عمدة القاري شرح صحيح البخاري

21 - (بابٌ إذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئاً ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلاَفِهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ أحد عِنْد قوم شَيْئا ثمَّ خرج من عِنْدهم فَقَالَ بِخِلَاف مَا قَالَه. وَفِي التَّوْضِيح معنى التَّرْجَمَة إِنَّمَا هُوَ فِي خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد بن مُعَاوِيَة ورجوعهم عَن بيعَته، وَمَا قَالُوا لَهُ، وَقَالُوا بِغَيْر حَضرته خلاف مَا قَالُوا بِحَضْرَتِهِ.

7111 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ، عنْ نافِعٍ قَالَ: لمّا خَلَعَ أهْلُ

(24/208)


المَدِينَةِ يَزِيدَ بنَ مُعاوِيَةَ جَمَعَ ابنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وولَدَهُ، إنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيامَةِ وإنّا قَدْ بايَعْنا هاذَا الرَّجُلَ عَلى بَيْعِ الله ورسولهِ، وإنِّي لَا أعْلَمُ غَدْراً أعْظَمَ مِنْ أنْ يُبايَعَ رجُلٌ عَلى بَيْع الله ورسولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لهُ القِتالُ، وإنِّي لَا أعْلَمُ أحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بايَعَ فِي هاذَا الأمْرِ إلاّ كانَتِ الفَيْصَلَ بَيْني وبَيْنَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي القَوْل فِي الْغَيْبَة بِخِلَاف مَا فِي الْحُضُور نوع غدر.
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ. والْحَدِيث، مضى فِي الْجِزْيَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي الرّبيع.
قَوْله: حشمه أَي: خاصته الَّذين يغضبون لَهُ. قَوْله: لكل غادر من الْغدر وَهُوَ ترك الْوَفَاء بالعهد. قَوْله: لِوَاء أَي: راية. قَوْله: وَإِنَّا قد بَايعنَا هَذَا الرجل أَي: يزِيد. قَوْله: على بيع الله وَرَسُوله أَي: على شَرط مَا أَمر الله بِهِ من الْبيعَة. قَوْله: من أَن يُبَايع من الْمُبَايعَة وَأَصله: من الْبيعَة، وَهِي الصَّفْقَة من البيع وَذَلِكَ أَن من بَايع سُلْطَانه فقد أعطَاهُ الطَّاعَة وَأخذ مِنْهُ الْعَطِيَّة، فَأَشْبَهت البيع الَّذِي فِيهِ الْمُعَاوضَة من أَخذ وَعَطَاء. قَوْله: ثمَّ ينصب لَهُ الْقِتَال بِفَتْح أَوله وَفِي رِوَايَة مُؤَمل: نصب لَهُ الْقِتَال. قَوْله: وَلَا أعلم أحدا مِنْكُم خلعه أَي: يزِيد عَن الْخلَافَة وَلم يبايعه فِيهَا. قَوْله: وَلَا تَابع بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: هَذَا قَول الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَلَا بَايع، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف. قَوْله: إلاَّ كَانَت الفيصل إِنَّمَا أنث: كَانَت، بِاعْتِبَار الخلعة والمتابعة، ويروى: إلَّا كَانَ، بالتذكير وَهُوَ الأَصْل، والفيصل بِفَتْح الصَّاد الحاجز والفارق والقطاع، وَقيل: هُوَ بِمَعْنى الْقطع وَالْيَاء فِيهِ زَائِدَة لِأَنَّهُ من الْفَصْل، وَهُوَ الْقطع يُقَال: فصل الشَّيْء قطعه.

7112 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونسَ، حَدثنَا أبُو شِهابٍ، عنْ عَوْف عنْ أبي المِنْهالِ قَالَ: لمّا كانَ ابنُ زِيادٍ ومَرْوَانُ بالشّأْمِ ووثَبَ ابنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ ووثَبَ القُرَّاءُ بالبَصْرَةِ فانْطَلَقْتُ مَع أبي إِلَى أبي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ حتَّى دخَلْنا عَليْهِ فِي دارِهِ وهْوَ جالِسٌ فِي ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لهُ مِنْ قَصَبٍ، فَجَلَسْنا إليْهِ فأنْشَأ أبي يَسْتَطْعِمُهُ الحَدِيثَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ أَلا تَرَى مَا وقَعَ فِيهِ النَّاسُ؟ فأوَّلُ شَيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلِّمَ بِهِ: إنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ الله أنِّي أصْبَحْتُ ساخِطاً عَلى أحْياءِ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ العَرَبِ كُنْتُمْ عَلى الحالِ الّذِي عَلِمْتُمْ مِنَ الذِّلِّةِ والقِلّةِ والضَّلالَةِ، وإنَّ الله أنْقذَكُمْ بالإسْلامِ وبِمُحَمَّدٍ حتَّى بَلغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ، وهاذِهِ الدُّنْيا الّتي أفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ، إنَّ ذَاكَ الَّذِي بالشَّأْمِ وَالله إنْ يُقاتِلُ إلّا عَلى الدُّنْيا، وإنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ وَالله إنْ يُقاتِلُونَ إلاّ على الدُّنيْا.
(الحَدِيث 7112 طرفه فِي: 7271
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الَّذِي عَلَيْهِم أَبُو بَرزَة كَانُوا يظهرون أَنهم يُقَاتلُون لأجل الْقيام بِأَمْر الدّين وَنصر الْحق، وَكَانُوا فِي الْبَاطِن إِنَّمَا يُقَاتلُون لأجل الدُّنْيَا.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو شهَاب هُوَ عبد ربه بن نَافِع المدايني الحناط بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَهُوَ أَبُو شهَاب الْأَصْغَر، وعَوْف بِالْفَاءِ الْمَشْهُور بالأعرابي، وَأَبُو الْمنْهَال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون سيار بن سَلامَة.
قَوْله: لما كَانَ ابْن زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن أبي سُفْيَان الْأمَوِي بالاستلحاق، ومروان هُوَ ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ ابْن عَم عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: وثب ابْن الزبير الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وثب على الْخلَافَة عبد الله بن الزبير، ظَاهر الْكَلَام أَن وثوب ابْن الزبير وَقع بعد قيام ابْن زِيَاد ومروان بِالشَّام، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا وَقع فِي الْكَلَام حذف وتحريره مَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع عَن عَوْف قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمنْهَال قَالَ: لما كَانَ زمن خُرُوج ابْن زِيَاد يعْنى من الْبَصْرَة وثب مَرْوَان بِالشَّام ووثب ابْن الزبير بِمَكَّة ووثب الَّذين يدعونَ الْقُرَّاء بِالْبَصْرَةِ، غم أبي غماً شَدِيدا، وَتَصْحِيح مَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن شهَاب بِأَن يُزَاد

(24/209)


