عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 7 - (بَابُ قَوْلِهِ: {تُرْجِىءُ مَنْ
تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ}
(الْأَحْزَاب: 15)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {ترجىء من تشَاء}
إِلَى آخِره، كَذَا جَمِيع الروَاة، لغير أبي ذَر لفظ:
بَاب، وَحكى الواحدي عَن الْمُفَسّرين: أَن هَذِه الْآيَة
نزلت عقيب نزُول آيَة التَّخْيِير، وَذَلِكَ أَن
التَّخْيِير لما وَقع أشْفق بعض الْأزْوَاج أَن
يُطَلِّقهُنَّ ففوضن أَمر الْقسم إِلَيْهِ فَنزلت {ترجىء
من تشَاء} الْآيَة. قَوْله: (ترجىء) ، أَي: تُؤخر، قَرَأَ
حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص عَن عَاصِم: تجىء بِغَيْر
همزَة وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ، وهما لُغَتَانِ
(وَتُؤْوِي) من الإيواء أَي: تضم قَوْله: (وَمن
ابْتَغَيْت) ، أَي: طلبت وَأَرَدْت إصابتها مِمَّن عزلت
فأصبتها وجامعتها بعد الْعَزْل فَلَا جنَاح عَلَيْك، فأباح
الله تَعَالَى لَك ترك الْقسم لَهُنَّ حَتَّى إِنَّه ليؤخر
من شَاءَ مِنْهُنَّ فِي وَقت نوبتها فَلَا يَطَؤُهَا ويطأ
من يَشَاء مِنْهُنَّ فِي غير نوبتها، وَله أَن يردهَا
إِلَى فرَاشه من غير عزلها، فَلَا جنَاح عَلَيْهِ فِيمَا
فعل تَفْضِيلًا لَهُ على سَائِر الرِّجَال وتخفيفا عَنهُ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: تُرْجِىءُ: تُؤَخِّرُ أرْجِئْهُ
أخِّرْهُ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: معنى ترجىء، وَوَصله ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَهَذَا خص
بِهِ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله:
(أرجئه: أخِّره) ، هَذَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف
وَالشعرَاء، ذكره هُنَا اسْتِطْرَادًا.
8874 - حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ قَالَ هِشامٌ حدَّثنا عَنْ أبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أغَارُ
عَلَى اللاَّتِي وَهَبْنَ أنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقُولُ أتَهَبُ المَرْأةُ نَفْسَهَا
فَلَمَّا أنْزَلَ الله تَعالى: {تُرْجِىءُ مَنْ تَشَاءُ
مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ}
قُلْتُ مَا أُرَى رَبِّكَ إلاَّ يُسَارِعُ فِي هَوَاك.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وزَكَرِيا بن يحيى أَبُو
السكين الطَّائِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة، وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير.
قَوْله: (قَالَ هِشَام: حَدثنَا عَن أَبِيه) ، تَقْدِيره:
قَالَ: حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه، وَهَذَا جَائِز
عِنْدهم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي عشرَة النِّسَاء وَفِي
التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك
المَخْزُومِي، ثَلَاثَتهمْ عَن أبي أُسَامَة.
قَوْله: (أغار) بالغين الْمُعْجَمَة مَعْنَاهُ هُنَا أعيب،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ
بِلَفْظ كَانَت تعير اللَّاتِي، بِالْعينِ الْمُهْملَة
(19/119)
قَوْله: (اللَّاتِي وهبْنَ) ظَاهره أَن
الواهبة أَكثر من وَاحِدَة؟ مِنْهُنَّ: خَوْلَة بنت
حَكِيم، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم، ومنهن: أم شريك رَوَاهُ
الشّعبِيّ، ومنهن: فَاطِمَة بنت شُرَيْح، رَوَاهُ أَبُو
عُبَيْدَة، ومنهن: ليلى بنت الْحطيم، رَوَاهُ بَعضهم،
ومنهن: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، رَوَاهُ قَتَادَة عَن
ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُنْقَطع. قَوْله: (مَا أرى) رَبك
إِلَى آخِره أَي: مَا أرى الله إِلَّا موجدا لمرادك بِلَا
تَأْخِير منزلا لما تحب وترضاه.
9874 - حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخْبرنا عَبْدُ الله
أخْبرنا عَاصِمٌ الأحْوَلُ عَنْ مُعاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ الله عَنْها أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ المَرْأَةِ مِنَّا
بَعْدَ أنْ أُنْزِلَتْ هاذِهِ الآيَةَ: {تُرْجِىءُ مَنْ
تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوى إلَيْكَ مَنْ تَشَاءِ وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ}
(الْأَحْزَاب: 15) فَقُلْتُ لَها: مَا كُنْتُ تَقُولِينَ؟
قَالَتْ: كُنْتُ أقُولُ لَهُ إنْ كَانَ ذَاكَ إلَيَّ
فَإنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ الله أنْ أُوتِرَ
عَلَيْكَ أحَدا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وحبان: بِكَسْر الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى
أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَعَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول
الْمصْرِيّ، ومعاذ، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة
والذال الْمُعْجَمَة بنت عبد الله العدوية البصرية.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن شُرَيْح بن
يُونُس، وَعَن الْحسن بن عِيسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
النِّكَاح عَن يحيى بن معِين وَمُحَمّد بن الطباع، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عَامر
المصِّيصِي.
قَوْله: (كَانَ يسْتَأْذن فِي يَوْم الْمَرْأَة)
بِإِضَافَة يَوْم إِلَى الْمَرْأَة ويروى فِي الْيَوْم
الْمَرْأَة بِنصب الْمَرْأَة ويروى: يسْتَأْذن الْمَرْأَة
فِي الْيَوْم أَي: الْيَوْم الَّذِي تكون فِيهِ نوبتها
إِذا أَرَادَ أَن يتَوَجَّه إِلَى الْأُخْرَى. قَوْله:
(مَا كنت) ؟ اسْتِفْهَام. قَوْله: (لَهُ) أَي: للنَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (إِن كَانَ ذَاك) أَي:
الاسْتِئْذَان.
تَابَعَهُ عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ سَمِعَ عَاصِما
أَي: تَابع عبد الله عباد بن عباد، بتَشْديد الْيَاء
الْمُوَحدَة فيهمَا، أَبُو مُعَاوِيَة المهلبي، وَوَصله
ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من طَرِيق يحيى بن معِين
عَن عباد بن عباد.
8 - (بَابٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ أنْ يُؤْذَنَ
لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ وَلاكنْ
إذَا دُعِيْتُمْ فَادْخُلُوا فَإذَا طَمِعْتُمْ
فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ
ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النبيَّ فَيَسْتَحْيَ مِنْكُمْ
وَالله لاَ يَسْتَحْيِ مِنَ الحَقِّ وَإذَا
سَألْتُمُوهُنَّ مَتاعا فَأسألُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حجابٍ
ذَلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ
لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله وَلا أنْ تَنْكِحُوا
أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَدا إنَّ ذلِكُمْ كَانَ عِنْدَ
الله عَظِيما} (الْأَحْزَاب: 35)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {لَا تدْخلُوا}
الْآيَة. وَعند أبي ذَر والنسفي: كَذَا {لَا تدْخلُوا
بيُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ أَن يُؤذن
لكم إِلَى طَعَام} إِلَى قَوْله: (عَظِيما) وَغَيرهمَا:
ساقوا الْآيَة كلهَا كَمَا هُوَ هَاهُنَا. قَوْله: (لَا
تدْخلُوا) ، أَوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تدْخلُوا} ؟ الْآيَة. قَوْله: (إِلَّا أَن يُؤذن لكم) ،
أَي: إِلَّا تدعوا إِلَى طَعَام فَيُؤذن لكم فتأكلونه.
قَوْله: (غير ناظرين) ، أَي: غير منتظرين إناه أَي: وَقت
إِدْرَاكه ونضجه، وَعَن ابْن عَبَّاس: نزلت فِي نَاس من
الْمُؤمنِينَ كَانُوا يتحينون طَعَام النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَيدْخلُونَ عَلَيْهِ قبل الطَّعَام إِلَى
أَن يدْرك ثمَّ يَأْكُلُون وَلَا يخرجُون، فَكَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتَأَذَّى مِنْهُم فَنزلت
هَذِه الْآيَة، وَغير: نصب على الْحَال. قَوْله: (فَإِذا
طَعِمْتُمْ) ، أَي: فَإِذا أكلْتُم الطَّعَام. قَوْله:
(فَانْتَشرُوا) ، أَي: فَتَفَرَّقُوا واخرجوا من منزله.
قَوْله: (وَلَا مستأنسين) عطف على قَوْله: (غير ناظرين)
أَي: وَلَا غير مستأنسين أَي: طَالِبين الْأنس لحَدِيث،
نهوا أَن يطيلوا الْجُلُوس يسْتَأْنس بَعضهم لبَعض لأجل
حَدِيث يحدثُونَ بِهِ. قَوْله: (إِن ذَلِكُم) ، أَي:
إطالتكم فِي الْقعُود وانتظاركم الطَّعَام
(19/120)
الَّذِي لم يتهيأ واستئناسكم للْحَدِيث
يُؤْذِي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويشوش
عَلَيْهِ. قَوْله: (فيستحيي مِنْكُم) ، أَن يَقُول لكم
قومُوا (وَالله لَا يستحيي من الْحق) أَي: لَا يتْرك
تأديبكم وحملكم على الْحق وَلَا يمنعهُ ذَاك مِنْهُ.
قَوْله: (وَإِذ سَأَلْتُمُوهُنَّ) ، أَي: إِذا سَأَلْتُم
نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَتَاعا
فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب) وَرُوِيَ أَن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، أَمر نسَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بالحجاب، فَقَالَت زَيْنَب يَا ابْن
الْخطاب أتغار علينا وَالْوَحي ينزل فِي بُيُوتنَا؟
فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا
فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب} قَوْله: {ذَلِكُم طهر
لقلوبكم وقلوبهن} يَعْنِي: من الرِّيبَة. قَوْله: (وَمَا
كَانَ لكم) ، يَعْنِي: وَمَا يَنْبَغِي لكم وَمَا يصلح لكم
أَن تُؤْذُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
الْأَشْيَاء وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا
نزلت فِي رجل كَانَ يَقُول: لَئِن توفّي رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لأَتَزَوَّجَن عَائِشَة، زعم مقَاتل
أَنه طَلْحَة بن عبيد الله. قَوْله: (إِن ذَلِكُم) ، أَي:
إِن نِكَاح أَزوَاجه بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ عِنْد الله عَظِيما) .
