عمدة القاري شرح صحيح البخاري

(كتابُ الحِيَلِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْحِيَل وَهُوَ جمع حِيلَة وَهِي مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَقْصُود بطرِيق خَفِي. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْحِيلَة بِالْكَسْرِ اسْم من الاحتيال. ذكره فِي فصل الْيَاء. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ من الْوَاو: وَيُقَال هُوَ أُحِيل مِنْك وأحول مِنْك أَي: أَكثر حِيلَة، وَمَا أحيله لُغَة فِيمَا أحوله.

1 - (بابٌ فِي تَركِ الحِيَلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيَل، قيل: أَشَارَ بِلَفْظ التّرْك إِلَى دفع توهم جَوَاز الْحِيَل فِي التَّرْجَمَة الأولى. قلت: التَّرْجَمَة الأولى بعمومها تتَنَاوَل الْحِيلَة الْجَائِزَة وَالْحِيلَة الْغَيْر الْجَائِزَة، وأطلقها لِأَن من الْحِيَل مَا لَا يمْنَع مِنْهَا، وَفِي هَذِه التَّرْجَمَة بيَّن أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التّرْك.
وأنَّ لِكلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَي فِي الأَيْمانِ وغَيْرِهَا.
أَي: هَذَا فِي بَيَان أَن لكل امرىء مَا نوى، وَهَذَا قِطْعَة من الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَأَيْضًا مضى فِي أول الْكتاب. وَهُوَ قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى الحَدِيث. وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. قَوْله: فِي الْأَيْمَان وَغَيرهَا من كَلَام البُخَارِيّ، والأيمان بِفَتْح الْهمزَة جمع يَمِين. قَوْله: وَغَيرهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قيل: وَجه ذَلِك إِرَادَة الْيَمين المستفادة من الْأَيْمَان، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَهَذَا الحَدِيث مَحْمُول على الْعِبَادَات، وَالْبُخَارِيّ عمم فِي ذَلِك بِحَيْثُ يشْتَمل كَلَامه على الْمُعَامَلَات أَيْضا.

6953 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ يَحْياى بنِ سَعيد، عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَلْقَمَة بنِ وقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، رَضِي الله عَنهُ، يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يَا أيُّها النَّاسُ إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لاِمْرِىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسولِهِ، ومَنْ هاجَرَ إِلَى دُنيا يُصِيبُها، أوِ امْرأةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إليْهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مهَاجر أم قيس جعل الْهِجْرَة حِيلَة فِي تَزْوِيج أم قيس.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ. وَقد شرحت هَذَا الحَدِيث فِي أول الْكتاب لم يشْرَح أحد مثله من الشُّرَّاح الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ بِإِبْطَال الْحِيَل، وَمن قَالَ بإعمالها لِأَن مرجع كل من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى نِيَّة الْعَامِل. وَفِي الْمُحِيط كتاب الْحِيَل ومشروعيته بقوله تَعَالَى فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وَهِي الْفِرَار والهروب عَن الْمَكْرُوه، والاحتيال للهروب عَن الْحَرَام والتباعد عَن الْوُقُوع فِي الآثام لَا بَأْس بِهِ، بل هُوَ

(24/108)


مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَأما الاحتيال لإبطال حق الْمُسلم فإثم وعدوان. وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي الْكَافِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبِْطَال الْحق.

2 - (بابٌ فِي الصلاةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُخُول الْحِيلَة فِي الصَّلَاة.

6954 - حدّثني إسْحَاق بنُ نَصْرِ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عنْ مَعْمَرِ، عنْ هَمَّامٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَقْبَلُ الله صَلاةَ أحَدِكُمْ إِذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوضَّأ
انْظُر الحَدِيث 135
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه تعلق الحَدِيث بِالْكتاب؟ . قلت: قَالُوا مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على الْحَنَفِيَّة حَيْثُ صححوا صَلَاة من أحدث فِي الجلسة الْأَخِيرَة، وَقَالُوا: إِن التَّحَلُّل يحصل بِكُل مَا يضاد الصَّلَاة فهم متحيلون فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ وجود الْحَدث. وَوجه الرَّد أَنه مُحدث فِي الصَّلَاة فَلَا تصح لِأَن التَّحَلُّل مِنْهَا ركن فِيهَا لحَدِيث: وتحليلها التَّسْلِيم، كَمَا أَن التَّحْرِيم بِالتَّكْبِيرِ ركن مِنْهَا، وَحَيْثُ قَالُوا: الْمُحدث فِي الصَّلَاة يتَوَضَّأ وَيَبْنِي، وَحَيْثُ حكمُوا بِصِحَّتِهَا عِنْد عدم النِّيَّة فِي الْوضُوء بعلة أَنه لَيْسَ بِعبَادة. انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْمُنِير: أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى رد قَول من قَالَ بِصِحَّة صَلَاة من أحدث عمدا فِي أثْنَاء الْجُلُوس الْأَخير، وَيكون حَدثهُ كسلامه بِأَن ذَلِك من الْحِيَل لتصحيح الصَّلَاة مَعَ الْحَدث. انْتهى. وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ رد على من قَالَ: إِن من أحدث فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة إِن صلَاته صَحِيحَة. انْتهى. وَقيل: التَّحْرِيم يُقَابله التَّسْلِيم لحَدِيث: تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم، فَإِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ ركنا كَانَ الطّرف الآخر ركنا
قلت: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة أصلا فَإِنَّهُ لَا يدل أصلا على شَيْء من الْحِيَل، وَقَول الْكرْمَانِي: فهم متحيلون فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ وجود الْحَدث، كَلَام مَرْدُود غير مَقْبُول أصلا لِأَن الْحَنَفِيَّة مَا صححوا صَلَاة من أحدث فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة بالحيلة، وَمَا للحيلة دخل أصلا فِي هَذَا، بل حكمُوا بذلك بقوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، لِابْنِ مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِذا قلت هَذَا أَو فعلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَلَفظه: إِذا قلت هَذَا أَو قضيت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَهَذَا يُنَافِي فَرضِيَّة السَّلَام فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خير الْمُصَلِّي بعد الْقعُود بقوله إِن شِئْت أَن تقوم ... إِلَى آخِره، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي قَوْله: السَّلَام فرض وَمَا حملهمْ على هَذَا الْكَلَام السَّاقِط إلاَّ فرط تعصبهم الْبَاطِل.
وَقَوله: وَجه الرَّد أَنه مُحدث فِي صلَاته، فَلَا تصح غير صَحِيح لِأَن صلَاته قد تمت. وَقَوله: لحَدِيث: وتحليلها التَّسْلِيم، اسْتِدْلَال غير صَحِيح، لِأَنَّهُ خبر من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يدل على الْفَرْضِيَّة، وَكَذَلِكَ استدلالهم على فَرضِيَّة تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح بقوله تَحْرِيمهَا التَّكْبِير، غير صَحِيح لما ذكرنَا، بل فرضيته بقوله تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} المُرَاد بِهِ فِي الصَّلَاة إِذْ لَا يجب خَارج الصَّلَاة بِإِجْمَاع أهل التَّفْسِير، وَلَا مَكَان يجب فِيهِ إلاَّ فِي افْتِتَاح الصَّلَاة. وَقَوله: بعلة أَنه لبس بِعبَادة، كَلَام سَاقِط أَيْضا، لِأَن الْحَنَفِيَّة لم يَقُولُوا: إِن الْوضُوء لَيْسَ بِعبَادة مُطلقًا، بل قَالُوا: إِنَّه عبَادَة غير مُسْتَقلَّة بذاتها بل هُوَ وَسِيلَة إِلَى إِقَامَة الصَّلَاة، وَقَول ابْن الْمُنِير أَيْضا، بِأَن ذَلِك من الْحِيَل لتصحيح الصَّلَاة، مَرْدُود كَمَا ذكرنَا وَجهه، وَقَول ابْن بطال: فِيهِ رد ... الخ كَذَلِك مَرْدُود. لِأَن الحَدِيث لَا يدل على مَا قَالَه قطعا. وَقَول من قَالَ: فَإِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ ركنا كَانَ الطّرف الآخر ركنا، غير سديد وَلَا موجة أصلا لعدم استلزام ذَلِك على مَا لَا يخفى.
قَوْله: حَدثنِي إِسْحَاق ويروى: حَدثنَا إِسْحَاق، وَهُوَ ابْن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب سعد، يروي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن همام بتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه الأبناوي الصَّنْعَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

3 - (بابٌ فِي الزَّكاةِ)

(24/109)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيَل فِي إِسْقَاط الزَّكَاة، وَفِيه خلاف سَيَأْتِي.
وأنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.
أَي: وَفِي بَيَان أَن لَا يفرق. . إِلَى آخِره، وَهُوَ لفظ الحَدِيث الأول فِي الْبَاب، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل مضى فِي الزَّكَاة بالسند الْمَذْكُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

6955 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الأنصارِيُّ، حدّثنا أبي، حدّثنا ثُمامَةُ بنُ عَبْده الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنَساً حَدَّثهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رسولُ الله وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن الْمثنى بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ يروي عَن عَمه ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم.
قَوْله: وَلَا يجمع عطف على: فَرِيضَة، أَي: لَو كَانَ لكل شريك أَرْبَعُونَ شَاة فَالْوَاجِب شَاتَان لَا يجمع بَينهمَا ليَكُون الْوَاجِب شَاة وَاحِدَة. وَلَا يفرق كَمَا لَو كَانَ بَين الشَّرِيكَيْنِ أَرْبَعُونَ، لِئَلَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة لِأَنَّهُ حِيلَة فِي إِسْقَاطهَا أَو تنقيصها.

6956 - حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عنْ أبي سُهَيْلٍ، عنْ أبِيهِ عنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله: أنَّ أعْرَابِيّاً جاءَ إِلَى رسولِ الله ثائِرَ الرَّأسِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله أخْبِرْنِي مَاذَا فَرضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَواتِ الخَمْسَ إلاَّ أنْ تَطَوَّعَ شَيْئاً فَقَالَ: أخْبِرْنِي بِما فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصِّيامِ؟ قَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إلاَّ أنْ تَطوَّعَ شَيْئاً قَالَ: أخْبِرْنِي بِما فَرَض الله عَلَيَّ مِنَ الزِّكاةِ؟ قَالَ: أخْبَرَهُ رسولُ الله شَرائِعَ الإسْلام، قَالَ: والَّذي أكْرَمَكَ لَا أتَطوَّعُ شَيْئاً وَلَا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ الله عَلَيَّ شَيْئاً، فَقَالَ رسولُ الله أفْلَحَ إنْ صَدَقَ أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ.
وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بالتعسف، وَأَبُو سُهَيْل مصغر السهل اسْمه نَافِع بن مَالك، وَطَلْحَة بن عبيد الله مُصَغرًا التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ. قَتله مَرْوَان بن الحكم يَوْم الْجمل.
والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: شرائع الْإِسْلَام أَي: وَاجِبَات الزَّكَاة وَغَيرهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُوم الشَّرْط يُوجب أَنه إِن تطوع لَا يفلح. قلت: شَرط اعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالفَة عدم مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وَهَاهُنَا مَفْهُوم الْمُوَافقَة ثَابت، إِذْ من تطوع يفلح بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ ومِائَةِ بَعيرٍ حِقَّتانِ، فَإِن أهْلَكَها مُتَعَمِّداً أوْ وَهَبَها أوِ احْتالَ فِيها فِراراً مِنَ الزَّكاةِ، فَلا شَيْءَ عَليْهِ.
قيل: أَرَادَ بعض النَّاس أَبَا حنيفَة والتشنيع عَلَيْهِ لِأَن مذْهبه أَن كل حِيلَة يتحيل بهَا أحد فِي إِسْقَاط الزَّكَاة فأثم ذَلِك عَلَيْهِ. وَأَبُو حنيفَة يَقُول: إِذا نوى بتفويته الْفِرَار من الزَّكَاة قبل الْحول بِيَوْم لم تضره النِّيَّة، لِأَن ذَلِك لَا يلْزمه إلاَّ بِتمَام الْحول، وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ معنى قَوْله خشيَة الصَّدَقَة إلاَّ حينئذٍ، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّصَرُّف قبل دُخُول الْحول كَيفَ شَاءَ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي أَيْضا، فَكيف يُرِيد بقوله: بعض النَّاس أَبَا حنيفَة على الْخُصُوص؟ وَقيل: أَرَادَ بِهِ أَبَا يُوسُف، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي عشْرين وَمِائَة