وَاو قبل قَوْله: وثب ابْن الزبير، بِأَن ابْن زِيَاد لما أخرج من الْبَصْرَة توجه إِلَى الشَّام فَقَامَ مَعَ مَرْوَان. قلت: فَلذَلِك وَقع الْوَاو فِي بعض النّسخ قبل قَوْله: وثب ابْن الزبير، وَوَقع فِي بعض النّسخ بِدُونِ زِيَادَة الْوَاو. فَإِن قلت: مَا جَوَاب: لما، فِي قَوْله: لما كَانَ ابْن زِيَاد ومروان بِالشَّام؟ . قلت: على عدم زِيَادَة الْوَاو هُوَ قَوْله: وثب وعَلى تَقْدِير الْوَاو يكون الْجَواب قَوْله: فَانْطَلَقت مَعَ أبي وَالْفَاء يدْخل فِي جَوَابه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} قَوْله: ووثب الْقُرَّاء بِالْبَصْرَةِ والقراء جمع قارىء وهم طَائِفَة سموا أنفسهم توابين لتوبتهم وندامتهم على ترك مساعدة الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ أَمِيرهمْ سُلَيْمَان بن صرد بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء الْخُزَاعِيّ كَانَ فَاضلا قَارِئًا عابداً، وَكَانَ دَعوَاهُم: إِنَّا، نطلب دم الْحُسَيْن وَلَا نُرِيد الإثارة، غلبوا على الْبَصْرَة ونواحيها وَهَذَا كُله عِنْد موت مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة. قَوْله: فَانْطَلَقت مَعَ أبي قَائِله أَبُو الْمنْهَال، وَأَبُو سَلامَة الريَاحي. قَوْله: إِلَى أبي بَرزَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان الرَّاء وبالزاي واسْمه نَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة الْأَسْلَمِيّ الصَّحَابِيّ غزا خُرَاسَان فَمَاتَ بهَا. قَوْله: هُوَ جَالس الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: فِي ظلّ علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا وَتَشْديد اللَّام وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي الغرفة وَيجمع على علالي وأصل علية عليوة فأبدلت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء. قَوْله: فَأَنْشَأَ أبي أَي: جعل أبي يستطعمه الحَدِيث أَي: يستفتحه وَيطْلب مِنْهُ التحديث. قَوْله: فَقَالَ: يَا با بَرزَة فحذفت الْألف للتَّخْفِيف. قَوْله: إِنِّي احتسبت عِنْد الله أَي: تقربت إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: احتسب، قيل مَعْنَاهُ أَنه يطْلب بسخطه على الطوائف الْمَذْكُورين من الله الْأجر على ذَلِك لِأَن الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله من الْإِيمَان. قَوْله: ساخطاً حَال، ويروى: لائماً. قَوْله: على أَحيَاء قُرَيْش أَي: على قبائلهم. قَوْله: إِنَّكُم معشر الْعَرَب وَفِي رِوَايَة ابْن الْمُبَارك: العريب. قَوْله: كُنْتُم على الْحَال الَّذِي علمْتُم وَفِي رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع: على الْحَال الَّتِي كُنْتُم عَلَيْهَا فِي جاهليتكم. قَوْله: حَتَّى بلغ بكم مَا ترَوْنَ أَي: من الْعِزَّة وَالْكَثْرَة وَالْهِدَايَة. قَوْله: إِن ذَاك الَّذِي بِالشَّام يَعْنِي: مَرْوَان بن الحكم وَالله إِن يُقَاتل أَي: مَا يُقَاتل إِلَّا على الدُّنْيَا
وإنَّ ذَاكَ الّذِي بِمَكَّةَ وَالله إنْ يُقاتِلُ إلاّ على الدُّنيْا، وإنَّ هاؤلاءِ الّذِين بَيْنَ أظْهرِكُمْ وَالله إنْ يُقاتِلُونَ إلاّ على الدُّنيْا.
هَذَا أَيْضا من جملَة كَلَام أبي بَرزَة، وَلَا يُوجد إلاَّ فِي بعض النّسخ. قَوْله: وَإِن ذَاك الَّذِي بِمَكَّة أَرَادَ بِهِ عبد الله بن الزبير. قَوْله: وَإِن هَؤُلَاءِ الَّذين بَين أظْهركُم أَرَادَ بهم الْقُرَّاء، توضحه رِوَايَة ابْن الْمُبَارك: إِن الَّذين حَوْلكُمْ الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم قراؤهم. قَوْله: إِن بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون بعد قَوْله: وَالله كلمة النَّفْي.

7113 - حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إياسٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ واصِلٍ الأحْدَبِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ قَالَ: إنَّ المُنافِقِينَ اليَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلى عَهْدِ النبيِّ كانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ واليَوْمَ يَجْهَرُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن جهرهم بالنفاق وَشهر السِّلَاح على النَّاس بِخِلَاف مَا بذلوه من الطَّاعَة حِين بَايعُوا أَولا.
وواصل هُوَ ابْن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْأَسدي الْكُوفِي، يُقَال لَهُ: بياع السابري، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: على عهد النَّبِي يتَعَلَّق بمقدر وَهُوَ نَحْو تاءين إِذْ لَا يجوز أَن يُقَال: هُوَ مُتَعَلق بالضمير الْقَائِم مقَام الْمُنَافِقين، إِذا الضَّمِير لَا يعْمل. قيل: إِنَّمَا كَانَ شرا لِأَن سرهم لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهم، وَقَالَ ابْن التِّين: أَرَادَ أَنهم أظهرُوا من السِّرّ مَا لم يظْهر أُولَئِكَ فَإِنَّهُم لم يصرحوا بالْكفْر، وَإِنَّمَا هُوَ التفث يلقونه بأفواههم فَكَانُوا يعْرفُونَ بِهِ.

7114 - حدّثنا خَلّادٌ، حدّثنا مِسْعَرٌ، عنْ حَبِيب بنِ أبي ثابِت، عَن أبي الشَّعْثاءِ، عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إنّما كانَ النَّفاقُ عَلى عَهْدِ النبيِّ فأمَّا اليَوْمَ فإنّما هُوَ الكُفْرُ بَعْدَ الإيمانِ.

(24/210)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُنَافِق فِي هَذَا الْيَوْم قَالَ بِكَلِمَة الْإِسْلَام بعد أَن ولد فِيهِ وعَلى فطرته، ثمَّ أظهر كفرا فَصَارَ مُرْتَدا فَدخل فِي التَّرْجَمَة من جِهَة قوليه الْمُخْتَلِفين.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وبالدال الْمُهْملَة ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي سكن مَكَّة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة ابْن كدام الْكُوفِي، وحبِيب ضد الْعَدو وَاسم أبي ثَابت قيس بن دِينَار الْكُوفِي، وَأَبُو الشعْثَاء بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة مؤنث الْأَشْعَث واسْمه سليم مصغر سلم ابْن أسود الْمحَاربي. قيل: لَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة لأبي الشعْثَاء عَن حُذَيْفَة إلاَّ هَذَا الحَدِيث مُعَنْعنًا.
قَوْله: إِنَّمَا كَانَ النِّفَاق أَي: مَوْجُودا على عهد النَّبِي قَوْله: فَأَما الْيَوْم فَإِنَّمَا هُوَ الْكفْر بعد الْإِيمَان كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة: فَإِنَّمَا هُوَ الْكفْر أَو الْإِيمَان وَكَذَا حكى الْحميدِي فِي جمعه أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. قَوْله: إِنَّمَا هُوَ الْكفْر لِأَن الْمُسلم إِذا أبطن الْكفْر صَار مُرْتَدا، هَذَا ظَاهره، لَكِن قيل: غَرَضه أَن التَّخَلُّف عَن بيعَة الإِمَام جَاهِلِيَّة، وَلَا جَاهِلِيَّة فِي الْإِسْلَام، أَو هُوَ تفرق وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وَهُوَ غير مَسْتُور الْيَوْم فَهُوَ الْكفْر بعد الْإِيمَان.

22 - (بابٌ لَا تقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَط أهْلُ القُبُورِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يغبط على صِيغَة الْمَجْهُول، الْغِبْطَة تمني مثل حَال المغبوط من غير إِرَادَة زَوَالهَا عَنهُ بِخِلَاف الْحَسَد فَإِن الْحَاسِد يتَمَنَّى زَوَال نعْمَة الْمَحْسُود. تَقول: غبطته أغبطه غبطاً وغبطة، وتغبيط أهل الْقُبُور تمني الْمَوْت عِنْد ظُهُور الْفِتَن إِنَّمَا هُوَ لخوف ذهَاب الدّين لغَلَبَة الْبَاطِل وَأَهله وَظُهُور الْمعاصِي وَالْمُنكر.

