فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ الصَّلَاةِ فِي
النِّعَالِ)
بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نَعْلٍ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ
وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ
تَغْطِيَةِ بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ
[386] قَوْله يُصَلِّي فِي نَعْلَيْه قَالَ بن بَطَّالٍ
هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا
نَجَاسَةٌ ثُمَّ هِيَ مِنَ الرُّخَصِ كَمَا قَالَ بن
دَقِيقِ الْعِيدِ لَا مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لِأَنَّ
ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ مِنَ
الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَلَابِسِ الزِّينَةِ
إِلَّا أَنَّ مُلَامَسَتَهُ الْأَرْضَ الَّتِي تَكْثُرُ
فِيهَا النَّجَاسَاتُ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ هَذِهِ
الرُّتْبَةِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ مُرَاعَاةُ مَصْلَحَةِ
التَّحْسِينِ وَمُرَاعَاةُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ
قُدِّمَتِ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ دَفْعِ
الْمَفَاسِدِ وَالْأُخْرَى مِنْ بَابِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ
قَالَ إِلَّا أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ بِإِلْحَاقِهِ بِمَا
يَتَجَمَّلُ بِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ وَيَتْرُكُ هَذَا
النَّظَرَ قُلْتُ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا خَالِفُوا
الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ
وَلَا خِفَافِهِمْ فَيَكُونُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ مِنْ
جِهَةِ قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَوَرَدَ فِي
كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ مِنَ الزِّينَةِ
الْمَأْمُورِ بِأَخْذِهَا فِي الْآيَةِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
جِدًّا أَوْرَدَهُ بن عدي فِي الْكَامِل وبن مَرْدَوَيْهِ
فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ والعقيلي
من حَدِيث أنس
(قَوْلُهُ بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْخِفَافِ)
يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ بِإِيرَادِ
هَذِهِ التَّرْجَمَةِ هُنَا إِلَى حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ
أَوْسٍ الْمَذْكُورِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
[387] قَوْلُهُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ
وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ
كُوفِيُّونَ إِبْرَاهِيمُ وَشَيْخُهُ وَالرَّاوِي عَنْهُ
قَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى
فِي خُفَّيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَعَهُمَا بَعْدَ
الْمَسْحِ لَوَجَبَ غَسْلُ رِجْلَيْهِ وَلَوْ غَسَلَهُمَا
لَنُقِلَ قَوْلُهُ فَسُئِلَ ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ
طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ
السَّائِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ هَمَّامٌ الْمَذْكُورُ
وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَعَابَ
عَلَيْهِ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَوْلُهُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَانَ
يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَمِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ
يُونُسَ عَنْهُ فَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ يُعْجِبُهُمْ قَوْلُهُ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ
وَلِمُسْلِمٍ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ
نُزُولِ الْمَائِدَةِ
(1/494)
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
قَالُوا إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَيْ مَسْحُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ
قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَالَ جَرِيرٌ مَا
أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَعِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
عَنْ جَرِيرٍ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ
قَالَ رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ
نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ أَقَبْلَ
الْمَائِدَةِ أَمْ بَعْدَهَا قَالَ مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا
بَعْدَ الْمَائِدَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ
مُفَسِّرٌ لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى
الْخُفَّيْنِ تَأَوَّلَ أَنَّ مَسْحَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ
الْوُضُوءِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا
فَذَكَرَ جَرِيرٌ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ رَآهُ يَمْسَحُ
بعد نزُول الْمَائِدَة فَكَانَ أَصْحَاب بن مَسْعُودٍ
يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ لِأَنَّ فِيهِ رَدًّا عَلَى
أَصْحَابِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ بَعْضُ
الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي آيَةِ
الْوُضُوءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْخَفْضِ دَالَّةٌ عَلَى
الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ سَائِرُ
مَبَاحِثِهِ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ
[388] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ هُوَ
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ نُسِبَ إِلَى
جَدِّهِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ غَيْرُهُ
وَفِيهِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ الْأَعْمَشُ
وَشَيْخُهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى وَمَسْرُوقٌ
وَتَرَدُّدُ الْكِرْمَانِيِّ فِي أَنَّ مُسْلِمًا هَلْ
هُوَ أَبُو الضُّحَى أَوِ الْبَطِينُ قُصُورٌ فَقَدْ
جَزَمَ الْحُفَّاظُ بِأَنَّهُ أَبُو الضُّحَى وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ حَيْثُ أوردهُ المُصَنّف تَاما فِي كتاب
الْوضُوء
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ)
كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ هَذِهِ
التَّرْجَمَةُ وَحَدِيثُ حُذَيْفَة فِيهَا والترجمة
الَّتِي بعْدهَا وَحَدِيث بن بُحَيْنَةَ فِيهَا مَوْصُولًا
وَمُعَلَّقًا وَوَقَعَتَا عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ قَبْلَ
بَابِ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَ
الْمُسْتَمْلِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّوَابُ
لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ سَيَأْتِي فِي مَكَانِهِ
اللَّائِقِ بِهِ وَهُوَ أَبْوَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
وَلَوْلَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ
إِعَادَةُ التَّرْجَمَةِ وَحَدِيثُهَا مَعًا لَكَانَ
يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ
الْأُولَى لِأَبْوَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْإِشَارَةُ
إِلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَرْطًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ
كَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا وَمُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ
الثَّانِيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْمُجَافَاةَ فِي
السُّجُودِ لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
فَلَا تَكُونُ مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ وَفِي الْجُمْلَةِ
إِعَادَةُ هَاتَيْنِ التَّرْجَمَتَيْنِ هُنَا وَفِي
أَبْوَابِ السُّجُودِ الْحَمْلُ فِيهِ عِنْدِي عَلَى
النُّسَّاخِ بِدَلِيلِ سَلَامَةِ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي
مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَحْفَظُهُمْ
(1/495)
(قَوْلُهُ بَابُ يُبْدِي ضَبْعَيْهِ
إِلَخْ)
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ قَبْلُ كَمَا تَرَى خَاتِمَةٌ
اشْتَمَلَتْ أَبْوَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَمَا قَبْلَهَا
مِنْ ذِكْرِ ابْتِدَاءِ فَرْضِ الصَّلَاةِ مِنَ
الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ
حَدِيثًا فَإِنْ أَضَفْتَ إِلَيْهَا حَدِيثَيِ
التَّرْجَمَتَيْنِ المذكورتين صَارَت أحدا وَأَرْبَعِينَ
حَدِيثًا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ
خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَفِيهَا مِنَ الْمُعَلَّقَاتِ
أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَإِنْ أَضَفْتَ إِلَيْهَا
الْمُعَلَّقَ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ صَارَتْ
خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا عَشَرَةٌ مِنْهَا أَوْ أَحَدَ
عَشَرَ مُكَرَّرَةٌ وَأَرْبَعَةٌ لَا تُوجَدُ فِيهِ إِلَّا
مُعَلَّقَةً وَهِيَ حَدِيثُ سَلَمَةَ بن الْأَكْوَع يزره
وَلَو بشوكة وَأَحَادِيث بن عَبَّاس وجرهد وبن جَحْشٍ فِي
الْفَخِذِ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى جَمِيعِهَا سِوَى
هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَسِوَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِرَامٍ
لِعَائِشَةَ وَحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
فِي الْأَمْرِ بِمُخَالَفَةِ طَرَفَيِ الثَّوْبِ وَفِيهِ
مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَثَرًا
كُلُّهَا مُعَلَّقَةٌ إِلَّا أَثَرَ عُمَرَ إِذَا وَسَّعَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ فوسعوا على أَنفسكُم فَإِنَّهُ
