عمدة القاري شرح صحيح البخاري

12 - (بابُ الحاكِمِ يَحْكُمُ بِالقَتْلِ عَلى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الإِمَام الّذِي فَوْقَهُ)

أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله: الْحَاكِم ... إِلَى آخِره، فَقَوله: الْحَاكِم مَرْفُوع على الِابْتِدَاء، وَقَوله: يحكم بِالْقَتْلِ خَبره وَلَيْسَ لفظ الْبَاب مُضَافا إِلَى الْحَاكِم، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الْمَجْمُوعَة لَا يُقيم الْحُدُود فِي الْقَتْل وُلَاة الْمِيَاه ليجلب إِلَى الْأَمْصَار، وَلَا يُقَام الْقَتْل بِمصْر كلهَا إلاَّ بالفسطاط، أَو يكْتب إِلَى وَالِي الْفسْطَاط بذلك. وَقَالَ أَشهب: من ولاه الْأَمِير وَجعله والياً على بعض الْمِيَاه وَجعل ذَلِك إِلَيْهِ فَليقمْ الْحَد فِي الْقَتْل وَالْقطع وَغير ذَلِك، وَإِن لم يَجعله إِلَيْهِ فَلَا يقيمه. وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن أَصْحَابنَا الْكُوفِيّين قَالَ: لَا يُقيم الْحُدُود إلاَّ أُمَرَاء الْأَمْصَار وحكامها، وَلَا يقيمها عَامل السوَاد وَنَحْوه. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا كَانَ الْوَالِي عدلا يضع الصَّدَقَة موَاضعهَا فَلهُ عُقُوبَة من غل الصَّدَقَة، وَإِن لم يكن عدلا فَلهُ أَن يعزره.

7155 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ الذُّهْلِيُّ، حدّثنا الأنْصارِيُّ مُحَمَّدٌ، حدّثنا أبي عنْ ثُمامَةَ، عنْ أنَسٍ أنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَي النبيِّ بِمَنْزِلَةِ صاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأمِيرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَن قيس بن سعد لما قدم رَسُول الله كَانَ فِي تعديته وَينفذ فِي أُمُوره وَيدخل فِي التَّرْجَمَة وَإِن كَانَ لَا يخلي عَن النّظر.
وَمُحَمّد بن خَالِد هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس الذهلي وَقد ذكرنَا غير مرّة عَن الكلاباذي وَغَيره أخرج عَن مُحَمَّد هَذَا فَلم يُصَرح بِهِ فَتَارَة يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد، وَتارَة: مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَتارَة: مُحَمَّد بن خَالِد، فينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَقد ذكر السَّبَب فِيهِ، والأنصاري هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَوَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ مُحَمَّد، فَقدم النِّسْبَة على الِاسْم وَلم يسم أَبَاهُ، وَأَبوهُ عبد الله بن الْمثنى عَن عبد الله بن أنس، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم هُوَ عَم أَبِيه وَهُوَ ابْن عبد الله بن أنس بن مَالك، وَقد أخرج البُخَارِيّ عَن الْأنْصَارِيّ بِلَا وَاسِطَة عدَّة أَحَادِيث فِي الزَّكَاة وَالْقصاص وَغَيرهمَا، وروى عَنهُ بِوَاسِطَة فِي عدَّة مَوَاضِع فِي الاسْتِسْقَاء وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا وَغَيرهَا.
قَوْله: أَن قيس بن سعد زَاد فِي رِوَايَة الْمروزِي: ابْن عبَادَة وَهُوَ الْأنْصَارِيّ الخزرجي الَّذِي كَانَ وَالِده رَئِيس الْخَزْرَج. قَوْله: كَانَ يكون بَين يَدي النَّبِي وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَائِدَة تكْرَار الْكَوْن بَيَان الِاسْتِمْرَار والدوام، وَقَالَ بَعضهم بعد أَن نقل هَذَا الْكَلَام عَن الْكرْمَانِي: قد وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان والإسماعيلي وَأبي نعيم وَغَيرهم من طرق عَن الْأنْصَارِيّ بِلَفْظ: كَانَ قيس بن سعد بَين يَدي النَّبِي قَالَ: فَظهر أَن ذَلِك من تصرف الروَاة. انْتهى. قلت: غَرَضه الغمز على الْكرْمَانِي لِأَن مَا قَالَه الْكرْمَانِي أولى وَأحسن من نِسْبَة هَذَا إِلَى تصرف الروَاة، وَلَيْسَ للرواة إلاَّ نقل مَا حفظوه من الْأَحَادِيث، وَلَيْسَ لَهُم أَن يتصرفوا فِيهَا من عِنْد أنفسهم، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَمن ذكر مَعَه بِلَفْظ: كَانَ قيس بن سعد، لَا يسْتَلْزم نفي رِوَايَة: كَانَ يكون،

(24/232)


وكل مِنْهُم لَا يروي إِلَّا مَا حفظه. قَوْله: صَاحب الشَّرْط بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء جمع شرطة وهم أول الْجَيْش سموا بذلك لأَنهم أعلمُوا أنفسهم بعلامات والأشراط الْأَعْلَام، وَصَاحب الشَّرْط مَعْنَاهُ العلامات يعرف بهَا، الْوَاحِد شرطة وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا شرطي بِضَمَّتَيْنِ، وَقد تفتح الرَّاء. وَقيل: المُرَاد بِصَاحِب الشرطة كَبِيرهمْ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: شرطة كل شَيْء خِيَاره، وَمِنْه الشرطة لأَنهم نخبة الْجند. وَقيل: سموا بذلك لأَنهم أعدُّوا أنفسهم لذَلِك، يُقَال: أشرط فلَان نَفسه لأمر كَذَا إِذا أعدهَا، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَقيل: مَأْخُوذ من الشريط وَهُوَ الْحَبل المبرم لما فيهم من الشدَّة.
وَفِي الحَدِيث: تَشْبِيه مَا مضى بِمَا حدث بعده، لِأَن صَاحب الشرطة لم يكن مَوْجُودا فِي الْعَهْد النَّبَوِيّ عِنْد أحد من الْعمَّال، وَإِنَّمَا حدث فِي دولة بني أُميَّة، فَأَرَادَ أنس بن مَالك تقريب حَال قيس بن سعد عِنْد السامعين فشبهه بِمَا يعهدونه.

7156 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا يَحْياى عنْ قُرَّةَ، حدّثني حُمَيْدُ بنُ هِلال، حدّثنا أبُو بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَهُ وأتْبَعَهُ بِمُعاذٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا الحَدِيث قِطْعَة من الحَدِيث الَّذِي أخرجه مطولا فِي كتاب استتبابة الْمُرْتَدين بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن قُرَّة بن خَالِد السدُوسِي عَن حميد بن هِلَال عَن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة عَامر أَو الْحَارِث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس، وَفِيه: قتل معَاذ الْمُرْتَد دون أَن يرفع أمره إِلَى رَسُول الله وَبِه احْتج من رأى أَن للْحَاكِم والوالي إِقَامَة الْحُدُود دون الإِمَام الَّذِي فَوْقه.
قَوْله: بَعثه أَي: أرْسلهُ إِلَى الْيمن قاضيه ثمَّ أتبعه بمعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

7157 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ الصَّبَّاحِ، حدّثنا مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ، حدّثنا خالِد، عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ، عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى أنَّ رَجُلاً أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فأتَى مُعاذُ بن جَبَلٍ وهْو عِنْدَ أبي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهاذَا؟ قَالَ: أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أجْلِسُ حتَّى أقْتُلَهُ، قَضاءَ الله ورسولِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق على أَنه أَيْضا أخرجه من طَرِيق آخر عَن عبد الله بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة العطاردي الْبَصْرِيّ عَن مَحْبُوب ضد المبغوض ابْن الْحسن الْقرشِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: اسْمه مُحَمَّد ومحبوب لقب لَهُ وَهُوَ بِهِ أشهر، وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَهُوَ فِي حكم الْمُتَابَعَة لِأَنَّهُ قد تقدم فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين من وَجه آخر: عَن حميد بن هِلَال، وخَالِد الَّذِي روى عَنهُ مَحْبُوب هُوَ الْحذاء.

13 - (بابٌ هَلْ يَقْضِي الحاكِمُ أوْ يُفْتِي وهْوَ غَضْبانُ؟)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هَل يقْضِي الْحَاكِم، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: هَل يقْضِي القَاضِي؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف يُوضحهُ حَدِيث الْبَاب.

7158 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، حدّثنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبي بَكْرَةَ قَالَ: كَتَبَ أبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجسْتانَ بِأَن لَا تَقْضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وأنْتَ غَضْبانُ فإنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ لَا يَقْضِينَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وهْوَ غَضْبانُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. وَأَبُو بكرَة اسْمه نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن هِشَام بن عمار وَغَيره.
قَوْله كتب أَبُو بكرَة إِلَى ابْنه وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: عَن عبد الرحمان بن أبي بكرَة، قَالَ: كتب أبي إِلَى عبيد الله بن أبي بكرَة، وَهَذَا يُفَسر رِوَايَة البُخَارِيّ

(24/233)


