عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 39 - (بابٌ: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا
لأنْفُسِكُمْ} الآيَةَ (الْبَقَرَة: 223)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حرث
لكم} الْآيَة قَوْله: {حرث لكم} أَي: مَوَاضِع حرث لكم،
وَهَذَا مجَاز شبههن بالمحارث تَشْبِيها لما يلقى فِي
أرحامهن من النطف الَّتِي مِنْهَا النَّسْل بالبذر، وروى
الإِمَام أَحْمد بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس أنزلت
هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فِي أنَاس من
الْأَنْصَار أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَسَأَلُوهُ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ائتها على كل حَال إِذا كَانَ فِي الْفرج، وَرُوِيَ أَيْضا
عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. فَقَالَ: يَا رَسُول الله {هَلَكت} قَالَ: مَا
الَّذِي أهْلكك؟ قَالَ: حولت رحلي البارحة فَلم يرد
عَلَيْهِ شَيْئا. قَالَ: فَأوحى الله إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة: {نِسَاؤُكُمْ حرث
لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} أقبل وَأدبر وَاتَّقِ
الدبر والحيضة، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن
غَرِيب. قَوْله: (أنَّى شِئْتُم) ، أَي: كَيفَ شِئْتُم
مقبلة أَو مُدبرَة إِذا كَانَ فِي صمام وَاحِد. أَي: فِي
مَسْلَك وَاحِد، والصمام مَا يسد بِهِ الفرجة فَسمى بِهِ
الْفرج وَيجوز أَن يكون فِي مَوضِع صمام على حذف مُضَاف،
وَهُوَ بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وتحفيف الْمِيم، ويروى
بِالسِّين الْمُهْملَة.
4526 - ح دَّثنا إسْحَاقُ أخبرنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ
أخبرنَا ابنُ عَوْنٍ عنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابنُ عُمَرَ
رَضِيَ الله عَنْهُمَا إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ
يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ فأخَذْتُ عَلَيْهِ
يَوْما فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهى إلَى
مَكَانٍ قَالَ تَدْرِي فَمَا أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ مَضَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فِي كَذَا
وَكَذَا) لِأَن المُرَاد بِهِ فِي إتْيَان النِّسَاء فِي
أدبارهن على مَا نذكرهُ عَن قريب. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه يروي عَن النَّضر، بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن
شُمَيْل، بالشين الْمُعْجَمَة مصغر شَمل يروي عَن عبد الله
بن عون بِفَتْح الْعين وبالنون. عَن نَافِع مولى بن عمر
عَن عبد الله بن عمر.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي تَفْسِيره، وَقَالَ بدل قَوْله:
(حَتَّى انْتهى إى مَكَان قَالَ: تَدْرِي) إِلَى قَوْله:
قلت: لَا. قَالَ: (نزلت فِي إتْيَان النِّسَاء فِي
أدبارهن) وَهَكَذَا أوردهُ ابْن جرير من طَرِيق
إِسْمَاعِيل بن علية عَن ابْن عون مثله، وَهَذَا قد فسر
ذَاك الْمُبْهم فِي حَدِيث الْبَاب قَوْله: (ثمَّ مضى أَي:
فِي قِرَاءَته) .
4527 - وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ حدَّثني أبي حدَّثني
أيُّوبُ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ {فَأتوا حَرْثَكُمْ
أنَّى شِئْتُمْ} قَالَ يَأْتِيهَا فِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ
بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ عَن عُبَيْدِ الله عنْ
نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ.
هَذَا مَعْطُوف على قَوْله أخبرنَا بالنضر بن شُمَيْل،
يَعْنِي: النَّضر يروي أَيْضا عَن عبد الصَّمد بن عبد
الْوَارِث، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه عبد الْوَارِث بن سعيد
عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذِه الرِّوَايَة
رَوَاهَا جرير ابْن فِي (التَّفْسِير) عَن أبي قلَابَة
الرقاشِي عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث حَدثنِي أبي
فَذكره بِلَفْظ: يَأْتِيهَا فِي الدبر، وَوَقع هُنَا فِي
رِوَايَة البُخَارِيّ يَأْتِيهَا فِي وَسكت عَن مجرورها،
وَلم يذكر فِي أَي شَيْء، وَهَكَذَا وَقع فِي جَمِيع
النّسخ، وَلَكِن الْحميدِي ذكر
(18/116)
فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ)
يَأْتِيهَا فِي الْفرج، وَبِهَذَا قد تبين أَن مجرور كَمَا
نفي هُوَ الْفرج، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ من عِنْده بِحَسب
فهمه وَلَيْسَ مطابقا لما فِي نفس الْأَمر، وأيد كَلَامه
بقوله: وَقد قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ أورد
البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي (التَّفْسِير) فَقَالَ:
يَأْتِيهَا فِي وَترك بَيَاضًا. انْتهى قلت: لَا نسلم عدم
الْمُطَابقَة لما فِي نفس الْأَمر لِأَن مَا فِي نفس
الْأَمر عِنْد من لَا يرى إِبَاحَة إتْيَان النِّسَاء فِي
أدبارهن أَن يقدر بعد كلمة فِي إِمَّا لفظ فِي الْفرج، أَو
فِي الْقبل أَو فِي مَوضِع الْحَرْث، وَالظَّاهِر من حَال
البُخَارِيّ أَنه لَا يرى إِبَاحَة ذَلِك، وَلَكِن لما ورد
فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَا يفهم مِنْهُ إِبَاحَة
ذَلِك، ووردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي منع ذَلِك تَأمل فِي
ذَلِك وَلم يتَرَجَّح عِنْده فِي ذَلِك الْوَقْت أحد
الْأَمريْنِ فَترك بَيَاضًا بعد فِي، ليكتب فِيهِ مَا
يتَرَجَّح عِنْده من ذَلِك. وَالظَّاهِر أَنه لم يُدْرِكهُ
فَبَقيَ الْبيَاض بعده مستمرا فجَاء الْحميدِي وَقدر ذَلِك
حَيْثُ قَالَ: يَأْتِيهَا فِي الْفرج نظرا إِلَى حَال
البُخَارِيّ أَنه لَا يرى خِلَافه. وَلَو كَانَ الْحميدِي
علم من حَال البُخَارِيّ أَنه يُبِيح الْإِتْيَان فِي
إدبار النِّسَاء لم يقدر هَذَا بل كَانَ يقدر يَأْتِيهَا
فِي أَي مَوضِع شَاءَ، كَمَا صرح فِي رِوَايَة ابْن جرير
فِي نفس حَدِيث عبد الصَّمد يَأْتِيهَا فِي دبرهَا ثمَّ
قَالَ: هَذَا الْقَائِل: هَذَا الَّذِي اسْتَعْملهُ
البُخَارِيّ نوع من أَنْوَاع البديع يُسمى الِاكْتِفَاء
وَلَا بُد لَهُ من نُكْتَة يحسن سَببهَا اسْتِعْمَاله.
قلت: لَيْت شعري من قَالَ من أهل صناعَة البديع أَن حذف
الْمَجْرُور وَذكر الْجَار وَحده من أَنْوَاع البديع،
والاكتفاء إِنَّمَا يكون فِي شَيْئَيْنِ متضادين يذكر
أَحدهَا ويكتفي بِهِ عَن الآخر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 81) وَالتَّقْدِير:
وَالْبرد أَيْضا، وَلم يبين أَيْضا مَا هُوَ المحسن لذَلِك
على أَن جُمْهُور النُّحَاة لَا يجوزون حذف الْمَجْرُور
إِلَّا أَن بَعضهم قد جوز ذَلِك فِي ضَرُورَة الشّعْر.
وَقد عَابَ الْإِسْمَاعِيلِيّ على صَنِيع البُخَارِيّ
ذَلِك، فَقَالَ: جَمِيع مَا أخرج عَن ابْن عمر مُبْهَم لَا
فَائِدَة فِيهِ، وَقد روينَاهُ عَن عبد الْعَزِيز،
يَعْنِي: الدَّرَاورْدِي عَن مَالك، وَعبيد الله بن عمر،
وَابْن أبي ذِئْب ثَلَاثَتهمْ عَن نَافِع بالتفسير،
وَرِوَايَة الدَّرَاورْدِي الْمَذْكُورَة قد أخرجهَا
الدَّارَقُطْنِيّ فِي (غرائب مَالك) من طَرِيقه عَن
الثَّلَاثَة عَن نَافِع نَحْو رِوَايَة ابْن عون عَنهُ،
وَلَفظ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار أصَاب امْرَأَته فِي
دبرهَا فأعظم النَّاس ذَلِك، قَالَ: فَقلت لَهُ من دبرهَا
فِي قبلهَا؟ قَالَ لَا إلاّ فِي دبرهَا.
وَأما اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب فَذهب
مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَسَعِيد بن يسَار الْمدنِي
وَمَالك إِلَى إِبَاحَة ذَلِك، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك
بِمَا رَوَاهُ أَبُو سعيد، أَن رجلا أصَاب امْرَأَته فِي
دبرهَا فَأنْكر النَّاس ذَلِك عَلَيْهِ، وَقَالُوا:
اثغرها؟ فَأنْزل الله عز وَجل {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} (الْبَقَرَة: 223) وَقَالُوا:
معنى الْآيَة. حَيْثُ شِئْتُم من الْقبل والدبر، وَقَالَ
عِيَاض: تعلق من قَالَ: بالتحليل بِظَاهِر الْآيَة وَقَالَ
ابْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه (أَحْكَام الْقُرْآن) جوزته
طَائِفَة كَثِيرَة، وَقد جمع ذَلِك ابْن شعْبَان فِي
كِتَابه (جماع النسوان) وَأسْندَ جَوَازه إِلَى زمرة
كَبِيرَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مَالك من
رِوَايَات كَثِيرَة، وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص فِي
كِتَابه (أَحْكَام الْقُرْآن) الْمَشْهُور عَن مَالك
إِبَاحَة ذَلِك وَأَصْحَابه ينفون عَنهُ هَذِه الْمقَالة
لقبحها وشناعتها وَهِي عَنهُ أشهر من أَن تدفع بنفيهم
عَنهُ وَقد روى مُحَمَّد بن سعد عَن أبي سُلَيْمَان
الْجوزجَاني، قَالَ: كنت عِنْد مَالك بن أنس، فَسئلَ عَن
النِّكَاح فِي الدبر، فَضرب بِيَدِهِ على رَأسه، وَقَالَ:
السَّاعَة اغْتَسَلت مِنْهُ وَرَوَاهُ عَنهُ ابْن
الْقَاسِم: مَا أدْركْت أحدا اقْتدى بِهِ فِي ديني يشك
فِيهِ أَنه حَلَال، يَعْنِي: وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا،
ثمَّ قَرَأَ: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} قَالَ: فَأَي شَيْء أبين من هَذَا، وَمَا أَشك
فِيهِ وَأما مَذْهَب الشَّافِعِي فِيهِ فَمَا قَالَه
الطَّحَاوِيّ: حكى لنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم
أَنه سمع الشَّافِعِي يَقُول: مَا صَحَّ عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي تَحْرِيمه وَلَا فِي
تَحْلِيله وَالْقِيَاس أَنه حَلَال. وَقَالَ الْحَاكِم:
لَعَلَّ الشَّافِعِي كَانَ يَقُول ذَلِك فِي الْقَدِيم،
وَأما فِي الْجَدِيد فَصرحَ بِالتَّحْرِيمِ.
