فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ كِتَابُ الْإِجَارَةِ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْإِجَارَاتِ)
كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَسَقَطَ
لِلنَّسَفِيِّ قَوْلُهُ فِي الْإِجَارَاتِ وَسَقَطَ
لِلْبَاقِينَ كِتَابُ الْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا
وَهِيَ لُغَةُ الْإِثَابَةِ يُقَالُ آجَرْتُهُ بِالْمَدِّ
وَغَيْرِ الْمَدِّ إِذَا أَثَبْتُهُ وَاصْطِلَاحًا
تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ رَقَبَةٍ بِعِوَضٍ
(4/439)
(قَوْلُهُ بَابُ اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ
الصَّالِحِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ خَيْرَ مَنِ
اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ف)
ي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ اللَّهُ وَأَشَارَ
بِذَلِكَ إِلَى قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ
ابْنَةِ شُعَيْب وَقد روى بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ
شُعَيْبٍ الْجَبَئِيِّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ
بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورًا أَنَّهُ قَالَ اسْمُ
الْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مُوسَى صَفُورَةُ
وَاسْمُ أُخْتِهَا ليا وَكَذَا روى من طَرِيق بن إِسْحَاقَ
إِلَّا أَنَّهُ قَالَ اسْمُ أُخْتِهَا شرقا وَقِيلَ ليا
وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّ اسْمَهُمَا صَفُورَا وعبرا وأنهما
كَانَتَا توأما وَذكر بن جَرِيرٍ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ
أَبَاهُمَا هَلْ هُوَ شُعَيْب النَّبِي أَو بن أَخِيهِ
أَوْ آخَرُ اسْمُهُ يثرُونَ أَوْ يثرَى أَقْوَالٌ لَمْ
يُرَجِّحْ مِنْهَا شَيْئًا وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ
خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقوي الْأمين قَالَ قَوِيٌّ
فِيمَا وُلِّيَ أَمِينٌ فِيمَا اسْتُوْدِعَ وروى من طَرِيق
بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي آخَرِينَ أَنَّ أَبَاهَا
سَأَلَهَا عَمَّا رَأَتْ مِنْ قُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ
فَذَكَرَتْ قُوَّتَهُ فِي حَالِ السَّقْيِ وَأَمَانَتَهُ
فِي غَضِّ طَرْفِهِ عَنْهَا وَقَوْلِهِ لَهَا امْشِي
خَلْفِي وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ وَهَذَا أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَزَادَ فِيهِ فَزَوَّجَهُ وَأَقَامَ مُوسَى
مَعَه يَكْفِيهِ وَيَعْمَلُ لَهُ فِي رِعَايَةِ غَنَمِهِ
[2260] قَوْلُهُ وَالْخَازِنُ الْأَمِينُ وَمَنْ لَمْ
يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ ثُمَّ أَوْرَدَ فِي الْبَابِ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حَدِيثَ
الْخَازِنُ الْأَمِينُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ
وَحَدِيثَهُ الْآخَرَ فِي قِصَّةِ الرَّجُلَيْنِ
اللَّذَيْنِ جَاءَا يَطْلُبَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمَا
وَالْأَوَّلُ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي
الزَّكَاةِ وَالثَّانِي سَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى
فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَيْسَ
فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَالَ
الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ حَدِيثُ الْخَازِنِ الْأَمِينِ مِنْ
هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ للإجارة فِيهِ
وَقَالَ بن التِّينِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ
أَنَّ الْخَازِنَ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَالِ وَإِنَّمَا
هُوَ أَجِيرٌ وَقَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا أَدْخَلَهُ فِي
هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ مَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى شَيْءٍ
فَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ
ضَمَانٌ إِنْ فَسَدَ أَوْ تَلِفَ إِلَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ
بِتَضْيِيعِهِ اهـ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ دُخُولُ هَذَا
الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى
أَنَّ خَازِنَ مَالِ الْغَيْرِ كَالْأَجِيرِ لِصَاحِبِ
الْمَالِ وَأَمَّا دُخُولُ الْحَدِيثِ الثَّانِي فِي
الْإِجَارَةِ فَظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الَّذِي
يَطْلُبُ الْعَمَلَ إِنَّمَا يَطْلُبُهُ غَالِبًا
لِتَحْصِيلِ الْأُجْرَةِ الَّتِي شُرِعَتْ لِلْعَامِلِ
وَالْعَمَلُ الْمَطْلُوبُ يَشْمَلُ الْعَمَلَ عَلَى
الصَّدَقَةِ فِي جَمْعِهَا وَتَفْرِقَتِهَا فِي وَجْهِهَا
وَلَهُ سَهْمٌ مِنْهَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى
والعاملين عَلَيْهَا فَدُخُولُهُ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ
جِهَةِ طَلَبِ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الصَّدَقَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَكُونُ لَهُمَا عَلَى ذَلِك
أُجْرَة مَعْلُومَة قَوْله فِي الحَدِيث الثَّانِي
وَمَعِيَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ قَالَ فَقُلْتُ
مَا عَلِمْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ كَذَا
وَقَعَ مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ
الْمُرْتَدِّينَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ تَامًّا
وَفِيهِ وَمَعِيَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ
وَكِلَاهُمَا سَأَلَ أَيْ لِلْعَمَلِ فَقُلْتُ وَالَّذِي
بَعَثَكَ مَا اطَّلَعْتُ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا
وَلَا عَلِمْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ
الْحَدِيثَ قَوْلُهُ قَالَ لَنْ أَولا نَسْتَعْمِلُ عَلَى
عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ هَكَذَا ثَبَتَ فِي جَمِيعِ
الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَهُوَ شَكٌّ
مِنَ الرَّاوِي هَلْ قَالَ لَنْ أَوْ قَالَ لَا وَحكى بن
التِّينِ أَنَّهُ ضُبِطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أُوَلِّي
بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ
اللَّامِ مَعَ كَسْرِهَا فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ مِنَ
الْوِلَايَةِ قَالَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ فَعَلَى هَذِهِ
الرِّوَايَةِ يَكُونُ لَفْظُ نَسْتَعْمِلُ زَائِدًا
وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَنْ أُوَلِّيَ عَلَى
عَمَلَنَا وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي
الْأَحْكَامِ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بِلَفْظِ إِنَّا لَا نُوَلِّي عَلَى
عَمَلِنَا وَهُوَ يُعَضِّدُ هَذَا التَّقْرِيرَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَالَ الْمُهَلَّبُ لَمَّا كَانَ طَلَبُ
الْعِمَالَةِ دَلِيلًا عَلَى الْحِرْصِ ابْتُغِيَ أَنْ
يُحْتَرَسَ مِنَ الْحَرِيصِ
(4/440)
فَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ
أَرَادَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَنْعُ تَوْلِيَةِ مَنْ
يَحْرِصُ عَلَى الْوِلَايَةِ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ
التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ وَإِلَى التَّحْرِيمِ
جَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ
مَنْ تعين عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ بَابُ رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ)
عَلَى بِمَعْنى الْبَاء وَهِي للسَّبَبِيَّة أَو
الْمُعَاوضَة وَقِيلَ إِنَّهَا هُنَا لِلظَّرْفِيَّةِ
كَمَا سَنُبَيِّنُ
[2262] قَوْلُهُ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ
سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ
الْأُمَوِيُّ قَوْلُهُ إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا رَاعَى الْغَنَمَ
قَوْلُهُ عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّة فِي رِوَايَة
بن مَاجَهْ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
يَحْيَى كُنْتُ أَرْعَاهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ
بِالْقَرَارِيطِ وَكَذَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ
الْمَنِيعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَمْرِو
بْنِ يَحْيَى قَالَ سُوَيْدٌ أَحَدُ رُوَاتِهِ يَعْنِي
كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ يَعْنِي الْقِيرَاطَ الَّذِي هُوَ
جُزْءٌ مِنَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ قَرَارِيطُ اسْمُ مَوْضِعٍ
بِمَكَّةَ وَلَمْ يُرِدِ الْقَرَارِيطَ مِنَ الْفِضَّةِ
وَصَوَّبَهُ بن الْجَوْزِيِّ تَبَعًا لِابْنِ نَاصِرٍ
وَخَطَّأَ سُوَيْدًا فِي تَفْسِيرِهِ لَكِنْ رَجَّحَ
الْأَوَّلَ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَعْرِفُونَ بِهَا
مَكَانًا يُقَالُ لَهُ قَرَارِيطُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ حَزْنٍ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ قَالَ
افْتَخَرَ أَهْلُ الْإِبِلِ وَأَهْلُ الْغَنَمِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ
مُوسَى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ وَبُعِثَ دَاوُدُ وَهُوَ
رَاعِي غَنَمٍ وَبُعِثْتُ وَأَنَا أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي
بِجِيَادٍ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ رَدًّا
لِتَأْوِيلِ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ لِأَنَّهُ مَا كَانَ
يَرْعَى بِالْأُجْرَةِ لِأَهْلِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ
أَرَادَ الْمَكَانَ فَعَبَّرَ تَارَةً بِجِيَادٍ وَتَارَةً
بِقَرَارِيطَ وَلَيْسَ الرَّدُّ بِجَيِّدٍ إِذْ لَا
مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ أَنْ يَرْعَى لِأَهْلِهِ
بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَلِغَيْرِهِمْ بِأُجْرَةٍ أوالمراد
بِقَوْلِهِ أَهْلِي أَهْلُ مَكَّةَ فَيَتَّحِدُ
الْخَبَرَانِ وَيَكُونُ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ بَيَّنَ
الْأُجْرَةَ وَفِي الْآخَرِ بَيَّنَ الْمَكَانَ فَلَا
يُنَافِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
لَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ الْقِيرَاطَ الَّذِي هُوَ
مِنَ النَّقْدِ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ
يَسْتَفْتِحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ
وَلَيْسَ الِاسْتِدْلَالُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفْيِ
الْمَعْرِفَةِ بِوَاضِحٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ
فِي إِلْهَامِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رَعْيِ الْغَنَمِ
قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ التَّمَرُّنُ
بِرَعْيِهَا عَلَى مَا يُكَلَّفُونَهُ مِنَ الْقِيَامِ
بِأَمْرِ أُمَّتِهِمْ وَلِأَنَّ فِي مُخَالَطَتِهَا مَا
يُحَصِّلُ لَهُمُ الْحِلْمَ وَالشَّفَقَةَ لِأَنَّهُمْ
إِذَا صَبَرُوا عَلَى رَعْيِهَا وَجَمْعِهَا بَعْدَ
تَفَرُّقِهَا فِي الْمَرْعَى وَنَقْلِهَا مِنْ مَسْرَحٍ
إِلَى مَسْرَحٍ وَدَفْعِ عَدُوِّهَا مِنْ سَبُعٍ
وَغَيْرِهِ كَالسَّارِقِ وَعَلِمُوا اخْتِلَافَ طِبَاعَهَا
وَشِدَّةَ تَفَرُّقِهَا مَعَ ضَعْفِهَا وَاحْتِيَاجِهَا
إِلَى الْمُعَاهَدَةِ أَلِفُوا مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرَ
عَلَى الْأُمَّةِ وَعَرَفُوا اخْتِلَافَ طِبَاعَهَا
وَتَفَاوُتَ عُقُولِهَا فَجَبَرُوا كَسْرَهَا وَرَفَقُوا
بِضَعِيفِهَا وَأَحْسَنُوا التَّعَاهُدَ لَهَا فَيَكُونُ
تَحَمُّلُهُمْ لِمَشَقَّةِ ذَلِكَ أَسْهَلَ مِمَّا لَوْ
كُلِّفُوا الْقِيَامَ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ
لِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ التَّدْرِيجِ عَلَى ذَلِكَ
بِرَعْيِ الْغَنَمِ وَخُصَّتِ الْغَنَمُ بِذَلِكَ
