عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 20 - (بابٌ {إذْ تُصْعِدُونَ ولاَ
تَلْوُونَ علَى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي
أُخْرَاكُمْ فأثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ لِكَيْلاَ
تَحْزَنُوا علَى مَا فَاتَكُمْ ولاَ مَا أصَابَكُمْ وَالله
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (آل عمرَان: 153) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {إِذْ تصعدون} .
قَوْله: (إِذْ) ، نصب بقوله: {ثمَّ صرفكم عَنْهُم} (آل
عمرَان: 152) . أَو بقوله: {ليبتليكم} (آل عمرَان: 152) .
أَو بإضمار: إذكر يَا مُحَمَّد {إِذْ تصعدون} وَهُوَ من
الإصعاد، وَهُوَ الذّهاب فِي الأَرْض والإبعاد فِيهِ،
يُقَال: صعد فِي الْجَبَل وأصعد فِي الأَرْض، يُقَال:
أصعدنا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَقَرَأَ الْحسن:
{تصعدون} بِفَتْح التَّاء يَعْنِي: فِي الْجَبَل، قَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: وتعضد الْقِرَاءَة الأولى قِرَاءَة أبي:
{تصعدون} بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الْعين من تصعد فِي
السّلم، وَقَالَ الْمفضل: صعد وأصعد بِمَعْنى. قَوْله:
(وَلَا تلوون) أَي: وَلَا تعرجون وَلَا تقيمون، أَي: لَا
يلْتَفت بَعْضكُم على بعض هرباً، وَأَصله من لي الْعُنُق
فِي الِالْتِفَات، ثمَّ اسْتعْمل فِي ترك التَّصْرِيح، وقر
الْحسن: تلون، بواو وَاحِدَة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
وقرىء: يصعدون ويلوون، بِالْيَاءِ يَعْنِي: فيهمَا.
وَقَوله: (على أحد) قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي مُحَمَّدًا
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقِرَاءَة عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا. على أحد بِضَم الْهمزَة والحاء يَعْنِي:
الْجَبَل. قَوْله: (وَالرَّسُول) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (يدعوكم) كَأَنَّهُ يَقُول: إِلَيّ عباد الله
إِلَيّ عباد الله، أَنا رَسُول الله من يُكرمهُ فَلهُ
الْجنَّة. قَوْله: (فِي أخراكم) أَي: من خلفكم، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: فِي ساقتكم وجماعتكم الْأُخْرَى، وَهِي
الْجَمَاعَة الْمُتَأَخِّرَة. قَوْله: (فأثابكم) عطف على
قَوْله: (ثمَّ صرفكم) أَي: فجازاكم الله غما حِين صرفكم
عَنْهُم وابتلاكم بِسَبَب غم أذقتموه رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بعصيانكم لَهُ أَو غماً مضاعفاً بعد
غم مُتَّصِلا بغم، من الاغتمام بِمَا أرجف بِهِ من قتل
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجرْح
وَالْقَتْل وظفر الْمُشْركين وفوت الْغَنِيمَة والنصر،
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْغم الأول: بِسَبَب الْهَزِيمَة،
وَحين قيل: قتل مُحَمَّد، وَالثَّانِي: حِين علاهم
الْمُشْركُونَ فَوق الْجَبَل، رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه.
وروى ابْن أبي حَاتِم: عَن قَتَادَة نَحْو ذَلِك، وَقَالَ
السّديّ: الْغم الأول: بِسَبَب مَا فاتهم من الْغَنِيمَة
وَالْفَتْح، وَالثَّانِي: بإشراف الْعَدو عَلَيْهِم، وَقيل
غير ذَلِك. قَوْله: (لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم) مُتَّصِل
بقوله: (وَلَقَد عَفا عَنْكُم لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم
من الْغَنِيمَة وَلَا مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل
وَالْجرْح، لِأَن عَفوه يذهب ذَلِك كُله، وَقيل: صلَة،
فَيكون الْمَعْنى: لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم وَلَا مَا
أَصَابَكُم عُقُوبَة لكم فِي خلافكم، وَالله خَبِير بعملكم
كُله.