المبهمة، وَكَذَا وَقع فِي أَطْرَاف الْمزي: إِلَى ابْنه عبيد الله، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن عبد الرحمان قَالَ: كتب أبي، وكتبت إِلَى عبيد الله بن أبي بكرَة، قيل: مَعْنَاهُ كتب أَبُو بكرَة بِنَفسِهِ مرّة، وَأمر وَلَده عبد الرحمان أَن يكْتب لِأَخِيهِ فَكتب لَهُ مرّة أُخْرَى. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يتَعَيَّن ذَلِك بل الَّذِي يظْهر أَن قَوْله: كتب أبي أَي: أَمر بِالْكِتَابَةِ. وَقَوله: وكتبت لَهُ أَي: باشرت الْكِتَابَة الَّتِي أَمر بهَا، وَالْأَصْل عدم التَّعَدُّد. انْتهى. قلت: الأَصْل عدم التَّعَدُّد وَالْأَصْل عدم ارْتِكَاب الْمجَاز والعدول عَن ظَاهر الْكَلَام لَا لعِلَّة، وَمَا الْمَانِع من التَّعَدُّد؟ . قَوْله: وَكَانَ بسجستان وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَهُوَ قَاضِي بسجستان، وَهِي جملَة حَالية وَهِي فِي الأَصْل اسْم إقليم من الأقاليم العراقية وَهُوَ إقليم عَظِيم وَاسم قصبته زرنج، بِفَتْح الزَّاي وَالرَّاء وَسُكُون النُّون وبالجيم، وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة من سجستان. وَقَالَ ابْن حوقل: وَقد يُطلق على زرنج نَفسهَا سجستان. قلت: اسْم سجستان أنسي هَذَا الْيَوْم وَأطلق اسْم الإقليم على الْمَدِينَة وَهِي بَين خُرَاسَان ومكران والسند، وَبَين كرمان بَينهمَا وَبَين كرمان مائَة فَرسَخ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فرسخاً مفازة لَيْسَ فِيهَا مَاء، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا سجستاني وسجزي بزاي بدل السِّين الثَّانِيَة وَالتَّاء وَهُوَ على غير قِيَاس. قَوْله: غَضْبَان الْغَضَب غليان دم الْقلب لطلب الانتقام، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا أَلا وَإِن الْغَضَب جَمْرَة فِي قلب ابْن آدم، أما ترَوْنَ إِلَى حمرَة عَيْنَيْهِ وانتفاخ أوداجه؟ قَوْله: حكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ الْحَاكِم. وَقَالَ الْمُهلب: سَبَب هَذَا النَّهْي أَن الحكم حَالَة الْغَضَب قد يتَجَاوَز إِلَى غير الْحق فَمنع. وَبِذَلِك قَالَ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَقَالَ الْغَزالِيّ: فهم من هَذَا الحَدِيث أَنه لَا يقْضِي حاقناً أَو جائعاً أَو متألماً بِمَرَض. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَذَلِكَ لَا يقْضِي بِكُل حَال يسوء خلقه فِيهَا ويتغير عقله فِيهَا. بجوع وشبع مفرط وَمرض مؤلم وَخَوف مزعج وحزن وَفَرح شديدين وكغلبة نُعَاس وملال، وَكَذَا لَو حَضَره طَعَام وَنَفسه تتوق إِلَيْهِ. قَالَ: وَالْمَقْصُود أَن يتَمَكَّن من اسْتِيفَاء الْفِكر وَالنَّظَر. فَإِن قلت: هَل هَذَا النَّهْي نهي تَحْرِيم أَو كَرَاهَة؟ . قلت: نهي تَحْرِيم عِنْد أهل الظَّاهِر، وَحمله الْعلمَاء على الْكَرَاهَة حَتَّى لَو حكم فِي حَال غَضَبه بِالْحَقِّ نفذ حكمه، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور. فَإِن قلت: قد صَحَّ عَنهُ، أَنه قد حكم فِي حَالَة غَضَبه كحكمه للزبير فِي شراج الْحرَّة حِين قَالَ لَهُ الْأنْصَارِيّ: إِن كَانَ ابْن عَمَّتك؟ فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَقَالَ: اسْقِ يَا زبير ... الحَدِيث، وَفِي الصَّحِيح أَيْضا فِي قصَّة عبد الله بن عمر حِين طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَذكره عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لرَسُول الله، فتغيظ رَسُول الله، قلت: أجابوا عَنهُ بأجوبة أحْسنهَا أَنه كَانَ مَعْصُوما فَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ احْتِمَال مَا يخْشَى من غَيره فِي الحكم وَغَيره.

7159 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا إسماعِيلُ بنُ أبي خالِدٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي حازمٍ، عنْ أبي مَسْعُودٍ الأنْصارِيِّ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي وَالله لأَتَأخَّرُ عنْ صَلاةِ الغَداةِ مِنْ أجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيها قَالَ: فَما رَأيْتُ النبيَّ قَطُّ أشَدَّ غَضَباً فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرينَ، فأيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ، فإنَّ فِيهِمْ الكَبيرَ والضَّعِيفَ وَذَا الحاجَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله الَّذِي روى عَنهُ شيخ البُخَارِيّ عبد الله بن الْمُبَارك، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْغَضَب فِي الموعظة، عَن مُحَمَّد بن كثير، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب تَخْفيف الإِمَام فِي الْقيام عَن أَحْمد بن يُونُس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فليوجز أَي: فليختصر، ويروى: فليتجوز.

7160 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي يَعْقُوبَ الكِرْمانيُّ، حدّثنا حَسَّان بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا يُونُسُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبرنِي سالِمٌ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ أخبرهُ أنّهُ طَلَّقَ امْرأتَهُ وهْيَ حائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنبيِّ

(24/234)


فَتَغَيَظَ فِيهِ رسولُ الله ثُمَّ قَالَ: لِيُراجِعْها ثُمَّ لِيُمْسكْها، حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحيضَ فَتَطْهُرَ، فإنْ بَدا لَهُ أنْ يُطَلِّقَها فَلْيُطَلِّقْها
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَاسم أبي يَعْقُوب إِسْحَاق الْكرْمَانِي نسبته إِلَى كرمان، قَالَ الْكرْمَانِي: الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين فتح الْكَاف لَكِن أَهلهَا يَقُولُونَ بِالْكَسْرِ وَأهل مَكَّة أعرف بشعابها وَهُوَ بلد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَلَا يكَاد يُوجد فِيهَا شَيْء من العقائد الْفَاسِدَة وَهِي مولدِي وَأول أَرض مس جلدي ترابها، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَمُحَمّد هُوَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: فتغيظ فِيهِ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فتغيظ عَلَيْهِ، وَالضَّمِير فِي: فِيهِ، يرجع إِلَى الْفِعْل الْمَذْكُور وَهُوَ الطَّلَاق الْمَوْصُوف، وَفِي: عَلَيْهِ، للْفَاعِل وَهُوَ ابْن عمر.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق فِي مَوَاضِع فِي أَوَائِله.

14 - (بابُ مَنْ رَأى لِلْقاضِي أنْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ فِي أمْرِ النَّاسِ إِذا لَمْ يَخَفِ الظُّنُونَ والتُّهَمَةَ، كَمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِهِنْدٍ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ) وذالِكَ إِذا كَانَ أمْرٌ مَشْهُورٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى من الْفُقَهَاء أَن للْقَاضِي، ويروي: للْحَاكِم أَن يحكم بِعِلْمِهِ فِي أَمر النَّاس، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَول الإِمَام أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن مذْهبه أَن للْقَاضِي أَن يحكم بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق النَّاس، وَقيد بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق الله كالحدود.
قَوْله: إِذا لم يخف أَي: القَاضِي الظنون والتهمة بِفَتْح الْهَاء، وَشرط شرطين فِي جَوَاز ذَلِك: أَحدهمَا: عدم التُّهْمَة. وَالْآخر: وجود شهرة الْقَضِيَّة، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: إِذا كَانَ أَمر مَشْهُور قَوْله: كَمَا قَالَ النَّبِي إِلَى آخِره، ذكره فِي معرض الِاحْتِجَاج لمن رأى أَن للْقَاضِي أَن يحكم بِعِلْمِهِ، فَإِن النَّبِي قضى لهِنْد بنفقتها وَنَفَقَة وَلَدهَا على أبي سُفْيَان لعلمه بِوُجُوب ذَلِك، وَهِنْد هِيَ بنت عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف أم مُعَاوِيَة زَوْجَة أبي سُفْيَان بن حَرْب أسلمت عَام الْفَتْح بعد إِسْلَام زَوجهَا. وَهَذَا وَصله البُخَارِيّ فِي النَّفَقَات.
ثمَّ هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا أَقْوَال للْعُلَمَاء، فَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز للْقَاضِي ذَلِك فِي حُقُوق النَّاس سَوَاء علم ذَلِك قبل الْقَضَاء أَو بعده، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا علمه قبل الْقَضَاء من حُقُوق النَّاس لَا يحكم فِيهِ بِعِلْمِهِ وَيحكم فِيمَا إِذا علمه بعد الْقَضَاء. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يحكم فِيمَا علمه قبل الْقَضَاء، وَقَالَ شُرَيْح وَالشعْبِيّ وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد: لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ أصلا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: مَا أقرّ بِهِ الخصمان عِنْده أخذهما بِهِ وأنفذه عَلَيْهِمَا إلاَّ الْحَد. وَقَالَ عبد الْملك: يحكم بِعِلْمِهِ فِيمَا كَانَ فِي مجْلِس حكمه، وَقَالَ الْكَرَابِيسِي: الَّذِي عِنْدِي أَن شَرط جَوَاز الحكم بِالْعلمِ أَن يكون الْحَاكِم مَشْهُورا بالصلاح والعفاف والصدق، وَلم يعرف بِكَثِير زلَّة وَلم يُوجد عَلَيْهِ جريمة بِحَيْثُ تكون أَسبَاب التقى فِيهِ مَوْجُودَة، وَأَسْبَاب التهم فِيهِ مفقودة، فَهَذَا الَّذِي يجوز لَهُ أَن يحكم بِعِلْمِهِ مُطلقًا.