لِكَوْنِهَا أَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهَا وَلِأَنَّ
تَفَرُّقَهَا أَكْثَرُ مِنْ تَفَرُّقِ الْإِبِلِ
وَالْبَقَرِ لِإِمْكَانِ ضَبْطِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
بِالرَّبْطِ دُونَهَا فِي الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ
وَمَعَ أَكْثَرِيَّةِ تَفَرُّقِهَا فَهِيَ أَسْرَعُ
انْقِيَادًا مِنْ غَيْرِهَا وَفِي ذِكْرِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ
عُلِمَ كَوْنُهُ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ مَا
كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَظِيمِ التَّوَاضُعِ لِرَبِّهِ
وَالتَّصْرِيحِ بِمِنَّتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء
(4/441)
(
قَوْله بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين عندالضرورة)
أَوْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَعَامَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ
خَيْبَرَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ
الْمُصَنِّفَ يَرَى بِامْتِنَاعِ اسْتِئْجَارِ الْمُشْرِكِ
حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا إِلَّا عِنْدَ
الِاحْتِيَاجِ إِلَى ذَلِكَ كَتَعَذُّرِ وُجُودِ مُسْلِمٍ
يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن
بن جريج عَن بن شِهَابٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَّالٌ يَعْمَلُونَ
بِهَا نَخْلَ خَيْبَرَ وَزَرْعَهَا فَدَعَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ
فَدَفَعَهَا إِلَيْهِمْ الْحَدِيثَ وَفِي اسْتِشْهَادِهِ
بِقِصَّةِ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَزْرَعُوهَا
وَبِاسْتِئْجَارِهِ الدَّلِيلَ الْمُشْرِكَ لَمَّا هَاجَرَ
عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَصْرِيحٌ
بِالْمَقْصُودِ مِنْ مَنْعِ اسْتِئْجَارِهِمْ وَكَأَنَّهُ
أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَضْمُومًا
إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا
لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ فَأَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ
الْأَخْبَارِ بِمَا تَرْجَمَ بِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ
عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يُجِيزُونَ اسْتِئْجَارَهُمْ عِنْدَ
الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ
الْمَذَلَّةِ لَهُمْ وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع أَن يؤجرا
الْمُسلم نَفسه من الْمُشرك نَفْسَهُ مِنَ الْمُشْرِكِ
لِمَا فِيهِ مِنْ إِذْلَالِ الْمُسْلِمِ اه وَحَدِيثُ
مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ
كِتَابِ الْإِجَارَةِ مَوْصُولًا وَأَشَارَ فِي
التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِهِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ
الْإِسْلَامِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ
طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عمر أَحْسبهُ عَن نَافِع عَن بْنِ عُمَرَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ
أَهْلَ خَيْبَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ
وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ
دَعْنَا نَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَنَا الشَّطْرُ
وَلَكُمُ الشَّطْرُ الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا أَجَابَهُمْ
إِلَى ذَلِكَ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا يُصْلِحُ أَرْضَهُمْ
دُونَ غَيْرِهِمْ فَنَزَّلَ الْمُصَنِّفُ مَنْ لَا
يَعْرِفُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يُوجَدْ وَحَدِيثُ
الدَّلِيلِ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي
أَوَّلِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَوْلُهُ
[2263] فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ اسْتَأْجَرَ وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَاسْتَأْجَرَ
بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْأَصْلِ فِي
نَفْسِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ لِأَنَّ الْقِصَّةَ
مَعْطُوفَةٌ عَلَى قِصَّةٍ قَبْلَهَا وَقَدْ سَاقَهُ
الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ بَعْدَهَا بِسَنَدِهِ
الْآتِي مُطَوَّلًا وَوَقَعَ هُنَا فَاسْتَأْجَرَ
بِالْفَاءِ وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ زَادَ
الْوَاوَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ اقْتَطَعَ هَذَا
الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ هَادِيًا زَادَ
الْكُشْمِيهَنِيُّ فِي رِوَايَتِهِ خِرِّيتًا وَهُوَ
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا
تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ وَقَوْلُهُ
الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ كَذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ
الْحَدِيثِ وَهُوَ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ
كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ وَنَحْكِي الْخِلَافَ فِي
تَسْمِيَةِ الْهَادِي الْمَذْكُورِ وَفِي الْحَدِيثِ
اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ عَلَى هِدَايَةِ
الطَّرِيقِ إِذَا أُمِنَ إِلَيْهِ واستئجار الْإِثْنَيْنِ
وَاحِدًا على عمل وَاحِد
(4/442)
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا اسْتَأْجَرَ
أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ
بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ)
جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ
إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ أَوْرَدَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ أَنَّهُمَا
وَاعَدَا الدَّلِيلَ بِرَاحِلَتَيْهِمَا بَعْدَ ثَلَاثٍ
وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي
الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَاهُ عَلَى أَنْ لَا
يَعْمَلَ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ بَلِ الَّذِي فِي
الْخَبَرِ أَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَاهُ وَابْتَدَأَ فِي
الْعَمَلِ مِنْ وَقْتِهِ بِتَسْلِيمِهِ رَاحِلَتَيْهِمَا
مِنْهُمَا يَرْعَاهُمَا وَيَحْفَظُهُمَا إِلَى أَنْ
يَتَهَيَّأَ لَهُمَا الْخُرُوجُ قُلْتُ لَيْسَ فِي
تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ مَا أَلْزَمَهُ بِهِ وَالَّذِي
تَرْجَمَ بِهِ هُوَ ظَاهِرُ الْقِصَّةِ وَمَنْ قَالَ
بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ إِذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي
الْعَمَلِ مِنْ حِينِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْمُحْتَاجُ
إِلَى دَلِيل وَالله أعلم وَقد قَالَ بن الْمُنِيرِ
مُتَعَقِّبًا عَلَى مَنِ اعْتَرَضَ عَلَى الْبُخَارِيِّ
بِذَلِكَ إِنَّ الْخِدْمَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالْإِجَارَةِ
الْمَذْكُورَةِ كَانَتْ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَى
الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا
شَكَّ أَنَّهَا تَأَخَّرَتْ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
الَّذِي كَانَ يَرْعَى رَوَاحِلَهُمَا عَامِرُ بن فهَيْرَة
لَا الدَّلِيل وَقَالَ بن الْمُنِيرِ لَيْسَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِهَذَا الْحُكْمِ لَا إِثْبَاتًا
وَلَا نَفْيًا وَقَدْ يُحْتَمَلُ فِي الْمُدَّةِ
الْقَصِيرَةِ لِنُدُورِ الْغَرَرِ فِيهَا مَا لَا
يُحْتَمَلُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ
مَالِكٍ حَيْثُ حَدَّ الْجَوَازَ فِي الْبَيْعِ بِمَا لَا
تَتَغَيَّرُ السِّلْعَةُ فِي مِثْلِهِ وَاسْتَنْبَطَ مِنْ
هَذِهِ الْقِصَّةِ جَوَازَ إِجَارَةِ الدَّارِ مُدَّةً
مَعْلُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَهُوَ
مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْأَصْلِ فَيَلْحَقُ بِهِ
الْفَرْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(4/443)
(
قَوْله بَاب الْأَجِير فِي الْغَزْو)
قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتِئْجَارُ الْأَجِيرِ لِلْخِدْمَةِ
وَكِفَايَةِ مُؤْنَةِ الْعَمَلِ فِي الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ
سَوَاءٌ اه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ
الْجِهَادَ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ بِهِ تَحْصِيلَ
الْأَجْرِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ
يَخْدُمُ الْمُجَاهِدَ وَيَكْفِيهِ كَثِيرًا مِنَ
الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَتَعَاطَاهَا بِنَفْسِهِ
[2265] قَوْلُهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى فِي
رِوَايَةِ هَمَّامٍ الْمَاضِيَةِ فِي الْحَجِّ حَدَّثَنِي
صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى قَوْلُهُ الْعُسْرَةِ بِضَمِّ
الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هِيَ
غَزْوَةُ تَبُوكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ
فِي الدِّيات وَرِوَايَة همام الْمَذْكُورَة مختصرة قَوْله
فَأَنْذر أَيْ أَسْقَطَ قَوْلُهُ فَأَهْدَرَ أَيْ لَمْ
يَجْعَلْ لَهُ دِيَةً وَلَا قِصَاصًا قَوْلُهُ تَقْضَمُهَا
بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَاضِيَةٌ بِكَسْرِهَا
وَالِاسْمُ الْقَضْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ
الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ
الْأَسْنَانِ وَالْفَحْلُ الذَّكَرُ مِنَ الْإِبِلِ
وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ قَالَ بن جُرَيْجٍ إِلَخْ هُوَ
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ وَهَذِهِ
الزِّيَادَةُ الَّتِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
وَقَعَتْ هُنَا فَقَطْ قَوْلُهُ عَنْ جَدِّهِ كَذَا
لِلْجَمِيعِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ
طَرِيقِ يَحْيَى بن سعيد عَن بن جريج وَقَالَ أَبُو عَاصِم
عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي
بَكْرٍ زَادَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
أَبُو أَحْمد فِي الكنى وبن شَاهِينَ فِي الصَّحَابَةِ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى
جَدِّهِ وَقِيلَ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ فَإِنَّهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ
وَاسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ
التَّيْمِيُّ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَمِنْهُمْ من زَاد فِي نسبه
عبد الله بَين عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُهَيْرٍ وَقَالَ
إِنَّ الَّذِي يُكَنَّى أَبَا مُلَيْكَةَ هُوَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ زُهَيْرٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْحَدِيثُ
مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بن عبد الله عَن أبي بكر
وعلىالثاني هُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زُهَيْرٍ وَيَتَرَدَّدُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ
عَنْ جَدِّهِ عَلَى مَنْ يَعُودُ عَلَى الْخِلَافِ
الْمَذْكُورِ وَزَعَمَ مُغَلْطَايْ أَنَّ الطَّرِيقَ
الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ مُنْقَطِعَةٌ فِي
مَوْضِعَيْنِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا)
فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ مَنِ اسْتَأْجَرَ
قَوْلُهُ فَبَيَّنَ لَهُ الْأَجَلَ فِي رِوَايَةِ
الْأَصِيلِيِّ الْأَجْرَ بِسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ
وَالْأُولَى أَوْجَهُ قَوْلُهُ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْعَمَلَ
أَيْ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَمْ لَا وَقَدْ مَالَ
الْبُخَارِيُّ إِلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ
لِذَلِكَ فَقَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي أُرِيدَ أَنْ
أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين الآيةَ وَلَمْ يُفْصِحْ مَعَ
ذَلِكَ بِالْجَوَازِ لِأَجْلِ الِاحْتِمَالِ وَوَجْهُ
الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي سِيَاقِ
الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَيَانُ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا
فِيهِ أَنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ وَالِدِ
الْمَرْأَتَيْنِ ثُمَّ إِنَّمَا تَتِمُّ الدَّلَالَةُ
بِذَلِكَ إِذَا قُلْنَا إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا
شَرْعٌ لَنَا إِذَا وَرَدَ شَرْعُنَا بِتَقْرِيرِهِ وَقَدِ
احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الآيةِ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الْإِجَارَةِ فَقَالَ ذَكَرَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ
أَجَّرَ نَفْسَهُ حِجَجًا مُسَمَّاةً مَلَكَ بِهَا بُضْعَ
امْرَأَةٍ وَقِيلَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ
قَالَ الْمُهَلَّبُ لَيْسَ فِي الآيةِ دَلِيلٌ عَلَى
جَهَالَةِ الْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ
كَانَ مَعْلُومًا بَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا حُذِفَ ذِكْرُهُ
لِلْعِلْمِ بِهِ وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ
الْبُخَارِيَّ لَمْ يُرِدْ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ
مَجْهُولًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى
الْعَمَلِ بِاللَّفْظِ لَيْسَ مَشْرُوطًا وَأَنَّ
الْمُتَّبَعَ الْمَقَاصِدُ لَا الْأَلْفَاظُ وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عُتْبَةَ
بْنِ النُّدَّرِ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ
الْمُهْمَلَةِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(4/444)
فَقَالَ إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ
ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ
وَطَعَامِ بَطْنِهِ أخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ
ضَعْفٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْعَمَلِ مِنْ
قِبَلِ مُوسَى وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ
الْمَهْرُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الرَّعْيِ وَإِنَّمَا
أَرَادَ شُعَيْبٌ أَنْ يَكُونَ يَرْعَى غَنَمَهُ هَذِهِ
الْمُدَّةَ وَيُزَوِّجُهُ ابْنَتَهُ فَذَكَرَ لَهُ
الْأَمْرَيْنِ وَعَلَّقَ التَّزْوِيجَ عَلَى الرِّعْيَةِ
عَلَى وَجْهِ الْمُعَاهَدَةِ لَا عَلَى وَجْهِ
الْمُعَاقَدَةِ فَاسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ
بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَنْكَحَهُ
ابْنَتَهُ بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ
يَأْجُرُ بِضَمِّ الْجِيمِ فُلَانًا أَيْ يُعْطِيهِ
أَجْرًا هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرًا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي وَبِذَلِكَ
جَزَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَتَعَقَّبَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ
عَلَى أَن تَأْجُرنِي أَيْ تَكُونُ لِي أَجِيرًا
وَالتَّقْدِيرُ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي نَفْسَكَ قَوْلُهُ
وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ آجَرَكَ اللَّهُ هُوَ مِنْ
قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَزَادَ يَأْجُرُكَ أَيْ
يُثِيبُكَ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى أَصْلِ الْمَادَّةِ
وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْأَجْرِ وَالْأُجْرَةِ
مُخْتَلِفًا
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ
يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ جَازَ)
أَوْرَدَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ
مُسْتَوْفًى فِي التَّفْسِيرِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُبَيَّنًا هُنَاكَ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَتِمُّ
الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ
شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِقَوْلِ مُوسَى
[2267] لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا أَيْ
لَوْ تَشَارَطْتُ عَلَى عَمَلِهِ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ
لنفعنا ذَلِك قَالَ بن الْمُنِيرِ وَقَصَدَ الْبُخَارِيُّ
أَنَّ الْإِجَارَةَ تُضْبَطُ بِتَعَيُّنِ الْعَمَل كَمَا
تضبط بتعين الْأَجَل
(4/445)
(قَوْلُهُ بَابُ الْإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ
النَّهَارِ)
أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَتَرْجَمَ فِي الَّذِي
بَعْدَهُ الْإِجَارَةُ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ
وَالتَّقْدِيرُ أَيْضًا أَنَّ الِابْتِدَاءَ مِنْ أَوَّلِ
النَّهَارِ ثُمَّ تَرْجَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَابَ
الْإِجَارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ أَيْ إِلَى
أَوَّلِ دُخُولِ اللَّيْلِ قِيلَ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ
إِثْبَاتَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى
أَجَلٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ ضَرَبَ
الْمَثَلَ بِذَلِكَ وَلَوْلَا الْجَوَازُ مَا أَقَرَّهُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ
إِثْبَاتُ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِقِطْعَةٍ مِنَ
النَّهَارِ إِذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً دَفْعًا لِتَوَهُّمِ
مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ أَقَلَّ الْمَعْلُومِ أَنْ يَكُونَ
يَوْمًا كَامِلًا
[2268] قَوْلُهُ مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ
الْكِتَابَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ وَالْمُرَادُ
بِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
قَوْلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ
تَقْدِيرُهُ مَثَلُكُمْ مَعَ نَبِيِّكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ
الْكِتَابَيْنِ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ
اسْتَأْجَرَ فَالْمَثَلُ مَضْرُوبٌ لِلْأُمَّةِ مَعَ
نَبِيِّهِمْ وَالْمُمَثَّلُ بِهِ الْأُجَرَاءُ مَعَ مَنِ
اسْتَأْجَرَهُمْ قَوْلُهُ عَلَى قِيرَاطٍ زَادَ فِي
رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَلَى قِيرَاطٍ
قِيرَاطٍ وَهُوَ الْمُرَادُ قَوْله فَعمِلت الْيَهُود زَاد
بن دِينَارٍ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ وَزَادَ الزُّهْرِيُّ
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ
حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا فَأُعْطُوا
قِيرَاطًا قِيرَاطًا وَكَذَا وَقَعَ فِي بَقِيَّةِ
الْأُمَمِ وَالْمُرَادُ بِالْقِيرَاطِ النَّصِيبُ وَهُوَ
فِي الْأَصْلِ نِصْفُ دَانِقٍ وَالدَّانِقُ سُدُسُ
دِرْهَمٍ قَوْلُهُ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ يَحْتَمِلُ
أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَوَّلَ وَقْتِ دُخُولِهَا وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يُرِيدَ أَوَّلَ حِينِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالثَّانِي
يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ السَّابِقَ فِي الْمَوَاقِيتِ عَلَى
تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّ الْوَقْتَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ
أَيْ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا بَيْنَ
الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ
النَّصَارَى إِنَّهُمْ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ وَقَدْ قَدَّمْتُ هُنَاكَ عِدَّةَ أَجْوِبَةٍ
عَنْ ذَلِكَ فَلْتُرَاجَعْ مِنْ ثَمَّ وَمِنَ الْأَجْوِبَة
الَّتِي لم تتقدم أَن قَائِل مالنا أَكْثَرَ عَمَلًا
الْيَهُودُ خَاصَّةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي
التَّوْحِيدِ بِلَفْظِ فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ
قَالَ ذَلِكَ أَمَّا الْيَهُودُ فَلِأَنَّهُمْ أَطْوَلُ
زَمَانًا فَيَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ عَمَلًا
وَأَمَّا النَّصَارَى فَلِأَنَّهُمْ وَازَنُوا كَثْرَةَ
أَتْبَاعِهِمْ بِكَثْرَةِ زَمَنِ الْيَهُودِ لِأَنَّ
النَّصَارَى آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى جَمِيعًا أَشَارَ
إِلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
تَكُونَ أَكْثَرِيَّةُ النَّصَارَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ
عَمِلُوا إِلَى آخِرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَذَلِكَ بعد
دُخُول وَقتهَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن الْقصار وبن
الْعَرَبِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ لِأَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ
الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ
نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّوْزِيعِ
فَالْقَائِلُ نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا الْيَهُودُ
وَالْقَائِلُ نَحْنُ أَقَلُّ أَجْرًا النَّصَارَى وَفِيهِ
بُعْدٌ وَحَكَى بن التِّينِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ عَمَلَ
الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَكْثَرُ وَزَمَانَهُمْ أَطْوَلُ
وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ السِّيَاقِ قَوْلُهُ فَغَضِبَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَيِ الْكُفَّارُ مِنْهُمْ
قَوْلُهُ مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً
بِنصب أَكثر وَأَقل عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَة معرضين وَقَدْ تَقَدَّمَتْ
مَبَاحِثُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كِتَابِ الْمَوَاقِيتِ
قَوْلُهُ مِنْ حَقِّكُمْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْحَقِّ
لِقَصْدِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ
أَشَاءُ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ
الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ
مِنْهُ جَلَّ جلالة
(4/446)
(قَوْلُهُ بَابُ الْإِجَارَةِ إِلَى
صَلَاةِ الْعَصْرِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِهِ
التَّصْرِيحُ بِالْعَمَلِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ
وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ
[2269] قَوْلِهِ ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ
مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ عَمَلِ
الطَّائِفَةِ عِنْدَ انْتِهَاءِ عَمَلِ الطَّائِفَةِ
الَّتِي قَبْلَهَا نَعَمْ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ فِي
الْبَابِ قَبْلَهُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ
مَنْ يَعْمَلْ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ
الْعَصْرِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
هُوَ بِخَفْضِ الْيَهُودِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ
الْمَجْرُورِ بِغَيْرِ إِعَادَة الْجَار قَالَه بن
التِّينِ وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ
وَقَالَ بن مَالِكٍ يَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ
وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى حَذْفِ
الْمُضَافِ وَإِعْطَاءِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ إِعْرَابَهُ
قُلْتُ وَوَجَدْتُهُ مَضْبُوطًا فِي أَصْلِ أَبِي ذَرٍّ
بِالنَّصْبِ وَهُوَ مُوَجَّهٌ عَلَى إِرَادَةِ
الْمَعِيَّةِ ويرجح تَوْجِيه بن مَالِكٍ مَا سَيَأْتِي فِي
أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ
نَافِعٍ بِلَفْظِ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَوْلُهُ إِلَى مَغَارِبِ