وَذهب الْجُمْهُور إِلَى تَحْرِيمه فَمن الصَّحَابَة عَليّ
بن أبي طَالب ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَجَابِر بن
عبد الله وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأَبُو
الدَّرْدَاء وَخُزَيْمَة بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة وَعلي
بن طلق وَأم سَلمَة وَقد اخْتلف عَن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب، وَالأَصَح عَنهُ الْمَنْع، وَمن التَّابِعين سعيد
بن الْمسيب وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَمن
الْأَئِمَّة سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ فِي الصَّحِيح، وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَأحمد وَإِسْحَاق وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَاحْتَجُّوا
فِي ذَلِك بِأَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا: حَدِيث ابْن
خُزَيْمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: إِن الله لَا يستحيي من الْحق، لَا تَأْتُوا
النِّسَاء فِي أدبارهن، أخرجه الطَّحَاوِيّ
وَالطَّبَرَانِيّ وَإِسْنَاده صَحِيح وَمِنْهَا: حَدِيث
عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: هِيَ اللوطية
(18/117)
الصُّغْرَى، يَعْنِي وَطْء النِّسَاء فِي
أدبارهن، أخرجه الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح،
وَالطَّيَالِسِي وَالْبَيْهَقِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لَا ينظر الله عز وَجل إِلَى رجل وطىء امْرَأَة فِي
دبرهَا، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن
مَاجَه وَأحمد. وَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله نَحْو
حَدِيث خُزَيْمَة وَفِي رِوَايَة لَا بِحل مَا تَأتي
النِّسَاء فِي حشوشهن وَفِي رِوَايَة فِي محاشهن اخرجه
الطَّحَاوِيّ وَمِنْهَا: حَدِيث طلق بن عَليّ: أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله لَا يستحيي
من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن، أخرجه
الطَّحَاوِيّ وَابْن أبي شيبَة، وَفِي رِوَايَة فِي
أعجازهن، أَو قَالَ: فِي أدبارهن، وَأما الْآيَة فتأولوها:
بفأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم مُسْتَقْبلين ومستدبرين،
وَلَكِن فِي مَوضِع الْحَرْث، وَهُوَ الْفرج. فَإِن قلت:
الْقَاعِدَة عنْدكُمْ أَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا
لخُصُوص السَّبَب. قلت: نعم لَكِن وَردت أَحَادِيث
كَثِيرَة فأخرجت الْآيَة عَن عمومها وأقصرتها على إِبَاحَة
الْوَطْء فِي الْفرج، وَلَكِن على أَي وَجه كَانَ.
4528 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمِ حدَّثنا سُفْيَانُ عَن ابنِ
المُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جابِرَ ارضى الله عَنهُ قَالَ كانَت
اليَهُودُ تَقُولُ إذَا جَامَعَها مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ
الوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
فَأَتُوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ} (الْبَقَرَة: 223) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ قَالَه بَعضهم: وَذكر
الْحَافِظ الْمزي أَنه سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَابْن
الْمُنْكَدر. بالنُّون مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح وَغَيره عَن
قُتَيْبَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن
ابْن أبي عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء
عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
النِّكَاح عَن سهل بن أبي سهل، وَغَيره.
وَظَاهر حَدِيث جَابر هَذَا يُوهم أَنه مُطَابق لحَدِيث
ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَيْسَ
كَذَلِك فَإِنَّهُ روى بِوُجُوه كلهَا ترجع إِلَى معنى
وَاحِد، فروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن
مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله أَن
يَهُودِيّا قَالَ: إِذا نكح الرجل امْرَأَته مجبية خرج
وَلَده أَحول فَأنْزل الله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم
فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} إِن شِئْتُم مجبية، وَإِن
شِئْتُم غير مجببة إِذا كَانَ ذَلِك فِي صمام وَاحِد.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا نَحوه: وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من
حَدِيث ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر
بن عبد الله أَن الْيَهُود قَالُوا للْمُسلمين: من أَتَى
امْرَأَته وَهِي مُدبرَة جَاءَ وَلَده أَحول، فَأنْزل الله
عز وَجل: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مُدبرَة ومقبلة مَا كَانَ فِي الْفرج، وَفِي رِوَايَة
لمُسلم من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن
الْمُنْكَدر، بِلَفْظ: إِذا أَتَى الرجل امْرَأَته من
دبرهَا فِي قبلهَا، وَمن طَرِيق أبي حَازِم عَن ابْن
الْمُنْكَدر بِلَفْظ: إِذا أتيت الْمَرْأَة من دبرهَا
فَحملت. وَقَوله: (فَحملت) يدل على أَن مُرَاده أَن
الْإِتْيَان فِي الْفرج لَا فِي الدبر. وَقَالَ
الطَّحَاوِيّ: فَفِي تَوْقِيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي ذَلِك على الْفرج إِعْلَام مِنْهُ إيَّاهُم أَن
الدبر بِخِلَاف ذَلِك. قلت: لِأَن تنصيصه على الْفرج
يُنَافِي دُخُول الدبر قَوْله: (مجبية) من جبى يجبى تجبية،
كعلى يعلى تعلية، ومادته جِيم وياء مُوَحدَة وَألف،
وَمَعْنَاهُ: مَكِّيَّة على وَجههَا تَشْبِيها بهيئة
السُّجُود، وَعَن سعيد بن الْمسيب: أنزلت هَذِه الْآيَة
الْكَرِيمَة فِي الْغَزل، أخرجه الدَّارمِيّ وَلَفظه
(نِسَاؤُكُمْ حرث لكم أَنى شِئْتُم) ، قَالَ: إِن شِئْت
فاعزل وَإِن شِئْت فَلَا تعزل، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن
ابْن عَبَّاس نَحوه: وَعند الطَّبَرِيّ: أَن أُنَاسًا من
حمير أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
رجل مِنْهُم: يَا رَسُول الله: إِنِّي رجل أحب النِّسَاء،
فَكيف ترى فِي ذَلِك؟ فَنزلت: وَعِنْده مقَاتل، قَالَ:
حييّ بن أَخطب وَنَفر من الْيَهُود للْمُسلمين إِنَّه لَا
يحل لكم جماع النِّسَاء إِلَّا مستلقيات، وَإِنَّا نجد فِي
كتاب الله عز وَجل أَن جماع الْمَرْأَة غير مستلقية دنس
عِنْد الله تَعَالَى، فَنزلت: وَعَن ابْن عَبَّاس الْحَرْث
منبت الْوَلَد، وَقَالَ السّديّ: هِيَ مزرعة يَزع فِيهَا
أَو يحرث فِيهَا، وَقَالَ ابْن حزم: مَا رويت إِبَاحَة
الْوَطْء فِي دبرهَا إلاّ عَن ابْن عَمْرو وَحده باخْتلَاف
عَنهُ، وَعَن مَالك باخْتلَاف عَنهُ فَقَط، وَذكر أَبُو
الْحسن المرغيناني، أَن من أَتَى امْرَأَته فِي الْمحل
الْمَكْرُوه فَلَا حد عَلَيْهِ عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة
وَيُعَزر، وَقَالَ هُوَ كَالزِّنَا، وَقَالَ أَبُو
زَكَرِيَّا اتّفق الْعلمَاء الَّذين يعْتد بهم على
تَحْرِيم وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا قَالَ: وَقَالَ
أَصْحَابنَا: لَا يحل الْوَطْء فِي الدبر فِي شَيْء من
الْآدَمِيّين وَلَا غَيرهم من الْحَيَوَان على حَال من
الْأَحْوَال.
40 - (بابٌ: {وإذَا طَلَقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنّ
أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحَنّ
أزْوَاجَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 232)
(18/118)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى:
{وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء} (الْبَقَرَة: 232) إِلَى
آخِره وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس،
نزلت هَذِه الْآيَة فِي الرجل يُطلق امْرَأَته طَلْقَة أَو
طَلْقَتَيْنِ فتنقضي عدتهَا ثمَّ يَبْدُو لَهُ تَزْوِيجهَا
وَأَن يُرَاجِعهَا وتريد الْمَرْأَة ذَلِك فيمنعها
أولياؤها من ذَلِك، فَنهى الله تَعَالَى أَن يمنعوها،
وَكَذَلِكَ روى الْعَوْفِيّ عَنهُ، وَكَذَا قَالَ مَسْرُوق
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَالضَّحَّاك
إِنَّهَا نزلت فِي ذَلِك، وَقد روى أَن هَذِه الْآيَة هِيَ
الَّتِي نزلت فِي معقل بن يسَار، على مَا يَجِيء الْآن،
وَقَالَ السّديّ: نزلت فِي جَابر بن عبد الله وَابْن عَم
لَهُ، وَالصَّحِيح الأول، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِمَّا
أَن يُخَاطب بِهِ الْأزْوَاج الَّذين يعضلون نِسَاءَهُمْ
بعد انْقِضَاء الْعدة ظلما وَإِمَّا أَن يُخَاطب بِهِ
الْأَوْلِيَاء فِي عضلهن أَن يرجعن إِلَى أَزوَاجهنَّ.
وَقَالَ ابْن جرير: اتّفق أهل التَّفْسِير على أَن
الْمُخَاطب بذلك الْأَوْلِيَاء. قَوْله: (فبلغن أَجلهنَّ)
، وبلوغ الْأَجَل فِي هَذِه الْآيَة انْقِضَاء الْعدة
بِخِلَاف الْآيَة السَّابِقَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: دلّ
اخْتِلَاف الْكَلَامَيْنِ على اخْتِلَاف البلوغين. قَوْله:
(فَلَا تعضلوهن) ، أَي: لَا تضيقوا عَلَيْهِنَّ بمنعكم
إياهن، وَفِي (تَفْسِير عبد بن أبي سعيد) العضل الْحَبْس،
وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: عَن الْفراء وقطرب وَأبي
عبيد عضل الْمَرْأَة يعضلها ويعضلها، وَعَن أبي عَمْرو:
يعضلها، يَعْنِي: بِفَتْح الضَّاد، وَأُمُور معضلات
شَدَّاد بِكَسْر الضَّاد. وَعَن ابْن دُرَيْد: عضل أيمه
يعضلها عضلاً. وعضلها تعضيلاً. منعهَا من الزَّوْج ظلما.
وَقَالَ الزّجاج: هُوَ من قَوْلهم: عضلت الدَّجَاجَة
فَهِيَ معضل إِذا احْتبسَ بيضها، ونشب فَلم يخرج.