7161 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثني عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: جاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ فقالَتْ: يَا رسولَ الله وَالله مَا كَانَ عَلى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِباءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَذِلُّوا مِنْ أهْلِ خِبائِكَ، وَمَا أصْبَحَ اليَوْمَ عَلى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِباءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَعِزُّوا مِنْ أهْلِ خِبائِكَ، ثُمَّ قالَتْ: إنَّ أَبَا سُفْيانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أنْ أُطْعِمَ الّذِي لهُ عِيالَنا؟ قَالَ لَها: لَا حَرَجَ عَليْكِ أنْ تُطْعِمِيهِمْ مِنْ مَعْرُوف.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث فَإِن فِيهِ قَضَاء النَّبِي بِعِلْمِهِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَقد مَضَت فِي كتاب النَّفَقَات قَضِيَّة هِنْد حَيْثُ قَالَ البُخَارِيّ: بَاب إِذا لم ينْفق الرجل فللمرأة أَن تَأْخُذ ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى عَن هِشَام عَن أَبِيه ... إِلَى آخِره، وَهنا من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَفِيه زِيَادَة على ذَلِك قَوْله: خبائك بِالْمدِّ هِيَ الْخَيْمَة، قيل: أَرَادَت بقولِهَا أهل خبائك نَفسه وَكنت عَنهُ بِأَهْل الخباء إجلالاً لَهُ، وَيحْتَمل أَنَّهَا

(24/235)


أَرَادَت بِهِ أهل بَيته أَو صحابته، وَقيل: الدَّار يُسمى خباء والقبيل يُسمى خباء، وَهَذَا من الِاسْتِعَارَة وَالْمجَاز. قَوْله: أَن يذلوا كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: ذلتهم، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: أَن يعزوا قَوْله: مسيك بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة صِيغَة مُبَالغَة فِي مسك الْيَد يَعْنِي بخيل جدا، وَيجوز فتح الْمِيم وَكسر السِّين المخففة. قَوْله: من حرج أَي: من إِثْم. قَوْله: إِن أطْعم أَي: بِأَن أطْعم وعيالنا مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: أطْعم. قَوْله: لَا حرج عَلَيْك أَي: لَا إِثْم عَلَيْك وَلَا منع من أَن تطعميهم من مَعْرُوف يَعْنِي: لايكون فِيهِ إِسْرَاف وَنَحْوه. فَإِن قلت: كَيفَ يَصح الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على جَوَاز حكم القَاضِي بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ خرج مخرج الْفتيا؟ . قلت: الْأَغْلَب من أَحْوَال النَّبِي الحكم والإلزام.

15 - (بابُ الشَّهادَةِ عَلى الخَطِّ المَخْتُومِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذالِكَ وَمَا يَضيقُ عَلَيْهِمْوكِتابِ الحاكمِ إِلَى عامِلهِ، والقاضِي إِلَى القاضِي)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشَّهَادَة على الْخط الْمَخْتُوم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الْمَحْكُوم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف، وَلَيْسَت هَذِه اللَّفْظَة بموجودة عِنْد ابْن بطال، وَمَعْنَاهُ: هَل تصح الشَّهَادَة على خطّ بِأَنَّهُ خطّ فلَان؟ وَقيد: بالمختوم، لِأَنَّهُ أقرب إِلَى عدم التزوير على الْخط. قَوْله: وَمَا يجوز من ذَلِك أَي: من الشَّهَادَة على الْخط. قَوْله: وَمَا يضيق أَي: وَمَا لَا يجوز من ذَلِك، وَحَاصِل الْمَعْنى أَن القَوْل بِجَوَاز الشَّهَادَة على الْخط لَيْسَ على الْعُمُوم نفيا وإثباتاً لِأَنَّهُ لَو منع مُطلقًا تضيع الْحُقُوق وَلَا يعْمل بِهِ مُطلقًا، لِأَنَّهُ لَا يُؤمن فِيهِ التزوير، فحينئذٍ يجوز ذَلِك بِشُرُوط، قَوْله: وَكتاب الْحَاكِم إِلَى عماله عطف على قَوْله: بَاب الشَّهَادَة، أَي: وَفِي بَيَان جَوَاز كتاب الْحَاكِم إِلَى عماله، بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع عَامل. قَوْله: وَكتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي أَي: وَفِي بَيَان جَوَاز كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على ثَلَاثَة أَحْكَام كَمَا رَأَيْتهَا وَيَجِيء الْآن بَيَان حكم كل مِنْهَا مَعَ بَيَان الْخلاف فِيهَا.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتابُ الحاكِمِ جائِزٌ إِلَّا فِي الحُدُودِ، ثمَّ قَالَ: إنْ كانَ القتْلُ خَطَأً فَهْوَ جائِزٌ لأنَّ هاذَا مالٌ بِزَعْمِهِ، وإنَّما صارَ مَالا بَعْدَ أنْ ثَبَتَ القَتْلُ، فالخَطَأُ والعَمْدُ واحِدٌ.
أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ غَرَضه من ذكر هَذَا وَنَحْوه مِمَّا مضى إلاَّ التشنيع على الْحَنَفِيَّة لأمر جرى بَينه وَبينهمْ، وَحَاصِل غَرَض البُخَارِيّ من هَذَا الْكَلَام إِثْبَات المناقضة فِيمَا قَالَه الْحَنَفِيَّة، فَإِنَّهُم قَالُوا: كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي جَائِز إلاَّ فِي الْحُدُود، ثمَّ قَالُوا: إِن كَانَ الْقَتْل خطأ يجوز فِيهِ كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، لِأَن قتل الْخَطَأ فِي نفس الْأَمر مَال لعدم الْقصاص، فَيلْحق بِسَائِر الْأَمْوَال فِي هَذَا الحكم، وَقَوله: وَإِنَّمَا صَار مَالا إِلَى آخِره بَيَان وَجه المناقضة فِي كَلَام الْحَنَفِيَّة حَاصله إِنَّمَا يصير قتل الْخَطَأ مَالا بعد ثُبُوته عِنْد الْحَاكِم، وَالْخَطَأ والعمد وَاحِد يَعْنِي فِي أول الْأَمر حكمهمَا وَاحِد لَا تفَاوت فِي كَونهمَا حدا، وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن يُقَال: لَا نسلم أَن الْخَطَأ والعمد وَاحِد، وَكَيف يَكُونَا وَاحِدًا وَمُقْتَضى الْعمد الْقصاص، وَمُقْتَضى الْخَطَأ عدم الْقصاص وَوُجُوب المَال لِئَلَّا يكون دم الْمَقْتُول خطأ هدرا، وَسَوَاء كَانَ هَذَا قبل الثُّبُوت أَو بعده.
وقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عامِلِهِ فِي الحُدُودِ.
أَي: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى عَامله فِي الْحُدُود، وغرضه من إِيرَاد هَذَا، الردُّ على الْحَنَفِيَّة أَيْضا فِي عدم رُؤْيَتهمْ جَوَاز كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي الْحُدُود، وَلَا يرد على مَا نذكرهُ، وَذكر هَذَا الْأَثر عَن عمر للرَّدّ عَلَيْهِم فِيمَا قَالُوهُ. قَوْله: فِي الْحُدُود، رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: فِي الْجَارُود، بِالْجِيم وبالراء المضمومة وَفِي آخِره دَال مُهْملَة وَهُوَ الْجَارُود بن الْمُعَلَّى يكنى أَبَا غياث كَانَ سيداً فِي عبد الْقَيْس رَئِيسا، قَالَ ابْن إِسْحَاق: قدم على رَسُول الله فِي سنة عشر فِي وَفد عبد الْقَيْس وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَيُقَال: إِن اسْمه بشر بن عَمْرو، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْجَارُود، لِأَنَّهُ أغار فِي الْجَاهِلِيَّة على بكر بن وَائِل وَمن مَعَه فَأَصَابَهُمْ وجردهم وَسكن الْبَصْرَة إِلَى أَن مَاتَ وَقيل: بِأَرْض فَارس،

(24/236)


وَقيل: قتل بِأَرْض نهاوند مَعَ النُّعْمَان بن مقرن فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَله قصَّة مَعَ قدامَة بن مَظْعُون عَامل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْبَحْرين أخرجهُمَا عبد الرَّزَّاق من طَرِيق عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: اسْتعْمل عمر قدامَة بن مَظْعُون، فَقدم الْجَارُود سيد عبد الْقَيْس على عمر فَقَالَ: إِن قدامَة شرب فَسَكِرَ، فَكتب عمر إِلَى قدامَة فِي ذَلِك، فَذكر الْقِصَّة بِطُولِهَا فِي قدوم قدامَة وَشَهَادَة الْجَارُود وَأبي هُرَيْرَة عَلَيْهِ، وَجلده الْحَد ... وَالْجَوَاب عَنهُ أَن كتاب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى عَامله لم يكن فِي إِقَامَة الْحَد، وَإِنَّمَا كَانَ لأجل كشف الْحَال. أَلا يرى أَن عمر هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْحَد فِيهِ بِشَهَادَة الْجَارُود وَأبي هُرَيْرَة؟ .
وكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ فِي سِنَ كُسِرَتْ.
أَي: كتب إِلَى عَامله زُرَيْق بن حَكِيم فِي شَأْن سنّ كسرت، وَكَانَ كتب إِلَيْهِ كتابا أجَاز فِيهِ شَهَادَة رجل على سنّ كسرت، وَهَذَا وَصله أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب الْقصاص والديات من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن حَكِيم بن زُرَيْق عَن أَبِيه، فَذكر مَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ إبْراهِيمُ كِتابُ القاضِي إِلَى القاضِي جائِز إِذا عَرَفَ الكِتابَ والخاتِمَ.
إِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن عِيسَى بن يُونُس عَن عُبَيْدَة عَنهُ.
وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجيزُ الكِتابَ المَخْتُومَ بِما فِيهِ مِنَ القاضِي.
الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل التَّابِعِيّ الْكَبِير، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عِيسَى بن أبي عزة، قَالَ: كَانَ عمر يَعْنِي: الشّعبِيّ يُجِيز الْكتاب الْمَخْتُوم يَجِيئهُ من القَاضِي.
ويُرْواى عنِ ابْن عُمَرَ نَحْوُهُ.
أَي: يرْوى عَن عبد الله بن عمر نَحْو مَا رُوِيَ عَن الشّعبِيّ، وَلم يَصح هَذَا، فَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض.
وَقَالَ مُعاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيم الثَّقَفِيُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ يَعْلَى قاضِي البَصْرَةِ وإياسَ بنَ مُعاوِيَةَ والحَسَنِ وثُمامَةَ بنَ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ وبلالَ بنَ أبي بُرْدَةَ وعَبْدَ الله بن بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيَّ وعامِرَ بنَ عُبِيدَةَ وعَبَّادَ بنَ مَنْصُورٍ يُجِيزُونَ كُتُبَ القُضاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فإنْ قَالَ الّذِي جِيءَ عَلَيْهِ بِالكِتابِ: إنّه زُورٌ، قيلَ لهُ: اذْهَبْ فالْتَمِسِ المَخْرَجَ مِنْ ذالِكَ.
مُعَاوِيَة بن عبد الْكَرِيم الثَّقَفِيّ الْمَعْرُوف بالضال بالضاد الْمُعْجَمَة وَاللَّام الْمُشَدّدَة، سمي بذلك لِأَنَّهُ ضل فِي طَرِيق مَكَّة، وَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَمَات سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وَوصل أَثَره وَكِيع فِي مُصَنفه عَنهُ. قَوْله: شهِدت أَي: حضرت عبد الْملك بن يعلى بِوَزْن. يرضى، التَّابِعِيّ الثِّقَة، ولاه يزِيد بن هُبَيْرَة قَضَاء الْبَصْرَة لما ولي إمارتها من قبل يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان، وَمَات على الْقَضَاء بعد الْمِائَة بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث، وَيُقَال: بل عَاشَ إِلَى خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك، فَعَزله. قَوْله: وَإيَاس بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة ابْن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ الْمَعْرُوف بالذكاء، وَكَانَ قد ولي قَضَاء الْبَصْرَة فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولاه عدي بن أَرْطَأَة عَامل عمر عَلَيْهَا بعد امْتنَاع مِنْهُ، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَة وَهُوَ ثِقَة عِنْد الْجَمِيع. قَوْله: وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ الإِمَام الْمَشْهُور، وَكَانَ ولي قَضَاء الْبَصْرَة مُدَّة لَطِيفَة، ولاه عدي بن أَرْطَاة عاملها وَأَبوهُ يسَار رأى مائَة وَعشْرين من أَصْحَاب رَسُول الله، مَاتَ فِي شهر رَجَب سنة عشر وَمِائَة وَهُوَ ابْن تسع وَثَمَانِينَ سنة. قَوْله: وثمامة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الميمين ابْن عبد الله بن أنس بن مَالك، وَكَانَ تابعياً ثِقَة، ولي قَضَاء الْبَصْرَة فِي أَوَائِل خلَافَة ابْن هِشَام بن عبد الْملك، ولاه خَالِد الْقَسرِي سنة سِتّ وَمِائَة، وعزله سنة عشر، وَولى بِلَال بن