يُقالُ إناهُ إدْرَاكُهُ أنَى يأنى أَنَاة
أَرَادَ بذلك تَفْسِير لَفْظَة أَتَاهُ. فِي قَوْله: {غير
ناظرين أناه} (الْأَحْزَاب: 35) وَفَسرهُ بقوله:
(إِدْرَاكه) أَي: إِدْرَاك وَقت الطَّعَام، يُقَال: (أَنى)
فِي الْمَاضِي بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون مَقْصُورا
(إياني) مضارعه بِكَسْر النُّون. قَوْله: (أَنَاة) ، مصدر
بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف النُّون وَآخره هَاء
تَأْنِيث: كَذَا ضبطوه وَقَالُوا: أَنه مصدر وَلكنه لَيْسَ
بمصدر. أَنِّي يأنى الَّذِي قَالَه البُخَارِيّ فَإِنَّهُ
مصدره بِكَسْر الْهمزَة على مَا تَقول وَسُكُون النُّون
الْمَفْتُوحَة، والأناءة الِاسْم مثل قَتَادَة، وَهُوَ
الثَّانِي فِي الْأَمر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَنى يأني
أناه، أَي: حَان، وأنى أَيْضا أدْرك، قَالَ تَعَالَى: {غير
ناظرين أناه} ، وَيُقَال أَيْضا إِنِّي الْحَمِيم، أَي:
انْتهى حره. قَالَ تَعَالَى: {حميم آن} (الْأَحْزَاب: 35)
وآناء يؤنيه إيناه أَخّرهُ وحبسه وأبطاه، وآناه اللَّيْل
ساعاته قَالَ الْأَخْفَش: وَاحِدهَا أَنِّي مثل معي،
وَقيل: وَاحِدهَا آني وانو.
لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلك النَّاس
عَن السَّاعَة قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله وَمَا يدْريك
لَعَلَّ السَّاعَة تكون قَرِيبا} (الْأَحْزَاب: 36)
قَوْله: (يَسْأَلك النَّاس) ، أَي: الْمُشْركُونَ. قَوْله:
(عَن السَّاعَة) ، أَي: عَن وَقت قيام السَّاعَة استعجالاً
على سَبِيل الْهمزَة، وَالْيَهُود كَانُوا يسْأَلُون
امتحانا لِأَن الله عمَّى وَقتهَا فِي التَّوْرَاة، وَفِي
كل كتاب، ثمَّ بَين الله تَعَالَى لرَسُوله أَنَّهَا
قريبَة الْوُقُوع تهديدا للمستعجلين.
إذَا وَصَفْتَ صِفَةَ المُؤَنَثِ قُلْتَ قَرِيبَةً وَإذا
جَعَلْتَهُ ظَرْفا أوْ بَدلاً وَلَمْ تُرِدِ الصِفَةَ
نَزَعَتْ الهَاءَ مِنَ المُؤَنَّثِ وَكَذَلِكَ لَفْظُها
فِي الوَاحِدِ وَالاثْنَيْنِ وَالجَمِيعِ لِلذِّكَرِ
وَالأُنْثَى.
هَذَا كُله من قَوْله: {لَعَلَّ السَّاعَة} إِلَى قَوْله:
(وَالْأُنْثَى) لم يَقع إلاَّ لأبي ذَر والنسفي، وَلم
يذكرهُ غَيرهمَا وَهُوَ الصَّوَاب من أوجه: الأول: أَن
قَوْله: {لَعَلَّ السَّاعَة تكون قَرِيبا} إِن كَانَ فِي
هَذِه السُّورَة وَلَكِن ذكره فِي هَذَا الْموضع لَيْسَ
بموجه لِأَن الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا بعد هَذَا كلهَا
مُتَعَلقَة بالترجمة الَّتِي ذكرت قبله، والفاصل بَينهمَا
كالفاصل بَين الْعَصَا ولحائها. الثَّانِي: أَن هَذَا
الَّذِي ذكره فِي تذكير لفظ قَرِيبا، لَيْسَ كَمَا
يَنْبَغِي، وَالَّذِي ذكره المهرة فِي فن الْعَرَبيَّة أَن
قَرِيبا على وزن فعيل وفعيل إِذا كَانَ بِمَعْنى مفعول
يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {أَن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ}
(الْأَعْرَاف: 65) الثَّالِث: أَن قَوْله: إِذا جعلته
ظرفا، لَيْسَ على الْحَقِيقَة لِأَن لفظ: قريب، لَيْسَ
بظرف أصلا فِي الأَصْل، وَلِهَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ
فِي قَوْله: قَرِيبا، أَي: شَيْئا قَرِيبا، أَو لِأَن
السَّاعَة فِي معنى الْيَوْم أَو فِي زمَان قريب، وَهَذَا
هروب من إِطْلَاق لفظ الظّرْف على قريب حَيْثُ أجَاب
ثَلَاثَة أجوبة عَن قَول من يَقُول أَن لفظ قريب مُذَكّر
والساعة مؤنث، وَكَذَلِكَ لاحظ أَبُو عُبَيْدَة هَذَا
الْمَعْنى هُنَا حَيْثُ قَالَ: مجازه مجَاز الظّرْف
هَاهُنَا، وَلَو كَانَ وَصفا للساعة لقَالَ: قريبَة،
وَإِذا كَانَت ظرفا فَإِن لَفظهَا فِي الْوَاحِد وَفِي
الِاثْنَيْنِ وَالْجمع من الْمُذكر والمؤنث وَاحِد بِغَيْر
هَاء وَبِغير جمع وَبِغير تَثْنِيَة. قَوْله: (أَو بَدَلا)
، أَي: عَن الصّفة يَعْنِي: جعلته اسْما مَكَان الصّفة
وَلم تقصد الوصفية يستوى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث والتثنية
وَالْجمع.
0974 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
أنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنهُ قُلْتُ يَا
رَسُولَ الله
(19/121)
يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ
فَلَوْ أمَرْتَ أُمَّهاتِ المُؤْمِنينَ بِالحجابِ فأنْزَلَ
الله آيَةَ الحِجابِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد ذكرنَا أَن قَوْله:
{لَعَلَّ السَّاعَة تكون قَرِيبا} غير وَاقع فِي مَحَله،
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَحميد، بِضَم الْحَاء
ابْن أبي حميد الطَّوِيل أَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ،
وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل مضى فِي كتاب
الصَّلَاة فِي بَاب مَا جَاءَ فِي الْقبْلَة.
1974 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الرَّقَاشِيُّ
حدَّثنا مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أبِي
يَقُولُ حدَّثنا أبُو مِجْلَزٍ عَنْ أنس بنِ مَالِك رَضِيَ
الله عَنهُ قَالَ لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَبَ ابنَةَ جَحْشٍ دَعَا القَوْمَ
فَطمِعُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحدَّثُونَ وَإذَا هُوَ
كَأنَّهُ يَتَهَيَأْ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا
فَلَمَّا رَأى ذَلِكَ قَامَ فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ
قَامَ وَقَعَدَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ فَجَاءَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِيَدْخُلَ فَإذَا القَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ
إنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فأخْبَرْتُ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُمْ قَدِ
انْطَلَقُوا فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أدْخُلُ
فَألْقَى الحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأُنْزِلَ الله:
{يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النبيِّ} (الْأَحْزَاب: 35) الآيَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد الله
الرقاشِي، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف وبالشين
الْمُعْجَمَة نِسْبَة إِلَى رقاش بنت ضبيعة فِي ربيعَة بن
نزار ومعتمر يرْوى عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان وَأَبُو
مجلز، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح اللَّام
وبالزاي، اسْمه لَاحق بن حميد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان
عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل وَعَن الْحسن بن
عمر وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن حبيب وَغَيره
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد
الْأَعْلَى.
قَوْله: (لما تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
زَيْنَب بنت جحش) ، وَكَانَ سنة ثَلَاث، قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: وَعَن قَتَادَة سنة خمس، وَقيل: غير ذَلِك.
قَوْله: (فطعموا) أَي: أكلُوا قَوْله: (وَإِذا هُوَ) أَي:
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلم
يقومُوا) ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستحي أَن
يَقُول لَهُم: قومُوا قَوْله: (من قَامَ) فَاعل قَوْله:
(قَامَ قبله) .
2974 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادُ
بنُ زَيْدٍ عَنِ أيُّوبَ عَنْ أبِي قِلابَةَ قَالَ أنَسٌ
ابنُ مَالِكٍ أنَا أعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الآيَةِ
آيَةِ الحِجابِ لَما أهدِيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ إلَى
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَتْ مَعَهُ فِي
البَيْتِ صَنَعَ طَعاما وَدَعا القَوْمَ فَقَعَدُوا
يَتَحَدَّثُونَ فَجَعَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَخْرُجُ ثُمَّ يَرجِعُ وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ
فَأنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إناهُ}
إلَى قَوْلِهِ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ فَضُرِبَ الحِجابُ
وَقَامَ القَوْمُ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس الْمَذْكُور أخرجه عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب
السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله
بن زيد الْجرْمِي عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (لما أهديت) ، أَي: لمازينتها الماشطة وبعثتها
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصغاني:
صَوَابه هديت بِدُونِ الْألف وَلَكِن النّسخ بِالْألف،
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والهداء مصدر قَوْلك: هديت
الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا هداه، وَقد هديت إِلَيْهِ وَهِي
مهدية وَهدى أَيْضا. ثمَّ قَالَ: والهدية وَاحِدَة
الْهَدَايَا يُقَال: أهديت لَهُ وَإِلَيْهِ. قَوْله: (وهم
قعُود) ، جملَة حَالية أَي: قَاعِدُونَ.
3974 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدِ الوَارِثِ
حدَّثنا عَبْدِ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ
(19/122)
الله عنهُ قَال بُنْيَ عَلَى النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ بِخْبْزٍ
وَلَحْمٍ فَأُرْسِلَتْ أُى الطَّعامِ دَاعِيا فَيَجِيءُ
قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ
فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ فَدَعْوَتُ حَتَّى مَا أجِدُ
أحَدا أدْعُو فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله مَا أجِدُ أحَدا
أدْعُوهُ فَقَالَ ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ وَبَقِيَ ثَلاثَةُ
رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيْتِ فَخَرَجَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقَ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ
فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ
الله فَقَالَتْ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله
كَيْفَ وَجَدْتُ أهْلَكَ بَارَكَ الله لَكَ فَتَقَرَّى
حُجَرَ نِسِائِهِ كُلَّهِنَّ يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا
يَقُولُ لِعَائِشَةَ وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ
عَائِشَةُ ثُمَّ رَجَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإذَا ثَلاثَةُ رَهْطٍ فِي البَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ
وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَدِيدَ
الحَيَاءِ فَخَرَجَ مُنْطِلِقا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ
فَمَا أدْرِي آخْبَرْتُهُ أوْ أُخْبِرَ أنَّ القَوْمَ
خَرَجُوا فَرَجَعَ حَتَّى إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي
أُسُكُفَّةِ البابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى
السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ
الحِجابِ..
