فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ)
أَي بَيَان فَضله وروى بن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير من
حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَا يَسْتَطِيعُ نَاصِيَةَ فَرَسٍ
[2853] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ هُوَ
الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ
لَقِيتُهُ بِعَسْقَلَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ
وَمَا أَخْرَجَ عَنْهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ
فِي مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا وَآخَرَ فِي آخِرِ
كِتَابِ الْقَدَرِ قَرَنَهُ فِيهِ بِبِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ
وَقد تعقب بن أَبِي حَاتِمٍ تَسْمِيَتَهُ عَلَى
الْبُخَارِيِّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ
أَوْهَامَهُ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّهُ بن الْحُسَيْنِ
بْنِ نَشِيطٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ
بِوَزْنٍ عَظِيمٍ قَالَ وَقَدْ لَقِيَهُ أَبِي
بِعَسْقَلَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ فَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ حَفْصٌ اسْمَ جَدِّهِ وَقَدْ وَقَعَ
لِلْبُخَارِيِّ نِسْبَةُ بَعْضِ مَشَايِخِهِ إِلَى
أَجْدَادِهِمْ قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي
سَعِيدٍ هُوَ الْمِصْرِيُّ نَزِيلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي
الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ قَالَ أَبُو
سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ مَا رَوَى حَدِيثًا مُسْنَدًا
غَيْرَهُ قَوْلُهُ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ أَيِ الَّذِي
وَعَدَ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ
إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعَادِ كَمَا أَنَّ فِي لَفْظِ
الْإِيمَانِ إِشَارَةً إِلَى الْمَبْدَإِ وَقَوْلُهُ
شِبَعَهُ بِكَسْرٍ أَوَّلِهِ أَيْ مَا يَشْبَعُ بِهِ
وَكَذَا قَوْلُهُ رِيَّهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ
التَّحْتَانِيَّةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ
يَزِيدَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمَاضِي
وَمَنْ رَبَطَهَا رِيَاءً وَسُمْعَةً الْحَدِيثَ وَقَالَ
فِيهِ فَإِنَّ شِبَعَهَا وَجُوعَهَا إِلَخْ خُسْرَانٌ فِي
مَوَازِينِهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ جَوَازُ وَقْفِ الْخَيْلِ لِلْمُدَافَعَةِ عَنِ
الْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ وَقْفِ
غَيْرِ الْخَيْلِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ وَمِنْ غَيْرِ
الْمَنْقُولَاتِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَقَوْلُهُ
وَرَوْثَهُ يُرِيدُ ثَوَابَ ذَلِكَ لَا أَنَّ الْأَرْوَاثَ
بِعَيْنِهَا تُوزَنُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ يُؤْجَرُ
بِنِيَّتِهِ كَمَا يُؤْجَرُ الْعَامِلُ وَأَنَّهُ لَا
بَأْسَ بِذِكْرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْذَرِ بِلَفْظِهِ
لِلْحَاجَةِ لِذَلِكَ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ
يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ
الْحَسَنَاتِ تُقْبَلُ مِنْ صَاحِبِهَا لِتَنْصِيصِ
الشَّارِعِ على أَنَّهَا فِي ميزانية بِخِلَافِ غَيْرِهَا
فَقَدْ لَا تُقْبَلُ فَلَا تَدْخُلُ الْمِيزَان وروى بن
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَرْفُوعًا مَنِ
ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَالَجَ
عَلَفَهُ بِيَدِهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ حَسَنَةٌ
(6/57)
قَوْلُهُ بَابُ اسْمِ الْفَرَسِ
وَالْحِمَارِ أَيْ مَشْرُوعِيَّةُ تَسْمِيَتِهِمَا وَكَذَا
غَيْرُهُمَا مِنَ الدَّوَابِّ بِأَسْمَاءٍ تَخُصُّهَا
غَيْرَ أَسْمَاءِ أَجْنَاسِهَا وَقَدِ اعْتَنَى مَنْ
أَلَّفَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِسَرْدِ أَسْمَاءِ
مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ خَيْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَوَابِّهِ وَفِي
الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا
يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ ذَكَرَ أَنْسَابَ بَعْضِ الْخُيُولِ
الْعَرَبِيَّةِ الْأَصِيلَةِ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ تُوضَعُ
لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَذَكَرَ
الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ
الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ صَيْدِ
الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ
فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالْغَرَضُ مِنْهُ
[2854] قَوْلُهُ فِيهِ فَرَكِبَ فَرَسًا يُقَالُ لَهُ
الْجَرَادَةُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ
الرَّاءِ وَالْجَرَادُ اسْمُ جِنْسٍ وَوَقَعَ فِي
السِّيرَةِ لِابْنِ هِشَامٍ أَنَّ اسْمَ فَرَسِ أَبِي
قَتَادَةَ الْحَزْوَةُ أَيْ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ
وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا وَاوٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
لَهَا اسْمَانِ وَإِمَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا تَصَحَّفَ
وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ هُوَ
الْمُقَدَّمِيُّ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ
أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ
مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَهُوَ غَلَطٌ الثَّانِي حَدِيثُ
سهل وَهُوَ بن سعد السَّاعِدِيّ
(6/58)
[2855] قَوْلُهُ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ
يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّصْغِيرِ قَالَ بن قرقول
وضبطوه عَن بن سِرَاجٍ بِوَزْنِ رَغِيفٍ قُلْتُ
وَرَجَّحَهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْهَرَوِيُّ
وَقَالَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِطُولِ ذَنَبِهِ فَعِيلٌ
بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَكَأَنَّهُ يُلْحِفُ الْأَرْضَ
بِذَنَبِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمُ اللُّخَيْفُ
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَوْا فِيهِ الْوَجْهَيْنِ
وَهَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ
بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ أَخُو أُبَيِّ بْنِ عَبَّاس وَلَفظه
عِنْد بن مَنْدَهْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ وَالِدِ
سَهْلٍ ثَلَاثَةُ أَفْرَاسٍ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّيهِنَّ لِزَازَ
بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِزَايَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ
وَالظَّرِبَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
بَعْدَهَا مُوَحدَة واللخيف وَحكى سبط بن الْجَوْزِيِّ
أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَيَّدَهُ بِالتَّصْغِيرِ
وَالْمُعْجَمَةِ قَالَ وَكَذَا حَكَاهُ بن سَعْدٍ عَنِ
الْوَاقِدِيِّ وَقَالَ أَهْدَاهُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ
أَبِي الْبَرَاءِ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْعَامِرِيُّ
وَأَبُوهُ الَّذِي يُعْرَفُ بِمُلَاعِبِ الْأَسِنَّةِ
انْتَهَى وَوَقَعَ عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ أَهْدَاهُ
لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَحكى بن الْأَثِيرِ فِي
النِّهَايَةِ أَنَّهُ رُوِي بِالْجِيمِ بَدَلَ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغِيثِ
ثُمَّ قَالَ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ سَهْمٌ عَرِيضُ النصل
كَأَنَّهُ سمي بذلك لسرعته وَحكى بن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ
رُوِيَ بِالنُّونِ بَدَلَ اللَّامِ مِنَ النَّحَافَةِ
الثَّالِثُ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
[2856] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ هُوَ
الْأَوْدِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ
مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ أَدْرَكَ
الْجَاهِلِيَّةَ فِي أَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَبُو
إِسْحَاقَ الرَّاوِي عَنْهُ هُوَ السَّبِيعِيُّ
وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا الصَّحَابِيَّ
وَأَبُو الْأَحْوَصِ شَيْخُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ فِيهِ
كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ سَلَّامٌ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ بن
سَلِيمٍ وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ كَلَامُ الْمِزِّيِّ
لَكِنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ النَّسَائِيُّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ
الْمَخْزُومِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ شَيْخِ شَيْخِ
الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهُ
لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ وَكُنْيَةُ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ أَبُو
الْأَحْوَصِ فَهُوَ هُوَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى
ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ هَنَّادِ بْنِ
السَّرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا هُوَ سَلَّامُ بْنُ
سَلِيمٍ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَهَنَّادًا أَدْرَكَاهُ
وَلَمْ يُدْرِكَا عَمَّارًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ
بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُصَغَّرٌ مَأْخُوذٌ مِنَ
الْعَفْرِ وَهُوَ لَوْنُ التُّرَابِ كَأَنَّهُ سُمِّيَ
بِذَلِكَ لِلَوْنِهِ وَالْعُفْرَةُ حُمْرَةٌ يُخَالِطُهَا
بَيَاضٌ وَهُوَ تَصْغِيرُ أَعْفَرَ أَخْرَجُوهُ عَنْ
بِنَاءِ أَصْلِهِ كَمَا قَالُوا سُوَيْدٌ فِي تَصْغِيرِ
أَسْوَدَ وَوَهِمَ مَنْ ضَبَطَهُ بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ الْحِمَارِ الْآخَرِ الَّذِي
يُقَالُ لَهُ يَعْفُور وَزعم بن عَبْدُوسٍ أَنَّهُمَا
وَاحِدٌ وَقَوَّاهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ وَرَدَّهُ
الدِّمْيَاطِيُّ فَقَالَ عُفَيْرٌ أَهْدَاهُ الْمُقَوْقِسُ
وَيَعْفُورُ أَهْدَاهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ
بِالْعَكْسِ وَيَعْفُورٌ بِسُكُونِ الْمُهْمِلَةِ وَضَمِّ
الْفَاءِ هُوَ اسْمُ وَلَدِ الظَّبْيِ كَأَنَّهُ سُمِّيَ
بِذَلِكَ لِسُرْعَتِهِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ نَفَقَ
يَعْفُورٌ مُنْصَرَفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبِهِ جَزَمَ
النَّوَوِيُّ عَنِ بن الصَّلَاحِ وَقِيلَ طَرَحَ نَفْسَهُ
فِي بِئْرٍ يَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقع ذَلِك فِي حَدِيث طَوِيل ذكره بن
حِبَّانَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْثَدٍ فِي
الضُّعَفَاءِ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَهُ مِنْ خَيْبَرَ وَأَنَّهُ
كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ وَأَنَّهُ
خَرَجَ مِنْ جَدِّهِ سِتُّونَ حِمَارًا لِرُكُوبِ
الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرِي
وَأَنْتَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ فَسَمَّاهُ يَعْفُورًا
وَكَانَ يَرْكَبُهُ فِي حَاجَتِهِ وَيُرْسِلُهُ إِلَى
الرَّجُلِ فَيَقْرَعُ بَابَهُ بِرَأْسِهِ فَيَعْرِفُ
أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى بِئْرِ
أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ فَتَرَدَّى فِيهَا
فَصَارَت قَبره قَالَ بن حِبَّانَ لَا أَصْلَ لَهُ
وَلَيْسَ سَنَدُهُ
(6/59)
بِشَيْءٍ قَوْلُهُ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا
تُشْرِكُوا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ
تَعْبُدُوا بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ قَوْلُهُ فَيَتَّكِلُوا
بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ بِسُكُونِ النُّونِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرَ كِتَابِ الْعِلْمِ
وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يُسَمِّ فِيهِ
الْحِمَارَ وَنَسْتَكْمِلُ بَقِيَّةُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ فِي
الْعِلْمِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيْضًا
لَكِنْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ
اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فَهُمَا حَدِيثَانِ وَوَهِمَ
الْحُمَيْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ جَعَلُوهُمَا
حَدِيثًا وَاحِدًا نَعَمْ وَقَعَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا
مَنْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ
بِذَلِكَ النَّاسَ لِئَلَّا يتكلوا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَا حَدِيثًا وَاحِدًا وَزَادَ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْعِلْمِ فَأخْبر بهَا معَاذ
عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ هُنَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ
فِي فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ
الْهِبَةِ مَعَ شَرْحِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ
بِهِ هُنَا
(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ)
أَيْ هَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ
الْخَيْلِ وَهَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ مُؤَوَّلٌ
وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ بِإِيرَادِ
حَدِيث سهل بعد حَدِيث بن عمر إِلَى أَن الْحصْر الَّذِي
فِي حَدِيث بن عُمَرَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ
وَبِتَرْجَمَةِ الْبَابِ الَّذِي بعده وَهِي الْخَيل
لثَلَاثَة إِلَى أَنَّ الشُّؤْمَ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ
الْخَيْلِ دُونَ بَعْضٍ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ لَطِيفِ
نَظَرِهِ وَدَقِيقِ فِكْرِهِ
[2858] قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ كَذَا صَرَّحَ
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيّ بأخبار سَالم لَهُ وشذ بن أَبِي
ذِئْبٍ فَأَدْخَلَ بَيْنَ الزُّهْرِيِّ وَسَالِمٍ
مُحَمَّدَ بن زبيد بن قنقد وَاقْتصر شُعَيْب على سَالم
وَتَابعه بن جريج عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ
وَكَذَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ وَكَذَا قَالَ
أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ وَنقل
التِّرْمِذِيّ عَن بن الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيِّ
أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ لَمْ يَرْوِ الزُّهْرِيُّ
هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنْ سَالِمٍ انْتَهَى وَكَذَا
قَالَ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ إِنَّمَا نَحْفَظُهُ عَنْ
سَالِمٍ لَكِنَّ هَذَا الْحَصْرَ مَرْدُودٌ فَقَدْ حَدَّثَ
بِهِ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ
ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا
وَمَالِكٌ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ وَلَا سِيمَا فِي
حَدِيث الزُّهْرِيّ وَكَذَا رَوَاهُ بن أَبِي عُمَرَ عَنْ
سُفْيَانَ نَفْسِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي رُجُوعَ سُفْيَانَ عَمَّا سَبَقَ
مِنَ الْحَصْرِ وَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَجَعَلَ
رِوَايَةَ بن أَبِي عُمَرَ هَذِهِ مَرْجُوحَةً وَقَدْ
تَابَعَ مَالِكًا أَيْضا يُونُس من رِوَايَة بن وَهْبٍ
عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ وَصَالِحُ بْنُ
كَيْسَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو أُوَيْسٍ عِنْدَ أَحْمد
وَيحيى بن سعيد وبن أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
ثَلَاثَتُهُمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ كُلُّهمْ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بن رَاشِدٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيّ وَكَذَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَأَبُو
عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ
طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ
(6/60)
سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ
فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
أَيْضًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ
بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ مُقْتَصِرًا عَلَى حَمْزَةَ
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الْوَاحِدِ عَنْ مَعْمَرٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى سَالِمٍ
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَجْمَعُهُمَا تَارَةً
وَيُفْرِدُ أَحَدَهُمَا أُخْرَى وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ
فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ سَالِمٍ أَوْ حَمْزَةَ
أَوْ كِلَاهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ غَيْرِ
رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ
عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ إِنَّمَا الشُّؤْمُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ
وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُسَهَّلُ فَتَصِيرُ وَاوًا
قَوْلُهُ فِي ثَلَاث يتَعَلَّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره
كَائِن قَالَه بن الْعَرَبِيِّ قَالَ وَالْحَصْرُ فِيهَا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَادَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْخِلْقَةِ انْتَهَى وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا خُصَّتْ
بِالذِّكْرِ لِطُولِ مُلَازَمَتِهَا وَقَدْ رَوَاهُ
مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَسَائِرُ الرُّوَاةِ بِحَذْفِ
إِنَّمَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ لَا
عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي
الثَّلَاثَةِ قَالَ مُسلم لم يذكر أحد فِي حَدِيث بن
عُمَرَ لَا عَدْوَى إِلَّا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قُلْتُ
وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ إِنْ
تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ الْحَدِيثَ وَالطِّيَرَةُ
وَالشُّؤْمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ فِي
أَوَاخِرِ شَرْحِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّؤْمَ وَالطِّيرَةَ فِي
هَذِهِ الثَّلَاثَة قَالَ بن قُتَيْبَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ
أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ
فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَعْلَمَهُمْ أَنْ لَا طِيرَةَ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ
يَنْتَهَوا بَقِيَتِ الطِّيرَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ
الثَّلَاثَةِ قُلْتُ فَمشى بن قُتَيْبَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ
وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ تَشَاءَمَ بِشَيْءٍ
مِنْهَا نَزَلَ بِهِ مَا يَكْرَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ
وَلَا يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى مَا كَانَتِ
الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ
يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ
وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ أَكْثَرُ
مَا يَتَطَيَّرُ بِهِ النَّاسُ فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ
شَيْءٌ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ
غَيْرَهُ قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عمر
الْعَسْقَلَانِي وَهُوَ بْنِ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَن بن عُمَرَ
كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ ذَكَرُوا
الشُّؤْمَ فَقَالَ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي
وَلِمُسْلِمٍ إِنْ يَكُ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ وَفِي
رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ
فِي شَيْءٍ وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ثَانِي
حَدِيثَيِ الْبَابِ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَزْم بذلك
بِخِلَاف رِوَايَة الزُّهْرِيّ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ
مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ خَلَقَ اللَّهُ الشُّؤْمَ فِي شَيْءٍ
مِمَّا جَرَى مِنْ بَعْضِ الْعَادَةِ فَإِنَّمَا
يَخْلُقُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ
مُجْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ
حَقًّا فَهَذِهِ الثَّلَاثُ أَحَقُّ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ
النُّفُوسَ يَقَعُ فِيهَا التَّشَاؤُمُ بِهَذِهِ أَكْثَرُ
مِمَّا يَقَعُ بِغَيْرِهَا وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّهَا أَنْكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ فَرَوَى أَبُو
دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ قِيلَ لِعَائِشَةَ
إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّؤْمُ فِي
ثَلَاثَةٍ فَقَالَتْ لَمْ يَحْفَظْ إِنَّهُ دَخَلَ وَهُوَ
يَقُولُ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ يَقُولُونَ الشُّؤْمُ
فِي ثَلَاثَةٍ فَسَمِعَ آخِرَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْمَعْ
أَوَّلَهُ قُلْتُ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
عَائِشَةَ فَهُوَ مُنْقَطع لَكِن روى أَحْمد وبن
خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ
أَبِي حَسَّانَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ
دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ الطِّيرَةُ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ
وَالدَّارِ فَغَضِبَتْ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَتْ مَا
قَالَهُ وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ
كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى وَلَا
مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ
مُوَافَقَةِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي
ذَلِكَ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ
سِيقَ لِبَيَانِ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لَا
أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثُبُوتِ ذَلِكَ وَسِيَاقُ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا
يُبْعِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذَا
جَوَابٌ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يُبْعَثْ لِيُخْبِرَ النَّاسَ عَنْ
مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاصِلَةِ وَإِنَّمَا
بُعِثَ لِيُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ
يَعْتَقِدُوهُ انْتَهَى
(6/61)
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ لَا شُؤْمَ وَقَدْ يكون الْيمن فِي الْمَرْأَةِ
وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ فَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ مَعَ
مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ سَمِعْتُ مَنْ
يُفَسِّرُ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ شُؤْمُ الْمَرْأَةِ
إِذَا كَانَتْ غَيْرَ وَلُودٍ وَشُؤْمُ الْفَرَسِ إِذَا
لَمْ يُغْزَ عَلَيْهِ وَشُؤْمُ الدَّارِ جَارُ السَّوْءِ
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الطِّبّ عَن بن الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ كَمْ مِنْ دَارٍ
سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا قَالَ الْمَازِرِيُّ
فَيَحْمِلُهُ مَالِكٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ
قَدَرَ اللَّهِ رُبَمَا اتَّفَقَ مَا يُكْرَهُ عِنْدَ
سُكْنَى الدَّارِ فَتَصِيرُ فِي ذَلِكَ كَالسَّبَبِ
فَتَسَامَحَ فِي إِضَافَة الشَّيْء إِلَيْهِ اتساعا
وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَمْ يُرِدْ مَالِكٌ إِضَافَةَ
الشُّؤْمِ إِلَى الدَّارِ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ
جَرْيِ الْعَادَةِ فِيهَا فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ
يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْخُرُوجُ عَنْهَا صِيَانَةً
لِاعْتِقَادِهِ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالْبَاطِلِ وَقِيلَ
مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَطُولُ
تَعْذِيبُ الْقَلْبِ بِهَا مَعَ كَرَاهَةِ أَمْرِهَا
لِمُلَازَمَتِهَا بِالسُّكْنَى والصحبية وَلَوْ لَمْ
يَعْتَقِدِ الْإِنْسَانُ الشُّؤْمَ فِيهَا فَأَشَارَ
الْحَدِيثُ إِلَى الْأَمْرِ بِفِرَاقِهَا لِيَزُولَ
التَّعْذِيبُ قُلْتُ وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بن
الْعَرَبِيِّ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ مَالِكٍ أَوْلَى
وَهُوَ نَظِيرُ الْأَمْرِ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ
مَعَ صِحَّةِ نَفْيِ الْعَدْوَى وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ
حَسْمُ الْمَادَّةِ وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا
يُوَافِقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَدَرَ فَيَعْتَقِدُ مَنْ
وَقَعَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَدْوَى أَوْ مِنَ
الطِّيرَةِ فَيَقَعُ فِي اعْتِقَادِ مَا نُهِيَ عَنِ
اعْتِقَادِهِ فَأُشِيرَ إِلَى اجْتِنَابِ مِثْلِ ذَلِكَ
وَالطَّرِيقُ فِيمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ
مَثَلًا أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْهَا
لِأَنَّهُ مَتَى اسْتَمَرَّ فِيهَا رُبَّمَا حَمَلَهُ
ذَلِكَ عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ الطِّيرَةِ
وَالتَّشَاؤُمِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا
وَأَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إِلَى أُخْرَى فَقَلَّ
فِيهَا ذَلِكَ فَقَالَ ذَرُوهَا ذَمِيمَةً وَأخرج من
حَدِيث فَرْوَة بن مسيك بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغرًا مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السَّائِلُ وَلَهُ شَاهِدٌ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ
أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَلَهُ رِوَايَةٌ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَالَ بن العَرْبِيِّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ مُنْقَطِعًا قَالَ وَالدَّارُ الْمَذْكُورَةُ فِي
حَدِيثِهِ كَانَتْ دَارَ مُكْمِلٍ بِضَمِّ الْمِيمِ
وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمِيم بعْدهَا لَام وَهُوَ
بن عَوْفٍ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ
وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا
لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا وَلَيْسَ كَمَا
ظَنُّوا لَكِنَّ الْخَالِقَ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَ ذَلِكَ
وَفْقًا لِظُهُورِ قَضَائِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ
مِنْهَا لِئَلَّا يَقَعَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْء
فيستمر اعْتِقَادهم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَأَفَادَ
وَصْفُهَا بِكَوْنِهَا ذَمِيمَةً جَوَازَ ذَلِكَ وَأَنَّ
ذِكْرَهَا بِقَبِيحٍ مَا وَقَعَ فِيهَا سَائِغٌ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا وَلَا
يَمْتَنِعُ ذَمُّ مَحَلِّ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ كَانَ
لَيْسَ مِنْهُ شَرْعًا كَمَا يُذَمُّ الْعَاصِي عَلَى
مَعْصِيَتِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ
تَعَالَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ
غَيْرِ الْجِنْسِ وَمَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَذْهَبِ
الْجَاهِلِيَّةِ فِي التَّطَيُّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنْ
كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوِ
امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ يَكْرَهُ
سَيْرَهُ فَلْيُفَارِقْهُ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ شُؤْمَ
الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِوَارِهَا وَشُؤْمَ
الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَلِدَ وَشُؤْمَ الْفَرَسِ أَنْ لَا
يُغَزَى عَلَيْهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى مَا جَاءَ
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ الدِّمْيَاطِيُّ فِي
الْخَيْلِ إِذَا كَانَ الْفَرَسُ ضَرُوبًا فَهُوَ
مَشْئُومٌ وَإِذَا حَنَّتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَعْلِهَا
الْأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ وَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ
بَعِيدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يُسْمَعُ مِنْهَا
الْأَذَانُ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ وَقِيلَ كَانَ قَوْلُهُ
ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفسكُم الا فِي كتاب الْآيَة
حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ
بِالِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ
وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ فِي نَفْسِ هَذَا الْخَبَرِ
نَفْيُ التَّطَيُّرِ ثُمَّ إِثْبَاتُهُ فِي الْأَشْيَاءِ
الْمَذْكُورَةِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الشُّؤْمُ عَلَى قِلَّةِ
الْمُوَافَقَةِ وَسُوءِ الطِّبَاعِ وَهُوَ كَحَدِيثِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ مِنْ سَعَادَة
(6/62)
الْمَرْءِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ
وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ وَمِنْ
شَقَاوَةِ الْمَرْءِ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ
السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَهَذَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ
الْمَذْكُورَةِ دُونَ بَعْضٍ وَبِهِ صَرَّحَ بن عَبْدِ
الْبَرِّ فَقَالَ يَكُونُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَذَلِكَ
كُلُّهُ بِقَدَرِ اللَّهِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ مَا
حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ الشُّؤْمُ فِي
ثَلَاثَةٍ مَنِ الْتَزَمَ التَّطَيُّرَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ
صَرْفَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ
ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلَازِمُ فِي
غَالِبِ الْأَحْوَالِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ
فَاتْرُكُوهَا عَنْكُمْ وَلَا تُعَذِّبُوا أَنْفُسَكُمْ
بِهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْدِيرُهُ الْحَدِيثَ
بِنَفْي الطَّيرَة وَاسْتدلَّ لذَلِك بِمَا أخرجه بن
حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ لَا طِيرَةَ وَالطِّيرَةُ
عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ وَإِنْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ فَفِي
الْمَرْأَةِ الْحَدِيثَ وفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ
مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ وَعُتْبَةُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى
بَقِيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَيُّرِ وَالْفَأْلِ فِي
آخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْمِيلٌ اتَّفَقَتِ الطُّرْقُ
كُلُّهَا عَلَى الِاقْتِصَارِ على الثَّلَاثَة
الْمَذْكُورَة وَوَقع عِنْد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ مَعْمَرٌ قَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ وَالسَّيْفُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَاهُ
جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الزُّهْرِيِّ وَلَمْ
يَنْفَرِدْ بِهِ جُوَيْرِيَةُ بَلْ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ
دَاوُدَ عَنْ مَالِكٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
أَيْضًا قَالَ وَالْمُبْهَمُ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ سَمَّاهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيّ فِي
رِوَايَته قلت أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
مَوْصُولًا فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ
زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
أَنَّهَا حَدَّثَتْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَزَادَتْ
فِيهِنَّ وَالسَّيْفِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ الْمَذْكُورُ
هُوَ بن بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ
أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ حَدِيثَ
الْبَابِ مِنْ طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
فَأَدْرَجَ فِيهِ السَّيْفَ وَخَالَفَ فِيهِ فِي
الْإِسْنَادِ أَيْضًا
[2859] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ
دِينَارٍ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي
الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ كَذَا فِي جَمِيعِ
النُّسَخِ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّإِ لَكِنْ زَادَ فِي
آخِرِهِ يَعْنِي الشُّؤْمَ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مَالِكٍ
بِلَفْظِ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي
الْمَرْأَةِ إِلَخْ أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ
لَكِنْ لَمْ يَقُلْ إِسْمَاعِيلُ فِي شَيْءٍ وَأَخْرَجَهُ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ
رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ
ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ
فَذَكَرَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفظه
(6/63)
(قَوْلُهُ بَابُ الْخَيْلِ لِثَلَاثَةٍ)
هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَدْرِ الْحَدِيثِ وَأَحَالَ
بِتَفْسِيرِهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَقَدْ فَهِمَ
بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْهُ الْحَصْرَ فَقَالَ اتِّخَاذُ
الْخَيْلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا أَوْ
مُبَاحًا أَوْ مَمْنُوعًا فَيَدْخُلُ فِي الْمَطْلُوبِ
الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَيَدْخُلُ فِي الْمَمْنُوعِ
الْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ
الْمَقَاصِدِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُبَاحَ
لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقِسْمَ
الثَّانِيَ الَّذِي يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ جَاءَ
مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا
فَيَلْتَحِقُ بِالْمَنْدُوبِ قَالَ وَالسِّرُّ فِيهِ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبًا
إِنَّمَا يَعْتَنِي بِذِكْرِ مَا فِيهِ حَضٌّ أَوْ مَنْعٌ
وَأَمَّا الْمُبَاحُ الصِّرْفُ فَيَسْكُتُ عَنْهُ لِمَا
عُرِفَ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ عَفْوٌ وَيُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ فِي الْأَصْلِ
الْمُبَاحُ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى
النَّدْبِ بِالْقَصْدِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ
فَإِنَّهُ مِنَ ابْتِدَائِهِ مَطْلُوبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ الْآيَةَ أَيْ أَنَّ اللَّهَ
خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَمَنِ اسْتَعْمَلَهَا
فِي ذَلِكَ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فَإِنِ اقْتَرَنَ
بِفِعْلِهِ قَصْدُ طَاعَةٍ ارْتَقَى إِلَى النَّدْبِ أَوْ
قَصْدُ مَعْصِيَةٍ حَصَلَ لَهُ الْإِثْمُ وَقَدْ دَلَّ
حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ قَوْلُهُ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ
قَوْلُهُ الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ وَوَجْهُ الْحَصْرِ
فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الَّذِي يَقْتَنِي الْخَيْلَ
إِمَّا أَنْ يَقْتَنِيَهَا لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ
وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ فِعْلُ
طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أوَ مَعْصِيَتُهُ
وَهُوَ الْأَخِيرُ أَوْ يَتَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ
الثَّانِي
[2860] قَوْلُهُ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي وَالْمَرْجُ مَوْضِعُ الْكَلَإِ وَأَكْثَرُ مَا
يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ وَالرَّوْضَةُ
أَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ
وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْوَاثُهَا
وَآثَارُهَا قَبْلَ بَابَيْنِ قَوْلُهُ فَمَا أَصَابَتْ
فِي طِيَلِهَا بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي
تُرْبَطُ بِهِ وَيُطَوَّلُ لَهَا لِتَرْعَى وَيُقَالُ لَهُ
طِوَلٌ بِالْوَاو الْمَفْتُوحَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ
فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ
الِاسْتِنَانِ هُنَاكَ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ
يَسْقِيَهَا فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ عَلَى
التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَعُ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ إِذَا
قَصَدَ أَصْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ
التَّفَاصِيلَ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاح
فَقَالَ بن الْمُنِيرِ قِيلَ إِنَّمَا أُجِرَ لِأَنَّ
ذَلِكَ وَقْتٌ لَا يَنْتَفِعُ بِشُرْبِهَا فِيهِ
فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ وَقِيلَ إِنَّ
الْمُرَادَ حَيْثُ تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ
إِذْنِهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا لِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ
وَكُلُّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنِ الْقَصْدِ قَوْلُهُ رَجُلٌ
رَبَطَهَا فَخْرًا هَكَذَا وَقَعَ بِحَذْفِ أَحَدِ
الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مَنْ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا
وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ
فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَتَقَدَّمَ تَامًّا مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي أَوَاخِرَ كِتَابٍ
الشُّرْبِ وَقَوْلُهُ تَغَنِّيًا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ
وَالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ نَونٍ ثَقِيلَةٍ مَكْسُورَةٍ