(24/237)


أبي بردة، وَمَات ثُمَامَة بعد ذَلِك، روى عَن جده أنس بن مَالك والبراء بن عَازِب. قَوْله: وبلال بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر أَو الْحَارِث بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَكَانَ صديق خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فولاه قَضَاء الْبَصْرَة لما ولي إمرتها من قبل هِشَام بن عبد الْملك، وَضم إِلَيْهِ الشرطة وَكَانَ أَمِيرا وقاضياً، إِلَى أَن قَتله يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ لما ولي الإمرة بعد خَالِد، وَلم يكن مَحْمُودًا فِي أَحْكَامه. قَوْله: وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء الْأَسْلَمِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَكَانَ ولي قَضَاء مرو بعد أَخِيه سُلَيْمَان سنة خمس وَمِائَة إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ على قَضَائهَا سنة خمس عشرَة وَمِائَة، وَذَلِكَ فِي ولَايَة أَسد بن عبد الله الْقَسرِي على خُرَاسَان، وَهُوَ أَخُو خَالِد الْقَسرِي. وَحَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة الْحصيب هَذَا فِي الْكتب السِّتَّة. قَوْله: وعامر بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقيل: عَبدة، بِفتْحَتَيْنِ، وَقيل: عَبدة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء وَهُوَ تَابِعِيّ قديم ثِقَة، وَحَدِيثه عِنْد النَّسَائِيّ وعامر كَانَ ولي الْقَضَاء بِالْكُوفَةِ مرّة. قَوْله: وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مَنْصُور النَّاجِي بالنُّون وَالْجِيم أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: ولي قَضَاء الْبَصْرَة خمس مَرَّات، وَكَانَ يرْمى بِالْقدرِ فَلذَلِك ضَعَّفُوهُ، وَحَدِيثه فِي السّنَن الْأَرْبَعَة وعلق لَهُ البُخَارِيّ شَيْئا، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَة. قَوْله: يجيزون جملَة حَالية. قَوْله: فالتمس الْمخْرج بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: اطلب الْخُرُوج من عُهْدَة ذَلِك إِمَّا بالقدح فِي الْبَيِّنَة بِمَا يقبل فَتبْطل الشَّهَادَة، وَإِمَّا بِمَا يدل على الْبَرَاءَة من الْمَشْهُود بِهِ.
وأوَّلُ مَنْ سَألَ عَلى كِتابِ القاضِي البَيِّنَةَ ابنُ أبي لَيْلَى وسَوَّارُ بنُ عَبْدِ الله.
ابْن أبي ليلى هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، وَاسم أبي ليلى يسَار قَاضِي الْكُوفَة، وَأول مَا وَليهَا فِي زمن يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ فِي خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد، وَمَات سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَهُوَ صَدُوق اتَّفقُوا على ضعف حَدِيثه من قبل سوء حفظه وَحَدِيثه فِي السّنَن الْأَرْبَعَة. وسوار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو ابْن عبد الله الْعَنْبَري نِسْبَة إِلَى بني العنبر من بني تَمِيم قَالَ ابْن حبَان فِي الثِّقَات: كَانَ فَقِيها ولاه الْمَنْصُور قَضَاء الْبَصْرَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَبَقيَ على قَضَائهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة.
{وَقَالَ لنا أبُو نُعَيْمٍ: حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُحْرِزٍ جِئْتُ بِكِتابٍ مِنْ مُوساى بن أنَسٍ قاضِي البَصْرَةِ وأقَمْتُ عِنْدَهُ البَيِّنَةَ أنَّ لي عِنْدَ فُلانٍ كَذاا وكَذاا وهْوَ بِالكُوفَةِ وجِئْتُ بِهِ القَاسِمَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ فأجازَهُ} .
أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ نَقله عَنهُ مذاكرة، وَعبيد الله بن مُحرز بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره زَاي هُوَ كُوفِي، وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْأَثر، ومُوسَى بن أنس بن مَالك قَاضِي الْبَصْرَة التَّابِعِيّ الْمَشْهُور ثِقَة، وَحَدِيثه فِي الْكتب السِّتَّة، وَكَانَ ولي الْقَضَاء بِالْبَصْرَةِ فِي ولَايَة الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ، وَالقَاسِم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مَسْعُود وَكَانَ على قَضَاء الْبَصْرَة من عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ لَا يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا، وَكَانَ ثِقَة صَالحا من التَّابِعين، لَقِي جَابر بن سَمُرَة، قيل: إِنَّه مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة. قَوْله: فَأَجَازَهُ بِالْجِيم أَي: أَمْضَاهُ وَعمل بِهِ، وَفِي مُغنِي الْحَنَابِلَة يشْتَرط فِي قَول أَئِمَّة الْفَتْوَى أَن يشْهد بِكِتَاب القَاضِي إِلَى القَاضِي شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَلَا يَكْفِي مَعْرفَته خطّ القَاضِي وختمه، وَحكى عَن الْحسن وسوار وَالْحسن الْعَنْبَري أَنهم قَالُوا: إِذا كَانَ يعرف خطه وختمه قبله، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر أَيْضا. وَفِي التَّوْضِيح وَاخْتلفُوا إِذا أشهد القَاضِي شَاهِدين على كِتَابه وَلم يقرأه عَلَيْهِمَا وَلَا عرفهما بِمَا فِيهِ، فَقَالَ مَالك: يجوز ذَلِك وَيلْزم القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ قبُوله. بقول الشَّاهِدين: هَذَا كِتَابه دَفعه إِلَيْنَا مَخْتُومًا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: إِذا لم يقرأه عَلَيْهِمَا القَاضِي وَلم يحرره لم يعْمل القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بِمَا فِيهِ، وَرُوِيَ عَن مَالك مثله، وَاخْتلفُوا إِذا انْكَسَرَ ختم الْكتاب، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر: لَا يقبله الْحَاكِم، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يقبله وَيحكم بِهِ إِذا شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي.

(24/238)


وكَرِهَ الحَسَنُ وأبُو قِلاَبَةَ أنْ يَشْهَدَ عَلى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيها لأنَّه لَا يَدْرِي لَعَلَّ فِيها جَوْراً.
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام هُوَ عبد الله بن زيد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء. قَوْله: أَن يشْهد بِفَتْح الْيَاء وفاعله مَحْذُوف تَقْدِير: أَن يشْهد أحد على وَصِيَّة ... إِلَى آخِره. قَوْله: جوراً بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ فِي الأَصْل: الظُّلم، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا غير الْحق، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَنه لَا يشْهد على وَصِيَّة حَتَّى يعلم مَا فِيهَا، وَتعقبه ابْن التِّين فَقَالَ: لَا أَدْرِي لم صَوبه وَهِي إِن كَانَ فِيهَا جور يُوجب الحكم أَن لَا يمْضِي لَا يمض وَإِن كَانَ يُوجب الحكم إمضاءه يمض، وَمذهب مَالك: جَوَاز الشَّهَادَة على الْوَصِيَّة وَإِن لم يعلم الشَّاهِد مَا فِيهَا.
وقَدْ كَتَبَ النبيُّ إِلَى أهْلِ خَيْبَرَ: إمَّا أنْ يَدُوا صاحِبَكُمْ وإمَّا أنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة فِي قصَّة حويصة ومحيصة وَقتل عبد الله بن سهل بِخَيْبَر، وَسَيَأْتِي هَذَا بعد عدَّة أَبْوَاب فِي: بَاب كتاب الْحَاكِم إِلَى عماله. قَوْله: إِمَّا أَن يدوا أَي: إِمَّا أَن يُعْطوا الدِّيَة، وَهُوَ من ودى يَدي إِذا أعْطى الدِّيَة، وأصل: يدوا، يوديوا، فحذفت الْوَاو الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل فِي الْمُفْرد لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة، ثمَّ حذفت فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع تبعا للمفرد، ثمَّ نقلت ضمة الْيَاء إِلَى الدَّال فَالتقى ساكنان وهما الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء وَلم يحذف الْوَاو لِأَنَّهُ عَلامَة الْجمع، فَصَارَ: يدوا، على وزن: يعلوا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي شَهادَةٍ عَلى المَرْأةِ مِنْ وراءِ السِّتْرِ: إنْ عَرَفْتَها فاشْهَدْ، وَإِلَّا فَلاَ تَشْهَدْ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي حكم الشَّهَادَة على الْمَرْأَة: إِن عرفهَا الشَّاهِد يشْهد لَهَا وَعَلَيْهَا، وَإِن لم يعرفهَا فَلَا يشْهد. قَوْله: فِي شَهَادَة ويروى: فِي الشَّهَادَة، بِالْألف وَاللَّام. قَوْله: من وَرَاء السّتْر إِمَّا بالتنقب وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك، وَحَاصِله أَنه إِذا عرفهَا بِأَيّ طَرِيق كَانَ يجوز الشَّهَادَة عَلَيْهَا، وَلَا يشْتَرط أَن يَرَاهَا حَال الْإِشْهَاد.
وَأثر الزُّهْرِيّ هَذَا وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق جَعْفَر بن يرقان عَنهُ، وَمذهب مَالك: جَوَاز شَهَادَة الْأَعْمَى فِي الْإِقْرَار وَفِي كل مَا طَرِيقه الصَّوْت سَوَاء عِنْده تحملهَا أعمى أَو بَصيرًا ثمَّ عمي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تقبل إِذا تحملهَا أعمى، وَدَلِيل مَالك أَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رووا عَن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من وَرَاء حجاب وميزوا أشخاصهن بالصوت، وَكَذَا آذان ابْن أم مَكْتُوم، وَلم يفرقُوا بَين ندائه ونداء بِلَال إلاَّ بالصوت، وَلِأَن الْإِقْدَام على الْفروج أَعلَى من الشَّهَادَة بالحقوق، وَالْأَعْمَى لَهُ وَطْء زَوجته وَهُوَ لَا يعرفهَا إِلَّا بالصوت، وَهَذَا لم يمْنَع مِنْهُ أحد.