هَذَا طَرِيق آخر أَيْضا عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين
عبد الله بن عَمْرو الْمَشْهُور بالمقعد بِلَفْظ اسْم
الْمَفْعُول من الإقعاد عَن عبد الْوَارِث بن سعيد إِلَى
آخِره.
قَوْله: (بني على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
بِصِيغَة الْمَجْهُول من الْبناء وَهُوَ الدُّخُول
بِالزَّوْجَةِ، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الرجل كَانَ إِذا
تزوج امْرَأَة بنى عَلَيْهَا قبَّة ليدْخل بهَا فِيهَا
فَيُقَال: بنى الرجل على أَهله، وَقَالَ الْجَوْهَرِي:
وَلَا يُقَال بنى بأَهْله، والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ.
قَوْله: (ابْنة جحش) ، ويروى: بنت جحش. قَوْله: (فَأرْسلت)
، على صِيغَة الْمَجْهُول، والمرسل هُوَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (على طَعَام) ، ويروى: على
الطَّعَام. قَوْله: (دَاعيا) ، نصب على الْحَال من
الضَّمِير الَّذِي فِي أرْسلت وَهُوَ أنس. قَوْله:
(فَيَجِيء قوم وَيخرجُونَ) ، أَي: يَأْكُلُون فَيخْرجُونَ.
قَوْله: (ادعو) ، أَي: ادعوهُ وَهِي صفة أحدا. قَوْله:
(قَالَ: ارْفَعُوا طَعَامكُمْ) ، ويروى: فَقَالَ:
بِالْفَاءِ وَكَذَلِكَ فارفعوا قَوْله: (فنقرى) بِفَتْح
الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء على وزن تفعل، أَي: تتبع الْحجر
وَاحِدَة وَاحِدَة، وَالْحجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
وَفتح الْجِيم: جمع حجرَة وَهِي الْموضع الْمُنْفَرد فِي
الدَّار قَوْله: (آخبرته) أَي: أخْبرت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَو أخبر، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أَو
أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْوَحْي،
وَهَذَا شكّ من أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد
اتّفقت رِوَايَة عبد الْعَزِيز وَحميد على الشَّك، وَفِي
رِوَايَة أبي مجلز عَن أنس الَّذِي مضى: فَأخْبرت من غير
شكّ. قَوْله: (فِي أُسْكُفَّة الْبَاب) بِضَم الْهمزَة
وَسُكُون السِّين وَضم الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء، وَهِي:
العتبة الَّتِي يُوطأ عَلَيْهَا.
4974 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخْبَرَنا عَبْدُ
الله بنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ حَدثنَا حَمَيْدٌ عَنْ أنَسٍ
رضيَ عَنْهُ قَالَ أوْلَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فأشْبَعَ
النَّاسَ خُبْزاً وَلَحْماً ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ
أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ كَما كانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ
بِنائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ ويُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ
وَيَدْعُونَ لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رأى
رَجُلَيْن جَرَي بِهِما الحَدِيثُ فَلَمَّا رَآهُما رَجعَ
عَنْ بَيْتِهِ فَلَمَّا رَأْي الرّجُلاَنِ نَبيَّ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وثَبا
مُسْرِعَيْنِ فَما أدْرِي أَنا أخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِما
أمْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ وأرْخَى
السِّتْرَ بَيْنِي وبَيْنَهُ وأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجابِ..
هَذَا طَرِيق آخر أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور أبي
يَعْقُوب الْمروزِي عَن عبد الله بن بكر بن حبيب
الْبَاهِلِيّ السَّهْمِي الْبَصْرِيّ عَن حميد الطَّوِيل
... إِلَى آخِره.
قَوْله: (صَبِيحَة بنائِهِ) أَي: صباحاً بعد لَيْلَة
الزفاف. قَوْله: (فَيسلم عَلَيْهِنَّ ويسلمن عَلَيْهِ)
ويروى: فَيسلم
(19/123)
عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ ويسلمن
عَلَيْهِ وَيدعونَ. قَوْله: (رأى رجلَيْنِ) وَفِي الحَدِيث
الْمَاضِي: ثَلَاثَة رَهْط، وَلَا اعْتِبَار لمَفْهُوم
الْعدَد وَكَانَت المحادثة بَينهمَا وَالثَّالِث سَاكِت،
وَقيل: لَعَلَّه باعتبارين كَانُوا ثَلَاثَة ثمَّ ذهب
وَاحِد وَبَقِي إثنان وَهُوَ أولى من قَول ابْن التِّين
إِحْدَاهمَا وهم فَإِن قلت: الحَدِيث الثَّانِي يدل على
أَن نزُول الْآيَة قبل قيام الْقَوْم، وَالْأول وَغَيره
أَنه بعده. قلت: هُوَ مأول بِأَنَّهُ حَال أَي: أنزل الله
وَقد قَامَ الْقَوْم، هَكَذَا أجَاب الْكرْمَانِي.
وَقَالَ ابْنُ أبي مَرْيَمَ أخْبَرَنا يَحْيَى حدّثني
حُمَيْدٌ سَمِعَ أنَساً عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَشَارَ بذلك إِلَى أَن حميدا قد ورد عَنهُ التَّصْرِيح
بِسَمَاعِهِ هَذَا الحَدِيث عَن أنس. وَأَن عنعنته فِيهِ
غير مُؤثرَة وَابْن أبي مَرْيَم من شُيُوخ البُخَارِيّ،
واسْمه سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم
الْمصْرِيّ وَيحيى هُوَ ابْن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ،
قيل: وَقع فِي بعض النّسخ من رِوَايَة أبي ذَر، وَقَالَ
إِبْرَاهِيم بن أبي مَرْيَم: وَهُوَ غلط فَاحش.
5974 - حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى حَدثنَا أبُوا
أُسامَةَ عَن هِشامٍ عنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا قالَتْ خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَما ضُرِبَ
الحِجابُ لِحاجَتِها وكانَتِ امْرَأةً جَسِيمَةً لَا
تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُها فَرَآها عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ أما وَالله مَا
تَخْفَيْنَ عَلَيْنا فانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ قالَتْ
فانْكَفَأَت رَاجِعَةً ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي بَيْتِي وإنَّهُ لَيَتَعَشَّي وَفِي يَدِهِ
عَرْقٌ فَدَخَلَتْ فقالَتْ يَا رسولَ الله إنِّي خَرَجْتُ
لِبَعْضِ حاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ وَكَذَا قالَتْ
فأوْحي الله إلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وإنَّ العَرْقَ
فِي يَدِهِ مَا وضَعَهُ فقالَ إنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ
أنْ تَخْرُجْنَ لِحاجَتِكُنَّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بَعْدَمَا ضرب
الْحجاب) قيل: إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب
لَيْسَ بمطابق وَكَانَ إِيرَاده فِي عدم الْحجاب أولى.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ أحَال على أصل الحَدِيث كعادته فِي
التبويبات.
وزكرياء بن يحيى بن صَالح الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه،
وَله شيخ آخر وَهُوَ زَكَرِيَّاء بن يحيى بن عمر أَبُو
السكن الطَّائِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة يروي عَن هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة
بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب خُرُوج
النِّسَاء إِلَى البرَاز، أخرجه بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (خرجت سَوْدَة) وَهِي بنت زَمعَة أم الْمُؤمنِينَ.
قَوْله: (بَعْدَمَا ضرب الْحجاب) وَقد تقدم فِي
الطَّهَارَة أَنه كَانَ قبل الْحجاب، قَالَ الْكرْمَانِي:
لَعَلَّه وَقع مرَّتَيْنِ، وَقيل: المُرَاد بالحجاب الأول
غير الْحجاب الثَّانِي، وَالْحَاصِل فِي هَذَا أَن عمر
رَضِي الله عَنهُ، وَقع فِي قلبه نفرة من اطلَاع
الْأَجَانِب على الْحَرِيم النَّبَوِيّ حَتَّى صرح بقوله
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إحجب نِسَاءَك، وأكد
ذَلِك إِلَى أَن نزلت آيَة الْحجاب، ثمَّ قصد بعد ذَلِك
أَن لَا يبدين أشخاصهن أصلا وَلَو كن مستترات، فَبَالغ فِي
ذَلِك وَمنع مِنْهُ وَأذن لَهُنَّ فِي الْخُرُوج لحاجتهن
دفعا للْمَشَقَّة ورفعاً للْحَرج. قَوْله: (لحاجتها)
مُتَعَلق بقوله: (خرجت) . قَوْله: (أما وَالله) بِفَتْح
الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم: حرف استفتاح بِمَنْزِلَة،
أَلا وَيكثر قبل الْقسم. قَوْله: (فَانْكَفَأت)
بِالْهَمْزَةِ يَعْنِي: انقلبت وانصرفت، قَالَ
الْقُرْطُبِيّ: هُوَ الصَّوَاب، قَالَ: وَوَقع لبَعض
الروَاة انكفت بِحَذْف الْهمزَة وَالْألف فَكَانَ لما سهل
الْهمزَة بقيت الْألف سَاكِنة فلقيها سَاكن فحذفت. قَوْله:
(عرق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء،
وَهُوَ الْعظم الَّذِي عَلَيْهِ اللَّحْم. قَوْله: (ثمَّ
رفع عَنهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: رفع عَنهُ مَا
يلقاه وَقت نزُول الْوَحْي عَلَيْهِ. قَوْله: (والعرق، فِي
يَده) جملَة حَالية. قَوْله: (إِنَّه) أَي: إِن الشَّأْن
(قد أذن لَكِن) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَيجوز أَن قَالَ:
إِن الله قد أذن لكنّ، وَالْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي
هَذَا الْبَاب كلهَا دَالَّة على الْحجاب، وَحَدِيث
عَائِشَة هَذَا الْمَذْكُور، وَإِن لم يذكر فِيهِ الْحجاب
صَرِيحًا. لِأَن ظَاهره عَدمه وَلَكِن فِي أَصله مَذْكُور
فِي مَوضِع آخر، وَعَن هَذَا قَالَ عِيَاض: فرض الْحجاب
مِمَّا اخْتصَّ بِهِ أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَهُوَ فرض عَلَيْهِنَّ بِلَا خلاف فِي الْوَجْه
وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يجوز لَهُنَّ كشف ذَلِك فِي شَهَادَة
وَلَا غَيرهَا وَلَا إِظْهَار شخوصهن وَإِن كن مستترات
إلاَّ مَا دعت إِلَيْهِ ضَرُورَة من برَاز، كَمَا فِي
حَدِيث حَفْصَة، لما توفّي عمر رَضِي الله عَنهُ، سترهَا
النِّسَاء عَن أَن يرى شخصها، وَلما توفيت زَيْنَب
(19/124)
جعلُوا لَهَا قبَّة فَوق نعشها تستر شخصها،
وَلَا خلاف أَن غَيْرهنَّ يجوز لَهُنَّ أَن يخْرجن لما
يحتجن إِلَيْهِ من أمورهن الْجَائِزَة بِشَرْط أَن يكن بذة
الْهَيْئَة خشنة الملبس تفلة الرّيح مستورة الْأَعْضَاء
غير متبرجات بزينة وَلَا رَافِعَة صَوتهَا.