7115 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عَن أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَمُرَّ الرجُلُ بِقَبْرِ الرجلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكانَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس اسْمه عبد الله، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن قُتَيْبَة. قَوْله: يَا لَيْتَني مَكَانَهُ يَعْنِي: يَا لَيْتَني كنت مَيتا، وَقد مر الْوَجْه فِي ذَلِك الْآن. وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سَيَأْتِي عَلَيْكُم زمَان لَو وجد أحدكُم فِيهِ الْمَوْت يُبَاع لاشتراه.

23 - (بابُ تَغْيِير الزَّمانِ حتَّى يَعْبُدُوا الأوْثانَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَغْيِير الزَّمَان عَن حَاله الأول. قَوْله: حَتَّى يعبدوا الْأَوْثَان، وَسُقُوط النُّون فِيهِ من غير جازم لُغَة، ويروى: حَتَّى تعبد الْأَوْثَان، وَهُوَ جمع وثن، وَهُوَ كل مَا لَهُ جثة معمولة من جَوَاهِر الأَرْض أَو من الْخشب أَو الْحِجَارَة كصورة الْآدَمِيّ يعْمل وَينصب فيعبد، والصنم الصُّورَة بِلَا جثة، وَمِنْهُم من لم يفرق بَينهمَا.

7116 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: أَخْبرنِي أبُو هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَضْطَرِبَ أليات نِساءِ دَوْسٍ عَلى ذِي الخَلَصَةِ وَذُو الخَلَصَةِ طاغِيَةُ دَوْسٍ الّتي كانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجاهلِيَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن ذَا الخلصة اسْم صنم لدوس، وعبادتهم إِيَّاهَا من تَغْيِير الزَّمَان.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، والهري مُحَمَّد بن مُسلم. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: أَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة ويروى: إِن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: قَوْله: حَتَّى تضطرب أَي: يضْرب بَعْضهَا بَعْضًا، وَقَالَ ابْن التِّين: فِيهِ الْإِخْبَار بِأَن نسَاء دوس يركبن الدَّوَابّ من الْبلدَانِ إِلَى الصَّنَم الْمَذْكُور فَهُوَ المُرَاد باضطراب ألياتهن، والألياة بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام جمع ألية وَهِي العجيزة وَجَمعهَا أعجاز. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَعْنَاهُ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تضطرب أَي تتحرك أعجاز نِسَائِهِم من الطّواف حول ذِي الخلصة، أَي: حَتَّى يكفرن ويرجعن إِلَى عبَادَة الْأَصْنَام. قَوْله: طاغية دوس بِفَتْح الدَّال قَبيلَة أبي هُرَيْرَة

(24/211)


وَذُو الخلصة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام، وَقيل بسكونها، وَقيل بضَمهَا، وَهُوَ مَوضِع بِبِلَاد دوس كَانَ فِيهِ صنم يعبدونه اسْمه الخلصة. والطاغية الصَّنَم، وَلَفظ البُخَارِيّ يشْعر بِأَن ذَا الخلصة هِيَ الطاغية نَفسهَا إلاَّ أَن يُقَال كلمة: فِيهَا، أَو كلمة: هِيَ، محذوفة، لَكِن تقدم فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب حرق الدّور، بِأَنَّهُ بَيت فِي خثعم تسمى: كعبة اليمانية.

7117 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني سُلَيْمانُ عنْ ثَوْرٍ عنْ أبي الغَيْثِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَخْرُجَ رجُل مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النّاسَ بِعَصاهُ
انْظُر الحَدِيث 3517
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن سوق رجل من قحطان النَّاس بعصاه إِنَّمَا يكون فِي تَغْيِير الزَّمَان وتبديل أَحْوَال الْإِسْلَام، لِأَن هَذَا الرجل لَيْسَ من رَهْط الشّرف الَّذين جعل الله فيهم الْخلَافَة، وَلَا من فَخذ النُّبُوَّة، وَبِهَذَا يرد على الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي قَوْله: هَذَا لَيْسَ من تَرْجَمَة الْبَاب فِي شَيْء.
وسلميان هُوَ ابْن بِلَال، وثور بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور ابْن زيد الديلمي، وَأَبُو الْغَيْث بِفَتْح الْغَيْن وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف اسْمه سَالم والسند كلهم كوفيون.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَنَاقِب قُرَيْش. وَأخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: من قحطان هُوَ قَبيلَة وَهُوَ أَبُو الْيمن، وَقَالَ الرشاطي: قحطان بن عَابِر بن شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: يَسُوق النَّاس بعصاه كِنَايَة عَن غلبته عَلَيْهِم وانقيادهم لَهُ، وَلم يرد نفس الْعَصَا، وَقيل: إِنَّه يسوقهم بعصاه حَقِيقَة كَمَا يساق الْإِبِل والماشية لشدَّة عنفه على النَّاس.

24 - (بابُ خُرُوجِ النَّارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي خُرُوج النَّار من أَرض الْحجاز.
وَقَالَ أنسٌ: قَالَ النَّبيُّ أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ نارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. هَذَا التَّعْلِيق وَصله فِي إِسْلَام عبد الله بن سَلام من طَرِيق حميد عَن أنس، وَلَفظه: وَأول أَشْرَاط السَّاعَة فَنَار تَحْشُرهُمْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَوَصله فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، من وَجه آخر عَن حميد، والأشراط العلامات وَاحِدهَا شَرط بِفتْحَتَيْنِ، وَقَالَ ابْن التِّين: يُرِيد بقوله: أول أَشْرَاط السَّاعَة أَنَّهَا تخرج من الْيمن حَتَّى تؤديهم إِلَى بَيت الْمُقَدّس، فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تكون عشر ... فَعَدهَا وعد فِي الأولى خُرُوج الدَّجَّال، وَفِي آخِره، وَأخر ذَلِك نَار تخرج من الْيمن تطرد النَّاس إِلَى مَحْشَرهمْ، وَفِي التَّوْضِيح وَقد جَاءَ فِي حَدِيث إِن النَّار آخر أَشْرَاط السَّاعَة. قلت: يجوز أَن يُقَال: لكل وَاحِد أول لتقارب بعضه من بعض، أَو إِن الأول أَمر نسبي يُطلق على مَا بعده بِاعْتِبَار الَّذِي يَلِيهِ.

