فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي
الْمَسْجِدِ)
أَيْ وَإِقَامَتِهَا فِيهِ
[439] قَوْلُهُ أَنَّ وَلِيدَةً أَيْ أَمَةً وَهِيَ فِي
الْأَصْلِ الْمَوْلُودَةُ سَاعَةَ تُولَدُ قَالَهُ بن
سِيدَهْ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ
كَبِيرَةً قَوْلُهُ قَالَتْ فَخَرَجَتْ الْقَائِلَةُ
ذَلِكَ هِيَ الْوَلِيدَةُ الْمَذْكُورَةُ وَقَدْ رَوَتْ
عَنْهَا عَائِشَةُ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَالْبَيْتَ الَّذِي
أَنْشَدَتْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ صَنَّفَ
فِي رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَلَا وَقَفَتْ عَلَى اسْمِهَا
وَلَا عَلَى اسْمِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ
وَلَا عَلَى اسْمِ الصَّبِيَّةِ صَاحِبَةِ الْوِشَاحِ
وَالْوِشَاحُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا
وَيَجُوزُ إِبْدَالُهَا أَلِفًا خَيْطَانِ مِنْ لُؤْلُؤٍ
يُخَالَفُ بَيْنَهُمَا وَتَتَوَشَّحُ بِهِ الْمَرْأَةُ
وَقِيلَ يُنْسَجُ مِنْ أَدِيمٍ عَرِيضًا وَيُرَصَّعُ
بِاللُّؤْلُؤِ وَتَشُدُّهُ الْمَرْأَةُ بَيْنَ عَاتِقِهَا
وَكَشْحِهَا وَعَنِ الْفَارِسِيِّ لَا يُسَمَّى وِشَاحًا
حَتَّى يَكُونُ مَنْظُومًا بِلُؤْلُؤٍ وَوَدَعٍ انْتَهَى
وَقَوْلُهَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ سُيُورٍ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ كَانَ مِنْ جِلْدٍ وَقَوْلُهَا بَعْدُ
فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا لَا يَنْفِي كَوْنَهُ مُرَصَّعًا
لِأَنَّ بَيَاضَ اللُّؤْلُؤِ عَلَى حُمْرَةِ الْجِلْدِ
يَصِيرُ كَاللَّحْمِ السَّمِينِ قَوْلُهُ فَوَضَعَتْهُ
أَوْ وَقَعَ مِنْهَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقَدْ رَوَاهُ
ثَابِتٌ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ
عَنْ هِشَامٍ فَزَادَ فِيهِ أَنَّ الصَّبِيَّةَ كَانَتْ
عَرُوسًا فَدَخَلَتْ إِلَى مُغْتَسَلِهَا فَوَضَعَتِ
الْوِشَاحَ قَوْلُهُ حُدَيَّاةٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ
الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ
التَّحْتَانِيَّةِ تَصْغِيرُ حِدَأَةٍ بِالْهَمْزِ
بِوَزْنِ عِنَبَةٍ وَيَجُوزُ فَتْحُ أَوَّلِهِ وَهِيَ
الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ الْمَأْذُونُ فِي قَتْلِهِ فِي
الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْأَصْلُ فِي تَصْغِيرِهَا
حُدَيْأَةٌ بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ
لَكِنْ سُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ وَأُدْغِمَتْ ثُمَّ
أُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا وَتُسَمَّى
أَيْضًا الْحُدَّى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ
مَقْصُورٌ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْحِدَوْ بِكَسْرِ
أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْخَفِيفَةِ وَسُكُونِ
الْوَاوِ وَجَمْعُهَا حُدَأٌ كَالْمُفْرَدِ بِلَا هَاءٍ
وَرُبَّمَا قَالُوهُ بِالْمَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا كَأَنَّهُ مِنْ
كَلَامِ عَائِشَةَ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى السِّيَاقُ أَنْ
تَقُولَ قُبُلِي وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ
فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ
مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ
الْوَلِيدَةِ أَوْرَدَتْهُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ
الْتِفَاتًا أَوْ تَجْرِيدًا وَزَادَ فِيهِ ثَابِتٌ
أَيْضًا قَالَتْ فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُبَرِّئَنِي
فَجَاءَتِ الْحُدَيَّا وَهُمْ يَنْظُرُونَ قَوْله وَهُوَ
ذَا هُوَ يحْتَمل أَنْ يَكُونَ هُوَ الثَّانِي خَبَرًا
بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَوْ
يَكُونَ خَبَرًا عَنْ ذَا وَالْمَجْمُوعُ خَبَرًا عَنِ
الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ غَيْرَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ وَهَا هُوَ ذَا وَفِي رِوَايَة
بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ ذَا كَمَا تَرَوْنَ قَوْلُهُ قَالَتْ
أَيْ عَائِشَةُ فَجَاءَتْ أَيِ الْمَرْأَةُ قَوْلُهُ
فَكَانَتْ أَيِ الْمَرْأَةُ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَكَانَ
وَالْخِبَاءُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا
مُوَحَّدَةٌ وَبِالْمَدِّ الْخَيْمَةُ مِنْ وَبَرٍ أَوْ
غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ لَا يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ
وَالْحِفْشُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ
بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ
الْقَرِيبُ السُّمْكِ مَأْخُوذٌ مِنَ الِانْحِفَاشِ وَهُوَ
الِانْضِمَامُ وَأَصْلُهُ الْوِعَاءُ الَّذِي تَضَعُ
الْمَرْأَةُ فِيهِ غَزْلَهَا قَوْلُهُ فَتَحَدَّثُ
بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ
قَوْلُهُ تَعَاجِيبُ أَيْ أَعَاجِيب وأحدها اعجوبة وَنقل
بن السَّيِّدِ أَنَّ تَعَاجِيبَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ
لَفْظِهِ قَوْلُهُ أَلَا إِنَّهُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ
وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهَذَا الْبَيْتُ الَّذِي
أَنْشَدَتْهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَرُوضُهُ مِنَ الضَّرْبِ
الْأَوَّلِ مِنَ الطَّوِيلِ وَأَجْزَاؤُهُ ثَمَانِيَةٌ
وَوَزْنُهُ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ
لَكِنْ دَخَلَ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ الْقَبْضُ وَهُوَ
حَذْفُ الْخَامِسِ السَّاكِنِ فِي ثَانِي جُزْءٍ مِنْهُ
فَإِنْ أُشْبِعَتْ حَرَكَةُ الْحَاءِ مِنَ الْوِشَاحِ
صَارَ سَالِمًا أَوْ قُلْتُ وَيَوْمُ وِشَاحٍ
بِالتَّنْوِينِ بَعْدَ حَذْفِ التَّعْرِيفِ صَارَ
الْقَبْضُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَيْتِ وَهُوَ
أَخَفُّ مِنَ الْأَوَّلِ وَاسْتِعْمَالُ الْقَبْضِ فِي
الْجُزْءِ الثَّانِي وَكَذَا السَّادِسِ فِي أَشْعَارِ
الْعَرَبِ كَثِيرٌ جِدًّا نَادِرٌ فِي أَشْعَارِ
الْمُوَلَّدِينَ وَهُوَ
(1/534)
عِنْدَ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَصْلَحُ
مِنَ الْكَفِّ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ
الْكَفِّ وَهُوَ حَذْفُ السَّابِعِ السَّاكِنِ وَبَيْنَ
الْقَبْضِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَعَاقَبَا وَإِنَّمَا
أَوْرَدْتُ هَذَا الْقَدْرَ هُنَا لِأَنَّ الطَّبْعَ
السَّلِيمَ يَنْفِرُ مِنَ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ وَفِي
الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْمَبِيتِ وَالْمَقِيلِ فِي
الْمَسْجِدِ لِمَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ
وَإِبَاحَةُ اسْتِظْلَالِهِ فِيهِ بِالْخَيْمَةِ
وَنَحْوِهَا وَفِيهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي
يَحْصُلُ لِلْمَرْءِ فِيهِ الْمِحْنَةُ وَلَعَلَّهُ
يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ كَمَا وَقَعَ
لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ فَضْلُ الْهِجْرَةِ مِنْ
دَارِ الْكُفْرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَلَوْ
كَانَ كَافِرًا لِأَنَّ فِي السِّيَاقِ أَنَّ إِسْلَامَهَا
كَانَ بعد قدومها الْمَدِينَة وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ)
أَيْ جَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرُوِيَ
عَنِ بن عَبَّاسٍ كَرَاهِيَتُهُ إِلَّا لِمَنْ يُرِيدُ
الصَّلَاةَ وَعَنِ بن مَسْعُودٍ مُطْلَقًا وَعَنْ مَالِكٍ
التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَيُكْرَهُ
وَبَيْنَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فَيُبَاحُ قَوْلُهُ
وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ
قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُمْ فِي
الطَّهَارَةِ وَهَذَا اللَّفْظُ أَوْرَدَهُ فِي
الْمُحَارَبِينَ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَوْلُهُ وَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ
حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَأْتِي فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ
وَالصُّفَّةُ مَوْضِعٌ مُظَلَّلٌ فِي الْمَسْجِدِ
النَّبَوِيِّ كَانَتْ تَأْوِي إِلَيْهِ الْمَسَاكِينُ
وَقَدْ سَبَقَ الْبُخَارِيَّ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ
بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ
يسَار رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا قَوْلُهُ
حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ
[440] عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْعُمَرِيُّ وَحَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا مُخْتَصَرٌ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِ فضل قيام اللَّيْل
وَأوردهُ بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا أَيْضًا بِلَفْظِ كُنَّا
نَنَامُ قَوْلُهُ اعزب بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايُ أَيْ
غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عَزِبٌ بِفَتْحِ
الْعَيْنِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَالْأَوَّلُ لُغَةٌ
قَلِيلَةٌ مَعَ أَنَّ الْقَزَّازَ أَنْكَرَهَا وَقَوْلُهُ
لَا أَهْلَ لَهُ هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَعْزَبُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ
الْخَاصِّ فَيَدْخُلَ فِيهِ الْأَقَارِبُ وَنَحْوُهُمْ
وَقَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ينَام
(1/535)
[441] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ هُوَ
سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ وَالِدُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ أَيْنَ بن عمك فِيهِ إِطْلَاق بن
الْعم على أقَارِب الْأَب لِأَنَّهُ بن عَم أَبِيهَا لَا
بن عَمِّهَا وَفِيهِ إِرْشَادُهَا إِلَى أَنْ تَخَاطُبَهُ
بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِعْطَافِ بِذِكْرِ
الْقَرَابَةِ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَهِمَ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ
اسْتِعْطَافَهَا عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ
الْقَرِيبَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ فَلَمْ يَقِلْ
عِنْدِي بِفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ
الْقَافِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهُوَ نَوْمُ نِصْفِ
النَّهَارِ قَوْلُهُ فَقَالَ لِإِنْسَانٍ يَظْهَرُ لِي
أَنَّهُ سَهْلٌ رَاوِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غَيْرُهُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ
أَيْنَ بن عَمِّكِ قَالَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي هُنَا مُخَالَفَةٌ لِاحْتِمَالِ
أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ انْظُرْ أَيْنَ
هُوَ الْمَكَانَ الْمَخْصُوصَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ فَأَمَرَ إِنْسَانًا مَعَهُ فَوَجَدَهُ
مُضْطَجِعًا فِي فَيْءِ الْجِدَارِ قَوْلُهُ هُوَ رَاقِدٌ
فِي الْمَسْجِدِ فِيهِ مُرَادُ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ
حَدِيث بن عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِمَنْ لَا
مَسْكَنَ لَهُ وَكَذَا بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ
إِلَّا قِصَّةَ عَلِيٍّ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ
لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ
وَبَيْنَ قَيْلُولَةِ النَّهَارِ وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ
هَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا جَوَازُ الْقَائِلَةِ فِي
الْمَسْجِدِ وَمُمَازَحَةُ الْمُغْضَبِ بِمَا لَا يَغْضَبُ
مِنْهُ بَلْ يَحْصُلُ بِهِ تَأْنِيسُهُ وَفِيهِ
التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ الْوَلَدِ وَتَكْنِيَةُ مَنْ لَهُ
كُنْيَةٌ وَالتَّلْقِيبُ بِالْكُنْيَةِ لِمَنْ لَا
يَغْضَبُ وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ أَنَّهُ كَانَ
يَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بذلك وَفِيه مداراة الصِّهْرِ
وَتَسْكِينُهُ مِنْ غَضَبِهِ وَدُخُولُ الْوَالِدِ بَيْتَ
ابْنتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا حَيْثُ يَعْلَمُ
رِضَاهُ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِبْدَاءِ الْمَنْكِبَيْنِ
فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا
يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
[442] قَوْلُهُ حَدثنَا بن فُضَيْلٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلْمَانُ
الْأَشْجَعِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي حَازِمٍ
الَّذِي قَبْلَهُ فِي السِّنِّ وَاللِّقَاءِ وَإِنْ كَانَا
جَمِيعًا مَدَنِيَّيْنِ تَابِعِيَّيْنِ ثِقَتَيْنِ
قَوْلُهُ لَقَدْ رَأَيْتَ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ
الصُّفَّةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
سَبْعِينَ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَآهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ
غَيْرَ السَّبْعِينَ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ
مَعُونَةَ وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَيْضًا
لَكِنَّهُمُ اسْتُشْهِدُوا قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَقد اعتنى بِجمع أَصْحَاب الصّفة بن
الْأَعْرَابِيِّ وَالسُّلَمِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو
نُعَيْمٍ وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ
الْآخَرِ وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرُوهُ اعْتِرَاضٌ
وَمُنَاقَشَةٌ لَكِنْ لَا يَسَعُ هَذَا الْمُخْتَصَرَ
تَفْصِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ رِدَاءٌ هُوَ مَا يَسْتُرُ
أَعَالِيَ الْبَدَنِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ إِمَّا إِزَارٌ
أَيْ فَقَطْ وَإِمَّا كِسَاءٌ أَيْ عَلَى الْهَيْئَةِ
الْمَشْرُوحَةِ فِي الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ قَدْ رَبَطُوا
أَيِ الْأَكْسِيَةَ فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلْعِلْمِ بِهِ
وَقَوْلُهُ فَمِنْهَا أَيْ مِنَ الْأَكْسِيَةِ قَوْلُهُ
فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ أَيِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ زَادَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ فِي