وَتَحْتَانِيَّةٍ أَيِ اسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ تَقُولُ
تَغَنَّيْتُ بِمَا رَزَقَنِي اللَّهُ تَغَنِّيًا
وَتَغَانَيْتُ تَغَانِيًا وَاسْتَغْنَيْتُ اسْتِغْنَاءً
كُلُّهَا بِمَعْنًى وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي
فَضَائِلِ الْقُرْآنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ
لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ
وَقَوْلُهُ تَعَفُّفًا أَيْ عَنِ السُّؤَالِ وَالْمَعْنَى
أَنَّهُ يَطْلُبُ بِنِتَاجِهَا أَوْ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ
أُجْرَتِهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ
الْغِنَى عَنِ النَّاسِ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ
مَسْأَلَتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ
أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ
سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَعَفُّفًا وَتَكَرُّمًا
وَتَجَمُّلًا وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي
رِقَابِهَا قِيلَ الْمُرَادُ حُسْنُ مِلْكِهَا وَتَعَهُّدُ
شِبَعِهَا وَرِيِّهَا وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهَا فِي
الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا خَصَّ رِقَابَهَا بِالذِّكْرِ
(6/64)
لِأَنَّهَا تُسْتَعَارُ كَثِيرًا فِي
الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
فَتَحْرِير رَقَبَة وَهَذَا جَوَابُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ
الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ إِطْرَاقُ فَحْلِهَا
وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ
بِالْحَقِّ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ وَأَبِي
حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَفُقَهَاءُ
الْأَمْصَارِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا
سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فَخْرًا أَيْ تَعَاظُمًا
وَقَوْلُهُ وَرِيَاءً أَيْ إِظْهَارًا لِلطَّاعَةِ
وَالْبَاطِنُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
سُهَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ
وِزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا
وَبَذَخًا وَرِيَاءً لِلنَّاسِ قَوْلُهُ وَنِوَاءً
لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ هُوَ
مَصْدَرٌ تَقُولُ نَاوَأْتُ الْعَدُوَّ مُنَاوَأَةً
وَنِوَاءً وَأَصْلُهُ مِنْ نَاءَ إِذَا نَهَضَ
وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَادَاةِ قَالَ الْخَلِيلُ
نَاوَأْتُ الرَّجُلَ نَاهَضْتُهُ بِالْعَدَاوَةِ وَحَكَى
عِيَاضٌ عَنِ الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ وَقَعَ
عِنْدَهُ وَنَوَى بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَصْرِ قَالَ
وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ قُلْتُ حَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
عَنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ فَإِنْ
ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ وَبُعْدًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَيْ
مِنْهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ
وَرِيَاءً وَنِوَاءً بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ هَذِهِ
الْأَشْيَاءَ قَدْ تَفْتَرِقُ فِي الْأَشْخَاصِ وَكُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهَا مَذْمُومٌ عَلَى حِدَّتِهِ وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْخَيْلَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي
نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ إِذَا كَانَ
اتِّخَاذُهَا فِي الطَّاعَةِ أَوْ فِي الْأُمُورِ
الْمُبَاحَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ قَوْلُهُ
وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ السَّائِلِ
صَرِيحًا وَسَيَأْتِي مَا قِيلَ فِيهِ فِي كِتَابِ
الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَنِ
الْحُمُرِ فَقَالَ مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلَّا
هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ بِالْفَاء
وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ سَمَّاهَا جَامِعَةً
لِشُمُولِهَا لِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ مِنْ طَاعَةٍ
وَمَعْصِيَةٍ وَسَمَّاهَا فَاذَّةً لِانْفِرَادِهَا فِي
مَعْنَاهَا قَالَ بن التِّينِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ
دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ فِي اقْتِنَاءِ
الْحَمِيرِ طَاعَةً رَأَى ثَوَابَ ذَلِكَ وَإِنْ عَمِلَ
مَعْصِيَةً رَأَى عِقَابَ ذَلِك قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ
تَعْلِيمُ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ شَبَّهَ
مَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ حُكْمَهُ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ
الْحُمُرُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَمَلِ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ
مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِذْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا
قَالَ وَهَذَا نَفْسُ الْقِيَاسِ الَّذِي يُنكره من لَا
فهم عِنْده وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ
مِنَ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ
بِالْعُمُومِ وَإِثْبَاتٌ لِصِيغَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ
أَنْكَرَ أَوْ وَقَفَ وَفِيهِ تَحْقِيقٌ لِإِثْبَاتِ
الْعَمَلِ بِظَوَاهِرَ الْعُمُومِ وَأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ
حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ
إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ الْخَاصِّ الْمَنْصُوصِ
وَالْعَامِّ الظَّاهِرِ وَأَنَّ الظَّاهِر دون الْمَنْصُوص
فِي الدّلَالَة
(6/65)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ
غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ)
أَيْ إِعَانَةً لَهُ وَرِفْقًا بِهِ
[2861] قَوْلُهُ حَدثنَا مُسلم هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ
وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي
الْمَظَالِمِ مُخْتَصَرًا وَسَاقَهُ هُنَا تَامًّا وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ مُسْتَوْفَاةً فِي الشُّرُوطِ
قَوْلُهُ أُمُّ عَمْرَةَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
أَوْ بَدَلَ أُمٍّ قَوْلُهُ فَلْيُعَجِّلْ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ فَلْيَتَعَجَّلْ قَوْلُهُ أَرْمَكَ
بِرَاءٍ وَكَافٍ وَزْنُ أَحْمَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا
خَالَطَ حُمْرَتَهُ سَوَادٌ قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهَا شِيَةٌ
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ
الْخَفِيفَةِ أَيْ عَلَامَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ لُمْعَةٌ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يُرِيدَ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ
وَالنَّاسُ خَلْفِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَامَ
عَلَيَّ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ
كَانَ قَوِيًّا فِي سَيْرِهِ لَا عَيْبَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ
ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ صَارَ قُدَّامَ النَّاسِ فَطَرَأَ
عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْوُقُوفُ قَوْلُهُ إِذْ قَامَ
عَلَيَّ أَيْ وَقَفَ فَلَمْ يَسِرْ من التَّعَب
(قَوْلُهُ بَابُ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ
الصَّعْبَةِ)
بِسُكُونِ الْعَيْنِ أَيِ الشَّدِيدَةِ قَوْلُهُ
وَالْفُحُولَةُ بِالْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ جَمْعُ فَحْلٍ
وَالتَّاءُ فِيهِ لِتَأْكِيدِ الْجَمْعِ كَمَا جَوَّزَهُ
الْكِرْمَانِيُّ وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ رُكُوبَ
الصَّعْبَةِ مِنْ رُكُوبِ الْفَحْلِ لِأَنَّهُ فِي
الْغَالِبِ أَصْعَبُ مُمَارَسَةً من الْأُنْثَى وَأخذ
كَونه كَانَ فحلا من ذكره بضمير الْمُذكر وَقَالَ بن
الْمُنِيرِ هُوَ اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعَوْدَ
يَصِحُّ عَلَى اللَّفْظِ وَلَفْظُ الْفَرَسِ مُذَكَّرٌ
وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ وَعَكَسَهُ
الْجَمَاعَةُ فَيَجُوزُ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ عَلَى
اللَّفْظِ وَعَلَى الْمَعْنَى قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ
الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْفُحُولَةِ إِلَّا
أَنْ نَقُولَ أَثْنَى عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَسَكَتَ عَنِ
الْأُنْثَى فَثَبَتَ التَّفْضِيلُ بِذَلِكَ وَقَالَ بن
بَطَّالٍ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمَدِينَةَ لَمْ تَخْلُ عَنْ
إِنَاثِ الْخَيْلِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جُمْلَةٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ رَكِبُوا غَيْرَ الْفُحُولِ إِلَّا
مَا ذُكِرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَذَا قَالَ
وَهُوَ مَحَلُّ تَوقُّفٍ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
أَنَّ فَرَسَ الْمِقْدَادِ كَانَ أُنْثَى
[2862] قَوْلُهُ وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ
الْمَقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتُضَمُّ وَسُكُونِ
الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ تَابِعِيٌّ
وَسَطٌ شَامِيٌّ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ
وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْأَثَرِ
الْوَاحِدِ قَوْلُهُ كَانَ السَّلَفُ أَيْ مِنَ
الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَوْلُهُ أَجْرَأُ
وَأَجْسَرُ بِهَمْزٍ أَجْرَأُ من الجراءة وَبِغير همز من
الجري وأجسر بِالْجِيمِ وَالْمُهْمَلَةِ مِنَ الْجَسَارَةِ
وَحُذِفَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ اكْتِفَاءً بِالسِّيَاقِ
أَيْ مِنَ الْإِنَاثِ أَوِ الْمَخْصِيَّةِ وَرَوَى أَبُو
عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْخَيْلِ لَهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ نَحْوَ هَذَا الْأَثَرِ وَزَادَ
وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِنَاثَ الْخَيْلِ فِي
الْغَارَاتِ وَالْبَيَاتِ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ فِي الْجِهَادِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَادَةَ بْنِ
نُسَيٍّ
(6/66)
بنُون ومهملة مُصَغرًا وبن مُحَيْرِيزٍ
أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِنَاثَ الْخَيْلِ فِي
الْغَارَاتِ وَالْبَيَاتِ وَلِمَا خَفِيَ مِنْ أُمُورِ
الْحَرْبِ وَيَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَ فِي الصُّفُوفِ
وَالْحُصُونِ وَلِمَا ظَهَرَ مِنْ أُمُورِ الْحَرْبِ
وَرَوَى عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ كَانَ لَا
يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى أُنْثَى لِأَنَّهَا تَدْفَعُ
الْبَوْلَ وَهِيَ أَقَلُّ صَهْلًا وَالْفَحْلُ يَحْبِسُهُ
فِي جَرْيِهِ حَتَّى يَنْفَتِقَ وَيُؤْذِي بِصَهِيلِهِ
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي فَرَسِ
أَبِي طَلْحَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَنَّ
شَرْحَهُ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَأَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ شَيْخُهُ فِيهِ هُوَ الْمَرْوَزِيُّ وَلَقَبُهُ
مَرْدَوَيْهِ وَاسْمُ جَدِّهِ مُوسَى وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ الَّذِي لَقَّبَهُ شَبَّوَيْهِ
وَاسْمُ جَدِّهِ ثَابِتٌ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ
(قَوْلُهُ بَابُ سِهَامِ الْفَرَسِ)
أَيْ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْفَارِسُ مِنَ الْغَنِيمَةِ
بِسَبَبِ فَرَسِهِ
[2863] قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ
وَالْبَرَاذِينِ جَمْعُ بِرْذَوْنٍ بِكَسْرِ
الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ
وَالْمُرَادُ الْجُفَاةُ الْخِلْقَةِ مِنَ الْخَيْلِ
وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَلَهَا
جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ
وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ
لقَوْله تَعَالَى وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير
لتركبوها قَالَ بن بَطَّالٍ وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ
بِالْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ بِرُكُوبِ
الْخَيْلِ وَقَدْ أَسْهَمَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُ الْخَيْلِ يَقَعُ
عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ بِخِلَافِ الْبِغَالِ