(24/110)


بعير. . إِلَى آخِره، وَقَالَ: لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ امْتنَاع عَن الْوُجُوب لَا إِسْقَاط الْوَاجِب، وَقَالَ مُحَمَّد: يكره لم فِيهِ من الْقَصْد إِلَى إبِْطَال حق الْفُقَرَاء بعد وجود سَببه، وَهُوَ النّصاب.
6957 - حدّثنا إسْحاق، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّام، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله يَكُونُ كَنْزُ أحَدِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ شُجاعاً أقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ صاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ ويَقُولُ أَنا كنْزُكَ قَالَ: وَالله لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فيُلْقِمَها فاهُ
0 - انْظُر الحَدِيث 1403 ف
6958 - وَقَالَ رسولُ الله إِذا مَا رَبُّ النَّعْمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّها تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ تَخْبطُ وَجْهَهُ بأخْفافِها
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ منع الزَّكَاة بِأَيّ وَجه كَانَ من الْوُجُوه الْمَذْكُورَة.
وَإِسْحَاق قيل: إِنَّه ابْن رَاهَوَيْه كَمَا جزم بِهِ أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الكلاباذي: يروي البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ عَن عبد الرَّزَّاق. انْتهى. قلت: مُقْتَضى كَلَام الْكرْمَانِي أَن إِسْحَاق هُنَا يحْتَمل أَن يكون أحد الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين بِغَيْر تعْيين. والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة.
قَوْله كنز أحدكُم الْكَنْز المَال الَّذِي يخبأ وَلَا تُؤَدّى زَكَاته. قَوْله: شجاعاً من المثلثات وَهُوَ حَيَّة، والأقرع بِالْقَافِ أَي المتناثر شعر رَأسه لِكَثْرَة سمه. قَوْله: لن يزَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني. لَا يزَال. قَوْله: حَتَّى يبسط يَده أَي: صَاحب المَال. قَوْله: فيلقمها أَي: يَده.
قَوْله: وَقَالَ رَسُول الله وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: إِذا مَا رب النعم كلمة: مَا، زَائِدَة والرب الْمَالِك وَالنعَم بِفتْحَتَيْنِ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ هُنَا هُوَ الْإِبِل بِقَرِينَة ذكر أخفافها لِأَنَّهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّة وَهُوَ جمع خف والخف لِلْإِبِلِ كالظلف للشاة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، فِي رَجُلٍ لهُ إبِلٌ فَخافَ أنْ تَجِبَ عَليْهِ الصَّدَقَة فباعَها. بإبِلٍ مِثْلها أوْ بِغَنَمٍ أوْ بِبَقرٍ أوْ بِدَراهمَ فِراراً مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيالاً: فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ، وهْوَ يَقُولُ: إنْ زَكَّى إبلَهُ قَبْلَ أنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمِ أوْ بِسَنَةٍ جازَتْ عَنْهُ.
قَالَ بعض الشُّرَّاح أَرَادَ البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبَا حنيفَة يُرِيد بِهِ التشنيع عَلَيْهِ بِإِثْبَات التَّنَاقُض، فَمَا قَالَه بَيَان مَا يُريدهُ من التَّنَاقُض. هُوَ أَنه: نقل مَا قَالَه فِي رجل لَهُ إبل ... إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ يَقُول: أَي: وَالْحَال أَن بعض النَّاس الْمَذْكُور يَقُول: إِن زكى إبِله ... الخ، يَعْنِي: جَازَ عِنْده التَّزْكِيَة قبل الْحول بِيَوْم، فَكيف يسْقطهُ فِي ذَلِك الْيَوْم؟ وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح مَا ألزم البُخَارِيّ أَبَا حنيفَة من التَّنَاقُض فَلَيْسَ بتناقض لِأَنَّهُ لَا يُوجب الزَّكَاة إلاَّ بِتمَام الْحول، وَيجْعَل من قدمهَا كمن قدم دينا مُؤَجّلا، وَقد سبقه بِهَذَا ابْن بطال.

6959 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا لَ يْثٌ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بنُ عبادَةَ الأنْصاري رسولَ الله فِي نذْرٍ كَانَ عَلى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضَيَهُ، فَقَالَ رسولُ الله اقْضِهِ عَنْها
انْظُر الحَدِيث 2761 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر بتعسف من كَلَام الْمُهلب حَيْثُ قَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث حجَّة على أَن الزَّكَاة لَا تسْقط بالحيلة وَلَا بِالْمَوْتِ، لِأَن النّذر لما لم يسْقط بِالْمَوْتِ وَالزَّكَاة أوكد مِنْهُ فَلَا تسْقط. قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى. أما الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يدل على حكم الزَّكَاة لَا بالسقوط وَلَا بِعَدَمِ السُّقُوط، وَأما قِيَاس عدم سُقُوط النّذر بِالْمَوْتِ فَقِيَاس غير صَحِيح. لِأَن النّذر حق

(24/111)


معِين لوَاحِد وَالزَّكَاة حق الله وَحقّ الْفُقَرَاء فَمن أَيْن الْجَامِع بَينهمَا؟ وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الحَدِيث وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَان قبله لَا تطابق التَّرْجَمَة إِذا حققت النّظر فِيهَا، وَأَنَّهَا بمعزل عَنْهَا.
وَرِجَال الحَدِيث الْمَذْكُور ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا بَلَغتِ الإبِلُ عِشْرِينَ فَفِيها أرْبَعُ شِياهٍ، فإنْ وَهَبها قَبْلَ الحَوْلِ، أوْ باعَها فِراراً واحْتِيالاً لإسْقاطِ الزَّكاةِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وكَذالِكَ إنْ أتْلفَها فَماتَ فَلا شَيءَ فِي مالِهِ.
أَرَادَ بقوله بعض النَّاس أَبَا حنيفَة أَو الْحَنَفِيَّة كَمَا ذكرنَا. وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي الفرعين الْمُتَقَدِّمين، وَهُوَ أَن الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا قَالُوا: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي هَذِه الثَّلَاثَة، لِأَنَّهُ إِذا أَزَال عَن ملكه قبل الْحول فَمن أَيْن يكون عَلَيْهِ شَيْء؟ فَلَا يرد عَلَيْهِم مَا زَعمه البُخَارِيّ، فحينئذٍ لَا فَائِدَة فِي تكْرَار هَذِه الْفُرُوع، وَذكرهَا مفرقة. فَإِن قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا كررها لإِرَادَة زِيَادَة التشنيع ولبيان مخالفتهم لثَلَاثَة أَحَادِيث. قلت: التشنيع على الْمُجْتَهدين الْكِبَار لَا يجوز وَلَيْسَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مُخَالفَة لأحاديث الْبَاب كَمَا ترَاهُ، وَهِي بمعزل عَمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَمن لَهُ إِدْرَاك دَقِيق فِي دقائق الْكَلَام يقف على هَذَا، وَيظْهر لَهُ الْحق الْبَاطِل وَالصَّوَاب من الْخَطَأ، وَالله ولي الْعِصْمَة والتوفيق.

4 - (بابٌ الحِيلَةُ فِي النِّكاحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيلَة فِي النِّكَاح.

6960 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سعِيدٍ، عنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حَدثنِي نافِعٌ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله نَهاى عَنِ الشِّغارِ. قُلْتُ لِنافِعٍ: مَا الشِّغار؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنةَ الرَّجُلِ ويُنْكِحُهُ ابْنَتهُ بِغَيْرِ صَداقٍ، ويَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ ويُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَداقٍ.
انْظُر الحَدِيث 5112
لَا مُطَابقَة أصلا بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث حَتَّى قيل: إِن إِدْخَال البُخَارِيّ الشّغَار فِي بَاب الْحِيلَة فِي النِّكَاح مُشكل لِأَن الْقَائِل بِالْجَوَابِ يبطل الشّغَار وَيُوجب مهر الْمثل.
وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن عمر الْعمريّ، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِن احْتَالَ حتَّى تَزَوَّجَ عَلى الشِّغار فَهْوَ جائِزٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: النِّكاحُ فاسِدٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: المُتْعَةُ والشِّغارُ جائِزٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة على مَا قَالُوا: إِن فِي كل مَوضِع قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بعض النَّاس، فمراده الْحَنَفِيَّة أَو أَبُو حنيفَة وَحده، وَهَذَا غير وَارِد عَلَيْهِم لأَنهم قَالُوا بِصِحَّة الْعقْدَيْنِ فِيهِ وبوجوب مهر الْمثل لوُجُود ركن النِّكَاح من أَهله فِي مَحَله، وَالنَّهْي فِي الحَدِيث لإخلاء العقد عَن الْمهْر فَصَارَ كالعقد بِالْخمرِ. قَوْله: إِن احتال، لم يذكر أحد من الْحَنَفِيَّة أَنهم احْتَالُوا فِي الشّغَار وَإِنَّمَا قَالُوا: صُورَة نِكَاح الشّغَار أَن يَقُول الرجل: إِنِّي أزَوجك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك أَو أختك، فَيكون أحد الْعقْدَيْنِ عوضا عَن الآخر فالعقدان جائزان وَلكُل مِنْهُمَا مهر مثلهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: نِكَاح الشّغَار بَاطِل لظَاهِر الحَدِيث.
قَوْله: وَقَالَ فِي الْمُتْعَة أَي: وَقَالَ بعض النَّاس فِي نِكَاح الْمُتْعَة: النِّكَاح فَاسد وَالشّرط بَاطِل، وَصورته أَن يتَزَوَّج الْمَرْأَة بِشَرْط أَن يتمتع بهَا أَيَّامًا ثمَّ يخلي سَبِيلهَا، هَكَذَا ذكره الْكرْمَانِي، وَعند أبي حنيفَة صورته أَن يَقُول: متعيني نَفسك، أَو أتمتع بك مُدَّة مَعْلُومَة، طَوِيلَة أَو قَصِيرَة، فَتَقول: متعتك نَفسِي وَلَا بُد من لفظ التَّمَتُّع فِيهِ، هَذَا مجمع عَلَيْهِ.
قَوْله: وَقَالَ بَعضهم ... الخ لم أر أحدا من الشُّرَّاح بَين من هَؤُلَاءِ الْبَعْض، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح المُرَاد بِهِ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة. قلت: لم يذكر أحد من أَصْحَاب أبي حنيفَة شَيْئا من هَذَا، وَقَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مَا نقل عَن زفر أَنه أجَاز الموقت وألغى الشَّرْط لِأَنَّهُ شَرط فَاسد

(24/112)


وَالنِّكَاح لَا يبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة. انْتهى. قلت: مَذْهَب زفر لَيْسَ كَذَلِك، بل عِنْده مَا صورته أَن يتَزَوَّج امْرَأَة إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة فَالنِّكَاح صَحِيح وَيلْزم، وَاشْتِرَاط الْمدَّة بَاطِل، وَعند أبي حنيفَة وصاحبيه: النِّكَاح بَاطِل.