9 - (بابُ قَوْلُهُ: {إنْ تُبْدُوا شَيْئاً أوْ تُخْفُوهُ
فإِنَّ الله كانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيماً لاَ جُناح
عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ ولاَ أبْنائِهِنَّ وَلَا
إخْوَانِهِنَّ وَلَا أبْماءِ إخْوانِهِنَّ وَلَا أبْناءِ
أخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسائهنَّ ولاَ مَا مَلَكَتْ
أيماتُهُنَّ واتَّقِينَ الله إنَّ الله كانَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيداً} (الْأَحْزَاب: 45 55)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {أَن تبدوا} إِلَى
آخِره، وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مذكورتان فِي راوية غير أبي
ذَر فَإِن عِنْده: {إِن تبدوا شَيْئا أَو تُخْفُوهُ فَإِن
الله كَانَ} إِلَى قَوْله: {شَهِيدا} وَلَيْسَ فِي بعض
النّسخ لفظ: بَاب قَوْله: (أَن تبدوا) أَي: إِن تظهروا
شَيْئا من نِكَاح أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم على أَلْسِنَتكُم أَو تُخْفُوهُ فِي صدوركم فَإِن
الله يعلم ذَلِك فيعاقبكم عقَابا عَظِيما، ولتحريمهن بعده
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَزِمت نفقاتهن فِي بَيت المَال.
وَاخْتلف أهل الْعلم فِي وجوب الْعدة عَلَيْهِنَّ بوفاته
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل: لَا عدَّة عَلَيْهِنَّ
لِأَنَّهَا مُدَّة تربص تنْتَظر بهَا الْإِبَاحَة، وَقيل:
تجب لِأَنَّهَا عبَادَة وَإِن لم تتعقبها الْإِبَاحَة.
قَوْله: (لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ) الْآيَة، قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ: لما نزلت آيَة الْحجاب قَالَ الْآبَاء
وَالْأَبْنَاء: يَا نَبِي الله، وَنحن أَيْضا تكلمهن من
وَرَاء حجاب؟ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فِي ترك الْحجاب
من الْمَعْدُودين، وَلم يذكر الْعم لِأَنَّهُ كَالْأَبِ،
وَلَا الْخَال لِأَنَّهُ كالأخ. قَوْله: وَلَا مَا ملكت
إيمانهن قيل: الْإِمَاء دون العبيد وَهُوَ قَول سعيد بن
الْمسيب، وَقيل: عَام فيهمَا. قَوْله: (واتقين الله) ،
يَعْنِي: أَن يراكن غير هَؤُلَاءِ (إِن الله كَانَ على كل
شَيْء) من أَعمال بني آدم (شَهِيدا) يَعْنِي: لم يغب
عَلَيْهِ شَيْء.
6974 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرنا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ حدّثني عُروةُ بنُ الزبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا قالَتِ استأذَن عَلَيَّ أفْلَحُ أخُو
أبي القُعَيْسِ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجابُ فَقُلْتُ لَا
آذَنُ لَهُ حَتَّى أسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فإِنَّ أخاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ بعد مَا
أنزل الْحجاب فَقلت لَا آذن لَهُ حَتَّى اسْتَأْذن فِيهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن إخاه أَبَا القعيس
لَيْسَ هُوَ أرْضَعَني ولاكِنْ أرْضَعَتْني امْرَأةُ أبي
القُعَيْسِ فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقُلْتُ لَهُ يَا رسولَ الله إنَّ أفْلَحَ أَخا أبي
القُعَيْسِ استأْذَنَ فأبَيحُ أنْ آذَنَ حَتَّى
أسْتَأْذِنَكَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمَا مَنَعَكِ أنْ تأذَنِينَ عَمَّكِ قُلْتُ يَا رسُولَ
الله إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أرْضَعَنِي ولَكِنْ
أرْضَعَتْنِي امْرَأةُ أبي القُعَيْسِ فَقَالَ ائْذَنِي
لَهُ فإنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يمينُكِ قَالَ عُرْوَةُ
فَلِذلِكَ كانَتْ عائِشَةُ تَقُولُ حَرِّمُوا مِنَ
الرَّضاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ..
قيل: لَا مُطَابقَة فِيهِ للتَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ شَيْء من تَفْسِير الْآيَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ
يُطَابق التَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه أُرِيد بِهِ بَيَان
جَوَاز دُخُول الْأَعْمَام والآباء من الرضَاعَة على
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ لقَوْله إئذني لَهُ إِنَّه عمك.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن
أبي حَمْزَة يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن
عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الشَّهَادَات فِي بَاب الشَّهَادَة
على الْإِنْسَان.
قَوْله: (عَليّ) ، بتَشْديد الْيَاء، وأفلح فَاعل
اسْتَأْذن، وَقَالَ أَبُو عمر: أَفْلح بن أبي القعيس،
وَيُقَال: أَخُو أبي القعيس. وَقد اخْتلف فِيهِ، فَقيل:
فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان، وَقيل: أَبُو القعيس،
وأصحها إِن شَاءَ الله مَا رَوَاهُ عُرْوَة عَن عَائِشَة:
جَاءَ أَفْلح أخوا أبي القعيس، وَقيل: إِن إسم أبي القعيس
الْجَعْد، وَيُقَال: أَفْلح، يكنى أَبَا الْجَعْد، وَقَالَ
فِي الكنى: أَبُو قعيس عَم عَائِشَة من الرضَاعَة اسْمه
وَائِل بن أَفْلح. قلت: هُوَ بِضَم الْقَاف وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبسين
مُهْملَة، قَوْله: (أَن تأذنين) ويروى: تَأْذَنِي، بِحَذْف
النُّون وَهِي لُغَة. قَوْله: (تربت يَمِينك) ، كلمة
تَدْعُو بهَا الْعَرَب وَلَا يُرِيدُونَ حَقِيقَتهَا
ووقوعها لِأَن مَعْنَاهَا: افْتَقَرت، يُقَال: ترب إِذا
افْتقر وأترب إِذا اسْتغنى كَأَنَّهُ إِذا ترب لصق
بِالتُّرَابِ. وَإِذا أترب اسْتغنى وَصَارَ لَهُ من المَال
بِقدر التُّرَاب.
وَقَالَ الْخطابِيّ: (فِيهِ من الْفِقْه) إِثْبَات اللَّبن
للفحل وَأَن زوج الْمُرضعَة بِمَنْزِلَة الْوَالِد
وَأَخُوهُ بِمَنْزِلَة الْعم.
(19/125)
01 - (بابُ: {إنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النبيِّ يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الْأَحْزَاب:
65)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {إِن الله} الْآيَة.
وَعند أبي ذَر إِلَى قَوْله: (على النَّبِي) الْآيَة.
وَغَيره سَاق إِلَى آخر الْآيَة وَشرف الله بِهَذِهِ
الْآيَة رَسُوله وَذكر مَنْزِلَته مِنْهُ يصلونَ أَي:
يثنون وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِر أَنه
تَعَالَى يترجم عَلَيْهِ، وَالْمَلَائِكَة يدعونَ
وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَيكون إطلاقاً للفظ الْمُشْتَرك
على مَعْنيين مُخْتَلفين وَهُوَ الصَّحِيح، وَعَن ابْن
عَبَّاس: يبركون على مَا يَجِيء.
قَالَ أبُو العالِيَةِ صَلاَةُ الله ثَناؤُهُ عَلَيْهِ
عِنْدَ المَلاَئِكَةِ وَصَلاَةُ المَلاَئِكَةِ الدُّعاءُ
أَبُو الْعَالِيَة رفيع بن مهْرَان الرباحي الْبَصْرِيّ
أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم بعد موت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ، وَدخل على أبي بكر الصّديق
رَضِي الله عَنهُ، وَصلى خلف عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ، وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله
عَنْهُم، مَاتَ فِي سنة تسعين، وَقَالَ أَبُو بكر
الرَّازِيّ والطَّحَاوِي وَغَيرهمَا: عَن أبي الْعَالِيَة:
صَلَاة الله عَلَيْهِ عِنْد الْمَلَائِكَة وَصَلَاة
الْمَلَائِكَة الدُّعَاء، وَزَاد أَخْبَار الله
الْمَلَائِكَة برحمته لنَبيه وَتَمام نعْمَته عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يُصَلُّونَ: يُبرِّكُونَ
يبركون من التبريك وَهُوَ الدُّعَاء بِالْبركَةِ، وَهَذَا
التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن أبي
صَالح عَن مُعَاوِيَة عَن عَليّ ابْن أبي طَلْحَة رَضِي
الله عَنهُ.
لَنُغْرِيَنَّكَ لَنُسَلِّطَنَّكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {والمرجفون فِي
الْمَدِينَة لنغرينك بهم} (الْأَحْزَاب: 06)
الْآيَة. وَفَسرهُ بقوله: (لنسلطنك) وَأول الْآيَة: {لَئِن
لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض
والمرجفون فِي الْمَدِينَة لنغرينك بهم} أَي: لَئِن لم
ينْتَه المُنَافِقُونَ عَن أَذَى الْمُسلمين، والمرجفون
بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي: بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِل،
يَقُولُونَ: أَتَاكُم الْعَدو وَقتلت سراياكم لنغرينك،
أَي: لنسلطنك عَلَيْهِم بِالْقِتَالِ والإخراج ثمَّ لَا
يجاورونك بِالْمَدِينَةِ إلاَّ قَلِيلا، أَي: زَمَانا
قَلِيلا حَتَّى يهْلكُوا ويرتجلوا، وَقَالَ بَعضهم، كَذَا
وَقع هَذَا هُنَا وَلَا تعلق لَهُ بِالْآيَةِ وَإِن كَانَ
من جملَة السُّورَة، فَلَعَلَّهُ من النَّاسِخ. قلت: لم
يدع. البُخَارِيّ أَنه من تعلق الْآيَة حَتَّى يُقَال
هَكَذَا، وَإِنَّمَا ذكره على عَادَته ليفسر مَعْنَاهُ،
فَلَو كَانَ من غير هَذِه السُّورَة لَكَانَ لما قَالَه
وَجه، وَالنِّسْبَة إِلَى النَّاسِخ فِي غَايَة الْبعد،
على مَا لَا يخفى.
