فتح الباري لابن حجر

 (قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الْمَنَاقِبِ)
كَذَا فِي الْأُصُولِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنَ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَطْرَافِ وَكَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ قَالَ كِتَابُ الْمَنَاقِبِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ كِتَابِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ كِتَابٌ مُسْتَقِلٌّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ تَصَرُّفِهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ سِيَاقَ التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ بِأَنْ يَجْمَعَ فِيهِ أُمُورَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَبْدَإِ إِلَى الْمُنْتَهَى فَبَدَأَ بِمُقَدِّمَاتِهَا مِنْ ذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّسَبِ الشَّرِيفِ فَذَكَرَ أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَنْسَابِ وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ أُمُورًا تَتَعَلَّقُ بِالْقَبَائِلِ ثُمَّ النَّهْيُ عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّ مُعْظَمَ فَخْرِهِمْ كَانَ بِالْأَنْسَابِ ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَمَائِلَهُ وَمُعْجِزَاتِهِ وَاسْتَطْرَدَ مِنْهَا لِفَضَائِلِ أَصْحَابَهِ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأَحْوَالِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَمَا جَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَذَكَرَ الْمَبْعَثَ ثُمَّ إِسْلَامَ الصَّحَابَةِ وَهِجْرَةَ الْحَبَشَةِ وَالْمِعْرَاجَ وَوُفُودَ الْأَنْصَارِ وَالْهِجْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ سَاقَ الْمَغَازِيَ عَلَى تَرْتِيبِهَا عِنْدَهُ ثُمَّ الْوَفَاةَ فَهَذَا آخِرُ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ تَرَاجِمِ الْأَنْبِيَاءِ وَخَتَمَهَا بِخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/526)


قَوْلُهُ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى الْآيَةَ يُشِيرُ إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنَّ الْمَنَاقِبَ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ بِالتَّقْوَى بِأَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَتِهِ وَيَكُفَّ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ فَفِي صحيحي بن خُزَيْمَة وبن حبَان وَتَفْسِير بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَيْبَة الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ النَّاسُ رَجُلَانِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ تَلَا يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا أَن بن مرْدَوَيْه ذكر أَن مُحَمَّد بن الْمُقْرِئ رَاوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وبن عقبَة ثِقَة وبن عُبَيْدَةَ ضَعِيفٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِرِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَة كَذَلِك أخرجه بن أبي حَاتِم وَغَيره وروى أَحْمد والْحَارث وبن أبي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى خَيْرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ قَوْلُهُ لِتَعَارَفُوا أَيْ لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالنّسَبِ يَقُول فلَان بن فلَان وَفُلَان بن فُلَانٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ قَالَ بن عَبَّاس أَي اتَّقوا الْأَرْحَام وصلوها أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ وَالْأَرْحَامُ جَمْعُ رَحِمٍ وَذَوُو الرَّحِمِ الْأَقَارِبُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ نَسَبٌ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْأَرْحَامَ نَصْبًا وَعَلَيْهَا جَاءَ التَّفْسِيرُ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْأَرْحَامِ بِالْجَرِّ وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِهِ فَقِيلَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي بِهِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ جَمْعٍ وَمَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ وَقرأَهَا بن مَسْعُودٍ فِيمَا قِيلَ بِالرَّفْعِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِمَّا يُتَّقَى أَوْ مِمَّا يُسْأَلُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى الِاحْتِيَاجِ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّسَبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ ذَوُو الْأَرْحَامِ الْمَأْمُورُ بِصِلَتِهِمْ وَذكر بن حَزْمٍ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النَّسَبِ لَهُ فَصْلًا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ النَّسَبِ عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ وَجَهْلٌ لَا يَضُرُّ بِأَنَّ فِي عِلْمِ النَّسَبِ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ فَمِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَاشِمِيًّا فَهُوَ كَافِرٌ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنْ يَعْرِفَ مَنْ يَلْقَاهُ بِنَسَبٍ فِي رَحِمٍ مُحَرَّمَةٍ لِيَجْتَنِبَ تَزْوِيجَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَنْ يَعْرِفَ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِمَّنْ يَرِثُهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِرُّهُ مِنْ صِلَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ مُعَاوَنَةٍ وَأَنْ يَعْرِفَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ نِكَاحَهُنَّ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يَعْرِفَ الصَّحَابَةَ وَأَنَّ حُبَّهُمْ مَطْلُوبٌ وَأَنْ يَعْرِفَ الْأَنْصَارَ لِيُحْسِنَ إِلَيْهِمْ لِثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ حُبَّهُمْ إِيمَانٌ وَبُغْضَهُمْ نِفَاقٌ قَالَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يُفَرِّقُ فِي الْجِزْيَةِ وَفِي الِاسْتِرْقَاقِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَحَاجَتُهُ إِلَى عِلْمِ النَّسَبِ آكَدُ وَكَذَا مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْجِزْيَةِ وَتَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ قَالَ وَمَا فَرَضَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّيوَانَ إِلَّا عَلَى الْقَبَائِلِ وَلَوْلَا عِلْمُ النَّسَبِ مَا تَخَلَّصَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِك عُثْمَان وَعلي وَغَيرهمَا وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ النَّسَبُ وَلَعَمْرِي لَمْ يُنْصِفْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ النَّسَبِ عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ وَجَهْلٌ لَا يَضُرُّ انْتَهَى وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَلَا يَثْبُتُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا وَلَا يَثْبُتُ بَلْ وَرَدَ فِي الْمَرْفُوعِ حَدِيثُ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ وَلَهُ طُرُقٌ أَقْوَاهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ خَارِجَةَ وَجَاءَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عُمَرَ سَاقَهُ بن حَزْمٍ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ مَوْثُوقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَالَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِ عَلَى التَّعَمُّقِ فِيهِ حَتَّى يَشْتَغِلَ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَحَمْلَ

(6/527)


مَا وَرَدَ فِي اسْتِحْسَانِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ من الْوُجُوه الَّتِي أوردهَا بن حَزْمٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِعِلْمِ النَّسَبِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قَوْلُهُ وَمَا يَنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ قَلَائِلَ قَوْلُهُ الشُّعُوبُ النَّسَبُ الْبَعِيدُ وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِثَالُ الشَّعْبِ مُضَرُ وَرَبِيعَةُ وَمِثَالُ الْقَبِيلَةِ مَنْ دُونَ ذَلِكَ وَأَنْشَدَ لِعَمْرِو بْنِ أَحْمَرَ مِنْ شِعْبِ هَمْدَانَ أَوْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ أَوْ خَوْلَانَ أَوْ مَذْحِجٍ هَاجُوا لَهُ طَرَبًا

[3489] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ بن عَيَّاشٍ الْكُوفِيُّ وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْنَادِ وَأَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ قَوْلُهُ الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ وَالْقَبَائِلُ الْبُطُونُ أَيْ إنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْقَبَائِلِ فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ النَّسَبِ الْبُطُونُ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَلَّادِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَتْنِ الشُّعُوبُ الْجِمَاعُ أَيِ الَّذِي يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُطُونِ قَالَ خَلَّادٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقَبَائِلُ مِثْلُ بَنِي تَمِيمٍ وَدُونُهَا الْأَفْخَاذُ انْتَهَى وَقَدْ قَسَّمَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ إِلَى شِعْبٍ ثُمَّ قَبِيلَةٍ ثُمَّ عِمَارَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ثُمَّ بَطْنٍ ثُمَّ فَخِذٍ ثُمَّ فَصِيلَةٍ وَزَادَ غَيْرُهُ قَبْلَ الشِّعْبِ الْجَذْمَ وَبَعْدَ الْفَصِيلَةِ الْعَشِيرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ بَعْدَ الْعَشِيرَةِ الْأُسْرَةَ ثُمَّ الْعِتْرَةَ فَمِثَالُ الْجَذْمِ عَدْنَانُ وَمِثَالُ الشِّعْبِ مُضَرُ وَمِثَالُ الْقَبِيلَةِ كِنَانَةُ وَمِثَالُ الْعِمَارَةِ قُرَيْشٌ وَأَمْثِلَةُ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا تَخْفَى وَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ أَشْيَاءُ مُرَادِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ كَقَوْلِهِمْ حَيٌّ وَبَيْتٌ وَعَقِيلَةٌ وَأَرُومَةٌ وَجُرْثُومَةٌ وَرَهْطٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَرَتَّبَهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ النَّسَّابَةُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَرَّانِيِّ جَمِيعَهَا وَأَرْدَفَهَا فَقَالَ جَذْمٌ ثُمَّ جُمْهُورٌ ثُمَّ شِعْبٌ ثُمَّ قَبِيلَةٌ ثُمَّ عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ ثُمَّ فَخِذٌ ثُمَّ عَشِيرَةٌ ثُمَّ فَصِيلَةٌ ثُمَّ رَهْطٌ ثُمَّ أُسْرَةٌ ثُمَّ عِتْرَةٌ ثُمَّ ذُرِّيَّةٌ وَزَادَ غَيْرُهُ فِي أَثْنَائِهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ بَيْتٌ وَحي وَجَمَاعَة فَزَادَتْ عَلَى مَا ذَكَرَ الزُّبَيْرُ عَشَرَةً وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْقَبَائِلُ لِلْعَرَبِ كَالْأَسْبَاطِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعْنَى الْقَبِيلَةِ الْجَمَاعَةُ وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا جُمِعَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ قَبِيلَةٌ أَخْذًا مِنْ قَبَائِلِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ غُصُونُهَا أَوْ مِنْ قَبَائِلِ الرَّأْسِ وَهُوَ أَعْضَاؤُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهَا وَيُقَالُ الْمُرَادُ بِالشُّعُوبِ فِي الْآيَةِ بُطُونُ الْعَجَمِ وَبِالْقَبَائِلِ بُطُونُ الْعَرَبِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أَتْقَاهُمْ الْحَدِيثَ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ مَضَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَاضِحٌ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَى يُوسُفَ أَكْرَمَ النَّاسِ لِكَوْنِهِ رَابِعَ نَبِيٍّ فِي نَسَقٍ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ الشَّرَفُ فِي نَسَبِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[3491] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ بن زِيَادٍ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ وَرَوَاهُ عَفَّانُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَقَالَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ عَفَّانَ وَكُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ تَابِعِيٌّ وَسَطٌ كُوفِيٌّ أَصْلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ ضَعَّفَهُ بِغَيْرِ قَادِحٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ بِنْتُ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ قَالَتْ مِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ فِي رِوَايَة الْكشميهني فَمن كَانَ بِزِيَادَةِ فَاءٍ فِي الْجَوَابِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ مُضَرَ قَوْله مُضر هُوَ بن نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَالنَّسَبُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَدْنَانَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ قَالَ عَلَّمَنِي أَبِي وَأَنَا غُلَامٌ نَسَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ شَيْبَةُ الْحَمْدِ بْنُ هَاشِمٍ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَإِلَيْهِ جِمَاعُ قُرَيْشٍ وَمَا كَانَ فَوْقَ فِهْرٍ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ بل هُوَ

(6/528)


كناني بن مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ اسْتَقَامَ نَسَبُ النَّاسِ إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَمُضَرُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ يُقَالُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُولَعًا بِشُرْبِ اللَّبَنِ الْمَاضِرِ وَهُوَ الْحَامِضُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ اسْمٌ غَيْرُهُ قبل أَن يَتَّصِف بِهَذِهِ الصّفة نعم يُمكن أَنْ يَكُونَ هَذَا اشْتِقَاقَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِهِ حَالَةَ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ أَوَّلُ من حدا الْإِبِل وروى بن حبيب فِي تَارِيخه عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَاتَ عَدْنَانُ وَأَبُوهُ وَابْنُهُ مَعَدٌّ وَرَبِيعَةُ وَمُضَرُ وَقَيْسٌ وَتَمِيمٌ وَأَسَدٌ وَضَبَّةُ عَلَى الْإِسْلَامِ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عَبَّاسٍ لَا تَسُبُّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ رَفَعَهُ لَا تَسُبُّوا مُضَرَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَوْلُهُ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ أَيِ الْمَذْكُورِ وَرَوَى أَحْمَدُ وبن سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّكُمْ مِنَّا يَعْنِي مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ نَحْنُ بَنو النَّضر بن كنَانَة وروى بن سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ مَرْفُوعًا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَانْتَسَبَ حَتَّى بَلَغَ النَّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ قَالَ فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ انْتَهَى وَإِلَى النَّضْرِ تَنْتَهِي أَنْسَابُ قُرَيْشٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَإِلَى كِنَانَةَ تَنْتَهِي أَنْسَابُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ

[3492] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَوْلُهُ وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ كَأَنَّ قَائِلَهُ مُوسَى لِأَنَّ قَيْسَ بْنَ حَفْصٍ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا قَدْ جَزَمَ بِأَنَّهَا زَيْنَبُ وَشَيْخُهُمَا وَاحِدٌ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حِبَّانَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَقَالَ لَا أَعْلَمُهَا إِلَّا زَيْنَبَ فَكَأَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ شَيْخِهِمْ عَبْدِ الْوَاحِدِ كَانَ يَجْزِمُ بِهَا تَارَةً وَيَشُكُّ فِيهَا أُخْرَى قَوْلُهُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدُّبَّاءِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِكَوْنِهِ سَمِعَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَرْفُوعُ مِنْهُ فَلَمْ يَرَ حَذْفَهُ مِنَ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ لَهُ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ فَإِنَّهُ تَارَةً يَأْتِي بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا صَنَعَ هُنَا وَتَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ حَاجَتِهِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ قَوْلُهُ وَالْمُقَيَّرُ وَالْمُزَفَّتُ كَذَا وَقَعَ هُنَا بِالْمِيمِ وَالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ هُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ النَّقِيرُ يَعْنِي بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْهُ التَّكْرَارُ إِذَا ذُكِرَ الْمُزَفَّتُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا

[3493] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيم هُوَ بن رَاهَوَيْهِ قَوْلُهُ تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ أَيْ أُصُولًا مُخْتَلِفَةً وَالْمَعَادِنُ جَمْعُ مَعْدِنٍ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْأَرْضِ فَتَارَةً يَكُونُ نَفِيسًا وَتَارَةً يَكُونُ خَسِيسًا وَكَذَلِكَ النَّاسُ قَوْلُهُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَعْدِنَ لَمَّا كَانَ إِذَا اسْتُخْرِجَ ظَهَرَ مَا اخْتَفَى مِنْهُ وَلَا تَتَغَيَّرُ صِفَتُهُ فَكَذَلِكَ صِفَةُ الشَّرَفِ لَا تَتَغَيَّرُ فِي ذَاتِهَا بَلْ مَنْ كَانَ شَرِيفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ رَأْسٌ فَإِنْ أَسْلَمَ اسْتَمَرَّ شَرَفُهُ وَكَانَ أَشْرَفَ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمَشْرُوفِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِذَا فَقِهُوا فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّرَفَ الْإِسْلَامِيَّ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَعَلَى هَذَا فَتَنْقَسِمُ النَّاسُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ مَعَ مَا يُقَابِلُهَا الْأَوَّلُ شَرِيفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَسْلَمَ وَتَفَقَّهَ وَيُقَابِلُهُ مَشْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ الثَّانِي شَرِيفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ وَيُقَابِلُهُ مَشْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يُسْلِمْ وَتَفَقَّهَ الثَّالِثُ شَرِيفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ وَيُقَابِلُهُ مَشْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَسْلَمَ ثُمَّ تَفَقَّهَ الرَّابِعُ

(6/529)


شَرِيفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يُسْلِمْ وَتَفَقَّهَ وَيُقَابِلُهُ مَشْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ فَأَرْفَعُ الْأَقْسَامِ مَنْ شَرُفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَتَفَقَّهَ وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ مَشْرُوفًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَتَفَقَّهَ وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ شَرِيفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ مَشْرُوفًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيفًا أَوْ مَشْرُوفًا سَوَاءٌ تَفَقَّهَ أَوْ لَمْ يَتَفَقَّهْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ وَالشَّرَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ كَالْكَرَمِ وَالْعِفَّةِ وَالْحِلْمِ وَغَيْرِهَا مُتَوَقِّيًا لِمَسَاوِيهَا كَالْبُخْلِ وَالْفُجُورِ وَالظُّلْمِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ إِذَا فَقِهُوا بِضَمِّ الْقَافِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا ثَانِيهَا قَوْلُهُ وَيَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَيِ الْوِلَايَةِ وَالْإِمْرَةِ وَقَوْلُهُ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً أَيْ أَنَّ الدُّخُولَ فِي عُهْدَةِ الْإِمْرَةِ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ لَهُ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ لِمَا فِيهِ مِنْ صُعُوبَةِ الْعَمَلِ بِالْعَدْلِ وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَى رَفْعِ الظُّلْمِ وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مُطَالَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْقَائِمِ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَلَا يَخْفَى خَيْرِيَّةُ مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْإِطْلَاقَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَعَرَفَ أَنَّ مَنْ فِيهِ مُرَادُهُ وَأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ خَيْرَ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ فَاخْتُلِفَ فِي مَفْهُومِهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الْإِمْرَةِ غَيْرَ رَاغِبٍ فِيهَا إِذَا حَصَلَتْ لَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ تَزُولُ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ فِيهَا لِمَا يُرَى مِنْ إِعَانَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَيْهَا فَيَأْمَنُ عَلَى دِينِهِ مِمَّنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ أَحَبَّ مَنْ أَحَبَّ اسْتِمْرَارَ الْوِلَايَةِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ حَتَّى قَاتَلَ عَلَيْهَا وَصَرَّحَ بَعْضُ مَنْ عُزِلَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ تَسُرَّهُ الْوِلَايَةُ بَلْ سَاءَهُ الْعَزْلُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ أَيْ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْرَهَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى الشَّيْءِ وَرَغِبَ فِي طَلَبِهِ قَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ وَقَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِيهِ يَحْصُلُ لَهُ غَالِبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَالِثُهَا قَوْلُهُ وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْتَقِلًّا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ اثْنَيْنِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَثَالِثُهَا

[3495] قَوْلُهُ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ قيل هُوَ خبر بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ بَعْضُ النَّاسِ وَهُمْ سَائِرُ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّيْتُهُ لَذَّةُ الْعَيْشِ بِطُرُقِ الْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَأَذْكُرُ مَقَاصِدَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مَعَ إِيضَاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ عِيَاضٌ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِمَامَةِ الشَّافِعِيِّ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْخُلَفَاءُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ صَحِبَتِ الْمُسْتَدِلَّ بِهَذَا غَفْلَةٌ مُقَارِنَةٌ لِصَمِيمِ التَّقْلِيدِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الْقُرَشِيَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَضْلِ وَالتَّقَدُّمِ كَمَا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ التَّقَدُّمِ الْوَرَعَ مَثَلًا فَالْمُسْتَوِيَانِ فِي خِصَالِ الْفَضْلِ إِذَا تَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا بِالْوَرَعِ مَثَلًا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى رَفِيقِهِ فَكَذَلِكَ الْقُرَشِيَّةُ فَثَبَتَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى تَقَدُّمِ الشَّافِعِيِّ وَمَزِيَّتُهُ عَلَى مَنْ سَاوَاهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الصفتين وتميزه عَلَيْهِ بِالْقُرَشِيَّةِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَلَعَلَّ الْغَفْلَةَ وَالْعَصَبِيَّةَ صَحِبَتِ الْقُرْطُبِيَّ فَلِلَّهِ الْأَمْرُ وَقَوْلُهُ كَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ وَقَعَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُعَظِّمُ قُرَيْشًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسُكْنَاهَا الْحَرَمَ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ تَوَقَّفَ غَالِبُ الْعَرَبِ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَقَالُوا نَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُ فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَأَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ تَبِعَتْهُمُ الْعَرَبُ وَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَاسْتَمَرَّتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ فِي قُرَيْشٍ فَصَدَقَ أَنَّ كَافِرَهُمْ كَانَ تَبَعًا لِكَافِرِهِمْ وَصَارَ مُسْلِمُهُمْ تَبَعًا لِمُسْلِمِهِمْ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ

[3497] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْملك هُوَ

(6/530)


بن مَيْسَرَةَ وَقَعَ مَنْسُوبًا فِي تَفْسِيرِ حم عسق وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَدُخُولُهُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ تَفْسِيرِ الْمَوَدَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْآيَةِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ وَهُمُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَعْرِفَةَ النَّسَبِ الَّتِي تُحَقَّقُ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ قَالَ عِكْرِمَةُ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصِلُ الْأَرْحَامَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللَّهِ خَالَفُوهُ وَقَاطَعُوهُ فَأَمَرَهُمْ بِصِلَةِ الرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فِي التَّفْسِيرِ وَقَوْلُهُ هُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنِكُمْ كَذَا وَقَعَ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ القَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ وَوَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاضِحَةٌ وَالْأُولَى مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَنَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ مَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ كَانَ هَذَا قُرْآنًا فَنُسِخَ وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَعْنَى الْآيَةِ فَنُسِبَ إِلَى النُّزُولِ مَجَازًا وَهُوَ كَقَوْلِ حَسَّانَ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ بِالْمَعْنَى قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَنَزَلَتْ لِلْآيَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَقَوله إِلَّا أَن تصلوا كَلَام بن عَبَّاسٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَقَدْ أَوْضَحَتْ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ فِي رِوَايَته فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ قَرَابَةٌ فَنَزَلَتْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجرا إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَتِي مِنْكُمْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ بَعْضِ الْآيَةِ بِالْمَعْنَى عَلَى جِهَةِ التَّفْسِيرِ وَسَبَبُ ذَلِكَ خَفَاءُ مَعْنَاهَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ السَّادِسُ

[3498] قَوْله عَن إِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ قَوْلُهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا صَرِيحٌ فِي رَفْعِهِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ مِنْ هَا هُنَا أَيِ الْمَشْرِقِ قَوْلُهُ جَاءَتِ الْفِتَنُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالغَة وَفِي تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ سَيَجِيءُ قَوْلُهُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ أَيْ وَأَشَارَ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ إِشَارَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الحَدِيث وَقَوله وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُمَا شَيْئَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَالْبَثُّ هُوَ الْحُزْنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْجَفَاءِ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَلِينُ بِالْمَوْعِظَةِ وَلَا يَخْشَعُ لِتَذْكِرَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْغِلَظِ أَنَّهَا لَا تَفْهَمُ الْمُرَادَ وَلَا تَعْقِلُ الْمَعْنَى وَقَدْ مَضَى فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ الْقَسْوَةِ بَدَلَ الْجَفَاءِ قَوْلُهُ فِي الْفَدَّادِينَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي بَعْدَهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ ضَرُورَةِ أَنَّ النَّاسَ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ كَالْقَبَائِلِ وَكَوْنُ الْأَتْقَى مِنْهُمْ هُوَ الْأَكْرَمُ انْتَهَى وَلَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْعَرَبِ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَهُمْ كَانُوا أَجَلَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَقُرَيْشٌ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ فُرُوعِ مُضَرَ فَأَمَّا أَهْلُ الْيَمَنِ فَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَسَيَأْتِي لَهُمْ تَرْجَمَةٌ مِنْ نَسَبِ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ الْحَدِيثُ السَّابِعُ

[3499] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ظَاهِرُهُ نِسْبَةُ

(6/531)