الشَّمْسِ كَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمَالِكٍ بِلَفْظِ
الْجَمْعِ وَكَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَزْمِنَةِ
الْمُتَعَدِّدَةِ بِاعْتِبَارِ الطَّوَائِفِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْآتِيَةِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ
إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى الْإِفْرَادِ وَهُوَ
الْوَجْهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ
نَافِعٍ الْآتِيَةِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ
وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ فِي الْبَابِ الَّذِي
بَعْدَهُ بِلَفْظِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ قَوْلُهُ
هَلْ ظَلَمْتُكُمْ أَيْ نَقَصْتُكُمْ كَمَا فِي رِوَايَةِ
نَافِعٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قبله وسأذكر بَقِيَّة
فَوَائده بعد بَابَيْنِ
(قَوْلُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أَجْرَ الْأَجِيرِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ إِثْمِ مَنْ
بَاعَ حُرًّا فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ تَنْبِيهٌ أَخَّرَ
بن بَطَّالٍ هَذَا الْبَابَ عَنِ الَّذِي بَعْدَهُ
وَكَأَنَّهُ صنع ذَلِك للمناسبة
(4/447)
(قَوْلُهُ بَابُ الْإِجَارَةِ مِنَ
الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ)
أَيْ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى أَوَّلِ دُخُولِ
اللَّيْلِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى وَقَدْ
مَضَى سَنَدُهُ وَمَتْنُهُ فِي الْمَوَاقِيتِ وَشَيْخُهُ
أَبُو كُرَيْبٍ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَلَاءِ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ وَبُرَيْدٌ
بِالْمُوَحَّدَةِ وَالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ
[2271] قَوْلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا هُوَ
مِنْ بَابِ الْقَلْبِ وَالتَّقْدِيرُ كَمَثَلِ قَوْمٍ
اسْتَأْجَرَهُمْ رَجُلٌ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ
بِالْمُرَكَّبِ قَوْلُهُ يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا
إِلَى اللَّيْلِ هَذَا مُغَايِرٌ لِحَدِيثِ بن عُمَرَ
لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى أَنْ
يَعْمَلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
ذِكْرُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَوَاقِيتِ
وَأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ سِيقَا فِي قِصَّتَيْنِ نَعَمْ
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ الْمَاضِيَةِ فِي الْمَوَاقِيتِ
الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ مَا يُوَافق رِوَايَة أبي
مُوسَى فرحجها الْخَطَّابِيُّ عَلَى رِوَايَةِ نَافِعٍ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ
تَكُونَ الْقِصَّتَانِ جَمِيعًا كَانَتَا عِنْد بن عُمَرَ
فَحَدَّثَ بِهِمَا فِي وَقْتَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بن
التِّينِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا غَضِبُوا أَوَّلًا
فَقَالُوا مَا قَالُوا إِشَارَةً إِلَى طَلَبِ
الزِّيَادَةِ فَلَمَّا لَمْ يُعْطَوْا قَدْرًا زَائِدًا
تَرَكُوا فَقَالُوا لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ انْتَهَى
وَفِيهِ مَعَ بُعْدِهِ مُخَالَفَةٌ لِصَرِيحِ مَا وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فِي الْمَوَاقِيتِ وَفِي
التَّوْحِيدِ فَفِيهَا قَالُوا رَبَّنَا أَعْطَيْتَ
هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا
قِيرَاطًا قِيرَاطًا وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا
فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ أُعْطُوا ذَلِكَ إِلَّا
أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ أَعْطَيْتَنَا أَيْ أَمَرْتَ
لَنَا أَوْ وَعَدْتَنَا وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ
أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمْعَ
بِكَوْنِهِمَا قِصَّتَيْنِ أَوْضَحُ وَظَاهِرُ الْمَثَلِ
الَّذِي فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
قَالَ للْيَهُود آمنُوا بن وَبِرُسُلِي إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَآمَنُوا بِمُوسَى إِلَى أَنْ بُعِثَ عِيسَى
فَكَفَرُوا بِهِ وَذَلِكَ فِي قَدْرِ نِصْفِ الْمُدَّةِ
الَّتِي مِنْ مَبْعَثِ مُوسَى إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
فَقَوْلُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ إِشَارَةٌ
إِلَى أَنَّهُمْ كَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتغْنى الله
عَنْهُم وَهَذَا من إِطْلَاق القَوْل وَإِرَادَة لَازِمِهِ
لِأَنَّ لَازِمَهُ تَرْكُ الْعَمَلِ الْمُعَبَّرِ بِهِ
عَنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُمْ وَمَا عَمِلْنَا
بَاطِلٌ إِشَارَة إِلَى إحباط عَمَلهم بكفرهم بِعِيسَى
إِذا لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِيمَانُ بِمُوسَى وَحْدَهُ
بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي
النَّصَارَى إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ
مُدَّتَهُمْ كَانَتْ قَدْرَ نِصْفِ الْمُدَّةِ
فَاقْتَصَرُوا عَلَى نَحْوِ الرُّبُعِ مِنْ جَمِيع
النَّهَار وَقَوْلهمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ زَادَ فِي
رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الَّذِي شرطت لهَؤُلَاء من
الْأجر يَعْنِي الَّذِي قَبْلَهُمْ وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا
بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ
لِمَا مَضَى مِنْهُ وَالْمُرَادُ مَا بَقِيَ مِنَ
الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ
الْفَرِيقَيْنِ أَيْ بِإِيمَانِهِمْ بِالْأَنْبِيَاءِ
الثَّلَاثَةِ وَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الْإِشَارَةَ إِلَى
قَصْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَقِيَتْ مِنَ الدُّنْيَا
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ بُعِثْتُ
أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ قَوْلُهُ حَتَّى إِذَا
كَانَ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ هُوَ بِنَصْبِ حِينَ
وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ قَوْلُهُ وَاسْتَكْمَلُوا
أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا كَذَا لأبي ذَر وَغَيره
وَحكى بن التِّين أَن فِي رِوَايَته كلاهم بِالرَّفْعِ
وَخَطَّأَهُ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ لَهُ وَجْهٌ
قَوْلُهُ فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ أَيِ الْمُسْلِمِينَ
وَمَثَلُ مَا قبلوا
(4/448)
مِنْ هَذَا النُّورِ فِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَذَلِكَ مثل الْمُسلمين الَّذين قبلوا
هذى اللَّهِ وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ وَمَثَلُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى تَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ
يَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ
مُدَّةَ الْيَهُودِ نَظِيرُ مُدَّتَيِ النَّصَارَى
وَالْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى
أَنَّ مُدَّةَ الْيَهُودِ إِلَى بَعْثَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ
أَلْفَيْ سَنَةٍ وَمُدَّةَ النَّصَارَى مِنْ ذَلِكَ
سِتُّمِائَةٍ وَقِيلَ أَقَلُّ فَتَكُونُ مُدَّةُ
الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ قَطْعًا وَتَضَمَّنَ
الْحَدِيثُ أَنَّ أَجْرَ النَّصَارَى كَانَ أَكْثَرَ مِنْ
أَجْرِ الْيَهُودِ لِأَنَّ الْيَهُودَ عَمِلُوا نِصْفَ
النَّهَارِ بِقِيرَاطٍ وَالنَّصَارَى نَحْوَ رُبُعِ
النَّهَارِ بِقِيرَاطٍ وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا
حَصَلَ لِمَنْ آمَنَ مِنَ النَّصَارَى بِمُوسَى وَعِيسَى
فَحَصَلَ لَهُمْ تَضْعِيفُ الْأَجْرِ مَرَّتَيْنِ
بِخِلَافِ الْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا بُعِثَ عِيسَى
كَفَرُوا بِهِ وَفِي الْحَدِيثِ تَفْضِيلُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ وَتَوْفِيرُ أَجْرِهَا مَعَ قِلَّةِ عَمَلِهَا
وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِدَامَةُ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى
أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ وَفِي قَوْلِهِ فَإِنَّمَا بَقِيَ
مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ إِشَارَةٌ إِلَى قِصَرِ
مُدَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُدَّةِ
غَيْرِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنَ
الطَّوَائِفِ كَانَ مُسَاوِيًا فِي الْمِقْدَارِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِك الْمَوَاقِيت مشروحا
(4/449)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا
فَتَرَكَ أَجْرَهُ)
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَتَرَكَ الْأَجِيرُ
أَجْرَهُ قَوْلُهُ فَعَمِلَ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ أَيِ
اتَّجَرَ فِيهِ أَوْ زَرَعَ فَزَادَ أَيْ رَبِحَ قَوْلُهُ
وَمَنْ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَاسْتَفْضَلَ هُوَ مِنْ
عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي
مَالِ غَيْرِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجَرًا
أَوْ غَيْرَ مُسْتَأْجَرٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ
الْجَوَابَ إِشَارَةً إِلَى الِاحْتِمَالِ كَعَادَتِهِ
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْطَبَقَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَرِيبًا وَقَدْ
تَعَقَّبَ الْمُهَلَّبُ تَرْجَمَةَ الْبُخَارِيِّ
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ لِمَا تَرْجَمَ
لَهُ وَإِنَّمَا اتَّجَرَ الرَّجُلُ فِي أَجْرِ أَجِيرِهِ
ثُمَّ أَعْطَاهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ
وَإِنَّمَا الَّذِي كَانَ يَلْزَمُهُ قَدْرُ الْعَمَلِ
خَاصَّةً وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ
الْبُيُوعِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي
أَوَاخِرِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَقَوْلُهُ
[2272] فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا أُغْبِقُ هُوَ مِنَ
الْغَبُوقِ بَالِغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ
وَآخِرُهُ قَافٌ شُرْبُ الْعَشِيِّ وَضَبَطُوهُ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ أَغْبِقُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ إِلَّا
الْأَصِيلِيَّ فَبِضَمِّهَا مِنَ الرُّبَاعِيِّ وخطئوه
وَقَوله أَهلا وَلَا مَا لَا المُرَاد بالأهل مَاله من زوج
وَولد وبالمال مَاله مِنْ رَقِيقٍ وَخَدَمٍ وَزَعَمَ
الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ الدَّوَابُّ
وَتَعَقَّبُوهُ وَلَهُ وَجْهٌ وَقَوْلُهُ فَنَأَى بِفَتْحِ
النُّونِ وَالْهَمْزَةِ مَقْصُورًا بِوَزْنِ سَعَى أَيْ
بَعُدَ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ فَنَاءَ
بِمَدٍّ بَعْدَ النُّونِ بِوَزْنِ جَاءَ وَهُوَ بِمَعْنَى
الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ أُرِحْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
وَكَسْرِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ بَرَقَ الْفَجْرُ بِفَتْحِ
الرَّاءِ أَيْ أَضَاءَ وَقَوْلُهُ فَافْرُجْ بِالْوَصْلِ
وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ
مِنَ الْفَرَجِ أَوْ مِنَ الْإِفْرَاجِ وَقَوْلُهُ كُلُّ
مَا تَرَى مِنْ أَجْلِكَ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ
وَلِأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَلِلْبَاقِينَ مِنْ
أَجْرِكَ وَلكُل وَجه
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَلَى
ظَهْرِهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ)
