عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 911 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُل لأطُوفَنَّ
اللَّيْلَةَ علَى نِسَائِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل: (لأطوفن) أَي:
لأدورن على نسَائِي فِي هَذِه اللَّيْلَة بِالْجِمَاعِ،
وَهَذِه التَّرْجَمَة إِنَّمَا وَضعهَا فِي قَول
سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لأطوفن
اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة، على مَا يَجِيء الْآن،
وَقَالَ بَعضهم: تقدم فِي كتاب الطَّهَارَة، بَاب من دَار
على نِسَائِهِ فِي غسل وَاحِد. وَهُوَ قريب من معنى هَذِه
التَّرْجَمَة، وَالْحكم فِي الشَّرِيعَة المحمدية أَن
ذَلِك لَا يجوز فِي الزَّوْجَات. قلت: هَذَا الْكَلَام
هُنَا طائح لِأَنَّهُ لم يقْصد من التَّرْجَمَة هَذَا،
وَإِنَّمَا قصد بذلك بَيَان قَول سُلَيْمَان، عَلَيْهِ
السَّلَام، فَلذَلِك أورد حَدِيثه. وَقَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) : لَا يجوز أَن يجمع الرجل جماع زَوْجَاته
فِي غسل وَاحِد وَلَا يطوف عَلَيْهِنَّ فِي لَيْلَة إلاَّ
إِذا ابْتَدَأَ الْقسم بَينهُنَّ أَو أذنَّ لَهُ فِي
ذَلِك، أَو إِذا قدم من سفر وَلَعَلَّه لم يكن فِي
شَرِيعَة سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام. من
فرض الْقسم بَين النِّسَاء وَالْعدْل بَينهُنَّ مَا أَخذه
الله عز وَجل على هَذِه الْأمة.
2425 - حدّثنا مَحْمُودٌ حَدثنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ
أخْبَرنا مَعَمَرٌ عنِ ابنِ طاوُسِ عنْ أبِيهِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمانُ بنُ داوُدَ، عَليْهِما
السَّلامُ: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمَائَةِ امْرَأةٍ
تَلِدُ كلُّ امْرَأةٍ غُلاَما يُقاتل فِي سَبِيلِ الله،
فَقَالَ لَهُ المَلكُ: قُلْ شاءَ الله، فلَمْ يَقُلْ
وَنَسِيَ فأطافَ بِهِنَّ ولَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلاّ
امْرَأةٌ نِصْفَ إنْسانٍ، قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لوْ قَالَ: إنْ شاءَ الله، لَمْ يَحْنَثْ وكانَ
أرْجَى لِحاجَتِهِ.
(20/219)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومحمود
هُوَ ابْن غيلَان، وَمعمر بِفَتْح الميمن هُوَ ابْن رَاشد،
وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يروي عَن أَبِيه طَاوُوس.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب من طلب
الْوَلَد للْجِهَاد. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان
وَالنُّذُور عَن عبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن عَبَّاس الْعَنْبَري.
قَوْله: (لأطوفن اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة) وَفِي كتاب
الْجِهَاد: لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة أَو تسع
وَتِسْعين، وَقَالَ ابْن التِّين: وَفِي بعض الرِّوَايَات:
لأطوفن على سبعين، وَفِي بَعْضهَا بِأَلف. قلت: ذكر أهل
التَّارِيخ أَنه كَانَت لَهُ ألف امْرَأَة: ثَلَاثمِائَة
حرائر وَسَبْعمائة إِمَاء، وَالله أعلم. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قَالَ البُخَارِيّ: الْأَصَح تسعون، وَلَا
مُنَافَاة بَين الرِّوَايَات إِذْ التَّخْصِيص بِالْعدَدِ
لَا يدل على نفي الزَّائِد. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ الْملك)
أَي جِبْرَائِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، أَو الْملك من
الْكِرَام الْكَاتِبين. قلت: يجوز أَن يكون ملكا غَيرهمَا
أرْسلهُ الله. قَوْله: (فأطاف بِهن) أَي ألمَّ بِهن
وقاربهن. قَوْله: (إِلَّا امْرَأَة نصف إِنْسَان)
وَهُنَاكَ جَاءَت بشق رجل، وَالَّذِي نفس مُحَمَّد
بِيَدِهِ لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله لَجَاهَدُوا فِي
سَبِيل الله فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لم يَحْنَث) أَي: لم يتَخَلَّف
مُرَاده لِأَن الْحِنْث لَا يكون إلاَّ عَن يَمِين،
وَيحْتَمل أَن يكون سُلَيْمَان حلف على ذَلِك، وَقيل: ينزل
التَّأْكِيد الْمُسْتَفَاد من قَوْله: (لأطوفن) بمزلة
الْيَمين فَلْيتَأَمَّل. وَقَالَ الْمُهلب: (لم يَحْنَث)
لم يخب وَلَا عُوقِبَ بالحرمان حِين لم يسْتَثْن مَشِيئَة
الله وَلم يَجْعَل الْأَمر لَهُ، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث
يَمِين فَيحنث فِيهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه: لما جعل