4529 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا أبُو
عَامِرٍ العَقَدِيُّ حدَّثنا عَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ حدَّثنا
الحَسَنُ قَال حدَّثني مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ قَالَ كَانَتْ
لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إلَيَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من تَمام الحَدِيث
وَالْبُخَارِيّ أخرجه هُنَا مُخْتَصرا. وَفِي الطَّرِيق
الثَّالِث تَمَامه. وَأخرجه من ثَلَاث طرق كَمَا ترى،
وَعبيد الله بن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم
بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو
عَامر عبد الْملك بن عَمْرو والعقدي، بِالْعينِ
الْمُهْملَة وَالْقَاف المفتوحتين نِسْبَة إِلَى العقد،
قوم من قيس، وهم صنف من الأزد، وَعباد، بِفَتْح الْعين
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، ابْن رَاشد، وَالْحسن هُوَ
الْبَصْرِيّ، وَمَعْقِل: بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: ابْن يسَار ضد الْيَمين
الْمُزنِيّ، وَقَالَ الْعجلِيّ: يكنى أَبَا عَليّ وَلَا
نعلم فِي الصَّحَابَة أحدا يكنى بِهِ غَيره. قلت: طلق بن
عَليّ يكنى أَبَا عَليّ، وَكَذَلِكَ قيس بن عَاصِم
الْمنْقري، ذكره أَبُو أَحْمد وَغَيره.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن
أبي معمر، وَفِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد وَفِي النِّكَاح
أَيْضا عَن أَحْمد بن أبي عَمْرو وَفِي الطَّلَاق أَيْضا
عَن أبي مُوسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن
مُحَمَّد بن الْمثنى وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن سوار بن عبد الله وَغَيره.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عنْ يُونُسَ عنِ الحَسَنِ حدَّثني
مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ
هَذَا طَرِيق ثَان وَهُوَ مُعَلّق، وَإِبْرَاهِيم هُوَ
ابْن طهْمَان، وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد، وَوَصله
البُخَارِيّ فِي النِّكَاح، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق
بَيَان تَصْرِيح الْحسن بِالتَّحْدِيثِ عَن معقل.
حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حدَّثنا
يُونُس عنِ الحَسَنِ أنَّ أُخْتَ مَعْقِلٍ بنِ يَسَارٍ
طَلَقَهَا زَوْجُها فَتَرَكَها حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها
فَخَطَبَها فَأَبَى مَعْقِلٌ فَنَزَلَتْ {فَلا
تَعْضُلوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنَّ} .
هَذَا طَرِيق ثَالِث عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين، عبد
الله الْمَشْهُور بالمقعد، عَن عبد الْوَارِث بن سعيد عَن
يُونُس بن عبيد عَن الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (إِن
أُخْت معقل بن يسَار) وَاسْمهَا جميل بنت يسَار، بِضَم
الْجِيم وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي اسْمهَا
فَاطِمَة بنت يسَار، وسماها ابْن فتحون: جملى، بِضَم
الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وسماها مُحَمَّدًا
الْمُنْذِرِيّ: ليلى.
4529 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا أبُو
عَامِرٍ العَقَدِيُّ حدَّثنا عَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ حدَّثنا
الحَسَنُ قَال حدَّثني مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ قَالَ كَانَتْ
لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إلَيَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من تَمام الحَدِيث
وَالْبُخَارِيّ أخرجه هُنَا مُخْتَصرا. وَفِي الطَّرِيق
الثَّالِث تَمَامه. وَأخرجه من ثَلَاث طرق كَمَا ترى،
وَعبيد الله بن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم
بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو
عَامر عبد الْملك بن عَمْرو والعقدي، بِالْعينِ
الْمُهْملَة وَالْقَاف المفتوحتين نِسْبَة إِلَى العقد،
قوم من قيس، وهم صنف من الأزد، وَعباد، بِفَتْح الْعين
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، ابْن رَاشد، وَالْحسن هُوَ
الْبَصْرِيّ، وَمَعْقِل: بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: ابْن يسَار ضد الْيَمين
الْمُزنِيّ، وَقَالَ الْعجلِيّ: يكنى أَبَا عَليّ وَلَا
نعلم فِي الصَّحَابَة أحدا يكنى بِهِ غَيره. قلت: طلق بن
عَليّ يكنى أَبَا عَليّ، وَكَذَلِكَ قيس بن عَاصِم
الْمنْقري، ذكره أَبُو أَحْمد وَغَيره.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن
أبي معمر، وَفِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد وَفِي النِّكَاح
أَيْضا عَن أَحْمد بن أبي عَمْرو وَفِي الطَّلَاق أَيْضا
عَن أبي مُوسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن
مُحَمَّد بن الْمثنى وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن سوار بن عبد الله وَغَيره.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عنْ يُونُسَ عنِ الحَسَنِ حدَّثني
مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ
هَذَا طَرِيق ثَان وَهُوَ مُعَلّق، وَإِبْرَاهِيم هُوَ
ابْن طهْمَان، وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد، وَوَصله
البُخَارِيّ فِي النِّكَاح، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق
بَيَان تَصْرِيح الْحسن بِالتَّحْدِيثِ عَن معقل.
حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حدَّثنا
يُونُس عنِ الحَسَنِ أنَّ أُخْتَ مَعْقِلٍ بنِ يَسَارٍ
طَلَقَهَا زَوْجُها فَتَرَكَها حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها
فَخَطَبَها فَأَبَى مَعْقِلٌ فَنَزَلَتْ {فَلا
تَعْضُلوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنَّ} .
هَذَا طَرِيق ثَالِث عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين، عبد
الله الْمَشْهُور بالمقعد، عَن عبد الْوَارِث بن سعيد عَن
يُونُس بن عبيد عَن الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (إِن
أُخْت معقل بن يسَار) وَاسْمهَا جميل بنت يسَار، بِضَم
الْجِيم وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي اسْمهَا
فَاطِمَة بنت يسَار، وسماها ابْن فتحون: جملى، بِضَم
الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وسماها مُحَمَّدًا
الْمُنْذِرِيّ: ليلى.
41 - (بابٌ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا} إِلَى {بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ} (الْبَقَرَة: 234)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِي يتوفون
مِنْكُم} الْآيَة. قَوْله: (وَالَّذين) أَي: وَأَزْوَاج
الَّذين يتوفون مِنْكُم، وَالْخطاب
(18/119)
للْمُسلمين، وَقيل: للمكلفين، قَالَ
الْكفَّار مخاطبون بالتفاصيل بِشَرْط الْإِيمَان. قَوْله:
(ويذرون) أَي: يتركون. قَوْله: (أَزْوَاجًا) أَي: زَوْجَات
قَوْله: (يَتَرَبَّصْنَ) أَي: بعدهمْ، وَقيل: يحبسن
أَنْفسهنَّ وينتظرون أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَهَذَا الحكم
يَشْمَل الزَّوْجَات الْمَدْخُول بِهن بِالْإِجْمَاع
إِلَّا الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا كَانَت حَامِلا
فَإِنَّهَا تَعْتَد بِالْوَضْعِ وَلم تمكث بعده سوى
لَحْظَة لعُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَأولَات الْأَحْمَال
أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4) وَكَانَ ابْن
عَبَّاس يرى أَن عَلَيْهَا أَن تَتَرَبَّص بأبعد
الْأَجَليْنِ من الْوَضع أَو أَرْبَعَة أشهر وَعشرا للْجمع
بَين الْآيَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يسْتَثْنى مِنْهَا
الزَّوْجَة إِذا كَانَت أمة، فَإِن عدتهَا على النّصْف من
عدَّة الْحرَّة: شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام، وَعَن الْحسن
وَبَعض الظَّاهِرِيَّة التَّسْوِيَة بَين الْحَرَائِر
وَالْإِمَاء. قَوْله: (وَعشرا) ، إِنَّمَا لم يقل وَعشرَة،
ذَهَابًا، إِلَى اللَّيَالِي وَالْأَيَّام دَاخِلَة فِيهَا
ثمَّ الْحِكْمَة فِي هَذِه الْمدَّة مَا قَالَه الرَّاغِب:
إِن الْأَطِبَّاء يَقُولُونَ إِن الْوَلَد فِي الْأَكْثَر
إِذا كَانَ ذكرا يَتَحَرَّك بعد ثَلَاثَة أشهر، وَإِذا
كَانَ أُنْثَى بعد أَرْبَعَة أشهر، فَجعل ذَلِك عدَّة
الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا، وَزيد عَلَيْهِ عشرَة
أَيَّام للاستظهار، وخصت الْعشْرَة لِأَنَّهَا أكمل
الْأَعْدَاد وَأَشْرَفهَا. وَقَالَ سعيد بن أبي عرُوبَة
عَن قَتَادَة: سَأَلت سعيد بن الْمسيب: مَا بَال
الْعشْرَة؟ قَالَ: فِيهِ ينْفخ الرّوح، وَكَذَا قَالَ
أَبُو الْعَالِيَة: روى عَنْهُمَا ابْن جرير، وَمن هُنَا
ذهب أَحْمد فِي رِوَايَة: إِن عدَّة أم الْوَلَد عدَّة
الْحرَّة لِأَنَّهَا صَارَت فراشا كالحرائر، وروى فِيهِ
حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ: لَا تلبسوا علينا سنة نَبينَا
عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا أَرْبَعَة
أشهر وَعشرا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه
أَيْضا. وَذهب إِلَى هَذَا أَيْضا طَائِفَة من السّلف
مِنْهُم، سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد
وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ وَعمر بن عبد
الْعَزِيز، وَبِه كَانَ يَأْمر يزِيد بن عبد الْملك بن
مَرْوَان وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَبِه يَقُول
الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَقَالَ طَاوُوس
وَقَتَادَة: عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا
سَيِّدهَا نصف عدَّة الْحرَّة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح بن حيى:
تَعْتَد بِثَلَاث حيض، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود
وَعَطَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَقَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: عدتهن
حَيْضَة، وَبِه يَقُول ابْن عمر وَالشعْبِيّ وَمَكْحُول
وَاللَّيْث وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر. قَوْله: (فَإِذا
بلغن أَجلهنَّ) ، أَي: إِذا انْقَضتْ عدتهن، قَالَه
الضَّحَّاك وَالربيع بن أنس. قَوْله: (فَلَا جنَاح
عَلَيْكُم) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَيهَا الْأَئِمَّة
وَجَمَاعَة الْمُسلمين، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أَي:
أولياؤها. قَوْله: (فِيمَا فعلن) ، يَعْنِي: النِّسَاء
اللَّاتِي انْقَضتْ عدتهن من التَّعَرُّض للخطاب، وَعَن
الْحسن وَالزهْرِيّ وَالسُّديّ: بِالنِّكَاحِ الْحَلَال
الطّيب. قَوْله: (بِالْمَعْرُوفِ) ، أَي: بِالْوَجْهِ
الَّذِي لَا يُنكره الشَّرْع.