الْإِيمَانِ إِلَى الْيَمَنِ لِأَنَّ أَصْلَ يَمَانٍ يَمَنِيٌّ فَحُذِفَتْ يَاءُ النَّسَبِ وَعُوِّضَ بِالْأَلِفِ بَدَلَهَا وَقَوْلُهُ يَمَانِية هُوَ بِالتَّخْفِيفِ وَحكى بن السَّيِّدِ فِي الِاقْتِضَابِ أَنَّ التَّشْدِيدَ لُغَةٌ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا عَنْ سِيبَوَيْهِ جَوَازَ التَّشْدِيدِ فِي يَمَانِيٍّ وَأَنْشَدَ يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيرًا وَيَنْفُخُ دَائِمًا لَهَبَ الشُّوَاظِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْهَا وَمَكَّةُ يَمَانِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمَا يَمَانِيَّتَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صَدَرَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بِتَبُوكَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ لِأَنَّ أَصْلَهُمْ مِنَ الْيَمَنِ وَنُسِبَ الْإِيمَانُ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْأَصْلَ فِي نَصْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى جَمِيعَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ وَتعقبه بن الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ إِذْعَانُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ مَشَقَّةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامُهُ بِهِ نُسِبَ إِلَيْهِ إِشْعَارًا بِكَمَالِ حَالِهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَفِي أَلْفَاظِهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ فَأَشَارَ إِلَى مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ لَا إِلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَرَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمْلِ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْفِقْهِ الْفَهْمُ فِي الدِّينِ وَالْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ انْتَهَى وَقَدْ أَبْعَدَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ شَخْصٌ خَاصٌّ وَهُوَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ ذِكْرِ قَحْطَانَ زِيَادَةٌ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ سُمِّيَتْ الْيَمَنُ لِأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعَةِ وَرَوَى عَنْ قُطْرُبٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْيَمَنُ يَمَنًا لِيُمْنِهِ وَالشَّامُ شَأَمًا لِشُؤْمِهِ وَقَالَ الْهَمْدَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ لَمَّا ظَعَنَتِ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ أَقْبَلَ بَنُو قَطَنِ بْنِ عَامِرٍ فَتَيَامَنُوا فَقَالَتِ الْعَرَبُ تَيَامَنَتْ بَنُو قَطَنٍ فَسُمُّوا الْيَمَنَ وَتَشَاءَمَ الْآخَرُونَ فَسُمُّوا شَامًا وَقِيلَ إِنَّ النَّاسَ لَمَّا تَفَرَّقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ حِينَ تَبَلْبَلَتْ بِبَابِلَ أَخَذَ بَعْضُهُمْ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ فَسُمُّوا يَمَنًا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ عَنْ شِمَالِهَا فَسُمُّوا شَامًا وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْيَمَنُ بِيَمَنِ بْنِ قَحْطَانَ وَسُمِّيَتِ الشَّامُ بِسَامِ بْنِ نُوحٍ وَأَصْلُهُ شَامُ بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ عُرِّبَ بِالْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ وَالْمَشْأَمَةُ الْمَيْسَرَةُ إِلَخْ يُرِيدُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المشأمة أَيْ أَصْحَابُ الْمَيْسَرَةِ وَيُقَالُ لِلْيَدِ الْيُسْرَى الشُّؤْمَى قَالَ وَيُقَالُ لِلْجَانِبِ الْأَيْسَرِ الْأَشْأَمُ انْتَهَى وَيُقَالُ الْمُرَادُ بِأَصْحَابِ الْمَشْأَمَةِ أَصْحَابُ النَّارِ لِأَنَّهُمْ يُمَرُّ بِهِمْ إِلَيْهَا وَهِيَ عَلَى نَاحِيَةِ الشِّمَالِ وَيُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَتَنَاوَلُونَ كُتُبَهُمْ بِالشِّمَالِ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم

(6/532)


(قَوْلُهُ بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ)
هُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَخْرَجَهُ بن سَعْدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ وَرَوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ كَانَ سُكَّانُ مَكَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قُرَيْشٌ دُونَ سَائِرِ بَنِي النَّضْرِ حَتَّى رَحَلُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ مَنْ قُرَيْشٌ قَالَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَقِيلَ إِنَّ قُريْشًا هم وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَبِهِ جَزَمَ مُصْعَبٌ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ فَلَيْسَ قُرَشِيًّا وَقَدْ قَدَّمْتُ مثله عَن بن الْكَلْبِيِّ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ نُسِبَ إِلَى قُرَيْشٍ قصي بن كلاب فروى بن سَعْدٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ مَتَى سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا قَالَ حِينَ اجْتَمَعَتْ إِلَى الْحَرَمِ بَعْدَ تَفَرُّقِهَا فَقَالَ مَا سَمِعْتُ بِهَذَا وَلَكِنْ سَمِعْتُ أَنَّ قُصَيًّا كَانَ يُقَالُ لَهُ الْقُرَشِيُّ وَلَمْ يُسَمَّ أحد قُريْشًا قبله وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْمِقْدَادِ لَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ نَفْيِ خُزَاعَةَ مِنَ الْحَرَمِ تَجَمَّعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَسُمِّيَتْ يَوْمَئِذٍ قُرَيْشًا لِحَالِ تَجَمُّعِهَا وَالتَّقَرُّشُ التَّجَمُّعُ وَقِيلَ لِتَلَبُّسِهِمْ بِالتِّجَارَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى جَاءَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَجَمِّعًا فِيهِ فَسُمِّيَ قُرَيْشًا وَقِيلَ مِنَ التَّقَرُّشِ وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْء أَولا فأولا وَقد أَكثر بن دِحْيَةَ مِنْ نَقْلِ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ قُرَيْشٍ قُرَيْشًا وَمِنْ أَوَّلِ مَنْ تَسَمَّى بِهِ وَحَكَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَسَمَّى قُرَيْشًا قُرَيْشُ بْنُ بَدْرِ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَكَانَ دَلِيلَ بَنِي كِنَانَةَ فِي حُرُوبِهِمْ فَكَانَ يُقَالُ قَدِمَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ فَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ قُرَيْشًا وَأَبُوهُ صَاحِبُ بَدْرٍ الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ هِيَ سَيِّدَةُ الدَّوَابِّ الْبَحْرِيَّةِ وَكَذَلِكَ قُرَيْشٌ سَادَةُ النَّاسِ قَالَ الشَّاعِر وقريش هِيَ الَّتِي تسكن الْبَحْر بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تتْرك فِيهِ لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا وَلَهُمْ آخِرُ الزَّمَانِ نَبِيٌّ يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ قُرَيْشٌ دَابَّةٌ فِي الْبَحْرِ لَا تَدَعُ دَابَّةً فِي الْبَحْرِ إِلَّا أَكَلَتْهَا فَجَمِيعُ الدَّوَابِّ تَخَافُهَا وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ قُلْتُ وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ أَفْوَاهِ أَهْلِ الْبَحْرِ الْقِرْشُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لَكِنَّ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فَلَعَلَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ الْبَيْتَ الْأَخِيرَ مِنَ الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شِعْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مُصَغَّرُ الْقِرْشِ الَّذِي بِكَسْرِ الْقَافِ وَقَدْ أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق بن عَبَّاسٍ قَالَ قُرَيْشٌ تَصْغِيرُ قِرْشٍ وَهِيَ دَابَّةٌ فِي الْبَحْرِ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ غَثٍّ وَلَا سَمِينٍ إِلَّا أَكَلَتْهُ وَقِيلَ سُمِّيَ قُرَيْشًا لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرِشُ عَنْ خَلَّةِ النَّاسِ وَحَاجَتِهِمْ وَيَسُدُّهَا وَالتَّقْرِيشُ هُوَ التَّفْتِيشُ وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِالطِّعَانِ وَالتَّقْرِيشُ وَقْعُ الْأَسِنَّةِ وَقِيلَ التَّقَرُّشُ التَّنَزُّهُ عَنْ رَذَائِلِ الْأُمُورِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ أَقْرَشَتِ الشَّجَّةُ إِذَا صَدَّعَتِ الْعَظْمَ وَلَمْ تُهَشِّمْهُ وَقِيلَ أَقْرَشَ بِكَذَا إِذَا سَعَى فِيهِ فَوَقَعَ لَهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ

[3389] قَوْلُهُ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْمَذْكُورِ وَأَذْكُرُ إِنْ شَاءَ

(6/534)


اللَّهُ شَرْحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ قَوْلُهُ مِنْ قَحْطَانَ هُوَ جِمَاعُ الْيَمَنِ وَفِي إِنْكَارِ مُعَاوِيَةَ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مُقَيَّدٌ بِإِقَامَةِ الدِّينِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْقَحْطَانِيِّ إِذَا لَمْ تُقِمْ قُرَيْشٌ أَمْرَ الدِّينِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْخِلَافَةَ لَمْ تَزَلْ فِي قُرَيْشٍ وَالنَّاسُ فِي طَاعَتِهِمْ إِلَى أَنِ اسْتَخَفُّوا بِأَمْرِ الدِّينِ فَضَعُفَ أَمْرُهُمْ وَتَلَاشَى إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنَ الْخِلَافَةِ سِوَى اسْمِهَا الْمُجَرَّدِ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ دُونَ أَكْثَرِهَا وَسَيَأْتِي مِصْدَاقُ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ بَيَّنَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ وَجْهٍ قَوِيٍّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ ذَكَرَ الْخُلَفَاءَ ثُمَّ قَالَ وَرَجُلٌ من قحطان وَأخرجه بِإِسْنَاد جيد عَنْ عَمْرِو بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ ذَكَرَ الْخُلَفَاءَ ثُمَّ قَالَ وَرَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ جيد أَيْضا من حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ فِيهِ وَرَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ كُلُّهُمْ صَالِحٌ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْمَرٍ الْحَبَشِيِّ مَرْفُوعًا كَانَ الْمُلْكُ قَبْلَ قُرَيْشٍ فِي حمير وَسَيَعُودُ إِلَيْهِم وَقَالَ بن التِّينِ إِنْكَارُ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَدْ يَخْرُجُ الْقَحْطَانِيُّ فِي نَاحِيَةٍ لَا أَنَّ حُكْمَهُ يَشْمَلُ الْأَقْطَارَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْخَبَرِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[3502] قَوْلُهُ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ وَوَقَعَ لِلْحَمَوِيِّ سِيٌّ وَاحِدٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَحكى بن التِّينِ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ بِالْمُعْجَمَةِ وَأَنَّ فِيهَا أَحَدٌ بَدَلَ وَاحِدٍ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ لَفْظَ أَحَدٍ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّفْيِ تَقُولُ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ وَأَمَّا فِي الْإِثْبَاتِ فَتَقُولُ جَاءَنِي وَاحِدٌ الحَدِيث الْخَامِس

[3503] قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ أَي بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ وَكَانَتْ أَرَقَّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ مَوْصُولًا بَعْدَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ اللَّيْثِ وَفِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ إِلَّا هَكَذَا مُعَلَّقًا وَقَرَابَةُ بَنِي زُهْرَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ أَقَارِبُ أُمِّهِ لِأَنَّهَا آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مُنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ إِخْوَةُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ وَهُوَ جَدُّ وَالِدِ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ النَّسَبِ أَنَّ زُهْرَةَ اسْم الرجل وشذ بن قُتَيْبَةَ فَزَعَمَ أَنَّهُ اسْمُ امْرَأَتِهِ وَأَنَّ وَلَدَهَا غَلَبَ عَلَيْهِمُ النَّسَبُ إِلَيْهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ إِمَامِ أَهْلِ النَّسَبِ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ إنَّ اسْم زهرَة الْمُغيرَة فَإِن ثَبت قَول بن قُتَيْبَةَ فَالْمُغِيرَةُ اسْمُ الْأَبِ وَزُهْرَةُ اسْمُ امْرَأَتِهِ فَنُسِبَ أَوْلَادُهُمَا إِلَى أُمِّهِمْ ثُمَّ غَلَبَ ذَلِكَ حَتَّى ظُنَّ أَنَّ زُهْرَةَ اسْمُ الْأَبِ فَقِيلَ زُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ وَزُهْرَةُ بِضَمِّ الزَّايِ بِلَا خِلَافٍ

[3504] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَيِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ح قَالَ يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيم أَي بن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَمَّا طَرِيقُ أَبِي نُعَيْمٍ فَسَيَأْتِي بِهَذَا الْمَتْنِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا طَرِيقُ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ حَمَلَ الْبُخَارِيُّ مَتْنَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ عَلَى مَتْنِ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَيَعْقُوبُ إِنَّمَا قَالَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الْأَعْرَجِ كَمَا أخرجه مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ غِفَارٌ وَأَسْلَمُ وَمُزَيْنَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وغَطَفَان وطىء انْتَهَى فَحَاصِلُهُ أَنَّ رِوَايَةَ يَعْقُوبَ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ لِأَنَّ الثَّوْرِيَّ يَرْوِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَعْرَجِ وَيَعْقُوبُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الْأَعْرَجِ قُلْتُ وَلَمْ يُصِبْ أَبُو مَسْعُودٍ فِيمَا جَزَمَ بِهِ فَإِنَّهُمَا حديثان متغايران متْنا وإسنادا روى كُلًّا مِنْهُمَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَحَدُهُمَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الْأَعْرَجِ وَالْآخَرُ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْرَجِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لَاقْتَضَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي الْأَعْرَجُ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنَا أَبِي عَن