لنَفسِهِ الْقُوَّة وَالْفِعْل عاقبه الله تَعَالَى
بالحرمان، فَكَانَ الْحِنْث بِمَعْنى التخييب. وَقد احْتج
بعض الْفُقَهَاء بِهِ على أَن الِاسْتِثْنَاء بعد
السُّكُوت عَن النَّهْي جَائِز بِخِلَاف قَول مَالك:
وَاحْتَجُّوا بقوله: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله لم
يَحْنَث، وَلَيْسَ كَمَا توهموه، لِأَن هَذَا لم يُمكن
يَمِينا وَإِنَّمَا كَانَ قولا جعل الْأَمر لنَفسِهِ وَلم
يجب فِيهِ كَفَّارَة فَتسقط عَنهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
021 - (بابٌ لاَ يَطْرُقْ أهْلَهُ لَيْلاً إذَا أَطَالَ
الغَيْبَةَ مَخافَةَ أنْ يخَوِّنَهُمْ أوْ يَلْتَمِسَ
عَثَراتِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يطْرق الْغَائِب أَهله
ليلاٌ. ويطرق بِضَم الرَّاء: من الطروق وَهُوَ إتْيَان
الْمنزل لَيْلًا، يُقَال: أَتَانَا طروقا إِذا جَاءَ
لَيْلًا وَهُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال. قَوْله:
(لَيْلًا) تَأْكِيد لِأَن الطروق لَا يكون إلاَّ لَيْلًا.
وَذكر ابْن فَارس أَن بَعضهم حكى أَن الطروق قد يُقَال فِي
النَّهَار، فعلى هَذَا التَّأْكِيد لَا يكون إلاَّ على
القَوْل الأول، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَقيد بقوله: (إِذا
أَطَالَ الْغَيْبَة) لِأَنَّهُ إِذا لم يطلها لَا
يتَوَهَّم مَا كَانَ يتَوَهَّم عِنْد إطالة الْغَيْبَة.
قَوْله: (مَخَافَة) نصب على التَّعْلِيل وَهُوَ مصدر ميمي
أَي: لأجل خوف أَن يخونهم، وَكلمَة: أَن مَصْدَرِيَّة أَي:
لأجل خوف تخوينه إيَّاهُم وَهُوَ بالنُّون من الْخِيَانَة
أَي: ينسبهم إِلَى الْخِيَانَة. قَوْله: (أَو يلْتَمس)
أَي: يطْلب عثراتهم جمع عَثْرَة، وَهُوَ بِالْمُثَلثَةِ
الزلة، قَالَ ابْن التِّين. قَوْله: (إِذا أَطَالَ) إِلَى
آخِره لَيْسَ فِي أَكثر الرِّوَايَات.
3425 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا مُحارِبُ
بنُ دِثارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله، رَضِي
الله عَنْهُمَا، قالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَكْرَهُ أنْ يأتِيَ الرَّجُلُ أهْلَهُ طُرُوقا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من لفظ الحَدِيث. والترجمة
مُشْتَمِلَة على ثَلَاثَة أَجزَاء. الأول: قَوْله: لَا
يطْرق أَهله لَيْلًا، وَهَذَا الحَدِيث يطابقه الْجُزْء
الثَّانِي قَوْله إِذا أَطَالَ الْغَيْبَة فَلَا يطابقه
إلاَّ الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي وَهُوَ رِوَايَة الشّعبِيّ
عَن جَابر الْجُزْء الثَّالِث قَوْله مَخَافَة أَن يخونهم
لَا يطابقه شَيْء من حَدِيث الْبَاب وَإِنَّمَا ورد هَذَا
فِي طَرِيق آخر لحَدِيث جَابر: أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن
وَكِيع عَن سُفْيَان عَن محَارب بن دثار عَن جَابر، رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن يطْرق الرجل أَهله لَيْلًا فيخونهم أَو يطْلب عثراتهم
وَأخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَنهُ. وَأخرجه
النَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي نعيم عَن سُفْيَان كَذَلِك
وَأخرجه أَبُو عوَانَة من وَجه آخر عَن سُفْيَان كَذَلِك،
فبيَّن الشَّارِع بِهَذَا اللَّفْظ الْمَعْنى الَّذِي من
أَجله نهى أَن يطْرق أَهله لَيْلًا وَمعنى كَون طروق
اللَّيْل سَببا لتخوينهم أَنه وَقت خلْوَة وَانْقِطَاع
مراقبة النَّاس بَعضهم لبَعض، فَكَانَ ذَلِك سَببا لتوطن
أَهله بِهِ، وَلَا سِيمَا إِذا أَطَالَ الْغَيْبَة لِأَن
طول الْغَيْبَة مَظَنَّة الْأَمْن من الهجوم، بِخِلَاف مَا
إِذا خرج لِحَاجَتِهِ مثلا نَهَارا وَرجع لَيْلًا لَا
يَتَأَتَّى لَهُ مَا يحذر من الَّذِي يُطِيل الْغَيْبَة،
وَمن أعلم أَهله بوصوله فِي وَقت كَذَا مثلا لَا
يتَنَاوَلهُ هَذَا النَّهْي. وَأخرج حَدِيث جَابر هَذَا
عَن آدم ابْن أبي
(20/220)
إِيَاس عَن شُعْبَة عَن محَارب ضد
الْمصَالح ابْن دثار ضد الشعار عَن جَابر، وَمضى الحَدِيث
فِي الْحَج عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَكَانَ السَّبَب
فِي ذَلِك مَا أخرجه أَبُو عوَانَة من حَدِيث محَارب بن
دثار عَن جَابر بن عبد الله بن أَن عبد الله رَوَاحَة
أَتَى امْرَأَته لَيْلًا وَعِنْدهَا امْرَأَة تمشطهَا،
فظنها رجلا فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا ذكر
ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يطْرق
الرجل أَهله لَيْلًا.