يَعْفُونَ يَهَبْنَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير: يعفون، فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم
لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون أَو
يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة:
1237) وَفَسرهُ بقوله يهبن، وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَنه
قَول ابْن عَبَّاس وَشُرَيْح وَابْن الْمسيب وَعِكْرِمَة
وَنَافِع وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين
وَمُقَاتِل وَجَابِر بن زيد وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي
وَالزهْرِيّ وَالضَّحَّاك وَالربيع بن أنس وَالسُّديّ،
قَالَ: وَخَالفهُم مُحَمَّد بن كَعْب، فَقَالَ: (إِلَّا
أَن يعفون) يَعْنِي: الرِّجَال. قَالَ: وَهُوَ قَول شَاذ
لم يُتَابع عَلَيْهِ انْتهى. قلت: هَذِه اللَّفْظَة
مُشْتَركَة بَين جمع الرِّجَال وَجمع النِّسَاء، تَقول:
الرِّجَال وَالنِّسَاء يعفون، وَالْفرق تقديري، فالواو فِي
الأول ضمير الرِّجَال وَالنُّون عَلامَة الرّفْع، وَفِي
الثَّانِي الْوَاو لَام الْفِعْل وَالنُّون ضمير النِّسَاء
فَلهَذَا لم تعْمل فِيهَا أَن، وَلَكِن فِي مَحل النصب،
فوزن جمع الْمُذكر، يعفون، وَوزن جمع الْمُؤَنَّث يفعلن،
فَافْهَم.
4530 - ح دَّثني أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ حدَّثنا يَزِيدُ
بنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ
قَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ:
{وَالَّذِينَ يُتَوَّفوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا}
قَال قَدْ نَسَخَتْها الآيَةُ الأُخْرَى فَلَم تَكْتُبُها
أوْ تَدَعُها يَا ابنَ أخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئا مِنْ
مَكانِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأُميَّة بِضَم الْهمزَة
وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، ابْن
بسطَام بن الْمُنْتَشِر العيشي الْبَصْرِيّ وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر
زرع بِفَتْح الزَّاي، وحبِيب هوابن الشَّهِيد أَبُو
مُحَمَّد
(18/120)
الْأَزْدِيّ الْأمَوِي الْبَصْرِيّ، وَابْن
أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة
بِضَم الْمِيم، واسْمه زُهَيْر قَاضِي عبد الله بن الزبير
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قَالَ ابْن الزبير) ، أَي: عبد الله بن الزبير بن
الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَوْله:
{وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} وَتَمَامه
(وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج)
الْآيَة. قَوْله: (فَلم تَكْتُبهَا) ؟ اسْتِفْهَام على
سَبِيل الْإِنْكَار بِمَعْنى: لم تكْتب هَذِه الْآيَة وَقد
نسختها الْآيَة الْأُخْرَى؟ وَهِي قَوْله تَعَالَى:
{وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا}
(الْبَقَرَة: 234) والمنسوخة هِيَ قَوْله: {وَالَّذين
يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا مِنْكُم ويذرون
أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول}
(الْبَقَرَة: 240) قَوْله: (أَو تدعها) ، شكّ من
الرَّاوِي، أَي: فَلم تدعها أَي: تتركها مَكْتُوبَة.
قَوْله: (قَالَ: يَا ابْن أخي) أَي: قَالَ عُثْمَان
لِابْنِ الزبير يَا ابْن أخي، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على
عَادَة الْعَرَب، أَو نظرا إِلَى أخوة الْإِيمَان، أَو
لِأَن عُثْمَان من أَوْلَاد قصي وَكَذَلِكَ عبد الله بن
الزبير. قَوْله: (لَا أغير شَيْئا من مَكَانَهُ) ، أَي:
لَا أغير شَيْئا مِمَّا كتب من الْقُرْآن وَكَانَ عبد الله
ظن أَن مَا نسخ لَا يكْتب وَلَيْسَ كَمَا ظَنّه بل لَهُ
فَوَائِد الأولى: أَن الله تَعَالَى لَو أَرَادَ نسخ لَفظه
لرفعه كَمَا فعل فِي آيَات عديدة، وَمن صُدُور الحافظين
أَيْضا. الثَّانِيَة: أَن فِي تِلَاوَته ثَوابًا كَمَا فِي
تِلَاوَة غَيره. الثَّالِثَة: إِن كَانَ تثقيلاً وَنسخ
بتَخْفِيف عرف بتذكره قدر اللطف، وَإِن كَانَ تَخْفِيفًا
وَنسخ بتثقيل علم أَن المُرَاد انقياد النَّفس للأصعب
لِأَن يظْهر فِيهَا عِنْد ذَلِك التَّسْلِيم والانقياد،
وَكَانَ الحكم فِي أول الْإِسْلَام إِنَّه إِذا مَاتَ
الرجل لم يكن لامْرَأَته شَيْء من الْمِيرَاث إلاَّ
النَّفَقَة وَالسُّكْنَى سنة، فالآية أَعنِي قَوْله:
(ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة) أوجبت أَمريْن: أَحدهمَا:
وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى من تَرِكَة الزَّوْج سنة.
وَالثَّانِي: وجوب الِاعْتِدَاد سنة لِأَن وجوب النَّفَقَة
وَالسُّكْنَى من مَال الْمَيِّت يُوجب الْمَنْع من
التَّزْوِيج بِزَوْج آخر ثمَّ نسخ هَذَا أَن الحكمان
إِمَّا وجوب الْعدة فِي السّنة فبقوله: {يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة
(18/121)
أشهر وَعشرا} وَقيل: نسخ مَا زَاد فِيهِ،
وَأما وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فمنسوخ بِتَقْدِير
نصِيبهَا من الْمِيرَاث، وَقيل: لَيْسَ فِيهَا نسخ،
وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَان من الْحول وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: كَيفَ نسخت الْآيَة الْمُتَقَدّمَة
الْمُتَأَخِّرَة. قلت: قد تكون الْآيَة مُتَقَدّمَة فِي
التِّلَاوَة وَهِي مُتَأَخِّرَة فِي التَّنْزِيل،
كَقَوْلِه عز وَجل: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} مَعَ قَوْله:
(قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء) .
4531 - ح دَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنا شِبْلٌ
عنِ ابنِ نَجيحٍ عنْ مُجاهِد والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا قَالَ كَانَتْ هاذِهِ
العِدَّةُ تَعْتَدُ عِنْدَ أهْلِ زَوْجِها واجِبٌ
فَأَنْزَلَ الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أزْوَاجا وَصِيَّة لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعا
إلَى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنّ فَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما فَعْلنَ فِي أنْفُسِهِنَّ مِنْ
مَعْرُوفٍ} . قَالَ جَعَلَ الله لَهَا تَمامَ السَّنَةِ
سَبْعَةَ أشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إنْ
شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتها وَإنْ شاءَت خَرَجَتْ
وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإنْ
خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ
وَاجِبٌ عَلَيْها زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَوْله: حَدثنِي، ويروى: حَدثنَا إِسْحَاق. قيل: هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وَإِسْحَاق هُوَ
ابْن إِبْرَاهِيم، كَمَا حدث بِهِ فِي الْأَحْزَاب أَو
إِسْحَاق بن مَنْصُور كَمَا حدث بِهِ فِي الصَّلَاة
وَغَيرهَا، وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة، بِضَم
الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وشبل، بِكَسْر
الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وباللام:
ابْن عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله بن أبي نجيح
الْمَكِّيّ.
قَوْله: (كَانَت هَذِه الْعدة) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر
وَعشرا} قَوْله: (فَأنْزل الله: {وَالذين يتوفون} ) ، فِي
الْآيَة ذكرهَا ثمَّ قَالَ: (جعل الله لَهَا) أَي: للمعتدة
الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الأولى (تَمام السّنة) وبحسب
الْوَصِيَّة فَإِن شَاءَت قبلت الْوَصِيَّة وَتعْتَد فِي
بَيت أهل الزَّوْج إِلَى التَّمام، وَإِن شَاءَت اكتفت
بِالْوَاجِبِ، وَهَذَا يدل على أَن مُجَاهدًا لَا يرى نسخ
هَذِه الْآيَة أَعنِي قَوْله: (ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة
لأزواجهم) إِلَى آخرهَا وَعند الْأَكْثَرين هَذِه الْآيَة
مَنْسُوخَة بِالْآيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْله:
{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا}
قَوْله: (وَصِيَّة) ، مَنْصُوب بِتَقْدِير: وَالَّذين
يتوفون يوصون وَصِيَّة، أَو ألزم الَّذين يتوفون وَصِيَّة،
وَيدل عَلَيْهِ قِرَاءَة عبد الله كتب عَلَيْكُم
الْوَصِيَّة لأزواجكم، وقرىء وَصِيَّة بِالرَّفْع
بِتَقْدِير: وَحكم الَّذين يتوفون وَصِيَّة، يَعْنِي: قبل
أَن يحتضروا. قَوْله: (لأزواجهم) ، أَي: لزوجاتهم. قَوْله:
(مَتَاعا) ، نصب بِتَقْدِير: يوصون مَتَاعا أَو
بِتَقْدِير: متعوهن مَتَاعا وَقِرَاءَة أبي: مَتَاع
لأزواجهم مَتَاعا، فعلى هَذَا نصب مَتَاعا بقوله: مَتَاع
لِأَنَّهُ فِي معنى: التمتيع. قَوْله: (غير إِخْرَاج) ،
حَال من الْأزْوَاج أَي: غير مخرجات، أَو بدل من: مَتَاعا.
وَحَاصِل الْمَعْنى: وَحقّ الَّذين يتوفون عَن أَزوَاجهم
أَن يوصوا قبل أَن يحتضروا بِأَن تتمتع أَزوَاجهم بعدهمْ
حولا كَامِلا. أَي: ينْفق عَلَيْهِنَّ من تركته وَلَا
يخرجهن من مساكنهن، وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام
ثمَّ نسخت الْمدَّة. قَوْله: {أَرْبَعَة أشهر وَعشرا}
(الْبَقَرَة: 234) ونسحت النَّفَقَة بِالْإِرْثِ الَّذِي
هُوَ الرّبع أَو الثّمن، وَهَذَا عِنْد الْجُمْهُور غير
مُجَاهِد كَمَا ذكره الْآن. قَوْله: (فالعدة) ، كَمَا هِيَ
وَاجِب عَلَيْهَا وَهِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر وَالْعشر.
قَوْله: (زعم ذَلِك عَن مُجَاهِد) ، قَائِل هَذَا هُوَ
شبْل بن عباد الرَّاوِي، وَالضَّمِير فِي: زعم، يرجع إِلَى
بن أبي نجيح الرَّاوِي عَن مُجَاهِد.
وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هاذِهِ
الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أهْلها فَتَعْتَدُّ حَيْثُ
شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ}
(الْبَقَرَة: 24) .
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: قيل: هَذَا عطف على
قَوْله: عَن مُجَاهِد، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن أبي نجيح
عَن عَطاء، وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق. قلت: ظَاهره
التَّعْلِيق، إِذْ لَو كَانَ عطفا لقَالَ: وَعَن عَطاء،
وَقد روى أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد
الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن مَسْعُود. قَالَ:
حَدثنَا شبْل عَن ابْن أبي نجيح. قَالَ: قَالَ عَطاء:
قَالَ ابْن عَبَّاس إِلَى آخر مَا ذكر هُنَا.
قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَتِ اعْتَدَتْ عِنْدَ أهْلِهِ
وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتها وَإنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ
لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيما
فَعَلْنَ} . قَالَ عَطَاءٌ ثُمَّ جَاءَ المِيرَاثُ
فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْمَّدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلا
سَكْنَى لَهَا.
هَذَا من عَطاء كالتفسير لما رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس،
وَكَذَا ذكر أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: قَالَ عَطاء: إِن
شَاءَت إِلَى آخِره، بعد أَن ذكر مَا رَوَاهُ عَن ابْن
عَبَّاس.