7118 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: أَخْبرنِي أبُو هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسُولَ الله قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَخْرُجَ نارٌ مِنْ أرْضِ الحِجازِ تضيءُ أعْناقَ الإبِلِ بِبُصْرَى
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله عَن قريب ذكرُوا. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: قَالَ سعيد بن الْمسيب وَفِي رِوَايَة أبي نعيم: عَن سعيد بن الْمسيب. قَوْله: نَار من أَرض الْحجاز قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة خرجت نَار بالحجاز بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ بدؤها زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد الْعَتَمَة الثَّالِث من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة، واستمرت إِلَى ضحى النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة، فسكنت وَظَهَرت النَّار بقريظة عِنْد قاع التَّنْعِيم بِطرف الْحرَّة ترى فِي صور الْبَلَد، الْعَظِيم عَلَيْهَا سور مُحِيط بهَا عَلَيْهِ شراريف كشراريف الْحُصُون وأبراج ومآذن، وَيرى رجال يَقُودُونَهَا لَا تمر على جبل إلاَّ دكته وأذابته،

(24/212)


وَيخرج من مَجْمُوع ذَلِك نهر أَحْمَر ونهر أَزْرَق لَهُ دوِي كَدَوِيِّ الرَّعْد يَأْخُذ الصخور وَالْجِبَال بَين يَدَيْهِ وَيَنْتَهِي إِلَى محط الركب الْعِرَاقِيّ، فَاجْتمع من ذَلِك ردم صَار كالجبل الْعَظِيم، وانتهت النَّار إِلَى قرب الْمَدِينَة، وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ يَأْتِي ببركة النَّبِي الْمَدِينَة نسيم بَارِد، وشوهد لهَذِهِ النَّار غليان كغليان الْبَحْر وانتهت إِلَى قَرْيَة من قرى الْيمن فأحرقتها، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لقد رَأَيْتهَا صاعدة فِي الْهَوَاء من نَحْو خَمْسَة أَيَّام من الْمَدِينَة، وَسمعت أَنَّهَا رئيت من مَكَّة وَمن جبال بصرى. وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَوَاتر الْعلم بِخُرُوج هَذِه النَّار عِنْد جَمِيع أهل الشَّام، وَقَالَ أَبُو شامة فِي ذيل الروضتين وَردت فِي أَوَائِل شعْبَان سنة أَربع وَخمسين كتب من الْمَدِينَة فِيهَا شرح أَمر عَظِيم حدث بهَا، فِيهِ تَصْدِيق لما فِي الصَّحِيحَيْنِ فَذكر هَذَا الحَدِيث. وَفِي بعض الْكتب: ظهر فِي أول جُمُعَة من جُمَادَى الْآخِرَة فِي شَرْقي الْمَدِينَة نَار عَظِيمَة، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نصف يَوْم، انفجرت من الأَرْض وسال مِنْهَا وَاد من نَار حَتَّى حَاذَى جبل أحد، وَفِي كتاب آخر: سَالَ مِنْهَا وَاد مِقْدَاره أَرْبَعَة فراسخ وَعرضه أَرْبَعَة أَمْيَال يجْرِي على وَجه الأَرْض يخرج مِنْهَا مهاد وجبال صغَار، وَفِي كتاب آخر: ظهر ضوؤها إِلَى أَن رأوها من مَكَّة. قَوْله: تضيء أَعْنَاق الْإِبِل تضيء فعل وفاعل. وأعناق الْإِبِل مَفْعُوله. وتضيء يَأْتِي لَازِما ومتعدياً. قَوْله: ببصرى بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان الصَّاد الْمُهْملَة وبالراء مَقْصُورا مَدِينَة مَعْرُوفَة، وَهِي مَدِينَة حوران بَينهَا وَبَين دمشق نَحْو ثَلَاث مراحل.

7119 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ، حَدثنَا عُقْبَةُ بنُ خالِدٍ، حَدثنَا عُبَيْدُ الله عنْ خُبَيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ جَدِّهِ حَفْصِ بنِ عاصمٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله يُوشِكُ الفُرَاتُ أنْ يحْسِرَ عنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حضَرَهُ فَلاَ يَأخُذْ مِنْهُ شَيْئاً
قَالَ عُقْبَةُ: وَحدثنَا عُبَيْدُ الله حَدثنَا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ مِثْلَهُ إلاّ أنَّهُ قَالَ: يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه ذكر عقيب الحَدِيث السَّابِق، وبنيهما مُنَاسبَة فِي كَون كل مِنْهُمَا من أَشْرَاط السَّاعَة. وَالْمُنَاسِب للشَّيْء مُنَاسِب لذَلِك الشَّيْء.
وَشَيْخه عبد الله بن سعيد هُوَ أَبُو سعيد الْأَشَج مَشْهُور بكنيته وَصفته وَهُوَ من الطَّبَقَة الْوُسْطَى الثَّالِثَة من شُيُوخ البُخَارِيّ وعاش بعد البُخَارِيّ سنة وَاحِدَة وَمَات سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَعقبَة بِالْقَافِ ابْن خَالِد الْكُوفِي، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، الْمَشْهُور بالعمري، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الرحمان بن خبيب بن يسَاف الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن سهل بن عُثْمَان عَن عقبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْمَلَاحِم وَالتِّرْمِذِيّ فِي صفة الْجنَّة جَمِيعًا عَن أبي سعيد عَن عبد الله بن سعيد بن الْأَشَج بِهِ.
قَوْله: عَن جده حَفْص بن عَاصِم أَي: ابْن عمر بن الْخطاب، وَالضَّمِير لِعبيد الله بن عمر لَا لشيخه. قَوْله: يُوشك أَي: يقرب وَهُوَ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة. قَوْله: الْفُرَات نهر مَشْهُور بِالتَّاءِ المجرورة وَقيل: يجوز أَن يكْتب بِالْهَاءِ كالتابوت والتابوه وَالْعَنْكَبُوت والعنكبوه. قَوْله: أَن يحسر بِفَتْح أَوله وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَفتحهَا أَي: ينْكَشف عَن الْكَنْز لذهاب مَائه وَهُوَ لَازم ومتعد. قَوْله: فَمن حَضَره فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا هَذَا يشْعر بِأَن الْأَخْذ مِنْهُ مُمكن بِأَن يكون دَنَانِير أَو قطعا أَو تبراً، وَلَكِن وَجه منع الْأَخْذ لِأَنَّهُ مستعقب للبليات، وَهُوَ آيَة من الْآيَات. وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا نهى عَن الْأَخْذ مِنْهُ لِأَنَّهُ للْمُسلمين فَلَا يُؤْخَذ إلاَّ بِحقِّهِ. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غير ظَاهر، وَإِنَّمَا النَّهْي لما ينشأ عَن أَخذه من الْفِتْنَة والقتال عَلَيْهِ. وَأخرج مُسلم من حَدِيث أبي بن كَعْب: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: يُوشك أَن يحسر الْفُرَات عَن جبل من ذهب، فَإِذا سمع النَّاس سَارُوا إِلَيْهِ فيقتلون عَلَيْهِ، فَيقْتل من كل مائَة تِسْعَة وَتسْعُونَ. فَإِن قلت: وَقع عِنْد ابْن مَاجَه فِيهِ: فَيقْتل من كل عشرَة تِسْعَة. قلت: هَذِه رِوَايَة شَاذَّة، وَالْمَحْفُوظ رِوَايَة مُسلم، وَيُمكن الْجمع باخْتلَاف تَقْسِيم النَّاس إِلَى طائفتين.
قَوْله: قَالَ عقبَة هُوَ ابْن

(24/213)


خَالِد الْمَذْكُور وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. حَدثنَا عبيد الله هُوَ الْعمريّ الْمَذْكُور، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لِعبيد الله الْمَذْكُور إسنادين. أَحدهمَا فِيهِ: عَن كنز من ذهب وَالْآخر: عَن جبل من ذهب، رَوَاهُ عبيد الله عَن أبي الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرحمان بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.

25 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله وَوَقع بِلَا تَرْجَمَة عِنْد جَمِيع الروَاة وَسقط من شرح ابْن بطال، وَذكر أَحَادِيثه فِي الْبَاب الَّذِي قبله.