4067 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ
(17/153)
عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ
جعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى
الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ
وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إذْ يَدْعُوهُمْ
الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن
خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، روى عَن
زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد
الله السبيعِي، وَقد مر الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب
غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن
عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن
الْبَراء ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
4067 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ
عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جعَلَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ
عبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ
إذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن
خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، روى عَن
زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد
الله السبيعِي، وَقد مر الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب
غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن
عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن
الْبَراء ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
4067 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ
عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جعَلَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ
عبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ
إذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن
خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، روى عَن
زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد
الله السبيعِي، وَقد مر الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب
غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن
عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن
الْبَراء ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
21 - (بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ
مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أمَنَةً نُعَاسَاً يَغْشَى طائِفَةً
مِنْكُمْ وطائِفَةٌ قَدْ أهَمَّتهُمْ أنْفُسُهُمْ
يَظُنُّونَ بِاللَّه غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ
يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إنَّ
الأمْرَ كُلَّهُ لله يُخْفُونَ فِي أنْفُسِهِمْ مَا لاَ
يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ
شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي
بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ
القَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ ولِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي
صُدُورِكُمْ ولِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَالله
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمرَان: 154) .)
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لما انْصَرف الْمُشْركُونَ يَوْم
أحد كَانُوا يتوعدون الْمُسلمين بِالرُّجُوعِ وَلم يَأْمَن
الْمُسلمُونَ كرتهم، وَكَانُوا تَحت الحجفة متأهبين
لِلْقِتَالِ، فَأنْزل الله عَلَيْهِم دون الْمُنَافِقين
أَمَنَة فَأَخذهُم النعاس، وَإِنَّمَا يَنْعس من أَمن
والخائف لَا ينَام، وروى الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد
الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن
مَسْعُود، قَالَ: النعاس فِي الْقِتَال أَمن من الله،
وَفِي الصَّلَاة وَسْوَسَة من الشَّيْطَان.