وَعَنْ مُحَمَّد بنِ يُوسُفَ حدَّثنا وَرْقَاءُ عَنْ ابنِ
أبِي نَجيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ بِهَذَا
هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون هَذَا مدرجا
فِي رِوَايَة إِسْحَاق الَّذِي تقدم عَن روح بن شبْل،
وَاخْتَارَهُ بَعضهم حَيْثُ قَالَ: وَعَن مُحَمَّد بن
يُوسُف مَعْطُوفًا على قَوْله أخبرنَا روح. قَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) وَفِيه بعد. وَالثَّانِي: أَن يكون
البُخَارِيّ علقه عَن شَيْخه مُحَمَّد بن يُوسُف
الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء مؤنث الأورق بن عَمْرو
الْخَوَارِزْمِيّ عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد،
فَإِن كَانَ كَذَا فقد وَصله أَبُو نعيم سُلَيْمَان بن
أَحْمد عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سعيد بن أبي مَرْيَم
عَن الْفرْيَابِيّ. عَن وَرْقَاء، فَذكره.
وَعَنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ عنْ عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
قَالَ نَسَخَتْ هاذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها فِي أهْلِها
فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ الله غَيْرَ إخْرَاجٍ
نَحْوَهُ.
هَذَا أَيْضا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين،
وَالْأَظْهَر هُوَ الْوَجْه الثَّانِي أَنه رُوِيَ عَن عبد
الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس،
وَالْحَاصِل أَن ابْن أبي نجيح روى عَن مُجَاهِد وَحده
وقوفا عَلَيْهِ، وروى أَيْضا عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (نَحوه) ، أَي: نَحْو مَا رُوِيَ فِيمَا مضى عَن
مُجَاهِد.
(18/122)
4532 - ح دَّثنا حِبَّانُ حدَّثنا عَبْدُ
الله أخْبرنا عَبْدُ الله بنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ
سِيرِينَ قَالَ جَلَسْتُ إلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ
الأنْصَارِ وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ أبِي لَيْلَى
فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ فِي شَأنِ
سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ
وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذالِكَ فَقُلْتُ
إنِّي لَجَرِيءٌ إنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ
الكُوفَةِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ
فَلَقِيتُ مَالِكَ بنَ عَامِرٍ أوْ مَالِكَ بنَ عَوْفٍ
قُلْتُ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابنِ مَسْعُودٍ فِي
المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجَها وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ أتَجْعَلُونَ عَلَيْها التَّغْلِيظَ
وَلا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ لَنَزَلَتْ سُورَةُ
النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَتَجْعَلُونَ
عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) إِلَى آخِره. وحبان، بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
الْمروزِي، وَعبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (فِيهِ عظم) بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء،
وَهُوَ جمع عَظِيم، وَأَرَادَ بِهِ عُظَمَاء الْأَنْصَار،
وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى واسْمه يسَار أَبُو عِيسَى
الْكُوفِي، وَقَالَ عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن
بن أبي ليلى: أدْركْت عشْرين وَمِائَة من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهم من الْأَنْصَار.
قَوْله: (فَذكرت حَدِيث عبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الناء، الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن
مَسْعُود الْهُذلِيّ ابْن أخي عبد الله ابْن مَسْعُود،
ذكره الْعقيلِيّ فِي (الصَّحَابَة) قَالَ أَبُو عمر: فغلط،
وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ أَو من كبار التَّابِعين
بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ وَالِد عبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة الْفَقِيه الْمدنِي الشَّاعِر شيخ ابْن شهَاب،
اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَذكره البُخَارِيّ فِي التَّابِعين، ولد فِي حَيَاة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى بِهِ فمسحه
بِيَدِهِ ودعا لَهُ، وَكَانَ إِذْ ذَاك غُلَاما خماسيا أَو
سداسيا. قَوْله: (سبيعة بنت الْحَارِث) بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة
الأسْلَمِيَّة. كَانَت امْرَأَة سعد بن خَوْلَة فَتوفي
عَنْهَا بِمَكَّة، فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك
إِن أَجلك أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَكَانَت قد وضعت بعد
وَفَاة زَوجهَا بِليَال، قيل: خمس وَعشْرين لَيْلَة؟
وَقيل: أقل من ذَلِك، فَلَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل
ذَلِك أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَأَخْبَرته، فَقَالَ لَهَا: قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت،
وَبَعْضهمْ يروي: إِذا أَتَاك من ترْضينَ فتزوجي. قَوْله:
(وَلَكِن عَمه) أَي عَم عبد الله بن عتبَة، وَهُوَ عبد
الله بن مَسْعُود. قَوْله: (لَا يَقُول ذَلِك) أَي: لَا
يَقُول مَا قيل فِي شَأْن سبيعة الأسْلَمِيَّة، وَقد
ذكرنَا الْآن مَا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل. قَوْله:
(فَقلت إِنِّي لجريء) أَي: صَاحب جَرَاءَة غير متسحي.
قَوْله: (على رجل فِي جَانب الْكُوفَة) أَرَادَ بِهِ عبد
الله بن عتبَة وَكَانَ سكن الْكُوفَة وَمَات بهَا فِي زمن
عبد الْملك بن مَرْوَان. قَوْله: (قَالَ ثمَّ خرجت) ، أَي:
قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين. قَوْله: (فَلَقِيت مَالك بن
عَامر) الْهَمدَانِي، يكنى بِأبي عَطِيَّة قَالَ
الْكرْمَانِي الصحابيّ باخْتلَاف، وَقَالَ الذَّهَبِيّ:
مَالك بن عَامر الوداعي تَابِعِيّ كُوفِي، يُقَال أدْرك
الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (أَو مَالك بن عَوْف) ، شكّ من
الرَّاوِي، وَهُوَ مَالك بن عَوْف بن نَضْلَة بن جريج بن
حبيب الْجُشَمِي صَاحب ابْن مَسْعُود. قَوْله: (وَهِي
حَامِل) ، الْوَاو وَفِيه حَال. قَوْله: (أَتَجْعَلُونَ
عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) ؟ أَي: طول الْعدة بِالْحملِ إِذا
زَادَت مدَّته على مُدَّة الْأَشْهر. وَقد يَمْتَد ذَلِك
حَتَّى تجَاوز تِسْعَة أشهر إِلَى أَربع سِنِين أَي: إِذا
جعلتم التَّغْلِيظ عَلَيْهَا فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة
إِذا وضعت أقل من أَرْبَعَة أشهر. قَوْله: (لنزلت) ،
اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (سُورَة النِّسَاء
الْقصرى) ، وَهِي سُورَة الطَّلَاق، وفيهَا {وَأولَات
الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4)
. قَوْله: (بعد الطُّولى) ، لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا
سُورَة النِّسَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد السُّورَة الَّتِي
هِيَ أطول جَمِيع السُّور الْقُرْآن يَعْنِي سُورَة
الْبَقَرَة، وفيهَا: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر
وَعشرا} (الْبَقَرَة: 234) وَقَالَ الْخطابِيّ: حمل ابْن
مَسْعُود على النّسخ أَي جعل مَا فِي الطَّلَاق نَاسِخا
لما فِي الْبَقَرَة، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يجمع عَلَيْهَا
العدتين فَتعْتَد أقصاهما وَذَلِكَ لِأَن أحداهما ترفع
الْأُخْرَى، فَلَمَّا أمكن الْجمع بَينهمَا جمع، وَأما
عَامَّة الْفُقَهَاء فَالْأَمْر عِنْدهم مَحْمُول على
التَّخْصِيص لخَبر سبيعة الأسْلَمِيَّة.
(18/123)
وَقَال أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أبَا
عَطِيَّةَ مَالِك بنَ عَامِرٍ
أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين إِنَّه قَالَ: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن
عَامر، يَعْنِي: لم يشك فِيهِ.
4532 - ح دَّثنا حِبَّانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخْبرنا
عَبْدُ الله بنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ قَالَ
جَلَسْتُ إلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأنْصَارِ
وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ أبِي لَيْلَى فَذَكَرْتُ
حَدِيثَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ فِي شَأنِ سُبَيْعَةَ
بِنْتِ الحَارِثِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ وَلَكِنَّ
عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذالِكَ فَقُلْتُ إنِّي
لَجَرِيءٌ إنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ
الكُوفَةِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ
فَلَقِيتُ مَالِكَ بنَ عَامِرٍ أوْ مَالِكَ بنَ عَوْفٍ
قُلْتُ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابنِ مَسْعُودٍ فِي
المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجَها وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ أتَجْعَلُونَ عَلَيْها التَّغْلِيظَ
وَلا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ لَنَزَلَتْ سُورَةُ
النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَتَجْعَلُونَ
عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) إِلَى آخِره. وحبان، بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
الْمروزِي، وَعبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (فِيهِ عظم) بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء،
وَهُوَ جمع عَظِيم، وَأَرَادَ بِهِ عُظَمَاء الْأَنْصَار،
وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى واسْمه يسَار أَبُو عِيسَى
الْكُوفِي، وَقَالَ عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن
بن أبي ليلى: أدْركْت عشْرين وَمِائَة من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهم من الْأَنْصَار.
قَوْله: (فَذكرت حَدِيث عبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الناء، الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن
مَسْعُود الْهُذلِيّ ابْن أخي عبد الله ابْن مَسْعُود،
ذكره الْعقيلِيّ فِي (الصَّحَابَة) قَالَ أَبُو عمر: فغلط،
وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ أَو من كبار التَّابِعين
بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ وَالِد عبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة الْفَقِيه الْمدنِي الشَّاعِر شيخ ابْن شهَاب،
اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَذكره البُخَارِيّ فِي التَّابِعين، ولد فِي حَيَاة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى بِهِ فمسحه
بِيَدِهِ ودعا لَهُ، وَكَانَ إِذْ ذَاك غُلَاما خماسيا أَو
سداسيا. قَوْله: (سبيعة بنت الْحَارِث) بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة
الأسْلَمِيَّة. كَانَت امْرَأَة سعد بن خَوْلَة فَتوفي
عَنْهَا بِمَكَّة، فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك
إِن أَجلك أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَكَانَت قد وضعت بعد
وَفَاة زَوجهَا بِليَال، قيل: خمس وَعشْرين لَيْلَة؟
وَقيل: أقل من ذَلِك، فَلَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل
ذَلِك أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَأَخْبَرته، فَقَالَ لَهَا: قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت،
وَبَعْضهمْ يروي: إِذا أَتَاك من ترْضينَ فتزوجي. قَوْله:
(وَلَكِن عَمه) أَي عَم عبد الله بن عتبَة، وَهُوَ عبد
الله بن مَسْعُود. قَوْله: (لَا يَقُول ذَلِك) أَي: لَا
يَقُول مَا قيل فِي شَأْن سبيعة الأسْلَمِيَّة، وَقد
ذكرنَا الْآن مَا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل. قَوْله:
(فَقلت إِنِّي لجريء) أَي: صَاحب جَرَاءَة غير متسحي.