الصَّلَاةِ وَمُحَصَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
لِأَحَدٍ مِنْهُمْ ثَوْبَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ
هَذِهِ الصِّفَةِ فِي بَابِ إِذَا كَانَ الثَّوْب ضيقا
(1/536)
(قَوْلُهُ بَابُ الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ
مِنْ سَفَرٍ)
أَيْ فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ وَقَالَ كَعْبٌ هُوَ طَرَفٌ
مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ تَخَلُّفِهِ
وَتَوْبَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَذَكَرَ بَعْدَهُ
حَدِيثُ جَابِرٍ لِيَجْمَعَ بَيْنَ فِعْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ فَلَا
يُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ
[443] قَوْلُهُ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ بِالضَّمِّ أَيْ
أَظُنُّهُ وَالضَّمِيرُ لِمُحَارِبٍ قَوْلُهُ وَكَانَ لِي
عَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ
وَكَانَ لَهُ أَيْ لِجَابِرٍ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَضَانِي الْتِفَاتٌ وَهَذَا
الدَّيْنُ هُوَ ثَمَنُ جَمَلِ جَابِرٍ وَسَيَأْتِي
مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ
فَوَائِدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ
أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي نَحْوٍ مِنْ
عِشْرِينَ مَوْضِعًا مطولا ومختصرا مَوْصُولا وَمُعَلَّقًا
وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
تَقَاضِيَهُ لِثَمَنِ الْجَمَلِ كَانَ عِنْدَ قُدُومِهِ
مِنَ السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا وَغَفَلَ
مُغَلْطَايْ حَيْثُ قَالَ لَيْسَ فِيهِ مَا بَوَّبَ
عَلَيْهِ لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ جَابِرًا
لَمْ يَقْدَمْ مِنْ سَفَرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا
يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ
مَقْصُودَةٌ لِلْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ يَنْوِي بِهَا
صَلَاةَ الْقُدُومِ لَا أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ
الَّتِي أُمِرَ الدَّاخِلُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ
لَكِنْ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِهَا وَتَمَسَّكَ بَعْضُ
مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ
وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ بِقَوْلِهِ ضُحًى وَلَا حجَّة
فِيهِ لِأَنَّهَا وَاقعَة عين
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ)
حَذَفَ الْفَاعِلَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ
الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ كَلَفْظِ الْمَتْنِ
[444] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بِفَتْحَتَيْنِ
هَكَذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ
وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ عَنْ جَابِرٍ
بَدَلَ أَبِي قَتَادَةَ وَخَطَّأَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ السَّلَمِيُّ
بِفَتْحَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ
وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّ كَالَّذِي بَعْدَهُ
قَوْلُهُ فَلْيَرْكَعْ أَيْ فَلْيُصَلِّ مِنْ إِطْلَاقِ
الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ قَوْلُهُ رَكْعَتَيْنِ
هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لِأَكْثَرِهِ بِاتِّفَاقٍ
وَاخْتُلِفَ فِي أَقَلِّهِ وَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُهُ
فَلَا تَتَأَدَّى هَذِهِ السُّنَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ
رَكْعَتَيْنِ وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ
الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لِلنَّدْبِ وَنقل بن بَطَّالٍ عَنْ
أَهْلِ الظَّاهِرِ الْوُجُوبَ وَالَّذِي صَرَّحَ بِهِ
(1/537)
بن حَزْمٍ عَدَمُهُ وَمِنْ أَدِلَّةِ
عَدَمِ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى اجْلِسْ فَقَدْ
آذَيْتَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَلَاةٍ كَذَا اسْتَدَلَّ
بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ
الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا الْأَوْقَاتُ الَّتِي نُهِيَ عَنِ
الصَّلَاةِ فِيهَا لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ بِدَاخِلٍ
فِيهَا قُلْتُ هُمَا عُمُومَانِ تَعَارَضَا الْأَمْرُ
بِالصَّلَاةِ لِكُلِّ دَاخِلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ
وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ
فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ
فَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى تَخْصِيصِ النَّهْيِ وَتَعْمِيمِ
الْأَمْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى عَكْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ
يَجْلِسَ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إِذَا خَالَفَ
وَجَلَسَ لَا يُشْرَعُ لَهُ التَّدَارُكُ وَفِيهِ نظر لما
رَوَاهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
ذَرٍّ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَكَعْتَ
رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُم فَارْكَعْهُمَا ترْجم
عَلَيْهِ بن حِبَّانَ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا
تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ قُلْتُ وَمِثْلُهُ قِصَّةُ سُلَيْكٍ
كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْمُحِبُّ
الطَّبَرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَقْتُهُمَا قَبْلَ
الْجُلُوسِ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ
أَوْ يُقَالُ وَقْتُهُمَا قَبْلَهُ أَدَاءٌ وَبَعْدَهُ
قَضَاءٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُحْمَلَ مَشْرُوعِيَّتُهُمَا
بَعْدَ الْجُلُوسِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ
فَائِدَةٌ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا وَرَدَ عَلَى
سَبَبٍ وَهُوَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَالِسًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَلَسَ مَعَهُمْ فَقَالَ
لَهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ قَالَ رَأَيْتُكَ
جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ قَالَ فَإِذَا دَخَلَ
أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يرْكَع
رَكْعَتَيْنِ أخرجه مُسلم وَعند بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ
حَقَّهَا قِيلَ لَهُ وَمَا حَقّهَا قَالَ رَكْعَتَيْنِ قبل
أَن تجْلِس
(قَوْلُهُ بَابُ الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ)
قَالَ الْمَازِرِيُّ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى الرَّدِّ
عَلَى مَنْ مَنَعَ الْمُحْدِثَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ
أَوْ يَجْلِسَ فِيهِ وَجَعَلَهُ كَالْجُنُبِ وَهُوَ
مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ هُنَا الرِّيحُ
وَنَحْوُهُ وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ
بِالْحَدَثِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مَا لَمْ
يُحْدِثْ سُوءًا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مَا
لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ وَفِي أُخْرَى
لِلْبُخَارِيِّ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ بِحَدَثٍ فِيهِ
وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانِيَة
تَفْسِير للاولى
[445] قَوْله الْمَلَائِكَة تصلي وللكشميهني إِنَّ
الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِزِيَادَةِ إِنَّ وَالْمُرَادُ
بِالْمَلَائِكَةِ الْحَفَظَةُ أَوِ السَّيَّارَةُ أَوْ
أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَقُولُ إِلَخْ هُوَ بَيَانٌ
لِقَوْلِهِ تُصَلِّي قَوْلُهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ
مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ انْقَضَى
ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ
يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ بَيَانُ فَضِيلَةِ مَنِ انْتَظَرَ
الصَّلَاةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي مَجْلِسِهِ
ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَمْ تَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ
وَلَفْظُهُ وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ
الصَّلَاةَ فَأَثْبَتَ لِلْمُنْتَظِرِ حُكْمَ الْمُصَلِّي
فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي مُصَلَّاهُ عَلَى
الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ لَا الْمَوْضِعِ
الْخَاصِّ بِالسُّجُودِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ تَخَالُفٌ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يُبْطِلُ ذَلِكَ وَلَوِ
اسْتَمَرَّ جَالِسًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْحَدَثَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدُّ مِنَ النخامه
(1/538)
لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَهَا
كَفَّارَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لِهَذَا كَفَّارَةً بَلْ
عُومِلَ صَاحِبُهُ بِحِرْمَانِ اسْتِغْفَارِ
الْمَلَائِكَةِ وَدُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ مَرْجُوُّ
الْإِجَابَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يشفعون الا لمن
ارتضى وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ
فِي بَابِ مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى قَوْلُهُ بَابُ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ أَيِ
النَّبَوِيِّ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ هُوَ
الْخُدْرِيُّ وَالْقَدْرُ الْمَذْكُورُ هُنَا طَرَفٌ مِنْ
حَدِيثِهِ فِي ذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَدْ وَصَلَهُ
الْمُؤَلِّفُ فِي الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي أَبْوَابِ
صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ وَأَمَرَ عُمَرُ هُوَ
طَرَفٌ مِنْ قِصَّةٍ فِي ذِكْرِ تَجْدِيدِ الْمَسْجِدِ
النَّبَوِيِّ قَوْلُهُ وَقَالَ أُكِنُّ النَّاسَ وَقَعَ
فِي رِوَايَتِنَا أُكِنُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ
الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَضْمُومَةِ بِلَفْظِ
الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مِنْ أَكَنَّ الرُّبَاعِيِّ
يُقَالُ أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ إِكْنَانًا أَيْ صُنْتُهُ
وَسَتَرْتُهُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ كَنَنْتُهُ مِنَ
الثُّلَاثِيِّ بِمَعْنَى أَكْنَنْتُهُ وَفَرَّقَ
الْكِسَائِيُّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ كَنَنْتُهُ أَيْ
سَتَرْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ فِي نَفْسِي أَيْ أَسْرَرْتُهُ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَكِنَّ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِكْنَانِ
أَيْضًا وَيُرَجِّحُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ وَأَمَرَ عُمَرُ
وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَإِيَّاكَ وَتُوَجَّهُ الْأُولَى
بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْقَوْمَ بِمَا أَرَادَ ثُمَّ
الْتَفَتَ إِلَى الصَّانِعِ فَقَالَ لَهُ وَإِيَّاكَ أَوْ
يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَإِيَّاكَ عَلَى التَّجْرِيدِ
كَأَنَّهُ خَاطَبَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ وَفِي
رِوَايَةِ غَيْرِ الْأَصِيلِيِّ وَالْقَابِسِيِّ أَيْ
وَأَبِي ذَرٍّ كِنَّ النَّاسَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ
وَكَسْرِ الْكَافِ وَهُوَ صَحِيح أَيْضا وَجوز بن مَالِكٍ
ضَمَّ الْكَافِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كُنَّ فَهُوَ مَكْنُونٌ
انْتَهَى وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ لَا
تُسَاعِدُهُ قَوْلُهُ فَتَفْتِنَ النَّاسَ بِفَتْحِ
الْمُثَنَّاةِ من فتن وَضَبطه بن التِّينِ بِالضَّمِّ مِنْ
أَفْتَنَ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ أَنْكَرَهُ
وَأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَجَازَهُ فَقَالَ فَتَنَ وأفتن
بِمَعْنى قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَ عُمَرُ فَهِمَ ذَلِكَ
مِنْ رَدِّ الشَّارِعِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ
مِنْ أَجْلِ الْأَعْلَامِ الَّتِي فِيهَا وَقَالَ إِنَّهَا
أَلْهَتْنِي عَنْ صَلَاتِي قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ عِنْدَ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ خَاصٌّ بِهَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ روى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو
بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا مَا سَاءَ عَمَلُ
قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ رِجَالُهُ
ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَهُ جُبَارَةَ بْنَ الْمُغَلِّسِ
فَفِيهِ مَقَالٌ قَوْلُهُ وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ
بِهَا بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يَتَفَاخَرُونَ وَهَذَا
التَّعْلِيقُ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ أَبِي
يعلى وصحيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ
أَنَّ أَنَسًا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَأْتِي عَلَى
أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ ثُمَّ لَا
يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا وَأخرجه أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقٍ
أُخْرَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ
وَالطَّرِيقُ الْأُولَى أَلْيَقُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ
وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الْمَسَاجِد من
الْوَجْه الَّذِي عِنْد بن خُزَيْمَة يتباهون
(1/539)
بِكَثْرَةِ الْمَسَاجِدِ تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا الْمُرَادُ بِهِ
عِمَارَتُهَا بِالصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَلَيْسَ
الْمُرَادُ بِهِ بُنْيَانَهَا بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي
تَرْجَمَة الْبَاب الَّذِي بعده قَوْله وَقَالَ بن
عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ
لَامُ الْقَسَمِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الزَّايِ
وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
وَضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ نُونُ
التَّأْكِيدِ وَالزَّخْرَفَةُ الزِّينَةُ وَأَصْلُ
الزُّخْرُفِ الذَّهَبُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَا
يُتَزَيَّنُ بِهِ وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد
وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنِ
بن عَبَّاسٍ هَكَذَا مَوْقُوفًا وَقَبْلَهُ حَدِيثٌ
مَرْفُوعٌ وَلَفْظُهُ مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ
الْمَسَاجِدِ وَظَنَّ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ
أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّ
اللَّامَ فِي لَتُزَخْرِفُنَّهَا مَكْسُورَةٌ وَهِيَ لَامُ
التَّعْلِيلِ لِلْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى مَا
أُمِرْتُ بِالتَّشْيِيدِ لِيُجْعَلَ ذَرِيعَةً إِلَى
الزَّخْرَفَةِ قَالَ وَالنُّونُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ
التَّأْكِيدِ وَفِيهِ نَوْعُ تَوْبِيخٍ وَتَأْنِيبٍ ثُمَّ
قَالَ وَيَجُوزُ فَتْحُ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا جَوَابُ
الْقَسَمِ قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَوَّلُ
لَمْ تَثْبُتْ بِهِ الرِّوَايَةُ أَصْلًا فَلَا يُغْتَرُّ
بِهِ وَكَلَام بن عَبَّاسٍ فِيهِ مَفْصُولٌ مِنْ كَلَامِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا لَمْ
يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ
لِلِاخْتِلَافِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ فِي
وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَالَ الْبَغَوِيُّ التَّشْيِيدُ
رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ وَإِنَّمَا زَخْرَفَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مَعَابِدَهَا حِينَ حَرَّفُوا
كُتُبَهُمْ وَبَدَّلُوهَا
[446] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
زَادَ الْأصيلِيّ بْنِ سَعْدٍ وَرِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ
كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ
لِأَنَّهُمَا مَدَنِيَّانِ ثِقَتَانِ تَابِعِيَّانِ من
طبقَة وَاحِدَة وَعبد الله هُوَ بن عُمَرَ قَوْلُهُ
بِاللَّبِنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
قَوْلُهُ وَعَمَدَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ
وَيَجُوزُ ضَمُّهَمَا وَكَذَا قَوْلُهُ خَشَبٌ قَوْلُهُ
وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ أَيْ
بِجِنْسِ الْآلَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يُغَيِّرْ
شَيْئًا مِنْ هَيْئَتِهِ إِلَّا تَوْسِيعَهُ قَوْلُهُ
ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ أَيْ مِنَ الْوَجْهَيْنِ
التَّوْسِيعُ وَتَغْيِيرُ الْآلَاتِ قَوْلُهُ
بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ أَيْ بَدَلَ اللَّبِنِ
وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي بِحِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ
قَوْلُهُ وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ
الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجَصُّ بِلُغَةِ أَهْلِ
الْحِجَازِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ تُشْبِهُ الْجَصَّ
وَلَيْسَتْ بِهِ قَوْلُهُ وَسَقَفَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي
عَطْفًا عَلَى جَعَلَ وَبِإِسْكَانِ الْقَافِ عَلَى
عُمُدِهِ وَالسَّاجُ نَوْعٌ مِنَ الْخَشَبِ مَعْرُوفٌ
يُؤْتَى بِهِ من الْهِنْد وَقَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي بُنْيَانِ
الْمَسْجِدِ الْقَصْدُ وَتَرْكُ الْغُلُوِّ فِي
تَحْسِينِهِ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ مَعَ كَثْرَةِ الْفُتُوحِ
فِي أَيَّامِهِ وَسَعَةِ الْمَالِ عِنْدَهُ لَمْ يُغَيِّرِ
الْمَسْجِدَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا احْتَاجَ
إِلَى تَجْدِيدِهِ لِأَنَّ جَرِيدَ النَّخْلِ كَانَ قَدْ
نَخِرَ فِي أَيَّامِهِ ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ وَالْمَالُ
فِي زَمَانه أَكثر فحسنه بِمَا لايقتضي الزَّخْرَفَةَ
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ
عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ وَأَوَّلُ مَنْ
زَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ مَرْوَانَ وَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ
الصَّحَابَةِ وَسَكَتَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ
إِنْكَارِ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ وَرَخَّصَ فِي
(1/540)
ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ إِذَا وَقع ذَلِك عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ
لِلْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَقَعِ الصَّرْفُ على ذَلِك من بَيت
المَال وَقَالَ بن الْمُنِيرِ لَمَّا شَيَّدَ النَّاسُ
بُيُوتَهُمْ وَزَخْرَفُوهَا نَاسَبَ أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ
بِالْمَسَاجِدِ صَوْنًا لَهَا عَنِ الِاسْتِهَانَةِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ إِنْ كَانَ لِلْحَثِّ عَلَى
اتِّبَاعِ السَّلَفِ فِي تَرْكِ الرَّفَاهِيَةِ فَهُوَ
كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ لِخَشْيَةِ شَغْلِ بَالِ
الْمُصَلِّي بِالزَّخْرَفَةِ فَلَا لِبَقَاءِ الْعِلَّةِ
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ
لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا
سَيَقَعُ فَوَقَعَ كَمَا قَالَ
(قَوْلُهُ بَابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ مَا
كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله)
كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَزَادَ غَيْرُهُ قَبْلَ
قَوْلِهِ مَا كَانَ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي
آخِرِهِ إِلَى قَوْلِهِ الْمُهْتَدِينَ وَذِكْرِهِ
لِهَذِهِ الْآيَةِ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ
الِاحْتِمَالَيْنِ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي
الْآيَةِ وَذَلِكَ أَن قَوْله تَعَالَى مَسَاجِد الله
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مَوَاضِعُ السُّجُودِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَمَاكِنُ
الْمُتَّخَذَةُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى الثَّانِي
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِعِمَارَتِهَا بُنْيَانُهَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْإِقَامَةُ لِذِكْرِ
اللَّهِ فِيهَا
[447] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ هَذَا الْإِسْنَادُ
كُلُّهُ بَصرِي لِأَن بن عَبَّاسٍ أَقَامَ عَلَى
الْبَصْرَةِ أَمِيرًا مُدَّةً وَمَعَهُ مَوْلَاهُ
عِكْرِمَةُ قَوْلُهُ انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ أَيِ
الْخُدْرِيِّ قَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ زَادَ الْمُصَنِّفُ
فِي الْجِهَادِ فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي
حَائِطٍ لَهُمَا قَوْلُهُ يُصْلِحُهُ قَالَ فِي الْجِهَادِ
يَسْقِيَانِهِ وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ وَهَذَا الْأَخُ
زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ قَتَادَةُ بْنُ
النُّعْمَانِ وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ لِأُمِّهِ وَلَا
يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وُلِدَ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ
عَلِيٍّ وَمَاتَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَبْلَ
ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَلَيْسَ لِأَبِي سَعِيدٍ أَخٌ شَقِيقٌ وَلَا أَخٌ مِنْ
أَبِيهِ وَلَا مِنْ أُمِّهِ إِلَّا قَتَادَةَ فَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَلَمْ أَقِفْ إِلَى الْآنَ عَلَى اسْمِهِ وَفِي
الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعلم لَا يحوى جَمِيعه
أحد لِأَن بن عَبَّاسٍ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ أَمَرَ
ابْنَهُ بِالْأَخْذِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِ لِطَلَبِ
عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَقْدَمُ
صُحْبَةً وَأَكْثَرُ سَمَاعًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ مَا
كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَعَدَمِ
التَّكَبُّرِ
(1/541)
وَتَعَاهُدِ أَحْوَالِ الْمَعَاشِ
بِأَنْفُسِهِمْ وَالِاعْتِرَافِ لِأَهْلِ الْفَضْلِ
بِفَضْلِهِمْ وَإِكْرَامِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَتَقْدِيمِ
حَوَائِجِهِمْ عَلَى حَوَائِجِ أَنْفُسِهِمْ قَوْلُهُ
فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى فِيهِ التَّأَهُّبُ
لِإِلْقَاءِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ التَّحْدِيثِ فِي حَالَةِ
الْمِهْنَةِ إِعْظَامًا لِلْحَدِيثِ قَوْلُهُ حَتَّى أَتَى
عَلَى ذِكْرِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَيِ النَّبَوِيِّ وَفِي
رِوَايَةِ كَرِيمَةَ حَتَّى إِذَا أَتَى قَوْلُهُ
وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ زَادَ مَعْمَرٌ فِي جَامِعِهِ
لَبِنَةً عَنْهُ وَلَبِنَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ جَوَازُ ارْتِكَابِ
الْمَشَقَّةِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ وَتَوْقِيرِ الرَّئِيسِ
وَالْقِيَامِ عَنْهُ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنَ الْمَصَالِحِ
وَفَضْلُ بُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ قَوْلُهُ فَرَآهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ
فِيهِ التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي مَوْضِعِ
الْمَاضِي مُبَالَغَةً لِاسْتِحْضَارِ ذَلِكَ فِي نَفْسِ
السَّامِعِ كَأَنَّهُ يُشَاهِدُ وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ فَجَعَلَ يَنْفُضُ قَوْلُهُ التُّرَابَ
عَنْهُ زَادَ فِي الْجِهَادِ عَنْ رَأْسِهِ وَكَذَا
لِمُسْلِمٍ وَفِيهِ إِكْرَامُ الْعَامِلِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ
قَوْلُهُ وَيَقُولُ أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيْحَ
عَمَّارٍ هِيَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ
إِذَا أُضِيفَتْ فَإِنْ لَمْ تُضَفْ جَازَ الرَّفْعُ
وَالنَّصْبُ مَعَ التَّنْوِينِ فِيهِمَا قَوْلُهُ
يَدْعُوهُمْ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ
وَالْمُرَادُ قَتَلَتُهُ كَمَا ثَبَتَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَخْ
وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ كَانَ
قَتْلُهُ بِصِفِّينَ وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ وَالَّذِينَ
قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الدُّعَاءُ
إِلَى النَّارِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ
أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ
مُجْتَهِدُونَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي اتِّبَاعِ
ظُنُونِهِمْ فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ
الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ
وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ
عَلِيٍّ وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةُ إِذْ
ذَاكَ وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ
لَكِنَّهُمْ معذورون للتأويل الَّذِي ظهر لَهُم وَقَالَ بن
بَطَّالٍ تَبَعًا لِلْمُهَلَّبِ إِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا
فِي الْخَوَارِجِ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ
عَمَّارًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا يَصِحُّ
فِي أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا
الْكَلَامِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ وَفِيهِ نَظَرٌ
مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْخَوَارِجَ إِنَّمَا
خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ قَتْلِ عمار بِلَا خلاف
بَين أهل الْعلم بذلك فَإِنَّ ابْتِدَاءَ أَمْرِ
الْخَوَارِجِ كَانَ عَقِبَ التَّحْكِيمِ وَكَانَ
التَّحْكِيمُ عَقِبَ انْتِهَاءِ الْقِتَالِ بِصِفِّينَ
وَكَانَ قَتْلُ عَمَّارٍ قَبْلَ ذَلِكَ قَطْعًا فَكَيْفَ
يَبْعَثُهُ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَانِيهَا
أَنَّ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَمَّارًا
إِنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ بَعَثَهُ
يَسْتَنْفِرُهُمْ عَلَى قِتَالِ عَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهَا
قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَكَانَ فِيهِمْ مِنَ
الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَمَنْ كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ
وَأَفْضَلُ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ عِنْدَ
الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ فَمَا فَرَّ مِنْهُ
الْمُهَلَّبُ وَقَعَ فِي مِثْلِهِ مَعَ زِيَادَةِ
إِطْلَاقِهِ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَةَ الْخَوَارِجِ
وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ ثَالِثُهَا أَنَّهُ شَرَحَ عَلَى
ظَاهِرِ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّاقِصَةِ
وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ
يَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ بعض الشُّرَّاح لَكِن وَقع فِي رِوَايَة بن
السَّكَنِ وَكَرِيمَةَ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا ثَبَتَ فِي
نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ قَابَلَهَا
عَلَى نُسْخَةِ الْفَرَبْرِيِّ الَّتِي بِخَطِّهِ
زِيَادَةٌ تُوَضِّحُ الْمُرَادَ وَتُفْصِحُ بِأَنَّ
الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى قَتَلَتِهِ وَهُمْ أَهْلُ
الشَّامِ وَلَفْظُهُ وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ
الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ الْحَدِيثَ وَاعْلَمْ أَنَّ
هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي
الْجَمْعِ وَقَالَ إِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْهَا
أَصْلًا وَكَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ
الْحُمَيْدِيُّ وَلَعَلَّهَا لَمْ تَقَعْ لِلْبُخَارِيِّ