قَوْله: (من بعد الْغم) أَرَادَ بِهِ الْغم الَّذِي حصل
لَهُم عِنْد الانهزام. قَوْله: (أَمَنَة) ، مصدر كالأمن،
وقرىء: أَمنه، بِسُكُون الْمِيم كَأَنَّهَا الْمرة من
الْأَمْن. قَوْله: (نعاساً) نصب على أَنه بدل من: أَمَنَة،
وَيجوز أَن يكون عطف بَيَان، وَيجوز أَن يكون نعاساً
مَفْعُولا لقَوْله: (أنزل الله) ، وأمنة حَالا مِنْهُ
مُقَدّمَة عَلَيْهِ كَقَوْلِه: رَأَيْت رَاكِبًا رجلا،
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يجوز أَن يكون: أَمَنَة،
مَفْعُولا لَهُ بِمَعْنى: نعستم أَمَنَة، وَيجوز أَن يكون
حَالا من المخاطبين، يَعْنِي: ذَوي أَمَنَة أَو على أَنه
جمع آمن كبار وبررة. قَوْله: (يغشى) قرىء بِالْيَاءِ
وَالتَّاء على إِرَادَة النعاس أَو الأمنة. قَوْله:
(طَائِفَة مِنْكُم) هم أهل الصدْق وَالْيَقِين. قَوْله:
(وَطَائِفَة) هم المُنَافِقُونَ. قَوْله: (قد أهمتهم
أنفسهم) ، يَعْنِي: لَا يَغْشَاهُم النعاس من القلق والجزع
وَالْخَوْف. قَوْله: (يظنون بِاللَّه غير الْحق) ، وَهُوَ
قَوْلهم: لَا ينصر مُحَمَّد وَأَصْحَابه، أَو أَنه قتل،
أَو أَن أمره مضمحل. قَوْله: (ظن الْجَاهِلِيَّة) ، أَي:
كظن الْجَاهِلِيَّة، وَهِي زمن الفترة، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: يظنون بِاللَّه غير الظَّن الْحق الَّذِي
يجب أَن يظنّ بِهِ، وَظن الْجَاهِلِيَّة بدل مِنْهُ،
وَيجوز أَن يُرَاد: لَا يظنّ مثل ذَلِك الظَّن إلاَّ أهل
الشّرك الجاهلون بِاللَّه. قَوْله: (يَقُولُونَ هَل لنا من
الْأَمر من شَيْء) ، يَعْنِي: يَقُولُونَ لرَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يسْأَلُون: هَل لنا من الْأَمر
من شَيْء؟ مَعْنَاهُ: هَل لنا معاشر الْمُسلمين من أَمر
الله نصيب قطّ؟ يعنون: النَّصْر والإظهار على الْعَدو،
وَقَالَ الله تَعَالَى: قل يَا مُحَمَّد (إِن الْأَمر كُله
لله) ولأوليائه الْمُؤمنِينَ وَهُوَ النَّصْر
وَالْغَلَبَة. قَوْله: (يخفون فِي أنفسهم مَا لَا يبدون
لَك) أَي: مَا لَا يظهرون لَك يَا مُحَمَّد، يَعْنِي:
يَقُولُونَ لَك فِيمَا يظهرون: هَل لنا من الْأَمر من
شَيْء؟ سُؤال الْمُؤمنِينَ المسترشدين، وهم فِيمَا يظنون
على النِّفَاق، يَقُولُونَ فِي أنفسهم أَو بَعضهم لبَعض
منكرين لِقَوْلِك لَهُم: إِن الْأَمر كُله لله، هَكَذَا
فسره الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَالَ غَيره: وَالَّذِي أخفوه
قَوْلهم: لَو كُنَّا فِي بُيُوتنَا مَا قتلنَا هَهُنَا،
وَقيل: الَّذِي أخفوه إسرارهم الْكفْر وَالشَّكّ فِي أَمر
الله تَعَالَى، وَقيل: هُوَ النَّدَم على حضورهم مَعَ
الْمُسلمين بِأحد، وَالَّذِي قَالَ ذَلِك معتب ابْن
قُشَيْر، فَرد الله ذَلِك عَلَيْهِم بقوله: {قل لَو
كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ} يَعْنِي: قل يَا مُحَمَّد: أَيهَا
المُنَافِقُونَ! لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ وَلم تخْرجُوا
إِلَى أحد {لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى
مضاجعهم} يَعْنِي: لَو تخلفتم لخرج مِنْكُم الَّذين كتب
عَلَيْهِ الْقَتْل، وَالْمرَاد: من مضاجعهم: مصَارِعهمْ،
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير
قَالَ: قَالَ الزبير: لقد رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اشْتَدَّ الْخَوْف علينا،
أرسل الله علينا النّوم فَمَا منا من رجل إلاَّ ذقنه فِي
صَدره، قَالَ: فوَاللَّه إِنِّي لأسْمع قَول معتب بن
قُشَيْر مَا أسمعهُ إلاَّ كَالْحلمِ: لَو كَانَ لنا من
الْأَمر شَيْء مَا قتلنَا هَهُنَا، فحفظنا مِنْهُ، فَأنْزل
الله تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَو ككان لنا
(17/154)
من الْأَمر من شَيْء مَا قتلنَا هَهُنَا}
كَقَوْل معتب، قَوْله: (وليبتلي الله) أَي: ليختبر الله
بأعمالكم. {وليمحص مَا فِي قُلُوبكُمْ} أَي: ليطهر من
الشَّك بِمَا يريكم من عجائب صنعه من الأمنة وَإِظْهَار
إسرار الْمُنَافِقين، وَهَذَا التمحيص خَاص
بِالْمُؤْمِنِينَ. قَوْله: (وَالله عليم بِذَات الصُّدُور)
أَي: الْأَسْرَار الَّتِي فِي الصُّدُور من خير وَشر.