قَوْله: (على رجل فِي جَانب الْكُوفَة) أَرَادَ بِهِ عبد
الله بن عتبَة وَكَانَ سكن الْكُوفَة وَمَات بهَا فِي زمن
عبد الْملك بن مَرْوَان. قَوْله: (قَالَ ثمَّ خرجت) ، أَي:
قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين. قَوْله: (فَلَقِيت مَالك بن
عَامر) الْهَمدَانِي، يكنى بِأبي عَطِيَّة قَالَ
الْكرْمَانِي الصحابيّ باخْتلَاف، وَقَالَ الذَّهَبِيّ:
مَالك بن عَامر الوداعي تَابِعِيّ كُوفِي، يُقَال أدْرك
الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (أَو مَالك بن عَوْف) ، شكّ من
الرَّاوِي، وَهُوَ مَالك بن عَوْف بن نَضْلَة بن جريج بن
حبيب الْجُشَمِي صَاحب ابْن مَسْعُود. قَوْله: (وَهِي
حَامِل) ، الْوَاو وَفِيه حَال. قَوْله: (أَتَجْعَلُونَ
عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) ؟ أَي: طول الْعدة بِالْحملِ إِذا
زَادَت مدَّته على مُدَّة الْأَشْهر. وَقد يَمْتَد ذَلِك
حَتَّى تجَاوز تِسْعَة أشهر إِلَى أَربع سِنِين أَي: إِذا
جعلتم التَّغْلِيظ عَلَيْهَا فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة
إِذا وضعت أقل من أَرْبَعَة أشهر. قَوْله: (لنزلت) ،
اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (سُورَة النِّسَاء
الْقصرى) ، وَهِي سُورَة الطَّلَاق، وفيهَا {وَأولَات
الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4)
. قَوْله: (بعد الطُّولى) ، لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا
سُورَة النِّسَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد السُّورَة الَّتِي
هِيَ أطول جَمِيع السُّور الْقُرْآن يَعْنِي سُورَة
الْبَقَرَة، وفيهَا: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر
وَعشرا} (الْبَقَرَة: 234) وَقَالَ الْخطابِيّ: حمل ابْن
مَسْعُود على النّسخ أَي جعل مَا فِي الطَّلَاق نَاسِخا
لما فِي الْبَقَرَة، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يجمع عَلَيْهَا
العدتين فَتعْتَد أقصاهما وَذَلِكَ لِأَن أحداهما ترفع
الْأُخْرَى، فَلَمَّا أمكن الْجمع بَينهمَا جمع، وَأما
عَامَّة الْفُقَهَاء فَالْأَمْر عِنْدهم مَحْمُول على
التَّخْصِيص لخَبر سبيعة الأسْلَمِيَّة.
وَقَال أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أبَا عَطِيَّةَ
مَالِك بنَ عَامِرٍ
أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين إِنَّه قَالَ: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن
عَامر، يَعْنِي: لم يشك فِيهِ.
42 - (بابُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ
الوُسْطَى} (الْبَقَرَة: 238)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على
الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} أَي: الْوُسْطَى بَين
الصَّلَوَات، وَالْوُسْطَى تَأْنِيث الْأَوْسَط، والأوسط
الأعدل من كل شَيْء، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ التَّوَسُّط
بَين الشَّيْئَيْنِ لِأَن الْوُسْطَى على وزن: فعلى،
للتفضيل. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَي: الفضلى، من قَوْلهم
للأفضل الْأَوْسَط، وَإِنَّمَا أفردت وعطفت على
الصَّلَوَات لانفرادها بِالْفَضْلِ وَهِي صَلَاة الْعَصْر
عِنْد الْأَكْثَرين وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي (شرح
كتاب الطَّحَاوِيّ) .
4533 - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
يَزِيدُ أخْبَرَنا هِشامٌ عنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ
عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله عنهُ قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
وحدَّثني عبْدُ الرَّحْمانِ يَحْيَى بنُ سَعَيد قَالَ
هِشامٌ حدَّثنا مُحَمَّدٌ عَنْ عَبِيدَةَ عنْ عَلِيّ رَضِي
الله عَنهُ أنّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ
يَوْمَ الخَنْدَقِ حَبَسُونا عَنْ صَلاة الوُسْطَى حتَّى
غَابَتِ الشَّمْسُ مَلأَ الله قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ
أوْ أجْوَافَهُمْ شَكَّ يَحْيَى نَارا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَن صَلَاة الْوُسْطَى)
وَأخرجه من طَرِيقين (الأول) : عَن عبد الله بن مُحَمَّد
الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن يزِيد من
الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ عَن هِشَام بن حسان
الفردوسي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة
السَّلمَانِي عَن عَليّ بن أبي طَالب. (وَالثَّانِي) : عَن
عبد الرَّحْمَن بن بشر بن الحكم عَن يحيى بن سعيد
الْقطَّان، وَمضى الحَدِيث فِي غَزْوَة الخَنْدَق.
قَوْله: (حبسونا) ، أَي: منعونا عَن صَلَاة الْوُسْطَى.
أَي: إيقاعها فِي وَقتهَا وَإِضَافَة الصَّلَاة إِلَى
الْوُسْطَى من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. كَمَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {بِجَانِب الغربي} (الْقَصَص: 44)
وفيهَا خلاف بَين الْبَصرِيين والكوفيين، فأجازها
الْكُوفِيُّونَ ومنعها البصريون، وَفِي رِوَايَة مُسلم
شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر، وَقد
اخْتلفُوا فِيهِ، وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا صَلَاة
الْعَصْر، وَبِه قَالَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة،
وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب أبي حنيفَة، وَقَول أَحْمد
وَالَّذِي صَار إِلَيْهِ مُعظم الشَّافِعِيَّة، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: وَهُوَ قَول أَكثر عُلَمَاء الصَّحَابَة،
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: هُوَ قَول جُمْهُور التَّابِعين،
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهُوَ قَول أَكثر أهل الأثروبة،
قَالَ من الْمَالِكِيَّة ابْن حبيب وَابْن الْعَرَبِيّ
وَابْن عَطِيَّة.
وَقد جمع الْحَافِظ الدمياطي فِي ذَلِك كتابا سَمَّاهُ
(كشف المغطى عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى) . وَذكر فِيهَا
تِسْعَة عشرَة قولا الأول: إِنَّهَا الصُّبْح، وَهُوَ قَول
أبي أُمَامَة وَأنس وَجَابِر وَأبي الْعَالِيَة وَعبيد بن
عُمَيْر وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَمُجاهد، نَقله ابْن أبي
حَاتِم عَنْهُم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، نَص
عَلَيْهِ فِي (الْأُم) وَالثَّانِي: إِنَّهَا الظّهْر،
وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وروى
ابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد وَعَائِشَة أَنَّهَا الظّهْر،
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة. وَالثَّالِث:
أَنَّهَا الْعَصْر، وَمر الْكَلَام فِيهِ الْآن.
وَالرَّابِع: أَنَّهَا الْمغرب. نَقله ابْن أبي حَاتِم
بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الصَّلَاة
الْوُسْطَى هِيَ الْمغرب، وَبِه قَالَ قبيصَة بن ذُؤَيْب،
لِأَنَّهَا لَا تقصر فِي السّفر، وَلِأَن قبلهَا صلاتا
السِّرّ، وَبعدهَا صلاتا الْجَهْر. وَالْخَامِس: أَنَّهَا
جَمِيع الصَّلَوَات أخرجه ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد حسن
عَن نَافِع، قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر، فَقَالَ: هِيَ
كُلهنَّ، وَبِه قَالَ معَاذ ابْن جبل، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. السَّادِس: أَنَّهَا الْجُمُعَة ذكره ابْن حبيب من
الْمَالِكِيَّة. السَّابِع: الظّهْر فِي الْأَيَّام
وَالْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة. الثَّامِن: الْعشَاء نَقله
بن التِّين والقرطبي لِأَنَّهَا بَين صَلَاتَيْنِ لَا
تقصران وَاخْتَارَهُ الْوَاقِدِيّ. التَّاسِع: الصُّبْح
وَالْعشَاء للْحَدِيث الصَّحِيح فِي أَنَّهُمَا أنقل
الصَّلَاة على الْمُنَافِقين، وَبِه قَالَ الْأَبْهَرِيّ
من الْمَالِكِيَّة. الْعَاشِر: الصُّبْح وَالْعصر لقُوَّة
الْأَدِلَّة فِي أَن كلاًّ مِنْهُمَا قيل فِيهِ: إِنَّه
الْوُسْطَى. الْحَادِي عشر: صَلَاة الْجَمَاعَة. الثَّانِي
عشر) الْوتر، وصنف فِيهِ علم الدّين السخاوي جُزْءا.
الثَّالِث عشر: صَلَاة الْخَوْف. الرَّابِع عشر: صَلَاة
عيد الْأَضْحَى. الْخَامِس عشر: صَلَاة عيد الْفطر.
السَّادِس عشر: صَلَاة الضُّحَى. السَّابِع عشر: وَاحِدَة
من الْخمس غير مُعينَة، قَالَه سعيد بن جُبَير، وَشُرَيْح
القَاضِي وَهُوَ اخْتِيَار إِمَام الْحَرَمَيْنِ من
الشَّافِعِيَّة ذكره فِي (النِّهَايَة) . الثَّامِن
(18/124)
عشر: أَنَّهَا الصُّبْح أَو الْعَصْر على
الترديد. التَّاسِع عشر: التَّوَقُّف، وَزَاد بَعضهم
الْعشْرين: وَهِي صَلَاة اللَّيْل، وَلم يبين مَا
ادَّعَاهُ. قَوْله: (شكّ يحيى) ، هُوَ الْقطَّان
الرَّاوِي.