7974 - حدَّثني سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ حدّثنا
أبي حدَّثنا مِسْعَرٌ عَنِ الحَكَمِ عنِ الحَكَمِ عَنِ
ابنِ أبي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِي الله
عَنهُ قِيلَ يَا رسولَ الله أمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ
فَقَدْ عَرَفْناهُ فَكَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكَ قَالَ
قُولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ
حَمِيدٌ مَجِيدٌ. الْهم بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل
مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد
مجيد..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَعِيد هُوَ ابْن يحيى
بن سعيد بن أبان بن سعيد بن الْعَاصِ أَبُو عُثْمَان
الْبَغْدَادِيّ، روى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وَلَهُم أَيْضا:
سعيد بن يحيى بن مهْدي بن عبد الرَّحْمَن أَبُو سُفْيَان
الْحِمْيَرِي الوَاسِطِيّ الْحذاء، ومسعر. بِكَسْر
الْمِيم: ابْن كدام وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ: ابْن عتيبة
يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى إِلَى آخِره
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة.
قَوْله: (أما السَّلَام عَلَيْك فقد عَرفْنَاهُ) أَرَادَ
بِهِ مَا علمهمْ إيَّاهُم فِي التَّشَهُّد من قَوْلهم:
السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله
وَبَرَكَاته، والسائل عِنْد هُوَ كَعْب بن عجْرَة نَفسه.
قَوْله: (فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك) ؟ . وَفِي حَدِيث أبي
سعيد: فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَوْله: (كَمَا صليت على
إِبْرَاهِيم) أَي: كَمَا تقدّمت مِنْك الصَّلَاة على
إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم، فنسأل مِنْك الصَّلَاة
على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد. فَإِن قيل: شَرط التَّشْبِيه
أَن يكون الْمُشبه بِهِ أقوى من الْمُشبه وَهنا
بِالْعَكْسِ لِأَن الرَّسُول أفضل من إِبْرَاهِيم. أُجِيب:
بِأَنَّهُ ذَلِك قبل أَن يعلم أَنه أفضل من إِبْرَاهِيم،
وَقيل التَّشْبِيه لَيْسَ من بَاب إِلْحَاق النَّاقِص
بالكامل بل من بَاب بَيَان حَال مَا لَا يعرف بِمَا يعرف،
وَقيل: الْمَجْمُوع مشبه بالمجموع، وَلَا شكّ أَن آل
إِبْرَاهِيم أفضل من آل مُحَمَّد إِذْ فيهم الْأَنْبِيَاء
وَلَا نَبِي فِي آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(19/126)
8974 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ
حدّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدّثني ابنُ الهَادِ عَنْ عَبْدِ
الله بنِ خَبَّابٍ عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ
قُلْنا يَا رسولَ الله هاذَا التَّسْلِيمُ فَكَيْفَ
نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّد عَبْدِكَ ورسُولِكَ كَما صَلَّيْتَ عَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ وبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ.
هَذَا أَيْضا مُطَابق للتَّرْجَمَة. وَابْن الْهَاد هُوَ
يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن أُسَامَة بن
الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خباب، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى:
الْأنْصَارِيّ، وَمضى هَذَا أَيْضا فِي الصَّلَاة.
قَالَ أبُو صالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلى
آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بارَكْتِ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ
أَبُو صَالح عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث. وَأَشَارَ
بذلك إِلَى أَن عبد الله بن يُوسُف لم يذكر آل إِبْرَاهِيم
عَن اللَّيْث وَذكرهَا أَبُو صَالح عَنهُ، وَهَكَذَا أخرجه
أَبُو نعيم من طَرِيق يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، رَحمَه
الله.
حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حَدثنَا ابنُ أبي حازِمٍ
والدَّرَاورْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ وَقَالَ كَما صَلَّيْتَ
عَلَى إبْرَاهِيمَ وبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ
كَما بارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وآلِ إبْرَاهِيمَ.
هَذَا أَيْضا مُطَابق للتَّرْجَمَة، وَإِبْرَاهِيم بن
حَمْزَة أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْمَدِينِيّ، وَابْن أبي
حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء
الْمُهْملَة وبالزاي، واسْمه سَلمَة، والدراوردي هُوَ عبد
الْعَزِيز بن مُحَمَّد مَنْسُوب إِلَى دارورد قَرْيَة
بخراسان، وَيزِيد هُوَ ابْن الْهَاد الْمَذْكُور،
وَأَرَادَ بِهَذَا أَن ابْن أبي حَازِم والدراوردي رويا
هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَاد اللَّيْث، فَذكر آل إِبْرَاهِيم
كَمَا ذكرهَا أَبُو صَالح عَن اللَّيْث.
11 - (بابُ قَوْلُهُ: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تَكُونُوا كالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} (الْأَحْزَاب: 96)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى} أَي: لَا
تُؤْذُوا مُحَمَّدًا كَمَا آذَى بَنو: إِسْرَائِيل مُوسَى،
وَالَّذِي آذوه بِهِ هُوَ قَوْلهم إِنَّه آدر، وَهُوَ
الْعَظِيم الخصيتين، وَقيل: قَوْلهم: أَنه قتل هَارُون
وَقيل: إِنَّهُم رَمَوْهُ بِالسحرِ وَالْجُنُون.
9974 - حدَّثني إسْحاقُ بن إبْرَاهِيمَ أخْبرنا رَوْحُ بنُ
عُبادَةَ حدّثنا عَوْفٌ عَنِ الحَسَنِ ومُحَمَّد وخِلاَسٍ
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مُوسَى كانَ رَجُلاً
حَيِيًّا وذالِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أيُّها
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كالَّذِينَ آذَوْا
مُوسَى} فَبَرَّأْهُ الله ممَّا قالُوا: {وكانَ عِنْدَ
الله وجيهاً} .
(انْظُر الحَدِيث 872 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعَوْف هُوَ الْمَعْرُوف
بالأعرابي، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَمُحَمّد بن
سِيرِين، وخلاس، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
اللَّام وبالسين الْمُهْملَة: ابْن عَمْرو الهجري، بِفَتْح
الْهَاء وَالْجِيم وبالراء.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء
عَلَيْهِم السَّلَام، فِي قصَّة مُوسَى مَعَ بني
إِسْرَائِيل.
قَوْله: (حيياً) ، على وزن فعيل من الْحَيَاة، وَكَانَ لَا
يغْتَسل إلاَّ فِي الْخلْوَة فاتهموه بِأَنَّهُ أدر وآذوه
بذلك فبرأه الله مِمَّا قَالُوا حَيْثُ أَخذ الْحجر ثَوْبه
وَذهب بِهِ إِلَى ملاء بني إِسْرَائِيل، وَاتبعهُ مُوسَى
عُريَانا فرأوه لَا عيب فِيهِ، عَلَيْهِ صلوَات الله
وَسَلَامه. قَوْله: (وجيهاً) ، أَي: كَرِيمًا مَقْبُولًا
ذَا جاه.
43 - (سورَة سَبَأ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة سبأ. قَالَ مقَاتل،
مَكِّيَّة غير آيَة وَاحِدَة: {وَيرى الَّذين آتوا الْعلم
الَّذِي أنزل} (سبإ: 6) . وَهِي أَرْبَعَة آلَاف
وَخَمْسمِائة واثني عشر حرفا، وَثَمَانمِائَة وَثَلَاث
وَثَلَاثُونَ كلمة، وَخمْس وَخَمْسُونَ آيَة. وروى
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث فَرْوَة بن مسيك الْمرَادِي،
قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر
حَدِيثا فِيهِ، فَقَالَ رجل: وَمَا سبأ أَرض أم امْرَأَة؟
قَالَ: لَيْسَ بِأَرْض وَلَا امْرَأَة، وَلكنه رجل ولد
عشرَة من الْعَرَب فتيامن مِنْهُم سِتَّة وتشاءم مِنْهُم
أَرْبَعَة، فَأَما
(19/127)
الَّذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة،
وَأما الَّذين تيامنوا: فالأزد والأشعرون وحمير وكنده
ومذحج وأنمار. فَقَالَ الرجل: وَمَا أَنْمَار؟ قَالَ:
الَّذين مِنْهُم خثعم وبجيلة، وَقَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: سبأ اسْمه عبد شمس بن يشخب بن يعرب
بن قحطان من يقظان بن عَامر وَهُوَ هود بن شالخ بن أرفخشد
بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ أول من سبى من
الْعَرَب فلقب بذلك، وَفِي: (أدب الْخَواص) : هَذَا اشتقاق
غير صَحِيح لِأَن سبأ مَهْمُوز، والسبي غير مَهْمُوز،
وَالصَّوَاب: أَن يكون من سبأت النَّار الْجلد، أَي:
أحرقته، وَمن سبأ الْحمر إِذا اشْتَرَيْتهَا. وَقَالَ
أَبُو الْعَلَاء: لَو كَانَ الْأَمر كَمَا يَقُولُونَ
لوَجَبَ أَن لَا يهمز وَلَا يمْتَنع أَن يكون أصل السَّبي
الْهمزَة إِلَّا أَنهم فرقوا بَين سبيت الْمَرْأَة وسبأت
الْحمر، وَالْأَصْل وَاحِد، وَفِي (التيجان) : وَهُوَ أول
متوج وَبنى السد الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن، وَهُوَ سد
فِيهِ سَبْعُونَ نَهرا، وَنقل إِلَيْهِ الشّجر مسيرَة
ثَلَاثَة أشهر فِي ثَلَاثَة أشهر وَبلغ من الْعُمر
خَمْسمِائَة سنة.
(بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ السُّورَة إلاَّ لأبي ذَر،
وَسميت هَذِه السُّورَة سبأ لقَوْله تَعَالَى: {لقد كَانَ
لسبإ فِي مسكنهم} (سبإ: 51) .
مُعاجزِين مُسابقين. بِمُعْجِزِينَ بفَائِتِينَ.
مُعاجِزِينَ مُغالِبِينَ: مُعاجِزِيَّ مُسابِقِيَّ سبقوا
فاتوا لَا يُعْجِزُونَ لَا يَفُوتُونَ: يَسْبِقُونا
يُعْجِزُونا. وقوْلُهُ بِمُعْجِزِ بنَ بِفائِتِينَ
ومَعْنَى مُعاجِزِينَ مُغالِبِينَ يُرِيدُ كُلُّ واحِدٍ
منْهُما أنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صاحبِهِ.
