم لما حطم من جِدَاره فَلم يسوِّ بِبِنَاء
الْبَيْت وَترك خَارِجا مِنْهُ، وَقيل: إِنَّمَا سمي
الْحطيم لِأَن بَعضهم كَانَ إِذا دَعَا على من ظلمه فِي
ذَلِك الْموضع هلك. قلت: فعلى هَذَا يكون الْحطيم
بِمَعْنى: الحاطم، فعيل بِمَعْنى فَاعل، وَقَالَ ابْن
الْكَلْبِيّ: سمي الْحطيم حطيماً لما يحْجر عَلَيْهِ، أَو
لِأَنَّهُ قصر بِهِ عَن بِنَاء الْبَيْت، وَأخرج عَنهُ،
قلت: فعلى هَذَا يكون الْحطيم بِمَعْنى المحطوم، فعيل
بِمَعْنى مفعول، وَقيل: سمي بِهِ لِأَن النَّاس يحطم فِيهِ
بَعضهم بَعْضًا من الزحام عِنْد الدُّعَاء فِيهِ، وَقيل:
الْحطيم هُوَ بِئْر الْكَعْبَة الَّتِي كَانَ يلقى فِيهَا
مَا ينذر لَهَا، وَقيل: الْحطيم مَا بَين الْحجر الْأسود
وَالْمقَام، وَقيل: من زَمْزَم إِلَى الْحجر يُسمى حطيماً.
قَوْله: (فَيلقى) بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء: وَهُوَ
الرَّمْي. قَوْله: (سَوْطه أَو نَعله أَو قوسه) كلمة: أَو،
فِيهِ للتنويع وَالتَّقْدِير: يلقِي فِي الْحطيم.
9483 - حدَّثنا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا هُشَيْمٌ
عنْ حُصَيْنٍ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ قَالَ رأيْتُ فِي
الجاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ
زَنَتْ فرَجَمُوهَا فرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ونعيم، بِضَم النُّون:
ابْن حَمَّاد، بتَشْديد الْمِيم: أَبُو عبد الله الرفاء
الفارض الْمروزِي، سكن مصر، قَالَ أَبُو دَاوُد: مَاتَ سنة
ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وهشيم، بِضَم الْهَاء:
ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة السّلمِيّ الوَاسِطِيّ، وحصين، بِضَم الْحَاء
وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: عبد الرَّحْمَن
السّلمِيّ أَبُو الْهُذيْل الْكُوفِي، وَعَمْرو، بِفَتْح
الْعين: ابْن مَيْمُون، قد مر عَن قريب.
قَوْله: (قردة) ، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: وَهِي
الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَتجمع على: قرود وقردة أَيْضا،
بِكَسْر الْقَاف وَفتح الرَّاء
(16/299)
كَمَا فِي متن الحَدِيث. قَوْله: (قد زنت)
حَال من: قردة، المفردة. فَإِن قلت: كَيفَ ذكر قَوْله:
(اجْتمع) مَعَ أَن فَاعله جمَاعَة، وَهُوَ قَوْله: (قردة)
وَكَذَلِكَ ذكر الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: (رجموها) وَفِي
قَوْله: مَعَهم؟ قلت: أما الأول: فلوقوع الْفَصْل بَين
الْفِعْل وَالْفَاعِل. وَأما الثَّانِي: فباعتبار أَن
الرَّاوِي كَانَ بَين القردة، فغلب الْمُذكر على
الْمُؤَنَّث، وأصل هَذِه الْقِصَّة مَا ذكرهَا
الْإِسْمَاعِيلِيّ مشروحة من طَرِيق عِيسَى بن حطَّان عَن
عَمْرو بن مَيْمُون، قَالَ: كنت فِي الْيمن فِي غنمٍ لأهلي
وَأَنا على شرف، فجَاء قرد مَعَ قردة فتوسد يَدهَا، فجَاء
قرد أَصْغَر مِنْهُ فغمزها، فسلت يَدهَا من تَحت رَأس
القرد الأول سلاًّ رَفيقاً وتبعته، فَوَقع عَلَيْهَا
وَأَنا أنظر، ثمَّ رجعت فَجعلت تدخل يَدهَا من تَحت خد
الأول بِرِفْق، فَاسْتَيْقَظَ فَزعًا، فشمها فصاح فاجتمعت
القرود، فَجعل يصيخ ويومي إِلَيْهَا بِيَدِهِ، فَذهب
القرود يمنة ويسرة، فَجَاءُوا بذلك القرد أعرفهُ،
فَحَفَرُوا لَهما حُفْرَة فرجموهما، فَلَقَد رَأَيْت
الرَّجْم فِي غير بني آدم. وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ
هَؤُلَاءِ كَانُوا من نسل الَّذين مسخوا فَبَقيَ فيهم
ذَلِك الحكم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِضَافَة الزِّنَا