4425 - حدّثنا مُحَمَّد بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عبدُ الله
أخبرنَا عاصِمُ بنُ سُلَيْمانَ عنِ الشَّعْبِيِّ أنَّهُ
سَمِعَ جابِرَ بن عَبْدِ الله يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وإذَا أطالَ أحَدُكُمْ
الغَيْبَةَ فَلاَ يَطْرُقْ أهْلَهُ لَيْلاً.
قد ذكرنَا وَجه الْمُطَابقَة آنِفا. وَمُحَمّد بن مقَاتل
الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعَاصِم
بن سُلَيْمَان الْأَحول الْبَصْرِيّ، وَالشعْبِيّ عَامر بن
شرَاحِيل.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن بنْدَار عَن
غنْدر. وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن بنْدَار عَن غنْدر
وَعَن يحيى بن حبيب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
عُثْمَان عَن جرير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة
النِّسَاء عَن بنْدَار وَعَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (إِذا أَطَالَ أحدكُم الْغَيْبَة) نهى عَن الطروق
عِنْد إطالة الْغَيْبَة لِأَنَّهَا تبعد مراقبتها لَهُ
وَتَكون آيسة من تَعْجِيله إِلَيْهَا فيجد الشَّيْطَان
سَبِيلا إِلَى إِيقَاع سوء الظَّن، وَلم أر أحدا من
الشُّرَّاح وَغَيرهم ذكر حد طول الْغَيْبَة، وَالظَّاهِر
أَنه يعلم من علم مقصد الرجل فِي ذَهَابه إِلَيْهِ وَالله
أعلم.
121 - (بابُ طَلَبِ الولَدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان طلب الرجل الْوَلَد بالاستكثار
من جماع الْمَرْأَة على قصد الِاسْتِيلَاد لَا
الِاقْتِصَار على مُجَرّد اللَّذَّة، وَطلب الْوَلَد
مَنْدُوب إِلَيْهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي
مُكَاثِر بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة، رَوَاهُ ابْن
حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) من
رِوَايَة حَفْص ابْن أخي أنس عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
5425 - حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ هَشِيمٍ عنْ سَيَّارٍ عنِ
الشَّعْبِيِّ عنْ جابِرِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي غَزْوَةٍ فَلمَّا قَفلْنا
تَعَجَّلْتُ علَى بعِيرٍ قطُوفٍ، فَلحِقَنِي راكبٌ مِنْ
خَلْفِي فالْتَفَتُّ فإذَا أَنا بِرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا يُعَجِّلُكَ؟ قُلْتُ: إنِّي
حَدِيثُ عَهد بِعُرْسٍ، قَالَ؛ فَبِكرا تَزَوَّجْتَ أمْ
ثَيِّبا؟ قُلْتُ: بلْ ثَيِّبا قَالَ: فَهلاَّ جاريَةً
تُلاَعِبُها وتُلاعِبُكَ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدمْنا
ذَهَبْنا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: أمْهِلُوا حَتَّى
تَدْخُلُوا لَيْلاً أيْ: عِشاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ
الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ.
قَالَ: وحدّثني: الثِّقَةُ أنّهُ قَالَ فِي هاذا
الحَدِيثِ: الكَيْسَ الكَيْسَ يَا جابِرُ، يَعْنِي
الوَلَدَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا يتأتي أَخذهَا إلاَّ من قَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْكيس الْكيس يَا جَابر
يَعْنِي الْوَلَد) وَالْمرَاد مِنْهُ الْحَث على ابْتِغَاء
الْوَلَد. يُقَال: أَكيس الرجل إِذا ولد لَهُ أَوْلَاد
أكياس.