وَفِي بعض النّسخ يُقَال: معاجزين، وَأَشَارَ بقوله:
معاجزين إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين سعوا فِي
آيَاتنَا معاجزين} (سبإ: 5) وَفَسرهُ بقوله: (مسابقين)
وَفِي التَّفْسِير: معاجزين مسابقين يحسبون أَنهم
يفوتوننا، وَعَن ابْن زيد: جاهدين، وَفِي هَذِه اللَّفْظَة
قراءتان: إِحْدَاهمَا: معاجزين، وَهِي قِرَاءَة
الْأَكْثَرين فِي موضِعين من هَذِه السُّورَة وَفِي
الْحَج. وَالْأُخْرَى: قِرَاءَة ابْن كثير وَأبي عَمْرو:
معجزين، بِالتَّشْدِيدِ ومعناهما وَاحِد، وَقيل: معنى
معاجزين معاندين ومغالبين، وَمعنى: معجزين ناسبين غَيرهم
إِلَى الْعَجز. قَوْله: (بمعجزين) إِشَارَة إِلَى قَوْله
تَعَالَى فِي سُورَة العنكبوت. {وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي
الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} (العنكبوت: 22) . وَفَسرهُ
بقوله: (بفائتين) . وَقد أخرج ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد
صَحِيح عَن ابْن الزبير نَحوه. قَوْله: (معاجزي: مسابقي) ،
لم يثبت فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة. قَوْله: (معاجزين
مغالبين) ، كَذَا وَقع مكرراً فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده
وَلم يُوجد فِي رِوَايَة البَاقِينَ. قَوْله: (سبقوا:
فَأتوا لَا يعجزون لَا يفوتون) إِشَارَة إِلَى قَوْله
تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْفَال: {وَلَا تحسبن الَّذين
كفرُوا سبقوا} (الْأَنْفَال: 95) وَفَسرهُ بقوله: (فَأتوا
إِنَّهُم لَا يعجزون) ، أَي: لَا يفوتون. قَوْله:
(يسبقونا) إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أم حسب
الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات أَن يسبقونا} (العنكبوت:
4) وَفَسرهُ بقوله: (يعجزونا) ، أَي: أَن يعجزونا. قَوْله:
(وَقَوله بمعجزين مُكَرر) ، وَفَسرهُ بقوله: (بفائتين) ،
قَوْله: (وَمعنى: معاجزين)
إِلَى آخِره. أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معاجزين من بَاب
المفاعلة وَهُوَ يَسْتَدْعِي الْمُشَاركَة بَين إثنين.
مِعْشَارٌ: عَشْرٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {وَمَا بلغُوا معشار مَا
آتَيْنَاهُم} (سبإ: 54) وَفسّر بقوله: (عشر) أَي: مَا
بلغُوا عشر مَا أعطيناهم، وَقَالَ الْفراء: الْمَعْنى:
وَمَا بلغ أهل مَكَّة معشار الَّذين أهلكناهم من قبلهم من
الْقُوَّة والجسم وَالْولد وَالْعدَد.
الأكُلُ: الثَّمَرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ذواتي أكل خمط أثل}
(سبإ: 61) وَفسّر (الْأكل بالثمر) ، أَرَادَ أَن الْأكل
الجني بِفَتْح الْجِيم بِمَعْنى الثَّمَرَة، وَفِي
التَّفْسِير: الْأكل الثَّمر والخمط الْأَرَاك، قَالَه
أَكثر الْمُفَسّرين، وَقيل: هُوَ كل شجر ذَات شوك. وَقيل:
شَجَرَة العضاه، والأثل الطرفاء، قَالَه ابْن عَبَّاس.
باعِدْ وبَعِّدْ واحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَقَالُوا رَبنَا
باعد بَين أسفارنا} (سبإ: 91) ، وَقَالَ: إِن معنى باعد
وَبعد وَاحِد، وباعد قِرَاءَة الْأَكْثَرين، وَبعد
بِالتَّشْدِيدِ قِرَاءَة أبي عَمْرو وَابْن كثير.
وَقَالَ مجاهِدٌ لَا يَعْزُبُ لَا يَغِيبُ
(19/128)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا
يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي
الأَرْض} (سبإ: 3) . وَفسّر: (لَا يعزب) بقوله (لَا يغيب)
، وروى هَذَا التَّعْلِيق أَبُو مُحَمَّد الْحَنْظَلِي عَن
أبي سعيد الْأَشَج: حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن
إِسْرَائِيل عَن أبي يحيى عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس:
لَا يعزب لَا يغيب عَن رَبك.
العَرِمُ السَّدُّ ماءٌ أحْمَرُ أرْسَلَهُ الله فِي
السُّدِّ فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الوَادِي
فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْتَيْن وغابَ عَنْهُما الماءُ
فَيَبِسَتا وَلَمْ يَكُنْ الماءُ الأحْمَرُ مِنَ السُّدَّ
ولاكِنْ كانَ عَذَاباً أرْسَلَهُ الله عَلَيْهِمْ مِنْ
حَيْثُ شاءَ: وَقَالَ عَمْرُو بنُ شَرْحَبِيلَ. العرِمُ
المُسَنَّاة بِلَحْنِ أهْلِ اليَمَنِ: وَقَالَ غَيْرُهُ
العَرِمُ الوَادِي.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فأعرضوا
فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم} (سبإ: 61) . وَفسّر:
(العرم) بقوله: (السد)
إِلَى آخِره، صَاحب (التَّلْوِيح) : هَل وَجَدْنَاهُ
مَنْقُولًا عَن مُجَاهِد؟ قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا
حجاج بن حَمْزَة أخبرنَا أخبرنَا شَبابَة أخبرنَا وَرْقَاء
عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، فَذكره، فَلَا أَدْرِي
أهوَ من قَول البُخَارِيّ أَو هُوَ مَعْطُوف على مَا علقه
عَن مُجَاهِد قبل؟ وَالله أعلم. وبيَّن السُّهيْلي أَنه من
كَلَام البُخَارِيّ لَا من كَلَام غَيره. قلت: رِوَايَة
ابْن أبي حَاتِم توضح أَنه من قَول مُجَاهِد لِأَن
البُخَارِيّ مَسْبُوق بِهِ، فَافْهَم. وَالله أعلم.
(والسد) بِضَم السِّين وَتَشْديد الدَّال، كَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
الْحَمَوِيّ الشَّديد، بالشين الْمُعْجَمَة على وزن
عَظِيم. قَوْله: (فشقه) ، من الشق بالشين الْمُعْجَمَة
وَالْقَاف، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَذكر
عِيَاض أَن فِي رِوَايَة أبي ذَر: فبثقه، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَالتَّاء الْمُثَلَّثَة، قَالَ: وَهُوَ
الْوَجْه، تَقول: بثقت النَّهر إِذا كَسرته لتصرفه عَن
مجْرَاه. قَوْله: (فارتفعتا عَن الجنتين) ، كَانَ الْقيَاس
أَن يُقَال: ارْتَفَعت الجنتان عَن المَاء وَلَكِن
المُرَاد من الِارْتفَاع الانتفاء، والزوال يَعْنِي
ارْتَفع إسم الْجنَّة عَنْهُمَا فتقديره: ارْتَفَعت
الجنتان عَن كَونهمَا جنَّة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
وَتَسْمِيَة الْبَدَل جنتين على سَبِيل المشاكلة، هَذَا
كُله فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ، وَفِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين: فارتفعت على الجنتين، بِفَتْح
الْجِيم وَالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالتَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ
النُّون قَوْله: (وَلم يكن المَاء الْأَحْمَر من السد) ،
بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال، كَذَا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي من
السَّيْل، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ: من السُّيُول. قَوْله:
(وَقَالَ عَمْرو بن شُرَحْبِيل) ، بِضَم الشين
الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وباللام: الْهَمدَانِي الْكُوفِي، يكنى أَبَا ميسرَة.
قَوْله: (المسناة) ، بِضَم الْمِيم وَفتح السِّين
الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون، كَذَا هُوَ مضبوط فِي
أَكثر الرِّوَايَات وَكَذَا هُوَ فِي أَكثر كتب أهل
اللُّغَة، وَضبط فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون السِّين وَتَخْفِيف النُّون، وَقَالَ ابْن
التِّين: معنى المسناة مَا يبْنى فِي عرض الْوَادي ليرتفع
السَّيْل وَيفِيض على الأَرْض، قَالَ: إِنَّهَا عِنْد أهل
الْعرَاق كالزريبة تبنى على سيف الْبَحْر ليمنع المَاء.
قَوْله: (بلحن أهل الْيمن) ، أَي: بلغَة أهل الْيمن،
وَهَذَا أسْندهُ عبد بن حميد عَن يحيى بن عبد الحميد عَن
شريك عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ، وَقَالَ بِلِسَان الْيمن بدل
بلحن. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، أَي: غير عَمْرو بن
شُرَحْبِيل (العرم الْوَادي) ، وَهُوَ قَول عَطاء، وَقيل:
هُوَ إسم الجرد الَّذِي أرسل إِلَيْهِم (وَحرب السد)
وَقيل: هُوَ المَاء، وَقيل: الْمَطَر الْكثير، وَقيل:
إِنَّه صفة السَّيْل من العرامة وَهُوَ ذَهَابه كل
مَذْهَب، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ
من لَفظه، وَفِي كتاب: (مفايض الْجَوَاهِر) : قَالَ ابْن
شربة: فِي زمن إِيَاس بن رحيعم بن سُلَيْمَان بن دَاوُد
عَلَيْهِمَا السَّلَام، بعث الله رجلا من الأزد يُقَال
لَهُ عَمْرو بن الْحجر وَآخر يُقَال لَهُ حَنْظَلَة بن
صَفْوَان، وَفِي زَمَنه كَانَ خراب السد، وَذَلِكَ أَن
الرُّسُل دعت أَهله إِلَى الله فَقَالُوا: مَا نَعْرِف لله
علينا من نعْمَة، فَإِن كُنْتُم صَادِقين فَادعوا الله
علينا وعَلى سدنا، فدعوا عَلَيْهِم، فَأرْسل الله
عَلَيْهِم مَطَرا جردا أَحْمَر كَأَن فِيهِ النَّار
أَمَامه فَارس، فَلَمَّا خالط الْفَارِس السد انْهَدم
وَدفن بُيُوتهم الرمل وَفرقُوا ومزقوا حَتَّى صَارُوا مثلا
عِنْد الْعَرَب، فَقَالَت: تفَرقُوا أَيدي سبأ، وأيادي
سبأ.