إِلَى غير الْمُكَلف وَإِقَامَة الْحُدُود فِي الْبَهَائِم
عِنْد جمَاعَة أهل الْعلم مُنكر، وَلَو صَحَّ لكانوا من
الْجِنّ، لِأَن الْعِبَادَات فِي الْجِنّ وَالْإِنْس دون
غَيرهمَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُقَال:
كَانُوا من الْإِنْس فمسخوا قردة وتغيروا عَن الصُّورَة
الإنسانية فَقَط، وَكَانَ صورته صُورَة الزِّنَا وَالرَّجم
وَلم يكن ثمَّة تَكْلِيف وَلَا حدّ، وَإِنَّمَا ظَنّه
الَّذِي ظن فِي الْجَاهِلِيَّة مَعَ أَن هَذِه الْحِكَايَة
لم تُوجد فِي بعض نسخ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْحميدِي: فِي
(الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : هَذَا الحَدِيث وَقع فِي
بضع نسخ البُخَارِيّ، وَأَن أَبَا مَسْعُود وَحده ذكره فِي
(الْأَطْرَاف) ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا فِي نسخ
البُخَارِيّ أصلا، فَلَعَلَّهُ من الْأَحَادِيث المقحمة
فِي كتاب البُخَارِيّ، وَقَالَ بَعضهم فِي الرَّد على ابْن
التِّين بِأَنَّهُ: ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) : أَن الممسوخ
لَا نسل لَهُ، وَيُعَكر عَلَيْهِ بِمَا ثَبت أَيْضا فِي
صَحِيح مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما
أُوتِيَ بالضب، قَالَ: لَعَلَّه من الْقُرُون الَّتِي
مسخت. وَقَالَ فِي الفأر: فقدت أمة من بني إِسْرَائِيل لَا
أَرَاهَا إلاَّ الفار وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو إِسْحَاق
الزّجاج وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ حَيْثُ قَالَا: إِن
الْمَوْجُود من القردة من نسل الممسوخ، وَأجِيب بِأَنَّهُ،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك قبل الْوَحْي
إِلَيْهِ يحقيقة الْأَمر فِي ذَلِك، وَفِيه نظر لعدم
الدَّلِيل عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الرَّد على ابْن عبد
الْبر بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون صُورَة الْوَاقِعَة
صُورَة الزِّنَا، وَالرَّجم يكون ذَلِك زنا حَقِيقَة وَلَا
حدا، وَإِنَّمَا أطلق ذَلِك عَلَيْهِ لشبهه بِهِ، فَلَا
يسْتَلْزم ذَلِك إِيقَاع التَّكْلِيف على الْحَيَوَان.
وَأجِيب: عَنهُ بِالْجَوَابِ الأول من جوابي الْكرْمَانِي
فِي ذَلِك، وَقَالَ فِي الرَّد على الْحميدِي، بقوله:
وَمَا قَالَه الْحميدِي مَرْدُود، فَإِن الحَدِيث
الْمَذْكُور فِي مُعظم الْأُصُول الَّتِي وقفنا عَلَيْهَا،
ورد عَلَيْهِ بِأَن وقُوف الْحميدِي على الْأُصُول أَكثر
وَأَصَح من وقُوف هَذَا الْمُعْتَرض، لِأَنَّهُ جمع بَين
(الصَّحِيحَيْنِ) وَمثله أدرى بحالهما، وَلَو كَانَ فِي
أصل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث لم يجْزم بنفيه عَن
الْأُصُول قطعا وجزماً على أَنه غير مَوْجُود فِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وتجويز
الْحميدِي أَن يُزَاد فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) مَا لَيْسَ
مِنْهُ يُنَافِي مَا عَلَيْهِ الْعلمَاء من الحكم بتصحيح
جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه، وَمن
اتِّفَاقهم على أَنه مَقْطُوع بنسبته إِلَيْهِ. قلت: فِيهِ
نظر، لِأَن مِنْهُم من تعرض إِلَى بعض رِجَاله بِعَدَمِ
الوثوق وبكونه من أهل الْأَهْوَاء، وَدَعوى الحكم بتصحيح
جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِيهِ غير موجهة، لِأَن
دَعْوَى الْكُلية تحْتَاج إِلَى دَلِيل قَاطع، وَيرد مَا
قَالَه أَيْضا بِأَن النَّسَفِيّ لم يذكر هَذَا الحَدِيث
فِيهِ.