وهشيم مصغر هشم ابْن بشير الوَاسِطِيّ أَصله من بَلخ نزل
وَاسِط للتِّجَارَة وسيار، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَبعد الْألف رَاء هُوَ
ابْن أبي سيار واسْمه وردان أَن أَبُو الحكم الْعَنزي
الوَاسِطِيّ، يروي عَن عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي النُّعْمَان
وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد
عَن غنْدر عَن شُعْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن
يحيى بن يحيى وَفِي الْجِهَاد عَنهُ وَعَن إِسْمَاعِيل
وَعَن أبي مُوسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن
أَحْمد بن حَنْبَل عَن هشيم بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي عشرَة النِّسَاء عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل وَغَيره.
قَوْله: (عَن سيار عَن الشّعبِيّ) وَفِي رِوَايَة أبي
عوَانَة من طَرِيق شُرَيْح بن النُّعْمَان: حَدثنَا سيار
حَدثنَا الشّعبِيّ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من وَجه آخر:
سَمِعت الشّعبِيّ. قَوْله: (قَفَلْنَا) بِالْقَافِ وبفتح
الْفَاء المخففة، أَي: رَجعْنَا. قَوْله: (قطوف) بِفَتْح
الْقَاف أَي: بطيء الْمَشْي. قَوْله: (مَا يعجلك؟) بِضَم
الْيَاء أَي: أَي شَيْء أَي يعجلك؟ قَوْله: حَدِيث عهد
بعرس، أَي: جَدِيد التَّزْوِيج، وطابق السُّؤَال الْجَواب
بلازمه وَهُوَ الحداثة. قَوْله: (فبكرا تزوجت؟) . مَنْصُوب
بقوله: زوجت، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ مَحْذُوف أَي
تزوجته. قَوْله: (بل ثَيِّبًا) مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر أَي
تزوجت ثَيِّبًا. قَوْله: (أَي عشَاء) إِنَّمَا فسر بِهِ
لِئَلَّا يُعَارض مَا تقدم أَنه لَا يطْرق أَهله لَيْلًا،
مَعَ أَن الْمُنَافَاة
(20/221)
منتفية من حَيْثُ إِن ذَلِك فِيمَن جَاءَ
بَغْتَة وَأما هُنَا فقد بلغ خبر مجيئهم وَعلم النَّاس
وصولهم. قَوْله: (الشعثة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة
وَكسر الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي
المغبرة الرَّأْس المنتشرة الشّعْر. قَوْله: (وتستحد
المغيبة) وَقد فسرناها عَن قريب، وَهِي الَّتِي غَابَ
عَنْهَا زَوجهَا، والاستحداد اسْتِعْمَال الْحَدِيد فِي
شعر الْعَانَة وَهِي إِزَالَته بِالْمُوسَى، هَذَا فِي حق
الرِّجَال، وَأما النِّسَاء فَلَا يستعملن إلاَّ النورة
أَو غَيرهَا مِمَّا يزِيل الشّعْر.
قَوْله: (قَالَ: وحَدثني الثِّقَة) الْقَائِل هُوَ هشيم،
أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَنه البُخَارِيّ أَو مُسَدّد.
قلت: هُوَ جرى على ظَاهر اللَّفْظ وَالْمُعْتَمد مَا
قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا يُقَال هَذَا رِوَايَة عَن
مَجْهُول لِأَنَّهُ إِذا ثَبت عِنْد الرَّاوِي عَنهُ أَنه
ثِقَة فَلَا بَأْس بِعَدَمِ الْعلم باسمه. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: إِنَّمَا لم يُصَرح بِالِاسْمِ لِأَنَّهُ
لَعَلَّه نَسيَه أَو لم يحققه. وَفِيه تَأمل. قَوْله:
(قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ
عَن أَحْمد بن عبد الله بن الحكم عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر
قَالَ: وَقَالَ، بِإِثْبَات الْوَاو، وَكَذَا أخرجه أَحْمد
عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَلَفظه: قَالَ: فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا دخلت فَعَلَيْك الْكيس
الْكيس. قَوْله: (الْكيس الْكيس) مَذْكُور مرَّتَيْنِ
ومنصوب على الإغراء، والكيس وَالْجِمَاع وَالْعقل،
وَالْمرَاد حثه على ابْتِغَاء الْوَلَد. وَقَالَ
الْخطابِيّ: الْكيس هُنَا يجْرِي مجْرى الحذر من الْعَجز
عَن الْجِمَاع. فَفِيهِ الْحَث على الْجِمَاع، وَقد يكون
بِمَعْنى الرِّفْق وَحسن التائي، وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: الْكيس الْعقل كَأَنَّهُ جعل طلب الْوَلَد
عقلا. وَفِي اللُّغَة: الكوس، بِالسِّين الْمُهْملَة
والمعجمة: الْجِمَاع، يُقَال كاس الْجَارِيَة وكاسها
وكارسها وكاوسها مكاوسة وكواسا واكتاسها كل ذَلِك: إِذا
جَامعهَا.