السَّابِغاتُ الدُّرُوعُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وأالنَّاله الحديدان
اعْمَلْ سابغات} (سبإ: 11) وفسرها (بالدروع) ، وَكَذَا
فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَزَادُوا: وَاسِعَة طَوِيلَة.
(19/129)
وَفِي التَّفْسِير: دروعا كوامل واسعات
وَأَن دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أول من
عَملهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَازِي: يُعاقِبُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهل نجازي
إلاَّ الكفور} (سبأ: 71) وَفسّر: (يجازي) بقوله: (يُعَاقب)
وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن أبي نجيح
عَنهُ.
أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ بِطَاعَةِ الله مَثْنَى وَفُرَادَى
وَاحِدا وَاثْنَيْنِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل إِنَّمَا أعظكم
بِوَاحِدَة إِن تقوموا لله مثنى وفرادى} (سبأ: 64)
الْآيَة. وَفِي التَّفْسِير: أعظكم أَي: آمركُم وأوصيكم،
بِوَاحِدَة أَي: بخصلة وَاحِدَة وَهِي أَن تقوموا لله،
وَأَن فِي مَحل الْخَفْض على الْبَيَان من وَاحِدَة،
والترجمة عَنْهَا مثنى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ متناظرين،
وفرادى وَاحِدًا وَاحِدًا متفكرين، والتفكر طلب الْمَعْنى
بِالْقَلْبِ، وَقيل: معنى وفرادى أَي: جمَاعَة ووحدانا،
وَقيل: مناظرا مَعَ غَيره ومتفكرا فِي نَفسه. قَوْله:
(وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ) قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت:
معنى مثنى وفرادى مُكَرر، فَلم ذكره مرّة وَاحِدَة؟ قلت:
المُرَاد التّكْرَار ولشهرته اكْتفى بِوَاحِد مِنْهُ.
التنَّاوُش الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إلَى الدُّنْيَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا آمنا بِهِ
وأتى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد} (سبأ: 25) وَفَسرهُ
بقوله: (الرَّد من الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا) وَعَن ابْن
عَبَّاس: يتمنون الرَّد وَلَيْسَ بِحِين رد.
وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ مَالٍ أوْ وَلَدٍ أوْ
زَهْرَةٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وحيل بَينهم وَبَين
مَا يشتهون} (سبأ: 45) وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد،
وَقَالَ الْحسن: وحيل بَينهم وَبَين الْإِيمَان لما
رَأَوْا الْعَذَاب، وَفِي التَّفْسِير: وَبَين مَا يشتهون
الْإِيمَان وَالتَّوْبَة فِي وَقت الْيَأْس قَوْله: (أَو
زهرَة) أَي: زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ونضارتها وحسنها.
بأشْياعِهِمْ: بأمْثَالِهِمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كَمَا فعل بأشياعهم}
(سبأ: 45) وَفَسرهُ: بأمثالهم، وأشياعهم أهل دينهم
وموافقيهم من الْأُمَم الْمَاضِيَة حِين لم يقبل مِنْهُم
الْإِيمَان وَالتَّوْبَة فِي وَقت الْيَأْس.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كَالجَوَابِ: كَالجَوْبَةِ مِنَ
الأرْضِ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وجفان كالجواب}
(سبأ: 31) وفسرها بقوله: (كالجوبة من الأَرْض) وَأسْندَ
هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن أبي
صَالح عَن مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن
عَبَّاس، وَقَالَ مُجَاهِد: الْجَواب حِيَاض الْإِبِل،
وَأَصله فِي اللُّغَة من الْجَابِيَة وَهِي الْحَوْض
الَّذِي يَجِيء فِيهِ الشَّيْء أَي يجمع، وَيُقَال: إِنَّه
كَانَ يجْتَمع على كل جَفْنَة وَاحِدَة ألف رجل، والجفان
جمع جَفْنَة وَهِي الْقَصعَة، وَالْجَوَاب جمع جابية كَمَا
مر.
الخَمْطُ الأرَاكُ وَالأثْلُ: الطَّرْفَاءُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ذواتي أكل وخمط واثل
وشى من سدر قَلِيل} (سبأ: 61) وَفسّر الخمط بالأراك وَهُوَ
الشّجر الَّذِي يسْتَعْمل مِنْهُ المساويك، وَهُوَ قَول
مُجَاهِد وَالضَّحَّاك، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الخمط كل
شَجَرَة فِيهَا مرَارَة ذَات شوك، وَقَالَ ابْن فَارس: كل
شجر لَا شوك لَهُ.
العَرمُ: الشَّدِيدُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سيل العرم} (سبأ:
61) وَفَسرهُ بالشديد، وَقد مر فِيمَا مضى.
1 - (بابٌ: {حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا
مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقِّ وَهُوَ العَلِيُّ
الْكَبِيرُ} (سبأ: 32)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: (حَتَّى إِذا فزع)
الْآيَة، وأولها: {وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إلاَّ
لمن أذن لَهُ} أَي: لَا تَنْفَع شَفَاعَة ملك وَلَا نَبِي
حَتَّى يُؤذن لَهُ فِي الشَّفَاعَة، وَفِيه رد على
الْكفَّار فِي قَوْلهم: أَن الْآلهَة شُفَعَاء قَوْله:
(حَتَّى إِذا فزع) أَي: كشف الْفَزع وَأخرج من قُلُوبهم،
وَاخْتلف فِيمَن هم، فَقيل: الْمَلَائِكَة تفزع قُلُوبهم
من غشية تصيبهم عِنْد سماعهم كَلَام الله تَعَالَى
فَيَقُول بَعضهم لبَعض: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا:
الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير، وَقيل: الْمُشْركُونَ
فَالْمَعْنى إِذا كشف الْفَزع عَن قُلُوبهم عِنْد الْمَوْت
قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا
الْحق. فأقروا بِهِ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْإِقْرَار،
وَبِه قَالَ الْحسن.
(19/130)
0084 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا
سُفْيَانُ حدَّثنا عَمْرٌ وقَالَ سَمِعْتُ عِكْرَمَةَ
يَقُولُ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ نَبِيَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قَضَى الله
الأمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الملائِكَةُ بأجْنِحَتِها
خَضَعانا لِقَوْلِهِ كأنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ
فَإذا {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ
رَبُّكُمْ} (سبأ: 32) قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الحَقَّ
وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ
السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هاكذا بَعْضُهُ فَوْقَ
بَعْضٍ وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَقَها وَبَدَّدَ
بَيْنَ أصَابِعِهِ فَيَسْمَعُ الكَلِمَةُ فَيُلْقِيها إلَى
مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يَلْقِيهَا الآخَرُ إلَى مَنْ
تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيها عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أوْ
الكاهِنِ فَرُبَّما أدْرَكَهُ الشَّهابُ قَبْلَ أنْ
يُلْقِيها وَرُبَّمَا ألْقَاهَا قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ
فَيُكَذِّبُ مَعَهَا مَائَةِ كَذْبَةٍ فَيُقَالُ ألَيْسَ
قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذا وَكَذا وَكَذا؟ فَيُصَدِّقُ
بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن
الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي تَفْسِير سُورَة الْحجر
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن
سُفْيَان عَن عَمْرو إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (إِذا قضى الله الْأَمر) ، وَفِي حَدِيث النواس بن
سمْعَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا إِذا تكلم الله
بِالْوَحْي أخذت السَّمَاء رَجْفَة شَدِيدَة من خوف الله
فَإِذا سمع بذلك أهل السَّمَاء صعقوا وخروا سجدا فَيكون
أَوَّلهمْ يرفع رَأسه جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فيكلمه الله بوحيه بِمَا أَرَادَ فينتهي بِهِ
على الْمَلَائِكَة كلما مر بسماء سَأَلَهُ أَهلهَا مَاذَا
قَالَ رَبنَا قَالَ: الْحق فينتهي بِهِ حَيْثُ أَمر
قَوْله: (خضعانا) بِفتْحَتَيْنِ ويروى بِضَم أَوله
وَسُكُون ثَانِيه، وَهُوَ مصدر بِمَعْنى خاضعين. قَوْله:
(كَأَنَّهُ) أَي: القَوْل المسموع. قَوْله: (فيسمعها مسترق
السّمع) ويروى: مسترقو السّمع. قَوْله: (وَوصف) ، سُفْيَان
هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (وبدد) ، أَي: فرق من
التبديد. قَوْله: (على لِسَان السَّاحر) ، وَفِي رِوَايَة
الْجِرْجَانِيّ: على لِسَان الآخر. قيل: هُوَ تَصْحِيف.
قَوْله: (أَو الكاهن) ويروى، والكاهن، بِالْوَاو. قَوْله:
(سمع من السَّمَاء) ويروى: سَمِعت، وَهُوَ الظَّاهِر.
2 - (بَابٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنْ هُوَ إلاَّ نَذِيرٌ
لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ} (سبأ: 64)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن هُوَ} أَي: مَا
هُوَ، أَي: مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (إِلَّا
نَذِير لكم) أَي: مخوف (بَين يَدي عَذَاب شَدِيد) يَوْم
الْقِيَامَة.
1084 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ خَازِمٍ حدَّثنا الأعْمَشُ عَنْ عَمْرو بنِ مُرَّةَ
عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله
عَنْهُمَا قَالَ صَعِدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الصفَّا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ يَا صبَاحاهْ فَاجْتَمَعَتْ
إلَيْهِ قُرَيْشٍ قَالُوا مَالَكَ قَالَ أرَأيْتُمْ لَوْ
أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أوْ
يُمَسِّيكُمْ أمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي قَالُوا بَلَى
قَالَ فَإنِّي {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ} فَقَالَ أبُو لَهَبٍ تَبا لَكَ ألِهاذا
جَمَعْتَنَا؟ فَأنْزَلَ الله {تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ}
(المسد: 1) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن خازم،
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي أَبُو مُعَاوِيَة
الضَّرِير، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَعَمْرو بن مرّة
بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، والْحَدِيث قد مر فِي
سُورَة الشُّعَرَاء، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يَا صَبَاحَاه) هَذِه الْكَلِمَة شعار الْغَارة
إِذْ كَانَ الْغَالِب مِنْهَا فِي الصَّباح.
53 - (سُورَةُ: {المَلائِكَةِ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْمَلَائِكَة، وَهِي
مَكِّيَّة نزلت قبل سُورَة مَرْيَم وَبعد سُورَة
الْفرْقَان، وَهِي ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ
حرفا وَسَبْعمائة وَسَبْعُونَ كلمة وست وَأَرْبَعُونَ
آيَة.