7162 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَة عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: لَمَّا أرادَ النبيُّ أنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قالُوا: إنَّهُمْ لَا يَقْرَأونَ كِتاباً إلاّ مَخْتُوماً، فاتَّخَذَ النبيُّ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ، ونَقَّشُهُ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على أَحْكَام. مِنْهَا الشَّهَادَة على الْخط الْمَخْتُوم، وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ الْخط والختم. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الْكتاب إِذا لم يكن مَخْتُومًا فالحجة بِمَا فِيهِ قَائِمَة لكَونه أَرَادَ أَن يكْتب إِلَيْهِم. قَالُوا: إِنَّهُم لَا يقرؤون كتابا إِلَّا مَخْتُومًا فَلذَلِك اتخذ خَاتمًا من فضَّة.
والْحَدِيث تقدم بَيَانه شرح حَدِيث أبي سُفْيَان مطولا فِي بَدْء الْوَحْي. وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن بشار الَّذِي يُقَال لَهُ بنْدَار عَن غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر.
قَوْله: وبيصه بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة أَي: بريقه ولمعانه.

(24/239)


16 - (بابٌ مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ القَضاءَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: مَتى يسْتَوْجب الرجل. أَي: مَتى يسْتَحق أَن يكون قَاضِيا؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي مَتى يصير أَهلا للْقَضَاء، أَو: مَتى يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء؟ .
وَقَالَ الحَسَنُ: أخَذَ الله على الحُكَّامِ أنْ لَا يَتَّبِعُوا الهَواى وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ وَلَا يَشْترُوا بِآياتِهِ ثَمَناً قَلِيلاً، ثُمَّ قَرَأ: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} وقرأَ {إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاَْحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِئَايَاتِى ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقَرَأ {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} فَحَمِدَ سُلَيْمانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاودَ وَلَوْلا مَا ذَكَرَ الله مِنْ أمْرِ هاذَيْنِ لَرَأيْتُ أنَّ القُضاةَ هَلَكُوا، فإنَّهُ أثْنى عَلى هاذَا بِعِلْمِهِ وعَذَرَ هاذَا باجْتِهَادِهِ.
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، رَحمَه الله: أَخذ الله أَي ألزم الله على الْحُكَّام بِضَم الْحَاء جمع حَاكم أَن لَا يتبعوا الْهوى أَي: هوى النَّفس وَهُوَ مَا تحبه وتشتهيه، من هوى يهوى من بَاب علم يعلم، هوى وَالنَّهْي عَن اتِّبَاع الْهوى أَمر بالحكم بِالْحَقِّ. قَوْله: وَلَا يخشوا النَّاس نهي عَن خشيتهم، وَفِي النَّهْي عَن خشيتهم أَمر بخشية الله وَمن لَازم خشيَة الله الحكم بِالْحَقِّ. قَوْله: وَلَا يشتروا بآياته أَي: بآيَات الله ثمنا قَلِيلا وَهَكَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا: وَلَا تشتروا بآياتي، وَفِي النَّهْي عَن بيع آيَاته الْأَمر بِاتِّبَاع مَا دلّت عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وصف الثّمن بالقلة إِشَارَة إِلَى أَنه وصف لَازم لَهُ بِالنِّسْبَةِ للعوض، فَإِنَّهُ أَعلَى من جَمِيع مَا حوته الدُّنْيَا. قَوْله: ثمَّ قَرَأَ أَي: قَرَأَ الْحسن الْبَصْرِيّ قَوْله تَعَالَى: {يَا دَاوُود إِنَّا جعلناك خَليفَة} أَي صيرناك خلفا عَمَّن كَانَ قبلك {فِي الأَرْض} أَي: على الْملك من الأَرْض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض الْبِلَاد ويملكه عَلَيْهَا. قَوْله: {فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} أَي: بِالْعَدْلِ الَّذِي هُوَ حكم الله. قَوْله: {وَلَا تتبع الْهوى} أَي: لَا تمل مَعَ مَا تشْتَهي إِذا خَالف أَمر الله تَعَالَى. قَوْله: {فيضلك} مَنْصُوب على الْجَواب، وَقيل: مجزوم عطفا على النَّهْي، وَفتح اللَّام لالتقاء الساكنين. قَوْله: {عَن السَّبِيل الله} أَي: عَن دلائله الَّتِي نصبها فِي الْعُقُول أَو عَن شرائعه الَّتِي شرعها وَأوحى بهَا. قَوْله: {بِمَا نسوا} أَي: بنسيانهم يَوْم الْحساب، وَيَوْم الْحساب مُتَعَلق بنسوا أَو بقوله: لَهُم أَي: لَهُم عَذَاب شَدِيد يَوْم الْقِيَامَة بِسَبَب نسيانهم، وَهُوَ ضلالهم عَن سَبِيل الله. قَوْله: وَقَرَأَ أَي: الْحسن الْبَصْرِيّ قَوْله: {فِيهَا هدى} أَي: بَيَان وَنور الْفتيا الكاشف للشبهات، وَذَلِكَ أَن الْيَهُود استفتوا النَّبِي فِي أَمر الزَّانِيَيْنِ، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. قَوْله: وَصفهم بِالْإِسْلَامِ لَا على أَن غَيرهم من النَّبِيين لم يَكُونُوا مُسلمين، وَهُوَ كَقَوْلِه {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ ياَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ لَا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الْآيَة لَا أَن غَيره لم يُؤمن بِاللَّه، وَقيل: أَرَادَ الَّذين انقادوا لحكم الله لَا الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ ضد الْكفْر، وَقيل: أَسْلمُوا أنفسهم لله، وَقيل: بِمَا فِي التَّوْرَاة. قَوْله {إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاَْحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِئَايَاتِى ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أَي: تَابُوا من الْكفْر، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الْحسن: هم الْيَهُود، وَيجوز أَن يكون فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير. أَي: للَّذين هادوا يحكم بهَا النَّبِيُّونَ. قَوْله: {والربانيون} الْعلمَاء الْحُكَمَاء وَهُوَ جمع رباني، وَأَصله: رب الْعلم، وَالْألف وَالنُّون فِيهِ للْمُبَالَغَة، وَقَالَ مُجَاهِد: هم فرق الْأَحْبَار، والأحبار الْعلمَاء لأَنهم يحبرون الشَّيْء وَهُوَ فِي صُدُورهمْ محبر. قَوْله: {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} استودعوا هَذَا

(24/240)