6425 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيدِ حَدثنَا مُحَمَّدُ
بن جَعْفَرٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَيَّارٍ عَن
الشَّعْبِيِّ عَن جابِرِ بنِ عبْدِ الله رَضِي الله
عَنْهُمَا، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إذَا دَخَلْتَ لَيْلاً فَلا تَدْخُلْ عَلى أهْلكَ حتَّى
تَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ وتَمْتَشِط الشَّعَثَةُ، قَالَ:
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَعَلَيْكَ
بالكَيْسِ الكَيْسِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد
بن الْوَلِيد بن عبد الحميد الملقب بحمدان، روى عَنهُ
مُسلم أَيْضا. وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر.
تابَعَهُ عُبَيْدُ الله عنْ وَهبٍ عنْ جابِرٍ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الكَيْسِ.
أَي: تَابع الشّعبِيّ عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن وهب
بن كيسَان عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي رِوَايَة لفظ الْكيس، والمتابع فِي الْحَقِيقَة هُوَ
وهب لكنه نَسَبهَا إِلَى عبيد الله لِتَفَرُّدِهِ بذلك عَن
وهب، وَتَقَدَّمت رِوَايَة عبيد الله بن عمر مَوْصُولَة
فِي أَوَائِل الْبيُوع فِي أثْنَاء حَدِيث أَوله: كنت مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة فَأَبْطَأَ
بِي حملي الحَدِيث بِطُولِهِ.
22 - (بابٌ تَسْتَحِدُّ المُغِيبَةُ وتَمْتَشِطُ
الشَّعِثَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة،
وَقد مر تفسيرهما الْآن.
7425 - حدّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا هُشَيْمٌ
أخْبَرَنَا سَيَّارٌ عنِ الشَّعبِيِّ عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ
الله قَالَ: كُنَّ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فِي غَزوَةٍ فَلَمَّا قَفَلْنَا كِنَّا قَرِيبا مِنَ
المَدِينَةِ تَعَجَّلْتُ عَلى بَعِيرٍ لي قَطُوفٍ،
فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخس بَعِيري
بِعَنْزَةٍ كانَتْ مَعَهُ فَسارَ بَعيري كأحْسَنِ مَا
أنْتَ راءٍ من الإبِلِ، فالْتَفَتُّ فإذَا أَنا بِرَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقُلْتُ: يَا رسُولَ الله
{إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ} قَالَ: أتَزَوَّجْتَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أبِكْرا أمْ ثَيِّبا؟ قَالَ:
قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبا. قَالَ: فَهَلاَّ بِكْرا تُلاَعِبُها
وتُلاَعِبُكَ؟ قَالَ: فلمَّا قَدمْنا ذَهَبْنَا
لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: أمْهِلُوا حتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً
أَي: عِشاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ
المُغِيبةُ.
(20/222)
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث جَابر
الْمَذْكُور فِيمَا قبله، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ مستقصى.
قَوْله: (فَنَخَسَ) بالنُّون وبالخاء الْمُعْجَمَة وبالسين
الْمُهْملَة، وأصل النخس الدّفع وَالْحَرَكَة، قَالَه ابْن
الْأَثِير فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، وَفِي (الغرب) :
نخس دَابَّته إِذا طَعنهَا بِعُود وَنَحْوه، والعنزة عصى
نَحْو نصف الرمْح.
321 - (بابٌ { (24) وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن}
إِلَى قَوْله { (24) لم يظهروا على عورات النِّسَاء}
(النُّور: 13)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَا يبدين زينتهن}
أَي وَلَا يظهرن (زينتهن) يَعْنِي: مَا يتزين بِهِ من حلي
أَو كحل أَو خضاب، والزينة مِنْهَا مَا هُوَ ظَاهر وَهُوَ
الثِّيَاب والرداء فَلَا بَأْس بإبداء هَذَا للأجانب،
وَمِنْهَا مَا هُوَ خَفِي كالخلخال والسوار والدملج والقرط
والقلادة والإكليل والوشاح، وَلَا يبدينها (إِلَّا