7120 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا يَحْياى، عنْ شُعْبَةَ، حَدثنَا معْبِدٌ سَمِعْتُ حارِثَةَ بنَ وهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ تَصَدَّقُوا فَسيأتِي عَلى النَّاسِ زَمانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُها
قَالَ مُسَدَّدٌ: حارِثَةُ أخُو عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ، قالَهُ أبُو عَبْدِ الله.
انْظُر الحَدِيث 1411 وطرفه
لما كَانَ هَذَا الْبَاب الْمُجَرّد كالفصل كَانَت أَحَادِيثه مُلْحقَة بِالْبَابِ المترجم الَّذِي قبله، والمطابقة بَينهمَا ظَاهِرَة.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خَالِد بن الْعَاصِ، وحارثة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن وهب الْخُزَاعِيّ يعد فِي الْكُوفِيّين.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن عَليّ. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَغَيره.
قَوْله: فَلَا يجد من يقبلهَا لِكَثْرَة الْأَمْوَال وَقلة الرغبات للْعلم بِقرب قيام السَّاعَة وَقصر الآمال.
قَوْله: أَخُو عبيد الله لأمه هِيَ أم كُلْثُوم بنت جَرْوَل بن مَالك بن الْمسيب بن ربيعَة بن أَصْرَم الْخُزَاعِيَّة، ذكرهَا ابْن سعد قَالَ: وَكَانَ الْإِسْلَام فرق بَينهَا وَبَين عمر، قَوْله: قَالَه أَبُو عبد الله لَيْسَ بمذكور فِي أَكثر النّسخ، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.

7121 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حَدثنَا أبُو الزِّنادِ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ عَظيمَتان تَكُونُ بَيْنَهُما مَقْتَلةٌ عَظِيمةٌ، دَعْوَتُهُما واحَدَةٌ، وحتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنّهُ رسولُ الله وَحَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وتَكْثُرَ الزَّلازِلُ ويَتَقارَبَ الزَّمانُ وتَظْهَرَ الفِتَنُ ويَكْثُرَ الهَرْجُ وهْوَ القَتْلُ، وحتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المالُ، فَيَفِيضَ حتَّى يُهِمَّ ربَّ المالِ مَنْ يقْبلُ صَدَقَتَهُ، وحتَّى يَعْرِضَهُ فَيقُولُ الّذِي يَعْرِضُهُ عَليْهِ: لَا أرَبَ لي بِهِ، وحتَّى يَتَطاوَلَ النَّاسُ فِي البُنْيانِ، وحتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي مَكانهُ، وحتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها، فإذَا اطَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ يَعْني آمَنُوا أجْمَعُونَ فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ فِي إيمانِها خَيْراً، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُما بَيْنَهُما فَلاَ يَتَبايَعانِهِ وَلَا يَطْوِيانِهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُل بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وهْوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلا يَسْقى فِيهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ رَفَعَ أُكْلتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُها.
هَذَا الْإِسْنَاد بهؤلاء الرِّجَال قد تكَرر جدّاً قرباً وبعداً.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرحمان هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: فئتان عظيمتان قَالَ الْكرْمَانِي: طَائِفَتَانِ: عَليّ وَمُعَاوِيَة، وَعَن ابْن مَنْدَه أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة من طَرِيقه، ثمَّ من طَرِيق أبي الْقَاسِم ابْن أخي

(24/214)


أبي زرْعَة الرَّازِيّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمي فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أبْغض مُعَاوِيَة، قَالَ: لم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَاتل عليّاً بِغَيْر حق، فَقَالَ لَهُ أَبُو زرْعَة: رب مُعَاوِيَة رب رَحِيم وخصم مُعَاوِيَة خصم كريم فَمَا دخولك بَينهمَا؟ وَقيل: الفئتان الْخَوَارِج وَعلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: دعوتهما وَاحِدَة أَي: يدعيان الْإِسْلَام ويتأول كل مِنْهُمَا أَنه محق. قَوْله: حَتَّى يبْعَث أَي: حَتَّى يظْهر دجالون جمع دجال أَي خلاطون بَين الْحق وَالْبَاطِل مموهون، وَالْفرق بَينهم وَبَين الدَّجَّال الْأَكْبَر أَنهم يدعونَ النُّبُوَّة وَهُوَ يَدعِي الإلاهية لكِنهمْ كلهم مشتركون فِي التمويه وادعاء الْبَاطِل الْعَظِيم، وَقد وجد كثير مِنْهُم فضحهم الله وأهلكهم. قَوْله: قريب مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: عَددهمْ قريب. قَالَ الْكرْمَانِي: أَو مَنْصُوب مَكْتُوب بِلَا ألف على اللُّغَة الربيعية، وَقد وَقع فِي حَدِيث ثَوْبَان بِالْجَزْمِ: أَنهم ثَلَاثُونَ، وَهُوَ: سَيكون فِي أمتِي كذابون ثَلَاثُونَ، كلهم يزْعم أَنه نَبِي وَأَنا خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعدِي. أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى أَبُو يعلى من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: بَين يَدي السَّاعَة ثَلَاثُونَ دجالًا كذابا، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وروى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سَمُرَة الْمصدر بالكسوف، وَفِيه: وَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ كذابا آخِرهم الْأَعْوَر الدَّجَّال، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر وَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج سَبْعُونَ كذابا، وَسَنَده ضَعِيف، وَكَذَا عَن أبي يعلى من حَدِيث أنس، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف، وَهُوَ وَإِن ثَبت فَمَحْمُول على الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة لَا على التَّحْدِيد. وروى أَحْمد بِسَنَد جيد عَن حُذَيْفَة: يكون فِي أمتِي دجالون كذابون سَبْعَة وَعِشْرُونَ، مِنْهُم أَربع نسْوَة وَإِنِّي خَاتم النَّبِيين وَلَا نَبِي بعدِي. قَوْله: وَكلهمْ يزْعم أَنه رَسُول الله ظَاهره يدل على أَن كلاًّ مِنْهُم يَدعِي النُّبُوَّة، وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي قَوْله: وَيقبض الْعلم يَعْنِي: يقبض الْعلمَاء، وَقد تقدم فِي كتاب الْعلم: من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يرفع الْعلم، وَفِي رِوَايَة: أَن يقل الْعلم. قَوْله: وتكثر الزلازل وَقد استمرت الزلزلة فِي بَلْدَة من بِلَاد الرّوم الَّتِي هِيَ للْمُسلمين ثَلَاثَة عشر شهرا. قَوْله: ويتقارب الزَّمَان أَي: أَهله بِأَن يكون كلهم جُهَّالًا، وَيحْتَمل الْحمل على الْحَقِيقَة بِأَن يعتدل اللَّيْل وَالنَّهَار دَائِما، وَذَلِكَ بِأَن تنطبق منْطقَة البروج على معدل النَّهَار. قَوْله: حَتَّى يكثر فِيكُم المَال إِشَارَة إِلَى مَا وَقع من الْفتُوح واقتسامهم أَمْوَال الْفرس وَالروم فِي زمن الصَّحَابَة. قَوْله: فيفيض من الفيضان وَهُوَ أَن يكثر حَتَّى يسيل كالوادي، وَهَذَا إِشَارَة إِلَى مَا وَقع فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز لِأَنَّهُ وَقع فِي زَمَنه أَن الرجل كَانَ يعرض مَاله للصدقة فَلَا يجد من يقبل صدقته. قَوْله: حَتَّى يهم بِضَم الْيَاء وَكسر الْهَاء قَالَ ابْن بطال: رب هُوَ مفعول، و: من يقبل، فَاعله، ويهمه أَي: يحزنهُ. وَقَالَ النَّوَوِيّ بِضَم الْيَاء وَكسر الْهَاء وبفتح الْيَاء وَضم الْهَاء وحينئذٍ يكون: رب، فَاعِلا. أَي: يَقْصِدهُ. قَوْله: من يقبل قَالَ الْكرْمَانِي: ظَاهره أَن يُقَال من لَا يقبل. قلت: يُرِيد بِهِ من شَأْنه أَن يكون قَابلا لَهَا قَوْله: لَا أرب بِفتْحَتَيْنِ أَي: لَا حَاجَة لي بِهِ، وَهَذَا إِشَارَة إِلَى مَا سيقع فِي زمن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: بِهِ للْمُبَالَغَة. قَوْله: لقحته بِكَسْر اللَّام الْقَرِيبَة الْعَهْد بِالْولادَةِ والناقة الحلوب. قَوْله: فَلَا يطعمهُ أَي: فَلَا يشربه. قَوْله: هُوَ يليط يُقَال لَاطَ ويليط إِذْ طينه وَأَصْلحهُ وألصقه. يُقَال: لَاطَ حبه بقلبي يليط ويلوط ليطاً ولوطاً ولياطة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: لطت الْحَوْض بالطين ألواطه لوطاً أَي: طينته. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: كل شَيْء لصق بِشَيْء فقد لَاطَ بِهِ يلوط لوطاً ويليط أَيْضا. قَوْله: أَكلته بِضَم الْهمزَة وَهِي اللُّقْمَة، وَبِفَتْحِهَا الْمرة الْوَاحِدَة. إِلَى فِيهِ أَي: إِلَى فَمه.