58 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا مَالك عَن
نَافِع أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ
إِذا سُئِلَ عَن صَلَاة الْخَوْف قَالَ يتَقَدَّم الإِمَام
وَطَائِفَة من النَّاس فَيصَلي بهم الإِمَام رَكْعَة
وَتَكون طَائِفَة مِنْهُم بَينهم وَبَين الْعَدو لم يصلوا
فَإِذا صلوا الَّذين مَعَه رَكْعَة استأخروا مَكَان
الَّذين لم يصلوا وَلَا يسلمُونَ ويتقدم الَّذين لم يصلوا
فيصلون مَعَه رَكْعَة ثمَّ ينْصَرف الإِمَام وَقد صلى
رَكْعَتَيْنِ فَيقوم كل وَاحِد من الطَّائِفَتَيْنِ فيصلون
لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة بعد أَن ينْصَرف
(18/125)
الإِمَام فَيكون كل وَاحِدَة من
الطَّائِفَتَيْنِ قد صلى رَكْعَتَيْنِ فَإِن كَانَ خوف
هُوَ أَشد من ذَلِك صلوا رجَالًا قيَاما على أَقْدَامهم
أَو ركبانا مستقبلي الْقبْلَة أَو غير مستقبليها قَالَ
مَالك قَالَ نَافِع لَا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذَلِك
إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِي بعض
النّسخ ذكر هَذَا الحَدِيث بعد قَوْله " وَقَالَ ابْن
جُبَير " إِلَى قَوْله مثل عمل الْمُؤمن وَلَيْسَ لذكره
هُنَا وَجه أصلا وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح تعرض لذكر
هَذَا والْحَدِيث قد مر فِي صَلَاة الْخَوْف بِوُجُوه
مُخْتَلفَة عَن ابْن عمر وَغَيره (وَقَالَ ابْن جُبَير وسع
كرسيه علمه يُقَال بسطة زِيَادَة وفضلا: أفرغ أنزل: وَلَا
يؤده لَا يثقله آدني أثقلني والآد والأيد قُوَّة: السّنة
النعاس: لم يتسنه لم يتَغَيَّر: فبهت ذهبت حجَّته: خاوية
لَا أنيس فِيهَا: عروشها أبنيتها: السّنة نُعَاس: ننشرها
نخرجها. إعصار ريح عاصف تهب من الأَرْض إِلَى السَّمَاء
كعمود فِيهِ نَار. وَقَالَ ابْن عَبَّاس صَلدًا لَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْء. وَقَالَ عِكْرِمَة وابل مطر شَدِيد الطل
الندى وَهَذَا مثل عمل الْمُؤمن) وَقَالَ ابْن جُبَير أَي
سعيد بن جُبَير فِي تَفْسِير قَوْله {وسع كرسيه
السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَن المُرَاد من قَوْله كرسيه
علمه وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم حَدثنَا
أَبُو سعيد الْأَشَج حَدثنَا ابْن إِدْرِيس عَن مطرف بن
طريف عَن جَعْفَر ابْن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد بن جُبَير
فِي قَوْله {وسع كرسيه} قَالَ علمه وَكَذَا رُوِيَ عَن
سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقَالَ ابْن جرير قَالَ
قوم الْكُرْسِيّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ ثمَّ رَوَاهُ عَن
أبي مُوسَى وَالسُّديّ وَالضَّحَّاك وَمُسلم البطين
وَقَالَ شُجَاع بن مخلد فِي تَفْسِيره حَدثنَا أَبُو
عَاصِم عَن سُفْيَان عَن عمار الذَّهَبِيّ عَن مُسلم
البطين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سُئِلَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن قَول
الله {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ كرسيه
مَوضِع قَدَمَيْهِ وَالْعرش لَا يقدر قدره إِلَّا الله
تَعَالَى كَذَا أورد هَذَا الحَدِيث الْحَافِظ أَبُو بكر
من طَرِيق شُجَاع بن مخلد الفلاس فَذكره قَالَ ابْن كثير
وَهُوَ غلط وَقد رَوَاهُ وَكِيع فِي تَفْسِيره حَدثنَا
سُفْيَان عَن عمار الذَّهَبِيّ عَن مُسلم البطين عَن سعيد
بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْكُرْسِيّ مَوضِع
الْقَدَمَيْنِ وَالْعرش لَا يقدر أحد قدره انْتهى (قلت)
أَرَادَ بقوله غلط أَن رَفعه غلط وليت شعري مَا الْفرق
بَين كَونه مَوْقُوفا وَبَين كَونه مَرْفُوعا فِي هَذَا
الْموضع لِأَن هَذَا لَا يعلم من جِهَة الْوَقْف وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ الْكُرْسِيّ مَا يجلس عَلَيْهِ وَلَا يفضل
عَن مقْعد الْقَاعِد ثمَّ ذكر أَرْبَعَة أوجه يطْلبهَا
الطَّالِب من موضعهَا وَكَانَ تَفْسِيره أَولا من حَيْثُ
اللُّغَة قَوْله " يُقَال بسطة " أَي يُقَال فِي تَفْسِير
قَوْله تَعَالَى {إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم وزاده بسطة
فِي الْعلم والجسم} وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أَمر
أشمويل أَو يُوشَع أَو شَمْعُون حِين طلب قومه ملكا
يُقَاتلُون بِهِ فِي سَبِيل الله {إِن الله قد بعث لكم
طالوت ملكا قَالُوا أَنى يكون لَهُ الْملك علينا وَنحن
أَحَق بِالْملكِ مِنْهُ وَلم يُؤْت سَعَة من المَال}
لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرا سقاء أَو دباغا فَقَالَ الله
تَعَالَى {إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم} الْآيَة و {بسطة}
أَي زِيَادَة فِي الْعلم والجسم وَهَكَذَا فسره أَبُو
عُبَيْدَة وَعَن ابْن عَبَّاس نَحوه وَقيل نَبِي طالوت
قَوْله " أفرغ أنزل " أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِيره فِي
قَوْله {وَلما برزوا لجالوت وَجُنُوده قَالُوا رَبنَا أفرغ
علينا صبرا وَثَبت أقدامنا وَانْصُرْنَا على الْقَوْم
الْكَافرين} وَفسّر {أفرغ} بقوله أنزل أَي أنزل علينا صبرا
هَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة وَلَيْسَ هَذَا فِي رِوَايَة
أبي ذَر وَكَذَا بسطة قَوْله {وَلَا يؤده} لَا يثقله
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِيره فِي قَوْله {وَلَا يؤده
حفظهما} وَفَسرهُ بقوله لَا يثقله وَهُوَ تَفْسِير ابْن
عَبَّاس رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي
طَلْحَة عَنهُ وَقيل مَعْنَاهُ لَا يشقه قَوْله " آدني "
أثقلني هُوَ ماضي يؤد أودا
(18/126)
قَوْله " والآد والأيد قُوَّة " هَكَذَا
فسره أَبُو عُبَيْدَة وَيُقَال رجل أيد أَي شَدِيد قوي
قَالَ الله تَعَالَى {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد}
أَي ذَا الْقُوَّة وَقَالَ أَبُو زيد آد الرجل يئيد أيدا
والأيد والآد بِالْمدِّ الْقُوَّة وأصل آد يَد قلبت
الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا قَوْله " السّنة
النعاس " أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله عز وَجل {لَا
تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} وَهَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس
وَيُقَال لَهُ الوسن أَيْضا وَالسّنة مَا يتَقَدَّم
النُّور من الفتور الَّذِي يُسمى النعاس قَوْله " لم يتسنه
" لم يتَغَيَّر أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل
{فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه} وَفَسرهُ بقوله
لم يتَغَيَّر كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَالسُّديّ
وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة أَو هَاء سكت من السّنة
مُشْتَقّ لِأَن لامها هَاء أَو وَاو وَقيل أَصله يتسنن من
الحمأ الْمسنون فقلبت نونه حرف عِلّة كَمَا فِي تقضي
الْبَازِي وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى لم يمر عَلَيْهِ
السنون الَّتِي مرت يَعْنِي هُوَ بِحَالهِ كَمَا كَانَ
كَأَنَّهُ لم يلبث مائَة سنة وَفِي قِرَاءَة عبد الله لم
يتسن وَقَرَأَ أبي لم يسنه بإدغام التَّاء فِي السِّين
قَوْله " فبهت ذهبت حجَّته " أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله
تَعَالَى {فبهت الَّذِي كفر وَالله لَا يهدي الْقَوْم
الظَّالِمين} وَفسّر بهت بقوله ذهبت حجَّته أَي حجَّة
نمْرُود عَلَيْهِ اللَّعْنَة وبهت على صِيغَة الْمَجْهُول
وقرىء فبهت الَّذِي كفر على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي غلب
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْكَافِر
وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة فبهت بِفَتْح الْبَاء وَضم الْهَاء
قَوْله " خاوية لَا أنيس فِيهَا " أَشَارَ بِهِ إِلَى
قَوْله تَعَالَى {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية
على عروشها} قيل هَذَا الْمَار هُوَ عُزَيْر عَلَيْهِ
السَّلَام رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ وَقيل هُوَ
أرميا بن حليقا وَقيل الْخضر وَقيل حزقيل بن بورا والقرية
هِيَ الْقُدس وَهُوَ الْمَشْهُور قَوْله " عروشها أبنيتها
" وَفِي التَّفْسِير على عروشها أَي سَاقِطَة سقوفها
وجدرانها على عرصاتها وَذَلِكَ حِين خربه بخت نصر وَهَذَا
وَالَّذِي قبله ليسَا فِي رِوَايَة أبي ذَر قَوْله "
ننشرها نخرجها " أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى
{وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشرها} هَكَذَا فسره
السّديّ وننشرها بِضَم النُّون الأولى وَقَرَأَ الْحسن
بِفَتْحِهَا من نشر الله الْمَوْتَى بِمَعْنى أنشرهم وقرىء
بالزاي يَعْنِي نحركها ونرفع بَعْضهَا إِلَى بعض للتركيب
قَوْله " إعصار ريح عاصف " أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله
تَعَالَى {وَله ذُرِّيَّة ضعفاء فأصابها إعصار} وَفَسرهُ
بقوله ريح عاصف إِلَى آخِره وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا
الزوبعة كَمَا قَالَه الزّجاج وَيُقَال الإعصار الرّيح
الَّتِي تستدير فِي الأَرْض ثمَّ تسطع نَحْو السَّمَاء
كالعمود وَيُقَال الإعصار ريح شَدِيدَة فِيهِ نَار وَهَذَا
ثَبت عَن أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَحده قَوْله " وَقَالَ
ابْن عَبَّاس صَلدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء " أَشَارَ بِهِ
إِلَى قَوْله تَعَالَى {كَمثل صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب
فَأَصَابَهُ وابل فَتَركه صَلدًا} وَصله ابْن جرير من
طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس وَأخرجه
ابْن أبي حَاتِم عَن أبي زرْعَة أخبرنَا منْجَاب بن
الْحَارِث أَنبأَنَا بشر عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن
ابْن عَبَّاس بِلَفْظ فَتَركه يَابسا جاسيا لَا ينْبت
شَيْئا وَسقط من هُنَا إِلَى آخر الْبَاب من رِوَايَة أبي
ذَر وَفِي التَّفْسِير قَالَ الضَّحَّاك وَالَّذِي يتبع
صدقته منا أَو أَذَى مثله كَمثل صَفْوَان وَهُوَ الصخر
الأملس عَلَيْهِ التُّرَاب فَأَصَابَهُ وابل وَهُوَ
الْمَطَر الشَّديد {فَتَركه صَلدًا} أَي أملس يَابسا لَا
شَيْء عَلَيْهِ من ذَلِك التُّرَاب بل قد ذهب كُله
وَكَذَلِكَ أَعمال المرائين تذْهب وتضمحل عِنْد الله وَإِن
ظهر لَهُم أَعمال فِيمَا يرى النَّاس كالتراب قَوْله "
وابل مطر شَدِيد الطل الندى " أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله
تَعَالَى {فَإِن لم يصبهَا وابل فطل} وَفسّر الوابل بالمطر
الشَّديد والطل بالندى وَوَصله عبد بن حميد عَن روح بن
عبَادَة عَن عُثْمَان بن غياث سَمِعت عِكْرِمَة بِهَذَا
وَفِي التَّفْسِير فَإِن لم يصبهَا وابل فمطر ضَعِيف
الْقطر قَوْله " وَهَذَا مثل عمل الْمُؤمن " أَي هَذَا
الَّذِي ذكره عِكْرِمَة مثل عمل الْمُؤمن يزْدَاد عِنْد
الله إِذا كَانَ بالإخلاص وَيذْهب إِذا كَانَ بالرياء
وَإِن ظهر لَهُ فِيمَا يرى النَّاس -
43 - (بابُ: {وَقُومُوا لله قَانِتِين} أيْ مُطِيعين
(الْبَقَرَة: 238)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَقومُوا لله
قَانِتِينَ} (الْبَقَرَة: 238) فسر قَوْله: قَانِتِينَ،
بقوله: مُطِيعِينَ، وَبِه فسر ابْن مَسْعُود وَابْن
عَبَّاس وَجَمَاعَة من التَّابِعين، ذكره ابْن أبي حَاتِم.