وَالْحَمِيرِ وَكَأَنَّ الْآيَةَ اسْتَوْعَبَتْ مَا
يُرْكَبُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِمَا يَقْتَضِيهِ
الِامْتِنَانُ فَلَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْبِرْذَوْنِ
وَالْهَجِينِ فِيهَا دَلَّ عَلَى دُخُولِهَا فِي الْخَيْلِ
قُلْتُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْهَجِينَ لِأَنَّ مَالِكًا
ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْمُوَطَّإِ وَفِيهِ
وَالْهَجِينِ وَالْمُرَادُ بِالْهَجِينِ مَا يَكُونُ
أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَرَبِيًّا وَالْآخَرُ غَيْرَ عَرَبِيٍّ
وَقِيلَ الْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ
وَأَمَّا الَّذِي أَمُّهُ فَقَطْ عَرَبِيَّةٌ فَيُسَمَّى
الْمُقْرَفُ وَعَنْ أَحْمَدَ الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ
وَقَعَ لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَفِي الْمَرَاسِيلِ
لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَّنَ الْهَجِينَ يَوْمَ
خَيْبَرَ وَعَرَّبَ الْعِرَابَ فَجَعَلَ لِلْعَرَبِيِّ
سَهْمَيْنِ وَلِلْهَجِينِ سَهْمًا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ
وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ
الْأَقْمَرِ قَالَ أَغَارَتِ الْخَيْلُ فَأَدْرَكَتِ
الْعِرَابُ وَتَأَخَّرَتِ البراذن فَقَامَ بن الْمُنْذِرِ
الْوَادِعِيُّ فَقَالَ لَا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَنْ
لَمْ يُدْرِكْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ فَقَالَ هَبِلَتِ
الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِهِ أَمْضُوهَا
عَلَى مَا قَالَ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسْهَمَ
لِلْبَرَاذِينِ دُونَ سِهَامِ الْعِرَابِ وَفِي ذَلِكَ
يَقُولُ شَاعِرُهُمْ وَمِنَّا الَّذِي قَدْ سَنَّ فِي
الْخَيْلِ سُنَّةً وَكَانَتْ سَوَاءً قَبْلَ ذَاكَ
سِهَامُهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ أَيْضًا وَقَدْ أَخَذَ
أَحْمَدُ بِمُقْتَضَى حَدِيثِ مَكْحُولٍ فِي الْمَشْهُورِ
عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ وَعَنْهُ إِنْ بَلَغَتِ
الْبَرَاذِينُ مَبَالِغَ الْعَرَبِيَّةِ سَوَّى
بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فُضِّلَتِ الْعَرَبِيَّةُ
وَاخْتَارَهَا الْجَوْزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنِ
اللَّيْثِ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ
(6/67)
دُونَ سَهْمِ الْفَرَسِ قَوْلُهُ وَلَا
يُسْهَمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسِ هُوَ بَقِيَّةُ كَلَامِ
مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ اللَّيْثُ
وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُسْهَمُ
لِفَرَسَيْنِ لَا لِأَكْثَرَ وَفِي ذَلِكَ حَدِيثٌ
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ
أَبِي عَمْرَةَ قَالَ أَسْهَمَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَرَسَيَّ أَرْبَعَةَ
أَسْهُمٍ وَلِي سَهْمًا فَأَخَذْتُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ
يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ إِلَّا مَا رُوِيَ
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ يُسْهَمُ لِكُلِّ
فَرَسٍ سَهْمَانِ بَالِغًا مَا بلغت ولصاحبه سَهْما أَيْ
غَيْرَ سَهْمَيِ الْفَرَسِ قَوْلُهُ عَنْ عُبَيْدِ الله
هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ جَعَلَ لِلْفَرَسِ
سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا أَيْ غَيْرَ سَهْمَيِ
الْفَرَسِ فَيَصِيرُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ
وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنَّ نَافِعًا
فَسَّرَهُ كَذَلِكَ وَلَفْظُهُ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ
فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ
أَحْمَدَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ
ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ
وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَتَبَيَّنُ أَنْ لَا وَهْمَ
فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي
أُسَامَةَ وبن نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ
أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ
عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ وَهِمَ
فِيهِ الرَّمَادِيُّ وَشَيْخُهُ قُلْتُ لَا لِأَنَّ
الْمَعْنَى أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ
سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمه الْمُخْتَص بِهِ وَقد رَوَاهُ بن
أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ فَقَالَ للْفرس وَكَذَلِكَ أخرجه بن أَبِي
عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ لَهُ عَنِ بن أَبِي
شَيْبَةَ وَكَأَنَّ الرَّمَادِيَّ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى
وَقَدْ أخرجه أَحْمد عَن أبي أُسَامَة وبن نُمَيْرٍ مَعًا
بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ
أَيْضًا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ نَعِيمُ بْنُ حَمَّاد عَن بن
الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مِثْلَ رِوَايَةِ
الرَّمَادِيِّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَقد رَوَاهُ عَليّ
بن الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ نُعَيْمٍ
عَن بن الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ
وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَعْضُ مَنِ
احْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إِنْ لِلْفَرَسِ
سَهْمًا وَاحِدًا وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ آخَرُ فَيَكُونُ
لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ فَقَطْ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا
ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ مِنْ حَدِيثُ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ بِالْجِيمِ
وَالتَّحْتَانِيَّةِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي قِصَّةِ
خَيْبَرَ قَالَ فَأَعْطَى لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ
وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَوْ
ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ
الْأَمْرَيْنِ وَالْجَمْعُ بَين الرِّوَايَتَيْنِ أولى
وَلَا سِيمَا والاسانيد الأولة أثْبَتُ وَمَعَ رُوَاتِهَا
زِيَادَةُ عِلْمٍ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى
لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ سَهْمًا
فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلنَّسَائِيِّ
مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ
سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا
لِقَرَابَتِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ انْفَرَدَ
أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ دُونَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ
وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ أُفَضِّلَ
بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ وَهِيَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ
لِأَنَّ السِّهَامَ فِي الْحَقِيقَةِ كُلُّهَا لِلرَّجُلِ
قُلْتُ لَوْ لَمْ يَثْبُتِ الْخَبَرُ لَكَانَتِ
الشُّبْهَةُ قَوِيَّةً لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُفَاضَلَةُ
بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ فَلَوْلَا الْفَرَسُ مَا
ازْدَادَ الْفَارِسُ سَهْمَيْنِ عَنِ الرَّاجِلِ فَمَنْ
جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ
الْفَرَسِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا
أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ
الْبَهِيمَةِ وَالْإِنْسَانِ فَلَمَّا خَرَجَ هَذَا عَنِ
الْأَصْلِ بِالْمُسَاوَاةِ فَلْتَكُنِ الْمُفَاضَلَةُ
كَذَلِكَ وَقَدْ فَضَّلَ الْحَنَفِيَّةُ الدَّابَّةَ عَلَى
الْإِنْسَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَقَالُوا لَوْ
قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ
آلَافٍ أَدَّاهَا فَإِنْ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ
يُؤَدِّ فِيهِ إِلَّا دُونَ عَشَرَةِ آلْافِ دِرْهَمٍ
وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى
الْخَبَرِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا قَالَ
فَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى
لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عمر وَعلي كالجمهور وَاسْتدلَّ
لِلْجُمْهُورِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْفَرَسَ
يَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةٍ لِخِدْمَتِهَا وَعَلَفِهَا
وَبِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْغِنَى فِي الْحَرْبِ
مَا لَا يَخْفَى وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
الْمُشْرِكَ إِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ
(6/68)
وَقَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يُسْهَمُ
لَهُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ كَالشَّعْبِيِّ
وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذْ لَمْ يُرِدْ هُنَا صِيغَةَ
عُمُومٍ وَاسْتَدَلَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ لَمْ
تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَنَا وَسَيَأْتِي فِي
مَكَانِهِ وَفِي الْحَدِيثِ حَضٌّ عَلَى اكْتِسَابِ
الْخَيْلِ وَاتِّخَاذِهَا لِلْغَزْوِ لِمَا فِيهَا مِنَ
الْبَرَكَةِ وَإِعْلَاءِ الْكَلِمَةِ وَإِعْظَامِ
الشَّوْكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوكُمْ
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى الْغَزْوِ وَمَعَهُ
فَرَسٌ فَمَاتَ قَبْلَ حُضُورِ الْقِتَالِ فَقَالَ مَالِكٌ
يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَرَسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
وَالْبَاقُونَ لَا يُسْهَمُ لَهُ إِلَّا إِذَا حَضَرَ
الْقِتَالَ فَلَوْ مَاتَ الْفَرَسُ فِي الْحَرْبِ
اسْتَحَقَّ صَاحِبُهُ وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُهُ اسْتَمَرَّ
اسْتِحْقَاقُهُ وَهُوَ لِلْوَرَثَةِ وَعَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ وَصَلَ إِلَى مَوْضِعِ الْقِتَالِ
فَبَاعَ فَرَسَهُ يُسْهَمُ لَهُ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ
الْبَائِعُ مِمَّا غَنِمُوا قَبْلَ الْعَقْدِ
وَالْمُشْتَرِي مِمَّا بَعْدَهُ وَمَا اشْتَبَهَ قُسِّمَ
وَقَالَ غَيْرُهُ يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ مَنْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ رَاجِلًا لَا
يُقْسَمُ لَهُ إِلَّا سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَوِ اشْتَرَى
فَرَسًا وَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي غُزَاةِ
الْبَحْرِ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يُسْهَمُ لَهُ تَكْمِيلٌ
هَذَا الْحَدِيثُ يَذْكُرُهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي
مَسَائِلِ الْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ أَيْ
إِذَا اقْتَرَنَ الْحُكْمُ بِوَصْفِ لَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ
الْوَصْفَ لِلتَّعْلِيلِ لَمْ يَقَعْ الِاقْتِرَانُ
فَلَمَّا جَاءَ سِيَاقٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ
وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا دَلَّ على افْتِرَاق الحكم
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي
الْحَرْبِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ
هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً الْحَدِيثَ وَالْغَرَضُ
مِنْهُ قَوْله فِيهِ وَأَبُو سُفْيَان وَهُوَ بن
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخَذَ بِلِجَامِهَا
وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ
مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ بَابُ الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ لِلدَّابَّةِ قِيلَ
الرِّكَابُ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ
وَالْغَرْزُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْجِلْدِ وَقِيلَ
هُمَا مُتَرَادِفَانِ أَوِ الْغَرْزُ لِلْجَمَلِ
وَالرِّكَابُ لِلْفَرَسِ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ بْنِ
عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ
أَهَلَّ الْحَدِيثَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ
مِنَ الْغَرْزِ وَأَمَّا الرِّكَابُ فَأَلْحَقَهُ بِهِ
لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ بن
(6/69)
بَطَّالٍ كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ
مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ اقْطَعُوا الرُّكُبَ
وَثِبُوا عَلَى الْخَيْلِ وَثْبًا لَيْسَ عَلَى مَنْعِ
اتِّخَاذِ الرُّكُبِ أَصْلًا وَإِنَّمَا أَرَادَ