(6/535)


صَالِحٍ عَنِ الْأَعْرَجِ وَنِسْبَةُ الْبُخَارِيِّ إِلَى الْوَهْمِ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِبَيَانٍ وَاضِحٍ قَاطِعٍ وَمِنْ أَيْنَ يُوجَدُ وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ مُعَلَّقًا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ هَذَا الْمَتْنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بَعْدَ التَّتَبُّعِ عَدَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن عُمَرَ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَيْسَتِ الْحُكُومَةُ فِي زَمَنِنَا لِقُرَيْشٍ فَكَيْفَ يُطَابِقُ الْحَدِيثَ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي بِلَادِ الْغَرْبِ خَلِيفَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَذَا فِي مِصْرَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْغَرْبِ هُوَ الْحَفْصِيُّ صَاحِبُ تُونُسَ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَبِي حَفْصٍ رَقِيق عبد الْمُؤمن صَاحب بن تُومَرْتَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ ادَّعَى أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ ثُمَّ غَلَبَ أَتْبَاعُهُ عَلَى مُعْظَمِ الْغَرْبِ وَسُمُّوا بِالْخِلَافَةِ وَهُمْ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ وَذُرِّيَّتُهُ ثُمَّ انْتَقَلَ ذَلِكَ إِلَى ذُرِّيَّةِ أَبِي حَفْصٍ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ تَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَمَّا أَبُو حَفْصٍ فَلَمْ يَكُنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ وَإِنَّمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ وَلَدِهِ لَمَّا غَلَبُوا عَلَى الْأَمْرِ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَيْسَ بِيَدِهِمُ الْآنَ إِلَّا الْمَغْرِبَ الْأَدْنَى وَأَمَّا الْأَقْصَى فَمَعَ بَنِي الْأَحْمَرِ وَهُمْ مَنْسُوبُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ وَأَمَّا الْأَوْسَطُ فَمَعَ بَنِي مَرِينَ وَهُمْ مِنَ الْبَرْبَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَخَلِيفَةٌ مِنْ مِصْرَ فَصَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَا حَلَّ بِيَدِهِ وَلَا رَبْطَ وَإِنَّمَا لَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ الِاسْمُ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَإِلَّا فَقَدْ خَرَجَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْ قُرَيْشٍ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ وَيُحْتَمُلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمُتَغَلِّبِينَ عَلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ فِي مُعْظَمِ الْأَقْطَارِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ لَكِنَّهُمْ مُعْتَرِفُونَ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ مُجَرَّدَ التَّسْمِيَةِ بِالْخِلَافَةِ لَا الِاسْتِقْلَالَ بِالْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْخُمُسِ

[3505] قَوْلُهُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَة هُوَ بن أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ قَدْ تَوَلَّتْ تَرْبِيَتَهُ حَتَّى كَانَتْ تُكَنَّى بِهِ قَوْلُهُ وَكَانَتْ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا أَيْ لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا مِمَّا يَأْتِيهَا مِنَ الْمَالِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا أَيْ يُحْجَرَ عَلَيْهَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ كَمَا سَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَسَأَذْكُرُ شَرْحِهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَقَالَتْ وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغُ مِنْهُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى انْعِقَادِ النَّذْرِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ لَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ عَائِشَةَ وَصَنِيعِهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي وَأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْذَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فَعَلَتْ ذَلِكَ تَوَرُّعًا لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ تَمَنَّتْ أَنْ يَدُومَ لَهَا الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَتْهُ لِلْكَفَّارَةِ أَيْ تَصِيرُ تَعْتِقُ دَائِمًا وَكَذَا مَنْ قَالَ تَمَنَّتْ أَنَّهَا بَادَرَتْ إِلَى الْكَفَّارَةِ حِينَ حَلَفَتْ وَلَمْ تَكُنْ هَجَرَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَوَجْهُ بُعْدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَهَا مِنَ الْعِتْقِ فَكَيْفَ تَتَمَنَّى مَا لَا مَانِعَ لَهَا مِنْ إِيقَاعِهِ ثُمَّ إنَّهُ يُقَيَّدُ بِاقْتِدَارِهَا عَلَيْهِ لَا إِلْزَامِهَا بِهِ مَعَ عَدَمِ الِاقْتِدَارِ وَأَمَّا بُعْدُ الثَّانِي فَلِقَوْلِهَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي إِنَّهَا كَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا فَتَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ دَمْعُهَا خِمَارَهَا فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَظُنُّ أَنَّهَا مَا وَفَّتْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ الْكَفَّارَةِ وَاسْتَشْكَلَ بن التِّين وُقُوع

(6/536)


الْحِنْث عَلَيْهَا بِمُجَرَّد دُخُول بن الزُّبَيْرِ مَعَ الْجَمَاعَةِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمَّا سَلَّمُوا عِنْدَ دُخُولِهِمْ رَدَّتْ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ وَهُوَ فِي جُمْلَتِهِمْ فَوَقَعَ الْحِنْثُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَحِمَ الْحِجَابَ انْتَهَى وَغَفَلَ عَمَّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَفِيهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالَا بهَا حَتَّى كلمت بن الزبير مَعَ أَن التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَه بن التِّينِ لَوْ لَمْ يَرُدَّ هَذَا التَّصْرِيحَ لَكَانَ مُتَعَقَّبًا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ إِذَا نَوَتْ إِخْرَاجَهُ وَلَا تَحْنَثُ بِذَلِكَ وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ)
أَوْرَدَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ بِكِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا مَشْرُوحًا فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَوجه دُخُولِهِ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ بَابُ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ أَيِ بن إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَنِسْبَةُ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْيَمَنُ فَجِمَاعُ نَسَبِهِمْ يَنْتَهِي إِلَى قَحْطَانَ وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَشْخَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَقِيلَ هُوَ مِنْ وَلَدِ هود عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل بن أَخِيهِ وَيُقَالُ إِنَّ قَحْطَانَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ وَالِدُ الْعَرَبِ الْمُتَعَرِّبَةِ وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَهُوَ وَالِدُ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْرِبَةِ وَأَمَّا الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ فَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ كَعَادٍ وَثَمُودَ وَطَسْمَ وَجَدِيسَ وَعَمْلِيقَ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ قَحْطَانَ أَوَّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ وَعِمْ صَبَاحًا وَزَعَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ إِلَى أَنَّ قَحْطَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ وَأَنَّهُ قَحْطَانُ بْنُ الْهَمَيْسَعِ بْنِ تَيْمِ بْنِ نَبْتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي قِصَّةِ هَاجَرَ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ يُخَاطِبُ الْأَنْصَارَ فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ هَذَا

(6/537)


هُوَ الَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَقْدِي وَذَلِكَ أَنَّ عدد الْآبَاء بَين الْمَشْهُورين من الصَّحَابَة وَغَيرهم وَبَيْنَ قَحْطَانَ مُتَقَارِبٌ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ بَيْنَ الْمَشْهُورِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَبَيْنَ عَدْنَانَ فَلَوْ كَانَ قحطان هُوَ هودا أَو بن أَخِيهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ عَصْرِهِ لَكَانَ فِي عِدَادِ عَاشِرِ جَدٍّ لِعَدْنَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ بَيْنَ عَدْنَانَ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ أَوْ خَمْسَةً وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيل نَحْو من أَرْبَعِينَ أَبًا فَذَاكَ أَبْعَدُ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مَعَ أَنَّهُ حَكَاهُ كَثِيرُونَ وَهُوَ أَرْجَحُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ كَانَ فِي عَصْرِ بُخْتَنَصَّرَ وَقَدْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ وَاخْتِلَافٌ مُتَفَاوِتٌ حَتَّى أَعْرَضَ الْأَكْثَرُ عَنْ سِيَاقِ النَّسَبِ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ وَقَدْ جَمَعْتُ مِمَّا وَقَعَ لِي مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ فَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ النَّسَبِ لِأَبِي رُؤْبَةَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فَذَكَرَ فِيهِ فَصْلًا فِي نَسَبِ عَدْنَانَ فَقَالَ قَالَت طَائِفَة هُوَ بن أدبن أَدَدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ مُقَدَّمِ بْنِ هَمَيْسَعَ بْنِ نَبْتِ بْنَ قَيْدَارَ بْنِ إِسْمَاعِيل وَقَالَت طَائِفَة بن أَدَدِ بْنِ هَمَيْسَعَ بْنِ نَبْتِ بْنِ سَلَامَانَ بْنِ حَمَلَ بْنِ نَبْتِ بْنِ قَيْدَارَ وَقَالَتْ طَائِفَة بن أَدَدِ بْنِ هَمَيْسَعَ الْمُقَوِّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ يَسْرَحَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ مَالِكَ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ نَبْتِ بْنِ قَيْدَارَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ بْنُ أُدِّ بْنِ أَدَدِ بْنِ الْهَمَيْسَعِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَرِيحِ بْنِ نُمَيْرِ بْنِ حَمِيلِ بْنِ مَنْحِيمَ بْنِ لَافِثَ بْنِ الصَّابُوحِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ نَابِتَ بْنِ قَيْدَارَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ أَرْبَعُونَ أَبًا قَالَ وَاسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ رَخِيَا كَاتِبِ أَرْمِيَا النَّبِيِّ وَكَانَ رَخِيَا قَدْ حَمَلَ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لَيَالِيَ بُخْتَنَصَّرَ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ فَأَثْبَتَ نَسَبَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ فِي كُتُبِهِ فَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ وَوَجَدْتُ طَائِفَةً مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِ قَدْ حَفِظَتْ لِمَعَدَّ أَرْبَعِينَ أَبًا بِالْعَرَبِيَّةِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَاحْتَجَّتْ فِي أَسْمَائِهِمْ بِأَشْعَارِ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ كَأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ قَالَ فَقَابَلْتُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَجَدْتُ الْعَدَدَ مُتَّفِقًا وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفًا ثُمَّ سَاقَ أَسْمَاءَ أَرْبَعِينَ أَبًا بَيْنَهُمَا وَقَدْ وَجَدْتُ لِغَيْرِهِ حِكَايَةَ خِلَافٍ أَزْيَدَ مِمَّا حَكَاهُ فَعِنْدَ بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ عَدْنَانُ بْنُ أَدَدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَنْدَرَ وَعَنْهُ أَيْضًا عَدْنَانُ بْنُ أُدِّ بْنِ مُقَوِّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ يَبْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ هُوَ عَدْنَانُ بْنُ أُدِّ بْنِ أَدَدِ بْنِ الْهَمَيْسَعِ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَحَكَاهُ مُرَّةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَدَنِيِّ فَزَادَ فِيهِ بَيْنَ أَدَدٍ وَالْهَمَيْسَعِ زَيْدًا وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْبِهَانِيُّ عَنْ دَغْفَلٍ النَّسَّابَةِ أَنَّهُ سَاقَ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ أَبًا فَذَكَرَهَا وَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْمَذْكُورِ قَبْلُ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ فِي كتاب النّسَب لَهُ وَنَقله بن سَعْدٍ عَنْهُ قَالَ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ أَنَّهُ سَاقَ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ أَرْبَعِينَ أَبًا قُلْتُ فَذَكَرَهَا وَفِيهَا مُغَايَرَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ هِشَامٌ وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تَدْمُرَ يُكَنَّى أَبَا يَعْقُوبَ مِنْ مُسْلِمِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَعُلَمَائِهِمْ أَنَّ رَخِيَا كَاتِبَ أَرْمِيَاءَ أَثْبَتَ نَسَبَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي عِنْدَهُ نَحْوُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالْخِلَافُ مِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ قَالَ وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَعَدَّ بْنَ عدنان كَانَ على عهد عِيسَى بن مَرْيَمَ كَذَا قَالَ وَحَكَى الْهَمْدَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ مَا حَكَاهُ بن الْكَلْبِيِّ ثُمَّ سَاقَ الْأَسْمَاءَ سِيَاقَةً أُخْرَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْقَلَ وَلَا يُذْكَرَ وَلَا يُسْتَعْمَلَ بِمُخَالَفَتِهَا لِمَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ النَّاسِ كَذَا قَالَ وَالَّذِي تَرَجَّحَ فِي نَظَرِي أَن الِاعْتِمَاد على مَا قَالَه بن إِسْحَاقَ أَوْلَى وَأَوْلَى مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ عَدْنَانُ هُوَ بن أُدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ بَرِّيِّ بْنِ أَعْرَاقِ الثَّرَى وَأَعْرَاقُ الثَّرَى هُوَ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ آنِفًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ وَهُوَ مُوَافِقٌ مَنْ يَقُولُ إِنَّ قَحْطَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَتَقَارَبُ عَدَدُ الْآبَاءِ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ قَحْطَانَ وَعَدْنَانَ وَبَيْنَ