أَوْ وَقَعَتْ فَحَذَفَهَا عَمْدًا قَالَ وَقَدْ
أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَرْقَانِيُّ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ
الْبُخَارِيَّ حَذَفَهَا عَمْدًا وَذَلِكَ لِنُكْتَةٍ
خَفِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُدْرَجَةٌ
وَالرِّوَايَةُ الَّتِي بَيَّنَتْ ذَلِكَ لَيْسَتْ عَلَى
شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ مِنْ
طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ أَبِي نَضْرَةَ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بِنَاءِ
الْمَسْجِدِ وَحَمْلِهُمْ لَبِنَةً لَبِنَةً وَفِيهِ
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي وَلَمْ
أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا بن سميَّة تقتلك الفئة
الباغية أه وبن سُمَيَّةَ هُوَ عَمَّارٌ وَسُمَيَّةُ اسْمُ
أُمِّهِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ
(1/542)
مُسْلِمٍ وَقَدْ عَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ
مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي
أَبُو قَتَادَةَ فَذَكَرَهُ فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ
عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ
غَيْرِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى دِقَّةِ فَهْمِهِ
وَتَبَحُّرِهِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى عِلَلِ
الْأَحَادِيثِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ أَيْضًا
لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ عِنْدَ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ
مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ وَهِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمَّارُ أَلَا تَحْمِلُ
كَمَا يَحْمِلُ أَصْحَابُكَ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ مِنَ
اللَّهِ الْأَجْرَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ زِيَادَةُ مَعْمَرٍ
فِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا
الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ
مِنْهُمْ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ
وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو رَافِعٍ
وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ وَأَبُو الْيُسْرِ وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ
وَكُلُّهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَغَالِبُ
طُرُقِهَا صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ
آخَرِينَ يَطُولُ عَدُّهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ
مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ
لِعَلِيٍّ وَلِعَمَّارٍ وَرَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ
الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي
حُرُوبِهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ يَقُولُ عَمَّارٌ
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
اسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْفِتَنِ وَلَوْ
عَلِمَ الْمَرْءُ أَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ فِيهَا بِالْحَقِّ
لِأَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إِلَى وُقُوع من لَا يرى وُقُوعه
قَالَ بن بطال وَفِيه رد للْحَدِيث الشَّائِع لاتستعيذوا
بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ فَإِنَّ فِيهَا حَصَادُ
الْمُنَافِقِينَ قلت وَقد سُئِلَ بن وَهْبٍ قَدِيمًا
عَنْهُ فَقَالَ إِنَّهُ بَاطِلٌ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ
الْفِتَنِ ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهَا وَمَا
يَنْبَغِي مِنَ الْعَمَلِ عِنْدَ وُقُوعِهَا أَعَاذَنَا
اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
(قَوْلُهُ بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ
وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ)
الصُّنَّاعُ بِضَمِّ الْمُهْمِلَةِ جَمْعُ صَانِعٍ
وَذِكْرُهُ بَعْدَ النَّجَّارِ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ
الْخَاصِّ أَوْ فِي التَّرْجَمَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ
فَقَوْلُهُ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ لِيَتَعَلَّقَ
بِالنَّجَّارِ وَقَوْلُهُ وَالْمَسْجِدِ يَتَعَلَّقُ
بِالصُّنَّاعِ أَيْ وَالِاسْتِعَانَةُ بِالصُّنَّاعِ فِي
الْمَسْجِدِ أَيْ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَحَدِيثُ
الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلٍ وَجَابِرٍ جَمِيعًا
يَتَعَلَّقُ بِالنَّجَّارِ فَقَطْ وَمِنْهُ تُؤْخَذُ
مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ مِنَ
الصُّنَّاعِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ
بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ
بَنَيْتُ الْمَسْجِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ قَرِّبُوا
الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ
مَسًّا وَأَشَدُّكُمْ لَهُ سَبْكًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي
لَفْظٍ لَهُ فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ فَخَلَطْتُ الطِّينَ
فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ فَقَالَ دَعُوا الْحَنَفِيِّ
وَالطِّينَ فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ للطين وَرَوَاهُ بن
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ فَقَلَتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَأَنْقُلُ كَمَا يَنْقُلُونَ فَقَالَ لَا
وَلَكِنِ اخْلِطْ لَهُمُ الطِّينَ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ
[448] قَوْلُهُ حَدثنَا عبد الْعَزِيز هُوَ بن أَبِي
حَازِمٍ قَوْلُهُ إِلَى امْرَأَةٍ تَقَدُّمَ ذِكْرُهَا فِي
بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالسُّطُوحِ
وَالتَّنْبِيهُ عَلَى غَلَطِ مَنْ سَمَّاهَا عُلَاثَةَ
وَكَذَا التَّنْبِيهُ عَلَى اسْمِ غُلَامِهَا وَسَاقَ
الْمَتْنَ هُنَا مُخْتَصَرًا وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي
الْبُيُوعِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَسَنَذْكُرُ فَوَائِدَهُ
فِي كِتَابِ الْجُمْعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(1/543)
[449] قَوْله حَدثنَا خَلاد هُوَ بن
يَحْيَى وَأَيْمَنُ بِوَزْنِ أَفْعَلَ وَهُوَ الْحَبَشِيُّ
مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَوْلُهُ أَنَّ امْرَأَةً هِيَ
الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ
سِيَاقِ حَدِيثِ جَابِرٍ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ حَدِيثِ
سَهْلٍ لِأَنَّ فِي هَذَا أَنَّهَا ابْتَدَأَتْ
بِالْعَرْضِ وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهَا
يَطْلُبُ ذَلِكَ أَجَابَ بن بَطَّالٍ بِاحْتِمَالِ أَنْ
تَكُونَ الْمَرْأَةُ ابْتَدَأَتْ بِالسُّؤَالِ
مُتَبَرِّعَةً بِذَلِكَ فَلَمَّا حَصَلَ لَهَا الْقَبُولُ
أَمْكَنَ أَنْ يُبْطِئَ الْغُلَامُ بِعَمَلِهِ فَأَرْسَلَ
يَسْتَنْجِزُهَا إِتْمَامَهُ لِعِلْمِهِ بِطِيبِ نَفْسِهَا
بِمَا بَذَلَتْهُ قَالَ وَيُمْكِنُ إِرْسَالُهُ إِلَيْهَا
لِيُعَرِّفَهَا بِصِفَةِ مَا يَصْنَعُهُ الْغُلَامُ مِنَ
الْأَعْوَادِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْبَرًا قُلْتُ قَدْ
أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ منبرًا
فَلَعَلَّ التَّعْرِيفَ وَقَعَ بِصِفَةٍ لِلْمِنْبَرِ
مَخْصُوصَةٍ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ
إِلَيْهَا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ لَهَا إِنْ شِئْتِ كَانَ
ذَلِكَ سَبَبَ الْبُطْءِ لَا أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ
شَرَعَ وَأَبْطَأَ وَلَا أَنَّهُ جَهِلَ الصِّفَةَ وَهَذَا
أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي قَوْلُهُ أَلَا أَجْعَلُ
لَكَ أَضَافَتِ الْجَعْلَ إِلَى نَفْسِهَا مَجَازًا
قَوْلُهُ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ فَإِنِّي لِي غُلَامٌ نَجَّارٌ وَقَدِ
اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْمَتْنَ أَيْضًا وَيَأْتِي
بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ
قَبُولُ الْبَذْلِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ سُؤَالٍ
وَاسْتِنْجَازُ الْوَعْدِ مِمَّنْ يُعْلَمُ مِنْهُ
الْإِجَابَةُ وَالتَّقَرُّبُ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ
بِعَمَلِ الْخَيْرِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِهِ فِي
عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(
قَوْله بَاب من بني مَسْجِدا)
أَي مَاله من الْفضل
[450] قَوْله أَخْبرنِي عَمْرو هُوَ بن الْحَارِث
وَبُكَيْر بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَشَجِّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْأَسْوَدِ وَفِي
هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي
نَسَقٍ بُكَيْرٌ وَعَاصِمٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَثَلَاثَةٌ
مِنْ أَوَّلِهِ مِصْرِيُّونَ وَثَلَاثَةٌ مِنْ آخِرِهِ
مَدَنِيُّونَ وَفِي وَسَطِهِ مَدَنِيُّ سَكَنَ مِصْرَ
وَهُوَ بُكَيْرٌ فَانْقَسَمَ الْإِسْنَادُ إِلَى مِصْرِيٍّ
وَمَدَنِيِّ قَوْلُهُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ وَقْعَ
بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ
طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ
مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ قَالَ لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ
بِنَاءَ الْمَسْجِدِ كَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا
أَنْ يَدَعُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ أَيْ فِي عَهْدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَهَرَ
بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حِينَ بَنَى
أَيْ حِينِ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ
الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَانَ بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ
الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ انْتَهَى وَلَمْ
يَبْنِ عُثْمَانُ الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً وَإِنَّمَا
وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ
بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاقُ
الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي
حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا
بَعْضُ الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى
الْبَعْضِ قَوْلُهُ مَسْجِدُ الرَّسُولِ كَذَا
لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ حُذِفَ
الْمَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالْمُرَادُ الْكَلَامُ
بِالْإِنْكَارِ
(1/544)
وَنَحْوُهُ تَنْبِيهٌ كَانَ بِنَاءُ
عُثْمَانَ لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَةَ ثَلَاثِينَ
عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ
خِلَافَتِهِ فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنِ الْحَارِث بن
مِسْكين عَن بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ كَعْبَ
الْأَحْبَارِ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَانِ عُثْمَانَ
الْمَسْجِدَ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا
يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ
عُثْمَانُ قَالَ مَالِكٌ فَكَانَ كَذَلِكَ قُلْتُ
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ
الْأَوَّلَ كَانَ تَارِيخَ ابْتِدَائِهِ وَالثَّانِي
تَارِيخَ انْتِهَائِهِ قَوْلُهُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا
التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ
الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ
عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَزَادَ بن
أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ عُثْمَانَ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ وَهَذِهِ
الزِّيَادَة أَيْضا عِنْد بن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ أبي مُسلم الْكَجِّي من
حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي
الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أنس وبن عُمَرَ وَعِنْدَ أَبِي
نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيث أبي بكر الصّديق
وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ
كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ وَحَمَلَ أَكْثَرُ
الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ
الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاةُ عَنْهُ لِتَضَعَ
فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُدَ عَلَيْهِ لَا يَكْفِي
مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ
جَابِرٍ هَذِهِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ
وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَذَا الْقَدْرَ
أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَتَقَعُ
حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَهَذَا
كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا
يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي
يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ
بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَهُوَ مَا يَسَعُ
الْجَبْهَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ
لَكِنَّ قَوْلَهُ بَنَى يُشْعِرُ بِوُجُودِ بِنَاءٍ عَلَى
الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أُمِّ
حَبِيبَةَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا أَخْرَجَهُ
سَمُّوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا
يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ الله أخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ عَبَسَةَ فَكُلُّ ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ
بِالْمَسْجِدِ الْمَكَانُ الْمُتَّخَذُ لَا مَوْضِعُ
السُّجُودِ فَقَطْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ
الْآخَرِ مَجَازًا إِذْ بِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ
وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ فِي طُرُقِ
الْمُسَافِرِينَ يُحَوِّطُونَهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ
وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ وَبَعْضُهَا لَا تَكُونُ