6961 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ، حدّثنا الزُّهْريُّ عَن الحَسَنِ وعَبْدِ الله ابْنَيْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيَ، عنْ أبِيهِما: أنَّ عَلِيّاً، رَضِي الله عَنهُ، قِيلَ لهُ: إنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لَا يَرى بمُتْعَةِ النِّساءِ بأْساً فَقَالَ: إنَّ رسولَ الله نَهى عَنْها يَوْمَ خَيْبَرَ وعنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.
هَذَا أَيْضا غير مُطَابق لعدم التَّعَرُّض إِلَى الْحِيلَة فِي الْمُتْعَة، وَإِنَّمَا صورتهَا مَا ذكرنَا.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَمُحَمّد بن عَليّ هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِن احْتالَ حتَّى تَمَتَّعَ فالنِّكاحُ فاسِدٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ النِّكاحُ جائِزٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
لَا مُنَاسبَة لذكر هَذَا هُنَا لِأَن بطلَان الْمُتْعَة مجمع عَلَيْهِ. وَقَوله: إِن احتال لَيْسَ لَهُ دخل فِي الْمُتْعَة، وَإِنَّمَا ذكره ليشنع بِهِ على الْحَنَفِيَّة من غير وَجه.
قَوْله: وَقَالَ بَعضهم الخ، قَالَ بَعضهم: إِنَّه قَول زفر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَول زفر قد بَيناهُ عَن قريب، فَافْهَم.

5 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الاحْتِيالِ فِي البُيُوعِ وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الكَلأ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من الاحتيال فِي الْبيُوع وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من قبيل مَا ترْجم لَهُ وَلم يلْحق الحَدِيث بِهِ، هَذَا هُوَ الْغَالِب. قلت: لما لم يظفر بِحَدِيث يتَعَلَّق بالترجمة كَانَ تَركهَا هُوَ الْأَوْجه. قَوْله: وَلَا يمْنَع فضل المَاء ... الخ التَّقْدِير فِيهِ: وَبَاب فِي بَيَان لَا يمْنَع ... الخ، وَيَجِيء الْكَلَام فِيهِ الْآن.

6962 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حَدثنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الكَلإ
انْظُر الحَدِيث 2353 وطرفه
الْجُزْء الثَّانِي من التَّرْجَمَة هُوَ عين حَدِيث الْبَاب، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيْفيَّة تعلقه بِكِتَاب الْحِيَل هُوَ إِرَادَة صِيَانة الْكلأ الْمُبَاح للْكُلّ الْمُشْتَرك فِيهِ، فيحيل بصيانة المَاء لتلزم صيانته.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ بن أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرحمان بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب.
قَوْله: لَا يمْنَع على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: لَا يمْنَع فضل المَاء عَنهُ بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَنَّهُ إِذا لم يمْنَع بِسَبَب غَيره فأحرى أَن يمْنَع بِسَبَب نَفسه، وَفِي تَسْمِيَته: فضلا، إِشَارَة إِلَى أَنه إِذا لم يكن زِيَادَة عَن حَاجَة صَاحب الْبِئْر جَازَ لصَاحب الْبِئْر مَنعه، صورته: رجل لَهُ بِئْر وحولها كلأ مُبَاح وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَاللَّام المخففة وبالهمزة وَهُوَ مَا يرْعَى، فَأَرَادَ الرجل الِاخْتِصَاص بِهِ فَيمْنَع فضل مَاء بئره أَن يردهُ نِعَمُ غَيره للشُّرْب وَهُوَ لَا حَاجَة لَهُ فِي المَاء الَّذِي يمنعهُ، وَإِنَّمَا حَاجته إِلَى الْكلأ، وَهُوَ لَا يقدر على مَنعه لكَونه غير مَمْلُوك لَهُ فَيمْنَع المَاء فيتوفر لَهُ الْكلأ، وَأمر الشَّارِع صَاحب الْبِئْر أَن لَا يمْنَع فضل المَاء لِئَلَّا يكون مَانِعا للكلأ.

6 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّناجُشِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من التناجش، وَهُوَ أَن يزِيد فِي الثّمن بِلَا رَغْبَة فِيهِ ليوقع الْغَيْر فِيهِ، وَأَنه ضرب من التحيل فِي تَكْثِير

(24/113)


الثّمن، وَالْمرَاد من الْكَرَاهَة كَرَاهَة التَّحْرِيم.

6963 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، عنْ مالِكٍ، عنْ نافِع، عنِ ابنِ عُمَرَ: أَن رسولَ الله نهى عَنِ النجْشِ. انْظُر الحَدِيث 21
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ودخوله فِي كتاب الْحِيَل من حَيْثُ إِن فِيهِ نوعا من الْحِيلَة لإضرار الْغَيْر.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

7 - (بابُ مَا يُنْهاى مِن الخِداعِ فِي البُيُوعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي النَّهْي من الخداع، وَيُقَال لَهُ: الخدع، بِالْفَتْح وَالْكَسْر، وَرجل خَادع، وَفِي الْمُبَالغَة: خدوع وخداع. قَوْله: من الخداع وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عَن الخداع.
وَقَالَ أيُّوبُ: يُخادِعُونَ الله كَمَا يُخادِعُونَ آدَمِيّاً لوْ أتَوْا الأمْرَ عِياناً كانَ أهْوَنَ عَلَيَّ.
أَيُّوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ. قَوْله: كَمَا يخادعون ويروى: كَأَنَّمَا يخادعون. قَوْله: عيَانًا قَالَ الْكرْمَانِي: لَو علمُوا هَذِه الْأُمُور بِأَن أَخذ الزَّائِد على الثّمن مُعَاينَة بِلَا تَدْلِيس لَكَانَ أسهل لِأَنَّهُ مَا جعل الدّين آلَة لَهُ، وَقَول أَيُّوب هَذَا رَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب.

6964 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثنا مالِك عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنبيِّ أنَّهُ يخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ: إِذا بايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلابَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس. والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع.
قَوْله: أَن رجلا هُوَ حبَان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن منقذ على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإنقاذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: يخدع على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: لَا خلابة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة وَمَعْنَاهُ: لَا خديعة. وَقَالَ الْمُهلب: معنى قَوْله: لَا خلابة أَي: لَا تخلبوني أَي لَا تخدعوني فَإِن ذَلِك لَا يحل، وَقَالَ: لَا يدْخل فِي الخداع الثَّنَاء على السّلْعَة والإطناب فِي مدحها فَإِنَّهُ متجاوز عَنهُ وَلَا ينْقض بِهِ البيع.

8 - (بابُ مَا يُنْهاى عَنَ الاحْتِيالِ لِلْوَلِيِّ فِي اليَتِيمَةِ المَرْغُوبَةِ وأنْ لَا يُكَمِّلَ صَداقَها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى عَن الاحتيال للْوَلِيّ فِي الْيَتِيمَة الَّتِي يرغب وَليهَا فِيهَا، وَفِي بَيَان مَا ينْهَى أَن لَا يكمل صَدَاقهَا، ويروى أَن لَا يكمل لَهَا صَدَاقهَا.

6965 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، حدّثنا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أنَّهُ سَألَ عائِشَةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} قالَتْ هِيَ اليَتِيمَةُ فِي حَجْر وَلِيِّها. فَيَرْغَبُ فِي مالِها وجَمالها فَيُرِيدُ أنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسائِها، فَنُهُوا عَنْ نِكاحِهِنَّ إِلَّا أنْ يُقْسِطُوا لهُنَّ فِي إكْمالِ الصَّداقِ، ثمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رسولَ الله بَعْدُ فأنْزلَ الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَآءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَآءِ الَّلَاتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} فَذَكَرَ الحَدِيثَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي مَوَاضِع فِي سُورَة النِّسَاء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: فِي حجر وَليهَا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا. قَوْله: بِأَدْنَى من سنة نسائها أَي: أقل من

(24/114)


مهر مثل أقاربها. قَوْله: فنهوا على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: إِلَّا أَن يقسطوا بِضَم الْيَاء من الإقساط وَهُوَ الْعدْل. قَوْله: فَذكر الحَدِيث أَي: بَاقِي الحَدِيث. واليتيمة إِذا كَانَت ذَات جمال وَمَال رَغِبُوا فِي نِكَاحهَا وَإِذا كَانَت مرغوباً عَنْهَا فِي قلَّة المَال وَالْجمال تركوها، وَأخذُوا غَيرهَا من النِّسَاء. قلت: فَكَمَا يتركونها مرغوبين عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُم أَن ينكحوها إِذا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَن يقسطوا لَهَا ويعطوها حَقّهَا الأوفى من الصَدَاق.

9 - (بابٌ إذَا غَصَبَ جارِيَةً فَزَعَمَ أنّها ماتَتْ، فَقُضِيَ بَقِيمَةِ الجارِيَةِ المَيِّتَةِ ثموجَدَهَا صاحِبُها فَهْيَ لهُ وتُرَدُّ القِيمَةُ وَلَا تَكونُ القِيمَةُ ثَمَناً)

أَي: هَذَا بَاب مترجم بِمَا إِذا غصب رجل جَارِيَة لشخص، يَعْنِي: أَخذهَا قهرا، فَلَمَّا ادّعى عَلَيْهِ المغصب مِنْهُ زعم أَي: الْغَاصِب أَن الْجَارِيَة مَاتَت، فقضي، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَيجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم، أَي: فَقضى الْحَاكِم بِقِيمَة تِلْكَ الْجَارِيَة الَّتِي زعم الْغَاصِب أَنَّهَا مَاتَت ثمَّ وجدهَا صَاحبهَا وَهُوَ الْمَغْصُوب مِنْهُ فَهِيَ أَي الْجَارِيَة لَهُ أَي: للْمَالِك، وَيرد الْقيمَة الَّتِي حكم بهَا إِلَى الْغَاصِب وَلَا تكون الْقيمَة ثمنا، إِذْ لَيْسَ ذَلِك بيعا إِنَّمَا أَخذ الْقيمَة لزعم هلاكها، فَإِذا زَالَ ذَلِك وَجب الرُّجُوع إِلَى الأَصْل.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجارِيَةُ لِلْغاصِبِ لأخْذِهِ القيمةَ، وَفِي هاذَا احْتِيالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جارِيَةَ رجُلٍ لَا يَبِيعُها فَغَصَبَها، واعْتَلَّ بأنّها ماتَتْ حتَّى يأخُذَ ربُّها قِيمَتَها، فَيَطِيبُ لِلْغاصِبِ جاريَةُ غَيْرِهِ.
أَرَادَ بِبَعْض النَّاس: أَبَا حنيفَة، وَلَيْسَ لذكر هَذَا الْبَاب هُنَا وَجه لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعه، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التشنيع على الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ هَذَا من دأب الْمَشَايِخ. قَوْله: لأَخذه أَي: صَاحبهَا. قَوْله: واعتل أَي: تعلل وَاعْتذر.
قَالَ النبيُّ أمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ
هَذَانِ طَرِيقَانِ للحديثين الْمَذْكُورين ذكرهمَا فِي معرض الِاحْتِجَاج على مَا ذكره، وَلَيْسَ فيهمَا مَا يدل على دَعْوَاهُ أما الأول فَمَعْنَاه: أَن أَمْوَالكُم عَلَيْكُم حرَام إِذا لم يُوجد التَّرَاضِي، وَهنا قد وجد التَّرَاضِي بِأخذ الْمَالِك الْقيمَة وَأما الثَّانِي: فَلَا يُقَال للْغَاصِب فِي اللُّغَة: إِنَّه غادر، لِأَن الْغدر ترك الْوَفَاء وَالْغَصْب هُوَ أَخذ شَيْء قهرا أَو عُدْوانًا. وَقَول الْغَاصِب: إِنَّهَا مَاتَت، كذب ثمَّ أَخذ الْمَالِك الْقيمَة رضَا، فَالْحَدِيث الأول وَصله البُخَارِيّ مطولا من حَدِيث أبي بكر فِي أَوَاخِر الْحَج، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: أَمْوَالكُم عَلَيْكُم مُقَابلَة الْجمع بِالْجمعِ، وَهِي تفِيد التَّوْزِيع فَيلْزم أَن يكون مَال كل شخص حَرَامًا عَلَيْهِ، وَأجَاب بِأَن هَذَا مثل قَوْلهم: بَنو تَمِيم قتلوا أنفسهم، أَي: قتل بَعضهم بَعْضًا، فَهُوَ مجَاز أَو إِضْمَار فِيهِ للقرينة الصارفة عَن ظَاهرهَا، كَمَا علم من الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة. والْحَدِيث الثَّانِي ذكره مَوْصُولا هُنَا على مَا يَجِيء الْآن.