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ تَصَدَّقَ مِنْهُ
وَقَوْلُهُ وَأَجْرِ الْحَمَّالِ أَيْ وَبَابُ أَجْرِ
الْحَمَّالِ
[2273] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبِي هُوَ الْأُمَوِيُّ
صَاحِبُ الْمَغَازِي وَقَوْلُهُ عَنْ شَقِيقٍ هُوَ أَبُو
وَائِل وَقَوله فيحامل أَي يطْلب أَن يَحْمِلُ
بِالْأُجْرَةِ وَقَوْلُهُ بِالْمُدِّ أَيْ يَحْمِلُ
الْمَتَاعَ بِالْأُجْرَةِ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ
وَالْمُحَامَلَةُ مُفَاعَلَةٌ وَهِيَ تَكُونُ بَيْنَ
اثْنَيْنِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ
أَحَدِهِمَا وَالْأُجْرَةَ مِنَ الْآخَرِ كَالْمُسَاقَاةِ
وَالْمُزَارَعَةِ وَوَقَعَ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ
مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ يَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إِلَى
السُّوقِ فَيَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ قَوْلُهُ
(4/450)
وَأَنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِائَةَ أَلْفٍ
هَذِهِ اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَهِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ
لِدُخُولِهَا عَلَى اسْمِ إِنَّ وَتَقَدَّمَ الْخَبَرُ
وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لعبرة
وَمُرَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَ
بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ بِلَفْظِ وَإِنَّ
لِبَعْضِهِمُ الْيَوْمَ مِائَةَ أَلْفٍ زَادَ
النَّسَائِيُّ وَمَا كَانَ لَهُ يَوْمئِذٍ دِرْهَمٌ أَيْ
فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ فِيهِ قَوْلُهُ
قَالَ مَا نرَاهُ إِلَّا نَفسه بَين بن مَاجَهْ مِنْ
طَرِيقِ زَائِدَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ
هُوَ أَبُو وَائِلٍ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي
كِتَابِ الزَّكَاة
(قَوْلُهُ بَابُ أَجْرِ السَّمْسَرَةِ)
أَيْ حُكْمُهُ وَهِيَ بمهملتين قَوْله وَلم ير بن سِيرِينَ
وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ
السِّمْسَارِ بَأْسًا أما قَول بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم
فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا بِلَفْظِ لَا بَأْسَ
بِأَجْرِ السِّمْسَارِ إِذَا اشْتَرَى يَدًا بِيَدٍ
وَأَمَّا قَوْلُ عَطاء فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا
بِلَفْظِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ السَّمْسَرَةِ فَقَالَ لَا
بَأْسَ بِهَا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى
الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَهَا وَقَدْ نَقله بن الْمُنْذر
عَن الْكُوفِيّين قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ لَا بَأَسَ
أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى
كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَك وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
طَرِيقِ عَطَاءٍ نَحْوَهُ وَهَذِهِ أَجْرُ سَمْسَرَةٍ
أَيْضًا لَكِنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجِزْهَا
الْجُمْهُورُ وَقَالُوا إِنْ بَاعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ
فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ إِجَازَةَ بن
عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُقَارِضِ
وَبِذَلِكَ أجَاب أَحْمد وَإِسْحَاق وَنقل بن التِّينِ
أَنَّ بَعْضَهُمْ شَرَطَ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَعْلَمَ
النَّاسُ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَنَّ ثَمَنَ السِّلْعَةِ
يُسَاوِي أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ وَتَعَقَّبَهُ
بِأَنَّ الْجَهْل بِمِقْدَار الْأُجْرَة بَاقٍ قَوْله
وَقَالَ بن سِيرِينَ إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا
كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَلَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا
بَأْس بِهِ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
يُونُسَ عَنْهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِصُورَةِ الْمُقَارِضِ
مِنَ السِّمْسَارِ قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ
شُرُوطِهِمْ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ
يُوصِلْهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَكَانٍ آخَرَ وَقَدْ جَاءَ
مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ
فَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ
كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِهِ وَزَادَ
إِلَّا شرطا حرم حلا لَا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا
وَكُثَيِّرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ
الْأَكْثَرِ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ وَمَنْ تَبِعَهُ
كالترمذي وبن خُزَيْمَةَ يُقَوُّونَ أَمْرَهُ وَأَمَّا
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَوَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ
عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ وَهُوَ بِمُوَحَّدَةٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِهِ أَيْضًا دُونَ زِيَادَةِ
كَثِيرٍ فَزَادَ بَدَلَهَا وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَين
الْمُسلمين
(4/451)
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا
الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ
شُرُوطِهِمْ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ وَزَاد مَا وَافق الْحق
تَنْبِيه ظن بن التِّينِ أَنَّ قَوْلُهُ وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ بَقِيَّةُ كَلَامِ بن
سِيرِينَ فَشَرَحَ عَلَى ذَلِكَ فَوَهَمَ وَقَدْ
تَعَقَّبَهُ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ
عُلَمَائِنَا ثُمَّ أورد المُصَنّف حَدِيث بن عَبَّاسٍ
الْمَاضِي فِي الْبُيُوعِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ
فِي تَفْسِيرِ الْمَنْعِ لِبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي
أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا فَإِنَّ مَفْهُومَهُ
أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِمْسَارًا فِي بَيْعِ
الْحَاضِرِ لِلْحَاضِرِ وَلَكِنْ شَرَطَ الْجُمْهُورُ أَنْ
تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
إِنْ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا
بَزًّا بِأُجْرَةِ عَشَرَةٍ فَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنِ
اشْتَرَى فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَا يَجُوزُ مَا
سَمَّى مِنَ الْأُجْرَةِ وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ إِذَا جَعَلَ
لَهُ فِي كُلِّ أَلْفٍ شَيْئًا مَعْلُومًا لَمْ يَجُزْ
لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنْ عَمِلَ فَلَهُ
أَجْرُ مِثْلِهِ وَحُجَّةُ مَنْ مَنَعَ أَنَّهَا إِجَارَةٌ
فِي أَمْرٍ لِأَمَدٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَحُجَّةُ مَنْ
أَجَازَهُ أَنَّهُ إِذَا عَيَّنَ لَهُ الْأُجْرَةَ كَفَى
وَيَكُونُ من بَاب الْجعَالَة وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابٌ هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ
مُشْرِكٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ خَبَّابٍ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ
مُسْلِمٌ فِي عَمَلِهِ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ
مُشْرِكٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَهِيَ إِذْ ذَاكَ
دَارُ حَرْبٍ وَاطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ وَلَمْ
يَجْزِمِ الْمُصَنِّفُ بِالْحُكْمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ الْجَوَازُ مُقَيَّدًا بِالضَّرُورَةِ أَوْ أَنَّ
جَوَازَ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي قِتَالِ
الْمُشْرِكِينَ وَمُنَابَذَتِهِمْ وَقَبْلَ الْأَمْرِ
بِعَدَمِ إِذْلَالِ الْمُؤْمِنِ نَفْسَهُ وَقَالَ
الْمُهَلَّبُ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا
لِضَرُورَةٍ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ
عَمَلُهُ فِيمَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فِعْلُهُ وَالْآخَرُ
أَنْ لَا يُعِينَهُ عَلَى مَا يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ اسْتَقَرَّتِ
الْمَذَاهِبُ عَلَى أَنَّ الصُّنَّاعَ فِي حَوَانِيتِهِمْ
يَجُوزُ لَهُمُ الْعَمَلُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا
يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الذِّلَّةِ بِخِلَافِ أَنْ يَخْدُمَهُ
فِي مَنْزِلِهِ وَبِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ خَبَّابٍ فِي
الْبُيُوعِ وَيَأْتِي بَقِيَّة شَرحه فِي تَفْسِير سُورَة
مَرْيَم
(4/452)
(ق
(وَله بَاب مَا يعْطى فِي الرّقية على أَحيَاء الْعَرَبِ)
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)
كَذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْجَمِيعِ
وَالْأَحْيَاءُ بِالْفَتْحِ جَمْعُ حَيٍّ وَالْمُرَادُ
بِهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ مَخْصُوصَةٌ قَالَ
الْهَمْدَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ الشِّعْبُ وَالْحَيُّ
بِمَعْنَى وَسُمِّيَ الشِّعْبَ لِأَنَّ الْقَبِيلَةَ
تَتَشَعَّبُ مِنْهُ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ
بِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
الْأَمْكِنَةِ وَلَا بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ
وَتَقْيِيدُهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِأَحْيَاءِ الْعَرَبِ
يُشْعِرُ بِحَصْرِهِ فِيهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ
بِأَنَّهُ تَرْجَمَ بِالْوَاقِعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ
لِنَفْيِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي الطِّبِّ
الشُّرُوطُ فِي الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ
وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَتَرْجَمَ فِيهِ أَيْضًا
الرُّقْيَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالرُّقْيَةُ كَلَامٌ
يُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ كُلِّ عَارِضٍ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ
بن دُرَسْتَوَيْهِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي
كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله
وَقَالَ بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا كِتَابُ اللَّهُ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ
وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الطِّبِّ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِلْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ أَخْذِ
الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَخَالَفَ
الْحَنَفِيَّةُ فَمَنَعُوهُ فِي التَّعْلِيمِ وَأَجَازُوهُ
فِي الرُّقَى كَالدَّوَاءِ قَالُوا لِأَنَّ تَعْلِيمَ
الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ وَالْأَجْرُ فِيهِ على الله وَهُوَ
الْقيَاس فِي الرُّقَى إِلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ فِيهَا
لِهَذَا الْخَبَرِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْأَجْرَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الثَّوَابِ وَسِيَاقُ الْقِصَّةِ
الَّتِي فِي الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ
وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ بِالْأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِي الْوَعِيدِ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ
عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ
وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلنَّسْخِ
بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ
لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِالْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ
بَلْ هِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ مُحْتَمِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ
لِتَوَافُقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثَيِ
الْبَابِ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ
(4/453)
الْمَذْكُورَةَ أَيْضًا لَيْسَ فِيهَا مَا
تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ
الصَّحِيحَةَ وَسَيَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى الْبَحْثِ
فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ التَّزْوِيجِ
عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ
لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلَّا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا
فَلْيَقْبَلْهُ وَقَالَ الْحَكَمُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا
كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِم
عشرَة أما قَول الشّعبِيّ فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ
بِلَفْظِ وَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ وَأَمَّا
قَوْلُ الْحَكَمِ فَوَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي
الْجَعْدِيَّاتِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ
شُعْبَةَ سَأَلْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ عَنْ أَجْرِ
الْمُعَلِّمِ فَقَالَ أَرَى لَهُ أَجْرًا وَسَأَلْتُ
الْحَكَمَ فَقَالَ مَا سَمِعْتُ فَقِيهًا يَكْرَهُهُ
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَوَصَلَهُ بن سَعْدٍ فِي
الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي الْحَسَنِ قَالَ لَمَّا حَذَقْتُ قُلْتُ لِعَمِّي
يَا عَمَّاهُ إِنَّ الْمُعَلِّمَ يُرِيدُ شَيْئًا قَالَ
مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ أَعْطِهِ
خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ أعْطه
عشرَة دَرَاهِم وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ
أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ
عَلَى الْكِتَابَةِ أجرا وَكره الشَّرْط قَوْله وَلم ير بن
سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا وَقَالَ كَانَ
يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ أَمَّا
قَوْلُهُ فِي أُجْرَةِ الْقَسَّامِ فَاخْتَلَفَتِ
الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي
تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بن عَتيق عَن مُحَمَّد
وَهُوَ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أُجُورَ
الْقَسَّامِ وَيَقُولُ كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ
الرِّشْوَةُ عَلَى الْحُكْمِ وَأَرَى هَذَا حكما يُؤْخَذ
عَلَيْهِ الْأُجْرَة وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ
قَتَادَةَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ الْمُسَيَّبِ مَا تَرَى
فِي كَسْبِ الْقَسَّامِ فكرهه وَكَانَ الْحسن يكره كَسبه
وَقَالَ بن سِيرِينَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا فَلَا
أَدْرِي مَا هُوَ وَجَاءَتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ يُجْمَعُ
بِهَا بَين هَذَا الِاخْتِلَاف قَالَ بن سَعْدٍ حَدَّثَنَا
عَارِمٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَن مُحَمَّد
هُوَ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشَارِطَ
الْقَسَّامَ وَكَأَنَّهُ يَكْرَهُ لَهُ أَخْذَ الْأُجْرَةِ
عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَطَةِ وَلَا يَكْرَهُهَا إِذَا
كَانَتْ بِغَيْرِ اشْتِرَاطٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ وَظَهَرَ بِمَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ
أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ يُقَالُ السُّحت
الرِّشْوَة بَقِيَّة كَلَام بن سِيرِين وَأَشَارَ بن
سِيرِينَ بِذَلِكَ إِلَى مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعلي وبن
مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي
تَفْسِيرِ السُّحْتِ إِنَّهُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ
أَخْرَجَهُ بن جَرِيرٍ بِأَسَانِيدِهِ عَنْهُمْ وَرَوَاهُ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَفْظُهُ كُلُّ لَحْمٍ أَنْبَتَهُ
السُّحْتُ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَمَا السُّحْتُ قَالَ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ
تَنْبِيهٌ الْقَسَّامُ بِفَتْحِ الْقَافِ فَعَّالٌ مِنَ
الْقَسَمِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ الْقَاسِمُ وَشَرَحَهُ
الْكِرْمَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِضَمِّ الْقَافِ جَمْعُ
قَاسِمٍ وَالسُّحْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَحُكِيَ ضَمُّ الْحَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ
وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ أَكْلِهِ
الْعَارُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَرَامِ وَالرَّشْوَةُ
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَتُضَمُّ وَقِيلَ
بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ قَوْلُهُ
وَكَانُوا يُعْطُونَ عَلَى الْخَرْصِ هُوَ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ
هُوَ الْحَزْرُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَقَدْ تَقَدَّمَ
تَفْسِيرُهُ فِي الْبُيُوعِ أَيْ كَانُوا يُعْطُونَ
أُجْرَةَ الْخَارِصِ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ
أُجْرَةِ الْقَسَّامِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا يَفْصِلُ التَّنَازُعَ بَيْنَ
الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَلِأَنَّ الْخَرْصَ يُقْصَدُ
لِلْقِسْمَةِ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْقَسَّامِ
وَالْخَارِصِ لِلتَّرْجَمَةِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنَّ
جِنْسَهُمَا وَجِنْسَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالرُّقْيَةِ
وَاحِدٌ وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ الْأُجْرَةِ
عَلَى عَقْدِ الْوَثَائِقِ لِكَوْنِهَا مِنْ فُرُوضِ
الْكِفَايَاتِ وَكَرِهَ أَيْضًا أُجْرَةَ الْقَسَّامِ
وَقِيلَ إِنَّمَا كَرِهَهَا لِأَنَّهُ كَانَ يُرْزَقُ مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ فَكَرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً
أُخْرَى وَأَشَارَ سَحْنُونٌ إِلَى الْجَوَازِ عِنْدَ
فَسَادِ أُمُورِ بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَحْدَثَ
النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءٍ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ
عَلَيْهِنَّ أَجْرٌ ضِرَابَ الْفَحْلِ وَقِسْمَةَ
الْأَمْوَالِ وَالتَّعْلِيمَ اه وَهَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ
يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ
يَتَبَرَّعُونَ بِهَا فَلَمَّا فَشَا الشُّحُّ طَلَبُوا
الْأُجْرَةَ فَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَكَارِمِ
الْأَخْلَاقِ فَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ مَنْ كَرِهَهَا عَلَى
التَّنْزِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[2276] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ
(4/454)
أَبِي وَحْشِيَّةَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ
أَكْثَرَ مِنِ اسْمِهِ كَأَبِيهِ اسْمُهُ إِيَاسٌ وَهُوَ
مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي
الْمُتَوَكِّلِ هُوَ النَّاجِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ
الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ تَصْرِيحَ أَبِي بِشْرٍ
بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَتَابَعَ أَبَا عَوَانَةَ عَلَى
هَذَا الْإِسْنَادِ شُعْبَةُ كَمَا فِي آخِرِ الْبَابِ
وَهُشَيْمٌ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَخَالَفَهُمُ الْأَعْمَشُ فَرَوَاهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
جَعَلَ بَدَلَ أَبِي المتَوَكل أَبَا نَضرة أخرجه
التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ
فَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ طَرِيقُ شُعْبَة أصح من
طَرِيق الْأَعْمَش وَقَالَ بن مَاجَهْ إِنَّهَا الصَّوَابُ
وَرَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَلَمْ
يُرَجِّحْ فِي السُّنَنِ شَيْئًا وَكَذَا النَّسَائِيُّ
وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَقْدِي أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ
مَحْفُوظَانِ لِاشْتِمَالِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَلَى
زِيَادَاتٍ فِي الْمَتْنِ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ
وَمَنْ تَابَعَهُ فَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي بِشْرٍ
عَنْ شَيْخَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا
وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَلم يصب بن الْعَرَبِيِّ فِي
دَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ فَقَدْ
رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا مَعْبَدُ بْنُ
سِيرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ
وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ
وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
والدَّارَقُطْنِيُّ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ
مِنَ الْفَوَائِدِ قَوْلُهُ انْطَلَقَ نَفَرٌ لَمْ أَقِفْ
عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِنْهُمْ سِوَى أَبِي سَعِيدٍ وَلَيْسَ
فِي سِيَاقِ هَذِهِ الطَّرِيقِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ
السَّفَرَ كَانَ فِي جِهَادٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ
الْأَعْمَشِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ
قَتَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا زَادَ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ بَعَثَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا أَبُو
سَعِيدٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ هَذِهِ
السَّرِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَغَازِي بَلْ
لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهِيَ
وَارِدَةٌ عَلَيْهِمْ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ
الْحَيِّ الَّذِينَ نَزَلُوا بِهِمْ مِنْ أَيِّ
الْقَبَائِلِ هُمْ قَوْلُهُ فَاسْتَضَافُوهُمْ أَيْ
طَلَبُوا مِنْهُمُ الضِّيَافَةَ وَفِي رِوَايَةِ
الْأَعْمَشِ عِنْدَ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ بَعَثَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثِينَ رَجُلًا فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ لَيْلًا
فَسَأَلْنَاهُمُ الْقِرَى فَأَفَادَتْ عَدَدَ السَّرِيَّةِ
وَوَقْتَ النُّزُولِ كَمَا أَفَادَتْ رِوَايَةُ
الدَّارَقُطْنِيِّ تَعْيِينَ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ
وَالْقِرَى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ الضِّيَافَةُ
قَوْلُهُ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ بِالتَّشْدِيدِ
لِلْأَكْثَرِ وَبِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ
مُخَفَّفًا قَوْلُهُ فَلُدِغَ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى
الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَاللَّدْغُ بِالدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ اللَّسْعُ
وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَمَّا اللَّذْعُ بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ
الْإِحْرَاقُ الْخَفِيفُ وَاللَّدْغُ الْمَذْكُورُ فِي
الْحَدِيثِ هُوَ ضَرْبُ ذَاتِ الْحُمَّةِ مِنْ حَيَّةٍ
أَوْ عَقْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ