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
(19/131)
لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ سُورَة إلاَّ
لأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر أَيْضا: كَذَا سُورَة
الْمَلَائِكَة وَيس، وَلم يثبت لغيره هَذَا أَعنِي لفظ:
وَيس، وَالصَّوَاب سُقُوطه لِأَنَّهُ مُكَرر.
القِطْمِيرُ: لفَافَةُ النَّوَاةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {الَّذين تدعون من
دونه مَا يملكُونَ من قطمير} (فاطر: 31) الْآيَة. وَفَسرهُ
بقوله: (لفافة النواة) بِكَسْر اللَّام، وَهِي: القشر
الَّذِي على النواة، وَمِنْه: لفافة الرجل، ويروى: وَقَالَ
مُجَاهِد: القطمير لفافة النواة، وَرَوَاهُ ابْن أبي
حَاتِم عَن الْحُسَيْن بن حسن: نَا إِبْرَاهِيم بن عبد
الله الْهَرَوِيّ نَا حجاج عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد،
وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس: القطمير القشر الَّذِي يكون على النواة.
مَثْقَلَة مُثَقلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن تدع مثقلة
إِلَى حملهَا لَا يحمل مِنْهُ شَيْء} (فاطر: 81) وَلم يثبت
هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَهُوَ قَول مُجَاهِد، ومثقلة
الأولى بِالتَّخْفِيفِ من الإثقال، وَالثَّانيَِة
بِالتَّشْدِيدِ من التثقيل، أَي: مثقلة بذنوبها.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الحَرُورُ بِالنَّهارِ مَعَ الشَّمْسِ
أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا
يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير وَلَا الظُّلُمَات وَلَا
النُّور وَلَا الظل وَلَا الحرور} (فاطر: 91، 12) وَقَالَ:
(الحرور بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْس) وَفِي التَّفْسِير:
(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير) (فاطر: 91) يَعْنِي:
الْعَالم وَالْجَاهِل، وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور
يَعْنِي: الْكفْر وَالْإِيمَان، وَلَا الظل وَلَا الحرور
يَعْنِي: الْجنَّة وَالنَّار، والحرور بِالنَّهَارِ مَعَ
الشَّمْس، وَقيل: الحرور الرّيح الحارة بِاللَّيْلِ،
والسموم بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْس.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: الحَرْورُ بِاللَّيْلِ
وَالسَّمُومُ بِالنَّهارِ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير الحرور مَا ذكره
وَلم يثبت هَذَا لأبي ذَر.
وَغَرَابِيبْ سُودٌ أشَدُّ سَوَادا: العِرْبيبُ الشَّدِيدُ
السَّوَادِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَن الله
أنزل من السَّمَاء مَاء} إِلَى قَوْله: (وغرابيب سود) ،
(فاطر: 72) الْآيَة. وَقَالَ الْفراء: فِيهِ تَقْدِيم
وَتَأْخِير، تَقْدِيره: وسود غرابيب، وَأَشَارَ بقوله:
الغرابيب إِلَى أَن غرابيب جمع غربيب وَهُوَ شَدِيد
السوَاد شَبِيها بلون الْغُرَاب.
63 - (سُورَةُ: {ي س} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة ي س وَلم يثبت هَذَا
هُنَا لأبي ذَر، وَقد مر أَن فِي رِوَايَته سُورَة
الْمَلَائِكَة وي س، وَالصَّوَاب إثْبَاته هَاهُنَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة بِلَا خلاف نزلت
قبل سُورَة الْفرْقَان وَبعد سُورَة الْجِنّ، وَهِي
ثَلَاثَة آلَاف حرف، وَسَبْعمائة وتسع وَعِشْرُونَ كلمة،
وَثَلَاث وَثَمَانُونَ آيَة.
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر خَاصَّة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَعزَّرْنا: شَدَدْنا
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: (فعززنا بثالث) ، (ي س:
41) أَي: شددنا، وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
عَن حجاج بن حَمْزَة. حَدثنَا شَبابَة حَدثنَا وَرْقَاء
عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَلَفظه فِي تَفْسِير عبد
بن حميد شددنا بثالث، وَكَانَت رسل عِيسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، الَّذين أرسلهم إِلَى صَاحب أنطاكية ثَلَاثَة،
صَادِق وصدوق وشلوم، وَالثَّالِث هُوَ شلوم، وَقيل:
الثَّالِث شَمْعُون.
يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ
اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسَلِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا حسرة على
الْعباد يَأْتِيهم رَسُول إلاَّ كَانُوا بِهِ يستهزئون} (ي
س: 03) وَفسّر الْحَسْرَة بقوله: (استهزآؤهم بالرسل) فِي
الدُّنْيَا، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة لما عاينوا
الْعَذَاب، قَالُوا: يَا حسرة على الْعباد، يَعْنِي:
الرُّسُل الثَّلَاثَة حِين لم يُؤمنُوا بهم وآمنوا حِين لم
يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان.
أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ لَا يَسْتُرُضَوْءُ أحَدِهِمَا
ضَوْءً الآخَرِ وَلا يَنْبَغِي لَهُمَا ذالِكَ سَابِقُ
النَّهَارِ يَتَطالَبان حَثيثيْنِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: (لَا الشَّمْس
يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق
النَّهَار وكل فِي فلك يسبحون) ، (ي س: 04) وَفسّر: أَن
تدْرك
(19/132)
الْقَمَر، بقوله: لَا يستر ضوء أَحدهمَا
ضوء الآخر. قَوْله: وَلَا يَنْبَغِي لَهما ذَلِك أَي: ستر
أَحدهمَا الآخر لِأَن لكل مِنْهُمَا حدا لَا يعدوه وَلَا
يقصر دونه فَإِذا اجْتمعَا وَأدْركَ كل وَاحِد مِنْهُمَا
صَاحبه. قَامَت الْقِيَامَة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:
{وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَوْله: سَابق النَّهَار أَي:
وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار. قَوْله: يتطالبان أَي:
الشَّمْس وَالْقَمَر كل مِنْهُمَا يطْلب صَاحبه حثيثين،
أَي: حَال كَونهمَا حثيثين. أَي: مجدين فِي الطّلب فَلَا
يَجْتَمِعَانِ إلاَّ فِي الْوَقْت الَّذِي حَده الله لَهما
وَهُوَ يَوْم قيام السَّاعَة.
نَسْلَخُ نُخْرِجُ أحَدَهُما مِن الآخَرِ وَيَجْرِي كلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُما
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَآيَة لَهُم
اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار فَإِذا هم مظلمون} وَفسّر
قَوْله: (نسلخ) بقوله: (يخرج أَحدهمَا من الآخر) وَفِي
التَّفْسِير: تنْزع وَتخرج مِنْهُ النَّهَار، وَهَذَا
وَمَا قبله من قَوْله: (أَن تدْرك الْقَمَر) لم يثبت فِي
رِوَايَة أبي ذَر.
مِنْ مِثْلِهِ مِنَ الأنْعَامِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {وخلقنا لَهُم من مثله مَا
يركبون} (ي س: 24) أَي: من مثل الْفلك من الْأَنْعَام مَا
يركبون، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْإِبِل سفن الْبر، وَعَن
أبي مَالك وَهِي السفن الصغار.
فَكِهُونَ: مُعْجَبُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَن أَصْحَاب
الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} (ي س: 55) وَفَسرهُ:
بقوله: (معجبون) هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي
رِوَايَة غَيره: فاكهون، وَهِي الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة،
وَقَالَ الْكسَائي: الْفَاكِه ذُو الْفَاكِه ذُو
الْفَاكِهَة مثل تامر وَلابْن، وَعَن السّديّ: ناعمون،
وَعَن ابْن عَبَّاس: فَرِحُونَ.
جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الحِسابِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا يسطيعون نَصرهم
وهم لَهُم جند محضرون} (ي س: 57) يَعْنِي: الْكفَّار
والجند الشِّيعَة والأعوان محضرون كلهم عِنْد الْحساب
فَلَا يدْفع بَعضهم عَن بعض، وَلم يثبت هَذَا فِي رِوَايَة
أبي ذَر.
وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرَمَةَ: المَسْجُونِ: المُوقَرُ
أَي: وَيذكر عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
تَعَالَى: {فِي الْفلك المشحون} (ي س: 14) أَن مَعْنَاهُ:
الموقر، وَفِي التَّفْسِير: المشحون الموقر المملوء
أَيْضا. وَهِي سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام، حمل الْآبَاء
فِي السَّفِينَة وَالْأَبْنَاء فِي الأصلاب، وَهَذَا لم
يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَائِرُكُمْ مَصَائِبُكُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا طائركم
مَعكُمْ} (ي س: 91) وَفَسرهُ بقوله: (مصائبكم) وَعَن
قَتَادَة: أَعمالكُم، وَقَالَ الْحسن والأعرج: طيركم.
يَنسِلُونَ: يَخْرُجُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَنفخ فِي الصُّور
فَإِذا هم من الأجداث إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} (ي س: 15)
وَفَسرهُ بقوله: (يخرجُون) وَمِنْه قيل للْوَلَد: تسيل
لِأَنَّهُ يخرج من بطن أمه.
مَرْقدِنا مَخْرَجِنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا يَا ويلنا
من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} (ي س: 25) الْآيَة. وَفسّر
المرقد بالمخرج، وَفِي التَّفْسِير: أَي: من منامنا، وَعَن
ابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَقَتَادَة: إِنَّمَا
يَقُولُونَ هَذَا لِأَن الله تَعَالَى رفع عَنْهُم
الْعَذَاب فِيمَا بَين النفختين فيرقدون، وَقيل: أَن
الْكفَّار لما عاينوا جَهَنَّم وأنواع عَذَابهَا صَار مَا
عذبُوا بِهِ فِي الْقُبُور فِي جنبها كالنوم فَقَالُوا:
يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا.
أحْصَيْنَاهُ: حَفِظْناهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وكل شَيْء أحصيناه
فِي إِمَام مُبين} (ي س: 21) وَفسّر (أحصيناه) بقوله:
(حفظناه) وَفِي التَّفْسِير: أَي: علمناه وعددناه وثبتناه
فِي إِمَام مُبين أَي: فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانَهُمْ وَاحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَو نشَاء
لمسخناهم على مكانتهم} (ي س: 76) وَقَالَ: إِن المكانة
وَالْمَكَان بِمَعْنى وَاحِد، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق
(19/133)
الْعَوْفِيّ: يَقُول لأهلكناهم فِي مساكنهم. |