0583 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثَنَا
سُفْيَانُ عنْ عُبَيْدِ الله سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما قَالَ خِلاَلٌ مِنْ خِلالِ
الجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الأنْسَابِ والنِّياحَةُ
ونَسيَ الثَّالِثَةَ: قَالَ سُفْيَانُ ويَقُولُونَ إنَّهَا
الاسْتِسْقَاءُ بالأنْوَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ
ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد
الله تَصْغِير عبد بن أبي يزِيد الْمَكِّيّ، مولى آل قارظ
بن شيبَة الْكِنَانِي. وَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن
معِين وَآخَرُونَ، وَكَانَ مكثراً. قَالَ ابْن عُيَيْنَة:
مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة، وَله سِتّ وَثَمَانُونَ
سنة.
قَوْله: (خلال) أَي: خِصَال ثَلَاث من خِصَال
الْجَاهِلِيَّة. أَحدهَا: (االطعن فِي الْأَنْسَاب) كطعنهم
فِي نسب أُسَامَة.
(16/300)
وَثَانِيها: (النِّيَاحَة على الْأَمْوَات)
قَوْله: (وَنسي الثَّالِثَة) أَي: نسي عبيد الله الرَّاوِي
الْخلَّة الثَّالِثَة. وَوَقع ذَلِك فِي رِوَايَة ابْن أبي
عمر عَن سُفْيَان: وَنسي عبيد الله الثَّالِثَة، فعين
النَّاسِي. أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. قَوْله: (قَالَ
سُفْيَان) أَي: ابْن عُيَيْنَة أحد الروَاة (يَقُولُونَ
إِنَّهَا) أَي: الْخلَّة الثَّالِثَة هِيَ (الاسْتِسْقَاء
بالأنواء) وَهُوَ جمع نوء وَهُوَ منزل الْقَمَر، كَانُوا
يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، وسقينا بِنَوْء
كَذَا. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي كتاب
الاسْتِسْقَاء.
82 - (بابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مبعث النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، والمبعث مصدر ميمي من الْبَعْث وَهُوَ
الْإِرْسَال.
مُحَمَّدِ
بِالْجَرِّ عطف بَيَان للنَّبِي، وَهُوَ على صِيغَة اسْم
الْمَفْعُول من بَاب التفعيل، صيغت للْمُبَالَغَة. وَقَالَ
ابْن إِسْحَاق: كَانَت آمِنَة بنت وهب أم رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، تحدث أَنَّهَا أُوتيت حِين حملت
برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَخ، وَفِيه:
فَإِذا وَقع فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا فَإِن اسْمه فِي
التَّوْرَاة أَحْمد، وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي
(الدَّلَائِل) بِإِسْنَاد مُرْسل: أَن عبد الْمطلب لما ولد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عمل لَهُ مأدبة،
فَلَمَّا أكلُوا سَأَلُوهُ مَا سميته؟ قَالَ: مُحَمَّدًا.
قَالُوا: فبمَا رغبت بِهِ عَن أَسمَاء أهل بَيْتك، قَالَ:
أردْت أَن يحمده الله فِي السَّمَاء وخلقه فِي الأَرْض.
ابنِ عَبْدِ الله
لَا خلاف فِي اسْمه أَنه عبد الله، قَالَ الْوَاقِدِيّ:
ولد عبد الله فِي أَيَّام كسْرَى أنو شرْوَان لأربعة
وَعشْرين سنة خلت من ملكه، وكنيته أَبُو أَحْمد،
وَاخْتلفُوا فِي زمَان مَوته، فَقيل: إِنَّه مَاتَ
وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حاملة بِهِ أمه.