تَفْسِير أبي عُبَيْدَة، وَقد ثَبت هَذَا للمستملي يُقَال: استحفظته كَذَا استودعته إِيَّاه. قَوْله: أَي: على الْكتاب أَو على مَا فِي التَّوْرَاة. قَوْله: {فَلَا تخشوا النَّاس} أَي: فِي إِظْهَار صفة النَّبِي {واخشون} فِي كتمان صفته، وَالْخطاب لعلماء الْيَهُود، وَقيل: ليهود الْمَدِينَة بِأَن لَا يخشوا يهود خَيْبَر، وَقيل: نهي للحكام عَن خشيتهم غير الله تَعَالَى فِي حكوماتهم. قَوْله: {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} أَي: وَلَا تستبدلوا بأحكامي وفرائضي، وَقيل: بِصفة النَّبِي قَوْله: {وَمن لم يحكم} إِلَى آخِره، هَذِه والآيتان بعْدهَا نزلت فِي الْكفَّار وَمن غير حكم الله من الْيَهُود وَلَيْسَ فِي أهل الْإِسْلَام مِنْهَا شَيْء لِأَن الْمُسلم وَإِن ارْتكب كَبِيرَة لَا يُقَال لَهُ: كَافِر. قَوْله: وَقَرَأَ أَي الْحسن الْبَصْرِيّ {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان} يَعْنِي: يحكمان {فِي الْحَرْث} وَأخرج عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن مَسْرُوق قَالَ: كَانَ حرثهم عنباً نفشت فِيهِ الْغنم أَي: رعت لَيْلًا يُقَال: نفشت الدَّابَّة تنفش نفوشاً إِذا رعت لَيْلًا بِلَا رَاع، وأهملت إِذا رعت نَهَارا بلَيْل، فتحاكم أَصْحَاب الْحَرْث مَعَ أَصْحَاب الْغنم عِنْد دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقضى بالغنم لأَصْحَاب الْحَرْث، فَمروا بِسُلَيْمَان فأخبروه الْخَبَر فَقَالَ سُلَيْمَان: لَا، وَلَكِن أَقْْضِي بَينهم أَن يَأْخُذُوا الْغنم فَيكون لَهُم لَبنهَا وصوفها وسمنها ومنفعتها، وَيقوم هَؤُلَاءِ على حرثهم حَتَّى إِذا عَاد كَمَا كَانَ ردوا عَلَيْهِم غَنمهمْ، فَدخل أَصْحَاب الْغنم على دَاوُد فأخبروه، فَأرْسل إِلَى سُلَيْمَان فعزم عَلَيْهِ بِحَق النُّبُوَّة وَالْملك وَالْولد: كَيفَ رَأَيْت فِيمَا قضيت؟ فَقَالَ: عدل الْملك وَأحسن، وَغَيره كَانَ أرْفق بهما جَمِيعًا، قَالَ: مَا هُوَ؟ فَأخْبرهُ بِمَا حكم بِهِ. فَقَالَ دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام: نعم مَا قضيت. قَوْله: {ففهمناها} يَعْنِي: الْقَضِيَّة. قَوْله: {وكلا} أَي: كل وَاحِد من دَاوُد وَسليمَان، عَلَيْهِمَا السَّلَام. {آتَيْنَا} أَي: أعطينا {حكما وعلماً} وَقَالَ الدَّاودِيّ: أثنى الله عَلَيْهِمَا بذلك، فَحَمدَ سُلَيْمَان وَلم يلم دَاوُد من اللوم، وَفِي بعض النّسخ؛ وَلم يذم، من الذَّم. قيل: قَول الْحسن الْبَصْرِيّ: وَلم يذم دَاوُد بِأَن فِيهِ نقصا لحق دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى قَالَ: {وكلا إتينا حكما وعلماً} فجمعهما فِي الحكم وَالْعلم وميز سُلَيْمَان بالفهم وَهُوَ علم خَاص زَاد على الْعَام بفصل الْخُصُومَة. قَالَ: وَالأَصَح فِي الْوَاقِعَة أَن دَاوُد أصَاب الحكم وَسليمَان أرشد إِلَى الصُّلْح، وَقيل: الِاخْتِلَاف بَين الْحكمَيْنِ فِي الْأَوْلَوِيَّة لَا فِي الْعمد وَالْخَطَأ. وَمعنى قَول الْحسن: فَحَمدَ سُلَيْمَان، يَعْنِي لموافقته الطَّرِيق الْأَرْجَح، وَلم يذم دَاوُد لاقتصاره على الطَّرِيق الرَّاجِح، واستبدل بِهَذِهِ الْقِصَّة على أَن للنَّبِي أَن يجْتَهد فِي الْأَحْكَام وَلَا ينْتَظر نزُول الْوَحْي، لِأَن دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، اجْتهد فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة قطعا لِأَنَّهُ لَو كَانَ قضى فِيهَا بِالْوَحْي مَا خص الله سُلَيْمَان بفهمها دونه، وَقد اخْتلف من أجَاز للنَّبِي أَن يجْتَهد: هَل يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ فِي اجْتِهَاده؟ فاستدل من أجَاز ذَلِك بِهَذِهِ الْقِصَّة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الله تَعَالَى أثنى على دَاوُد فِيهَا بالحكم وَالْعلم، وَالْخَطَأ لَيْسَ حكما وَلَا علما. وَإِنَّمَا هُوَ ظن غير مُصِيب. قَوْله: وَلَوْلَا مَا ذكر الله من أَمر هذَيْن يَعْنِي: دَاوُد وَسليمَان، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: لرأيت جَوَاب لَو وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهِي مَفْتُوحَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني لرئيت على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله: إِن الْقُضَاة أَي قُضَاة هَذَا الزَّمَان هَلَكُوا لما تضمنه قَوْله عز وَجل: {إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاَْحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِئَايَاتِى ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وَدخل فِي عُمُومه الْعَامِد والمخطىء. فاستدل بقوله: 4 5 الْآيَة على أَن الْوَعيد خَاص بالعامد، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله فَإِنَّهُ أَي: فَإِن الله أثنى على هَذَا أَي: على سُلَيْمَان بِعِلْمِهِ. قَوْله: وَعذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: هَذَا، يَعْنِي دَاوُد بِاجْتِهَادِهِ، فَلذَلِك لم يلمه.
وَقَالَ مُزَاحِمُ بنُ زُفَرَ: قَالَ لَنا عُمَرُ بنُ عبْدِ العَزِيزِ: خَمْسٌ إذَا أخْطأ القاضِي مِنْهُنَّ خُطةً كانَتْ فِيهِ وصمْةٌ: أنْ يَكُونَ فَهِماً حَليماً عَفيفاً صَليباً عالِماً سَؤُلاً عنِ العِلْمِ.
مُزَاحم بِضَم الْمِيم وبالزاي وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة ابْن زفر بِضَم الزَّاي وَفتح الْفَاء وبالراء الْكُوفِي، وَهُوَ مِمَّن أخرج لَهُ مُسلم، وَعمر بن عبد الْعَزِيز الْخَلِيفَة الْمَشْهُور الْعَادِل. قَوْله: خمس أَي: خمس خِصَال. قَوْله: إِذا أَخطَأ أَي: إِذا تجَاوز وَفَاتَ مِنْهُنَّ أَي: من الْخمس الْمَذْكُورَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: مِنْهُم، أَي: من الْقُضَاة. قَوْله: خطة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني، وَفِي رِوَايَته عَنهُ: خصْلَة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وهما بِمَعْنى. قَوْله: وصمة بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة أَي: عيب وعار. قَوْله: أَن يكون تَفْسِير لحَال القَاضِي الْمَذْكُور وَهُوَ جملَة فِي مَحل

(24/241)


الرّفْع على الخبرية تَقْدِيره: وَهِي أَن يكون. قَوْله: فهما بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْهَاء، قَالَ بَعضهم: هُوَ من صِيغ الْمُبَالغَة. قلت: هُوَ من الصِّفَات المشبهة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فَقِيها، قَوْله: حَلِيمًا يَعْنِي على من يُؤْذِيه وَلَا يُبَادر بالانتقام، وَقيل: الْحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة يَعْنِي: يكون متحملاً لسَمَاع كَلَام المتحاكمين وَاسع الْخلق غير ضجور وَلَا غضوب. قَوْله: عفيفاً أَي: يكف عَن الْحَرَام فَإِنَّهُ إِذا كَانَ عَالما وَلم يكن عفيفاً كَانَ ضَرَره أَشد من ضَرَر الْجَاهِل، وَيُقَال: الْعِفَّة النزاهة عَن القبائح أَي: لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة بِصُورَة الْهَدِيَّة وَلَا يمِيل إِلَى ذِي جاه وَنَحْوه، قَوْله: صليباً على وزن فعيل من الصَّلَاة أَي: قَوِيا شَدِيدا يقف عِنْد الْحق وَلَا يمِيل مَعَ الْهوى ويستخلص حق المحق من الْمُبْطل وَلَا يتهاون فِيهِ وَلَا يحاميه. قَوْله: سؤولاً على وزن فعول أَي: كثير السُّؤَال عَن الْعلم مذاكراً مَعَ أهل الْعلم لِأَنَّهُ رُبمَا يظْهر لَهُ من غَيره مَا هُوَ أقوى مِمَّا عِنْده.
وَهَذَا الْأَثر وَصله سعيد بن مَنْصُور فِي السّنَن عَن عبَادَة بن عباد وَمُحَمّد بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن عَفَّان كِلَاهُمَا قَالَ: حَدثنَا مُزَاحم بن زفر قَالَ: قدمنَا على عمر بن عبد الْعَزِيز فِي خِلَافَته وَقد أَمر أهل الْكُوفَة فسألنا عَن بِلَادنَا وقاضينا وَأمره، وَقَالَ: خمس إِذا أَخطَأ ... إِلَى آخِره. فَإِن قلت: هَذِه سِتَّة لَا خَمْسَة. قلت: السَّادِس من تَتِمَّة الْخَامِس، لِأَن كَمَال الْعلم لَا يحصل إلَّا بالسؤال.

17 - (بابُ رزْقِ الحُكّامِ والعامِلِينَ عَلَيْها)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان رزق الْحُكَّام بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْكَاف جمع حَاكم والعاملين جمع عَامل وَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى أمرا من أَعمال الْمُسلمين كالولاة وجباة الْفَيْء وعمال الصَّدقَات وَنَحْوهم، وَفِي بعض النّسخ: بَاب رزق الْحَاكِم، وَفِي بَعْضهَا: بَاب رزق القَاضِي، والرزق مَا يرتبه الإِمَام من بَيت المَال لمن يقوم بمصالح الْمُسلمين. قَوْله: عَلَيْهَا، قَالَ بَعضهم: أَي على الحكومات. قلت: الصَّوَاب أَن يُقَال: على الصَّدقَات، بِقَرِينَة ذكر الرزق والعاملين.
وكانَ شُرَيْحٌ القاضِي يأخُذُ عَلى القَضاءِ أجْراً.
شُرَيْح هُوَ ابْن الْحَارِث بن قيس النَّخعِيّ الْكُوفِي قَاضِي الْكُوفَة، ولاه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ قضى من بعده بِالْكُوفَةِ دهراً طَويلا، ثِقَة مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، وَيُقَال: إِن لَهُ صُحْبَة، مَاتَ قبل الثَّمَانِينَ وَقد جَاوز الْمِائَة. قَوْله: أجرا أَي: أُجْرَة، وَفِي التَّلْوِيح هَذَا التَّعْلِيق ضَعِيف وَهُوَ يرد على من قَالَ: التَّعْلِيق المجزوم بِهِ عِنْد البُخَارِيّ صَحِيح. قلت: رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور من طَرِيق مجَالد عَن الشّعبِيّ بِلَفْظ: كَانَ مَسْرُوق لَا يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا، وَكَانَ شُرَيْح يَأْخُذ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن الْفضل بن دُكَيْن عَن الْحسن بن صَالح عَن ابْن أبي ليلى قَالَ: بلغنَا أَو قَالَ: بَلغنِي أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رزق شريحاً خَمْسمِائَة. قلت: هَذَا يُؤَيّد قَول من قَالَ: التَّعْلِيق الْمَذْكُور ضَعِيف، لِأَن القَاضِي إِذا كَانَ لَهُ شَيْء من بَيت المَال لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْأُجْرَة. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: ذهب الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز أَخذ القَاضِي الْأُجْرَة على الحكم لكَونه يشْغلهُ الحكم عَن الْقيام بمصالحه. غير أَن طَائِفَة من السّلف كرهت ذَلِك وَلم يحرموه مَعَ ذَلِك، وَقَالَ أَبُو عَليّ الْكَرَابِيسِي: لَا بَأْس للْقَاضِي أَن يَأْخُذ الرزق على الْقَضَاء عِنْد أهل الْعلم قاطبة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ، وَهُوَ قَول فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَلَا أعلم بَينهم اخْتِلَافا، وَقد كره ذَلِك قوم مِنْهُم مَسْرُوق، وَلَا أعلم أحدا مِنْهُم حرمه. وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة ثمَّ إِن القَاضِي إِذا كَانَ فَقِيرا فَالْأَفْضَل بل الْوَاجِب أَخذ كِفَايَته، وَإِن كَانَ غَنِيا فَالْأَفْضَل الِامْتِنَاع عَن أَخذ الرزق من بَيت المَال رفقا بِبَيْت المَال. وَقيل: الْأَخْذ هُوَ الْأَصَح صِيَانة للْقَضَاء عَن الهوان ونظراً لمن يُولى بعده من المحتاجين وَيَأْخُذ بِقدر الْكِفَايَة لَهُ ولعياله.
وقالَتْ عَائِشَةُ: يأكُلُ الوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمالَتِهِ.
العمالة بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم، وَقيل: هُوَ من المثلثات وَهِي أُجْرَة الْعَمَل، وَوصل ابْن أبي شيبَة هَذَا التَّعْلِيق من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْءَانَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} قَالَت: أنزل ذَلِك فِي ولي مَال الْيَتِيم يقوم عَلَيْهِ بِمَا يصلحه إِن كَانَ مُحْتَاجا يَأْكُل مِنْهُ.