4068 - وقَالَ لِي خَلِيفَةُ حدَّثنَا يَزِيدُ بنُ
زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ عنْ
أبِي طَلْحَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنْتُ
فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى
سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارَاً يَسْقُطُ وآخُذُهُ
ويَسْقُطُ فآخُذُهُ. (الحَدِيث 4068 طرفه فِي: 4562) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي
عرُوبَة، وَإِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ، رَحمَه الله
تَعَالَى: قَالَ لي خَليفَة، وَلم يقل: حَدثنَا وَنَحْوه،
لِأَنَّهُ لم يقلهُ على طَرِيق التحديث والتحميل، بل على
سَبِيل المذاكرة، وَقد تقدم فِي حَدِيث الْبَراء عَن قريب
مَا رَوَاهُ أنس عَن أبي طَلْحَة، وَهُوَ زيد بن سهل
الْأنْصَارِيّ.
22 - (بابٌ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ} (آل
عمرَان: 128) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ لَك من
الْأَمر شَيْء ... } الْآيَة وَبَيَان سَبَب نُزُولهَا،
اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هُوَ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج جَبينه حَتَّى
سَالَ الدَّم على وَجهه، قَالَ: كَيفَ يفلح قوم فعلوا
هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم؟ أخرجه
مُسلم فِي أَفْرَاده، من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَقيل: سَبَب نُزُولهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لعن قوما من الْمُنَافِقين، وَقيل: إِنَّه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، هم بِسَبَب الَّذين انْهَزمُوا يَوْم أحد،
وَكَانَ فيهم عُثْمَان بن عَفَّان، فَنزلت هَذِه الْآيَة،
فَكف عَنْهُم، وَقيل: إِن أَصْحَاب الصّفة خَرجُوا إِلَى
قبيلتين من بني سليم: عصية وذكوان، فَقتلُوا فَدَعَا
عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ صباحاً وَقيل: لما رأى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، حَمْزَة ممثلاً قَالَ: لَأُمَثِّلَن
بِكَذَا كَذَا، فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَوْله: (لَيْسَ لَك
من الْأَمر شَيْء) أَي: لَيْسَ إِلَيْك من إصلاحهم وَلَا
من عَذَابهمْ شَيْء، وَقيل: لَيْسَ إِلَيْك من النَّصْر
والهزيمة شَيْء وَاللَّام بِمَعْنى: إِلَى قَوْله: (أَو
يَتُوب عَلَيْهِم) أَي: حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم مِمَّا هم
فِيهِ من الْكفْر (أَو يعذبهم) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
على كفرهم وذنوبهم، وَلِهَذَا قَالَ: (فَإِنَّهُم
ظَالِمُونَ) أَي: يسْتَحقُّونَ ذَلِك.
قَالَ حُمَيْدٌ وثابِتٌ عنْ أنَسٍ شُجَّ النَّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ
يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فنَزَلَتْ لَيْسَ
لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ.
تَعْلِيق حميد الطَّوِيل وَصله أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حميد بِهِ، وَتَعْلِيق ثَابت
الْبنانِيّ وَصله مُسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَذكر
ابْن هِشَام فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن عتبَة بن
أبي وَقاص، هُوَ الَّذِي كسر ربَاعِية النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم السُّفْلى، وجرح شفته السُّفْلى وَأَن عبد
الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ هُوَ الَّذِي شجه فِي جَبهته
وَأَن عبد الله بن قمنة جرحه فِي وجنته فَدخلت حلقتان من
حلق المغفر فِي وجنته، وَإِن مَالك بن سِنَان مص الدَّم من
وجنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ازْدَردهُ، فَقَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مس دمي دَمه لم تصبه النَّار.
4069 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الله السُّلَمِيُّ
أخْبَرَنا عَبْدُ الله أخْبرَنَا مَعْمَرٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ حدَّثني سالِمٌ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رفَعَ رأسَهُ
منَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ
يُقالُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانَاً وفُلانَاً وفُلانَاً
بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا
ولَكَ الحَمْدُ فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ لكَ
مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ.
.