تَدْرِيبَهُمْ عَلَى رُكُوبِ الْخَيل
(قَوْلُهُ بَابُ رُكُوبِ الْفَرَسِ الْعُرْيِ)
بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ لَيْسَ
عَلَيْهِ سَرْجٌ وَلَا أَدَاةٌ وَلَا يُقَالُ فِي
الْآدَمِيِّينَ إِنَّمَا يُقَالُ عُرْيَان قَالَه بن
فَارِسٍ قَالَ وَهِيَ مِنَ النَّوَادِرِ انْتَهَى وَحَكَى
بن التِّينِ أَنَّهُ ضَبَطَ فِي الْحَدِيثِ بِكَسْرِ
الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَلَيْسَ فِي
كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يُسَاعِدُهُ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثِ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَهُمْ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ مَا
عَلَيْهِ سَرْجٌ فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ وَهُوَ طَرَفٌ مِنَ
الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمُ فِي أَنَّهُ اسْتَعَارَ
فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن حَمَّاد بن
زَيْدٍ وَفِي أَوَّلِهِ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
لَيْلَةً فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ
وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ بِغَيْرِ سَرْجٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ وَقَدْ سَبَقَ فِي
بَابِ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ بَعْضَ هَذَا
الْحَدِيثِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي الْهِبَةِ وَفِيهِ
مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالْفُرُوسِيَّةِ
الْبَالِغَةِ فَإِنَّ الرُّكُوبَ الْمَذْكُورَ لَا
يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ أَحْكَمَ الرُّكُوبَ وَأَدْمَنَ
عَلَى الْفُرُوسِيَّةِ وَفِيهِ تَعْلِيقُ السَّيْفِ فِي
الْعُنُقِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ
أَعْوَنَ لَهُ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ
يَنْبَغِي لِلْفَارِسِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْفُرُوسِيَّةَ
وَيُرَوِّضَ طِبَاعَهُ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ
شدَّة فَيكون قد استعد لَهَا قَوْلُهُ بَابُ الْفَرَسِ
الْقَطُوفِ أَيِ الْبَطِيءِ الْمَشْيِ قَالَ أَبُو زيد
وَغَيره فطفت الدَّابَّةُ تَقْطِفُ قِطَافًا وَقَطُوفًا
وَالْقَطُوفُ مِنَ الدَّوَابِّ الْمُقَارِبُ الْخَطْوِ
وَقِيلَ الضَّيِّقُ الْمَشْيِ وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ
إِنْ مَشَى وَثْبًا فَهُوَ قَطُوفٌ وَإِنْ كَانَ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ وَيَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ فَهُوَ سَبُوتٌ
وَإِنِ الْتَوَى بِرَاكِبِهِ فَهُوَ قَمُوصٌ وَإِنْ مَنَعَ
ظَهْرَهُ فَهُوَ شَمُوسٌ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ
أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً فَرَكِبَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا
لِأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ
[2867] يَقْطِفُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِضَمِّهَا وَقَدْ
سَبَقَ شَرْحُهُ فِي الْهِبَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ
فِيهِ قِطَافٌ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَسَيَأْتِي فِي بَابِ
السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ فَرَكِبَ فَرَسًا لِأَبِي
طَلْحَةَ بَطِيئًا وَقَوْلُهُ لَا يُجَارَى بِضَمِّ
أَوَّلِهِ زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ أَيْ لَا يُسَابَقُ لِأَنَّهُ لَا يُسْبَقُ
فِي الْجَرْيِ وَفِيهِ بَرَكَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ رَكِبَ مَا كَانَ بَطِيئًا
فَصَارَ سَابِقًا وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ الْمَذْكُورَةِ فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِك
الْيَوْم
(6/70)
(قَوْلُهُ بَابُ السَّبْقِ بَيْنَ
الْخَيْلِ)
أَيْ مَشْرُوعِيَّةُ ذَلِكَ وَالسَّبْقُ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرٌ وَهُوَ
الْمُرَادُ هُنَا وَبِالتَّحْرِيكِ الرَّهْنُ الَّذِي
يُوضَعُ لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ بَابُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ
لِلسَّبْقِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي
الْمُسَابَقَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِضْمَارُ الْخَيْلِ
وَإِنْ كَانَتِ الَّتِي لَا تُضْمَرُ لَا تَمْتَنِعُ
الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا
(ثُمَّ قَالَ بَابُ غَايَةِ السِّبَاقِ لِلْخَيْلِ
الْمُضْمَرَةِ)
أَيْ بَيَانُ ذَلِكَ وَبَيَانُ غَايَةِ الَّتِي لَمْ
تُضْمَرْ وَذَكَرَ فِي الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة حَدِيث بن
عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ
[2868] فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى مِنَ الْحَفْيَاءِ
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا
تَحْتَانِيَّةٌ وَمَدٌّ مَكَانٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ مِنْ
جِهَةِ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَحَكَى الْحَازِمِيُّ
تَقْدِيمَ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْفَاءِ
وَحَكَى عِيَاضٌ ضَمَّ أَوَّلِهِ وَخَطَّأَهُ وَقَوْلُهُ
فِيهَا أَجْرَى قَالَ فِي الَّتِي تَلِيهَا سَابق وَهُوَ
بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهَا قَالَ بن عُمَرَ وَكُنْتُ
فِيمَنْ
(6/71)
أَجْرَى وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي
تَلِيهَا وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ
مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا وَسُفْيَانُ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُولَى هُوَ الثَّوْرِيُّ وَشَيْخه عبيد الله
بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَالطَّرِيقُ
الثَّانِيَةُ عَنِ اللَّيْثِ مُخْتَصَرَةٌ وَقَدْ
أَخْرَجَهَا تَامَّةً النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ
اللَّيْثِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ
لَفْظَهُ وَقَوْلُهُ فِي الْأُولَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ
اللَّهِ هُوَ بن الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ كَذَا رُوِينَاهُ
فِي جَامِعِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ رِوَايَتِهِ
عَنْهُ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَصْرِيحَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
شَيْخِهِ بِالتَّحْدِيثِ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ فِيهِ
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ وَهُوَ الْأَزْرَقُ عَنِ
الثَّوْرِيِّ فِي آخِره قَالَ بن عُمَرَ وَكُنْتُ فِيمَنْ
أَجْرَى فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِع وَقَالَ فِيهِ
فسبقت النَّاس فطفف بن الْفَرَسُ مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ
أَيْ جَاوَزَ بِيَ الْمَسْجِدَ الَّذِي كَانَ هُوَ
الْغَايَةُ وَأَصْلُ التَّطْفِيفِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ
وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ
[2869] أَمَدًا غَايَةً فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
وَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ
وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَهُوَ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ
النَّابِغَةُ سَبَقَ الْجَوَادُ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى
الْأَمَدِ وَمُعَاوِيَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ
هُوَ بن عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ
الْفَزَارِيُّ وَقَوْلُهُ فِيهَا قَالَ سُفْيَانُ هُوَ
مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَسْنِدْ
سُفْيَانُ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَهُ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ إِلَّا أَنَّ
سُفْيَانَ قَالَ فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ
الْحَفْيَاءِ وَالثَّنِيَّةِ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ
وَقَالَ مُوسَى سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَهُوَ اخْتِلَافٌ
قَرِيبٌ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي الْمَسَافَةِ الثَّانِيَةِ
مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
إِدْرَاجُ ذَلِكَ فِي نفس الْخَبَر وَالْخَبَر بالستة
وبالميل قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا تَرْجَمَ لِطَرِيقِ
اللَّيْثِ بِالْإِضْمَارِ وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ سَابَقَ
بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ ليشير بذلك إِلَى
تَمام الحَدِيث وَقَالَ بن الْمُنِيرِ لَا يَلْتَزِمُ
ذَلِكَ فِي تَرَاجِمِهِ بَلْ رُبَّمَا تَرْجَمَ مُطْلَقًا
لِمَا قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا وَلِمَا قَدْ يَكُونُ
مَنْفِيًّا فَمَعْنَى قَوْلِهِ إِضْمَارُ الْخَيْلِ
لِلسَّبْقِ أَيْ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ لَا فَبَيَّنَ
بِالرِّوَايَةِ الَّتِي سَاقَهَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ
بِشَرْطٍ وَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ الِاقْتِصَارُ
الْمُجَرَّدُ لَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الطَّرَفِ
الْمُطَابِقِ لِلتَّرْجَمَةِ أَوْلَى لَكِنَّهُ عَدَلَ
عَنْ ذَلِكَ لِلنُّكْتَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَيْضًا
فَلِإِزَالَةِ اعْتِقَادِ أَنَّ التَّضْمِيرَ لَا يَجُوزُ
لِمَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّةِ سَوْقِهَا وَالْخَطَرِ فِيهِ
فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ بَلْ مَشْرُوعٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قلت وَلَا مُنَافَاة بَين كَلَامه
وَكَلَام بن بَطَّالٍ بَلْ أَفَادَ النُّكْتَةَ فِي
الِاقْتِصَارِ قَوْلُهُ أُضْمِرَتْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ
وَقَوْلُهُ لَمْ تُضْمَرْ بِسُكُونِ الضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ تُعْلَفَ الْخَيْلُ
حَتَّى تَسْمَنَ وَتَقْوَى ثُمَّ يُقَلَّلُ عَلَفُهَا
بِقَدْرِ الْقُوتِ وَتُدْخَلُ بَيْتًا وَتُغَشَّى
بِالْجِلَالِ حَتَّى تَحْمَى فَتَعْرَقَ فَإِذَا جَفَّ
عَرَقُهَا خَفَّ لَحَمُهَا وَقَوِيَتْ عَلَى الْجَرْيِ
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ
لَيْسَ مِنَ الْعَبَثِ بَلْ مِنَ الرِّيَاضَةِ
الْمَحْمُودَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى تَحْصِيلِ
الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ
الْحَاجَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ
وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ
عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ وَعَلَى
الْأَقْدَامِ وَكَذَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ
وَاسْتِعْمَالُ الْأَسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ
التَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ وَفِيهِ جَوَازُ إِضْمَارِ
الْخَيْلِ وَلَا يَخْفَى اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِهَا
بِالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ وَفِيهِ
مَشْرُوعِيَّةُ الْإِعْلَامِ بِالِابْتِدَاءِ
وَالِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ وَفِيهِ نِسْبَةُ
الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ سَابَقَ
أَيْ أَمَرَ أَوْ أَبَاحَ تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ لِلْمُرَاهَنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ
تَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ لَهُ بَابُ الْمُرَاهَنَةِ عَلَى
الْخَيْلِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
المكبر عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ
الْخَيْلِ وَرَاهَنَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ كَمَا
تَقَدَّمَ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ
لَكِنْ قَصَرَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْخُفِّ
وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ وَخَصَّهُ بَعْضُ
(6/72)
الْعُلَمَاءِ بِالْخَيْلِ وَأَجَازَهُ
عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا
بِعِوضٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ
الْمُتَسَابِقَيْنَ كَالْإِمَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ
مَعَهُمْ فَرَسٌ وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ أَنْ يَكُونَ مِنْ
أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْمُتَسَابِقَيْنَ وَكَذَا
إِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ مُحَلِّلٍ بِشَرْطِ أَنْ
لَا يُخْرِجَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ
عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ
مِنْهُمَا سَبْقًا فَمَنْ غَلَبَ أَخَذَ السَّبْقَيْنِ
فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي
الْمُحَلِّلِ أَنْ يَكُونَ لَا يَتَحَقَّقُ السَّبْقُ فِي
مَجْلِسِ السَّبْقِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْمُسَابَقَةِ بِالْخَيْلِ كَوْنُهَا مَرْكُوبَةً لَا
مُجَرَّدَ إِرْسَالِ الْفَرَسَيْنِ بِغَيْرٍ رَاكِبٍ
لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ عَبَدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ
بَعْضُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَشْتَرِطُ
الرُّكُوبَ لَا يَمْنَعُ صُورَةَ الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا
احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخَيْلَ لَا تَهْتَدِي
بِأَنْفُسِهَا لِقَصْدِ الْغَايَةِ بِغَيْرِ رَاكِبٍ
وَرُبَّمَا نَفَرَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاهْتِدَاءَ
لَا يَخْتَصُّ بِالرُّكُوبِ فَلَوْ أَنَّ السَّائِسَ كَانَ
مَاهِرًا فِي الْجَرْيِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ
فَرَسٍ سَاعٍ يَهْدِيهَا إِلَى الْغَايَةِ لَأَمْكَنَ
وَفِيهِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْمَسْجِدِ إِلَى قَوْمٍ
مَخْصُوصِينَ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بِذَلِكَ
فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ جَوَازُ مُعَامَلَةِ
الْبَهَائِمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِمَا يَكُونُ تَعْذِيبًا
لَهَا فِي غَيْرِ الْحَاجَةِ كَالْإِجَاعَةِ
وَالْإِجْرَاءِ وَفِيهِ تَنْزِيلُ الْخَلْقِ مَنَازِلَهُمْ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَايَرَ
بَيْنَ مَنْزِلَةِ الْمُضْمَرِ وَغَيْرِ الْمُضْمَرِ
وَلَوْ خَلَطَهُمَا لأتعب غير الْمُضمر
(قَوْلُهُ بَابُ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
كَذَا أفرد النَّاقة فِي التَّرْجَمَةِ إِشَارَةً إِلَى
أَنَّ الْعَضْبَاءَ وَالْقَصْوَاءَ وَاحِدَة قَوْله
وَقَالَ بن عُمَرَ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ هُوَ
طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
قَوْلُهُ وَقَالَ الْمِسْوَرُ مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ
هُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الْمَاضِي مَعَ
شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ وَفِيهِ ضبط الْقَصْوَاء
قَوْله حَدثنَا مُعَاوِيَة هُوَ بن عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ
وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيُّ
[2872] قَوْلُهُ طَوَّلَهُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَيْ رَوَاهُ مُطَوَّلًا وَهَذَا
التَّعْلِيقُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي
وَحْدَهُ هُنَا وَمُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيل
التَّبُوذَكِي وَحَمَّاد هُوَ بن سَلَمَةَ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةٍ مِنْ عَدَا الْهَرَوِيِّ بَعْدَ سِيَاقِ
رِوَايَةِ زُهَيْرٍ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ
مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ سِيَاقُهُ
بِأَطْوَلَ مِنْ سِيَاقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ
حُمَيْدٍ نَعَمْ هُوَ أَطْوَلُ مِنْ سِيَاقِ أَبِي
إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ فَتَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ
الْمُسْتَمْلِي وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ رِوَايَةَ أَبِي
إِسْحَاقَ لِمَا
(6/73)
وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِسَمَاعِ
حُمَيْدٍ مِنْ أَنَسٍ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ رُوِي
مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ
رِوَايَةِ حُمَيْدٍ أَيْضًا مُطَوَّلًا فَأَخْرَجَهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ لَا تُسْبَقُ قَالَ حُمَيْدٌ
أَوْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ شَكٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَوْصُولٌ
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَفِي بَقِيَّةِ
الرِّوَايَاتِ بِغَيْرِ شَكٍّ وَقَوْلُهُ أَنْ لَا
يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى
بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا وَكَذَا
لِلْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ وَكَذَا قَالَ
النُّفَيْلِيُّ عَنْ زُهَيْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَفِي
رِوَايَةِ شُعْبَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنْ لَا
يَرْفَعَ شَيْءٌ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ
فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَسَبَقَهَا فِي رِوَايَة بن
الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ عَنْ حُمَيْدٍ عِنْدَ أَبِي
نُعَيمٍ فَسَابَقَهَا فَسَبَقَهَا وَفِي رِوَايَةِ
شُعْبَةَ سَابَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا
الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ التَّتَبُّعِ الشَّدِيدِ قَوْلُهُ
عَلَى قَعُودٍ بِفَتْحِ الْقَافِ مَا اسْتَحَقَّ
الرُّكُوبَ مِنَ الْإِبِلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ
الْبَكْرُ حَتَّى يُرْكَبَ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ
بن سَنَتَيْنِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ السَّادِسَةَ
فَيُسَمَّى جَمَلًا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ لَا يُقَالُ
إِلَّا لِلذَّكَرِ وَلَا يُقَالُ لِلْأُنْثَى قَعُودَةٌ
وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا قَلُوصٌ قَالَ وَقَدْ حَكَى
الْكِسَائِيُّ فِي النَّوَادِرِ قَعُودَةٌ لِلْقَلُوصِ
وَكَلَامُ الْأَكْثَرِ عَلَى خِلَافِهِ وَقَالَ الْخَلِيلُ
الْقَعُودَةُ مِنَ الْإِبِلِ مَا يُقْعِدُهُ الرَّاعِي
لِحَمْلِ مَتَاعِهِ وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ
قَوْلُهُ حَتَّى عَرَفَهُ أَيْ عَرَفَ أَثَرَ الْمَشَقَّةِ
وَفِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ فَلَمَّا
رَأَى مَا فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا سُبِقَتِ
الْعَضْبَاءُ الْحَدِيثَ وَالْعَضْبَاءُ بِفَتْحِ
الْمُهْمِلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا
مُوَحَّدَةٌ وَمَدٌّ هِيَ الْمَقْطُوعَةُ الْأذن أَو
المشقوقة وَقَالَ بن فَارِسٍ كَانَ ذَلِكَ لَقَبًا لَهَا
لِقَوْلِهِ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ وَلِقَوْلِهِ يُقَالُ
لَهَا الْعَضْبَاءُ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ صِفَتُهَا لَمْ
يُحْتَجْ لِذَلِكَ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْعَضْبَاءُ
مَنْقُولٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَاقَةٌ عَضْبَاءُ أَيْ
قَصِيرَةُ الْيَدِ وَاخْتُلِفَ هَلِ الْعَضْبَاءُ هِيَ
الْقَصْوَاءُ أَوْ غَيْرُهَا فَجَزَمَ الْحَرْبِيُّ
بِالْأَوَّلِ وَقَالَ تُسَمَّى العضباء والقصواء والجدعاء
وروى ذَلِك بن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ
بِالثَّانِي وَقَالَ الْجَدْعَاءُ كَانَتْ شَهْبَاءَ
وَكَانَ لَا يَحْمِلُهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحَيِ
غَيْرُهَا وَذُكِرَ لَهُ عِدَّةُ نُوقٍ غَيْرُ هَذِهِ
تَتَبَّعَهَا مَنِ اعْتَنَى بِجَمْعِ السِّيرَةِ وَفِي
الْحَدِيثِ اتِّخَاذُ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِ
وَالْمُسَابَقَةِ عَلَيْهَا وَفِيهِ التَّزْهِيدُ فِي
الدُّنْيَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ
مِنْهَا لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا اتَّضَعَ وَفِيهِ الْحَثُّ
عَلَى التَّوَاضُعِ وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعُهُ
وَعَظَمَتُهُ فِي صُدُور أَصْحَابه
(6/74)
(قَوْلُهُ بَابُ الْغَزْوِ عَلَى
الْحَمِيرِ)
كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ بِغَيْرِ
حَدِيثٍ وَضَمَّ النَّسَفِيُّ هَذِه التَّرْجَمَة للَّتِي
بَعْدَهَا فَقَالَ بَابُ الْغَزْوِ عَلَى الْحَمِيرِ
وَبَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْبَيْضَاءِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ
الشُّرَّاحِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْحَالَيْنِ لَكِنْ
فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي أَسْهَلُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ
عَلَى أَنَّهُ وَضَعَ التَّرْجَمَةَ وَأَخْلَى بَيَاضًا
لِلْحَدِيثِ اللَّائِقِ بِهَا فَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ طَرِيقًا لِحَدِيثِ
مُعَاذٍ كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ وَقَدْ
تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ اسْمِ الْفَرَسِ
وَالْحِمَارِ وَكَوْنُهُ كَانَ رَاكِبَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ فِي الْحَضَرِ وَفِي السَّفَرِ فَيَحْصُلُ
مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ لَا
يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّسَفِيِّ فَلَيْسَ فِي
حَدِيثَيِ الْبَابِ إِلَّا ذِكْرُ الْبَغْلَةِ خَاصَّةً
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَخْلَى آخِرَ الْبَابِ بَيَاضًا
كَمَا قُلْنَا فِي رِوَايَة المستملى أَو يوخذ حُكْمُ
الْحِمَارِ مِنَ الْبَغْلَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى
حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ وَفِي سَنَده مقَال
قَوْلُهُ بَابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءَ قَالَهُ أَنَسٌ يُشِيرُ
إِلَى حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ
وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا مَعَ شَرْحِهِ فِي الْمَغَازِي
وَفِيهِ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ قَوْلُهُ وَقَالَ
أَبُو حُمَيْدٍ أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ
يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ
وَقَدْ مَضَى مَوْصُولًا فِي أَوَاخِرَ كِتَابٍ الزَّكَاةِ
وَفِيهِ هَذَا الْقَدْرُ وَزِيَادَةٌ وَتَقَدَّمَتِ
الْإِشَارَةُ إِلَى اسْمِ صَاحِبِ أَيْلَةَ هُنَاكَ مَعَ
بَقِيَّةِ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ
هُنَا أَنَّ الْبَغْلَةَ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ
عَلَيْهَا فِي حُنَيْنٍ غَيْرُ الْبَغْلَةِ الْبَيْضَاءِ
الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ مَلِكُ أَيْلَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ
كَانَ فِي تَبُوكَ وَغَزْوَةِ حُنَيْنٍ كَانَتْ قَبْلَهَا
وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ
أَنَّ الْبَغْلَةَ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَهُ فِي حُنَيْنٍ
أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ بِضَمِّ النُّونِ
بَعْدَهَا فَاءٌ خَفِيفَةٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدُوسٍ
أَنَّ الْبَغْلَةَ الَّتِي رَكِبَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ
دُلْدُلٌ وَكَانَتْ شَهْبَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ
الْمُقَوْقِسُ وَأَنَّ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ
يُقَالُ لَهَا فضَّة ذكر ذَلِك بن سَعْدٍ وَذَكَرَ
عَكْسَهُ وَالصَّحِيحُ مَا فِي مُسْلِمٍ ثُمَّ ذَكَرَ
الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ أَخُو
جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا تَرَكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا
بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
أَوَّلِ الْوَصَايَا وَأَنَّ شَرْحَهُ يَأْتِي فِي
الْوَفَاةِ آخِرَ الْمَغَازِي ثَانِيهِمَا حَدِيثُ
الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَرِيبًا وَفِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ
فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتُدِلَّ
بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْبِغَالِ وَإِنْزَاءِ
الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ وَأَمَّا حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ بن
حِبَّانَ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ أَخَذَ بِهِ قَوْمٌ
فَحَرَّمُوا ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ
الْحَضُّ عَلَى تَكْثِيرِ الْخَيْلِ لِمَا فِيهَا مِنَ
الثَّوَابِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ الثَّوَابَ الْمُرَتَّبَ على ذَلِك
(6/75)
(قَوْلُهُ بَابُ جِهَادِ النِّسَاءِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ وَمَضَى شَرْحُهُ
فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ جِهَادُ
الْكَبِيرِ أَيِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ
الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ
[2875] قَوْلُهُ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْوَلِيدِ هُوَ الْعَدَنِيُّ وَرِوَايَتُهُ مَوْصُولَةٌ