(24/242)


وأكَلَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، رَضِي الله عَنْهُمَا.
أكلهما كَانَ فِي أَيَّام خِلَافَتهمَا لاشتغالهما بِأُمُور الْمُسلمين، وَلَهُمَا من ذَلِك حق، وَأثر أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ: قد علم قومِي أَن حرفتي لم تكن تعجز عَن مؤونة أَهلِي، وَقد شغلت بِأَمْر الْمُسلمين، وَفِيه: فيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال، وَأثر عمر وَصله ابْن أبي شيبَة أَيْضا وَابْن سعد من طَرِيق حَارِثَة بن مضرب بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة بعْدهَا مُوَحدَة. قَالَ: قَالَ عمر: إِنِّي أنزلت نَفسِي من مَال الله منزلَة قيم الْيَتِيم إِن اسْتَغْنَيْت عَنهُ تركت، وَإِن افْتَقَرت إِلَيْهِ أكلت بِالْمَعْرُوفِ.

حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ ابنُ أُخْتِ نَمِر أنَّ حُوَيْطِبَ بنَ عبْدِ العُزَّى أخْبَرَهُ أنَّ عَبْدَ الله بنَ السَّعْدِيِّ أخْبَرَهُ أنَّهُ قَدِمَ عَلى عُمَرَ فِي خِلافَتِهِ فَقَالَ لهُ عُمَرُ: ألَمْ أُحَدَّثْ أنَّك تَلِي مِنْ أعْمالِ الناسِ أعْمالاً؟ فَإِذا أُعْطِيتَ العُمالَةَ كَرِهْتَها؟ فَقُلْتُ: بَلاى. فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذالِكَ؟ قُلْتُ: إنَّ لي أفْراساً وأعْبُداً وَأَنا بِخَيْر، وأُرِيدُ أَن تَكُونَ عُمالَتِي صَدَقَةً عَلى المُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ فإنِّي كُنْتُ أرَدْتُ الّذِي أرَدْتَ. فَكَانَ رسولُ الله يُعْطِيني العَطاءَ فأقُولُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أعْطاني مَرَّةً مَالا فَقُلْتُ: أعْطهِ أفْقرَ إلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النبيُّ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وتَصَدَّقْ بِهِ فَما جاءَكَ مِنْ هَذَا المالِ وأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سائِلٍ فَخُذْهُ وإلاّ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ وعنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمرَ يَقُولُ: كانَ النبيُّ يُعْطِيني العَطاءَ فأقُولُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أعْطانِي مَرَّةً مَالا فَقُلْتُ: أعْطِهِ مَنْ هُوَ أفْقَرُ إلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النبيُّ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وتَصَدَّقْ بِهِ فَما جاءَكَ مِنْ هَذَا المالِ وأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سائِلٍ فَخذْهُ وَمَا لَا فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ
انْظُر الحَدِيث 1473 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، والسائب بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أُخْت نمر بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم بعْدهَا رَاء هُوَ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَأدْركَ من زمن النَّبِي سِتّ سِنِين وَحفظ عَنهُ، وَهُوَ من أَوَاخِر الصَّحَابَة موتا، وَآخر من مَاتَ مِنْهُم بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو عمر: قيل: إِنَّه توفّي سنة ثَمَانِينَ، وَقيل: سِتّ وَثَمَانِينَ، وَقيل: سنة إِحْدَى وَتِسْعين، وَهُوَ ابْن أَربع وَتِسْعين، وَقيل: سِتّ وَتِسْعين، وَحُوَيْطِب تَصْغِير الحاطب بالمهملتين ابْن عبد الْعُزَّى، اسْم الصَّنَم الْمَشْهُور، العامري من الطُّلَقَاء كَانَ من مسلمة الْفَتْح وَهُوَ أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، أدْرك الْإِسْلَام وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة أَو نَحْوهَا، وَأعْطِي من غَنَائِم بدر مائَة بعير وَكَانَ مِمَّن دفن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَاعَ من مُعَاوِيَة دَارا بِالْمَدِينَةِ بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة. وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة، وَعبد الله بن السَّعْدِيّ هُوَ عبد الله بن وقدان بن عبد شمس بن عبدود، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: ابْن السَّعْدِيّ، لِأَن أَبَاهُ كَانَ مسترضعاً فِي بني سعد، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سبع وَخمسين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
وَهَذَا الْإِسْنَاد من الغرائب اجْتمع فِيهِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ وَفِي الْجراح عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن لَيْث بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَغَيره.
قَوْله: ألم أحدث بِضَم الْهمزَة وَفتح الْحَاء وَتَشْديد الدَّال. قَوْله: تلِي من أَعمال النَّاس أَي: الولايات من إمرة أَو قَضَاء أَو نَحْوهمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة بشر بن سعيد عِنْد مُسلم: استعملني عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الصَّدَقَة، فعين الْولَايَة. قَوْله: فَإِذا

(24/243)


أَعْطَيْت على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: العمالة بِالضَّمِّ أُجْرَة الْعَمَل وبالفتح نفس الْعَمَل. قَوْله: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِك؟ يَعْنِي: مَا غَايَة قصدك بِهَذَا الرَّد؟ قَوْله: أفراساً جمع فرس. قَوْله: وأعبداً جمع عبد، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أعتداً، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق جمع عتيد وَهُوَ المَال المدخر. قَوْله: الَّذِي أردْت بِفَتْح التَّاء. قَوْله: يعطيني الْعَطاء أَي: المَال الَّذِي يقسمهُ الإِمَام فِي الْمصَالح. قَوْله: أعْطه أفقر إِلَيْهِ مني أَي: أعطِ بِهَمْزَة الْقطع الَّذِي هُوَ أفقر إِلَيْهِ مني، وَفصل بَين أفعل التَّفْضِيل وَبَين كلمة: من، لِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يجز عِنْد النُّحَاة، إِذا كَانَ أَجْنَبِيّا وَهنا هُوَ ألصق بِهِ من الصِّلَة لِأَن ذَلِك مُحْتَاج إِلَيْهِ بِحَسب جَوْهَر اللَّفْظ والصلة مُحْتَاج إِلَيْهَا بِحَسب الصِّيغَة. قَوْله: غير مشرف أَي: غير طامع وَلَا نَاظر، إِلَيْهِ قَوْله: وإلاَّ أَي: وَإِن لم يَجِيء إِلَيْك فَلَا تتبعه نَفسك فِي طلبه واتركه، قيل: لم مَنعه رَسُول الله من الإيثار؟ أُجِيب بِأَنَّهُ أَرَادَ الْأَفْضَل والأعلى من الْأجر، لِأَن عمر، وَإِن كَانَ مأجوراً بإيثاره الأحوج، لَكِن أَخذه ومباشرته الصَّدَقَة بِنَفسِهِ أعظم، وَذَلِكَ لِأَن التَّصَدُّق بعد التمول إِنَّمَا هُوَ دفع الشُّح الَّذِي هُوَ مستولٍ على النُّفُوس.
قَوْله: وَعَن الزُّهْرِيّ حَدثنِي سَالم، هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور أَولا إِلَى الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن أبي الْيَمَان شيخ البُخَارِيّ الْحَدِيثين الْمَذْكُورين بالسند الْمَذْكُور إِلَى عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَفِيه: أَخذ الرزق لمن اشْتغل بِشَيْء من مصَالح الْمُسلمين، وَذكر ابْن الْمُنْذر أَن زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يَأْخُذ الْأجر على الْقَضَاء، وروى ذَلِك عَن ابْن سِيرِين وَشُرَيْح، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَإِسْحَاق وَأبي عبيد. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا أَخذ القَاضِي جعلا لم يجز عِنْدِي، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَحَدِيث ابْن السَّعْدِيّ حجَّة فِي جَوَاز إرزاق الْقُضَاة من وجوهها.
وَفِيه: إِن أَخذ مَا جَاءَ من المَال بِغَيْر مَسْأَلَة أفضل من تَركه لِأَنَّهُ يَقع فِي إِضَاعَة المَال، وَقد نهى الشَّرْع عَن ذَلِك، وَذهب بعض الصُّوفِيَّة، إِلَى أَن المَال إِذا جَاءَ من غير إشراف نفس وَلَا سُؤال لَا يرد، فَإِن رد عُوقِبَ بالحرمان، ويحكى عَن أَحْمد أَيْضا، وَأهل الظَّاهِر، وَقَالَ ابْن التِّين: فِي هَذَا الحَدِيث كَرَاهَة أَخذ الرزق على الْقَضَاء مَعَ الِاسْتِغْنَاء وَإِن كَانَ المَال طيبا.