لبعولتهن) وَهُوَ جمع بعل وَهُوَ الزَّوْج {أَو آبائهن أَو
آبَاء بعولتهن أَو أبنائهن أَو أَبنَاء بعولتهن أَو
إخوانهن} وَهُوَ جمع أَخ {أَو بني أخواتهن أَو نسائهن}
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قيل فِي نسائهن: هن الْمُؤْمِنَات
لِأَنَّهُ لَيْسَ للمؤمنة أَن تتجرد بَين يَدي مُشركَة أَو
كنابية. وَالظَّاهِر أَنه عني بنسائهن وَمَا ملكت أيمانهن
فِي صبحتهن وخدمتهن من الْحَرَائِر وَالْإِمَاء،
وَالنِّسَاء كُلهنَّ سَوَاء فِي حل نظر بَعضهنَّ إِلَى
بعض، وَقيل: مَا ملكت أيمانهن هم الذُّكُور وَالْإِنَاث
جَمِيعًا. قَوْله: (أَو التَّابِعين) هم الْقَوْم الَّذين
يتبعُون الْقَوْم وَيَكُونُونَ مَعَهم لإرفاقهم إيَّاهُم،
أَو لأَنهم نشأوا فيهم {غير أولي الإربة} أَي: الْحَاجة
(من الرِّجَال) ، وَلَا حَاجَة لَهُم فِي النِّسَاء وَلَا
يشتهونهن، وَقيل: التَّابِع الأحمق الَّذِي لَا تشتهيه
الْمَرْأَة وَلَا يغار عَلَيْهِ الرجل، وَقيل: هُوَ الأبله
الَّذِي يُرِيد الطَّعَام وَلَا يُرِيد النِّسَاء، وَقيل:
الْعنين، وَقيل: الشَّيْخ الفاني، وَقيل: إِنَّه
الْمَجْبُوب، وَالْمعْنَى لَا يبدين زينتهن لمماليكهن
وَلَا أتباعهن إِلَّا أَن يَكُونُوا غير أولي الإربة {أَو
الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء} فيعطلوا
عَلَيْهَا. قيل: لم يظهروا، إِمَّا من ظهر على الشَّيْء
إِذا اطلع عَلَيْهِ، أَي: لَا يعْرفُونَ مَا الْعَوْرَة
وَلَا يميزون بَينهَا وَبَين غَيرهَا، وَإِمَّا من ظهر على
فلَان إِذا قوي عَلَيْهِ أَي: لم يبلغُوا أَوَان
الْقُدْرَة على الْوَطْء. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِه
الْآيَة نزلت بعد الْحجاب، ثمَّ الزِّينَة هِيَ الْوَجْه
والكفان، وَقيل: اليدان إِلَى المرافقين، وَقَالَ
الْمُهلب: إِنَّمَا أُبِيح للنِّسَاء أَن يبدين زينتهن لمن
ذكر فِي هَذِه الْآيَة إلاَّ فِي العبيد، وَعَن سعيد بن
الْمسيب لَا تغرنكم هَذِه الْآيَة، إِنَّمَا عَنى بهَا
الْإِمَاء وَلم يعن بِهِ العبيد، وَكَانَ الشّعبِيّ يكره
أَن ينظر الْمَمْلُوك إِلَى شعر مولاته، وَهُوَ قَول عَطاء
وَمُجاهد، وَعَن ابْن عَبَّاس: يجوز ذَلِك، فَدلَّ على أَن
الْآيَة عِنْده على الْعُمُوم فِي المماليك، وَقيل: لم
يذكر فِي الْآيَة الْخَال وَالْعم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ
اسْتغنى عَن ذكرهمَا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِمَا لِأَن
الْعم ينزل منزلَة الْأَب، وَالْخَال منزلَة الْأُم.
8425 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا سُفْيَانُ
عنْ أبِي حازمٍ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بأيِّ شَيْءٍ
دُووِيَ جُرْحُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ
أُحُدٍ؟ فَسَأَلَ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وكانَ
مِنْ آخِر مَنْ بَقِيَ مِنْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بالمَدينةِ، فَقَالَ: وَمَا بَقِيَ مِنَ
النَّاسِ أحَدٌ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي. كانَتْ فاطِمَةُ،
علَيْها السَّلاَمُ تَغْسلُ الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ وعليٌّ
يَأْتِي بالماءِ علَى تُرْسِهِ فأُخِذَ حَصِيرٌ فَحُرِّقَ
فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ.
وَجه الْمُطَابقَة بَين هَذِه الْآيَة وَبَين الحَدِيث
إِنَّمَا يظْهر من قَوْله: {إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن}
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو حَازِم هُوَ
سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب غسل
الْمَرْأَة الدَّم عَن وَجه أَبِيهَا، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سُفْيَان إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَحرق) وَفِي الأَصْل فَأحرق من بَاب
الْأَفْعَال، وَحرق من بَاب التفعيل على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت هُنَاكَ.