فِي جَامِعِ سُفْيَانَ وَقَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ
الْأُخْرَى وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ هُوَ
مَوْصُولٌ مِنْ رِوَايَةِ قَبِيصَةَ الْمَذْكُورَةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ عَنْ سُفْيَانَ
إِسْنَادَيْنِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ
طَرِيقِ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ كَذَلِكَ
وَقَالَ بن بَطَّالٍ دَلَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ
الْجِهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ وَلَكِنْ
لَيْسَ فِي قَوْلِهِ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ أَنَّهُ لَيْسَ
لَهُنَّ أَنْ يَتَطَوَّعْنَ بِالْجِهَادِ وَإِنَّمَا لَمْ
يَكُنْ عَلَيْهِنَّ وَاجِبًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُغَايَرَةِ
الْمَطْلُوبِ مِنْهُنَّ مِنَ السِّتْرِ وَمُجَانَبَةِ
الرِّجَالِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ أَفْضَلَ لَهُنَّ
مِنَ الْجِهَادِ قُلْتُ وَقَدْ لَمَّحَ الْبُخَارِيُّ
بِذَلِكَ فِي إِيرَادِهِ التَّرْجَمَةَ مُجْمَلَةً
وَتَعْقِيبَهَا بِالتَّرَاجِمِ المصرحة بِخُرُوج النِّسَاء
إِلَى الْجِهَاد
(قَوْلُهُ بَابُ غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث أنس فِي قصَّة أم حرَام وَقَدْ
تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ
الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ
[2877] فِي آخِرِهِ قَالَ أَنَسٌ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ
بْنَ الصَّامِتِ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ
هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ
عَنْ أَنَسٍ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ وَكَانَتْ
أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ
عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ
زَوْجَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ
زَوْجَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ
ذَلِك وَهَذَا جَوَاب بن التِّينِ وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَكَانَتْ تَحْتَ
عُبَادَةَ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً أَرَادَ الرَّاوِي
وَصْفَهَا بِهِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالٍ مِنَ
الْأَحْوَالِ وَظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ
إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا الثَّانِي
أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ عَلَى أَنَّ عُبَادَةَ تَزَوَّجَهَا
بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ اثْنَيْ عَشَرَ
بَابًا وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ مَعَ
بِنْتِ قَرَظَةَ هِيَ زَوْجُ مُعَاوِيَةَ وَاسْمُهَا
فَاخِتَةُ وَقِيلَ كَنُودٌ وَكَانَتْ تَحت عتبَة بن سَهْلٍ
قَبْلَ مُعَاوِيَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِيَةُ
تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى
وَهَذِهِ
(6/76)
رِوَايَة بن وهب فِي موطآته عَن بن
لَهِيعَةَ عَمَّنْ سَمِعَ قَالَ وَمُعَاوِيَةُ أَوَّلُ
مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ لِلْغَزَاةِ وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ
عُثْمَانَ وَأَبُوهَا قَرَظَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ
وَالرَّاءِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ بن عَبْدِ
عَمْروِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهِيَ
قُرَشِيَّةٌ نَوْفَلِيَّةٌ وَظَنَّ بَعْضُ الشُّرَّاحِ
أَنَّهَا بَنَتُ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ
فَوَهِمَ وَالَّذِي قُلْتُهُ صَرَّحَ بِهِ خَلِيفَةُ بْنُ
خَيَّاطٍ فِي تَارِيخِهِ وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَالْبَلَاذُرِيُّ فِي
تَارِيخِهِ أَيْضًا وَذَكَرَ أَنَّ قَرَظَةَ بْنَ عَبْدِ
عَمْروٍ مَاتَ كَافِرًا فَيَكُونُ لَهَا هِيَ رُؤْيَةٌ
وَكَذَا لِأَخِيهَا مُسْلِمُ بْنُ قَرَظَةَ الَّذِي قُتِلَ
يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَائِشَةَ تَنْبِيهَانِ
يَتَعَلَّقَانِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَحَدُهُمَا وَقَعَ
فِي هَذَا الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ
الْفَزَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ
الرِّوَايَاتِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ وَزَعَمَ أَبُو
مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ سَقَطَ بَيْنَهُمَا
زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةُ وَأَقَرَّهُ الْمِزِّيُّ عَلَى
ذَلِكَ وَقَوَّاهُ بِأَنَّ الْمُسَيَّبَ بْنَ وَاضِحٍ
رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ
زَائِدَةَ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ وَقَدْ قَالَ أَبُو
عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ تَأَمَّلْتُهُ فِي السِّيَرِ
لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا
زَائِدَةَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ لَيْسَ
بَيْنَهُمَا زَائِدَةُ وَرِوَايَةُ الْمُسَيَّبِ بْنِ
وَاضِحٍ خَطَأٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَقْضِي بِزِيَادَتِهِ
عَلَى خَطَإِ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ وَلَا سِيَّمَا
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو شَيْخِ شيخِ الْبُخَارِيِّ
فِيهِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ سَوَاءٌ لَيْسَ
فِيهِ زَائِدَةُ وَسَبَبُ الْوَهْمِ مِنْ أَبِي مَسْعُودٍ
أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ عَمْرٍو رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ
زَائِدَةَ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ فَظَنَّ أَبُو مَسْعُودٍ
أَنَّهُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ زَائِدَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ
عِنْدَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَزَائِدَةَ مَعًا
جَمَعَهُمَا تَارَةً وَفَرَّقَهُمَا أُخْرَى أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ عَنْهُ عَاطِفًا لِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ زَائِدَةَ وَأَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ وَحْدَهُ بِهِ
وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
جَعْفَرٍ الصَّائِغِ عَنْ مُعَاوِيَةَ فَوَضَحَتْ صِحَّةُ
مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
ثَانِيهِمَا هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ
إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
بْنُ حِبَّانَ وَأَبُو طُوَالَةَ فَقَالَ إِسْحَاقُ فِي
رِوَايَتِهِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ
وَقَالَ أَبُو طُوَالَةَ فِي رِوَايَتِهِ دَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِنْتِ
مِلْحَانَ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ
أَنَسٍ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فَقَالَ عَنْ
أَنَسٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي
أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أُمِّ حَرَامٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَكَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ عَنْ
خَالَتِهِ وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ
عُمَيْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ
أَبْوَابٍ وَقَدْ أَحَالَ الْمِزِّيُّ بِرِوَايَةِ أَبِي
طُوَالَةَ فِي مُسْنَدِ أَنَسٍ عَلَى مُسْنَدِ أُمِّ
حَرَامٍ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَأَوْهَمَ خِلَافَ الْوَاقِعِ
الَّذِي حَرَّرْتُهُ وَاللَّهُ الْهَادِي
(6/77)
(قَوْلُهُ بَابُ حَمْلِ الرَّجُلِ
امْرَأَتَهُ فِي الْغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسَائِهِ)
ذَكَرَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ
الْإِفْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ
وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الْإِفْكِ تَامًّا فِي
التَّفْسِيرِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ حَمْلَ
عَائِشَةَ مَعَهُ كَانَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ بَيْنَ
نِسَائِهِ قَوْلُهُ بَابُ غَزْوِ النِّسَاءِ
وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ وَقَعَ فِي هَذِهِ
التَّرْجَمَةِ حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ
وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ
الَّذِي مَضَى فِي الْحَيْضِ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ
الْجَرْحَى الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ
مُرْسَلٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ النِّسَاءُ يَشْهَدْنَ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَشَاهِدَ وَيَسْقِينَ الْمُقَاتِلَةَ وَيُدَاوِينَ
الْجَرْحَى وَلَأَبَى دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَشْرَجِ بْنِ
زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهُنَّ خَرَجْنَ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حُنَيْنٍ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ فَقُلْنَ
خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعْرَ وَنُعِينُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ
وَنَسْقِي السَّوِيقَ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُنَّ قَاتَلْنَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ
قَالَ بن الْمُنِيرِ بَوَّبَ عَلَى قِتَالِهِنَّ وَلَيْسَ
هُوَ فِي الْحَدِيثِ فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ
إِعَانَتَهُنَّ لِلْغُزَاةِ غَزْوٌ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ
أَنَّهُنَّ مَا ثَبَتْنَ لِسَقْيِ الْجَرْحَى وَنَحْوِ
ذَلِكَ إلَّا وَهُنَّ بِصَدَدِ أَنْ يُدَافِعْنَ عَنْ
أَنْفُسِهِنَّ وَهُوَ الْغَالِبُ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ
عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ خِنْجَرًا يَوْمَ حُنَيْنٍ
فَقَالَتْ اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ بِالتَّرْجَمَةِ أَنْ
يُبَيِّنَ أَنَّهُنَّ لَا يُقَاتِلْنَ وَإِنْ خَرَجْنَ فِي
الْغَزْوِ فَالتَّقْدِيرُ بِقَوْلِهِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ
الرِّجَالِ أَيْ هَلْ هُوَ سَائِغٌ أَوْ إِذَا خَرَجْنَ
مَعَ الرِّجَالِ فِي الْغَزْوِ يَقْتَصِرْنَ عَلَى مَا
ذُكِرَ مِنْ مُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ لَمَّا كَانَ يَوْمُ
أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ الْحَدِيثَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ
[2880] قَوْلُهُ فِيهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ
أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا
لَمُشَمِّرَتَانِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْمَغَازِي
بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ
وَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَوْلُهُ خَدَمُ سُوقِهِمَا بِفَتْحِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ
الْخَلَاخِيلُ وَهَذِهِ كَانَتْ قَبْلَ الْحِجَابِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ
لِلنَّظَرِ وَقَوْلُهُ تَنْقُزَانِ بِضَم الْقَاف بعْدهَا
زَاي والقرب بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ
قِرْبَةٍ وَقَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ تَنْقُلَانِ
الْقِرَبَ يَعْنِي بِاللَّامِ دُونَ الزَّايِ وَهِيَ
رِوَايَةُ جَعْفَرِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ
أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَوْلُهُ تَنْقُزَانِ
قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ تُسْرِعَانِ الْمَشْيَ
كَالْهَرْوَلَةِ وَقَالَ عِيَاضٌ قِيلَ مَعْنَى
تَنْقُزَانِ تَثِبَانِ وَالنَّقْزُ الْوَثْبُ وَالْقَفْزُ
كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ السَّيْرِ وَضَبَطُوا الْقِرَبَ
بِالنَّصْبِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ
بِخِلَافِ رِوَايَةِ تَنْقُلَانِ قَالَ وَكَانَ بَعْضُ
الشُّيُوخِ يَقْرَؤُهُ بِرَفْعِ الْقِرَبِ على أَن
الْجُمْلَة حَال وَقد خرج رِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى
نَزْعِ الْخَافِضِ كَأَنَّهُ قَالَ تَثِبَانِ بِالْقِرَبِ
قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ تُنْقِزَانِ بِضَمِّ أَوله
(6/78)
أَيْ تُحَرِّكَانِ الْقِرَبَ لِشِدَّةِ عَدْوِهِمَا
وَتَصِحُّ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ النَّصْبِ وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ أَحْسَبُ الرِّوَايَةَ تَزْفِرَانِ بَدَلَ
تَنْقُزَانِ وَالزَّفْرُ حَمْلُ الْقِرَبِ الثِّقَالِ
كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي بعده |