6966 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ قَالَ: لِكُلِّ غادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيامَةِ يُعْرَفُ بِهِ
أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ: والْحَدِيث من أَفْرَاده.

10 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِغَيْر تَرْجَمَة، وَقد مر أَمْثَال هَذَا فِيمَا مضى وَقد ذكرنَا أَنه كالفصل لما قبله، وحذفه النَّسَفِيّ والإسماعيلي وَابْن بطال وَلم يذكروه أصلا، وأضاف ابْن بطال مَسْأَلَة الْبَاب إِلَى الْبَاب الَّذِي قبله. وَأما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ لَا يذكر غَالب التراجم.

6967 - حدّثنا مُحَمَّدٌ بنُ كَثِيرٍ، عنْ سُفْيانَ، عنْ هِشامٍ، عنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلمَةَ عنْ أُمِّ سَلَمَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: إنَّما أَنا بَشَرٌ، وإنّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ

(24/115)


بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وأقْضِي لهُ عَلى نَحْوِ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ مِنْ حَقِّ أخِيهِ شَيْئاً فَلاَ يأخُذْ، فإنّما أقْطَعُ لهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ
لما كَانَ هَذَا الْبَاب غير مترجم وَهُوَ كالفصل يكون حَدِيثه مُضَافا إِلَى الْبَاب الَّذِي قبله، وَوجه التطابق ظَاهر لنَهْيه عَن أَخذ مَال الْغَيْر إِذا كَانَ يعلم أَنه فِي نفس الْأَمر للْغَيْر.
وَمُحَمّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، وَزَيْنَب ابْنة أم سَلمَة تروي عَن أمهَا أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَفِي الشَّهَادَات عَن القعْنبِي وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.
قَوْله إِنَّمَا أَنا بشر يَعْنِي: كواحد مِنْكُم وَلَا أعلم الْغَيْب وبواطن الْأُمُور كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْحَالة البشرية، وَأَنا أحكم بِالظَّاهِرِ. قَوْله: وَلَعَلَّ اسْتعْمل هُنَا اسْتِعْمَال: عَسى. قَوْله: أَلحن أفعل التَّفْضِيل من: لحن، بِكَسْر الْحَاء إِذا فطن، وَالْمرَاد أَنه إِذا كَانَ أفطن كَانَ قَادِرًا على أَن يكون أقدر من حجَّته من الآخر، وَفِي رِوَايَة الْمَظَالِم بِلَفْظ: أبلغ بحجته. قَوْله: على نَحْو مَا اسْمَع كلمة: مَا، مَوْصُولَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: على نَحْو مِمَّا أسمع. قَوْله: من حق أَخِيه ويروى: من أَخِيه، وَتَفْسِيره: من حق أَخِيه. قَوْله: فَلَا يَأْخُذ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلَا يَأْخُذهُ. قَوْله: قِطْعَة من النَّار قَالَ الْكرْمَانِي: حرَام عَلَيْهِ ومرجعه إِلَى النَّار، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن أَخذهَا مَعَ علمه بِأَنَّهَا حرَام عَلَيْهِ دخل النَّار.

11 - (بابُ شَهادَةِ الزُّورِ فِي النِّكاحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شَهَادَة الزُّور فِي النِّكَاح، وَقد مضى عَن قريب فِي: بَاب الْحِيلَة فِي النِّكَاح، وَذكر فِيهِ الشّغَار والمتعة وأتى بِهَذَا الْبَاب هُنَا لبَيَان حكم شَهَادَة الزُّور، كَمَا ذكرنَا.

6968 - حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حدّثنا هِشامٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ أبي كَثِير عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتّى تُسْتأذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حتَّى تُسْتَأمَرَ فَقِيلَ يَا رسولَ الله كَيْفَ إذْنُها؟ قَالَ: إِذا سَكَتَتْ
انْظُر الحَدِيث 5136 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهِشَام هُوَ الدستوَائي والْحَدِيث قد مر فِي النِّكَاح.
قَوْله: لَا تنْكح على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَا تزوج. قَوْله: حَتَّى تستأذن على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، أَي: حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهَا الْإِذْن. قَوْله: حَتَّى تستأمر على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا أَي: حَتَّى تستشار.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا لَمْ تُسْتأذَنِ البِكْرُ ولَمْ تُزَوَّجْ فاحْتال رجُلٌ فأقامَ شاهِدَيْ زُورٍ أنّهُ تَزَوَّجَها بِرِضاها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّ الشهادَةَ باطِلةٌ فَلا بأسَ أنْ يَطأها، وهْوَ تَزْويجٌ صَحِيحٌ.
أَرَادَ بِهِ أَيْضا أَبَا حنيفَة، وَأَرَادَ بِهِ التشنيع عَلَيْهِ، وَلَا وَجه لَهُ فِي ذكره هَاهُنَا. قَوْله: إِذا لم تُستأذن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن لم تستأذن. قَوْله: شَاهِدي زور بِإِضَافَة شَاهِدي إِلَى زور، ويروى: فَأَقَامَ شَاهِدين زوراً. قَوْله: وَالزَّوْج يعلم الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَأَبُو حنيفَة إِمَام مُجْتَهد أدْرك صحابة وَمن التَّابِعين خلقا كثيرا، وَقد تكلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَصْل وَهُوَ: أَن الْقَضَاء لقطع الْمُنَازعَة بَين الزَّوْجَيْنِ من كل وَجه، فَلَو لم ينفذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الزُّور بَاطِنا كَانَ تمهيداً للمنازعة بَينهمَا، وَقد عهدنا بنفوذ مثل ذَلِك فِي الشَّرْع. ألاَّ ترى أَن التَّفْرِيق بِاللّعانِ ينفذ بَاطِنا وَأَحَدهمَا كَاذِب بِيَقِين؟ وَالْقَاضِي إِذا حكم بِطَلَاقِهَا بشاهدي زور، وَهُوَ لَا يعلم أَنه يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا من لَا يعلم بِبُطْلَان النِّكَاح وَلَا يحرم عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ بعض المشنعين: هَذَا خطأ فِي الْقيَاس، ثمَّ مثل لذَلِك بقوله: وَلَا خلاف بَين

(24/116)


الْأَئِمَّة أَن رجلا لَو أَقَامَ شَاهِدي زور على ابْنَته أَنَّهَا أمته وَحكم الْحَاكِم بذلك لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا، فَكَذَلِك الَّذِي شهد على نِكَاحهَا هما فِي التَّحْرِيم سَوَاء. قلت: هَذَا الْقيَاس الَّذِي فِيهِ الْخَطَأ الظَّاهِر، يفرق بَين القياسين من لَهُ إِدْرَاك مُسْتَقِيم.

6969 - حدّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا سُفْيانُ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيد، عنِ القاسِمِ: أنَّ امْرأةً مِنْ ولَدِ جَعْفَرِ تَخَوَّفَتْ أنْ يُزَوِّجَها ولِيُّها وهْيَ كارِهَةٌ، فأرْسلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأنْصارِ: عَبْد الرَّحْمانِ ومُجَمِّعٍ ابْنَيْ جارِيَةَ، قالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فإنَّ خَنْساءَ بِنْتَ خِذَامٍ أنْكَحَها أبُوها وهْيَ كارِهَةٌ فَرَدَّ النبيُّ ذالِكَ.
قَالَ سُفْيانُ: وأمَّا عبدُ الرَّحْمانِ فَسَمِعْتهُ يَقُولُ عنْ أبِيهِ: إنَّ خَنْساءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عَيْنِيَّة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَالقَاسِم هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب إِذا زوج ابْنَته وَهِي كارهة فنكاحها مَرْدُود.
قَوْله: أَن امْرَأَة من ولد جَعْفَر وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان: أَن امْرَأَة من آل جَعْفَر، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلم يدر اسْم الْمَرْأَة، وَقَالَ بَعضهم: ويغلب على الظَّن أَنه جَعْفَر بن أبي طَالب، ثمَّ قَالَ: وتجاسر الْكرْمَانِي فَقَالَ: المُرَاد بِهِ جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر، وَكَانَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد جد جَعْفَر الصَّادِق لأمه انْتهى. ثمَّ قَالَ: وخفي عَلَيْهِ أَن الْقِصَّة الْمَذْكُورَة وَقعت وجعفر الصَّادِق صَغِير لِأَن مولده سنة ثَمَانِينَ وَكَانَت وَفَاة عبد الرحمان بن يزِيد بن جَارِيَة فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين من الْهِجْرَة، وَقد وَقع فِي الحَدِيث أَنه أخبر الْمَرْأَة بِحَدِيث خنساء بنت خذام، فَكيف تكون الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي مثل تِلْكَ الْحَالة وأبوها ابْن ثَلَاث عشرَة سنة أَو دونهَا؟ انْتهى. قلت: هُوَ أَيْضا تجاسر حَيْثُ قَالَ بِغَلَبَة الظَّن: إِنَّه جَعْفَر بن أبي طَالب، والكرماني لم يقل هَذَا من عِنْده، وَإِنَّمَا نَقله عَن أحد فَلَا ينْسب إِلَيْهِ التجاسر، وَيُمكن أَن يكون جَعْفَر غير مَا قَالَا. قَوْله: وَهِي كارهة الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: عبد الرحمان بِالْجَرِّ وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل من التجميع عطف عَلَيْهِ، وهما ابْنا يزِيد بن جَارِيَة بِالْجِيم وَهنا قد نسبا إِلَى جدهما، وَتقدم فِي النِّكَاح أَنَّهُمَا نسبا إِلَى أَبِيهِمَا، وَلَقَد صحف من قَالَ: حَارِثَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: فَلَا تخشين قَالَ الْكرْمَانِي: بِلَفْظ الْجمع خطاب للْمَرْأَة المتخوفة، وأصحابها، وَقَالَ ابْن التِّين: صَوَابه بِكَسْر الْبَاء وَتَشْديد النُّون، وَلَو كَانَ بِلَا نون التَّأْكِيد لحذفت النُّون فِي النَّهْي على مَا عرف. قَوْله: فَإِن خنساء بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة وبالمد بنت خذام بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالذال الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة ابْن وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من الْأَوْس، وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي حَالهَا فِي ذَلِك الْوَقْت، فرواية مَالك عَن عبد الرحمان بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عبد الرحمان وَمجمع ابْني يزِيد بن جَارِيَة عَن خنساء أَنَّهَا كَانَت ثَيِّبًا، وَرِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ عَن عبد الرحمان بن الْقَاسِم عَن عبد الله بن يزِيد ابْن وَدِيعَة عَن خنساء بنت خذام أَنَّهَا كَانَت يومئذٍ بكرا، وَالصَّحِيح نقل مَالك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: قَالَ سُفْيَان: وَأما عبد الرحمان يَعْنِي: ابْن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: فَسَمعته يَقُول عَن أَبِيه عَن خنساء أَرَادَ أَنه أرْسلهُ فَلم يذكر فِيهِ عبد الرحمان بن يزِيد وَلَا أَخَاهُ.