وَعَن ابْن عَبَّاس: قَانِتِينَ، أَي: مُطِيعِينَ، وَقيل:
عابدين، وَقيل: ذاكرين، وَقيل: داعين فِي حَال الْقيام،
وَقيل: صامتين، وَقيل: مقرين بالعبودية، وَقيل: طائعين.
وَعَن مُجَاهِد: من الْقُنُوت الرُّكُوع والخشوع وَطول
الْقيام وغض الْبَصَر وخفض الْجنَاح والرهبة لله تَعَالَى.
4534 - ح دَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ
إسْمَاعِيلَ بن أبِي خالِدٍ عنِ الحَارِثِ بنِ شُبَيْلٍ
عنْ أبِي عَمْروٍ الشَّيْبَانِيِّ عَن زَيْدِ بنِ أرْقَمَ
قَالَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ يُكَلِّمُ أحَدُنا
أخاهُ فِي حاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى
وَقُومُوا لله قَانِتِينَ فامِرْنا بالسُّكُوتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة: وَيحيى هُوَ الْقطَّان،
والْحَارث بن شبيل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح
الْيَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف مصغر
شبْل ولد الْأسد. وَأَبُو عَمْرو وَسعد بن إِيَاس: بِكَسْر
الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف:
الشَّيْبَانِيّ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة: المخضرمي،
عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة. والْحَدِيث مر فِي أَوَاخِر
كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب مَا ينْهَى عَن الْكَلَام فِي
الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن
مُوسَى عَن عِيسَى بن يُونُس عَن إِسْمَاعِيل عَن
الْحَارِث إِلَى آخِره نَحوه. قَوْله: فَأمرنَا على صِيغَة
الْمَجْهُول. وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
44 - (بابُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أوْ رُكْبَانا فَإذَا أمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا
الله كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُونَ}
(الْبَقَرَة: 239)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله عزَّ وجلَّ: {فَإِن
خِفْتُمْ} (الْبَقَرَة: 239) الْآيَة. أَي: فَإِن كَانَ
بكم خوف من عَدو أَو غَيره. قَوْله: (فرجالاً) أَي: فصلوا
راجلين وَهُوَ جمع راجل كقائم وَقيام. وقرىء: فرجالاً
بِضَم الرَّاء، ورجالاً بِالتَّشْدِيدِ، ورجلاً. قَوْله:
(أَو ركبانا) . أَي: أَو فصلوا ركبانا جمع رَاكب. قَوْله:
(فَإِذا أمنتم) يَعْنِي: فَإِذا زَالَ خوفكم (فاذكروا الله
كَمَا علمكُم) من صَلَاة الْأَمْن. قَوْله: (مَا لم
تَكُونُوا تعلمُونَ) أَي: الَّذِي لَسْتُم بِهِ عَالمين
فعلمكم وهداكم للْإيمَان فَقَاتلُوا بِذكر الله وشكره.
رِجالاً: قيَاما. رَاجِلٌ قائِمٌ
فسر قَوْله: (فرجالاً) ، بقوله قيَاما: وَلم يتَعَرَّض
لمفرده، وَقد ذكرنَا أَن الرِّجَال جمع راجل. كالقيام جمع
قَائِم.
45 - (بابٌ: {وَالَّذِينَ يُتَوَّفَوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أزْوَاجا} (الْبَقَرَة: 240)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون
مِنْكُم ويذرون} أَي: يتركون (أَزْوَاجًا) ، وَلَيْسَ فِي
رِوَايَة غير أبي ذَر التَّرْجَمَة، وَحَدِيث هَذَا
الْبَاب قد مر قبل ثَلَاثَة أَبْوَاب، وَكَانَ الْمُنَاسب
أَن يذكر بِلَا تَرْجَمَة عِنْد الْبَاب المترجم بِهَذِهِ
الْآيَة.
4536 - ح دَّثني عَبْدُ الله بنُ الأسْوَدِ حدَّثنا
حُمَيْدُ بنُ الأسْوَدِ وَيَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالا
حدَّثنا حَبِيبُ بنُ الشَّهِيدِ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ
قَالَ قَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ
الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ
(18/127)
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أزْوَاجا} (الْبَقَرَة: 240) إلَى قوْلِهِ:
{غَيْرَ إخْرَاجٍ} قَدْ نَسَختْها الأُخْرَى فَلِمَ
تَكْتُبُها قَالَ ادَعُها يَا ابْنَ أخِي لَا أُغَيِّرُ
شَيْئا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ قَالَ حُمَيْد أوْ نَحْوَ
هَذا.
هَذَا الحَدِيث قد مر بترجمته، وَهنا رَوَاهُ بطرِيق آخر
عَن عبد الله بن أبي الْأسود عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن
أبي الْأسود، وَأَبُو الْأسود اسْمه حميد بن الْأسود ابْن
أُخْت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ،
وَعبد الله هَذَا يروي عَن جده حميد بن الْأسود ويروي عَن
يزِيد بن زُرَيْع، وَكِلَاهُمَا يرويان عَن حبيب بن
الشَّهِيد المكني بِأبي الشَّهِيد المكنى، وَيُقَال: بِأبي
مَرْزُوق الْأَزْدِيّ الْأمَوِي الْبَصْرِيّ يروي عَن عبد
الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَقد تكَرر ذكره.
قَوْله: (قَالَ ابْن الزبير) هُوَ: عبد الله بن الزبير بن
الْعَوام. قَوْله: (لعُثْمَان) ، هُوَ: ابْن عَفَّان.
قَوْله: (الْأُخْرَى) أَي: الْآيَة الْأُخْرَى وَهِي
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفسِهِم أَرْبَعَة أشهر
وَعشرا} قَوْله: (فَلم) . بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم،
وَأَصله، فَلَمَّا اسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار.
قَوْله: (قَالَ) أَي: عُثْمَان. (أدعها) أَي: اتركها مثبتة
فِي الْمُصحف (لَا أغير شَيْئا مِنْهُ) أَي: مِمَّا فِي
الْمُصحف، فالقرينة تدل عَلَيْهِ. قَوْله: (قَالَ حميد)
أَي: حميد بن الْأسود الرَّاوِي عَنهُ ابْن ابْنه عبد الله
شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: (أَو نَحْو هَذَا) ، أَي: أَو
نَحْو هَذَا الْمَذْكُور من الْمَتْن، أَرَادَ أَنه تردد
فِيهِ. وَأما يزِيد بن زُرَيْع فَجزم بالمذكور.
46 - (بَاب: {وَإذْ قَالَ إبْراهِيمُ رَبِّ أرَنِي كَيْفَ
تُحْيي المَوْتَى} (الْبَقَرَة: 260)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قَالَ
إِبْرَاهِيم} ، أَي: أذكر يَا مُحَمَّد حِين قَالَ
إِبْرَاهِيم: (رب) يَعْنِي: يَا رب (أَرِنِي) يَعْنِي:
أبصرني، أَرَادَ بِهَذَا السُّؤَال أَن يضم علم
الضَّرُورِيّ إِلَى علم الاستدلالي لِأَن تظاهر
الْأَدِلَّة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة وَالْيَقِين،
وَلِأَنَّهُ لما قَالَ لنمرود: {رَبِّي الَّذِي يحيي
وَيُمِيت} (الْبَقَرَة: 258) أحب أَن يترقى من علم
الْيَقِين إِلَى عين الْيَقِين. وَأَن يرى ذَلِك
مُشَاهدَة. فَقَالَ: (رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى) .
فِصِرْهُنَّ قَطِّعْهُنَّ
هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده. وَأَشَارَ بِهِ إِلَى
تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {فَخذ أَرْبَعَة من الطير
فصرهن} وَفَسرهُ بقوله: (قطعهن) قَالَه ابْن عَبَّاس
وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو مَالك وَأَبُو
الْأسود الدؤَلِي ووهب بن مُنَبّه وَالْحسن وَالسُّديّ.
وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: فصرهن إِلَيْك
أوثقهن. فَلَمَّا أوثقهن ذبحهن، وَقيل: مَعْنَاهُ أملهن
واضممهن إِلَيْك، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس فصرهن إِلَيْك،
بِضَم الصَّاد وَكسرهَا وَتَشْديد الرَّاء من صره يصره
إِذا جمعه، وَعنهُ: فصرهن من التصرية، وَالْقِرَاءَة
الْمَشْهُورَة من صاره يصوره صورا، أَو صاره يصيره صيرا
بِمَعْنى: أماله.
4537 - ح دَّثنا أحْمَدُ بنُ صَالِحٍ حدَّثنا ابنُ وَهَب
أخبرَنِي يُونُسُ عَن ابنِ شِهاب عنْ أبِي سَلَمَةَ
وَسَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْنُ
أَحَقُّ بِالشَكِّ مِنْ إبْرَاهِيم إذْ قَالَ: {رَبِّ
أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أوَ لَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن صَالح أَبُو
جَعْفَر الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ
يروي عَن يُونُس ابْن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن
مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف وَسَعِيد بن الْمسيب عَن أبي
هُرَيْرَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي:
بَاب قَوْله عز وَجل: {ونبئهم عَن ضيف إِبْرَاهِيم}
(الْحجر: 51) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور هُنَا عَن أَحْمد بن صَالح إِلَى آخِره. وَفِي
آخِره: وَيرْحَم الله عز وَجل لوطا إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي هُنَا:
كَيفَ جَازَ الشَّك على إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام؟
فَأجَاب بِأَن مَعْنَاهُ: لَا شكّ عندنَا فبالطريق الأولى
أَن لَا يكون الشَّك عِنْده، أَو كَانَ الشَّك فِي
كَيْفيَّة الْإِحْيَاء لَا فِي نفس الْإِحْيَاء انْتهى.
قلت: التَّحْقِيق هُنَا أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا شهد لَهُ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا مدحه لِأَن
مَعْنَاهُ. نَحن أَحَق بِالشَّكِّ مِنْهُ. وَالْحَال أَنا
مَا شككنا فَكيف يشك هُوَ؟ وَإِنَّمَا شكّ فِي أَنه هَل
يجِيبه إِلَى سُؤَاله أم لَا؟ وَبِهَذَا يُمكن
(18/128)
أَن يُجَاب عَمَّا سَأَلَهُ الْكرْمَانِي، لم كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق وَهُوَ أفضل؟ بل هُوَ
أَحَق بِعَدَمِ الشَّك؟ وَجَوَابه: أَنه قَالَ ذَلِك:
تواضعا وهضما لنَفسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن نَظِير. |