وَقَالَ عَامَّة المؤرخين: إِنَّه مَاتَ قبل وِلَادَته
بِشَهْر أَو بشهرين، وَقَالَ مقَاتل: بعد وِلَادَته
بِثمَانِيَة وَعشْرين شهرا، وَقيل: بعد وِلَادَته بسبعة
أشهر، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَأثبت الْأَقَاوِيل عندنَا
أَنه مَاتَ وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حمل،
وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ فِي دَار النَّابِغَة
عِنْد أَخْوَاله من بني النجار، وَيُقَال: إِنَّه دفن فِي
دَار الْحَارِث بن إِبْرَاهِيم بن سراقَة الْعَدوي وَهُوَ
من أخوال عبد الْمطلب، وَكَانَ أَبوهُ عبد الْمطلب بَعثه
يمتار لَهُ تَمرا من الْمَدِينَة، وَقيل: إِنَّه خرج فِي
تِجَارَة إِلَى الشَّام فِي عير لقريش، فَمَرض
بِالْمَدِينَةِ شهرا وَمَات، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ:
وَتُوفِّي عبد الله وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة، وَقيل:
ابْن ثَلَاثِينَ سنة، وَترك أم أَيمن وَكَانَت تحضن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الله شَقِيق أبي
طَالب.
ابنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
اسْمه شيبَة الْحَمد عِنْد الْجُمْهُور لجوده، وَقيل:
شيبَة لقبه لقب بِهِ لشيبة كَانَت فِي رَأسه، وَيُقَال:
اسْمه عَامر وكنيته أَبُو الْحَارِث، كني باسم وَلَده
الْحَارِث وَهُوَ أكبر أَوْلَاده، وَله كنية أُخْرَى وَهِي
أَبُو الْبَطْحَاء. وَأمه سلمى بنت عَمْرو بن زيد بن لبيد
بن خِدَاش بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار، وَإِنَّمَا
قيل لَهُ عبد الْمطلب لِأَن أَبَاهُ هاشماً لما مر
بِالْمَدِينَةِ فِي تِجَارَته إِلَى الشَّام، نزل على
عَمْرو بن زيد بن لبيد الْمَذْكُور آنِفا، فَأَعْجَبتهُ
ابْنَته سلمى فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فَزَوجهَا
مِنْهُ، وَلما رَجَعَ من الشَّام بني بهَا وَأَخذهَا مَعَه
إِلَى مَكَّة، ثمَّ خرج فِي تِجَارَة فَأَخذهَا مَعَه
وَهِي حُبْلَى، وَتركهَا فِي الْمَدِينَة، وَدخل الشَّام
وَمَات بغزة، وَوضعت سلمى وَلَدهَا فَسَمتْهُ: شيبَة،
فَأَقَامَ عِنْد أَخْوَاله بني النجار سبع سِنِين، ثمَّ
جَاءَ عَمه الْمطلب بن عبد منَاف فَأَخذه خُفْيَة من أمه،
فَذهب بِهِ إِلَى مَكَّة فَلَمَّا رَآهُ النَّاس وَرَاءه
على الرَّاحِلَة قَالُوا: من هَذَا مَعَك؟ فَقَالَ:
عَبدِي، ثمَّ جاؤا فهنأوه بِهِ وَجعلُوا يَقُولُونَ لَهُ:
عبد الْمطلب لذَلِك، فغلب عَلَيْهِ. وَحكى الْوَاقِدِيّ
عَن مخرمَة بن نَوْفَل الزُّهْرِيّ قَالَ: توفّي عبد
الْمطلب فِي السّنة الثَّامِنَة من مولد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَدفن فِي الْحجُون، وَاخْتلفُوا فِي سنه
فَقيل: ثَمَانُون سنة، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَقيل: مائَة
وَعشر سِنِين وَعشرَة أشهر، وَقَالَ هِشَام مائَة
وَعِشْرُونَ.