6970 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا شَيْبَانُ، عنْ يَحْياى عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتأذنَ قالُوا: كَيْفَ إذنُها؟ قَالَ: أنْ تسْكُتَ
انْظُر الحَدِيث 5136 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان هُوَ ابْن عبد الرحمان النَّحْوِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح.
قَوْله: الأيم هِيَ من لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا، لَكِن المُرَاد مِنْهَا هُنَا الثّيّب بِقَرِينَة الْمُقَابلَة للبكر، وَالْأَفْعَال هُنَا كلهَا على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمضى الْكَلَام

(24/117)


فِيهِ فِي النِّكَاح.
وَقَالَ بَعْضُ النّاس: إِن احْتالَ إنْسانٌ بِشاهِدَيْ زُورٍ عَلى تَزْوِيجِ امْرأةٍ ثَيِّبٍ بأمْرِها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها إيَّاهُ، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجُها قَطُّ، فإنَّهُ يَسَعُهُ هاذَا النِّكاحُ، وَلَا بأسَ بالمُقامِ لهُ مَعَها.
أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة. قَوْله: يَسعهُ أَي: يجوز لَهُ وَيحل لَهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا تشنيع عَظِيم لِأَنَّهُ أقدم على الْحَرَام الْبَين عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُتَعَمدا لركوب الْإِثْم. انْتهى. وَقد ذكرنَا أَن أَبَا حنيفَة بنى هَذِه الْأَشْيَاء على أَن حكم الْحَاكِم بشاهدي زور ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا.

6971 - حدّثنا أبُو عاصِمٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ ذَكْوَانَ، عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله البِكْرُ تُسْتَأذَنُ قُلْتُ إنَّ البكْرَ تَسْتَحي. قَالَ: إذْنُها صُماتُها
انْظُر الحَدِيث 5137 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر، وذكوان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وبالواو مولى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا. والْحَدِيث قد مضى فِي النِّكَاح.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ هَوِيَ رجُلٌ جارِيَةً يَتيمَةً أوْ بِكْراً، فأبتْ، فاحتالَ فَجاءَ بِشاهِدْي زُورٍ عَلى أنهُ تَزَوَّجَها، فأدْرَكَتْ فَرَضيَتِ اليتيمَةُ فَقَبِلَ القاضِي شَهادَةَ الزُّورِ والزَّوْجَ يَعْلَمُ بِبُطلاَن ذَلِكَ حَلَّ لهُ الوَطْءُ.
هَذَا تشنيع آخر على الْحَنَفِيَّة، وَقَوله هَذَا تكْرَار بِلَا فَائِدَة لِأَن حَاصِل هَذِه الْفُرُوع الثَّلَاثَة وَاحِد، وَذكره إِيَّاهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد لَا يُفِيد شَيْئا لِأَنَّهُ قد علم أَن حكم الْحَاكِم ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا ويحلل وَيحرم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَائِدَة التّكْرَار كَثْرَة التشنيع. قَوْله: إِن هوي بِكَسْر الْوَاو يَعْنِي: أحب. قَوْله: جَارِيَة هِيَ الْفتية من النِّسَاء يتيمة أَو بكرا ويروى عَن الْكشميهني: ثَيِّبًا أَو بكرا. قَوْله: فأدركت ظَاهِرَة أَنَّهَا بعد الشَّهَادَة بلغت ورضيت، وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه جَاءَ بِشَاهِدين على أَنَّهَا أدْركْت ورضيت فَتَزَوجهَا فَيكون دَاخِلا تَحت الشَّهَادَة. وَالْفَاء للسَّبَبِيَّة فَقبل القَاضِي بِشَهَادَة الزُّور. كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِشَهَادَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِحَذْف الْبَاء. قَوْله: جَازَ لَهُ الْوَطْء ويروى: حل لَهُ الْوَطْء.

12 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِن احْتِيالِ المَرْأةِ مَعَ الزَّوْجِ والضَّرَائِرِ، وَمَا نَزَلَ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِكَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره ... الخ كلمة: مَوْصُولَة، والضرائر جمع ضرَّة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء. قَوْله: وَمَا نزل أَي: وَفِي بَيَان مَا نزل على النَّبِي قَوْله: فِي ذَلِك أَي: فِيمَا ذكر من احتيال الْمَرْأَة مَعَ الزَّوْج والضرائر، وَأَرَادَ بقوله: وَمَا نزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لَا تحرم مَا أحل الله لَك} وَذَلِكَ لما قَالَ شربت عسلاً وَلنْ أَعُود، وَقبل: إِنَّمَا حرم جَارِيَته مَارِيَة فَحلف أَن لَا يَطَأهَا، وَأسر ذَلِك إِلَى حَفْصَة فأفشته إِلَى عَائِشَة، وَنزل الْقُرْآن فِي ذَلِك.

6972 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هشامٍ، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كانَ رسولُ الله يُحِبُّ الحَلْوَاءَ ويُحِبُّ العَسَلَ وكانَ إذَا صَلَّى العَصْرَ أجازَ عَلى نِسائِهِ فَيَدْنو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلى حَفْصَةَ فاحْتَبَسَ عِنْدَها، أكْثَرَ مِما كانَ يَحْتَبِسُ، فَسْألْتُ عنْ ذَلِكَ فَقَالَ لي: أهْدَتِ امْرأةٌ مِنْ قَوْمِها عُكَّةَ عَسَلِ، فَسَقَتْ رسولَ الله مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أما واللَّهِ لَنَحْتالَنَّ لهُ،

(24/118)


فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فإنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فقُولِي لهُ: يَا رسولَ الله أكَلْتَ مَغافِيرَ؟ فإنَّهُ سَيَقُولُ: لَا، فَقُولي لهُ: مَا هاذِهِ الرِّيحُ؟ وكانَ رسولُ الله يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ فإنَّهُ سَيَقُولُ سَقَتْنِي حَفْصةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولي لهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العرْفُطَ، وسأقُولُ ذالِكِ، وقُولِيهِ أنْتِ يَا صَفِيّةُ، فَلمَّا دَخَلَ عَلى سَوْدَةَ قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ: والّذِي لَا إلاهَ إلاّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أنْ أُبادِرَهُ بالَّذِي قُلْتِ لي، وإنّهُ لَعَلى البابِ فَرَقاً مِنْكِ، فَلَمَّا دنا رسولُ الله قُلْتُ يَا رسوُلَ اللَّهِ أكَلْتَ مَغافِيرِ؟ قَالَ: لَا قُلْتُ فَما هاذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: سَقَتْني حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ قُلْتُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ فلمَّا دَخلَ عَليَّ قُلْتُ لهُ مثْلَ ذَلِكَ، ودَخَلَ عَلى صَفِيّةَ فقالَتْ لهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلمَّا دَخَلَ عَلى حَفْصَةَ قالَتْ لَهُ: يَا رسُولَ الله أَلا أسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حاجةَ لي بِهِ قالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ سُبْحانَ الله لَقَدْ حرَمْناهُ. قالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَالله لنحتالن لَهُ
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْأَشْرِبَة عَن عبد الله بن أبي شيبَة وَفِيه وَفِي الطِّبّ عَن عَليّ بن عبد الله وَهنا عبيد بن إِسْمَاعِيل أربعتهم عَن أبي أُسَامَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: الْحَلْوَاء بِمد وبقصر، قَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد التَّمْر وَشبهه. قَوْله: أجَاز أَي: تمم النَّهَار وأنفده، يُقَال: جَازَ الْوَادي جَوَازًا، وَأَجَازَهُ إِذا قطعه، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَازَ مَشى فِيهِ، وَأَجَازَهُ قطعه، وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: جَازَ، قَالَ: كَذَا وَقع فِي الْمُجْمل وَقَالَ الضَّحَّاك: جزت الْموضع سرت فِيهِ وأجزته خلفته وقطعته. قَوْله: عكة بِالضَّمِّ الْآنِية من الْجلد. قَوْله: فسقت رَسُول الله شربة يَعْنِي: حَفْصَة، قَالَ صَاحب التَّوْضِيح هَذِه غلط لِأَن حَفْصَة هِيَ الَّتِي تظاهرت مَعَ عَائِشَة فِي هَذِه الْقِصَّة، وَإِنَّمَا شربه عِنْد صَفِيَّة بنت حييّ، وَقيل: عِنْد زَيْنَب، وَالأَصَح أَنَّهَا زَيْنَب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه شرب فِي بَيت زَيْنَب والمتظاهرتان على هَذَا القَوْل عَائِشَة وَحَفْصَة، ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه شرب فِي بيتهما فهما قضيتان. قَوْله: لنحتالن من الاحتيال. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ على أَزوَاجه الاحتيال؟ . قلت: هَذِه من مقتضيات الطبيعة للنِّسَاء، وَقد عفى عَنْهُن. قَوْله: مَغَافِير جمع مغْفُور بالغين الْمُعْجَمَة وبالفاء وَالْوَاو وَالرَّاء وَهُوَ صبغ كالعسل لَهُ رَائِحَة كريهة. قَوْله: جرست بِالْجِيم وَالرَّاء وبالسين الْمُهْملَة أَي: لحست بِاللِّسَانِ وأكلت. قَوْله: العرفط بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة وَهُوَ شجر خَبِيث الثَّمر، وَقيل: العرفط مَوضِع، وَقيل: شجر من العضاء وثمرته بَيْضَاء مدحرجة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ثَمَرَة كل العضاء صفراء إلاَّ أَن العرفط ثَمَرَته بَيْضَاء. قَوْله: أَن أبادره من الْمُبَادرَة ويروى أَن أبادئه بِالْبَاء الْمُوَحدَة من المبادأة، يُقَال: أبادئهم أَمرهم أَي: أظهره، ويروى: أَن أناديه، بالنُّون مَوضِع الْبَاء. قَوْله: أَلا أسقيك؟ بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا، وَفِي الصِّحَاح سقيته وأسقيته. قَوْله: حرمناه أَي: منعناه من الْعَسَل.

13 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الاحْتِيالِ فِي الفِرَارِ مِنَ الطّاعُونِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من الاحتيال فِي الْفِرَار أَي: الهروب من الطَّاعُون، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ بثر مؤلم جدا يخرج غَالِبا فِي الآباط مَعَ لهيب وخفقان وقيء وَنَحْوه.