18 - (بابُ مَنْ قَضَى ولاعَنَ فِي المَسْجدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قضى ولاعن فِي الْمَسْجِد. قَوْله: قضى ولاعن فعلان تنَازعا فِي الْمَسْجِد، وَمعنى: لَاعن، أَمر بِاللّعانِ على سَبِيل الْمجَاز نَحْو: كسى الْخَلِيفَة الْكَعْبَة.
ولاعَنَ عُمَرُ عِنْد مِنْبَرِ النبيِّ
أَي: أَمر عمر، رَضِي الله عَنهُ، بِاللّعانِ عِنْد مِنْبَر النَّبِي وَإِنَّمَا خص عمر الْمِنْبَر لِأَنَّهُ كَانَ يرى التَّحْلِيف عِنْد الْمِنْبَر أبلغ فِي التَّغْلِيظ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ التَّغْلِيظ فِي الْأَيْمَان بِالْمَكَانِ، وقاسوا عَلَيْهِ الزَّمَان. وَفِي التَّوْضِيح يغلظ فِي اللّعان بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَهِي سنة عندنَا لَا فرض على الْأَصَح. وَقَالَ مَالك بالتغليظ، وَأَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَنعه وروى ابْن كنَانَة عَن مَالك: يجزىء فِي المَال الْعَظِيم والدماء، وزمن اللّعان بعد الْعَصْر عندنَا، وَعند الْمَالِكِيَّة: أثر الصَّلَاة، واختصاص الْعَصْر لاختصاصه بِالْمَلَائِكَةِ، أَعنِي: مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار.
وقَضَى شُرَيْحٌ والشَّعْبِيُّ ويَحْياى بنُ يَعْمَرَ فِي المَسْجِدِ.
شُرَيْح هُوَ القَاضِي الْمَشْهُور، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَيحيى بن يعمر بِفَتْح الْيَاء وَالْمِيم بَينهمَا عين مُهْملَة الْبَصْرِيّ القَاضِي بمرو، وَأثر شُرَيْح وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ: رَأَيْت شريحاً يقْضِي فِي الْمَسْجِد وَعَلِيهِ برنس خَز، وَأثر الشّعبِيّ وَصله سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي فِي جَامع سُفْيَان عَن طَرِيق عبد الله بن شبْرمَة، قَالَ: رَأَيْت الشّعبِيّ جلد يَهُودِيّا فِي فِرْيَة فِي الْمَسْجِد، وَأثر يحيى بن يعمر وَصله ابْن أبي شيبَة من رِوَايَة عبد الرحمان بن قيس، قَالَ: رَأَيْت يحيى بن يعمر يقْضِي فِي الْمَسْجِد.

(24/244)


وقَضَى مَرْوانُ عَلى زَيْدِ بنِ ثابِتٍ باليَمِينِ عِنْدَ المِنْبَرِ.
مَرْوَان هُوَ ابْن الحكم. قَوْله: عِنْد الْمِنْبَر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على الْمِنْبَر، وَهَذَا طرف من أثر مضى فِي كتاب الشَّهَادَات.
وكانَ الحَسَنُ وزُرَارَةُ بنُ أوْفَى يَقْضِيانِ فِي الرَّحَبَةِ خارِجاً مِنَ المَسْجِدِ.
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وزرارة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن أوفى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالفاء مَقْصُورا العامري قَاضِي الْبَصْرَة. قَوْله: فِي الرحبة، بِفَتْح الْحَاء وسكونها قَالَه الْكرْمَانِي، وَالظَّاهِر أَن الَّتِي بِالسُّكُونِ هِيَ الْمَدِينَة الْمَشْهُورَة وَهِي الساحة وَالْمَكَان المتسع أَمَام بَاب الْمَسْجِد، غير مُنْفَصِل عَنهُ، وَحكمهَا حكم الْمَسْجِد فَيصح فِيهَا الِاعْتِكَاف فِي الْأَصَح بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت مُنْفَصِلَة.

7165 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ المُتَلاعِنَيْنِ وَأَنا ابنُ خَمْسَ عَشَرَةَ فُرِّقَ بَيْنَهُما.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ ذكر اللّعان. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَقد مضى هَذَا مطولا فِي اللّعان. وَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم: يَقع الْفِرَاق بِنَفس اللّعان وَلَا تحل لَهُ أبدا، وَقَالَ ابْن أبي صفرَة: اللّعان لَا يرفع الْعِصْمَة حَتَّى يُوقع الزَّوْج الطَّلَاق.

7166 - حدّثنا يَحْياى، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ، أَخْبرنِي ابْن شِهاب، عنْ سَهْل أخي بَنِي ساعِدَةَ: أنَّ رجُلاً مِنَ الأنْصارِ جاءَ إِلَى النبيِّ فَقَالَ: أرَأيْتَ رجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رجُلاً أيْقْتُلُه؟ فَتَلاَعَنا فِي المَسْجِدِ وَأَنا شاهِدٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَيحيى هَذَا يحْتَمل أَن يكون يحيى بن جَعْفَر بن أعين البُخَارِيّ البيكندي، وَأَن يكون يحيى بن مُوسَى بن عبد ربه السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، لِأَن كلّاً مِنْهُمَا روى عَن عبد الرَّزَّاق بن همام، وروى البُخَارِيّ عَن كلَ مِنْهُمَا.
وَهَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سهل أخرجه عَن يحيى عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبد الْملك بن جريج عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد ... إِلَى آخِره.
قَوْله: أَخْبرنِي ابْن شهَاب وَفِي الطَّرِيق الأول: قَالَ الزُّهْرِيّ، إِشَارَة إِلَى أَن قَوْله: قَالَ فلَان، دون قَوْله: أَخْبرنِي فلَان، أَو: عَن فلَان. قَوْله: أخي بني سَاعِدَة أَي: وَاحِد مِنْهُم كَمَا يُقَال: هُوَ أَخُو الْعَرَب أَي، وَاحِد مِنْهُم، وَبَنُو سَاعِدَة ينْسب إِلَى سَاعِدَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج. قَوْله: إِن رجلا هُوَ عُوَيْمِر الْعجْلَاني.
والْحَدِيث مر مطولا فِي اللّعان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

19 - (بابُ مَنْ حَكَمَ فِي المَسْجِدِحتَّى إذَا أتَى عَلى حَدَ أمَرَ أنْ يُخْرَجَ مِنَ المَسْجِدِ فَيُقامَ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان من كَانَ لَا يكره الحكم فِي الْمَسْجِد إِذا حكم فِيهِ ثمَّ أَتَى إِلَى حكم فِيهِ إِقَامَة حد من الْحُدُود يَنْبَغِي أَن يَأْمر أَن يخرج من وَجب عَلَيْهِ الْحَد من الْمَسْجِد فيقام الْحَد عَلَيْهِ خَارج الْمَسْجِد، وَقد فسر بَعضهم هَذِه التَّرْجَمَة بقوله: كَأَنَّهُ يُشِير بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى من خصص جَوَاز الحكم فِي الْمَسْجِد بِمَا إِذا لم يكن هُنَاكَ شَيْء يتَأَذَّى بِهِ من فِي الْمَسْجِد، أَو يَقع بِهِ نقص لِلْمَسْجِدِ كالتلويث. انْتهى. قلت: تَفْسِير هَذِه التَّرْجَمَة بِمَا ذَكرْنَاهُ وَلَيْسَ مَا ذكره تَفْسِيرهَا أصلا يقف عَلَيْهِ من لَهُ أدنى ذوق من مَعَاني التراكيب، نعم الَّذِي ذكره يَنْبَغِي أَن يحْتَرز عَنهُ وَلَكِن لَا مُنَاسبَة لَهُ فِي معنى التَّرْجَمَة، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي إِقَامَة الْحُدُود فِي الْمَسْجِد. فَروِيَ عَن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، منع ذَلِك كَمَا

(24/245)


يَجِيء الْآن، وَهُوَ قَول مَسْرُوق وَالشعْبِيّ وَعِكْرِمَة والكوفيين وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه أَقَامَ على رجل من أهل الذِّمَّة حدا فِي الْمَسْجِد، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى، وَرُوِيَ عَن مَالك الرُّخْصَة فِي الضَّرْب بالسياط الْيَسِيرَة فِي الْمَسْجِد، فَإِذا كثرت الْحُدُود فَلَا تُقَام فِيهِ، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا ألزم من أَقَامَ الْحَد فِي الْمَسْجِد مأثماً لِأَنِّي لَا أجد دَلِيلا عَلَيْهِ. وَفِي التَّوْضِيح وَأما الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَن إِقَامَة الْحُدُود فِي الْمَسْجِد فضعيفة.
وَقَالَ عُمَرُ: أخْرِجاهُ مِنَ المَسْجِد.
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب: أَخْرجَاهُ، أَي الَّذِي وَجب عَلَيْهِ الْحَد من الْمَسْجِد، وَفِي بعض النّسخ: وضربه بعد قَوْله: من الْمَسْجِد، وَهَذَا الْأَثر وَصله ابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق كِلَاهُمَا من طَرِيق طَارق بن شهَاب، قَالَ: أُتِي عمر بن الْخطاب بِرَجُل فِي حد. فَقَالَ: أَخْرجَاهُ من الْمَسْجِد، ثمَّ اضرباه، وَسَنَده على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
ويُذْكَرُ عنْ عَلِيَ نَحْوُه.
أَي: يذكر عَن عَليّ بن أبي طَالب نَحْو مَا ذكر عَن عمر بن الْخطاب وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق ابْن معقل بِسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَالْقَاف الْمَكْسُورَة: أَن رجلا جَاءَ إِلَى عَليّ فساره، فَقَالَ: يَا قنبر أخرجه من الْمَسْجِد فأقم عَلَيْهِ الْحَد، وَفِي سَنَده من فِيهِ مقَال فَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض حَيْثُ قَالَ: وَيذكر.

7167 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ وسعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أتَى رجُلٌ رسولَ الله وهْوَ فِي المَسْجدِ، فَنادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنِّي زَنَيْتُ، فأعْرَضَ عنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلى نَفْسِهِ أرْبعاً قَالَ: أبِكَ جُنُونٌ قَالَ: لَا. قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فارْجُمُوهُ