ابنِ هاشِمٍ
اسْمه عَمْرو، وَسمي بِهِ لهشمه الثَّرِيد مَعَ اللَّحْم
لِقَوْمِهِ فِي زمن المجاعة، وَكَانَ أكبر ولد أَبِيه،
وَعَن ابْن جرير: أَنه كَانَ توأم أَخِيه عبد شمس، وَأَن
هاشماً خرج وَرجله ملتصقة بِرَأْس عبد شمس، فَمَا تخلصت
حَتَّى سَالَ بَينهمَا دم، فتفاءل النَّاس بذلك أَن يكون
بَين أولادهما حروب، فَكَانَت وقْعَة بني الْعَبَّاس مَعَ
بني أُميَّة بن عبد شمس سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة
من الْهِجْرَة، وشقيقهم الثَّالِث: الْمطلب، وَكَانَ
أَصْغَر ولد أَبِيه، وأمهم عَاتِكَة بنت مرّة بن هِلَال،
ورابعهم نَوْفَل من أم أُخْرَى، وَهِي واقدة بنت عَمْرو
المازنية، وَقد ذكرنَا أَن هاشماً مَاتَ بغزة.
(16/301)
ابنِ عَبْدِ مَنافٍ
اسْمه الْمُغيرَة، كنيته أَبُو عبد شمس، وَكَانَ يُقَال
لَهُ: قمر الْبَطْحَاء لجماله، وَإِنَّمَا لقبته بِهِ أمه
حبى بنت خَلِيل بن حبشية بن سلول بن خُزَاعَة، وَذَلِكَ
لِأَنَّهَا أخدمته منَاف وَكَانَ صنماً عَظِيما لَهُم.
ابنِ قُصَيِّ
اسْمه زيد، وَهُوَ تَصْغِير قاص سمي بِهِ لِأَنَّهُ قصي
عَن قومه وَكَانَ فِي بني عذرة مَعَ أَخِيه لأمه، وَذَلِكَ
لِأَن أمه تزوجت بعد أَبِيه بربيعة بن حزَام بن عذرة،
فسافر بهَا إِلَى بِلَاده وَابْنهَا صَغِير فَسُمي بقصي
لذَلِك، ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة وَهُوَ كَبِير، وَأمه
فَاطِمَة بنت سعد بن سيل بن حمالَة، وَكَانَ قصي حَاز شرف
مَكَّة وأمرها وَكَانَ سيداً مُطَاعًا رَئِيسا مُعظما
وَبنى دَارا لإزاحة الظلامات وَفصل الْخُصُومَات سَمَّاهَا
دَار الندوة، وَلما مَاتَ دفن بالحجون.
ابنِ كِلاَبٍ
اسْمه: حَكِيم، وَكَانَ مُولَعا بالصيد، وَأكْثر صَيْده
بالكلاب، وَلذَلِك لقب بِهِ، وَيُقَال: اسْمه عُرْوَة،
قَالَه أَبُو البركات، وَأمه هِنْد بنت سَرِير بن
ثَعْلَبَة بن الْحَارِث بن فهر.
ابنِ مُرَّةَ
هُوَ مَنْقُول من وصف الحنظلة، وَيجوز أَن تكون الْهَاء
للْمُبَالَغَة، فَيكون مَنْقُولًا من وصف الرجل بالمرارة،
وَقيل: هُوَ مَأْخُوذ من الْقُوَّة والشدة، وَأمه نحشبة،
وَقيل: وحشية بنت سُفْيَان بن محَارب بن فهر.
ابنِ كَعْبِ
قيل: هُوَ مَنْقُول من الكعب الَّذِي هُوَ قِطْعَة من
السّمن، وَهِي الكتلة الجامدة فِي الزق أَو فِي غَيره من
الظروف، أَو من كَعْب الْقدَم، وَهُوَ أشبه، وَقَالَ
السُّهيْلي: قيل: سمي بذلك لستره على قومه ولين جَانِبه
لَهُم، مَنْقُول من كَعْب الْقدَم، وَقَالَ ابْن دُرَيْد:
من كَعْب الْقَنَاة لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم،
فَلذَلِك كَانُوا يخضعون لَهُ حَتَّى أَرخُوا لمَوْته،
وَهُوَ أول من جمع قومه يَوْم الْجُمُعَة، وَكَانُوا
يسمونه: يَوْم الْعرُوبَة، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام.