26 - (بابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر الدَّجَّال، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

7122 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، حَدثنَا إسْماعِيلُ، حدّثني قيْسٌ قَالَ: قَالَ لي المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ: مَا سَأَلَ أحَدٌ النبيَّ عنِ الدَّجَّالِ مَا سألْتهُ، وإنَّهُ قَالَ لي: مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ؟ قُلْتُ لأنّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ مَعَه جَبَلَ خُبْزٍ ونَهَرَ ماءٍ، قَالَ: هُوَ أهْوَنُ عَلى الله مِنْ ذالِكَ.

(24/215)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن شهَاب بن عباد وَآخَرين: وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.
قَوْله: الدَّجَّال قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ شخص بِعَيْنِه ابتلى الله عباده بِهِ وأقدره على أَشْيَاء من مقدورات الله تعال من إحْيَاء الْمَيِّت وَاتِّبَاع كنوز الأَرْض وإمطار السَّمَاء وإنبات الأَرْض بأَمْره، ثمَّ يعجزه الله عز وَجل بعد ذَلِك فَلَا يقدر على شَيْء من ذَلِك، وَهُوَ يكون مُدعيًا للإلاهية وَهُوَ فِي نفس دَعْوَاهُ مكذب لَهَا بِصُورَة حَاله من انتقاصه بالعور وعجزه عَن إِزَالَته عَن نَفسه وَعَن إِزَالَة الشَّاهِد بِكُفْرِهِ الْمَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ. فَإِن قلت: إِظْهَار المعجزة على يَد الْكذَّاب لَيْسَ يُمكن. قلت: إِنَّه يَدعِي الإلاهية واستحالته ظَاهِرَة فَلَا مَحْذُور فِيهِ، بِخِلَاف مدعي النُّبُوَّة فَإِنَّهَا مُمكنَة، فَلَو أَتَى الْكَاذِب فِيهَا بمعجزة لالتبس النَّبِي بالمتنبي. وَفَائِدَة تَمْكِينه من هَذِه الخوارق امتحان الْعباد. قَوْله: وَإنَّهُ أَي وَإِن النَّبِي، قَالَ لي: مَا يَضرك مِنْهُ أَي: من الدَّجَّال. قَوْله: لأَنهم أَي: لِأَن النَّاس، ويروى: أَنهم، وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مُتَعَلق بمقدر يُنَاسب الْمقَام، وَقدر بَعضهم الخشية مِنْهُ مثلا، وَفِيه تَأمل. قَوْله: جبل وَفِي رِوَايَة مُسلم: مَعَه جبال من خبز وَلحم قَوْله: ونهر بِسُكُون الْهَاء وَفتحهَا. قَوْله: هُوَ أَهْون على الله من ذَلِك قَالَ القَاضِي: هُوَ أَهْون على الله من أَن يَجْعَل ذَلِك سَببا لضلال الْمُؤمنِينَ، بل هُوَ لِيَزْدَادَ الَّذين آمنُوا إِيمَانًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ مَعَه شَيْء من ذَلِك.

7123 - حدّثنا مُوساى بنُ إسماعِيلُ، حدّثنا وُهَيْبٌ، حدّثنا أيُّوبَ، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ أراهُ عنِ النبيِّ قَالَ: أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْناى كأنَّها عِنَبَةٌ طافِيَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
قَوْله: أرَاهُ بِضَم الْهمزَة الْقَائِل بِهِ هُوَ البُخَارِيّ، وَقد سقط قَوْله: أرَاهُ إِلَى آخِره فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَأبي زيد الْمروزِي وَأبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ، فَصَارَت صورته مَوْقُوفَة وَبِذَلِك جزم الْإِسْمَاعِيلِيّ. والْحَدِيث فِي الأَصْل مَرْفُوع فقد أخرجه مُسلم من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب فَقَالَ فِيهِ: عَن النَّبِي، قَوْله: أَعور الْعين الْيُمْنَى أَي: أَعور عين الْجِهَة الْيُمْنَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَعور عين الْيُمْنَى، بِلَا ألف وَلَام. قَوْله: طافئة بِالْهَمْزَةِ وَهِي الَّتِي ذهب نورها، وَبلا همزَة: الناتئة الشاخصة.

7124 - حدّثنا سَعْدُ بنُ حَفصٍ، حدّثنا شَيْبانُ، عنْ يَحْياى، عنْ إسْحاقَ بنِ عبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، قَالَ النبيُّ يَجِىءُ الدَّجَالُ حتَّى يَنْزِلَ فِي ناحِيَةَ المَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجِفُ المَدِينَةُ ثَلاَثَ رجَفاتٍ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ كلُّ كافِرٍ ومُنافِق.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي، وشيبان هُوَ أَبُو مُعَاوِيَة النَّحْوِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: حَتَّى ينزل فِي نَاحيَة الْمَدِينَة وَيَأْتِي عَن قريب بعد بَاب: ينزل بعض السباخ الَّتِي تلِي الْمَدِينَة، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن إِسْحَاق عَن أنس: فَيَأْتِي سبخَة الجرف، فَيضْرب رواقه فَيخرج إِلَيْهِ كل مُنَافِق وَمُنَافِقَة، والجرف بِضَم الْجِيم وَالرَّاء وبالفاء مَكَان بطرِيق الْمَدِينَة من جِهَة الشَّام على ميل، وَقيل: ثَلَاثَة أَمْيَال، والرواق الْفسْطَاط، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي أُمَامَة. ينزل عِنْد الطَّرِيق الْأَحْمَر عِنْد مُنْقَطع السبخة قَوْله: ثمَّ ترجف الْمَدِينَة ويروى: فترجف الْمَدِينَة، وَهُوَ أوجه، وَمَعْنَاهُ: تتحرك الْمَدِينَة ويضطرب أَهلهَا. قَوْله: فَيخرج إِلَيْهِ أَي: إِلَى الدَّجَّال كل كَافِر ومنافق قلت: الَّذِي يظْهر لي أَن المُرَاد بالكافر غلاة الروافض، لأَنهم كفرة، وَفِي الْمَدِينَة رفضة، وَفِي حَدِيث محجن بن الأدرع عِنْد أَحْمد وَالْحَاكِم: فَلَا يبْقى مُنَافِق وَلَا منافقة وَلَا فَاسق وَلَا فاسقة إِلَّا خرج إِلَيْهِ.