421 - (بَاب { (24) وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم}
(النُّور: 85)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَالَّذين لم
يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} (النُّور: 85) وَقَبله: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت
أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث
مَرَّات} إِلَى قَوْله: {وَالله عليم حَكِيم} (النُّور:
85) وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : عَن ابْن عَبَّاس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَجه رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ
مُدْلِج بن عَمْرو إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَقت الظهيرة
(20/223)
لِيَدْعُوهُ، فَدخل فَرَأى عمر بِحَالَة
كره عمر رُؤْيَة ذَلِك، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! وددت
لَو أَن الله أمرنَا ونهانا فِي حَالَة الاسْتِئْذَان
فَنزلت هَذِه الْآيَة، وَقَالَ مقَاتل تزلت هَذِه الْآيَة
فِي أَسمَاء بنت مرْثَد الحارثية، وَكَانَ لَهَا غُلَام
كَبِير فَدخل عَلَيْهَا وَفِي وَقت كرهته، فَأَتَت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن خدمنا
وغلماننا يدْخلُونَ علينا فِي حَالَة نكْرههَا فَأنْزل
الله الْآيَة قيل: ظَاهر الْخطاب للرِّجَال وَالْمرَاد
بِهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء تَغْلِيبًا للمذكر على
الْمُؤَنَّث. قَالَ الإِمَام: وَالْأولَى أَن يكون الْخطاب
للرِّجَال وَالْحكم ثَابت للنِّسَاء بِقِيَاس جلي لِأَن
النِّسَاء فِي بَاب حفظ الْعَوْرَة أَشد حَالا من
الرِّجَال. وَمعنى الْكَلَام: لِيَسْتَأْذِنكُم مماليككم
فِي الدُّخُول عَلَيْكُم، قَالَ أَبُو يعلى: وَالْأَظْهَر
أَن يكون المُرَاد العبيد الصغار لِأَن العَبْد الْبَالِغ
بِمَنْزِلَة الْحر الْبَالِغ فِي تَحْرِيم النّظر إِلَى
مولاته: {وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} أَي من
الْأَحْرَار من الذُّكُور وَالْإِنَاث قَوْله: {ثَلَاث
مَرَّات} أَي: ثَلَاث أَوْقَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
من قبل صَلَاة الْفجْر لِأَنَّهُ وَقت الْقيام من
الْمضَاجِع وَطرح مَا ينَام فِيهِ من الثِّيَاب وَلبس
ثِيَاب الْيَقَظَة {وَحين تضعون ثيابكم} من الظهيرة
القائلة، وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء لِأَنَّهُ وَقت التجرد
من ثِيَاب الْيَقَظَة والالتحاف بِثِيَاب النّوم،
وَإِنَّمَا خص هَذِه الْأَوْقَات لِأَنَّهَا سَاعَات
الْغَفْلَة وَالْخلْوَة وَوضع الثِّيَاب وَالْكِسْوَة.
قَوْله: (ثَلَاث عورات لكم) سمى كل وَاحِدَة من هَذِه
الْأَحْوَال عَورَة لِأَن النَّاس يخْتل تسترهم وتحفظهم
فِيهَا، والعورة الْخلَل.
9425 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أخْبرنا عبْدُ الله
أخبرنَا سُفْيانُ عنْ عبدِ الرَّحْمانِ بنِ عابِسٍ
سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، سألَهُ
رَجُلٌ: شَهِدْتَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، العيدَ أضْحًى أوْ فِطْرا؟ قَالَ: نَعَمْ، ولوْلا
مَكانِي منْه مَا شهِدْتُهُ يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ قَالَ:
خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَصَلَّى
ثُمَّ خَطَبَ ولَمْ يَذُكُرْ أذَانَا وَلَا إقامَةَ، ثُمَّ
أتَى النِّساءَ فَوَعَظَهُنَّ وذَكَرَهُنَّ وأمَرَهُنَّ
بالصَّدَقَةِ، فَرَأيْتَهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذانِهِنَّ
وحُلُوقِهنَّ يَدْفَعْنَ إِلَى بَلاَلٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ
هُوَ وبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْمُهلب: كَانَ ابْن
عَبَّاس فِي هَذَا لوقت مِمَّن يطلع على عورات النِّسَاء،
وَلذَلِك قَالَ: لَوْلَا مَكَاني من الصغر مَا عهدته،
وَهَذَا هوموضع التَّرْجَمَة بقوله: بَاب {وَالَّذين لم
يبلغُوا الْحلم} قَالَ: وَكَانَ بِلَال من الْبَالِغين
قَالَ تَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت
أَيْمَانكُم} (النُّور: 85) فَأجرى الَّذين ملكت أمانهم
مجْرى الَّذين لم يبلغُوا الْحلم، وَأمر بالاستئذان فِي
العورات الثَّلَاث، لِأَن النَّاس ينكشفون فِي تِلْكَ
الْأَوْقَات وَلَا يكونُونَ فِي التستر فِيهَا كَمَا
يكونُونَ فِي غَيرهَا.
وَأحمد بن مُحَمَّد الملقب بمردويه، بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الرَّاء وَضم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء
آخر الْحُرُوف: السمسار الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبد
الرَّحْمَن بن عَابس بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة من
العبوس النَّخعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث قد مر فِي صَلَاة الْعِيد فن بَاب الْعلم
الَّذِي بالمصلى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن
يحيى بن سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن عَابس إِلَى
آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لَوْلَا مَكَاني مِنْهُ) أَي: منزلتي من النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (من صغره) ، فِيهِ
الْتِفَات، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: من صغري على
الأَصْل، كَذَا قَالَ بَعضهم. قلت: الظَّاهِر أَن قَوْله:
(من صغره) لَيْسَ من كَلَام ابْن عَبَّاس، بل من كَلَام
أحد الروَاة بِدَلِيل قَوْله: (يَعْنِي من صغره) على مَا
لَا يخفى، وَأما على رِوَايَة السَّرخسِيّ فَمن كَلَامه
بِلَا نزاع فَافْهَم. قَوْله: (ويهوين) ، من بَاب ضرب
يضْرب قَالَ الْكرْمَانِي: من الإهواء أَي: يقصدن، قلت:
فَحِينَئِذٍ بِضَم الْيَاء من أَهْوى إِذا أَرَادَ أَن
يَأْخُذ شَيْئا. قَوْله: (يدفعن) حَال قَوْله: (ثمَّ
ارْتَفع هُوَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي:
رَجَعَ هُوَ وبلال مَعَه وَفِي رِوَايَة صَلَاة الْعِيد:
ثمَّ انْطلق هُوَ وبلال إِلَى بَيته. وَقَالَ ابْن
التِّين: اخْتلف فِي أول من ابتدع الْأَذَان أَولا للعيد،
فَقيل: ابْن الزبير، وَقيل: مُعَاوِيَة، وَقيل: ابْن
هِشَام، وَعَن الدَّاودِيّ: مَرْوَان، وَقَالَ
الْقُضَاعِي: زِيَاد.