ابنِ لُؤَيِّ
بِضَم اللَّام وبالهمزة، قَول الْأَكْثَرين، وَهُوَ
تَصْغِير لائي، وَهُوَ الثور الوحشي، وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: من لِوَاء الْجَيْش وَهُوَ مَمْدُود، وَإِن كَانَ
من لوى الرجل فَهُوَ مَقْصُور، وَأمه عَاتِكَة بنت مخلد بن
النَّضر بن كنَانَة وَهِي أحد العواتك اللَّاتِي ولدت
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: بل أمه سلمى
بنت عَمْرو بن ربيعَة الْخُزَاعِيَّة.
ابنِ غالبِ
يكني أَبَا تَمِيم، وَأمه ليلى بنت الْحَارِث بن تَمِيم بن
سعد بن هُذَيْل بن مدركة.
ابنِ فِهْرِ
بِكَسْر الْفَاء، قَالَ ابْن دُرَيْد: الفهر الْحجر الأملس
يمْلَأ الْكَفّ أَو نَحوه، وَهُوَ مؤنث، وَقَالَ أَبُو ذَر
الْهَرَوِيّ: يذكر وَيُؤَنث، وَقَالَ السُّهيْلي: الفهر من
الْحِجَارَة الطَّوِيل، وكنيته أَبُو غَالب، وَهُوَ جماع
قُرَيْش فِي قَول الْكَلْبِيّ، وَقَالَ عَليّ بن كيسَان:
فهر هُوَ أَبُو قُرَيْش، وَمن لم يكن من ولد فهر فَلَيْسَ
من قُرَيْش.
ابنِ مالِكِ
كنيته أَبُو الْحَارِث، وَأمه عَاتِكَة بنت غَزوَان.
ابنِ النَّضْرِ
اسْمه: قيس، سمي بالنضر لوضاءته وجماله وإشراق لون وَجهه،
وَالنضْر هُوَ الذَّهَب الْأَحْمَر وَهُوَ النضار، وَأمه
برة بنت مر بن أد ابْن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر وكنية
النَّضر أَبُو يخلد، كني بِابْنِهِ يخلد.
ابنِ كَنانَةَ
هُوَ بِلَفْظ وعَاء السِّهَام إِذا كَانَت من جُلُود،
قَالَه ابْن دُرَيْد، والكنانة الجعبة وكنيته أَبُو
النَّضر، وَأمه عوَانَة بنت سعد بن قيس.
ابنِ خُزَيْمَةَ
تَصْغِير: خزمة، بِفَتْح المعجمتين وَاحِدَة، الخزم
بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ شجر يتَّخذ من لحائه الحبال،
وَقَالَ الزّجاج: يجوز أَن يكون الخزم بِفَتْح الْخَاء
وَسُكُون الزَّاي، تَقول: خزمته فَهُوَ مَخْزُوم إِذا
أدخلت فِي أَنفه الخزام.
ابنِ مُدْرِكَةَ
اسْمه عَمْرو، عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق:
عَامر، وَاسم أَخِيه طابخة، فاصطاد صيدا فَبَيْنَمَا هما
يطبخانه إِذْ نفرت الْإِبِل فَذهب عَامر فِي طلبَهَا
حَتَّى أدْركهَا، وَجلسَ الآخر يطْبخ، فَلَمَّا رَاحا على
أَبِيهِمَا ذكرا لَهُ ذَلِك، فَقَالَ لعامر: أَنْت مدركة،
وَقَالَ لِأَخِيهِ عَمْرو: أَنْت طابخة.
ابنِ إلياسِ
بِكَسْر الْهمزَة عِنْد ابْن الْأَنْبَارِي وَجعله
مُوَافقا لاسم إلْيَاس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن إلْيَاس النَّبِي، بِكَسْر الْهمزَة لَا غير،
وَقَالَ غَيره بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْهمزَة ضد
الرَّجَاء، وَاللَّام فِيهِ للمح الصّفة وَهُوَ أول من
أهْدى الْبدن إِلَى الْبَيْت، وَقَالَ السُّهيْلي وَيذكر
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لَا
تسبوا إلْيَاس فَإِنَّهُ كَانَ مُؤمنا وَذكر أَنه كَانَ
يسمع تَلْبِيَة
(16/302)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
صلبه، وَيُقَال إلْيَاس لقب لَهُ واسْمه إلياسين، وَهُوَ
أول من لقب بِهِ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَيُقَال:
النَّاس، بالنُّون وَهُوَ وهم، وَأمه الربَاب بنت حيدة بن
معد بن عدنان، وَيُقَال: هُوَ أول من وضع الرُّكْن فِي
الْبَيْت بعد الطوفان، وَكَانَت بَنو إِسْمَاعِيل قد غيرت
معالم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما
طَال الزَّمَان فَرفعُوا الرُّكْن من الْبَيْت وتركوه فِي
أبي قبيس، فَرده إلْيَاس إِلَى مَوْضِعه.