(17/155)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن عبد الله بن
زِيَاد السّلمِيّ الْبَلْخِي سكن مرو وَهُوَ من أَفْرَاد
البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا وَفِي تَفْسِير الْأَنْفَال
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك يروي عَن معمر بن رَاشد
عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه
عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
حبَان وَفِي الِاعْتِصَام عَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي التَّفْسِير عَن عَمْرو
بن يحيى بن الْحَارِث قَوْله فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا
وَسَمَّاهُمْ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا قَوْله
رَبنَا وَلَك الْحَمد هَذَا بِالْوَاو فِي إِحْدَى
الرِّوَايَات الثَّابِتَة قَوْله فَأنْزل الله تَعَالَى
بَيَان سَبَب نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة فَذكر
البُخَارِيّ هَذَا وَآخر كَمَا يَأْتِي وروى الْمحَامِلِي
بِإِسْنَادِهِ إِلَى نَافِع عَن ابْن عمرَان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو على أَرْبَعَة نفر
فَأنْزل الله عز وَجل (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) قَالَ
ثمَّ هدَاهُم الله إِلَى الْإِسْلَام وَقيل اسْتَأْذن
بِأَن يَدْعُو باستئصالهم فَنزلت فَعلم أَن مِنْهُم من
سيسلم.
4070 - وعَنْ حَنْظَلَةَ بنَ أبِي سُفْيانَ قَالَ سَمِعْتُ
سالِمَ بنَ عَبْدِ الله يقُولُ كانَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يدْعُو على صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ
وسُهَيْلِ بنِ عَمْرِو والحَارِثِ بنِ هِشامٍ فنَزَلَتْ
لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إلَى قَوْلِهِ فإنَّهُمْ
ظالِمُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ بَيَان الْوَجْه
الآخر فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة وَقد ذكرنَا فِيهِ
وُجُوهًا عَن قريب. قَوْله: سَمِعت سَالم بن عبد الله
يَقُول كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَدْعُو إِلَخ مُرْسل قَوْله: وَعَن حَنْظَلَة بن أبي
سُفْيَان قَالَ بَعضهم وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله أخبرنَا
معمر والراوي لَهُ عَن حَنْظَلَة هُوَ عبد الله بن
الْمُبَارك وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق قلت فِيهِ نظر لِأَن
احْتِمَاله التَّعْلِيق أقوى مِمَّا قَالَه وَلِهَذَا لما
ذكر الْمزي الحَدِيث السَّابِق قَالَ وَقَالَ عقيب حَدِيث
يحيى وَعَن حَنْظَلَة عَن سَالم وَلم يزدْ على هَذَا
شَيْئا فَلَو كَانَ مَوْصُولا لَكَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ
وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة المذكورون فِيهِ قد أَسْلمُوا. أما
صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف الجُمَحِي الْقرشِي فَإِنَّهُ
هرب يَوْم الْفَتْح ثمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَشهد مَعَه حنيناً والطائف وَهُوَ
كَافِر ثمَّ أسلم بعد ذَلِك وَمَات بِمَكَّة سنة
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فِي أول خلَافَة مُعَاوِيَة وَأما
سُهَيْل بن عَمْرو بن عبد شمس الْقرشِي العامري فَإِنَّهُ
كَانَ أحد الْأَشْرَاف من قُرَيْش وساداتهم فِي
الْجَاهِلِيَّة وَأسر يَوْم بدر كَافِرًا ثمَّ أسلم وَحسن
إِسْلَامه وَكَانَ كثير الصَّلَاة وَالصَّوْم
وَالصَّدَََقَة وَخرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا وَمَات
هُنَاكَ. وَأما الْحَرْث بن هِشَام بن الْمُغيرَة الْقرشِي
المَخْزُومِي فَإِنَّهُ شهد بَدْرًا كَافِرًا مَعَ أَخِيه
شقيقه أبي جهل وفر حِينَئِذٍ وَقتل أَخُوهُ ثمَّ غزا أحدا
مَعَ الْمُشْركين أَيْضا ثمَّ أسلم يَوْم الْفَتْح وَحسن
إِسْلَامه وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم ثمَّ خرج
إِلَى الشَّام مُجَاهدًا وَلم يزل فِي الْجِهَاد حَتَّى
مَاتَ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة. |