6973 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عنْ مالِكٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عامِرِ بنِ رَبِيَةَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطابِ، رَضِي الله عَنهُ، خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلمَّا جاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أنَّ الوَباءَ وقَعَ

(24/119)


بالشَّأْمِ، فأخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ أنَّ رسولَ الله قَالَ: إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرْض فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وقَعَ بأرْضٍ وأنْتُمْ بِها فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْه فَرَجعَ عُمَرُ مِنْ سَرْغَ
وعنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سالِمِ بن عَبْدِ الله: أنَّ عُمَرَ إنّما انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمانِ.
انْظُر الحَدِيث 5729 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإِذا وَقع بِأَرْض الخ.
وَعبد الله بن مسلمة القعْنبِي يروي عَن مَالك بن أنس عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة الْعَنزي حَيّ من الْيمن، ولد على عهد رَسُول الله وروى عَنهُ وَقبض النَّبِي وَهُوَ ابْن أَربع أَو خمس سِنِين، وَمَات فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ، وَقيل: خمس وَثَمَانِينَ، وَذكره الذَّهَبِيّ فِي الصَّحَابَة وَقَالَ ولد سنة سِتّ من الْهِجْرَة روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَغَيره، وَقد وعى عَن النَّبِي
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن عبد الله بن يُوسُف وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: خرج إِلَى الشَّام كَانَ خُرُوج عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الشَّام فِي ربيع الثَّانِي سنة ثَمَانِي عشرَة. قَوْله: يسرغ بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة منصرف وَغير منصرف وَهِي قَرْيَة فِي طرف الشَّام مِمَّا يَلِي الْحجاز وَقَالَ الْبكْرِيّ: سرغ مَدِينَة بِالشَّام افتتحها أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هِيَ واليرموك والجابية والرمادة مُتَّصِلَة. قَوْله: أَن الوباء بِالْمدِّ وَالْقصر وَجمع الْمَقْصُور: أوباء، وَجمع الْمَمْدُود: أوبئة، وَهُوَ الْمَرَض الْعَام. قَوْله: فَلَا تقدمُوا بِفَتْح الدَّال، قيل: لَا يَمُوت أحد إلاَّ بأجله ولايتقدم وَلَا يتَأَخَّر، فَمَا وَجه النَّهْي عَن الدُّخُول وَالْخُرُوج؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لم ينْه عَن ذَلِك حذرا عَلَيْهِ إِذْ لَا يُصِيبهُ إلاَّ مَا كتب عَلَيْهِ، بل حذرا من الْفِتْنَة فِي أَن يظنّ أَن هَلَاكه كَانَ من أجل قدومه عَلَيْهِ وَأَن سَلَامَته كَانَت من أجل خُرُوجه. وَفِي التَّوْضِيح وَلَا يتحيل فِي الْخُرُوج فِي تِجَارَة أَو زِيَارَة أَو شبههما نَاوِيا بذلك الْفِرَار مِنْهُ، وَيبين هَذَا الْمَعْنى قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ قَالَ: وَالْمعْنَى فِي النَّهْي عَن الْفِرَار مِنْهُ كَأَنَّهُ يفر من قدر الله وقضائه، وَهَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ لأحد لِأَن قدره لَا يغلب.
قَوْله: وَعَن ابْن شهَاب مَوْصُول بِمَا قبله. قَوْله: عَن سَالم بن عبد الله يَعْنِي: ابْن عمر بن الْخطاب، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن انصراف عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من سرغ كَانَ من حَدِيث عبد الرحمان بن عَوْف، وَرُوِيَ أَن انْصِرَافه كَانَ من أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وَذَلِكَ أَنه لما اسْتقْبل عمر فَقَالَ: جِئْت بأصحاب رَسُول الله تدخلهم أَرضًا فِيهَا الطَّاعُون الَّذين هم أَئِمَّة يقْتَدى بهم؟ فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَا أَبَا عُبَيْدَة أشككت؟ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَأَنِّي يَعْقُوب إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} فَقَالَ عمر: وَالله لأدخلنها. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَالله لَا تدْخلهَا، فَرده.
وَفِيه: قبُول خبر الْوَاحِد، وَفِيه: أَنه يُوجد عِنْد بعض الْعلمَاء مَا لَيْسَ عِنْد أكبر مِنْهُ قيل. وَفِيه: دَلِيل على تقدم خبر الْوَاحِد على الْقيَاس وموضعه فِي كتب الْأُصُول.

حدّثنا أبُو اليَمانِ، حَدثنَا شُعَيْبٌ، عَن الزُّهْرِيِّ، حَدثنَا عامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أبي وِقّاصٍ أنّهُ سَمعَ أُسامةَ بنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْداً أنَّ رسُولَ الله ذَكرَ الوَجَعَ فَقَالَ: رِجْزٌ أوْ عَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيّةٌ، فَيَذْهَبُ المَرَّةَ وَيَأْتِي الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بأرْضٍ فَلا يَقْدَمَنَّ عَليْهِ، ومَنْ كانَ بأرْضٍ وقَعَ بهَا فَلاَ يَخْرُجْ فِراراً مِنْهُ
انْظُر الحَدِيث 3473 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ذكر الوجع أَي: الطَّاعُون. قَوْله: رجز بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا الْعَذَاب. قَوْله: أَو عَذَاب شكّ من الرَّاوِي قَوْله: فَيذْهب الْمرة أَي: لَا يكون دَائِما بل فِي بعض الْأَوْقَات. قَوْله: فَلَا يقدمن بِفَتْح الدَّال وبالنون الْمُؤَكّدَة الثَّقِيلَة.

14 - (بابٌ فِي الهِبَةِ والشُّفْعَةِ)

(24/120)


أَي: هَذَا بَاب فِيمَا يكره من الاحتيال فِي الرُّجُوع عَن الْهِبَة والاحتيال فِي إِسْقَاط الشُّفْعَة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ وَهَبَ هِبَةً ألْفَ دِرْهَمٍ أوْ أكْثَرَ حتَّى مَكُثَ عِنْدَهُ سِنينَ، واحْتال فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الواهبُ فِيها فَلاَ زَكاة على واحِدٍ مِنْهُما، فَخَالَف الرَّسولَ فِي الهبةِ وأسْقَطَ الزَّكاةَ.
أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة من غير وَجه لِأَن أَبَا حنيفَة فِي أَي مَوضِع قَالَ هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذِه الصُّورَة بل الَّذِي قَالَه أَبُو حنيفَة هُوَ أَن الْوَاهِب لَهُ أَن يرجع فِي هِبته، وَلَكِن لصِحَّة الرُّجُوع قيود. الأول: أَن يكون أَجْنَبِيّا. وَالثَّانِي: أَن يكون قد سلمهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ قبل التَّسْلِيم يجوز مُطلقًا. وَالثَّالِث: أَن لَا يقْتَرن بِشَيْء من الْمَوَانِع، وَهِي مَذْكُورَة فِي موضعهَا، وَاسْتدلَّ فِي جَوَاز الرُّجُوع بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا. أَي: مَا لم يعوض، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَطاء عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا. وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الْحَاكِم من حَدِيث سَالم بن عبد الله يحدث عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي قَالَ: من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب مِنْهَا. وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، فَكيف يحل أَن يُقَال فِي حق هَذَا الإِمَام الَّذِي علمه وزهده لَا يُحِيط بهما الواصفون أَنه خَالف الرَّسُول؟ وَكَيف خَالفه وَقد احْتج فِيمَا قَالَه بِأَحَادِيث هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة من الصَّحَابَة الْكِبَار؟ وَأما الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ مخالفوه وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَرَوَاهُ أَيْضا الْجَمَاعَة غير التِّرْمِذِيّ: عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي قَالَ: الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه، فَلم يُنكره أَبُو حنيفَة بل عمل بِالْحَدِيثين مَعًا فَعمل بِالْحَدِيثِ الأول فِي جَوَاز الرُّجُوع وَبِالثَّانِي فِي كَرَاهَة الرُّجُوع، لَا فِي حرمه الرُّجُوع كَمَا زَعَمُوا، وَقد شبه النَّبِي رُجُوعه بِعُود الْكَلْب فِي قيئه، وَفعل الْكَلْب يُوصف بالقبح لَا بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ يَقُول بِهِ لِأَنَّهُ مستقبح، وَلقَائِل أَن يَقُول: للقائل الَّذِي قَالَ: إِن أَبَا حنيفَة خَالف الرَّسُول: أَنْت خَالَفت الرَّسُول فِي الحَدِيث الَّذِي يحْتَج بِهِ على عدم الرُّجُوع لِأَن هَذَا الحَدِيث يعم منع الرُّجُوع مُطلقًا سَوَاء كَانَ الَّذِي يرجع مِنْهُ أَجْنَبِيّا أَو والداً لَهُ. فَإِن قلت: روى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن طَاوس عَن ابْن عَمْرو بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن النَّبِي قَالَ: لَا يحل لرجل أَن يُعْطي عَطِيَّة أَو يهب هبة فَيرجع فِيهَا إلاَّ الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده. قلت: هَذَا بِنَاء على أصلهم أَن للْأَب حق التَّمَلُّك فِي مَال الابْن لِأَنَّهُ جزؤه، فالتمليك مِنْهُ كالتمليك من نَفسه من وَجه قَوْله، واحتال فِي ذَلِك، فسره بَعضهم بقوله بِأَن تواطأ مَعَ الْمَوْهُوب لَهُ على ذَلِك. قلت: لم يقل أحد من أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن أَبَا حنيفَة أَو أحدا من أَصْحَابه قَالَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هَذَا اخْتِلَاق لتمشية التشنيع عَلَيْهِم.

6975 - حدّثنا أبُو نُعَيْم، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ أيُّوبَ السَّختِيانيِّ، عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ.
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة.
قَوْله: وَلَيْسَ لنا مثل السوء أَي: الصّفة الرَّديئَة.