مَوْصُول قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ قَالَهُ
أَبُو حُمَيْدٍ يَعْنِي السَّاعِدِيَّ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِي صِفَةِ
صَلَاتِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ مَوْصُولًا من حَدِيثه
وَالْمرَاد بأطراف رجلَيْهِ رُؤُوس أَصَابِعِهَا وَأَرَادَ
بِذِكْرِهِ هُنَا بَيَانُ مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ
بِجَمِيعِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْأَعْضَاءِ
[391] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ
بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ وَمَيْمُونُ بْنُ
سِيَاهٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ
التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ هَاءٍ مُنَوَّنَةٍ وَيَجُوزُ
تَرْكُ صَرْفِهِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ
الْأَسْوَدُ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ قَوْلُهُ ذِمَّةُ اللَّهِ
أَيْ أَمَانَتُهُ وَعَهْدُهُ قَوْلُهُ فَلَا تُخْفِرُوا
بِالضَّمِّ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْ لَا تَغْدِرُوا
يُقَالُ أَخَفَرْتُ إِذَا غَدَرْتُ وَخَفَرْتُ إِذَا
حَمَيْتُ وَيُقَالُ إِنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَخَفَرْتُ
لِلْإِزَالَةِ أَيْ تَرَكْتُ حِمَايَتَهُ قَوْلُهُ فَلَا
تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ وَلَا رَسُولِهِ
وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ أَوْ
لِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ الْمَحْذُوفِ وَقَدْ أَخَذَ
بِمَفْهُومِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَتْلِ تَارِكِ
الصَّلَاةِ وَلَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ
تَعْظِيمُ شَأْنِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرَ الِاسْتِقْبَالَ
بَعْدَ الصَّلَاةِ لِلتَّنْوِيهِ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ
دَاخِلٌ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ مِنْ شُرُوطِهَا
وَفِيهِ أَنَّ أُمُورَ النَّاسِ مَحْمُولَةٌ عَلَى
الظَّاهِرِ فَمَنْ أَظْهَرَ شِعَارَ الدِّينِ أُجْرِيَتْ
عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ
خِلَافُ ذَلِك
(1/496)
[392] قَوْله حَدثنَا نعيم هُوَ بن
حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ
بْنِ شَاكِرٍ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ
حَمَّادٍ وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي قَالَ بن
الْمُبَارَكِ بِغَيْرِ ذِكْرِ نُعَيْمٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ
أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا
مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمٍ مَوْصُولًا فِي سُنَنِ
الدَّارَقُطْنِيِّ وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ مُوسَى
وَسَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ وَغَيْرُهُمَا عَن بن
الْمُبَارَكِ قَوْلُهُ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ
وَهِيَ مُرَادَةٌ كَمَا تَقُولُ قَرَأْتُ الْحَمْدُ
وَتُرِيدُ السُّورَةَ كُلَّهَا وَقِيلَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ
وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ جَحَدَ التَّوْحِيدَ فَإِذَا
أَقَرَّ بِهِ صَارَ كَالْمُوَحِّدِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
يَحْتَاجُ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ
فَلِهَذَا عَطَفَ الْأَفْعَالَ الْمَذْكُورَةَ عَلَيْهَا
فَقَالَ وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا إِلَخْ وَالصَّلَاةُ
الشَّرْعِيَّةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِلشَّهَادَةِ
بِالرِّسَالَةِ وَحِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا ذَكَرَ
مِنَ الْأَفْعَالِ أَنَّ مَنْ يُقِرَّ بِالتَّوْحِيدِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ صَلَّوْا وَاسْتَقْبَلُوا
وَذَبَحُوا لَكِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ مِثْلَ صَلَاتِنَا
وَلَا يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا وَمِنْهُمْ مَنْ
يَذْبَحُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْكُلُ
ذَبِيحَتَنَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا وَالِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِ
الْمَرْءِ فِي صَلَاتِهِ وَأَكْلِهِ يُمْكِنُ بِسُرْعَةٍ
فِي أَوَّلِ يَوْمٍ بِخِلَافِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ
الدِّينِ قَوْلُهُ فَقَدْ حَرُمَتْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
وَضَمِّ الرَّاءِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ
الرِّوَايَاتِ بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ سَائِرُ
مَبَاحِثِهِ فِي بَابِ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن الْمَدِينِيِّ
وَفَائِدَةُ إِيرَادِ هَذَا الْإِسْنَادِ تَقْوِيَةُ
رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ لِمُتَابَعَةِ حُمَيْدٍ
لَهُ قَوْلُهُ وَمَا يُحَرِّمُ بِالتَّشْدِيدِ هُوَ
مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ
شَيْءٍ قَبْلَ هَذَا وَعَنْ هَذَا وَالْوَاوُ
اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَسَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ
الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي
قَوْلِ حُمَيْدٍ سَأَلَ مَيْمُونٌ أَنَسًا التَّصْرِيحَ
بِكَوْنِهِ حَضَرَ ذَلِكَ عَقِبهُ بِطَرِيقِ يَحْيَى بْنِ
أَيُّوبَ الَّتِي فِيهَا تَصْرِيحُ حُمَيْدٍ بِأَنَّ
أَنَسًا حَدَّثَهُمْ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ دَلَّسَهُ
وَلِتَصْرِيحِهِ أَيْضًا بِالرَّفْعِ وَإِنْ كَانَ
لِلْأُخْرَى حِكْمَةٌ وَقَدْ رَوَيْنَا طَرِيقَ يَحْيَى
بْنِ أَيُّوبَ مَوْصُولَةً فِي الْإِيمَانِ لِمُحَمَّدِ
بْنِ نصر وَلابْن مَنْدَه وَغَيرهمَا من طَرِيق بن أَبِي
مَرْيَمَ الْمَذْكُورِ وَأَعَلَّ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
طَرِيقَ حُمَيْدٍ الْمَذْكُورَةَ فَقَالَ الْحَدِيثُ
حَدِيثُ مَيْمُونٍ وَحُمَيْدٌ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْهُ
وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ
مُعَاذٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مَيْمُونٍ قَالَ سَأَلْتُ
أَنَسًا قَالَ
(1/497)
وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ لَا
يُحْتَجُّ بِهِ يَعْنِي فِي التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ
قَالَ لِأَنَّ عَادَةَ الْمِصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ
ذِكْرُ الْخَبَرِ فِيمَا يَرْوُونَهُ قُلْتُ هَذَا
التَّعْلِيلُ مَرْدُودٌ وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ
يُوثَقْ بِرِوَايَةِ مُدَلِّسٍ أَصْلًا وَلَوْ صَرَّحَ
بِالسَّمَاعِ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَرِوَايَةُ
مُعَاذٍ لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ حُمَيْدًا لَمْ
يَسْمَعْهُ مِنْ أَنَسٍ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ
يَسْمَعَهُ مِنْ أَنَسٍ ثُمَّ يَسْتَثْبِتَ فِيهِ مِنْ
مَيْمُونٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ السَّائِلَ عَنْ
ذَلِكَ فَكَانَ حَقِيقًا بِضَبْطِهِ فَكَانَ حُمَيْدٌ
تَارَةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ أَنَسٍ لِأَجْلِ الْعُلُوِّ
وَتَارَةً عَنْ مَيْمُونٍ لِكَوْنِهِ ثَبَّتَهُ فِيهِ
وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ حُمَيْدٍ بِهَذَا يَقُولُ
حَدَّثَنِي أَنَسٌ وَثَبَّتَنِي فِيهِ ثَابِتٌ وَكَذَا
وَقع لغير حميد
(قَوْلُهُ بَابُ قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ
الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ)
نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ ضَمُّ قَافِ
الْمَشْرِقِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى بَابٍ وَيَحْتَاجُ
إِلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا
بِالْخَفْضِ وَوَجَّهَ السُّهَيْلِيُّ رِوَايَةَ الضَّمِّ
بِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ حُكْمِ
الْمَشْرِقِ فِي الْقِبْلَةِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ
الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ الشَّامِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ
وَأَجَابَ بن رَشِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ حُكْمِ
الْقِبْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ تَوَافَقَتِ
الْبِلَادُ أَمِ اخْتَلَفَتْ قَوْلُهُ لَيْسَ فِي
الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ هَذِهِ
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ
وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْأَمْرَ
فِي قَوْلِهِ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا عَلَى عُمُومِهِ
وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى
مِثْلِ سَمْتِهِمْ مِمَّنْ إِذَا اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ
أَوْ الْمَغْرِبَ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَمْ
يَسْتَدْبِرْهَا أَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمَشْرِقِ
فَقِبْلَتُهُ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ
وَهَذَا مَعْقُولٌ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى
الْبُخَارِيِّ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنْ
يَكُونَ مُرَادُهُ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي
الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَالشَّامِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَخْصِيصِهِ
الْمَدِينَةَ وَالشَّامَ بِالذِّكْرِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ
لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ مَغْرِبَ الْأَرْضِ
اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمَشْرِقِ إِذِ الْعِلَّةُ
مُشْتَرَكَةٌ وَلِأَنَّ الْمَشْرِقَ أَكْثَرُ الْأَرْضِ
الْمَعْمُورَةِ وَلِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فِي جِهَةِ
مَغْرِبِ الشَّمْسِ قَلِيلَةٌ انْتَهَى
[394] قَوْلُهُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَالْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ
حَدَّثَ بِهِ عَلِيًّا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً صَرَّحَ
بِتَحْدِيثِ الزُّهْرِيِّ لَهُ وَفِيهِ عَنْعَنَةُ عَطَاءٍ
وَمَرَّةً أَتَى بِالْعَنْعَنَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَبِتَصْرِيحِ عَطَاءٍ بِالسَّمَاعِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ
أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مُعَلَّقَةٌ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ
قَالَ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
الثَّانِي سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ الثَّانِي أَقْوَى
لِأَنَّ السَّمَاعَ أَقْوَى مِنَ الْعَنْعَنَةِ
وَالْعَنْعَنَةُ أَقْوَى مِنْ أَنَّ لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ
مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ وَعَنِ
الزُّهْرِيِّ انْتَهَى وَفِي دَعْوَاهُ ضَعْفُ أَنَّ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَنْ نَظَرٌ فَكَأَنَّهُ قَلَّدَ فِي
ذَلِكَ نقل بن الصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ وَيَعْقُوبَ بْنِ
شَيْبَةَ وَقَدْ بَين شَيخنَا فِي شَرحه منظومته وهم
(1/498)
بن الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ
حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنَ
التَّعْبِيرِ بِأَنَّ مَا إِذَا أَضَافَ إِلَيْهَا قِصَّةَ
مَا أَدْرَكَهَا الرَّاوِي وَأَمَّا جَزْمُهُ بِكَوْنِ
السَّنَدِ الثَّانِي مُعَلَّقًا فَهُوَ بِحَسَبِ
الظَّاهِرِ وَإِلَّا فَحَمْلُهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ
مُمْكِنٌ وَقد روينَاهُ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فَذَكَرَ مِثْلَ
سِيَاقِهَا سَوَاءً فَعَلَى هَذَا فَلَا ضَعْفَ فِيهِ
أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَوَائِدُ
الْمَتْنِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيم مصلى)
وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا وَاتَّخِذُوا بِكَسْرِ الْخَاءِ
عَلَى الْأَمْرِ وَهِيَ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ
وَالْأُخْرَى بِالْفَتْحِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْأَمْرُ
دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ
عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ إِلَى جَمِيعِ جِهَاتِ
الْكَعْبَةِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ وَهَذَا
بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ
الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ وَهُوَ
مَوْجُودٌ إِلَى الْآنِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْمُرَادُ
بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ وَقَدْ ثَبَتَ دَلِيلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ جَابِرٍ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا
قَوْلُهُ مُصَلًّى أَيْ قِبْلَةً قَالَهُ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْ مُدَّعًى يُدْعَى عِنْدَهُ وَلَا
يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا
يُصَلَّى فِيهِ بَلْ عِنْدَهُ وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ
الْحَسَنِ بِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ
وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ
أَيْضًا بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَلَوْ تَعَيَّنَ اسْتِقْبَالُ
الْمَقَامِ لَمَا صَحَّتْ هُنَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ
حِينَئِذٍ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهِ وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي
إِيرَاد حَدِيث بن عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ فِي هَذَا الْبَابِ
وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ
بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ فِي عَهْدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ
الْآنَ حَتَّى جَاءَ سَيْلٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ
فَاحْتَمَلَهُ حَتَّى وُجِدَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ فَأُتِيَ
بِهِ فَرُبِطَ إِلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى قَدِمَ
عُمَرُ فَاسْتَثْبَتَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَحَقَّقَ
مَوْضِعَهُ الْأَوَّلَ فَأَعَادَهُ إِلَيْهِ وَبَنَى
حَوْلَهُ فَاسْتَقَرَّ ثَمَّ إِلَى الْآنَ
[395] قَوْلُهُ طَافَ بِالْبَيْتِ لِلْعُمْرَةِ كَذَا
لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ طَافَ
بِالْبَيْتِ لِعُمْرَةٍ بِحَذْفِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ
لِلْعُمْرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا لِيَصِحَّ
الْكَلَامُ قَوْلُهُ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ أَيْ هَلْ
حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْجِمَاعُ
وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَخَصَّ
إِتْيَانَ الْمَرْأَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ
الْمُحرمَات فِي الْإِحْرَام وأجابهم بن عُمَرَ
بِالْإِشَارَةِ إِلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سِيَّمَا فِي أَمْرِ
الْمَنَاسِكِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَأَجَابَهُمْ
جَابِرٌ بِصَرِيحِ النَّهْيِ وَعَلَيْهِ أَكثر الْفُقَهَاء
وَخَالف فِيهِ بن عَبَّاسٍ فَأَجَازَ لِلْمُعْتَمِرِ
التَّحَلُّلَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ
وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ
الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى وَالْمُنَاسِبُ
لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَصَلَّى
خَلْفَ الْمقَام رَكْعَتَيْنِ
(1/499)
وَقَدْ يُشْعِرُ بِحَمْلِ الْأَمْرِ فِي
قَوْلِهِ وَاتَّخِذُوا عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ
بِرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى
وُجُوبِ ذَلِكَ خَلْفَ الْمَقَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي
مَكَانِهِ فِي الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
[397] قَوْلُهُ عَن سيف هُوَ بن سُلَيْمَان أَو بن أبي
سُلَيْمَان الْمَكِّيّ قَوْله أَتَى بن عُمَرَ لَمْ أَقِفْ
عَلَى اسْمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ
وَأَجِدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَقْبَلْتُ وَكَانَ
الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ وَوَجَدْتُ
وَكَأَنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ
اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الصُّورَةِ حَتَّى كَأَنَّ
الْمُخَاطَبَ يُشَاهِدُهَا قَوْلُهُ قَائِمًا بَيْنَ
الْبَابَيْنِ أَيْ الْمِصْرَاعَيْنِ وَحَمَلَهُ
الْكِرْمَانِيُّ تَجْوِيزًا عَلَى حَقِيقَةِ التَّثْنِيَةِ
وَقَالَ أَرَادَ بِالْبَابِ الثَّانِي الَّذِي لَمْ
تَفْتَحْهُ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ
بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ كَانَ إِخْبَارُ الرَّاوِي
بِذَلِكَ بعد أَن فَتحه بن الزبير وَهَذَا يلْزم مِنْهُ
أَن يكون بن عُمَرَ وَجَدَ بِلَالًا فِي وَسَطِ
الْكَعْبَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ
بَيْنَ النَّاسِ بِنُونٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ
أَوْضَحُ قَوْلُهُ قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ أَيْ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَغَيره هَذَا مَعَ أَن الْمَشْهُور عَن بن عُمَرَ مِنْ
طَرِيقِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى قَالَ فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَهِيَ
تَعْيِينُ الْمَوْقِفِ فِي الْكَعْبَةِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ
بِالْكَمِّيَّةِ وَنَسِيَ هُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَن يُقَال يحْتَمل أَن بن
عُمَرَ اعْتَمَدَ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَحَقِّقِ لَهُ
وَذَلِكَ أَنَّ بِلَالًا أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى
وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ فِي النَّهَارِ بِأَقَلَّ مِنْ
رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتِ الرَّكْعَتَانِ مُتَحَقِّقًا
وُقُوعُهُمَا لِمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ
عَادَتِهِ فعلى هَذَا فَقَوله رَكْعَتَيْنِ من كَلَام بن
عُمَرَ لَا مِنْ كَلَامِ بِلَالٍ وَقَدْ وَجَدْتُ مَا
يُؤَيّد هَذَا وَيُسْتَفَاد مِنْهُ جمعا آخَرُ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ
فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ فَاسْتَقْبَلَنِي بِلَالٌ فَقُلْتُ مَا صَنَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا
هُنَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ
قَوْلُهُ نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى عَلَى
أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ لَفْظًا وَلَمْ يُجِبْهُ لَفْظًا
وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْهُ صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ
بِإِشَارَتِهِ لَا بِنُطْقِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ
صَلَّى فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَمْ
يَتَحَقَّقْ هَلْ زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ لَا
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ يُجْمَعُ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ بن عُمَرَ نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ
بِلَالًا ثُمَّ لَقِيَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَسَأَلَهُ
فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الَّذِي
يَظْهَرُ أَنَّ الْقِصَّةَ وَهِيَ سُؤال بن عُمَرَ عَنْ
صَلَاتِهِ فِي الْكَعْبَةِ لَمْ تَتَعَدَّدْ لِأَنَّهُ
أَتَى فِي السُّؤَالِ بِالْفَاءِ الْمُعَقِّبَةِ فِي
الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ فِي هَذِهِ فَأَقْبَلْتُ
ثُمَّ قَالَ فَسَأَلْتُ بِلَالًا وَقَالَ فِي الْأُخْرَى
فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ وَاحِدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ
ثَانِيهُمَا أَن رَاوِي قَول بن عُمَرَ وَنَسِيتُ هُوَ
نَافِعٌ مَوْلَاهُ وَيَبْعُدُ مَعَ طُولِ مُلَازَمَتِهِ
لَهُ إِلَى وَقْتِ مَوْتِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى
حِكَايَةِ النِّسْيَانِ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِحِكَايَةِ
الذِّكْرِ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا
نَقَلَهُ عِيَاضٌ أَنَّ قَوْلَهُ رَكْعَتَيْنِ غَلَطٌ مِنْ
يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان لِأَن بن عُمَرَ قَدْ قَالَ
نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ
(1/500)
كَمْ صَلَّى قَالَ وَإِنَّمَا دَخَلَ
الْوَهْمُ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدُ
فَهُوَ كَلَامٌ مَرْدُودٌ وَالْمُغَلِّطُ هُوَ الْغَالِطُ
فَإِنَّهُ ذَكَرَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلُ وَبَعْدُ فَلَمْ
يَهِمْ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِذَلِكَ حَتَّى يُغَلَّطَ فَقَدْ
تَابَعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عَاصِم عِنْد بن خُزَيْمَةَ
وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كُلُّهُمْ عَنْ
سَيْفٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ سَيْفٌ أَيْضًا فَقَدْ
تَابَعَهُ عَلَيْهِ خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ
أَحْمَدَ وَلم ينْفَرد بِهِ مُجَاهِد عَن بن عمر فقد
تَابعه عَلَيْهِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ
وَالنَّسَائِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ أَحْمَدَ
أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ
قَوِيٍّ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ
الْبَزَّارِ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
صَفْوَانَ قَالَ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُ مَنْ كَانَ
مَعَهُ فَقَالُوا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ السَّارِيَةِ
الْوُسْطَى أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ وَمِنْ حَدِيثِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ
لَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْعَمُودَيْنِ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
فَالْعَجَبُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى تَغْلِيطِ جَبَلٍ
مِنْ جِبَالِ الْحِفْظِ بِقَوْلِ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ
وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَلَوْ سَكَتَ لَسَلِمَ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ
قَوْلُهُ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ أَيْ مُوَاجِهُ بَابِ
الْكَعْبَةِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الظَّاهِرُ مِنَ
التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ أَيْ أَنَّهُ
كَانَ عِنْدَ الْبَابِ قُلْتُ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ
الْمَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَقَدَّمْنَا
أَيْضًا مُنَاسَبَةَ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ
غَيْرِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ اسْتِقْبَال
الْمقَام غير وَاجِب وَنقل عَن بن عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ مَا أُحِبُّ
أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ مَنْ صَلَّى فِيهَا فَقَدْ
تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا خَلْفَهُ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ
أَيْضًا فِي إِيرَادِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا
الْبَابِ
[398] قَوْلُهُ إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ كَذَا وَقَعَ
مَنْسُوبًا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْتُ
عَلَيْهَا وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو
نعيم وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ أَبُو
الْعَبَّاسِ الطَّرْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ لَهُ أَنَّ
الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إِسْحَاقَ غَيْرَ مَنْسُوبٍ
وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي
مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ شَيْخِ إِسْحَاقَ
بْنِ نَصْرٍ فِيهِ بِإِسْنَادِهِ هَذَا فَجعله من رِوَايَة
بن عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنِ
بن جُرَيْجٍ وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَسَيَأْتِي وَجْهُ
التَّوْفِيقِ بَيْنَ رِوَايَةِ بِلَالٍ الْمُثْبِتَةِ
لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْكَعْبَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّافِيَةِ
فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ بِضَمِّ الْقَافِ
وَالْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ أَيْ مُقَابِلِهَا أَوْ
مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْهَا وَهُوَ وَجههَا وَهَذَا مُوَافق
لرِوَايَة بن عُمَرَ السَّالِفَةِ قَوْلُهُ هَذِهِ
الْقِبْلَةُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ قِيلَ
الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَقْرِيرُ حُكْمِ الِانْتِقَالِ عَنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ حُكْمَ مَنْ
شَاهَدَ الْبَيْتَ وُجُوبُ مُوَاجَهَةِ عَيْنِهِ جَزْمًا
بِخِلَافِ الْغَائِبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي
أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ لَيْسَ هُوَ الْحَرَمَ
كُلَّهُ وَلَا مَكَّةَ وَلَا الْمَسْجِدَ الَّذِي حَوْلَ
الْكَعْبَةِ بَلِ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا أَوِ الْإِشَارَةُ
إِلَى وَجْهِ الْكَعْبَةِ أَيْ هَذَا مَوْقِفُ الْإِمَامِ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ
يَقُولُ أَيهَا النَّاس أَن الْبَاب قبْلَة
(1/501)
الْبَيْت وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ
لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْبَالِ
الْبَيْتِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَاللَّهُ أعلم قَوْلُهُ
بَابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ أَيْ
حَيْثُ وُجِدَ الشَّخْصُ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ كَمَا
يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي فِي الْبَابِ
وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ
صَلَاتَهُ وَقَدْ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ
فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ
[399] قَوْلُهُ عَنِ الْبَرَاءِ تَقَدَّمَ فِي بَابِ
الصَّلَاةِ مِنَ الْإِيمَانِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ
بَيَانُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُصَرِّحًا
بِتَحْدِيثِ الْبَرَاءِ لَهُ قَوْلُهُ وَكَانَ يُحِبُّ
أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ
فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ بن عَبَّاسٍ قَالَ
لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودُ أَكْثَرُ
أَهْلِهَا يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَمَرَهُ
اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ
الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ قِبْلَةَ
إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ
فَنَزَلَتْ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ إِنَّمَا كَانَ
يُحِبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّ
الْيَهُودَ قَالُوا يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ وَيتبع قبلتنا
فَنزلت وَظَاهر حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَنَّ
اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ
الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ أَحْمد من
وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ أُمِرَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ أَنْ
يَسْتَمِرَّ عَلَى الصَّلَاةِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ
صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى ثَلَاثَ
حِجَجٍ ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إِلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ
الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ الله
إِلَى الْكَعْبَة فَقَوله فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ
الْأَوَّلِ أَمَرَهُ اللَّهُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ
إِنَّهُ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاجْتِهَادٍ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي
الْعَالِيَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَتَأَلَّفُ أَهْلَ
الْكِتَابِ وَهَذَا لاينفي أَنْ يَكُونَ بِتَوْقِيفٍ
قَوْلُهُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَيْ بِالْمَدِينَةِ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ
(1/502)
مِنَ الْإِيمَانِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ
تَحْرِيرُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّهَا سِتَّةَ
عَشَرَ شَهْرًا وَأَيَّامٌ قَوْلُهُ يُوَجَّهُ بِفَتْحِ
الْجِيمِ أَيْ يُؤْمَرُ بِالتَّوَجُّهِ قَوْلُهُ فَصَلَّى
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رِجَالٌ كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي
وَالْحَمَوِيِّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا رَجُلٌ وَهُوَ
الْمَشْهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ أَنَّ
اسْمُهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَتَحْتَاجُ رِوَايَةُ
الْمُسْتَمْلِي إِلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ فِي قَوْلِهِ
ثُمَّ خَرَجَ أَيْ بَعْضُ أُولَئِكَ الرِّجَالِ قَوْلُهُ
فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلُّونَ
نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِيهِ إِفْصَاحٌ بِالْمُرَادِ
وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
ثُوَيْلَةَ بِنْتِ أَسْلَمَ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ أَوِ
الْعَصْرَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَارِثَة فَاسْتقْبلنَا
مَسْجِد إيليا فَصَلَّيْنَا سَجْدَتَيْنِ أَيْ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ
اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَاخْتَلَفَتِ
الرِّوَايَةُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَحَوَّلَتِ
الْقِبْلَةُ عِنْدَهَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ فَظَاهِرُ
حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا أَنَّهَا الظُّهْرُ وَذَكَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ قَالَ يُقَالُ
إِنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فِي
مَسْجِدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أُمِرَ أَنْ
يَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاسْتَدَارَ
إِلَيْهِ وَدَارَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُقَالُ زَارَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ
بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ
فَصَنَعَتْ لَهُ طَعَامًا وَحَانَتِ الظُّهْرُ فَصَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُمِرَ فَاسْتَدَارَ
إِلَى الْكَعْبَةِ واستقبل الْمِيزَاب فَسمى مَسْجِد
الْقبْلَتَيْنِ قَالَ بن سَعْدٍ قَالَ الْوَاقِدِيُّ هَذَا
أَثْبَتُ عِنْدَنَا وَأَخْرَجَ بن أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ
ضَعِيفٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رويبة كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ
الْعَشِيِّ حِينَ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ فَدَارَ وَدُرْنَا
مَعَهُ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ من حَيْثُ
أَنَسٍ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ يُصَلِّي
الظُّهْرَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ ولِلطَّبَرَانِيِّ
نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ وَفِي كُلٍّ
مِنْهُمَا ضَعْفٌ قَوْلُهُ فَقَالَ أَيِ الرَّجُلُ هُوَ
يَشْهَدُ يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ
التَّجْرِيدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي نَقَلَ
كَلَامَهُ بِالْمَعْنَى وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ
الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْإِيمَانِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ هُنَاكَ
[400] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ زَادَ الْأصيلِيّ بن
إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا هِشَام زَاد الْأصيلِيّ بن
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الدَّسْتُوائِيُّ عَنْ
مُحَمَّدِ بن عبد الرَّحْمَن أَي بن ثَوْبَانَ
الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحُ
عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي طَبَقَتِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ وَلَمْ
يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ شَيْئًا
قَوْلُهُ حَيْثُ تَوَجَّهْتُ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ بِهِ
وَالْحَدَيثُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ اسْتِقْبَالِ
الْقِبْلَةَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ لَكِنْ
رَخَّصَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ
(1/503)
[401] قَوْله عَن مَنْصُور هُوَ بن
الْمُعْتَمِر وَإِبْرَاهِيم هُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ
وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ غَيْرُهُ وَهَذِهِ
التَّرْجَمَةُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ قَوْلُهُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ أَيِ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ لَا أَدْرِي
زَادَ أَوْ نَقَصَ أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ شَكَّ
فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ الْمَذْكُورِ هَلْ كَانَ
لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ لَكِنْ سَيَأْتِي
فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى
خَمْسًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالزِّيَادَةِ
فَلَعَلَّهُ شَكَّ لَمَّا حَدَّثَ مَنْصُورًا وَتَيَقَّنَ
لَمَّا حَدَّثَ الْحَكَمَ وَقَدْ تَابَعَ الْحَكَمُ عَلَى
ذَلِكَ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنَ
مُصَرِّفٍ وَغَيْرَهُمَا وَعَيَّنَ فِي رِوَايَةِ
الْحَكَمِ أَيْضًا وَحَمَّادٍ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَوَقَعَ
لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَمَا فِي
الصَّحِيحِ أَصَحُّ قَوْلُهُ أَحَدَثَ بِفَتَحَاتٍ
وَمَعْنَاهُ السُّؤَالُ عَنْ حُدُوثِ شَيْءٍ مِنَ
الْوَحْيِ يُوجِبُ تَغْيِيرَ حُكْمِ الصَّلَاةِ عَمَّا
عَهِدُوهُ وَدَلَّ اسْتِفْهَامُهُمْ عَنْ ذَلِكَ عَلَى
جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا
يَتَوَقَّعُونَهُ قَوْلُهُ قَالَ وَمَا ذَاكَ فِيهِ
إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شُعُورٌ مِمَّا
وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
جَوَازِ وُقُوعِ السَّهْوِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ
الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْأَفْعَال قَالَ بن دَقِيقِ
الْعِيدِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ
وَالنُّظَّارِ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ
عَلَى النَّبِيِّ السَّهْوُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ
عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيهِ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ وَلِقَوْلِهِ فَإِذَا
نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ
وَفِي قَوْلِهِ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ
لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَأْخِيرِ
الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَمُنَاسَبَةُ
الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهَ فَثَنَى رِجْلَهُ
ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ رِجْلَيْهِ
بِالتَّثْنِيَةِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَلَّ عَلَى
عَدَمِ تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ
أَحْوَالِ الصَّلَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى رُجُوعِ
الْإِمَامِ إِلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ لَكِنْ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَذَكَّرَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ
عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَوْ أَنَّ سُؤَالَهُمْ أَحْدَثَ
عِنْدَهُ شَكًّا فَسَجَدَ لِوُجُودِ الشَّكِّ الَّذِي
طَرَأَ لَا لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ قَوْلُهُ فَلْيَتَحَرَّ
الصَّوَابَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ
الْمُشَدَّدَةِ أَيْ فَلْيَقْصِدْ وَالْمُرَادُ الْبِنَاءُ
عَلَى الْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا مَعَ بَقِيَّةِ
مَبَاحِثِهِ فِي أَبْوَابِ السَّهْوِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
(1/504)
(قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي
الْقِبْلَةِ)
أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ
عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي
الْقِبْلَةِ إِذا تبين خَطؤُهُ فروى بن أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ
وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ
وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا تَجِبُ فِي الْوَقْتِ لَا
بَعْدَهُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُعِيدُ إِذَا تَيَقَّنَ
الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ
عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ
الْأَوَّلِينَ لَكِنْ قَالَ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ
قَوْلُهُ وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ مَوْصُولٌ
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ لَكِنَّ قَوْلُهُ
وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ
مِنْ طَرِيقِ أبي سُفْيَان مولى بن أبي أَحْمد عَن أبي
هُرَيْرَة وَوهم بن التِّينِ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ
حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ طرف من حَدِيث بن مَسْعُود
الْمَاضِي لِأَن حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ
مِنْ طُرُقِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ
وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ
جِهَةِ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى الصَّلَاةِ دَالٌّ عَلَى
أَنَّهُ فِي حَالِ اسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ كَانَ فِي
حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ
الِاسْتِقْبَالَ سَاهِيًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ
[402] قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ هُوَ مِنْ
رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ
عَنْ كَبِيرٍ قَوْلُهُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ أَيْ
وَقَائِعَ وَالْمَعْنَى وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ
الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ مَا رَأَيْتُ لَكِنْ لِرِعَايَةِ
الْأَدَبِ أَسْنَدَ الْمُوَافَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوثِ رَأْيهِ وَقِدَمِ الْحُكْمِ
وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِهِ الْعَدَدَ بِالثَّلَاثِ مَا
يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ
الْمُوَافَقَةُ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذِهِ مِنْ
مَشْهُورِهَا قِصَّةُ أُسَارَى بَدْرٍ وَقِصَّةُ
الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ
وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ من حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ
قَالَ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ
وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهِ
عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى
كَثْرَةِ مُوَافَقَتِهِ وَأَكْثَرُ مَا وَقَفْنَا مِنْهَا
بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ ذَلِكَ
بِحَسَبِ الْمَنْقُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى
مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ
وَعَلَى مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ
عَسَى رَبُّهُ إِلَخْ وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
زِيَادَةً يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي بَابِ
عِشْرَةِ النِّسَاءِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ كَانَ اللَّائِقُ إِيرَادَ هَذَا الْحَدِيثِ
فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَالْجَوَاب أَنه عدل عَنهُ
إِلَى حَدِيث بن عُمَرَ لِلتَّنْصِيصِ فِيهِ عَلَى وُقُوعِ
ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِخِلَافِ حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ
التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَأَمَّا مُنَاسَبَتُهُ
لِلتَّرْجَمَةِ فَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ
الْمُرَادَ مِنَ التَّرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ
فَسَّرَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ بِالْكَعْبَةِ فَظَاهِرٌ
أَوْ بِالْحَرَمِ كُلِّهِ فَمن فِي قَوْله من مقَام
إِبْرَاهِيم لِلتَّبْعِيضِ وَمُصَلًّى أَيْ قِبْلَةً أَوْ
بِالْحَجَرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ
الْأَظْهَرُ فَيَكُونَ تَعَلُّقُهُ بالمتعلق بالقبلة لَا
بِنَفس الْقبْلَة وَقَالَ بن رَشِيدٍ الَّذِي يَظْهَرُ لِي
أَنَّ تَعَلُّقَ الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ
إِلَى مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لِأَنَّ
عُمَرَ اجْتَهَدَ فِي أَنِ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ
الْمُصَلَّى إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ فِي
وَجْهِ الْكَعْبَةِ فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَاتِ
الْقِبْلَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَحَصَلَتْ مُوَافَقَتُهُ
عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيبِ اجْتِهَادِ
الْمُجْتَهِدِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَلَا يخفى مَا فِيهِ
[] قَوْله وَقَالَ بن أبي مَرْيَم فِي رِوَايَة كَرِيمَة
حَدثنَا بن أَبِي مَرْيَمَ وَفَائِدَةُ إِيرَادِ هَذَا
الْإِسْنَادِ مَا فِيهِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِسَمَاعِ
حُمَيْدٍ مِنْ أَنَسٍ فَأُمِنَ مِنْ تَدْلِيسِهِ
وَقَوْلُهُ بِهَذَا أَيْ إِسْنَادًا وَمَتْنًا فَهُوَ مِنْ
رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٌ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفَائِدَةُ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحُ حُمَيْدٍ
بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ
بَعْضُهُمْ بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَمْ يَحْتَجَّ
بِهِ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ خَرَّجَ لَهُ فِي
الْمُتَابَعَاتِ وَأَقُولُ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ
الْمُتَابَعَاتِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
بِالتَّصْرِيحِ الْمَذْكُورِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ
أَبِي الرَّبِيعِ الزُّهْرَانِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ
أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
(1/505)
[403] قَوْلُهُ بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ
بِالْمَدِّ وَالصَّرْفِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَيَجُوزُ
فِيهِ الْقَصْرُ وَعَدَمُ الصَّرْفِ وَهُوَ يُذَكَّرُ
وَيُؤَنَّثُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ ظَاهِرَ الْمَدِينَةِ
وَالْمُرَادُ هُنَا مَسْجِدُ أَهْلِ قُبَاءَ فَفِيهِ
مَجَازُ الْحَذْفِ وَاللَّامُ فِي النَّاسِ لِلْعَهْدِ
الذِّهْنِيِّ وَالْمُرَادُ أَهْلُ قُبَاءَ وَمَنْ حَضَرَ
مَعَهُمْ قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلِمُسْلِمٍ فِي
صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَهُوَ أَحَدُ أَسْمَائِهَا وَقَدْ
نَقَلَ بَعْضُهُمْ كَرَاهِيَةَ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ
وَهَذَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ
الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي
صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْجَوَابُ أَنْ لَا مُنَافَاةَ
بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ
الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ
بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ
وَالْآتِي إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ أَو
بن نَهِيكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ
الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ
بَنُو عَمْرو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءٍ وَذَلِكَ فِي
حَدِيث بن عُمَرَ وَلَمْ يُسَمَّ الْآتِي بِذَلِكَ
إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ بن طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ نَقَلُوا
أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ
ذَلِكَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ بَنِي حَارِثَةَ فِي
صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوا مَحْفُوظًا
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّادٌ أَتَى بَنِي حَارِثَةَ
أَوَّلًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى
أَهْلِ قُبَاءٍ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فِي وَقْتِ
الصُّبْحِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِمَا أَنَّ
مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ
الْفَجْرِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ بن عُمَرَ فِي
تَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي
حَارِثَةَ قَوْلُهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ
قُرْآنٌ فِيهِ إِطْلَاقُ اللَّيْلَةِ عَلَى بَعْضِ
الْيَوْمِ الْمَاضِي وَاللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِيهِ
مَجَازًا وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ قُرْآنٌ لِإِرَادَةِ
الْبَعْضِيَّةِ وَالْمُرَادُ قَوْلُهُ قَدْ نَرَى
تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ الْآيَاتِ قَوْلُهُ
وَقَدْ أُمِرَ فِيهِ أَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْزَمُ أُمَّتَهُ
وَأَنَّ أَفْعَالَهُ يُتَأَسَّى بِهَا كَأَقْوَالِهِ
حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ قَوْلُهُ
فَاسْتَقْبَلُوهَا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْأَكْثَرِ
أَيْ فَتَحَوَّلُوا إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَفَاعِلُ
اسْتَقْبَلُوهَا الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَهُمْ أَهْلُ
قُبَاءٍ وَقَوْلُهُ وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَخْ
تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِلتَّحَوُّلِ الْمَذْكُورِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ اسْتَقْبَلُوهَا
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ
مَعَهُ وَضَمِيرُ وُجُوهِهِمْ لَهُمْ أَوْ لِأَهْلِ
قُبَاءٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ
الْأَصِيلِيِّ فَاسْتَقْبِلُوهَا بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَيَأْتِي فِي ضَمِيرِ وُجُوهِهِمُ
الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ وَعَوْدِهِ إِلَى أَهْلِ
قُبَاءٍ أَظْهَرُ وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْكَسْرِ أَنَّهُ
عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ
سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ وَقَدْ أُمِرَ
أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا
فَدُخُولُ حَرْفِ الِاسْتِفْتَاحِ يُشْعِرُ بِأَنَّ
الَّذِي بَعْدَهُ أَمْرٌ لَا أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ
الَّذِي قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ بَيَانُ
كَيْفِيَّةِ التَّحَوُّلِ فِي حَدِيث ثويلة بنت أسلم عِنْد
بن أَبِي حَاتِمٍ وَقَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ قَرِيبًا
وَقَالَتْ فِيهِ فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ
الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاء
(1/506)
فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ
الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ قُلْتُ
وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ
فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ
لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانِهِ
لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفِ وَلَمَّا
تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ حَتَّى
صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتِ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ
خَلْفَ الرِّجَالِ وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا
فِي الصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ
قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ
تَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اغْتُفِرَ
الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ
الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْدَ
التَّحْوِيلِ بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ حُكْمَ النَّاسِخِ
لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ
لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ
مَعَ كَوْنِ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَقَعَ
قَبْلَ صَلَاتِهِمْ تِلْكَ بِصَلَوَاتٍ وَاسْتَنْبَطَ
مِنْهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ
الدَّعْوَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ
فَالْفَرْضُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ وَفِيهِ جَوَازُ
الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَمَادَوْا فِي
الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعُوهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ
رَجَحَ عِنْدَهُمُ التَّمَادِي وَالتَّحَوُّلُ عَلَى
الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا
عَنِ اجْتِهَادٍ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ
أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ سَابِقٌ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
مُتَرَقِّبًا التَّحَوُّلَ الْمَذْكُورَ فَلَا مَانِعَ
أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا صَنَعُوا مِنَ التَّمَادِي
وَالتَّحَوُّلِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ
وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَنَسْخُ مَا تَقَرَّرَ
بِطَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقِ
الْقَطْعِ لِمُشَاهَدَتِهِمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَتِهِ وَوَقَعَ
تَحَوُّلُهُمْ عَنْهَا إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِخَبَرِ
هَذَا الْوَاحِدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ
الْمَذْكُورَ احْتَفَّتْ بِهِ قَرَائِنُ وَمُقَدَّمَاتٌ
أَفَادَتِ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ بِصِدْقِ ذَلِكَ
الْمُخْبِرِ فَلَمْ يُنْسَخْ عِنْدَهُمْ مَا يُفِيدُ
الْعِلْمَ إِلَّا بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَقِيلَ كَانَ
النَّسْخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزًا فِي زَمَنِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا
مُنِعَ بَعْدَهُ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَفِيهِ
جَوَازُ تَعْلِيمِ مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَنْ هُوَ
فِيهَا وَأَنَّ اسْتِمَاعَ الْمُصَلِّي لِكَلَامِ مَنْ
لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي
حُوِّلَتْ فِيهِ الْقِبْلَةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ
الْبَرَاءِ فِي كتاب الْإِيمَان وَوجه تعلق حَدِيث بن
عُمَرَ بِتَرْجَمَةِ الْبَابِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى
الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهَا مِنْ قَوْلِهِ أُمِرَ أَنْ
يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ وَعَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي
مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ صَلَّوْا فِي أَوَّلِ تِلْكَ
الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ جَاهِلِينَ
بِوُجُوبِ التَّحَوُّلِ عَنْهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ
مَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ فَيَكُونُ
حُكْمُ السَّاهِي كَذَلِكَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجَاهِلَ مُسْتَصْحِبٌ لِلْحُكْمِ
الْأَوَّلِ مُغْتَفَرٌ فِي حَقِّهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
حَقِّ السَّاهِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ حُكْمٍ
اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ وعرفه
[404] قَوْله عَن عبد الله يَعْنِي بن مَسْعُودٍ قَالَ
صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الظُّهْرَ خَمْسًا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي
الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَتَعَلُّقُهُ بِالتَّرْجَمَةِ
مِنْ قَوْلِهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ أَيْ مَا سَبَبُ هَذَا
السُّؤَالِ وَكَانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَ
مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ سَهْوًا كَمَا يَظْهَرُ فِي
الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ من قَوْله فَثنى رجله واستقبل
الْقبْلَة
(1/507)
(قَوْلُهُ بَابُ حَكِّ الْبُزَاقِ
بِالْيَدِ مِنَ الْمَسْجِدِ)
أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِآلَةٍ أَمْ لَا وَنَازَعَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَوْلُهُ فَحَكَّهُ
بِيَدِهِ أَيْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ
بَاشَرَ بِيَدِهِ النُّخَامَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ
الْحَدِيثَ الْآخَرَ أَنَّهُ حَكَّهَا بِعُرْجُونٍ اه
وَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ
مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي الْقِصَّةِ مِنَ
التَّعَدُّدِ وَحَدِيثُ الْعُرْجُونِ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
[405] قَوْلُهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ كَذَا فِي
جَمِيعِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الطُّرُقِ
بِالْعَنْعَنَةِ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
فَصَرَّحَ بِسَمَاعِ حُمَيْدٍ مِنْ أَنَسٍ فَأُمِنَ
تَدْلِيسُهُ قَوْلُهُ نُخَامَةٌ قِيلَ هِيَ مَا يَخْرُجُ
مِنَ الصَّدْرِ وَقِيلَ النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ مِنَ
الصَّدْرِ وَبِالْمِيمِ مِنَ الرَّأْسِ قَوْلُهُ فِي
الْقِبْلَةِ أَيِ الْحَائِطِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ
الْقِبْلَةِ قَوْلُهُ حَتَّى رؤى أَيْ شُوهِدَ فِي
وَجْهِهِ أَثَرُ الْمَشَقَّةِ وَلِلنَّسَائِيِّ فَغَضِبَ
حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ
من حَدِيث بن عُمَرَ فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ
قَوْلُهُ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ أَيْ بَعْدَ شُرُوعِهِ
فِيهَا قَوْلُهُ أَوْ أَنَّ رَبَّهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ
بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَلِلْمُسْتَمْلِي
وَالْحَمَوِيِّ وَأَنَّ رَبَّهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ
وَالْمُرَادُ بِالْمُنَاجَاةِ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ
حَقِيقَةُ النَّجْوَى وَمِنْ قِبَلِ الرَّبِّ لَازِمُ
ذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا وَالْمَعْنَى إِقْبَالُهُ
عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ
أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَكَذَا
فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ
وَجْهِهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ
تَوَجُّهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ مُفْضٍ بِالْقَصْدِ مِنْهُ
إِلَى رَبِّهِ فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ فَإِنَّ
مَقْصُودَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ وَقِيلَ هُوَ
عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَظَمَةُ الله أَو ثَوَاب الله
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى
التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ نَزَعَ بِهِ
بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فِي
كُلِّ مَكَانٍ وَهُوَ جَهْلٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ فِي
الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْزُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ وَفِيهِ
نَقْضُ مَا أَصَّلُوهُ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ
أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ بِذَاتِهِ وَمهما تُؤُوِّلَ بِهِ
هَذَا جَازَ أَنْ يُتَأَوَّلَ بِهِ ذَاكَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْبُزَاقَ فِي الْقِبْلَةِ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي
الْمَسْجِدِ أَمْ لَا وَلَا سِيَّمَا مِنَ الْمُصَلِّي
فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ كَرَاهِيَةَ
الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ هِيَ لِلتَّنْزِيهِ أَو
للتَّحْرِيم وَفِي صحيحي بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ
حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ
الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَفْلُهُ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ
حَدِيثِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا يُبْعَثُ صَاحِبُ
النُّخَامَةِ فِي الْقِبْلَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ
فِي وَجْهِهِ وَلِأَبِي دَاوُدَ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ
السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا
فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي
لَكُمْ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ إِنَّكَ
آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَوْلُهُ قِبَلَ قِبْلَتِهِ
بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ
قِبْلَتِهِ قَوْلُهُ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَيِ الْيُسْرَى
كَمَا
(1/508)
فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ
الَّذِي بَعْدَهُ وَزَادَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَدْفِنُهَا كَمَا سَيَأْتِي
ذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَ
طَرَفَ رِدَائِهِ إِلَخْ فِيهِ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ
لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَظَاهِرُ
قَوْلِهِ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ
مَا ذُكِرَ لَكِنْ سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ
أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ هَذَا الْأَخِيرَ عَلَى مَا
إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَأَوْ عَلَى هَذَا فِي
الْحَدِيثِ لِلتَّنْوِيعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله فِي
حَدِيث بن عُمَرَ
[406] رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ وَفِي
رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ
وَلِلْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ
أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَزَادَ
فِيهِ ثُمَّ نَزَلَ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ وَهُوَ مُطَابِقٌ
لِلتَّرْجَمَةِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي
حَالِ الْخُطْبَةِ وَصَرَّحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِذَلِكَ
فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ
وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ وَأَحْسَبُهُ دَعَا
بِزَعْفَرَانٍ فَلَطَّخَهُ بِهِ زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ فَلِذَلِكَ صُنِعَ
الزَّعْفَرَانُ فِي الْمَسَاجِدِ
(قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَأَى فِي جِدَارِ
الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً
فَحَكَّهُ)
كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ بِالشَّكِّ
وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ
أَوْ نُخَاعًا بَدَلَ مُخَاطًا وَهُوَ أَشْبَهُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَين النخاعة والنخامة قَوْلُهُ بَابُ
حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنَ الْمَسْجِدِ وَجْهُ
الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَالَّتِي
قَبْلَهَا مِنْ طَرِيقِ الْغَالِبِ وَذَلِكَ أَنَّ
الْمُخَاطَ غَالِبًا يَكُونُ لَهُ جِرْمٌ لَزِجٌ
فَيَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إِلَى مُعَالَجَةٍ وَالْبُصَاقُ
لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ نَزْعُهُ بِغَيْرِ
آلَةٍ إِلَّا إِنْ خَالَطَهُ بَلْغَمٌ فَيَلْتَحِقُ
بِالْمُخَاطِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مُرَاده قَوْله
وَقَالَ بن عَبَّاس هَذَا التَّعْلِيق وَصله بن
(1/509)
أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَالَ
فِي آخِرِهِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَمْ يَضُرَّهُ
وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ
الْعِلَّةَ الْعُظْمَى فِي النَّهْيِ احْتِرَامُ
الْقِبْلَةَ لَا مُجَرَّدَ التَّأَذِّي بِالْبُزَاقِ
وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً فِيهِ أَيْضًا
لَكِنَّ احْتِرَامَ الْقِبْلَةِ فِيهِ آكَدُ فَلِهَذَا
لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ رَطْبٍ وَيَابِسٍ بِخِلَافِ
مَا عِلَّةُ النَّهْيِ فِيهِ مُجَرَّدُ الِاسْتِقْذَارِ
فَلَا يَضُرُّ وَطْءُ الْيَابِسِ مِنْهُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
[408] قَوْلُهُ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً هَذَا مَوْضِعُ
التَّرْجَمَةِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ
النُّخَامَةِ وَالْمُخَاطِ فَلِذَلِكَ اسْتَدَلَّ
بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَوْلُهُ فَحَكَّهَا
ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَحَتَّهَا بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ
وَهُمَا بِمَعْنًى قَوْلُهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ
سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا
(قَوْلُهُ بَابُ لَا يَبْصُقُ عَنْ يَمِينِهِ فِي
الصَّلَاةِ)
أَوْرَدَ فِيهِ الْحَدِيثَ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقٍ
أُخْرَى عَن بن شِهَابٍ ثُمَّ حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ
قَتَادَةَ عَنْهُ مُخْتَصَرًا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ
حَفْصِ بْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ فِيهِمَا تَقْيِيدُ ذَلِكَ
بِحَالَةِ الصَّلَاةِ نَعَمْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ فِي
رِوَايَةِ آدَمَ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ
وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّقْيِيدُ
بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ الْآتِيَةِ بَعْدُ
فَجَرَى الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ فِي
التَّمَسُّكِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ
الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي
سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَكَأَنَّهُ جَنَحَ إِلَى أَنَّ
الْمُطْلَقَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى
الْمُقَيَّدِ فِيهِمَا وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ
خَارِجَ الصَّلَاةِ وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ
بِالْمَنْعِ فِي كُلِّ حَالَةٍ دَاخِلَ الصَّلَاةِ
وَخَارِجَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ غَيْرِهِ
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ
يَعْنِي خَارِجَ الصَّلَاةِ وَيَشْهَدُ لِلْمَنْعِ مَا
رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَغَيره عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ
كَرِهَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي صَلَاةٍ
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ مَا بَصَقْتُ عَنْ
يَمِينِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَنَّهُ نَهَى ابْنَهُ عَنْهُ مُطْلَقًا
وَكَأَنَّ الَّذِي خَصَّهُ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ أَخَذَهُ
مِنْ عِلَّةِ النَّهْيِ الْمَذْكُورَةِ فِي رِوَايَةِ
هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ عَنْ
يَمِينِهِ مَلَكًا هَذَا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ
بِالْمَلَكِ غَيْرُ الْكَاتِبِ وَالْحَافِظِ فَيَظْهَرُ
حِينَئِذٍ اخْتِصَاصُهُ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي
الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ النَّهْيُ عَنِ الْبُصَاقِ عَنِ
الْيَمِينِ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ إِمْكَانِ
غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ ذَلِكَ قُلْتُ لَا
يَظْهَرُ وُجُودُ التَّعَذُّرِ مَعَ وُجُودِ الثَّوْبِ
الَّذِي هُوَ لَابِسُهُ وَقَدْ أَرْشَدَهُ الشَّارِعُ
إِلَى التَّفْلِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ إِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَا
يَبْزُقْ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ تَحْتَ
قَدَمِهِ أَوْ ثَوْبَهُ قُلْتُ وَفِي حَدِيثِ طَارِقٍ
الْمُحَارَبِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا يُرْشِدُ
لِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ
إِنْ كَانَ فَارِغًا وَإِلَّا فَهَكَذَا وَبَزَقَ تَحْتَ
رِجْلِهِ وَدَلَكَ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ
عَطَاءٍ عَنْ أَبِي
(1/510)
هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رِجْلِهِ مَثَلًا
شَيْءٌ مَبْسُوطٌ أَوْ نَحْوُهُ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ
وَلَوْ فَقَدَ الثَّوْبَ مَثَلًا فَلَعَلَّ بَلْعَهُ
أَوْلَى مِنِ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ حُكْمِ
النُّخَامَةِ وَالْبُصَاقِ وَاحِدًا مِنْ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى النُّخَامَةَ فَقَالَ
لَا يَبْزُقَنَّ فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا وَاللَّهُ
أعلم |