أَكْثَرَ مِنْ قَدَرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
نَحْو حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَادَ قُلْتُ وَهَذِهِ
الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطُّرُقِ قَالَ نَعَمْ
وَلِلطَّبَرانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
قِرْصَافَةَ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ قَوْلُهُ قَالَ
بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ أَيْ شَيْخَهُ عَاصِمًا
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ يَبْتَغِي بِهِ
وَجْهَ اللَّهِ أَيْ يَطْلُبُ بِهِ رِضَا اللَّهِ
وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ
لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ
أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا وَكَأَنَّهَا
لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ
رَوَى حَدِيثَ عُثْمَانَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ
لَفْظُهُمْ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا فَكَأَنَّ
بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى
مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ فَإِنَّ
قَوْلَهُ لِلَّهِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَبْتَغِي بِهِ
وَجْهَ اللَّهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنى المُرَاد
وَهُوَ الْإِخْلَاص فَائِدَة قَالَ بن الْجَوْزِيِّ مَنْ
كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيهِ كَانَ
بَعِيدًا مِنَ الْإِخْلَاصِ انْتَهَى وَمَنْ بَنَاهُ
بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ
الْمَخْصُوصُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَإِنْ كَانَ
يُؤَجَّرُ فِي الْجُمْلَة وروى أَصْحَاب السّنَن وبن
خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ
الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ
فِي صَنْعَتِهِ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ
فَقَوْلُهُ الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَنْ
يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِعَانَةَ الْمُجَاهِدِ وَهُوَ أَعَمُّ
مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ أَوْ بِأُجْرَةٍ
لَكِنَّ الْإِخْلَاصَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ
الْمُتَطَوِّعِ وَهَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ
لِمَنْ جَعَلَ بُقْعَةً مِنَ الْأَرْضِ مَسْجِدًا بِأَنْ
يَكْتَفِيَ بِتَحْوِيطِهَا مِنْ غَيْرِ بَنَاءٍ وَكَذَا
مَنْ عَمَدَ إِلَى بِنَاءٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَوَقَفَهُ
مَسْجِدًا إِنْ وَقَفْنَا مَعَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا
وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى فَنَعَمْ وَهُوَ
الْمُتَّجِهُ وَكَذَا قَوْلُهُ بَنَى حَقِيقَةً فِي
الْمُبَاشرَة بشرطها
(1/545)
لَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي دُخُولَ
الْآمِرِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ عَلَى
اسْتِدْلَالِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ
اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ
بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ بَنَى اللَّهُ إِسْنَادُ الْبِنَاءِ
إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ وَإِبْرَازُ الْفَاعِلِ فِيهِ
لِتَعْظِيمِ ذِكْرِهِ جَلَّ اسْمُهُ أَوْ لِئَلَّا
تَتَنَافَرَ الضَّمَائِرُ أَوْ يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ عَلَى
بَانِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ مِثْلَهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ
مَحْذُوفٍ أَيْ بَنَى بِنَاءً مِثْلَهُ وَلَفْظُ الْمِثْلِ
لَهُ اسْتِعْمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ
مِثْلِنَا وَالْآخر الْمُطَابقَة كَقَوْلِه تَعَالَى أُمَم
أمثالكم فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ
الْجَزَاءُ أَبْنِيَةً مُتَعَدِّدَةً فَيَحْصُلُ جَوَابُ
مَنِ اسْتَشْكَلَ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ مِثْلَهُ مَعَ
أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا لِاحْتِمَالِ
أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ
أَبْنِيَةٍ مَثْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ ثَوَابَ
الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ بِحُكْمِ الْعَدْلِ
وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَضْلِ وَأَمَّا مَنْ
أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ
تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عشر أَمْثَالهَا
فَفِيهِ بُعْدٌ وَكَذَا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ
بِالْوَاحِدِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنَ
الْأَجْوِبَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ
الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ
وَالزِّيَادَةَ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ
مِنْ بَيْتٍ خَيْرٍ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ
أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّ جَزَاءَ
هَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مِنْ
غَيْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ
أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
ضِيقِ الدُّنْيَا وَسِعَةِ الْجَنَّةِ إِذْ مَوْضِعُ
شِبْرٍ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كَمَا
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
وَاثِلَةَ بِلَفْظِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ
أَفْضَلَ مِنْهُ وَلِلطَّبَرانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
أُمَامَةَ بِلَفْظِ أَوْسَعَ مِنْهُ وَهَذَا يُشْعِرُ
بِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُسَاوَاةُ
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ
الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا
قَوْلُهُ فِي الْجَنَّةِ يَتَعَلَّقُ بِبَنَى أَوْ هُوَ
حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
دُخُولِ فَاعِلِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ إِذِ الْمَقْصُودُ
بِالْبِنَاءِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ وَهُوَ لَا يسكنهُ
إِلَّا بعد الدُّخُول وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ يَأْخُذُ أَيِ الشَّخْصُ بِنُصُولٍ)
جَمْعُ نَصْلٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى نِصَالٍ كَمَا
سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ
وَالنَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ
وَبَعْدَهَا لَامٌ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ
مُؤَنَّثَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَجَوَابُ
الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِذَا مَرَّ مَحْذُوفٌ
وَيُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ يَأْخُذُ أَوِ التَّقْدِيرُ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَعَهُ نَبْلٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ إِلَخْ
وسُفْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَاد هُوَ بن
عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ
قُتَيْبَةُ فِي هَذَا السِّيَاقِ جَوَابَ عَمْرٍو عَنِ
اسْتِفْهَامِ سُفْيَانَ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ
وَحُكِيَ عَنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ
فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَقَدْ
ذَكَرَهُ غَيْرُ قُتَيْبَةَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
الْفِتَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
سُفْيَانَ مِثْلَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
عَمْرٍو بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا جَوَابٍ لَكِنَّ سِيَاقَ
الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ تَحَقُّقَ الِاتِّصَالِ فِيهِ وَقَدْ
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سُفْيَانَ
أَيْضًا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي
الْمَسْجِدِ بَأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا فَأَمَرَ
أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا كَيْ لَا تَخْدِشَ مُسْلِمًا
وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ
(1/546)
كَيْ وَأَفَادَتْ رِوَايَةُ سُفْيَانَ
تَعْيِينَ الْآمِرِ الْمُبْهَمِ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ
وَأَفَادَتْ رِوَايَةُ حَمَّادٍ بَيَانَ عِلَّةَ الْأَمْرِ
بِذَلِكَ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الْمَارَّ الْمَذْكُورَ
كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ
أَقِفْ على اسْمه إِلَى الْآن فَائِدَة قَالَ بن بَطَّالٍ
حَدِيثُ جَابِرٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْإِسْنَادُ لِأَنَّ
سُفْيَانَ لَمْ يَقُلْ إِنَّ عَمْرًا قَالَ لَهُ نَعَمْ
قَالَ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ كِتَابِ
الصَّلَاةِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ فَبَانَ
بِقَوْلِهِ نَعَمْ إِسْنَادُ الْحَدِيثِ قُلْتُ هَذَا
مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَرْجُوحِ فِي اشْتِرَاطِ
قَوْلِ الشَّيْخِ نَعَمْ إِذَا قَالَ لَهُ الْقَارِئُ
مَثَلًا أَحَدَّثَكَ فَلَانٌ وَالْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ
الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْهُمُ
الْبُخَارِيُّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُكْتَفَى
بِسُكُوتِ الشَّيْخِ إِذَا كَانَ مُتَيَقِّظًا وَعَلَى
هَذَا فَالْإِسْنَادُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ظَاهِرٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى
تَعْظِيمِ قَلِيلِ الدَّمِ وكَثِيرِهِ وَتَأْكِيدُ
حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَجَوَازُ إِدْخَالِ السِّلَاحِ
الْمَسْجِدَ وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَقْلِيبِ السِّلَاحِ فِي
الْمَسْجِدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ بَابُ الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ)
أَيْ جَوَازِهِ وَهُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ
مِنْ جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ
تَخْصِيصِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِتَرْجَمَةِ الْمُرُورِ
وَحَدِيثِ جَابِرٍ بِتَرْجَمَةِ الْأَخْذِ بِالنِّصَالِ
مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلُّ عَلَى
كُلٍّ مِنَ التَّرْجَمَتَيْنِ أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى لَفْظِ الْمَتْنِ
فَإِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمُرُورِ
مِنْ لَفْظِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى
فَإِنَّ فِيهِ لَفْظَ الْمُرُورِ مَقْصُودًا حَيْثُ جُعِلَ
شَرْطًا وَرُتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَهَذَا بِالنَّظَرِ
إِلَى اللَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى
شَرْطِهِ وَإِلَّا فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق بن
جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ
إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ الْحَدِيثَ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ
الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَاد هُوَ بن زِيَادٍ وَأَبُو
بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ بَرِيدٌ وَشَيْخُهُ
هُوَ جَدُّهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
الْفِتَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ بَرِيدٍ
نَحْوَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ
[452] قَوْلُهُ أَوْ أَسْوَاقُنَا هُوَ تَنْوِيعٌ مِنَ
الشَّارِعِ وَلَيْسَ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي وَالْبَاءُ فِي
قَوْلِهِ بِنَبْلٍ لِلْمُصَاحَبَةِ قَوْلُهُ عَلَى
نِصَالِهَا ضُمِّنَ الْأَخْذُ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ
لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ عَمْرٍو وَسَيَأْتِي
مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَوْلُهُ لَا
يَعْقِرْ أَيْ لَا يَجْرَحْ وَهُوَ مَجْزُومٌ نَظَرًا
إِلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ
قَوْلُهُ بِكَفِّهِ مُتَعَلِّقٌ بُقُولِهِ فَلْيَأْخُذْ
وَكَذَا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ لَا يَعْقِرْ مُسْلِمًا
بِكَفِّهِ لَيْسَ قَوْلُهُ بِكَفِّهِ مُتَعَلِّقًا
بِيَعْقِرْ وَالتَّقْدِيرُ فَلْيَأْخُذْ بِكَفِّهِ عَلَى
نِصَالِهَا لَا يَعْقِرْ مُسْلِمًا وَيُؤَيِّدُهُ
رِوَايَةُ أَبِي أُسَامَةَ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا
بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا ثمَّ ليَأْخُذ بنصالها
ثمَّ ليَأْخُذ بنصالها
(1/547)
(قَوْلُهُ بَابُ الشِّعْرِ فِي
الْمَسْجِدِ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ
[453] قَوْلُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو
سَلَمَةَ كَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَتَابَعَهُ إِسْحَاقُ
بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
فَقَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بَدَلَ أَبِي
سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ
وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ
سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عِنْدَ
النَّسَائِيِّ وَهَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا
يَضُرُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ
فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا مَعًا فَكَانَ
يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَعَقَّبُهَا
الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَكِنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْهُ فَلْيُسْتَدْرَكْ عَلَيْهِ وَفِي الْإِسْنَادِ
نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ
التَّتَبُّعِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ
وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ
وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى
أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ الْحَدِيثَ
وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْدَهُمْ
مُرْسَلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زمن الْمُرُور وَلكنه
يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ سَعِيدًا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ بَعْدُ أَوْ مِنْ حَسَّانَ أَوْ وَقْعَ
لِحَسَّانَ اسْتِشْهَادُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرَّةً أُخْرَى
فَحَضَرَ ذَلِكَ سَعِيدٌ وَيُقَوِّيهِ سِيَاقُ حَدِيثِ
الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَ
حَسَّانَ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ
لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ مُرُورِ عُمَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ
أَصْغَرُ مِنْ سَعِيدٍ فَدَلَّ عَلَى تَعَدُّدِ
الِاسْتِشْهَادِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتُ
حَسَّانَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْتِشْهَادُهُ بِهِ
إِنَّمَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ ثُمَّ لَا تَدُلُّ
عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ
وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ سَعِيدٌ أَرْسَلَ قِصَّةَ
الْمُرُورِ ثُمَّ سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِشْهَادَ
حَسَّانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْمَقْصُود لِأَنَّهُ
الْمَرْفُوع وَهُوَ مَوْصُول بِلَا تَرَدُّدٍ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ يَسْتَشْهِدُ أَيْ يَطْلُبُ
الشَّهَادَةَ وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ
الشَّرْعِيِّ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ
مُبَالَغَةً فِي تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ قَوْلُهُ أَنْشُدُكَ
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ
سَأَلْتُكَ اللَّهَ وَالنَّشْدُ بِفَتْحِ النُّونِ
وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ التَّذَكُّرُ قَوْلُهُ أَجِبْ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ أَجِبْ عَنِّي
فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي هُنَا بِالْمَعْنَى
قَوْلُهُ أَيِّدْهُ أَيْ قَوِّهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ
الْمُرَادُ هَنَا جِبْرِيلُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ
عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا بِلَفْظِ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ
وَالْمُرَادُ بِالْإِجَابَةِ الرَّدُّ عَلَى الْكُفَّارِ
الَّذِينَ هَجَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَفِي التِّرْمِذِيِّ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصِبُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي
الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو الْكُفَّارَ
وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ
الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ تَعْلِيقًا نَحْوَهُ وَأَتَمَّ
مِنْهُ لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ
لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ حَسَّانَ أَنْشَدَ
شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ رِوَايَةَ
الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ أَجِبْ عَنِّي كَانَ فِي الْمَسْجِدِ
وَأَنَّهُ أَنْشَدَ فِيهِ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ
وَقَالَ غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ
أَنَّ الشِّعْرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْحَقِّ حَقٌّ
بِدَلِيلِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ عَلَى شِعْرِهِ وَإِذَا كَانَ حَقًّا
جَازَ فِي الْمَسْجِدِ كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْحَقِّ
وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ
الْكَلَامِ الْخَبِيثِ
(1/548)
وَاللَّغْوِ السَّاقِطِ قُلْتُ
وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ
وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ إِنَّمَا
اخْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ الْقِصَّةَ لِاشْتِهَارِهَا
وَلِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ انْتهى وَأما
مَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ
فِي الْمَسَاجِدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرٍو
فَمَنْ يُصَحِّحْ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحْهُ وَفِي الْمَعْنَى
عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَكِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ
فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ
يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ
الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ
مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا
إِذَا كَانَ التَّنَاشُدُ غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ
حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ وَأَبْعَدَ أَبُو
عَبْدُ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيثَ
النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ
وَلَمْ يُوَافق على ذَلِك حَكَاهُ بن التِّينِ عَنْهُ
وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ طَرَدَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا
سَيَأْتِي مِنْ دُخُولِ أَصْحَابِ الْحِرَابِ الْمَسْجِد
وَكَذَا دُخُول الْمُشرك
(قَوْلُهُ بَابُ أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ)
الْحِرَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ جَمْعُ حَرْبَةٍ
وَالْمُرَادُ جَوَازُ دُخُولِهِمْ فِيهِ وَنِصَالُ
حِرَابِهِمْ مَشْهُورَةٌ وَأَظُنُّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ
إِلَى تَخْصِيصِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنِ
الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ بِالنَّصْلِ غَيْرِ مَغْمُودٍ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّحَفُّظَ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ وَهِيَ صُورَةُ اللَّعِبِ بِالْحِرَابِ سَهْلٌ
بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمُرُورِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ
بَغْتَةً فَلَا يُتَحَفَّظُ مِنْهُ قَوْله فِي الْإِسْنَاد
[454] عَن صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ قَوْلُهُ لَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فِي بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ
يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ فِي
الْمَسْجِد وَحكى بن التِّينِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ
اللَّخْمِيِّ أَنَّ اللَّعِبَ بِالْحِرَابِ فِي
الْمَسْجِدِ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ وَالسَّنَةِ أَمَّا
الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللَّهُ أَن ترفع وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ جَنِّبُوا
مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَتُعُقِّبَ
بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِي
الْآيَةِ تَصْرِيحٌ بِمَا ادَّعَاهُ وَلَا عُرِفَ
التَّارِيخُ فَيَثْبُتُ النَّسْخُ وَحَكَى بَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَعِبَهُمْ كَانَ
خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ عَائِشَةَ فِي الْمَسْجِدِ
وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا
صُرِّحَ بِهِ فِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي بَعْضِهَا
أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ لَعِبَهُمْ فِي
الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ وَاللَّعِبُ بِالْحِرَابِ
لَيْسَ لَعِبًا مُجَرَّدًا بَلْ فِيهِ تَدْرِيبُ
الشُّجْعَانِ عَلَى مَوَاقِعِ الْحُرُوبِ
وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَدُوِّ وَقَالَ الْمُهَلِّبُ
الْمَسْجِدُ مَوْضُوعٌ لِأَمْرِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
فَمَا كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ يَجْمَعُ مَنْفَعَةَ
الدِّينِ وَأَهْلِهِ جَازَ فِيهِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ
النَّظَرِ إِلَى اللَّهْوِ الْمُبَاحِ وَفِيهِ حُسْنُ
خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ
وَكَرْمِ مُعَاشَرَتِهِ وَفَضْلُ عَائِشَةَ وَعَظِيمُ
مَحَلِّهَا عِنْدَهُ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ
عَلَى فَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ إِنْ شَاءَ
الله تَعَالَى
(1/549)
قَوْلُهُ فِي بَابِ حُجْرَتِي عِنْدَ
الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي قَوْلُهُ
يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
بَعْدَ نُزُولِ الْحِجَابِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ
الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ وَأَجَابَ بَعْضُ مَنْ مَنَعَ
بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ صَغِيرَةً وَفِيهِ
نَظَرٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَادَّعَى بَعْضُهُمَ النَّسْخَ
بِحَدِيثِ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا وَهُوَ حَدِيثٌ
مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَسَيَأْتِي لِلْمَسْأَلَةِ
مَزِيدُ بَسْطٍ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى قَوْلُهُ وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
يُرِيدُ أَنَّ إِبْرَاهِيم رَوَاهُ من رِوَايَة يُونُس
وَهُوَ بن يزِيد عَن بن شِهَابٍ كَرِوَايَةِ صَالِحٍ
لَكِنْ عَيَّنَ أَنَّ لَعِبَهُمْ كَانَ بِحِرَابِهِمْ
وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلتَّرْجَمَةِ وَفِي ذَلِكَ
إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ يَقْصِدُ
بِالتَّرْجَمَةِ أَصْلَ الحَدِيث لاخصوص السِّيَاقِ
الَّذِي يُورِدُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى طَرِيقِ يُونُسَ
مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ مَوْصُولَةً
نَعَمْ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي طَاهِرِ بْنِ
السَّرْح عَن بن وَهْبٍ وَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ
أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بن عمر عَن يُونُس وَفِيه
الزِّيَادَة
(قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى
الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ)
مُطَابَقَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ الْبَابِ مِنْ
قَوْلِهِ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ فَإِنَّ فِيهِ
إِشَارَةً إِلَى الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدِ
اشْتَمَلَتْ عَلَى بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ
وَوَهِمَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ
فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ
وَقَعَا فِي الْمَسْجِدِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ
التَّرْجَمَةَ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ جَوَازِ ذَلِكَ
وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ جَرَيَانِ ذِكْرِ
الشَّيْءِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ حُكْمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ
حَقٌّ وَخَيْرٌ وَبَيْنَ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ
ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اللَّغَطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ
الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي
الْمَسْجِدِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ
لَوْ وَقَعَ وَوَقَعَ لِابْنِ الْمُنِيرِ فِي تَرَاجِمِهِ
وَهْمٌ آخَرُ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ هَذِهِ
التَّرْجَمَةِ هُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ
ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ وَشَرَعَ يَتَكَلَّفُ
لِمُطَابَقَتِهِ لِتَرْجَمَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي
الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِي النُّسَخِ كُلِّهَا
فِي تَرْجَمَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ حَدِيثُ عَائِشَةَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ
فَسَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ بِتَرْجَمَةٍ
أُخْرَى وَكَأَنَّهُ انْتَقَلَ بَصَرُهُ مِنْ مَوْضِعٍ
لموْضِع أَو تصفح ورقة فَانْقَلَبت اثْنَتَانِ قَوْله
حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة
[456] عَن يحيى هُوَ بن سَعِيدٍ وَلِلْحُمَيْدِيِّ فِي
مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَوْلُهُ
قَالَتْ أَتَتْهَا فِيهِ الْتِفَاتٌ إِنْ كَانَ فَاعِلُ
قَالَتْ عَائِشَةَ وَيَحْتَمِلُ
(1/550)
أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ عَمْرَةَ فَلَا
الْتِفَاتَ قَوْلُهُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا ضُمِّنَ
تَسْأَلُ مَعْنَى تَسْتَعِينُ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهَا أَهْلَكِ
مُوَالِيكِ وَحُذِفَ مَفْعُولُ أَعْطَيْتُ الثَّانِي
لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بَقِيَّةُ
مَا عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي تَعْيِينُهُ فِي كِتَابِ
الْعِتْقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَقَالَ
سُفْيَانُ مَرَّةً أَيْ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَ بِهِ
عَلَى وَجْهَيْنِ وَهُوَ مَوْصُولٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ
قَوْلُهُ ذَكَّرْتُهُ ذَلِكَ كَذَا وَقَعَ هُنَا
بِتَشْدِيدِ الْكَافِ فَقِيلَ الصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ ذَكَرْتُ لَهُ
ذَلِكَ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ عِلْمٍ
بِذَلِكَ وَلَا يَتَّجِهُ تَخْطِئَةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ
لِاحْتِمَالِ السَّبْقِ أَو لَا على وَجه الْإِجْمَال
قَوْله يشترطون شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
كَأَنَّهُ ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ جِنْسِ الشَّرْطِ وَلَفْظُ
مِائَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ قَوْلُهُ
فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ
الْمُرَادُ أَنَّ مَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ
اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ لَفْظَ الْوَلَاءِ لِمَنْ
أَعْتَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَكِنَّ الْأَمْرَ بِطَاعَتِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَجَازَ إِضَافَةُ ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابِ وَتُعُقِّبَ
بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ لَجَازَتْ إِضَافَةُ مَا
اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تِلْكَ
الْإِضَافَةَ إِنَّمَا هِيَ بِطْرِيقِ الْعُمُومِ لَا
بِخُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَهَذَا مَصِيرٌ
مِنَ الْخَطَّابِيِّ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكِتَابِ
اللَّهِ هُنَا الْقُرْآنُ وَنَظِيرُ مَا جَنَحَ إِلَيْهِ
مَا قَالَه بن مَسْعُود لأم يَعْقُوب فِي قصَّة الواشمه
مَا لي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ
بقوله تَعَالَى وَمَا أَتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُنَا
فِي كِتَابِ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ سَوَاءٌ
ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ أَمْ فِي السُّنَّةِ أَوِ
الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمَكْتُوبُ أَيْ فِي اللَّوْحِ
الْمَحْفُوظِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا فِي قِصَّةِ
بَرِيرَةَ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ
أُخْرَى مِنَ الْبُيُوعِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا
وَاعْتَنَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ
فَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ وَسَنَذْكُرُ فَوَائِدَهُ
مُلَخَّصَةً مَجْمُوعَةً فِي كِتَابِ الْعِتْقِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَصَلَهُ فِي
بَابِ الْمُكَاتَبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ
عَنْهُ وَصُورَةُ سِيَاقِهِ الْإِرْسَالُ وَسَيَأْتِي
الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ قَوْلُهُ قَالَ عَليّ يَعْنِي
بن عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورَ أَوَّلَ الْبَابِ
وَيَحْيَى هُوَ بن سعيد الْقطَّان وَعبد الْوَهَّاب هُوَ
بن عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَ الْبُخَارِيَّ عَنْ
أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ حَدَّثَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِهِ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ
رِوَايَةَ سُفْيَانَ لِمُطَابَقَتِهَا التَّرْجَمَة بِذكر
الْمُنِير فِيهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْلِيقَ
عَنْ مَالِكٍ مُتَأَخِّرٌ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنْ
طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ قَوْلُهُ عَنْ عَمْرَةَ
نَحْوَهُ يَعْنِي نَحْوَ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَقَدْ
وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
بَشَّارٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ
كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي
عَمْرَةُ أَنَّ بَرِيرَةَ فَذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِيهِ
ذِكْرُ الْمِنْبَرِ أَيْضًا وَصُورَتُهُ أَيْضًا
الْإِرْسَالُ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ فَزَعَمَتْ
عَائِشَةُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ
بِذَلِكَ اتِّصَالُهُ وَأَفَادَتْ رِوَايَةُ جَعْفَرِ بْنِ
عَوْنٍ التَّصْرِيحَ بِسَمَاعِ يَحْيَى مِنْ عَمْرَةَ
وَبِسَمَاعِ عَمْرَةَ مِنْ عَائِشَةَ فَأُمِنَ بِذَلِكَ
مَا يُخْشَى فِيهِ مِنَ الْإِرْسَالِ الْمَذْكُورِ
وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ
وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ
بْنِ عَوْنٍ وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَتَتْنِي
بَرِيرَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ
الْمِنْبَر أَيْضا
(1/551)
(
قَوْله بَاب التقاضى)
أَي مُطَالبَة الْغَرِيم بِقَضَاء الدّين والملازمة أَي
مُلَازمَة الْغَرِيم وَفِي الْمَسْجِدِ يَتَعَلَّقُ
بِالْأَمْرَيْنِ فَإِنْ قِيلَ التَّقَاضِي ظَاهِرٌ مِنْ
حَدِيثِ الْبَابِ دُونَ الْمُلَازَمَةِ أَجَابَ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ كَأَنَّهُ أَخذه من كَون بن أَبِي
حَدْرَدٍ لَزِمَهُ خَصْمُهُ فِي وَقْتِ التَّقَاضِي
وَكَأَنَّهُمَا كَانَا يَنْتَظِرَانِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا قَالَ
فَإِذَا جَازَتِ الْمُلَازَمَةُ فِي حَالِ الْخُصُومَةِ
فَجَوَازُهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ
أَوْلَى انْتَهَى قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ
عَادَةِ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ
بِالْمُلَازَمَةِ إِلَى مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ
وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ فِي بَابِ الصُّلْحِ
وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ مَالٌ
فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ
أَصْوَاتُهُمَا وَيُسْتَفَاد من هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا
تَسْمِيَة بن أَبِي حَدْرَدٍ وَذِكْرُ نِسْبَتِهِ
فَائِدَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَأْتِ
مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى فَعْلَعٍ بِتَكْرِيرِ الْعَيْنِ
غَيْرَ حَدْرَدٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا
دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ
دَالٌ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا
[457] قَوْلُهُ عَنْ كَعْبٍ هُوَ بن مَالِكٍ أَبُوهُ
قَوْلُهُ دَيْنًا وَقْعَ فِي رِوَايَةِ زَمْعَةَ بْنِ
صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ أُوقِيَّتَيْنِ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ
مُتَعَلِّقٌ بِتَقَاضِي قَوْلُهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا فِي
رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَاهِرُ الرِّوَايَتَيْنِ
التَّخَالُفُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا
بِاحْتِمَالِ أَن يكون مر بهما أَو لَا ثُمَّ إِنَّ
كَعْبًا أَشْخَصَ خَصْمَهُ لِلْمُحَاكَمَةِ فَسَمِعَهُمَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا
وَهُوَ فِي بَيْتِهِ قُلْتُ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ فِي
الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَشَارَ إِلَى كَعْبٍ بِالْوَضِيعَةِ وَأَمَرَ غَرِيمَهُ
بِالْقَضَاءِ فَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَقَدَّمَ لَهُمَا لَمَا
احْتَاجَ إِلَى الْإِعَادَةِ وَالْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ
لِي أَنْ يُحْمَلَ الْمُرُورُ عَلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ
لَا حِسِّيٍّ قَوْلُهُ سِجْفٌ بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ
وَسُكُونِ الْجِيمِ وَحَكَى فَتْحَ أَوَّلِهِ وَهُوَ
السِّتْرُ وَقِيلَ أَحَدُ طَرَفَيِ السِّتْرِ الْمُفَرَّجِ
قَوْلُهُ أَيِ الشَّطْرَ بِالنَّصْبِ أَيْ ضَعِ الشَّطْرَ
لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ هَذَا وَالْمُرَادُ
بِالشَّطْرِ النِّصْفُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ
الْأَعْرَجِ قَوْلُهُ لَقَدْ فَعَلْتُ مُبَالَغَةٌ فِي
امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ قُمْ خِطَابٌ لِابْنِ
أَبِي حَدْرَدٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا
يَجْتَمِعُ الْوَضِيعَةُ وَالتَّأْجِيلُ وَفِي الْحَدِيثِ
جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ
مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ وَقَدْ أَفْرَدَ لَهُ الْمُصَنِّفُ
بَابًا يَأْتِي قَرِيبًا وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ
مَنْعُهُ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ
التَّفْرِقَةُ بَيْنَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْعِلْمِ
وَالْخَيْرِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ
رَفْعِهِ بِاللَّغَطِ وَنَحْوِهِ فَلَا قَالَ الْمُهَلَّبُ
لَوْ كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ
لَمَا تَرَكَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَبَيَّنَ لَهُمَا ذَلِكَ قُلْتُ وَلِمَنْ
مَنَعَ أَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ تَقَدَّمَ نَهْيُهُ عَنْ
ذَلِكَ فَاكْتَفَى بِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّوَصُّلِ
بِالطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى تَرْكِ ذَلِكَ
بِالصُّلْحِ الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْمُخَاصَمَةِ
الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَفِيهِ الِاعْتِمَادُ
عَلَى الْإِشَارَةِ إِذَا فُهِمَتْ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى
صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِشَارَةُ الْحَاكِمِ بِالصُّلْحِ
وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ وَجَوَازُ إِرْخَاءِ السِّتْرِ على
الْبَاب
(1/552)
(قَوْلُهُ بَابُ كَنْسِ الْمَسْجِدِ
وَالْتِقَاطِ الْخِرَقَ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ)
أَيْ مِنْهُ
[458] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ هُوَ الصَّائِغُ
تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وَوَهْمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ
إِنَّهُ أَبُو رَافِعٍ الصَّحَابِيِّ وَقَالَ هُوَ مِنْ
رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَيْسَ كَمَا
قَالَ فَإِنَّ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا
رَافِعٍ الصَّحَابِيِّ قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ
أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ الشَّكُّ فِيهِ مِنْ ثَابِتٍ
لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ هَكَذَا أَوْ مِنْ
أَبِي رَافِعٍ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَلَا أَرَاهُ
الا امْرَأَة وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ امْرَأَةً سَوْدَاءَ وَلَمْ
يَشُكَّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ من
حَدِيث بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَسَمَّاهَا أَمَّ
مِحْجَنٍ وَأَفَادَ أَنَّ الَّذِي أَجَابَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُؤَالِهِ عَنْهَا
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَذكر بن مَنْدَهْ فِي
الصَّحَابَةِ خَرْقَاءَ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ
تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَوَقَعَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ
وَذَكَرَهَا بن حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ
بِدُونِ ذِكْرِ السَّنَدِ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهَذَا
اسْمُهَا وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مِحْجَنٍ قَوْلُهُ كَانَ
يَقُمُّ الْمَسْجِدَ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ أَيْ يَجْمَعُ
الْقُمَامَةَ وَهِيَ الْكُنَاسَةُ فَإِنْ قِيلَ دَلَّ
الْحَدِيثُ عَلَى كَنْسِ الْمَسْجِدِ فَمِنْ أَيْنَ
يُؤْخَذُ الْتِقَاطُ الْخِرَقِ وَمَا مَعَهُ أَجَابَ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ
عَلَيْهِ وَالْجَامِعُ التَّنْظِيفُ قُلْتُ وَالَّذِي
يَظْهَرُ لِي مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ
أَشَارَ بِكُلِّ ذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ
طُرُقِهِ صَرِيحًا فَفِي طَرِيقِ الْعَلَاءِ
الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ
وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ
الْمُتَقَدِّمِ كَانَتْ مُولَعَةً بِلَقْطِ الْقَذَى مِنَ
الْمَسْجِدِ وَالْقَذَى بِالْقَافِ وَالذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ جَمْعُ قَذَاةٍ وَجَمْعُ
الْجَمْعِ أَقَذِيَةٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْقَذَى فِي
الْعَيْنِ وَالشَّرَابِ مَا يَسْقُطُ فِيهِ ثُمَّ
اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ
وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا وَتَكَلَّفَ مَنْ لَمْ
يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ فَزَعَمَ أَنَّ حُكْمَ
التَّرْجَمَةِ يُؤْخَذُ مِنْ إِتْيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَبْرَ حَتَّى صَلَّى
عَلَيْهِ قَالَ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي
تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ عَنْهُ أَيْ عَنْ حَالِهِ
وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيِ النَّاسَ قَوْلُهُ
آذَنْتُمُونِي بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمْتُمُونِي زَادَ
الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ قَالَ فحقروا شَأْنه وَزَاد
بن خُزَيْمَةَ فِي طَرِيقِ الْعَلَاءِ قَالُوا مَاتَ مِنَ
اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ زَادَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كَامِلٍ
الْجَحْدَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي
آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ
ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا
لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجِ
الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا مُدْرَجَةٌ
فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَهِيَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ
بَيَّنَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي
كِتَابِ بَيَانِ الْمُدْرَجِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ
مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ
أَوْ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ يَعْنِي كَمَا
رَوَاهُ بن مَنْدَهْ وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي
عَامِرٍ الْخَزَّازِ كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ بِهَذِهِ
الزِّيَادَةِ وَزَادَ بَعْدَهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ إِنَّ أَبِي أَوْ أَخِي مَاتَ أَوْ دُفِنَ
فَصَلِّ عَلَيْهِ قَالَ فَانْطَلَقَ مَعَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ وَالسُّؤَالِ
عَنِ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ وَفِيهِ
الْمُكَافَأَةُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّرْغِيبُ فِي شُهُودِ
جَنَائِزِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَنَدْبُ الصَّلَاةِ عَلَى
الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ عِنْدَ قَبْرِهِ لمن لم يصل
عَلَيْهِ والاعلام بِالْمَوْتِ
(1/553)
(قَوْلُهُ بَابُ تَحْرِيمِ تِجَارَةِ
الْخَمْرِ فِي الْمَسْجِدِ)
أَيْ جَوَازِ ذِكْرِ ذَلِكَ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ
وَلَيْسَ مُرَادُهُ مَا يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُهُ مِنْ
أَنَّ تَحْرِيمَهَا مُخْتَصٌّ بِالْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا
هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بَابُ ذِكْرِ تَحْرِيمِ
كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ ذِكْرِ الْبَيْعِ
وَالشِّرَاءِ وَمَوْقِعُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْمَسْجِدَ
مُنَزَّهٌ عَنِ الْفَوَاحِشِ فِعْلًا وَقَوْلًا لَكِنْ
يَجُوزُ ذِكْرُهَا فِيهِ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهَا وَنَحْو
ذَلِك كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ
[459] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَمْزَة هُوَ السكرِي وَمُسلم
هُوَ بن صُبَيْحٍ أَبُو الضُّحَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ
عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
كَانَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا
بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِهَا مَرَّةً
بَعْدَ أُخْرَى تَأْكِيدًا قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ تَحْرِيمُ التِّجَارَةِ فِيهَا تَأَخَّرَ عَنْ
وَقت تَحْرِيم عينهَا وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ)
فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الخدم فِي الْمَسْجِد قَوْله
وَقَالَ بن عَبَّاس هَذَا التَّعْلِيق وَصله بن أَبِي
حَاتِمٍ بِمَعْنَاهُ قَوْلُهُ مُحَرَّرًا أَيْ مُعْتَقًا
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ صِحَّةُ
النَّذْرِ فِي أَوْلَادِهِمْ وَكَأَنَّ غَرَضَ
الْبُخَارِيِّ الْإِشَارَةُ بِإِيرَادِ هَذَا إِلَى أَنَّ
تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ بِالْخِدْمَةِ كَانَ مَشْرُوعًا
عِنْدَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ
وَقَعَ مِنْهُ نَذْرُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ وَمُنَاسَبَةُ
ذَلِكَ الحَدِيث الْبَابِ مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ تَبَرُّعِ
تِلْكَ الْمَرْأَةِ بِإِقَامَةِ نَفْسِهَا لِخِدْمَةِ
الْمَسْجِدِ لِتَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ
[460] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ وَاقِدٌ
جَدُّهُ وَاسْمُ أَبِيه عبد الْملك وَشَيْخه حَمَّاد هُوَ
بن زَيْدٍ وَرِجَالُهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ وَلَا أُرَاهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
أَيْ أَظُنُّهُ قَوْلُهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيِ الَّذِي تقدم قبل
بِبَاب
(قَوْلُهُ بَابُ الْأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِأَو وَهِي للتنويع وَفِي رِوَايَة بن
السَّكَنِ وَغَيْرِهِ وَالْغَرِيمِ بِوَاوِ الْعَطْفِ
[461] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا روح هُوَ بن عُبَادَةَ قَوْلُهُ
تَفَلَّتَ بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَعَرَّضَ
لِي فَلْتَةً أَيْ
(1/554)
بَغَتَةً وَقَالَ الْقَزَّازُ يَعْنِي
تَوَثَّبَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَفْلَتَ الشَّيْءُ
فَانْفَلَتَ وَتَفَلَّتَ بِمَعْنًى قَوْلُهُ الْبَارِحَةَ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى كُلُّ زَائِلٍ بَارِحٌ
وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْبَارِحَةُ وَهِيَ أَدْنَى لَيْلَةٍ
زَالَتْ عَنْكَ قَوْلُهُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْبَارِحَةِ
أَوْ إِلَى جُمْلَةِ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ
قُلْتُ رَوَاهُ شَبَابَةُ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ عَرَضَ
لِي فَشَدَّ عَلَيَّ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ
الثَّانِيَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عُرِضَ لِي فِي صُورَةِ هِرٍّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي الدَّرْدَاءِ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ
لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ فَأَخَذْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فخنقته حَتَّى وجدت
برد لِسَانه على يَدي وَفهم بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ مِنْهُ
أَنَّهُ كَانَ حِينَ عُرِضَ لَهُ غَيْرَ مُتَشَكِّلٍ
بِغَيْرِ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَقَالُوا إِنَّ
رُؤْيَةَ الشَّيْطَانِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ
عَلَيْهَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَلَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى انه يراكم هُوَ وقبيله الْآيَةَ
وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
فِي بَابِ ذِكْرِ الْجِنِّ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ
فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى
بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ
سُورَةِ ص قَوْلُهُ رَبِّ اعْفَرْ لِي وَهَبْ لِي كَذَا
فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ
هُنَا رَبِّ هَبْ لِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ
ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِبَاسِ لَا عَلَى قَصْدِ
التِّلَاوَةِ قُلْتُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا فِي
رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى نَسَقِ التِّلَاوَةِ
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
قَوْلُهُ قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْعِفْرِيتَ خَاسِئًا
أَيْ مَطْرُودًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ
فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ دُونَ رَفِيقِهِ مُحَمَّدِ بْنِ
جَعْفَرٍ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَحَادِيثِ
الْأَنْبِيَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَحْدَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ
أَيْضًا فَرَدَّهُ خَاسِئًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
طَرِيقِ النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَرَدَّهُ
اللَّهُ خَاسِئًا
(قَوْلُهُ بَابُ الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ
الْأَسِيرَ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ)
هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ
لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ قَوْلِهِ وَرَبْطِ الْأَسِيرَ
إِلَخْ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ
وَكَأَنَّهُ فَصْلٌ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَّضَ لِلتَّرْجَمَةِ فَسَدَّ
بَعْضُهُمُ الْبَيَاضَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ
بَابُ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ وَأَيْضًا
فَالْبُخَارِيُّ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِإِعَادَةِ لَفَظِ
التَّرْجَمَةِ عَقِبَ الْأُخْرَى والاغتسال إِذا أسلم
لاتعلق لَهُ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا عَلَى بُعْدٍ
وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْكَافِرُ جُنُبٌ غَالِبًا
وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا
لِضَرُورَةٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ لَمْ تَبْقَ ضَرُورَةٌ
لِلُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا فَاغْتَسَلَ لتسوغ
لَهُ الْإِقَامَة فِي الْمَسْجِد وَادّعى بن الْمُنِيرِ
أَنَّ تَرْجَمَةَ هَذَا الْبَابِ ذِكْرُ الْبَيْعِ
(1/555)
وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ
وَمُطَابَقَتُهَا لِقِصَّةِ ثُمَامَةَ أَنَّ مَنْ
تَخَيَّلَ مَنْعَ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ
إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ
فَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ
بِأَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهَا رَبْطُ الْأَسِيرِ فِي
الْمَسْجِدِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ
فَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلْمَصْلَحَةِ
فِي الْمَسْجِدِ قُلْتُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ
التَّكَلُّفِ وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّرْجَمَةِ
مَعَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ هُنَا
وَإِنَّمَا تَقَدَّمَتْ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ ثُمَّ قَالَ
فَإِنْ قِيلَ إِيرَادُ قِصَّةِ ثُمَامَةَ فِي
التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَهِيَ بَابُ
الْأَسِيرِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ أَلْيَقُ
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ
آثَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِقِصَّةِ الْعِفْرِيتِ عَلَى
قِصَّةِ ثُمَامَةَ لِأَنَّ الَّذِي هَمَّ بِرَبْطِ
الْعِفْرِيتِ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالَّذِي تَوَلَّى رَبْطَ ثُمَامَةَ غَيْرُهُ
وَحَيْثُ رَآهُ مَرْبُوطًا قَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ
قَالَ فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ إِنْكَارًا لِرَبْطِهِ
أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ تَقْرِيرًا انْتَهَى
وَكَأَنَّهُ لَمْ يُنْظَرْ سِيَاقُ هَذَا الْحَدِيثِ
تَامًّا لَا فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ فقد
أخرجه البُخَارِيّ فِي أَو اخر الْمَغَازِي مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ بِعَيْنِهِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى ثُمَامَةَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ وَهُوَ مَرْبُوطٌ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا
أَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَكَذَا
أخرجه مُسلم وَغَيره وَصرح بن إِسْحَاقَ فِي الْمُغَازِي
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَمرهم بربطه فَبَطل مَا
تخيله بن الْمُنِير وَإِنِّي لَا تعجب مِنْهُ كَيْفَ
جَوَّزَ أَنَّ الصَّحَابَةَ يَفْعَلُونَ فِي الْمَسْجِدِ
أَمْرًا لَا يَرْضَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ مَبْنِيٌّ
عَلَى فَاسِدٍ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ
قَوْلُهُ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ
يُحْبَسَ قَالَ بن مَالِكٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا
أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ يَأْمُرُ بِالْغَرِيمِ وَأَنْ
يُحْبَسَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ ثُمَّ حُذِفَتِ الْبَاءَ
ثَانِيهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يُحْبَسَ أَيْ
يَنْحَبِسُ فَجَعَلَ الْمُطَاوِعَ مَوْضِعَ الْمُطَاوِعِ
لِاسْتِلْزَامِهِ إِيَّاهُ انْتَهَى وَالتَّعْلِيقُ
الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ دُونَ رُفْقَتِهِ
وَقَدْ وَصَلَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ
قَالَ كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ
أَمَرَ بِحَبْسِهِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى أَنْ يَقُومَ
بِمَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَعْطَى الْحَقَ وَإِلَّا أَمَرَ
بِهِ إِلَى السِّجْنِ
[462] قَوْلُهُ خَيْلًا أَيْ فُرْسَانًا وَالْأَصْلُ
أَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا عَلَى خَيْلٍ وَثُمَامَةُ
بِمُثَلَّثَةٍ مَضْمُومَةٍ وَأُثَالٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ خَفِيفَةٌ قَوْلُهُ إِلَى نَخْلٍ
فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
وَفِي النُّسْخَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى أَبِي الْوَقْتِ
بِالْجِيمِ وَصَوَّبَهَا بَعْضُهُمْ وَقَالَ وَالنَّجْلُ
الْمَاءُ الْقَلِيلُ النَّابِعُ وَقِيلَ الْجَارِي قُلْتُ
وَيُؤَيّد الرِّوَايَة الأولى أَن لفظ بن خُزَيْمَةَ فِي
صَحِيحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَانْطَلَقَ إِلَى حَائِط
أبي طَلْحَة وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ
فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ
الْمُصَنِّفُ تَامًّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ بَابُ الْخَيْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ)
أَيْ جَوَازِ ذَلِكَ
[463] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى هُوَ
الْبَلْخِيُّ اللُّؤْلُؤِيُّ وَكَانَ حَافِظًا وَفِي
شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ زَكَرِيَّا بن يحيى أَبُو السكين
وَقَدْ شَارَكَ الْبَلْخِيُّ فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ
قَوْلُهُ أُصِيب سعد
(1/556)
أَي بن مُعَاذٍ قَوْلُهُ فِي الْأَكْحَلِ هُوَ عِرْقٌ فِي
الْيَدِ قَوْلُهُ خَيْمَةٌ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ لِسَعْدٍ
قَوْلُهُ فَلَمْ يَرُعْهُمْ أَيْ يُفْزِعْهُمْ قَالَ
الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ فِي
حَالِ طُمَأْنِينَةٍ حَتَّى أَفْزَعَتْهُمْ رُؤْيَةُ
الدَّمِ فَارْتَاعُوا لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ
بِهَذَا اللَّفْظِ السُّرْعَةُ لَا نَفْسُ الْفَزَعِ
قَوْلُهُ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ هَذِهِ الْجُمْلَةُ
مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ
وَالتَّقْدِيرُ فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الدَّمُ
وَالْمَعْنَى فَرَاعَهُمُ الدَّمُ قَوْلُهُ مِنْ
قِبَلِكُمْ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مِنْ جِهَتِكُمْ
قَوْلُهُ يَغْذُو بِغَيْنٍ وَذَالٌ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ
يَسِيلُ قَوْلُهُ فَمَاتَ فِيهَا أَيْ فِي الْخَيْمَةِ
أَوْ فِي تِلْكَ الْمَرْضَةِ وَفِي رِوَايَةِ
الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ فَمَاتَ مِنْهَا أَيِ
الْجِرَاحَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ
فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي
حَيْثُ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ بأتم من هذاالسياق |