6976 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عَن أبي سَلَمَةَ، عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: إنّما جَعَلَ النبيُّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذا وَقَعَت الحُدُودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شفْعَةَ.
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب وَعَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق وَفِيه وَفِي الشُّفْعَة وَفِي الشّركَة عَن مُسَدّد.
قَوْله: فِي كل مَا لم يقسم أَي: ملكا مُشْتَركا مشَاعا

(24/121)


بَين الشُّرَكَاء. قَوْله: وصرفت بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَي: منعت، وَقَالَ ابْن مَالك: أَي خلصت وَثبتت من الصّرْف وَهُوَ الْخَالِص، قَالَ: وَلَا شُفْعَة، لِأَنَّهُ صَار مقسوماً وَصَارَ فِي حكم الْجوَار وَخرج عَن الشّركَة، وَقد ذكرنَا فِيهِ من الْخلاف وَغَيره غير مرّة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ للْجِوارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فأبْطَلَهُ، وَقَالَ: إنِ اشْتَرَى دَارا فَخافَ أنْ يَأْخذَها الجارُ بِالشُّفْعَةِ فاشْتَرَى سَهْماً مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ثُم اشْتَرَى الباقيَ وَكَانَ لِلْجارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأوَّلِ وَلَا شُفْعَةَ لهُ فِي باقِي الدَّارِ، ولهُ أنْ يَحْتالَ فِي ذالِكَ.
هَذَا تشنيع آخر على أبي حنيفَة. وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا خلاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد، فَأَبُو يُوسُف هُوَ الَّذِي يرى ذَلِك، وَقَالَ مُحَمَّد: يكره ذَلِك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي. قَوْله: للجوار بِكَسْر الْجِيم وَضمّهَا وَهُوَ الْمُجَاورَة. قَوْله: ثمَّ عمد إِلَى مَا شدده بالشين الْمُعْجَمَة ويروى بِالْمُهْمَلَةِ وَأَرَادَ بِهِ إِثْبَات الشُّفْعَة للْجَار. قَوْله: فأبطله يَعْنِي أبطل مَا شدده وَيُرِيد بِهِ إِثْبَات التَّنَاقُض وَهُوَ أَنه قَالَ: الشُّفْعَة للْجَار ثمَّ أبْطلهُ حَيْثُ قَالَ فِي هَذِه الصُّورَة: لَا شُفْعَة للْجَار فِي بَاقِي الدَّار، وناقض كَلَامه. قلت: لَا تنَاقض هُنَا أصلا لِأَنَّهُ لما اشْترى سَهْما من مائَة سهم كَانَ شَرِيكا لمَالِكهَا، ثمَّ إِذا اشْترى مِنْهُ الْبَاقِي يصير هُوَ أَحَق بِالشُّفْعَة من الْجَار لِأَن اسْتِحْقَاق الْجَار الشُّفْعَة إِنَّمَا يكون بعد الشَّرِيك فِي نفس الدَّار وَبعد الشَّرِيك فِي حَقّهَا. قَوْله: إِن اشْترى دَارا أَي: إِذا أَرَادَ اشتراءها.

6977 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جاءَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَة فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى مَنْكِبي، فانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أبُو رافِعٍ لِلْمِسْوَر: أَلا تَأْمُرُ هاذا أنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَاري؟ فَقَالَ: لَا أزِيدُهُ عَلى أرْبَعمِائَةٍ إمَّا مُقَطَّعَةٍ وإمَّا مُنَجَّمَةٍ. قَالَ: أُعْطِيتُ خمْسَمِائةٍ نَقْداً، فَمَنَعْتُهُ، ولوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ الجَارُ أحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ. أوْ قَالَ: مَا أعْطَيْتُكَهُ.
قُلْتُ لِسُفْيانَ: إنَّ مَعْمَراً لَمْ يَقُلْ هاكذا، قَالَ: لاكِنَّهُ قَالَ لي هاكذا.
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِبْرَاهِيم بن ميسرَة ضد الميمنة الطَّائِفِي، وَعَمْرو بن الشريد بالشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ، والمسور بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالواو ثمَّ بالراء ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ابْن نَوْفَل الْقرشِي ولد بِمَكَّة بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقدم بِهِ الْمَدِينَة فِي عقب ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَقبض النَّبِي وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَسمع من النَّبِي وَحفظ عَنهُ، وَفِي حِصَار الْحصين بن نمير مَكَّة لقِتَال ابْن الزبير أَصَابَهُ حجر من حجر المنجنيق وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْحجر فَقتله، وَذَلِكَ فِي مستهل ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير بالحجون وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَأَبوهُ مخرمَة من مسلمة الْفَتْح وَهُوَ أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَمِمَّنْ حسن إِسْلَامه مِنْهُم، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وخمسن وَقد بلغ مائَة سنة وَخمْس عشرَة سنة، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص وَهُوَ خَال الْمسور الْمَذْكُور، وَأَبُو رَافع مولى رَسُول الله واسْمه أسلم القبطي.
قَوْله: أَلا تَأمر هَذَا يَعْنِي: سعد بن أبي وَقاص، وَالْمرَاد أَنه يسْأَله أَو يُشِير عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه أَن الْأَمر لَا يشْتَرط فِيهِ الْعُلُوّ وَلَا الاستعلاء. قَوْله: بَيْتِي الَّذِي فِي دَاري كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَيْتِي اللَّذين، بالتثنية. قَوْله: إِمَّا مقطعَة

(24/122)


وَإِمَّا منجمة ويروى: مقطعَة أَو منجمة، بِالشَّكِّ من الرَّاوِي وَالْمرَاد أَنَّهَا مُؤَجّلَة على نقدات مفرقة، والنجم الْوَقْت الْمعِين الْمَضْرُوب. قَوْله: أَعْطَيْت على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْقَائِل هُوَ أَبُو رَافع. قَوْله: بسقبه ويروى: بصقبه، بالصَّاد وبفتح الْقَاف وسكونها وَهُوَ الْقرب، يُقَال: سقبت دَاره بِالْكَسْرِ والمنزل سقب والساقب الْقَرِيب وَيُقَال للبعيد أَيْضا، جَعَلُوهُ من الأضداد. وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي كتاب غَرِيب الحَدِيث الصقب بالصَّاد مَا قرب من الدَّار وَيجوز أَن يُقَال: سقب، بِالسِّين وَاسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا أَن للْجَار الشُّفْعَة بعد الخليط فِي نفس الْمَبِيع، وَهُوَ الشَّرِيك ثمَّ للخليط فِي حق الْمَبِيع كالشرب بِالْكَسْرِ وَالطَّرِيق، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي حَيْثُ لم يثبت الشُّفْعَة للْجَار. قَوْله: مَا بعتكه أَي: الشَّيْء، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا بِعْتُك بِحَذْف الْمَفْعُول. قَوْله: أَو قَالَ: مَا أعطيتكه شكّ من الرَّاوِي، قيل: هُوَ سُفْيَان ويروى: مَا أَعطيتك، بِحَذْف الضَّمِير.
قَوْله: قلت لِسُفْيَان الْقَائِل هُوَ عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: أَن معمراً لم يقل هَكَذَا يُشِير بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه بِالْحَدِيثِ دون الْقِصَّة.
أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول أرضي لَيْسَ فِيهَا لأحد شرك وَلَا قسم إِلَّا الْجوَار، فَقَالَ: إِنَّمَا الْجَار أَحَق بسقبه مَا كَانَ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَهَذَا صَرِيح بِوُجُوب الشُّفْعَة لجوار لَا شركَة فِيهِ. انْتهى. قلت: الشريد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ عداده فِي أهل الطَّائِف لَهُ صُحْبَة النَّبِي وَيُقَال: إِنَّه من حَضرمَوْت، وَيُقَال: إِنَّه من هَمدَان حَلِيف لثقيف، روى عَنهُ عَمْرو، وَالْمرَاد على هَذَا بالمخالفة إِبْدَال الصَّحَابِيّ بصحابي آخر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يُرِيد أَن معمراً لم يقل هَكَذَا أَي: إِن الْجَار أَحَق بِالشُّفْعَة، بِزِيَادَة لفظ: الشُّفْعَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي قَالَه لَا أصل لَهُ وَلم يعلم مُسْتَنده فِيهِ مَا هُوَ، بل لفظ معمر: الْجَار أَحَق بصقبه، كَرِوَايَة أبي رَافع سَوَاء. قَوْله: لكنه أَي: قَالَ سُفْيَان: لَكِن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة قَالَ لي هَكَذَا وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: إِن الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ، وَالله أعلم.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاس: إِذا أرادَ أنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أنْ يَحْتَالَ حتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ البائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ ويَحُدُّها ويَدْفَعُها إلَيْهِ ويُعوِّضُهُ المُشْتري ألْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَكُون لِلشَّفِيعِ فِيها شُفْعَةٌ.
هَذَا تشنيع على الْحَنَفِيَّة بِلَا وَجه على مَا نذكرهُ. قَوْله: أَن يَبِيع الشُّفْعَة من البيع قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ الشُّفْعَة، من النَّاسِخ أَو المُرَاد لَازم البيع وَهُوَ الْإِزَالَة. قلت: فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر عَن غير الْكشميهني: إِذا أَرَادَ أَن يقطع الشُّفْعَة، ويروى: إِذا أَرَادَ أَن يمْنَع الشُّفْعَة. قَوْله: ويحدها أَي: يصف حُدُودهَا الَّتِي تميزها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى فِي بعض النّسخ: وَنَحْوهَا، وَهُوَ أظهر، وَإِنَّمَا سَقَطت الشُّفْعَة فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الْهِبَة لَيست مُعَاوضَة مَحْضَة فَأَشْبَهت الْإِرْث.

6978 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، عنْ أبي رافِعٍ أنَّ سَعْداً ساوَمَهُ بَيْتاً بأرْبَعِمِائَةِ مِثْقالٍ، فَقَالَ: لوْلا أنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ الجارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ لمَا أعْطَيْتُكَ.
أَي: هَذَا حَدِيث أبي رَافع الْمَذْكُور ذكره مُخْتَصرا من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، وَأوردهُ فِي آخر كتاب الْحِيَل بأتم مِنْهُ.
سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، قيل: ذكر البُخَارِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حَدِيث أبي رَافع ليعرفك إِنَّمَا جعله النَّبِي حَقًا للشَّفِيع لقَوْله: الْجَار أَحَق بصقبه لَا يحل إِبْطَاله انْتهى. قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَن البيع وَقع وَالشَّفِيع لَا يسْتَحق إلاَّ بعد صُدُور البيع، فحينئذٍ لَا يَصح أَن، يُقَال: لَا يحل إِبْطَاله، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يلْزم أَبَا حنيفَة التَّنَاقُض لِأَنَّهُ يُوجب الشُّفْعَة للْجَار وَيَأْخُذ فِي ذَلِك بِحَدِيث: الْجَار أَحَق بصقبه، فَمن اعْتقد هَذَا وَثَبت ذَلِك عِنْده من قَضَائِهِ وتحيل بِمثل هَذِه الْحِيلَة فِي إبِْطَال شُفْعَة الْجَار فقد أبطل السّنة الَّتِي اعتقدها. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه كَلَام

(24/123)


من غير إِدْرَاك وَلَا فهم، لِأَنَّهُ لَا جَار فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الَّذِي فِيهَا الشَّرِيك فِي نفس الْمَبِيع وَالْجَار لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَلَا يسْتَحق الْجَار الشُّفْعَة إِلَّا بعده بل وَبعد الشَّرِيك فِي حق الْمَبِيع أَيْضا فَكيف يحل لهَذَا الْقَائِل أَن يفتري على هَذَا الإِمَام الَّذِي سبق إِمَامه وَإِمَام غَيره وينسب إِلَيْهِ أبطال السّنة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنِ اشْتَراى نَصِيبَ دارٍ فأرادَ أنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وهَبَ لابْنِهِ الصغيرِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ.
هَذَا أَيْضا تشنيع على الْحَنَفِيَّة. قَوْله: وهب أَي: مَا اشْتَرَاهُ لِابْنِهِ الصَّغِير وَلَا يكون عَلَيْهِ يَمِين فِي تحقق الْهِبَة، وَلَا فِي جَرَيَان شُرُوطهَا. وَقيد بالصغير لِأَن الْهِبَة لَو كَانَت للكبير وَجب عَلَيْهِ الْيَمين فتحيل إِلَى إِسْقَاطهَا بجعلها للصَّغِير، وَأَشَارَ بِالْيَمِينِ أَيْضا إِلَى أَن لَو وهب لأَجْنَبِيّ فَإِن للشَّفِيع أَن يحلف الْأَجْنَبِيّ أَن الْهِبَة حَقِيقِيَّة وَأَنَّهَا جرت بشروطها: وَالصَّغِير لَا يحلف لَكِن عِنْد الْمَالِكِيَّة: أَن أَبَاهُ الَّذِي يقبل لَهُ يحلف، وَعَن مَالك: لَا تدخل الشُّفْعَة فِي الْمَوْهُوب مُطلقًا، كَذَا ذكره فِي الْمُدَوَّنَة

15 - (بابُ احْتيالِ العامِلِ لِيُهْدَى لهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة حِيلَة الْعَامِل لأجل أَن يهدى لَهُ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْعَامِل هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى أُمُور الرجل فِي مَاله وَملكه وَعَمله وَمِنْه قيل للَّذي يسْتَخْرج الزَّكَاة: عَامل.