فِي الْعَقْرَبِ وَقَدْ أَفَادَتْ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ
تَعْيِينُ الْعَقْرَبِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
هُشَيْمٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ مُصَابٌ فِي
عَقْلِهِ أَوْ لَدِيغٌ فَشَكٌّ مِنْ هُشَيْمٍ وَقَدْ
رَوَاهُ الْبَاقُونَ فَلَمْ يَشُكُّوا فِي أَنَّهُ لَدِيغٌ
وَلَا سِيَّمَا تَصْرِيحَ الْأَعْمَشِ بِالْعَقْرَبِ
وَكَذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ
طَرِيقِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدَ
بِلَفْظِ إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَكَذَا فِي
الطِّبّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ
سَلِيمٌ وَالسَّلِيمُ هُوَ اللَّدِيغُ نَعَمْ وَقَعَتْ
لِلصَّحَابَةِ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي رَجُلٍ مُصَابٍ
بِعَقْلِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَاتِحَةَ
الْكِتَابِ فَبَرَأَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ
بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ
وَعِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ
فَقَالُوا إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ
بِخَيْرٍ فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ الْحَدِيثَ
فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لَكِنَّ
الْوَاقِعَ فِي قِصَّةِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لَدِيغٌ
قَوْلُهُ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ مِمَّا
جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ يُتَدَاوَى بِهِ مِنْ
لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ السَّعْيِ
أَيْ طَلَبُوا لَهُ مَا يُدَاوِيهِ وللْكُشْمِيهَنِيِّ
فَشَفَوْا بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَعَلَيْهِ شَرْحُ
الْخَطَّابِيِّ فَقَالَ مَعْنَاهُ طَلَبُوا الشِّفَاءَ
تَقُولُ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَيْ أَبْرَأَهُ وَشَفَى
لَهُ الطَّبِيبُ أَيْ عَالَجَهُ بِمَا يَشْفِيهِ أَوْ
وَصَفَ لَهُ مَا فِيهِ الشِّفَاءُ لَكِنِ ادَّعَى بن
التِّينِ أَنَّهَا تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ لَوْ أَتَيْتُمْ
هَؤُلَاءِ الرَّهْط قَالَ بن التِّينِ قَالَ تَارَةً
نَفَرًا وَتَارَةً رَهْطًا وَالنَّفَرُ مَا بَيْنَ
الْعَشَرَةِ وَالثَّلَاثَةِ وَالرَّهْطُ مَا دُونَ
الْعَشَرَةِ وَقِيلَ يَصِلُ إِلَى الْأَرْبَعِينَ قُلْتُ
وَهَذَا
(4/455)
الْحَدِيثُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ
فَأَتَوْهُمْ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ
الَّذِي جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ جَارِيَةٌ مِنْهُمْ
فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا زَادَ
الْبَزَّارُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالُوا لَهُمْ قَدْ
بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكُمْ جَاءَ بِالنُّورِ
وَالشِّفَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَوْلُهُ وَسَعَيْنَا فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَشَفَيْنَا بِالْمُعْجَمَةِ
وَالْفَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهَا قَوْلُهُ فَهَلْ
عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ زَادَ أَبُو دَاوُدَ
فِي رِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْفَعُ صَاحِبَنَا
قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَرْقِي بِكَسْرِ الْقَافِ وَبَيَّنَ الْأَعْمَشُ أَنَّ
الَّذِي قَالَ ذَلِكَ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ رَاوِي الْخَبَرِ
وَلَفْظُهُ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا وَلَكِنْ لَا أَرْقِيهِ
حَتَّى تُعْطُونَا غَنَمًا فَأَفَادَ بَيَانَ جِنْسِ
الْجُعْلِ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ
الْمُهْمَلَةِ مَا يُعْطَى عَلَى عَمَلٍ وَقَدِ
اسْتَشْكَلَ كَوْنَ الرَّاقِي هُوَ أَبُو سَعِيدٍ رَاوِي
الْخَبَرِ مَعَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ
سِيرِينَ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَظُنُّهُ
يُحْسِنُ رُقْيَةً وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي
لِلْمُصَنِّفِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بِلَفْظٍ آخَرَ
وَفِيهِ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ أَكُنْتَ تُحْسِنُ
رُقْيَةً فَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُكَنِّيَ
الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَعَلَّ أَبَا سَعِيدٍ صَرَّحَ
تَارَةً وَكَنَّى أُخْرَى وَلَمْ يَنْفَرِدِ الْأَعْمَشُ
بِتَعْيِينِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ
سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ بِلَفْظِ فَأَتَيْتُهُ
فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ أَنَا أَرْقِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي
رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَنْصَارِيٌّ
وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ ذَلِكَ عَلَى
تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَوَى
قِصَّتَيْنِ كَانَ فِي إِحْدَاهُمَا رَاقِيًا وَفِي
الْأُخْرَى كَانَ الرَّاقِي غَيْرَهُ فَبَعِيدٌ جِدًّا
وَلَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ وَالسِّيَاقِ
وَالسَّبَبِ وَيَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَلَا حَامِلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ
الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ
بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ فَإِنَّ السِّيَاقَيْنِ
مُخْتَلِفَانِ وَكَذَا السَّبَبُ فَكَانَ الْحَمْلُ
علىالتعدد فِيهِ قَرِيبًا قَوْلُهُ فَصَالَحُوهُمْ أَيْ
وَافَقُوهُمْ قَوْلُهُ على قطيع من الْغنم قَالَ بن
التِّينِ الْقَطِيعُ هُوَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْغَنَمِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقَطِيعَ هُوَ الشَّيْءُ
الْمُقْتَطَعُ مِنْ غَنَمٍ كَانَ أَو غَيرهَا وَقد صرح
بذلك بن قُرْقُولٍ وَغَيْرُهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنَّ
الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ
وَالْأَرْبَعِينَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ
فَقَالُوا إِنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً وَكَذَا
ثَبَتَ ذِكْرُ عَدَدِ الشِّيَاهِ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ
بْنِ سِيرِينَ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِعَدَدِ السَّرِيَّةِ
كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُمُ
اعْتَبَرُوا عَدَدَهُمْ فَجَعَلُوا الْجُعْلَ بِإِزَائِهِ
قَوْلُهُ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ بِضَمِّ الْفَاءِ
وَبِكَسْرِهَا وَهُوَ نَفْخٌ مَعَهُ قَلِيلُ بُزَاقٍ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ
الصَّلَاة قَالَ بن أَبِي حَمْزَةَ مَحَلُّ التَّفْلِ فِي
الرُّقْيَةِ يَكُونُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِتَحْصِيلِ
بَرَكَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَوَارِحِ الَّتِي يَمُرُّ
عَلَيْهَا الرِّيقُ فَتَحْصُلُ الْبَرَكَةُ فِي الرِّيقِ
الَّذِي يَتْفُلُهُ قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رب الْعَالمين فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ
عَلَيْهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَش فَقَرَأت عَلَيْهِ
الْحَمد لله وَيُسْتَفَاد مِنْهُ تَسْمِيَة الْفَاتِحَة
الْحَمد وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلَمْ يَذْكُرْ فِي
هَذِهِ الطَّرِيقِ عَدَدَ مَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
لَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَأَنَّهُ
سَبْعُ مَرَّاتٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ وَالْحُكْمُ لِلزَّائِدِ قَوْلُهُ فَكَأَنَّمَا
نُشِطَ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ
الْمُعْجَمَةِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَهُوَ لُغَةٌ وَالْمَشْهُورُ نُشِطَ إِذَا عُقِدَ
وَأُنْشِطَ إِذَا حُلَّ وَأَصْلُهُ الْأُنْشُوطَةُ بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَالْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ
وَهِيَ الْحَبل وَقَالَ بن التِّينِ حَكَى بَعْضُهُمْ
أَنَّ مَعْنَى أُنْشِطَ حُلَّ وَمَعْنَى نُشِطَ أُقِيمَ
بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ رَجُلٌ نَشِيطٌ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى نُشِطَ فَزِعَ وَلَوْ
قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْ حُلَّ
شَيْئًا فَشَيْئًا قَوْلُهُ مِنْ عِقَالٍ بِكَسْرِ
الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا قَافٌ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي
يُشَدُّ بِهِ ذِرَاعُ الْبَهِيمَةِ قَوْلُهُ وَمَا بِهِ
قَلَبَةٌ بِحَرَكَاتٍ أَيْ عِلَّةٌ وَقِيلَ لِلْعِلَّةِ
قَلَبَةٌ لِأَنَّ الَّذِي تُصِيبُهُ يُقْلَبُ مِنْ جَنْبٍ
إِلَى جَنْبٍ ليعلم مَوضِع الدَّاء قَالَه بن
الْأَعْرَابِيِّ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
(4/456)
وَقَدْ بَرِئْتُ فَمَا فِي الصَّدْرِ مِنْ
قَلَبَهْ وَفِي نُسْخَة الدمياطي بِخَطِّهِ قَالَ بن
الْأَعْرَابِيِّ الْقَلَبَةُ دَاءٌ مَأْخُوذٌ مِنَ
الْقُلَابِ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فَيَأْلَمُ قَلْبُهُ
فَيَمُوتُ مِنْ يَوْمِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
اقْسِمُوا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ
الَّذِي رَقَى بِفَتْحِ الْقَافِ وَفِي رِوَايَةِ
الْأَعْمَشِ فَلَمَّا قَبَضْنَا الْغَنَمَ عَرَضَ فِي
أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ
سِيرِينَ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا
لَبَنًا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ
فَبُعِثَ إِلَيْنَا بِالشِّيَاهِ وَالنُّزُلِ فَأَكَلْنَا
الطَّعَامَ وَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا الْغَنَمَ حَتَّى
أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
أَنَّ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ تَنَاوُلِهَا هُوَ
الرَّاقِي وَأَمَّا فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَأَبْهَمَهُ
قَوْلُهُ فَنَنْطُرُ مَا يَأْمُرُنَا أَيْ فَنَتَّبِعُهُ
وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ فِي ذَلِكَ
قَوْلُهُ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ قَالَ
الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ وَمَا أَدْرَاكَ وَقَدْ رُوِيَ
كَذَلِكَ وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ لِأَنَّ بن
عُيَيْنَةَ قَالَ إِذَا قَالَ وَمَا يُدْرِيكَ فَلَمْ
يُعْلَمْ وَإِذَا قَالَ وَمَا أَدْرَاكَ فَقَدْ أُعْلِمَ
وَتعقبه بن التِّين بِأَن بن عُيَيْنَةَ إِنَّمَا قَالَ
ذَلِكَ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي
أَوَاخِرِ الصِّيَامِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
فِي اللُّغَةِ أَيْ فِي نَفْيِ الدِّرَايَةِ وَقَدْ وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ وَمَا أَدْرَاكَ وَنَحْوُهُ فِي
رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ
سِيرِينَ وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ
عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي
تَعْظِيمِ الشَّيْءِ أَيْضًا وَهُوَ لَائِقٌ هُنَا زَادَ
شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ نَهْيًا
أَيْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ ذَلِكَ وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ فِي
رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا
رُقْيَةٌ قُلْتُ أُلْقِيَ فِي رُوعِي وللدَّارَقُطْنِيِّ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْءٌ
أُلْقِيَ فِي رُوعِي وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مُتَقَدِّمٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ
الرُّقَى بِالْفَاتِحَةِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ
لَمَّا رَجَعَ مَا كُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً كَمَا وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ قَوْلُهُ ثُمَّ
قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَوَّبَ
فِعْلَهُمْ فِي الرُّقْيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي
تَوَقُّفِهِمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْجُعْلِ حَتَّى
اسْتَأْذَنُوهُ وَيحْتَمل أَعم من ذَلِك قَوْله وضربوا لِي
مَعَكُمْ سَهْمًا أَيِ اجْعَلُوا لِي مِنْهُ نَصِيبًا
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْنِيسِهِمْ
كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ
وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ هَذِهِ
الطَّرِيقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَصَلَهَا التِّرْمِذِيُّ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ
شُعْبَةَ لَكِنْ بِالْعَنْعَنَةِ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ
فِي عَزْوِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ كَوْنِهِ فِي
الْبُخَارِيِّ وَغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ
فَعَابَ عَلَى مَنْ نَسَبَهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَفِي
الْحَدِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ
وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا كَانَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
الْمَأْثُورِ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْثُورِ مِمَّا لَا
يُخَالِفُ مَا فِي الْمَأْثُورِ وَأَمَّا الرُّقَى بِمَا
سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُهُ
وَلَا مَا يَنْفِيهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا
فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الضِّيَافَةِ
عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي وَالنُّزُولُ عَلَى مِيَاهِ
الْعَرَبِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْقِرَى
أَوِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ مُقَابَلَةُ مَنِ امْتَنَعَ مِنَ
الْمَكْرُمَةِ بِنَظِيرِ صَنِيعِهِ لِمَا صَنَعَهُ
الصَّحَابِيُّ مِنَ الِامْتِنَاعِ مِنَ الرُّقْيَةِ فِي
مُقَابَلَةِ امْتِنَاعِ أُولَئِكَ مِنْ ضِيَافَتِهِمْ
وَهَذِهِ طَرِيقُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجرا وَلَمْ
يَعْتَذِرِ الْخَضِرُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرٍ
خَارِجِيٍّ وَفِيهِ إِمْضَاءُ مَا يَلْتَزِمُهُ الْمَرْءُ
عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْتَزَمَ أَنْ
يَرْقِيَ وَأَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ
وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَفِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي
الْمَوْهُوبِ إِذَا كَانَ أَصْلُهُ مَعْلُومًا وَجَوَازُ
طَلَبِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ يُعْلَمُ رَغْبَتُهُ فِي
ذَلِكَ وَإِجَابَتُهُ إِلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَبْضِ
الشَّيْءِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْحِلُّ وَتَرْكِ
التَّصَرُّفِ فِيهِ إِذَا عَرَضَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ وَفِيهِ
الِاجْتِهَادُ عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَعَظَمَةُ
الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا
الْفَاتِحَةَ وَفِيهِ أَنَّ الرِّزْقَ الْمَقْسُومَ لَا
يَسْتَطِيعُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مَنْعُهُ مِمَّنْ قُسِمَ
لَهُ لِأَنَّ أُولَئِكَ مَنَعُوا الضِّيَافَةَ وَكَانَ
اللَّهُ قَسَمَ لِلصَّحَابَةِ فِي مَالِهِمْ نَصِيبًا
فَمَنَعُوهُمْ فَسَبَّبَ لَهُمْ لَدْغَ الْعَقْرَبِ حَتَّى
سِيقَ لَهُمْ مَا قُسِمَ لَهُمْ وَفِيهِ الْحِكْمَةُ
الْبَالِغَةُ حَيْثُ اخْتَصَّ بِالْعِقَابِ مَنْ كَانَ
رَأْسًا فِي الْمَنْعِ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ
الِائْتِمَارُ بِأَمْرِ كَبِيرِهِمْ فَلَمَّا كَانَ
رَأْسَهُمْ فِي الْمَنْعِ اخْتُصَّ بِالْعُقُوبَةِ
دُونَهُمْ جَزَاء
(4/457)
وِفَاقًا وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ
أَيْضًا إِرَادَةُ الْإِجَابَةِ إِلَى مَا يَلْتَمِسُهُ
الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الشِّفَاءُ وَلَوْ كَثُرَ لِأَنَّ
الْمَلْدُوغَ لَوْ كَانَ مِنْ آحَادِ النَّاسِ لَعَلَّهُ
لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَطْلُوب مِنْهُم
(قَوْلُهُ بَابُ ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ)
وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الْإِمَاءِ الضَّرِيبَةُ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مَا
يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ
وَضَرَائِبُ جَمْعُهَا وَيُقَالُ لَهَا خَرَاجٌ وَغَلَّةٌ
بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَأَجْرٌ وَقَدْ وَقَعَ جَمِيعُ
ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ
حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَ مَوَالِيهِ
فَخَفَّفُوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى
التَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَيَانُ
حُكْمِ ذَلِكَ وَفِي تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ
وَسَأَذْكُرُ كَمْ كَانَ قَدْرُ الضَّرِيبَةِ بَعْدَ بَاب
وَأما ضَرَائِب الْإِمَاء فَيُؤْخَذ مِنْهُ بِطَرِيقِ
الْإِلْحَاقِ وَاخْتِصَاصُهَا بِالتَّعَاهُدِ لِكَوْنِهَا
مَظِنَّةَ تَطَرُّقِ الْفَسَادِ فِي الْأَغْلَبِ وَإِلَّا
فَكَمَا يُخْشَى مِنِ اكْتِسَابِ الْأَمَةِ بِفَرْجِهَا
يُخْشَى مِنِ اكْتِسَابِ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ مَثَلًا
وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ
هُوَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ
الْأَحْمَرِيِّ قَالَ خَطَبَنَا حُذَيْفَةُ حِينَ قَدِمَ
الْمَدَائِنَ فَقَالَ تَعَاهَدُوا ضَرَائِبَ إِمَائِكُمْ
وَهُوَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِلَفْظِ
ضَرَائِبَ غِلْمَانِكُمْ وَاسْمُ الْأَحْمَرِيِّ هَذَا
مَالِكٌ وَأَوْرَدَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي
السُّنَنِ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ شِدَادِ بْنِ
الْفُرَاتِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ شَيْخٌ مِنْ
أَهْلِ الْمَدَائِنِ قَالَ كُنْتُ تَحْتَ مِنْبَرِ
حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ
حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا نُهِيَ عَنْ
كَسْبِ الْأَمَةِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ وَقَالَ
بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ كَأَنَّهُ أَرَادَ
بِالتَّعَاهُدِ التَّفَقُّدَ لِمِقْدَارِ ضَرِيبَةِ
الْأَمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ ثَقِيلَةً
فَتَحْتَاجَ إِلَى التَّكَسُّبِ بِالْفُجُورِ
وَدَلَالَتُهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَمْرُهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَخْفِيفِ ضَرِيبَةِ
الْحَجَّامِ فَلُزُومُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ
أَقْعَدُ وَأَوْلَى لأجل الغائلة الْخَاصَّة بهَا قَوْلُهُ
بَابُ خَرَاجِ الْحَجَّامِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ بن
عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَزَادَ
(4/458)
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ
يُعْطِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ وَتَقَدَّمَ فِي
الْبُيُوعِ بِلَفْظِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ
وَعُرِفَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا
كَرَاهَةُ التَّحْرِيم وَكَأن بن عَبَّاسٍ أَشَارَ
بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ كَسْبَ
الْحَجَّامِ حَرَامٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ
ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ
إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالُوا هُوَ كَسْبٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ وَلَيْسَ
بِمُحَرَّمٍ فَحَمَلُوا الزَّجْرَ عَنْهُ عَلَى
التَّنْزِيهِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ وَأَنَّهُ
كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ
الطَّحَاوِيُّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ
الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَافَ
بِالْحِجَامَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى
نَفْسِهِ مِنْهَا وَيَجُوزُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى
الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا
لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ
أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ فَذَكَرَ
لَهُ الْحَاجَةَ فَقَالَ اعْلِفْهُ نَوَاضِحَكَ أَخْرَجَهُ
مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَرِجَالُهُ
ثِقَاتٌ وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ أَجْرَ
الْحَجَّامِ إِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ
الَّتِي تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ إِعَانَةً
لَهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لَهُ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي
لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا وَجمع بن
الْعَرَبِيِّ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَبَيْنَ
إِعْطَائِهِ الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ
الْجَوَازِ مَا إِذَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى عَمَلٍ
مَعْلُومٍ وَيُحْمَلُ الزَّجْرُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ
عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَفِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ
الْحِجَامَةِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا يُتَدَاوَى مِنْ
إِخْرَاجِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ
لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَفِيهِ الْأُجْرَةُ عَلَى
الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ
الْحُقُوقِ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْهَا وَجَوَازُ
مُخَارَجَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ
أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَكْتَسِبَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي
كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَمَا زَادَ فَهُوَ لَك وَفِيهِ
اسْتِعْمَالُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ
الْخَاصِّ إِذَا كَانَ قَدْ تَضَمَّنَ تَمْكِينُهُ مِنَ
الْعَمَلِ إِذْنه الْعَام
[2280] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ هُوَ
الْأَنْصَارِيُّ وَلَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي
الْبُخَارِيِّ إِلَّا عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ
حَدِيثٌ فِي الطَّهَارَةِ وَآخر فِي الصَّلَاة وَهَذَا
وَهُوَ جَمِيع مَاله عِنْدَهُ قَوْلُهُ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِيهِ
إِشْعَارٌ بِالْمُوَاظَبَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ فِيهِ
إِثْبَاتُ إِعْطَائِهِ أُجْرَةَ الْحَجَّامِ بِطَرِيقِ
الِاسْتِنْبَاطِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا
فَفِيهَا الْجَزْمُ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيق التَّنْصِيص |