521
- (بابُ قَوْل الرَّجُلِ لِصاحِبِهِ: هَلْ أعْرَسْتُمُ
اللَّيْلَةَ؟ وطَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ فِي الْخاصِرَةِ
عِنْدَ العِتابِ) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الرجل لصَاحبه هَل أعرستم
اللَّيْلَة؟ وَهَذَا الْمِقْدَار زَاده ابْن بطال فِي
شَرحه وَلم يذكرهُ غَيره
(20/224)
إِلَّا نَاب طعن الرجل ابْنَته فِي الخاصرة عِنْد العتاب،
ثمَّ قَالَ ابْن بطال: لم يخرج البُخَارِيّ فِيهِ حَدِيثا،
واخرج فِي أول كتاب الْعَقِيقَة رِوَايَة أنس، قَالَ:
كَانَ ابْن لأبي طَلْحَة يشتكي، فَخرج أَبُو طَلْحَة فَقبض
الصَّبِي، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَة قَالَ: مَا فعل
ابْني؟ قَالَت أم سليم: هُوَ أسكن مِمَّا كَانَ، فقربت
إِلَيْهِ الْعشَاء فتعشى، ثمَّ أصَاب مِنْهَا ... الحَدِيث
إِلَى أَن قَالَ: أعرستم اللَّيْلَة؟ فَذكره، وَهُوَ من
أعرس الرجل فَهُوَ معرس إِذا دخل بامرأته عِنْد بنائها
وَأَرَادَ بِهِ هَهُنَا الْوَطْء، فَسَماهُ إعراسا
لِأَنَّهُ من تَوَابِع الإعراس، وَلَا يُقَال فِيهِ عرس،
قَوْله: (وَطعن الرجل) عطف على قَول: الرجل، وَهُوَ مصدر
مُضَاف إِلَى فَاعل، وَابْنَته بِالنّصب مَفْعُوله.
قَوْله: (عِنْد العتاب) أَي فِي حَالَة المعاتبة.
0525 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ
عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ،
قالَتْ: عاتَبَنِي أبُو بَكْرٍ وجَعَل يَطْعُنُنِي
بِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خاصرَتِي فَلاَ
يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلاّ مَكانُ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ورأسُهُ عَلى فَخِذِي.
التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة مُشْتَمِلَة على جزءين
أَحدهمَا هُوَ قَوْله: قَول الرجل لصَاحبه: هَل أعرستم
اللَّيْلَة؟ فَإِن كَانَ هَذَا الْجُزْء مفقودا فِي أَكثر
الرِّوَايَات، على مَا قَالَه ابْن بطال، فَلَا وَجه إِلَى
ذكر شَيْء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وعَلى تَقْدِيره وجوده
فوجهه أَن البُخَارِيّ يترجم وَلَا يذكر حَدِيثا يُنَاسِبه
إشعارا بِأَنَّهُ لم يجد حَدِيثا بِشَرْطِهِ يدل عَلَيْهِ.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِوَجْه، فَإِن الحَدِيث الَّذِي ذكره
فِي كتاب الْعَقِيقَة عَن أنس يطابقه، وَهُوَ على شَرطه
فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكرهُ هَهُنَا، وَقيل: لما كَانَت
كل وَاحِدَة من الْحَالَتَيْنِ مَمْنُوعَة فِي غير
الْحَالة الَّتِي ورد فِيهَا، كَانَ ذَلِك جَامعا
بَينهمَا، فَإِن طعن الخاصرة لَا يجوز إلاَّ مَخْصُوصًا
بِحَالَة العتاب، وَكَذَلِكَ سُؤال الرجل عَن الْجِمَاع
لَا يجوز إلاَّ فِي مثل حَالَة أبي طَلْحَة من تسليته من
مصيبته وبشارته بِغَيْر ذَلِك. قلت: هَذَا لَا يَخْلُو عَن
تعسف، والجزء الثَّانِي وَهُوَ قَوْله: وَطعن الرجل ...
إِلَى آخِره، ومطابقة حَدِيث الْبَاب لَهُ ظَاهِرَة.
وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه
الْقَاسِم عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث عَائِشَة، وَقد مضى فِي أول
كتاب التَّيَمُّم مطولا وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. |