6979 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أَبُو أسامةَ عنْ هِشامِ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رسولُ الله رَجُلاً عَلى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعاى ابنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلمَّا جاءَ حاسَبَهُ قَالَ: هاذا مالُكُمْ وهاذا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رسولُ الله فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أبِيكَ وأُمِّكَ حتَّى تَأْتِيكَ هَدِيَّتُكَ، إنْ كُنْتَ صادِقاً ثُمَّ خَطَبَنا فَحَمِدَ الله وأثْناى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ فإنِّي أسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلى العَمَلِ مِمَّا ولاَّني الله، فَيَأتِي فَيَقُولُ: هاذا مالُكُمْ وهاذا هَدِيَّةٌ، أُهْدِيَتْ لِي، أفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟ وَالله لَا يأخُذُ أحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ إلاَّ لَقِيَ الله يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيامَةِ، فَلاَ أعْرفَنَّ أحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ الله يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَها خُوارٌ، أوْ شَاة تَيْعَرُ ثُم رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رُئِيَ بَياضُ إبِطَيْهِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ بصْرَ عَيْنِي وسَمْعَ أُذُنِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَهَذَا هَدِيَّة قَالَ الْمُهلب حِيلَة الْعَامِل ليهدى لَهُ تقع بِأَن يسامح بعض من عَلَيْهِ الْحق فَلذَلِك قَالَ: هلا جلس فِي بَيت أَبِيه وَأمه لينْظر هَل يهدى لَهُ؟ وَيُقَال: احتيال الْعَامِل هُوَ بِأَن مَا أهدي لَهُ فِي عمالته يستأثر بِهِ وَلَا يَضَعهُ فِي بَيت المَال، وهدايا الْعمَّال والأمراء هِيَ من جملَة حُقُوق الْمُسلمين.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أبي حميد بِضَم الْحَاء عبد الرحمان، وَقيل: الْمُنْذر السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي النذور عَن أبي الْيَمَان وَفِي الزَّكَاة عَن يُوسُف بن مُوسَى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الزَّكَاة.
قَوْله: ابْن اللتبيه بِضَم اللَّام وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة وياء النِّسْبَة، وَقيل: بفح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: بِالْهَمْزَةِ المضمومة بدل اللَّام واسْمه عبد الله. قَوْله: فَلَا أَعرفن نهي للمتكلم صُورَة وَفِي الْمَعْنى نهي لقَوْله: أحدا ويروى فلأعرفن أَي: وَالله لأعرفن. قَوْله: رُغَاء هُوَ صَوت ذَات الْخُف. قَوْله: تَيْعر بِالْكَسْرِ وَقيل بِالْفَتْح من اليعار بِضَم الْيَاء آخر

(24/124)


الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ صَوت الشَّاة. قَوْله: بَيَاض إبطَيْهِ ويروى بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: بصر عَيْني بِلَفْظ الْمَاضِي وَكَذَلِكَ لفظ: سمع أَي: أَبْصرت عَيْنَايَ رَسُول الله ناطقاً ورافعاً يَدَيْهِ وَسمعت كَلَامه، وَهُوَ قَول أبي حميد الرَّاوِي لَهُ. وَقَالَ عِيَاض: ضبط أَكْثَرهم بِسُكُون الصَّاد وبسكون الْمِيم وَفتح الرَّاء وَالْعين مصدرين مضافين وَهُوَ مفعول: بلغت، وَهُوَ مقول رَسُول الله

6980 - حدّثنا أبُو نُعَيْمِ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّريدِ، عنْ أبي رافِعِ قَالَ: قَالَ النبيُّ الجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ.
هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي يَأْتِي فِي آخر الْبَاب يتعلقان بِبَاب الْهِبَة وَالشُّفْعَة، فَلَا وَجه لذكرهما فِي هَذَا الْبَاب. وَمن هَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ موضعهما الْمُنَاسب قيل: بَاب احتيال الْعَامِل، لِأَنَّهُ من بَقِيَّة مسَائِل الشُّفْعَة، وتوسيط هَذَا الْبَاب بَينهمَا أَجْنَبِي، ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّه من جملَة تَصَرُّفَات النقلَة عَن الأَصْل. وَلَعَلَّه كَانَ فِي الْحَاشِيَة وَنَحْوهَا فنقلوه إِلَى غير مَكَانَهُ، وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب، وَكَذَلِكَ شَرحه.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِن اشْتَرَى دَارا بِعِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ بَأسَ أنْ يَحْتالَ حتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، ويَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ وتِسْعَمِائَةِ درْهَمٍ، وتِسْعَةً وتِسْعِينَ ويَنْقُدَهُ دِيناراً بِمَا بَقِيَ مِنَ العِشْرينَ الألْفَ، فإنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أخْذَها بِعِشْرينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، وإلاّ فَلا سَبِيلَ لهُ عَلى الدَّارِ، فإنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ رَجَعَ المُشْتَرِي عَلى البائِعِ بِما دَفَعَ إلَيْه، وهْو تِسْعَةُ آلافِ دِرْهَمِ وتِسْعُمِائَةٍ وتسْعَةٌ وتِسْعُونَ دِرْهَماً ودِينارٌ، لِأَن البَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينارِ، فإنْ وَجَدَ بِهاذِهِ الدِّارِ عَيْباً ولمْ تُسْتَحَقَّ فإنَّهُ يَرُدُّها عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: فأجازَ هَذا الخِداعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَقَالَ: قَالَ النَّبيُّ لَا داءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غائِلَةَ
هَذَا أَيْضا تشنيع بعد تشنيع بِلَا وَجه. قَوْله: إِن اشْترى دَارا أَي: أَرَادَ اشْتِرَاء دَار بِعشْرين ألف دِرْهَم. قَوْله: فَلَا بَأْس أَن يحتال أَي: على إِسْقَاط الشُّفْعَة حَتَّى يَشْتَرِي الدَّار بِعشْرين ألف دِرْهَم. قَوْله: وينقده أَي: ينْقد البَائِع تِسْعَة آلَاف دِرْهَم وَتِسْعمِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين وينقده دِينَارا بِمَا بَقِي أَي: بِمُقَابلَة مَا بَقِي من الْعشْرين الْألف، ويروى: من الْعشْرين ألفا يَعْنِي: مصارفه عَنْهَا. قَوْله: فَإِن طلب الشَّفِيع أَي: أَخذهَا بِالشُّفْعَة. قَوْله: أَخذهَا بِصِيغَة الْمَاضِي، أَي: أَخذهَا بِعشْرين ألف دِرْهَم يَعْنِي: بِثمن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ العقد. قَوْله: وإلاَّ فَلَا سَبِيل لَهُ على الدَّار يَعْنِي: وَإِن لم يرض أَخذهَا بِعشْرين ألفا فَلَا سَبِيل لَهُ على الدَّار لسُقُوط الشُّفْعَة لكَونه امْتنع من بدل الثّمن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ العقد. قَوْله: فَإِن اسْتحقَّت على صِيغَة الْمَجْهُول، يَعْنِي: إِذا ظَهرت الدَّار مُسْتَحقَّة لغير البَائِع. قَوْله: لِأَن البيع أَي: لِأَن الْمَبِيع. قَوْله: حِين اسْتحق أَي: للْغَيْر. قَوْله: انْتقض الصّرْف أَي: الَّذِي وَقع بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي الدَّار الْمَذْكُورَة بالدينار، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني أَعنِي فِي الدِّينَار، وَفِي رِوَايَة غَيره فِي الدَّار وَالْأول أوجه. قَوْله: فَإِن وجد بِهَذِهِ الدَّار أَي: الدَّار الْمَذْكُورَة عَيْبا. قَوْله: وَلم تسْتَحقّ الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَنَّهَا لم تخرج مُسْتَحقَّة فَإِنَّهُ يردهَا، أَي: الدَّار عَلَيْهِ أَي: على البَائِع بِعشْرين ألفا. قَالَ: وَهَذَا تنَاقض بيّن لِأَن الْأمة مجمعة وَأَبُو حنيفَة مَعَهم على أَن البَائِع لَا يرد فِي الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ إلاَّ مَا قبض، فَكَذَلِك الشَّفِيع لَا يشفع إلاَّ بِمَا نقد المُشْتَرِي وَمَا قَبضه من البَائِع لَا بِمَا عقد، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله: قَالَ: فَأجَاز هَذَا الخداع بَين الْمُسلمين أَي: أجَاز الْحِيلَة فِي إِيقَاع الشَّرِيك فِي الْعين إِن أَخذ الشُّفْعَة وَإِبْطَال حَقه بِسَبَب الزِّيَادَة فِي الثّمن بِاعْتِبَار العقد لَو تَركهَا، وَالضَّمِير فِي: قَالَ، يرجع إِلَى

(24/125)


البُخَارِيّ وَفِي: أجَاز إِلَى بعض النَّاس، فَإِن كَانَ مُرَاده من قَوْله: فَأجَاز، أَي: أَبُو حنيفَة فَفِيهِ سوء الْأَدَب فحاشا أَبُو حنيفَة من ذَلِك، فدينه المتين وورعه الْمُحكم يمنعهُ عَن ذَلِك. قَوْله: وَقَالَ: قَالَ النَّبِي أَي: قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ النَّبِي وَأَرَادَ بِهَذَا الحَدِيث الْمُعَلق الَّذِي مضى مَوْصُولا بأتم مِنْهُ فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع الِاسْتِدْلَال على حُرْمَة الخداع بَين الْمُسلمين فِي معاقداتهم قَوْله: لَا دَاء أَي: لَا مرض وَلَا خبثة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: لَا يكون، وَحكى الضَّم أَيْضا وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الخبثة، أَن يكون البيع غير طيب كَأَن يكون من قوم لم يحل سَبْيهمْ لعهد تقدم لَهُم، وَقَالَ ابْن التِّين: وَهَذَا فِي عهد الرَّقِيق، قيل: إِنَّمَا خصّه بذلك لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِيهِ قَوْله: وَلَا غائلة وَهُوَ أَن يَأْتِي أمرا سوءا كالتدليس وَنَحْوه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الغائلة الْهَلَاك أَي: لَا يكون فِيهِ هَلَاك مَال المُشْتَرِي، وَالْأَصْل عِنْده من يرى هَذَا الاحتيال فِي هَذِه الصُّورَة وَغَيرهَا هُوَ أَن إبِْطَال الْحُقُوق الثَّابِتَة بِالتَّرَاضِي جَائِز.

6981 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنْ سُفْيانَ، قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، أنَّ أَبَا رافِعٍ ساوَمَ سَعْدَ بنَ مالِكٍ بَيْتاً بِأرْبَعِمائَةِ مِثْقالٍ، وَقَالَ: لوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُول: الجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا أعْطَيْتُكَ.
قد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب عِنْد قَوْله: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان ... الخ، وَهُوَ بِعَين ذَلِك الحَدِيث غير أَنه أخرجه هُنَا: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَهُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم ... الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.