07125 - حدّثنا عبدُ الْعَزِيز بنُ عبد الله، حدّثنا إبراهيمُ بنُ سعد، عَن أبيهِ عَن جدِّهِ، عَن أبي بكرةَ عَن النبيّ قَالَ: لَا يدخُلُ المدينةَ رُعبُ الْمَسِيح الدّجال، وَلها يومئذٍ

(24/216)


سَبْعَة أبوابٍ عَلى كُلِّ بابٍ مَلَكان
انْظُر الحَدِيث 1879 وطرفه

7126 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حدّثنا مِسْعَرٌ، حدّثنا سَعْدُ بنُ إبْرَاهِيمَ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي بَكْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيح، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أبْوَابٍ عَلى كُلِّ بابٍ مَلَكانِ.
قَالَ: وَقَالَ ابنُ إسْحاق عنْ صَالِحٍ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ فَقَالَ لي أبُو بَكْرَة، سَمِعْتُ النبيَّ بِهاذا.
انْظُر الحَدِيث 1879 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي، ومسعر بِكَسْر الْمِيم ابْن كدام الْكُوفِي، وَسعد بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن أبي بكرَة نفيع الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَهَذَا ثَبت للمستملي وَحده، وَسقط للْكُلّ غَيره.
قَوْله: رعب بِضَم الرَّاء وَالْعين وبكسون الثَّانِي وَهُوَ الْفَزع.
قَوْله: وَقَالَ ابْن إِسْحَاق أَي: مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي روى عَنهُ مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن عبد الرحمان بن عَوْف وَهُوَ أَخُو سعد بن إِبْرَاهِيم. وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق ثُبُوت لِقَاء إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف لأبي بكرَة لِأَن إِبْرَاهِيم مدنِي وَقد تستنكر رِوَايَته عَن أبي بكرَة. لِأَنَّهُ نزل الْبَصْرَة على عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى أَن مَاتَ، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بِهَذَا السَّنَد. قَوْله: بِهَذَا أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور.

7127 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا إبْرَاهِيمُ، عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاسِ، فأثْنى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيَ إلاّ وقَدْ أنْذَرَهُ قَوْمَهُ، ولَكِنِّي سأقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: إنَّهُ أعْوَرُ وإنَّ الله لَيْسَ بِأعْوَرَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: وَمَا من نَبِي إلاَّ وَقد أنذره قومه زَاد فِي رِوَايَة معمر: لقد أنذره نوح قومه، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: لم يكن نَبِي بعد نوح إلاَّ وَقد أنذر قومه الدَّجَّال. فَإِن قلت: هَذَا مُشكل لِأَن الْأَحَادِيث قد ثبتَتْ أَنه يخرج بعد أُمُور ذكرت، وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، يقْتله بعد أَن ينزل من السَّمَاء فَيحكم بالشريعة المحمدية. قلت: كَانَ وَقت خُرُوجه أُخْفِي عَن نوح وَمن بعده فكأنهم أنذروا بِهِ وَلم يذكر لَهُم وَقت خُرُوجه، فحذروا قَومهمْ من فتنته. قَوْله: إِنَّه أَعور إِنَّمَا اقْتصر على هَذَا مَعَ أَن أَدِلَّة الْحُدُوث فِي الدَّجَّال ظَاهِرَة، لَكِن العور أثر محسوس يُدْرِكهُ الْعَالم والعامي وَمن لَا يَهْتَدِي إِلَى الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة، فَإِذا ادّعى الربوبية وَهُوَ نَاقص الْخلقَة، والإلاه يتعالى عَن النَّقْص، علم أَنه كَذَّاب.

7128 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سالِمٍ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنما أَنا نائمٌ أطُوفُ بالكَعْبَةِ، فإذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أوْ يُهَراقُ رأسُهُ مَاء قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ، ألْتَفِتُ فإذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأسِ، أعْوَرُ العَيْنِ، كَأَن عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ، قالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً، ابنُ قَطَنٍ رجُلٌ مِنْ خُزاعَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا قد مضى فِي كتاب التَّعْبِير فِي: بَاب الطّواف بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فَليرْجع إِلَيْهِ،

(24/217)


لِأَن الْمسَافَة قريبَة.

7129 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُرْوَةَ أنَّ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَسْتَعيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم وَصَالح وَابْن شهَاب قد مروا الْآن. والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب الدُّعَاء قبل السَّلَام، قبيل كتاب الْجُمُعَة مطولا.

7130 - حدّثنا عَبْدَانُ، أَخْبرنِي أبي، عنْ شُعْبَةَ، عنْ عَبْدِ المَلِكِ، عنْ رِبْعِيَ، عنْ حُذَيْفَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الدَّجَّالِ: إنَّ مَعَهُ مَاء وَنَارًا فَنارُهُ ماءٌ بارِدٌ وماؤُهُ نارٌ قَالَ أبُو مَسْعُودٍ: أَنا سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله
انْظُر الحَدِيث 3450
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن أَبِيه عُثْمَان بن جبلة بن أبي رواد بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْوَاو، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة اسْم بِلَفْظ النِّسْبَة وَهُوَ ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة، وَحُذَيْفَة هُوَ ابْن الْيَمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَذَا ذكره شُعْبَة مُخْتَصرا، وَقد تقدم فِي أول ذكر بني إِسْرَائِيل من طَرِيق أبي عوَانَة عَن عبد الْملك عَن ربعي إِلَى آخِره.
قَوْله: قَالَ فِي الدَّجَّال أَي: فِي شَأْنه وحكايته. قَوْله: فناره مَاء قيل: النَّار كَيفَ تكون مَاء وهما حقيقتان مُخْتَلِفَتَانِ؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ مَا صورته نعْمَة وَرَحْمَة فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ لمن مَال إِلَيْهِ نقمة ومحنة، وَبِالْعَكْسِ. وَأَبُو مَسْعُود هُوَ عقبَة بن عَمْرو البدري الْأنْصَارِيّ.

7131 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حَدثنَا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ، عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ مَا بُعِثَ نَبِي إلاّ أنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَر الكَذَّابَ، ألاَ إنّهُ أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأعْوَر، وإنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كافِرٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن أبي مُوسَى وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ.
قَوْله: أَلا أَنه أَعور بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام المخففة لِأَنَّهُ حرف التَّنْبِيه. قَوْله: وَإِن بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب: كَافِر كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ويروى: مَكْتُوبًا كَافِرًا. قَالَ بَعضهم: وَلَا إِشْكَال فِيهِ لِأَنَّهُ إِمَّا اسْم: إِن، وَإِمَّا حَال. قلت: نعم مَكْتُوبًا نصب على أَنه اسْم إِن، وَأما قَوْله: وَإِمَّا حَال، فَغير صَحِيح بل قَوْله: كَافِرًا عمل فِيهِ مَكْتُوبًا وَأما إِعْرَاب الأول فَهُوَ إِن اسْم إِن مَحْذُوف: ومكتوب كَافِر، فِي مَوضِع الْخَبَر وَالتَّقْدِير: وَإنَّهُ أَي: وَإِن الدَّجَّال بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب كَافِر، وَكَافِر أما حُرُوف هجائه هِيَ الْمَكْتُوبَة غير مقطعَة وَأما الْمَكْتُوب وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة: مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ.
فِيهِ أبُو هُرَيْرَةَ وابنُ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ أَي: فِي هَذَا الْبَاب يدْخل أَبُو هُرَيْرَة أَي: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فقد تقدم فِي تَرْجَمَة نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ النَّبِي أَلا أحدثكُم حَدِيثا عَن الدَّجَّال، مَا حدث بِهِ نَبِي قومه؟ إِنَّه أَعور ... الحَدِيث، وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَهُوَ مَا تقدم فِي الْمَلَائِكَة من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس فِي ذكر صفة مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام. وَذكر أَنه رأى الدَّجَّال.