ابنِ مُضَرَ
من المضيرة وَهُوَ شَيْء يصنع من اللَّبن، سمي بِهِ لبياض
لَونه، وَالْعرب تسمي الْأَبْيَض أَحْمَر فَلذَلِك قيل:
مُضر الْحَمْرَاء، وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ يحب شرب اللَّبن
الماضر وَهُوَ الحامض، وَهُوَ أول من سنّ الحداء لِأَنَّهُ
كَانَ حسن الصَّوْت، وَأمه سَوْدَة بنت عك، وَقيل: خبية
بنت عك، بخاء مُعْجمَة وباء مُوَحدَة.
ابنِ نِزَارٍ
بِفَتْح النُّون وَيُقَال بِكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَصَح من
النزر، وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل، وَكَانَ أَبوهُ حِين
ولد لَهُ نظر إِلَى النُّور بَين عَيْنَيْهِ وَهُوَ نور
النُّبُوَّة، وَفَرح فَرحا شَدِيدا، وَنحر وَأطْعم،
وَقَالَ إِن هَذَا كُله نزر فِي حق هَذَا الْمَوْلُود،
فَسُمي نزاراً لذَلِك، وَأمه معانة بنت حوشم بن جلهمة بن
عَمْرو بن هلينبة ابْن دوه بن جرهم، وَقَالَ السُّهيْلي:
وَيُقَال: إسمها ناعمة، ويكنى نزار أَبَا إياد، وَقيل:
أَبَا ربيعَة.
ابنِ مَعَدِّ
بِفَتْح الْمِيم وَالْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال،
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
الأول: أَن يكون مفعلاً من الْعد. وَالثَّانِي: أَن يكون
فعلا من معد فِي الأَرْض إِذا فسد. وَالثَّالِث: أَن يكون
من المعدين وهما: مَوضِع عَقبي الْفَارِس من الْفرس،
وَقَالَ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ: معد من تمعد إِذا
اشْتَدَّ، وَيُقَال تمعدد أَيْضا إِذا أبعد فِي الذّهاب،
وَأم معد مهدد، وَقيل: مهاد بنت لَهُم، وَقيل: اللَّهُمَّ
بن جلحت، وَفِي رِوَايَة: خُلَيْد بن طسم بن يلمع بن
إسليحيا بن لوذان بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام.
حَتَّى ص 303
ابنِ عَدْنَانَ
على وزن فعلان من عدن إِذا أَقَامَ، وَمِنْه الْمَعْدن،
بِكَسْر الدَّال لِأَنَّهُ يُقَام فِيهِ على طلب جواهره.
وَاقْتصر البُخَارِيّ فِي ذكر نسبه الشريف على هَذَا وَلم
يذكرهُ إِلَى آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن أهل النّسَب
أَجمعُوا عَلَيْهِ إِلَى هُنَا، وَمَا وَرَاء ذَلِك فِيهِ
اخْتِلَاف كثير جدا، وَاخْتلفُوا فِيمَا بَين عدنان
وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، من الْآبَاء، فَقيل:
سَبْعَة آبَاء بَينهمَا، وَقيل: تِسْعَة، وَقيل: خَمْسَة
عشر أَبَا، وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَأخذُوا ذَلِك من كتاب
رخيا وَهُوَ يورخ كَاتب إرمياء، عَلَيْهِ السَّلَام،
وَكَانَ قد حملا معد بن عدنان إِلَى جَزِيرَة الْعَرَب
ليَالِي بخت نصر فَأثْبت رخيا فِي كتبه نِسْبَة عدنان
فَهُوَ مَعْرُوف عِنْد أَخْبَار أهل الْكتاب وعلمائهم،
مُثبت فِي أسفارهم، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا
الشَّأْن فِي نسب عدنان قَالُوا: عدنان بن أدد بن مقوم بن
ناحور بن تيرح بن يعرب ابْن يشجب بن نبت بن قيدار بن
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بن تارح
وَهُوَ آزر بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن
شالخ بن إرفخشذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، بن
لامك بن متوشلخ بن أَخْنُوخ، وَهُوَ إِدْرِيس، عَلَيْهِ
السَّلَام، ابْن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شِيث
بن آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
1583 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبِي رَجَاءٍ حدَّثنا
النَّضْرُ عنْ هِشَامٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا قَالَ انْزِلَ علَى رسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ ابنُ أرْبَعِينَ
فمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ أُمِرَ
بالْهِجْرةِ فَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ فمَكَثَ بِهَا
عَشْرَ سِنينَ ثُمَّ تُوُفِّيَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن أبي رَجَاء
واسْمه عبد الله بن أَيُّوب أَبُو الْوَلِيد الْحَنَفِيّ
الْهَرَوِيّ، توفّي بهراة فِي سنة اثْنَتَيْنِ
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وقبره مَشْهُور يزار، وَهُوَ
من أَفْرَاده، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل أَبُو الْحسن الْمَازِني،
وَهِشَام هُوَ ابْن حسان الْبَصْرِيّ، وَعِكْرِمَة مولى
ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (أنزل على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: الْوَحْي. قَوْله: (وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ) أَي:
وعمره أَرْبَعُونَ سنة، فَأَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة
سنة بعد الْوَحْي ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَأقَام
بهَا عشر سِنِين، ثمَّ توفّي فَيكون عمره ثَلَاثًا
وَسِتِّينَ سنة، هَذَا حَاصِل كَلَام ابْن عَبَّاس، وروى
ابْن سعد من رِوَايَة عمار بن أبي عمار عَن ابْن عَبَّاس:
أَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس
عشرَة: سبع سِنِين يرى الضَّوْء والنور وَيسمع
(16/303)
الصَّوْت وثمان سِنِين يُوحى إِلَيْهِ، وَكَذَا ذكره
الْحسن، وَعَن ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: نزل
الْقُرْآن بِمَكَّة عشرا أَو خمْسا، يَعْنِي: سِنِين أَو
أَكثر، وَعَن الْحسن أَيْضا: أنزل عَلَيْهِ ثَمَان سِنِين
بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة وَعشر سِنِين بِالْمَدِينَةِ.
قلت: قَول البُخَارِيّ هُوَ قَول الْأَكْثَر، وَكَانَ
النُّزُول يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان
وَقيل: لتسْع، وَقيل: لأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة، فِيمَا
ذكره ابْن عَسَاكِر، وَعَن أبي قلَابَة: نزل عَلَيْهِ
الْقُرْآن لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان، وَعند
المَسْعُودِيّ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لعشر خلون من ربيع
الأول وَعند ابْن إِسْحَاق: ابْتِدَاء التَّنْزِيل يَوْم
الْجُمُعَة من رَمَضَان وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَعِشْرُونَ
يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِع شباط لسبع مائَة وَأَرْبَعَة
وَعشْرين عَاما من سني ذِي القرنين، وَقَالَ ابْن عبد
الْبر: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول سنة
إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْفِيل، وَقيل: فِي أول ربيع
وَفِي (تَارِيخ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي) : على
رَأس خمس عشرَة سنة من بُنيان الْكَعْبَة، وَعَن مَكْحُول:
أُوحِي إِلَيْهِ بعد اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين سنة، وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ وَابْن أبي عَاصِم والدولابي فِي (تَارِيخه)
: نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين
سنة، لسبع وَعشْرين من رَجَب، قَالَه الْحسن بن عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعند
الْحَاكِم مصححاً: إِن إسْرَافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وكل
بِهِ أَولا ثَلَاث سِنِين، قبل جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَأنكر ذَلِك الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ: أهل
الْعلم ببلدنا يُنكرُونَ أَن يكون وكل بِهِ غير جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، وَزعم السُّهيْلي أَن إسْرَافيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، وكل بِهِ تدرباً وتدريجاً لجبريل،
عَلَيْهِ السَّلَام، كَمَا كَانَ أول نبوته الرُّؤْيَا
الصادقة. |