27 - (بابٌ لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ)

(24/218)


أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: لَا يدْخل الدَّجَّال الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة.

7132 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: حَدثنَا رسولُ الله يَوْماً حَدِيثاً طَوِيلاً عنِ الدَّجَّالِ فَكانَ فِيما يُحَدِّثُنا بِهِ أنّه قَالَ: يَأتي الدَّجَّالُ وهْوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أنْ يَدْخُلَ نِقابَ المدَيِنَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّباخِ الّتِي تَلِي المَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وهْوَ خَيْرُ النَّاسِ أوْ: مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنّكَ الدَّجَّالُ الّذِي حدّثنا رسولُ الله حَديثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَال: أرَأيْتُمْ إنْ قَتلْتُ هاذَا ثُمَّ أحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَالله مَا كُنْتُ فِيكَ أشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أنْ يَقْتُلَهُ فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ
انْظُر الحَدِيث 1882
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَهُوَ محرم عَلَيْهِ أَن يدْخل نقاب الْمَدِينَة
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك. والْحَدِيث قد مضى فِي آخر الْحَج فِي بَاب من أَبْوَاب حرم الْمَدِينَة، فَقَالَ: لَا يدْخل الدَّجَّال الْمَدِينَة، وَذكر فِيهِ أَحَادِيث مِنْهَا هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه.
أخرجه عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: نقاب الْمَدِينَة جمع نقب وَهُوَ الطَّرِيق بَين الجبلين، وَقيل: هُوَ بقْعَة بِعَينهَا. قَوْله: فَيخرج إِلَيْهِ رجل قيل هُوَ الْخضر، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: مَا كنت فِيك أَشد بَصِيرَة لِأَن رَسُول الله، أخبر بِأَن ذَلِك من جملَة علاماته. قَوْله: فَلَا يُسَلط عَلَيْهِ أَي: لَا يقدر على قَتله، بِأَن لَا يخلق الْقطع فِي السَّيْف، وَيجْعَل بدنه كالنحاس مثلا أَو غير ذَلِك.

7133 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عنْ مالِكٍ، عنْ نُعَيمِ بنِ عبْدِ الله المُجْمِرِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى أنْقابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لَا يَدْخُلُها الطّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ
انْظُر الحَدِيث 1880 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ونعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة مصغر نعم ابْن عبد الله المجمر، على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإجمار بِالْجِيم وَالرَّاء هُوَ صفة نعيم لَا صفة عبد الله.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق.
قَوْله: على أنقاب الْمَدِينَة الأنقاب جمع الْقلَّة، والنقاب جمع الْكَثْرَة. وَقد مر الْكَلَام فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

7134 - حدّثنا يَحْياى بنُ مُوسَى، حدّثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ، أخبرنَا شُعْبَةُ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: المَدِينَةُ يأتِيها الدَّجَّالُ فَيَجِدُ المَلاَئِكَةَ يَحرُسُونَها، فَلاَ يَقْرَبُها الدَّجالِ، قَالَ: وَلَا الطَّاعُونُ إنْ شاءَ الله

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه أَبُو زَكَرِيَّا السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي يُقَال لَهُ خت.
وَحَدِيث أنس مضى فِي الْبَاب الْمَذْكُور بأتم مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ فَلَا يقربهَا إِلَى آخِره.
قَوْله: يحرسونها أَي: يحفظونها، وروى أَحْمد وَالْحَاكِم من حَدِيث محجن بن الأذرع: لَا يدخلهَا الدَّجَّال إِن شَاءَ الله، كلما أَرَادَ دُخُولهَا تَلقاهُ بِكُل نقب من نقابها ملك مصلت سَيْفه يمنعهُ عَنْهَا، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله: على كل نقب ملكان، بِأَن سيف أَحدهمَا مسلول وَالْآخر بغلافه فَلَا يقربهَا أَي الدَّجَّال. قَوْله: إِن شَاءَ الله قيل: هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُحْتَمل للتعليق، ومحتمل للتبرك وَهُوَ أولى، وَقيل: إِنَّه يتَعَلَّق بالطاعون وَفِيه نظر، وَحَدِيث محجن الْمَذْكُور الْآن يُؤَيّد أَنه لكل مِنْهُمَا.

28 - (بابُ يأجُوجَ ومأجُوجَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَمضى الْكَلَام فيهمَا فِي تَرْجَمَة ذِي القرنين من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام.

(24/219)


7135 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عَن الزُّهْرِيِّ. ح وَحدثنَا إسْماعيِلُ، حدّثني أخِي، عنُ سُلَيْمانَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبي عَتِيقٍ عنِ ابنِ شِهاب عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبي سَلَمَة حدَّثَتْهُ عنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبي سُفْيانَ، عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ أنَّ رسولَ الله دَخَلَ عَلَيْها يَوْماً فَزِعاً يَقُولُ: لَا إلاهَ إِلَّا الله ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرَ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ ردْمِ يأجُوجَ ومأجُوجَ مِثْلُ هاذِهِ وحَلّقَ بإصْبَعَيْهِ الإبْهامِ والّتِي تَليها، قالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رسُولَ الله أفَنَهْلِكُ وفِينا الصَّالِحُون؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة وَالْآخر: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَتيق مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن أبي بكر.
وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل الْفِتَن فِي: بَاب ويل للْعَرَب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَوْله: فَزعًا أَي: خَائفًا مضطرباً. قيل: قد تقدم فِي أول كتاب الْفِتَن أَنَّهَا قَالَت: اسْتَيْقَظَ النَّبِي من النّوم يَقُول: لَا إلاه إِلَّا الله. وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة لجَوَاز تكْرَار ذَلِك القَوْل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وخصص الْعَرَب بِالذكر لِأَن شرهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا أَكثر مَا وَقع بِبَغْدَاد من قَتلهمْ الْخَلِيفَة. انْتهى. قلت: لم تقتل الْخَلِيفَة العربُ وَإِنَّمَا قَتله هولاكو من أَوْلَاد جنكيزخان، والخليفة هُوَ المستعصم بِاللَّه، وَكَانَ قَتله فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة. قَوْله: من ردم هُوَ السد الَّذِي بناه ذُو القرنين. قَوْله: أفنهلك؟ بِكَسْر اللَّام. قَوْله: الْخبث بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْفسق وَقيل: هُوَ الزِّنَى خَاصَّة.

حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا وُهَيْبٌ، حدّثنا، ابنُ طاوُسٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: يُفْتَحُ الرَّدْمُ ردْمُ يأجُوجَ ومأجُوجَ مِثْلَ هاذِهِ وعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ
انْظُر الحَدِيث 3347
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب بن خَالِد عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَعَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: وَعقد وهيب تسعين قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ هَاهُنَا: عقد وهيب تسعين، وَفِي أول الْفِتَن: عقد سُفْيَان، وَفِي الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب ذِي القرنين: وَعقد، أَي: رَسُول الله قلت: لَا مَانع للْجمع بِأَن عقد كلهم، وَأما عقده فَهُوَ تحليق الْإِبْهَام والمسبحة بِوَضْع خَاص يعرفهُ الْحساب. انْتهى. قلت: قد شرحنا ذَلِك فِيمَا مضى فِي الْفِتَن فَليرْجع إِلَيْهِ، وَالله أعلم.