(6/538)


إِسْمَاعِيلَ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا فِي عَهْدِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ عَدَدَ الْآبَاءِ بَيْنَ نَبِيِّنَا وَبَيْنَ عَدْنَانَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ فَيَبْعُدُ مَعَ كَوْنِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ نَبِيِّنَا وَبَيْنَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ طُولِ أَعْمَارِهِمْ أَنْ يَكُونَ مَعَدٌّ فِي زَمَنِ عِيسَى وَإِنَّمَا رَجَّحَ مَنْ رَجَّحَ كَوْنَ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ الَّذِي تَقَدَّمَ مَعَ الِاضْطِرَابِ فِيهِ اسْتِبْعَادُهُمْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَعَدٍّ وَهُوَ فِي عصر عِيسَى بن مَرْيَمَ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ أَرْبَعَةُ آبَاءٍ أَوْ خَمْسَةٌ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَمَا فَرُّوا مِنْهُ وَقَعُوا فِي نَظِيرِهِ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ مَا حَرَّرْتُهُ وَهُوَ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ كَانَ فِي زَمَنِ عِيسَى فَالْمُعْتَمَدُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنَ الْآبَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ مَقْصُورًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيُّ أَفْعَى بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الصَّادِ وَهُوَ تَصْحِيف وَقَوله بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر أَي بن حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ قَالَ الرَّشَاطِيُّ الْأَزْدُ جُرْثُومَةٌ مِنْ جَرَاثِيمِ قَحْطَانَ وَفِيهِمْ قَبَائِلُ فَمِنْهُمْ الْأَنْصَارُ وَخُزَاعَةُ وَغَسَّانُ وَبَارِقُ وَغَامِدٌ وَالْعَتِيكُ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الْأَزْدُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَإِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَسَبَ حَارِثَةَ بْنَ عَمْرٍو مُتَّصِلٌ بِالْيَمَنِ وَقَدْ خَاطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي أَسْلَمَ بِأَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كَمَا فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ بَنِي أَسْلَمَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى قَحْطَانَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِي أَسْلَمَ مَا وَقَعَ فِي إِخْوَتِهِمْ خُزَاعَةَ مِنَ الْخِلَافِ هَلْ هُمْ مِنْ بَنِي قَحْطَانَ أَوْ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَقَدْ ذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْقَاعِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بناس من بني أَسْلَمَ وَخُزَاعَةُ وَهُمْ يَتَنَاضَلُونَ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ خُزَاعَةَ كَانُوا أَكْثَرَ فَقَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ وَأَجَابَ الْهَمْدَانِيُّ النَّسَّابَةُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَهُمْ يَا بَنِي إِسْمَاعِيلَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ مِنْ جِهَةِ الْأُمَّهَاتِ لِأَن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهارة فَالْقَحْطَانِيَّةُ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ مِنْ جِهَةِ الْأُمَّهَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ من ولد إِسْمَاعِيل قَول بن الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ جَدِّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَرِثْنَا مِنَ الْبُهْلُولِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ وَحَارِثَةَ الْغِطْرِيفِ مَجْدًا مُؤَثَّلًا مَآثِرَ مِنْ آل بن بنت بن مَالك وَبنت بن إِسْمَاعِيلَ مَا أنْ تَحَوَّلَا وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ كَمَا قَالَ الْهَمْدَانِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(6/539)


(قَوْلُهُ بَابُ كَذَا)
هُوَ بِلَا تَرْجَمَةٍ وَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِهِ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ظَاهِرٌ وَهُوَ الزَّجْرُ عَنْ الِادِّعَاءِ إِلَى غَيْرِ الْأَبِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ الْيَمَنَ إِذَا ثَبَتَ نَسَبُهُمْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِأَصْلِ الْبَابِ وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الْقَيْسِ لَيْسُوا مِنْ مُضَرَ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ بِذِكْرِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فَأَمَّا الحَدِيث الأول وَهُوَ من حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ عَنِ الْحُسَيْن هُوَ بن وَاقِدٍ الْمُعَلِّمُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ وَقَوْلُهُ

[3508] عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ زَائِدَةَ وَالتَّعْبِيرُ بِالرَّجُلِ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ حُكْمُهَا قَوْلُهُ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ بِاللَّهِ كَذَا وَقَعَ هُنَا كَفَرَ بِاللَّهِ وَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ بِاللَّهِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَلَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَا الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَهُوَ أَوْلَى وَإِنْ ثَبَتَ ذَاكَ فَالْمُرَادُ مَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَالْمُرَادُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِ الْكُفْرِ أَنَّ فَاعِلَهُ فَعَلَ فِعْلًا شَبِيهًا بِفِعْلِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَهُوَ أَعَمُّ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ نَسَبٌ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ دُونَ غَيْرِهِ وَمَعَ حَذْفِهَا يَبْقَى مُتَعَلِّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَحْذُوفًا فَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ وَلَفْظُ نَسَبٌ أَوْلَى مَا قُدِّرَ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَوْلُهُ فَلْيَتَبَوَّأْ أَيْ لِيَتَّخِذْ مَنْزِلًا مِنَ النَّارِ وَهُوَ إِمَّا دُعَاءٌ أَوْ خَبَرٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ هَذَا جَزَاؤُهُ إِنْ جُوزِيَ وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَقَدْ

(6/540)


يَتُوبُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ وَفِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الِانْتِفَاءِ مِنَ النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ وَالِادِّعَاءِ إِلَى غَيْرِهِ وَقَيَّدَ فِي الْحَدِيثَ بِالْعِلْمِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَالَتَيْنِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا لِأَنَّ الْإِثْمَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ الْمُتَعَمِّدِ لَهُ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى الْمَعَاصِي لِقَصْدِ الزَّجْرِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَحْرِيمُ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ لَيْسَ هُوَ لِلْمُدَّعِي فَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةُ كُلُّهَا مَالًا وَعِلْمًا وَتَعَلُّمًا وَنَسَبًا وَحَالًا وَصَلَاحًا وَنِعْمَةً وَوَلَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيَزْدَادُ التَّحْرِيمُ بِزِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتدلَّ بِهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي تَصْحِيحِهِمْ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ بِغَيْرِ مُسَخِّرٍ لِدُخُولِ الْمُسَخِّرِ فِي دَعْوَى مَا لَيْسَ لَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَالْقَاضِي الَّذِي يُقِيمُهُ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّ دَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا الْقَانُونُ مَنْصُوصًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى يُخَصَّ بِهِ عُمُومُ هَذَا الْوَعِيدِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إِيصَالُ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ فَتَرْكُ مُرَاعَاةِ هَذَا الْقَدْرِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ مِنْ إِيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْلَى مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[3509] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ وَهُوَ بن عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ عَوَالِي الْبُخَارِيِّ وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّصْرِيُّ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا صَادٌ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ دِمَشْقِيٌّ وَاسْمُ جَدِّهِ كَعْبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَيُقَالُ بُسْرُ بْنُ كَعْبٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ فَفِي الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ الْقَرِينِ عَنِ الْقَرِينِ وَقَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ الطَّائِفِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَانَ مَحْمُودَ السِّيرَةِ وَمَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا وَلِقَاءً لِلْمَشَايِخِ لَكِنَّهُ أَدْخَلَ بَيْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَوَاثِلَةَ عَبْدَ الْوَهَّابِ بن بخت رَأَيْته فِي مستخرج بن عَبْدَانَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدٍ وَهِشَامٍ فِيهِ مَقَالٌ وَهَذَا عِنْدِي مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ أَوْ هُوَ مَقْلُوبٌ كَأَنَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَا بِكَسْرِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ وَمَمْدُودٌ وَهُوَ جَمْعُ فِرْيَةٍ وَالْفِرْيَةُ الْكَذِبُ وَالْبُهْتُ تَقُولُ فَرَى بِفَتْحِ الرَّاءِ فُلَانٌ كَذَا إِذَا اخْتَلَقَ يَفْرِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَافْتَرَى اخْتَلَقَ قَوْلُهُ أَوْ يُرِيَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ أَوَّلَهُ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ يَدَّعِي أَنَّ عَيْنَيْهِ رَأَتَا فِي الْمَنَامِ شَيْئًا مَا رَأَتَاهُ وَلأَحْمَد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ وَاثِلَةَ أَنْ يَفْتَرِيَ الرَّجُلُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَيَقُولُ رَأَيْتُ وَلَمْ يَرَ فِي الْمَنَامِ شَيْئًا قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ أَوَّلَهُ وَضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْقَافِ وَتَثْقِيلِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ وَفِي الْحَدِيثِ تَشْدِيدُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْخَبَرُ عَنِ الشَّيْءِ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَالِادِّعَاءُ إِلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْكَذِبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا هَذَا الْأَخِيرُ فَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنَامِ فَيَأْتِي فِي التَّعْبِيرِ وَأَمَّا الِادِّعَاءُ فَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِيمَا قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي التَّشْدِيدِ فِيهِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِحٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدِ اشْتَدَّ النَّكِيرُ عَلَى مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كذب بآياته فَسَوَّى بَيْنَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَقَالَ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوههم مسودة وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ علم

(6/541)


وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ وَأَمَّا الْمَنَامُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ جُزْءًا مِنَ الْوَحْيِ كَانَ الْمُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا لَمْ يَقَعْ كَالْمُخْبِرِ عَنِ اللَّهِ بِمَا لَمْ يُلْقِهِ إِلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ مَلَكَ الرُّؤْيَا فَيُرِيَ النَّائِمَ مَا شَاءَ فَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْكَذِبِ يَكُونُ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الْمَلَكِ كَمَا أَنَّ الَّذِي يَكْذِبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسُبُ إِلَيْهِ شَرْعًا لَمْ يَقُلْهُ وَالشَّرْعُ غَالِبًا إِنَّمَا تَلَقَّاهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ فَيَكُونُ الْكَاذِبُ فِي ذَلِكَ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ وعَلى الْملك الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَشْرِبَةِ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ

[3510] عَنْ أَبِي جَمْرَةَ هُوَ بِالْجِيمِ وَقَوْلُهُ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعَةٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِأَرْبَعٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالشَّيْءُ إِذَا لَمْ يُذْكَرْ مُمَيِّزُهُ يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ جُلَّ الْعَرَبِ هُمْ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ وَلَا خِلَافَ فِي نسبتهم إِلَى إِسْمَاعِيل الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث بن عُمَرَ فِي أَنَّ الْفِتْنَةَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ الْمَشْرِقِ وَكُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَفِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ذِكْرِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ فَاثْنَانِ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الثَّالِثِ

(6/542)


(قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ)
هَذِهِ خَمْسُ قَبَائِلَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْقُوَّةِ وَالْمَكَانَةِ دُونَ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَبَنِي تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْقَبَائِلِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَانُوا أَسْرَعَ دُخُولًا فِيهِ مِنْ أُولَئِكَ فَانْقَلَبَ الشَّرَفُ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَأَمَّا أَسْلَمَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ نَسَبِهِمْ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَأَمَّا غِفَارٌ فَبِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَهُمْ بَنُو غِفَارِ بْنِ مليل بميم ولامين مصغر بن ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَسَبَقَ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَأَخُوهُ أَنِيسٌ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ قَرِيبًا وَرَجَعَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ وَأَمَّا مُزَيْنَةُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ اسْمُ امْرَأَةِ عَمْرِو بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بِالْمُوَحَّدَةِ ثمَّ الْمُعْجَمَة بن إِلْيَاسِ بْنِ مُضَرَ وَهِيَ مُزَيْنَةُ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ وَهِيَ أُمُّ أَوْسٍ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ عَمْرٍو فَوَلَدُ هَذَيْنِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو مُزَيْنَةَ وَالْمُزَنِيُّونَ وَمِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلِ بْنِ عَبْدِ نُهْمٍ الْمُزَنِيُّ وَعَمُّهُ خُزَاعِيُّ بْنُ عَبْدِ نُهْمٍ وَإِيَاسُ بْنُ هِلَالٍ وَابْنُهُ قُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ وَهَذَا جَدُّ الْقَاضِي إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَآخَرُونَ وَأَمَّا جُهَيْنَةُ فَهُمْ بَنُو جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلُمَ بِضَمِّ اللَّامِ بن إِلْحَافٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَزْنُ إِلْيَاسَ بْنِ قُضَاعَةَ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي قُضَاعَةَ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ مِنْ حِمْيَرَ فَيَرْجِعُ نَسَبُهُمْ إِلَى قَحْطَانَ وَقِيلَ هُمْ مِنْ وَلَدِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَأَمَّا أَشْجَعُ فَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَزْنُ أَحْمَرَ وَهُمْ بَنُو أَشْجَعَ بْنِ رَيْثٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بعْدهَا مُثَلّثَة بن غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْقَبَائِلَ الْخَمْسَ مِنْ مُضَرَ أَمَّا مُزَيْنَةُ وِغِفَارُ وَأَشْجَعُ فَبِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا أَسْلَمُ وَجُهَيْنَةُ فَعَلَى قَوْلٍ وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الَّذين ذكرُوا فِي مقايلهم وَهُمْ تَمِيمٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَهَوَازِنُ جَمِيعُهُمْ مِنْ مُضَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَكَانَتْ مَنَازِلُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ظَاهِرَ مَكَّةَ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ فَقَتَلَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ مَرَارَةَ الْأَسَدِيُّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ فَقَتَلَتْ خُزَاعَةُ فَضَالَةَ بِصَاحِبِهَا فَنَشِبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ فَبَرِحَتْ بَنُو أَسَدٍ عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَحَالَفُوا غَطَفَانَ فَصَارَ يُقَالُ لِلطَّائِفَتَيْنِ الْحَلِيفَانِ أَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَتَأَخَّرَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ آلُ جَحْشِ بْنِ رَيَّابٍ فَحَالَفُوا بَنِي أُمَيَّةَ فَلَمَّا أَسْلَمَ آلُ جَحْشٍ وَهَاجَرُوا احْتَوَى أَبُو سُفْيَانَ عَلَى دُورِهِمْ بِذَلِكَ الْحَلِفِ ذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ

[3512] قَوْلُهُ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ قُرَيْشٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْأَنْصَارِ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ مَوَالِيَّ بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ إِضَافَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب هُنَا وَإِن كَانَ للْمولى عِدَّةُ مَعَانٍ وَيُرْوَى بِتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَوَالِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَبَائِلِ وَالْمُرَادُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَالشَّرَفُ يَحْصُلُ لِلشَّيْءِ إِذَا حَصَلَ لِبَعْضِهِ قِيلَ إِنَّمَا خُصُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَادَرُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُسْبَوْا كَمَا سُبِيَ غَيْرُهُمْ وَهَذَا إِذَا سُلِّمَ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنِ اسْتِرْقَاقِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الرِّقِّ وَهَذَا بَعِيدٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا

(6/543)


[3513] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ مُصَغَّرٌ قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ هُوَ بن عُمَرَ قَوْلُهُ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا هُوَ لَفْظُ خَبَرٍ يُرَادُ بِهِ الدُّعَاءُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَلَى بَابِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعُصَيَّةُ هُمْ بَطْنٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُنْسَبُونَ إِلَى عُصَيَّةَ بمهملتين مصغر بن خفاف بِضَم الْمُعْجَمَة وفاءين مخفف بن امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ بُهْثَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُثَلّثَة بن سُلَيْمٍ وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَاهَدُوهُ فَغَدَرُوا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ لَهُ طُرُقٌ فِي الاسْتِسْقَاء وَحكى بن التِّينِ أَنَّ بَنِي غِفَارٍ كَانُوا يَسْرِقُونَ الْحَاجَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَدَعَا لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمُوا لِيُمْحَى عَنْهُمْ ذَلِكَ الْعَارُ وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ اسْتِعْمَالِ جِنَاسِ الِاشْتِقَاقِ مَا يَلَذُّ عَلَى السَّمْعِ لِسُهُولَتِهِ وَانْسِجَامِهِ وَهُوَ مِنْ الِاتِّفَاقَاتِ اللَّطِيفَةِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَغَيْرِهَا بَابُ بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي ذَلِك وَهُوَ عِنْد أبي ذَرٍّ قَبْلَ بَابِ قِصَّةِ الْحَبَشِ وَسَيَأْتِي وَوَقَعَ بَعْدَهُ أَيْضًا عِنْدَهُمْ بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ وَفِيهِ حَدِيثُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ بَعْدَ بَابِ قِصَّةِ خُزَاعَةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ فِي مَكَانِهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِك

[3514] قَوْله حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ بن سَلام وقرأت بِخَط مغلطاي قيل هُوَ بن سَلام وَقيل بن يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَهَذَا الثَّانِي وَهْمٌ فَإِنَّ الذُّهْلِيَّ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بن سَلَّامٍ كَمَا ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون بن حَوْشَبٍ فَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ اقْتَرَبَتْ وَفِي الْإِكْرَاهِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ فَإِنَّهُ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السَّخْتِيَانِيُّ وَمُحَمَّدٌ هُوَ بن سِيرِينَ وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْمَنِيعِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَيُّوبَ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ قَوْلُهُ فِي الطَّرِيق الأول

[3515] أَرَأَيْتُمْ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَوْلُهُ خَيْرًا مِنْ بني تَمِيم أَي بن مر بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء بن أد بِضَم الْألف وَتَشْديد الدَّال بن طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسِ بْنِ مُضَرَ وَفِيهِمْ بُطُونٌ كَثِيرَة جدا قَوْله وَبني أَسد أَي بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا وَقَدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ عَقِبَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَدَّ هَؤُلَاءِ مَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ وَارْتَدَّ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ وَهُمْ بَنُو تَمِيمٍ مَعَ سَجَاحٍ قَوْلُهُ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْفَاءِ وَالتَّخْفِيف أَي بن سعد بن قيس عيلان بْنِ مُضَرَ وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ الْعُزَّى فَصَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ وَبَنُوهُ يُعْرَفُونَ بِبَنِي الْمُحَوَّلَةِ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صعصعة أَي بن مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ

(6/544)


هَوَازِنَ وَسَيَأْتِي نَسَبُ هَوَازِنَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بعده قَوْله فَقَالَ رجل نعم هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ

[3516] قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ وَهُوَ سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ قَوْلُهُ إنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ قَوْلُهُ إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ بِالْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْمُثَنَّاةِ وَبعد الْألف مُوَحدَة قَوْله بن أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ هُوَ مَقُولُ شُعْبَةَ وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ لَا أَثَرَ لِشَكِّهِ وَأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ قَوْلُهُ لَأَخْيَرَ مِنْهُمْ كَذَا فِيهِ بِوَزْنِ أَفْعَلَ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْمَشْهُورَةُ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَإِنَّمَا كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ

[3528] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَسْلَمُ وَغِفَارٌ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ فَاعِلِ قَالَ الثَّانِي وَهُوَ اصْطِلَاحٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ إِذَا قَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ وَلَمْ يُسَمِّ قَائِلًا وَالْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَبَّهَ على ذَلِك الْخَطِيب وَتَبعهُ بن الصَّلَاحِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ زُهَيْر بن حَرْب عَن بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ فَقَالَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَوْلُهُ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ فِيهِ تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرُّ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْلُهُ وَهَوَازِنُ وَغَطَفَانُ أَمَّا غَطَفَانُ فَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا هَوَازِنُ فَذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَدَلَ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ مِنْ بَنِي هَوَازِنَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَذِكْرُ هَوَازِنَ أَشْمَلُ مِنْ ذِكْرِ بَنِي عَامِرٍ وَمِنْ قَبَائِلِ هَوَازِنَ غَيْرُ بَنِي عَامِرٍ بَنُو نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَبَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَثَقِيفٌ وَهُوَ قَيْسُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَالْجَمِيعُ يَجْمَعُهُمْ هَوَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْملَة ثمَّ الْفَاء وَالتَّخْفِيف بن قيس

(قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ قَحْطَانَ)
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَهَلْ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ أَمْ لَا وَإِلَى قَحْطَانَ تَنْتَهِي أَنْسَابُ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَكِنْدَةَ وَهَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ
[] قَوْلُهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ الدَّيْلِيُّ الْمَدَنِيُّ وَأَبُو الْغَيْثِ شَيْخُهُ اسْمُهُ سَالِمٌ قَوْلُهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلَكِنْ جَوَّزَ الْقُرْطُبِيُّ أَنْ يَكُونَ جَهْجَاهُ الَّذِي وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جَهْجَاه

(6/545)


أَخْرَجَهُ عَقِبَ حَدِيثِ الْقَحْطَانِيِّ قَوْلُهُ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُلْكِ شَبَّهَهُ بِالرَّاعِي وَشَبَّهَ النَّاسَ بِالْغَنَمِ وَنُكْتَةُ التَّشْبِيهِ التَّصَرُّفُ الَّذِي يَمْلِكُهُ الرَّاعِي فِي الْغَنَمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَقَدْ رَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْفِتَنِ مِنْ طَرِيقِ أَرَطْأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ أَحَدِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّ الْقَحْطَانِيَّ يَخْرُجُ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ وَيَسِيرُ عَلَى سِيرَةِ الْمَهْدِيِّ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ جَابِرٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا يَكُونُ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ الْقَحْطَانِيُّ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دُونَهُ وَهَذَا الثَّانِي مَعَ كَوْنِهِ مَرْفُوعًا ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَالْأَوَّلُ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا أَصْلَحُ إِسْنَادًا مِنْهُ فَإِنْ ثَبت ذَلِك فَهُوَ فِي زمن عِيسَى بن مَرْيَمَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا نَزَلَ يَجِدُ الْمَهْدِيَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رِوَايَةِ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْقَحْطَانِيَّ يَعِيشُ فِي الْمُلْكِ عِشْرِينَ سَنَةً وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ فِي زَمَنِ عِيسَى يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ وَالْأَمْرُ إِنَّمَا هُوَ لِعِيسَى وَيُجَابُ بِجَوَازِ أَنْ يُقِيمَهُ عِيسَى نَائِبًا عَنْهُ فِي أُمُورٍ مُهِمَّةٍ عَامَّةٍ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)
يُنْهَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَرْبِ كَانُوا يَقُولُونَ يَا آلَ فُلَانٍ فَيَجْتَمِعُونَ فَيَنْصُرُونَ الْقَائِلَ وَلَوْ كَانَ ظَالِمًا فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْفَوَائِدِ الْأَصْبَهَانِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ اقْتَتَلَ غُلَامٌ مِنَ الْمُهَاجِرين وَغُلَام من الْأَنْصَار فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ

(6/546)


فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا لَا قَالَ لَا بَأْسَ وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ لَيْسَتْ حَرَامًا وَإِنَّمَا الْحَرَامُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
[] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ كَذَا لِلْجَمِيعِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَهُوَ بن سَلَّامٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي الْوَصَايَا بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ فَعِنْدَ الْأَكْثَرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَعِنْدَ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَوْلُهُ غَزَوْنَا هَذِهِ الْغَزْوَةُ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَوْلُهُ ثَابَ مَعَهُ بِمُثَلَّثَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ أَيِ اجْتَمَعَ قَوْلُهُ رَجُلٌ لَعَّابٌ أَيْ بَطَّالٌ وَقِيلَ كَانَ يَلْعَبُ بِالْحِرَابِ كَمَا تَصْنَعُ الْحَبَشَةُ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ جَهْجَاهُ بْنُ قَيْسٍ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ أَجِيرَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْأَنْصَارِيُّ هُوَ سِنَانُ بْنُ وَبْرَةَ حَلِيفُ بَنِي سَالِمٍ الْخَزْرَجِيُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ فَكَسَعَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ ضَرَبَهُ عَلَى دُبُرِهِ قَوْلُهُ حَتَّى تَدَاعَوْا كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِسُكُونِ الْوَاوِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ تَدَاعَوَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا تَدَاعَيَا بِالْيَاءِ عِوَضُ الْوَاوِ وَكَأَنَّهُ بَقَّاهَا عَلَى أَصْلِهَا بِالْوَاوِ قَوْلُهُ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ أَيْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَقِيلَ الْكَسْعَةُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ أَلَا نَقْتُلُ بِالنُّونِ وَبِالْمُثَنَّاةِ أَيْضًا قَوْلُهُ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ وَالتَّقْدِيرُ قَالَ عُمَرُ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُ هَذَا الْخَبِيثَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
[] قَوْلُهُ وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ مَوْصُولٌ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ شَيْخِهِ وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ مُفَرَّقًا فَحَدَّثَ بِهِ فَنقل عَنهُ كَذَلِك

(قَوْلُهُ بَابُ قِصَّةِ خُزَاعَةَ)
اخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِمْ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بن لحي بِاللَّامِ والمهملة مصغر وَهُوَ بن حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَسَبُهُ فِي أَسْلَمَ وَأَسْلَمُ هُوَ عَمُّ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَ لُحَيٍّ رَبِيعَةُ وَقَدْ صَحَّفَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى وَوَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ لِلْحُمَيْدِيِّ وَالصَّوَابُ

(6/547)


بِاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ آخِرَهُ مُصَغَّرٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ رَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ لَكِنْ أَفَادَ أَن كنية عَمْرو أَبَا ثُمَامَةَ وَيُقَالُ لِخُزَاعَةَ بَنُو كَعْبٍ نُسِبُوا إِلَى جَدِّهِمْ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ قَالَ بن الْكَلْبِيِّ لَمَّا تَفَرَّقَ أَهْلُ سَبَأٍ بِسَبَبِ سَيْلِ الْعَرِمِ نَزَلَ بَنُو مَازِنٍ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ غَسَّانَ فَمَنْ أَقَامَ بِهِ مِنْهُمْ فَهُوَ غساني وانخزعت مِنْهُم بَنو عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ عَنْ قَوْمِهِمْ فَنَزَلُوا مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا فَسُمُّوا خُزَاعَةَ وَتَفَرَّقَتْ سَائِرُ الْأَزْدِ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَلَمَّا نَزَلْنَا بَطْنَ مُرٍّ تَخَزَّعَتْ خُزَاعَةُ مِنَّا فِي جُمُوعٍ كَرَاكِرِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خندف وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ خُزَاعَةَ مِنْ مُضَرَ وَذَلِكَ أَنَّ خِنْدَفَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ بَعْدَهَا فَاءٌ اسْمُ امْرَأَةِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَاسْمُهَا لَيْلَى بِنْتُ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ لُقِّبَتْ بِخِنْدَفَ لِمِشْيَتِهَا وَالْخَنْدَفَةُ الْهَرْوَلَةُ وَاشْتُهِرَ بَنُوهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا دُونَ أَبِيهِمْ لِأَنَّ إِلْيَاسَ لَمَّا مَاتَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا بِحَيْثُ هَجَرَتْ أَهْلَهَا وَدَارَهَا وَسَاحَتْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ فَكَانَ مَنْ رَأَى أَوْلَادَهَا الصِّغَارَ يَقُولُ مَنْ هَؤُلَاءِ فَيُقَالُ بَنُو خِنْدَفَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا ضَيَّعَتْهُمْ وَقَمَعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ خَفِيفَةٌ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي نِسْبَةَ خُزَاعَةَ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى مُضَرَ فَزَعَمَ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ عَمْرٍو لَمَّا مَاتَ قَمَعَةُ بْنُ خِنْدَفَ كَانَتِ امْرَأَتُهُ حَامِلًا بِلُحَيٍّ فَوَلَدَتْهُ وَهِيَ عِنْدَ حَارِثَةَ فَتَبَنَّاهُ فَنُسِبَ إِلَيْهِ فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ مُضر بِالْولادَةِ وَمن الْيمن بالتبني وَذكر بن الْكَلْبِيِّ أَنَّ سَبَبَ قِيَامِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ أَنَّ أُمَّهُ فُهَيْرَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ وَكَانَ أَبُوهَا آخِرَ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ مِنْ جُرْهُمٍ فَقَامَ بِأَمْرِ الْبَيْتِ سِبْطُهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ فَصَارَ ذَلِكَ فِي خُزَاعَةَ بَعْدَ جُرْهُمٍ وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ حُرُوبٌ إِلَى أَنِ انْجَلَتْ جُرْهُمٌ عَنْ مَكَّةَ ثُمَّ تَوَلَّتْ خُزَاعَةُ أَمْرَ الْبَيْتِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرُهُمْ يُدْعَى أَبَا غُبْشَانَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ أَيْضًا وَاسْمُهُ الْمُحَرِّشُ بِمُهْمَلَةٍ ثمَّ مُعْجمَة بن حليل بِمُهْملَة ولامين مصغر بن حَبْشِيَّةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ ثمَّ يَاء نسب بن سلول بِفَتْح الْمُهْملَة ولامين الأولى مَضْمُومَة بن عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَهُوَ خَالُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ أَخُو أُمِّهِ حُبِّي بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ مَعَ الْإِمَالَةِ وَكَانَ فِي عَقْلِهِ شَيْءٌ فَخَدَعَهُ قُصَيٌّ فَاشْتَرَى مِنْهُ أَمْرَ الْبَيْتِ بِأَذْوَادٍ مِنَ الْإِبِلِ وَيُقَالُ بِزِقِّ خَمْرٍ فَغَلَبَ قُصَيٌّ حِينَئِذٍ عَلَى أَمْرِ الْبَيْتِ وَجَمَعَ بُطُونَ بَنِي فِهْرٍ وَحَارَبَ خُزَاعَةَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَّةَ وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ وَشَرَعَ قُصَيٌّ لِقُرَيْشٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ فَكَانَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ أَيَّامَ مِنًى وَالْحِيَاضَ لِلْمَاءِ فَيُطْعِمُ الْحَجِيجَ وَيَسْقِيهِمْ وَهُوَ الَّذِي عَمَّرَ دَارَ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ فَإِذَا وَقَعَ لِقُرَيْشٍ شَيْءٌ اجْتَمَعُوا فِيهَا وَعَقَدُوهُ بِهَا
[] قَوْلُهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ أَبُو خُزَاعَةَ أَيْ هُوَ أَبُو خُزَاعَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهَذَا السَّنَدِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ خُزَاعَةُ بْنُ قَمَعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خِنْدَفَ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَمْرٌو أَبُو خُزَاعَةَ بْنُ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ وَهَذَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ لَكِنْ بِحَذْف لحي وَبِأَن يعرب بن قَمَعَةَ إعْرَابَ عَمْرٍو لَا إِعْرَابَ أَبُو خُزَاعَةَ وَأَصْوَبُهَا الْأَوَّلُ وَهَكَذَا رَوَى أَبُو حُصَيْنٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَتَمَّ مِنْهُ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ يَجُرُّ

(6/548)


قَصَبَة فِي النَّار وَأوردهُ بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَّرَ الْبَحِيرَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَعند بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوُهُ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ لَكِنَّهُ قَالَ عَمْرُو بْنُ قَمَعَةَ فَنَسَبَهُ إِلَى جده وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خندف أَبُو خُزَاعَةَ وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ مُرْسَلًا وَفِيهِ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ قَالَ أَبُو هَؤُلَاءِ الْحَيّ من خُزَاعَة وَذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّ سَبَبَ عِبَادَةِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْأَصْنَامَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَاسْتَوْهَبَهُمْ وَاحِدًا مِنْهَا وَجَاءَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ فَنَصَبَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَهُوَ هُبَلُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ جُرْهُمٍ قَدْ فَجَرَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَسَافُ بِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا نَائِلَةُ فِي الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا حَجَرَيْنِ فَأَخَذَهُمَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ فَنَصَبَهُمَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَصَارَ مَنْ يَطُوفُ يَتَمَسَّحُ بِهِمَا يَبْدَأُ بِأَسَافَ وَيَخْتِمُ بِنَائِلَةَ وَذَكَرَ مُحَمَّد بن حبيب عَن بن الْكَلْبِيِّ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ كَانَ لَهُ تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهُ أَبُو ثُمَامَةَ فَأَتَاهُ لَيْلَةً فَقَالَ أَجِبْ أَبَا ثُمَامَةَ فَقَالَ لَبَّيْكَ مِنْ تِهَامَةَ فَقَالَ ادْخُلْ بِلَا مَلَامَةَ فَقَالَ ايْتِ سَيْفَ جُدَّةَ تَجِدْ آلِهَةً مُعَدَّةً فَخُذْهَا وَلَا تَهَبْ وَادْعُ إِلَى عِبَادَتِهَا تُجَبْ قَالَ فَتَوَجَّهَ إِلَى جُدَّةَ فَوَجَدَ الْأَصْنَامَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي زَمَنِ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ وَهِيَ وَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ فَحَمَلَهَا إِلَى مَكَّةَ وَدَعَا إِلَى عِبَادَتِهَا فَانْتَشَرَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ فِي الْعَرَبِ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ شَرْحِ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ نوح إِن شَاءَ الله تَعَالَى
[] قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ الْخُزَاعِيُّ كَذَا وَقَعَ نسبه فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ أَبُو خُزَاعَةَ وَهَذَا مُغَايِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نِسْبَةِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ إِلَى مُضَرَ فَإِن عَامِرًا هُوَ بن مَاءِ السَّمَاءِ بْنِ سَبَإٍ وَهُوَ جَدُّ جَدِّ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ عِنْدَ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُسِبَ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّبَنِّي كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوَصِيلَةِ وَالسَّائِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(6/549)


(قَوْلُهُ بَابُ قِصَّةِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ)
هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ وَكَأَنَّهُ أَوْلَى لِأَنَّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ سَتَأْتِي بَعْدَ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَسَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا وَوَقَعَ لِلْأَكْثَرِ هُنَا قِصَّةُ زَمْزَمَ وَوَجْهُ تَعَلُّقِهَا بِقِصَّةِ أَبِي ذَرٍّ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَامَ فِيهَا بِمَكَّةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(6/550)


(قَوْلُهُ بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ الْعَرَبِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ بَابُ جَهْلِ الْعَرَبِ وَهُوَ أَوْلَى إِذْ لَمْ يَجْرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِزَمْزَمَ ذِكْرٌ وَأَمَّا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَجَمَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُتَّجَهٌ
[] قَوْلُهُ قَدْ خسر الَّذين قتلوا أَوْلَادهم أَيْ بَنَاتِهِمْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَة مطابقتها للتَّرْجَمَة من قَول بن عَبَّاسٍ إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْرِفَ جَهْلَ الْعَرَبِ

(قَوْلُهُ بَابُ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ)
أَيْ جَوَازُ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا فَإِنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ مَا إِذَا أَوْرَدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُفَاخَرَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ رَفَعَهُ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا أَوْ كَرَامَةً فَهُوَ عاشرهم فِي النَّار قَوْله وَقَالَ بن عمر وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الْكَرِيم بن الْكَرِيمِ إِلَخْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَوْصُولًا فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسْبَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى آبَائِهِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فِي

(6/551)


غَيْرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِرُكْنِ التَّرْجَمَةِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْجِهَادِ وَهُوَ فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَسَبَ إِلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِرُكْنِ التَّرْجَمَةِ الثَّانِي
[] قَوْلُهُ لَمَّا نزلت وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِبُطُونِ بِاللَّامِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَنِدَاؤُهُ لِلْقَبَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ قَبْلَ عَشِيرَتِهِ الْأَدْنَيْنَ لِيُكَرِّرَ إِنْذَارَ عَشِيرَتِهِ وَلِدُخُولِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا فِي أَقَارِبِهِ وَلِأَنَّ إِنْذَارَ الْعَشِيرَةِ يَقَعُ بِالطَّبْعِ وَإِنْذَارَ غَيْرِهِمْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَوْلُهُ وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ إِلَخْ هُوَ مَوْصُولٌ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ قَوْلُهُ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ قَدْ فَسَّرَهُ الَّذِي قبله وَأَنه كَانَ يُسمى رُؤُوس الْقَبَائِلِ كَقَوْلِهِ يَا بَنِي عَدِيٍّ وَأَوْضَحُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ حَيْثُ نَادَاهُمْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهِيَ أُمُّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَإِلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ إِنْ كَانَتْ وَقَعَتْ فِي صدر الْإِسْلَام بِمَكَّة فَلم يُدْرِكهَا بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ وَفِي نِدَاءِ فَاطِمَةَ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الْقِصَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ صَغِيرَةً أَوْ مُرَاهِقَةً وَإِنْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَضَرَهَا فَلَا يُنَاسِبُ التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ مرّة فِي صدر الْإِسْلَام وَرِوَايَة بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لَهَا مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهَا فِي مُبْتَدَإِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ كَانَ حَاضِرًا لِذَلِكَ وَهُوَ مَاتَ فِي أَيَّامِ بَدْرٍ وَمَرَّةً بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تُدْعَى فِيهَا فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَوْ يَحْضُرُ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَة أَو بن عَبَّاس

(قَوْله بَاب بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ)
أَيْ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُنَاظَرَةِ وَالتَّعَاوُنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِيرَاثِ فَفِيهِ نِزَاعٌ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ
[] قَوْلُهُ إِلَّا بن أُخْتٍ لَنَا هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لِقُرَيْشٍ هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْكُمْ قَالُوا لَا إِلَّا بن أُخْتنَا عتبَة بن غَزوَان فَقَالَ بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ ادْخُلُوا عَلَيَّ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ إِلَّا قُرَشِيٌّ فَقَالَ هَلْ مَعَكُمْ أحد غَيْركُمْ قَالُوا مَعنا بن الْأُخْتِ وَالْمَوْلَى قَالَ حَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَالطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ مَعَ ذِكْرِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ

(6/552)


حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَفْظُهُ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى هُنَا الْمُعْتَقُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَوِ الْحَلِيفُ وَأَمَّا الْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى فَلَا يُرَادُ هُنَا وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ بَيَانُ سَبَبِ حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ مَضْمُونُ التَّرْجَمَةِ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا بِلَفْظِ مَوْلَى الْقَوْم مِنْهُم وحليف الْقَوْم مِنْهُم وبن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم

(قَوْلُهُ بَابُ قِصَّةِ الْحَبَشِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ)
هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ اسْمٌ لِجَدٍّ لَهُمْ وَقِيلَ مَعْنَى أَرْفِدَةَ الْأَمَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْعِيدَيْنِ وَالْحَبَشُ هُمُ الْحَبَشَةُ يُقَالُ إِنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ حَبَشِ بْنِ كُوشِ بْنِ حَامِ بْنِ نُوحٍ وَهُمْ مُجَاوِرُونَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ يَقْطَعُ بَيْنَهُمُ الْبَحْرُ وَقَدْ غَلَبُوا عَلَى الْيَمَنِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَمَلَكُوهَا وَغَزَا أَبْرَهَةُ مِنْ مُلُوكِهِمُ الْكَعْبَةَ وَمَعَهُ الْفِيلُ وَقد ذكر بن إِسْحَاقَ قِصَّتَهُ مُطَوَّلَةً وَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيه عَن بن عَبَّاسٍ مُلَخَّصَةً وَإِلَى هَذَا الْقَدْرِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِهِمْ فِي مُقَدِّمَةِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ قَوْمٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ الرَّقْصِ وَسَمَاعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَطَعَنَ فِيهِ الْجُمْهُورُ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصِدَيْنِ فَإِنَّ لَعِبَ الْحَبَشَةِ بِحِرَابِهِمْ كَانَ لِلتَّمْرِينِ عَلَى الْحَرْبِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِلرَّقْصِ فِي اللَّهْو وَالله أعلم قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ لَا يُسَبَّ نَسَبُهُ هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِ يُسَبَّ وَالْمُرَادُ بِالنَّسَبِ الْأَصْلُ وَبِالسَّبِّ الشَّتْمُ وَالْمُرَادُ

(6/553)


أَنْ لَا يُشْتَمَ أَهْلُ نَسَبِهِ

[3531] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَان وَهِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ قَوْلُهُ اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيِ بن الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ وَسَبَبُ هَذَا الِاسْتِئْذَانِ مُبَيَّنٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهْجُوا الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ فَأرْسل إِلَى بن رَوَاحَةَ فَقَالَ اهْجُهُمْ فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يَرْضَ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ فَقَالَ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ قَالَ لَا تَعْجَلْ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهْجُوا الْمُشْرِكِينَ بِالشِّعْرِ فَإِنَّ الْمُؤمن يُجَاهد بِنَفسِهِ وَمَا لَهُ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ كَأَنَّمَا تَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ لَمَّا هَجَانَا الْمُشْرِكُونَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا لَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ قَوْلُهُ كَيْفَ بِنَسَبِي فِيهِمْ أَيْ كَيْفَ تَهْجُو قُرَيْشًا مَعَ اجْتِمَاعِي مَعَهُمْ فِي نَسَبٍ وَاحِدٍ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَن مُعظم طرق الهجو العض بِالْآبَاءِ قَوْلُهُ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ أَيْ لَأُخَلِّصَنَّ نَسَبَكَ مِنْ نَسَبِهِمْ بِحَيْثُ يَخْتَصُّ الْهَجْوُ بِهِمْ دُونَكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فَقَالَ ائْتِ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا حَتَّى يُخَلِّصَ لَكَ نَسَبِي فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ مَحَّضَ لِي نَسَبَكَ قَوْلُهُ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الشَّعْرَةَ إِذَا أُخْرِجَتْ مِنَ الْعَجِينِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ لِنُعُومَتِهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا سُلَّتْ مِنَ الْعَسَلِ مَثَلًا فَإِنَّهَا قَدْ يَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَأَمَّا إِذَا سُلَّتْ مِنَ الْخُبْزِ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْقَطِعُ قَبْلَ أَنْ تَخْلُصَ قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِيهِ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى عُرْوَةَ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عَبْدَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ فِيهِ وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ قَوْلُهُ كَانَ يُنَافِحُ بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَمَعْنَاهَا يُدَافِعُ أَوْ يُرَامِي قَالَ الْكُشْمِيهَنِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْهُ نَفَحَتِ الدَّابَّةُ إِذَا رَمَحَتْ بِحَوَافِرِهَا وَنَفَحَهُ بِالسَّيْفِ إِذَا تَنَاوَلَهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَصْلُ النَّفْحِ بِالْمُهْمَلَةِ الضَّرْبُ وَقِيلَ لِلْعَطَاءِ نَفْحٌ كَأَنَّ الْمُعْطِيَ يَضْرِبُ السَّائِلَ بِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَتْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَأَشْفَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرُوحِ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الشِّعْرِ وَأَحْكَامِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(6/554)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ على الْكفَّار وَقَوله من بعدِي اسْمه أَحْمد كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ وَأَشْهُرُهُمَا مُحَمَّدٌ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَذُكِرَ فِيهِ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَمِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ لِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَمِنْ بَابِ التَّفْضِيلِ وَقِيلَ سُمِّيَ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ وَهِيَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَمَعْنَاهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ بِمَحَامِدَ لَمْ يُفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ وَقِيلَ الْأَنْبِيَاءُ حَمَّادُونَ وَهُوَ أَحْمَدُهُمْ أَيْ أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا أَوْ أَعْظَمُهُمْ فِي صِفَةِ الْحَمْدِ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ الْحَمْدِ أَيْضًا وَهُوَ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ كَانَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ وَالْمُحَمَّدُ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَالْمُمَدَّحِ قَالَ الْأَعْشَى إِلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ وَجِيفُهَا إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرَمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ أَيِ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَوِ الَّذِي تَكَامَلَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ قَالَ عِيَاضٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْمَدَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا كَمَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ أَحْمَدَ وَقَعَتْ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَتَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَمِدَ رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَهُ النَّاسُ وَكَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ يَحْمَدُ رَبَّهُ فَيُشَفِّعَهُ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ وَقَدْ خُصَّ بِسُورَةِ الْحَمْدِ وَبِلِوَاءِ الْحَمْدِ وَبِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَشُرِعَ لَهُ الْحَمْدُ بَعْدَ الْأَكْلِ وَبَعْدَ الشُّرْبِ وَبَعْدَ الدُّعَاءِ وَبَعْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ وَسُمِّيَتْ أُمَّتُهُ الْحَمَّادِينَ فَجُمِعَتْ لَهُ مَعَانِي الْحَمْدِ وَأَنْوَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا

[3532] قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ كَذَا وَقَعَ مَوْصُولًا عِنْدَ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا وَوَافَقَ مَعَنَا عَلَى وَصْلِهِ عَنْ مَالِكٍ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عِنْدَ أَبي عَوَانَةَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ آخَرِينَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ إِنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَرْسَلُوهُ قُلْتُ وَهُوَ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ وَصَلَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَعُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ وَحَدِيثُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَشُعْبَةُ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ وبن عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَيْضًا وَلَدُهُ الْآخَرُ نَافِعٌ وَفِي حَدِيثِهِ زِيَادَةٌ وَعِنْدَ المُصَنّف فِي التَّارِيخ وَأخرجه أَحْمد وبن سَعْدٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّارِيخِ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن سعد وَعَن بن عَبَّاس وَأبي الطُّفَيْل عِنْد بن عدي وَمن مُرْسل مُجَاهِد عِنْد بن سَعْدٍ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ فِي رِوَايَة نَافِع بن جُبَير عِنْد بن سَعْدٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ أَتُحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا قَالَ نَعَمْ هِيَ سِتٌّ فَذكر

(6/555)


الْخَمْسَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَزَادَ الْخَاتَمَ لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيق بن أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَنَا الْعَاقِبُ قَالَ يَعْنِي الْخَاتَمَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ وَالْحَاشِرُ وَالْمُقَفِّي وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْحَاشِرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ إِنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ أَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يُسَمَّ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي أَوْ مُعَظَّمَةٌ أَوْ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْحَصْرَ فِيهَا قَالَ عِيَاضٌ حَمَى اللَّهُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ أَنْ يُسَمَّى بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا تَسَمَّى بَعْضُ الْعَرَبِ مُحَمَّدًا قُرْبَ مِيلَادِهِ لِمَا سَمِعُوا مِنَ الْكُهَّانِ وَالْأَحْبَارِ أَنَّ نَبِيًّا سَيُبْعَثُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَرَجَوْا أَنْ يَكُونُوا هُمْ فَسَمَّوْا أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ قَالَ وَهُمْ سِتَّةٌ لَا سَابِعَ لَهُمْ كَذَا قَالَ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ لَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ مَنْ تَسَمَّى مُحَمَّدًا قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَسَبَقَ السُّهَيْلِيَّ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ لَيْسَ وَهُوَ حَصْرٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ جَمَعْتُ أَسْمَاءَ مَنْ تَسَمَّى بِذَلِكَ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ فَبَلَغُوا نَحْوَ الْعِشْرِينَ لَكِنْ مَعَ تَكَرُّرٍ فِي بَعْضِهِمْ وَوَهْمٍ فِي بَعْضٍ فَيَتَلَخَّصُ مِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا وَأَشْهَرُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ سِوَاءَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ رَوَى حَدِيثَهُ الْبَغَوِيُّ وبن سعد وبن شاهين وبن السَّكَنِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَوِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدَةَ الْمِنْقَرِيِّ قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا قَالَ سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا سَأَلْتَنِي فَقَالَ خَرَجْتُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَا أَحَدُهُمْ وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعٍ وَيَزِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْعَنْبَرِ نُرِيدُ بن جَفْنَةَ الْغَسَّانِيَّ بِالشَّامِ فَنَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ عِنْدَ دَيْرٍ فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا الدَّيْرَانِيُّ فَقَالَ لَنَا إِنَّهُ يُبْعَثُ مِنْكُمْ وَشِيكًا نَبِيٌّ فَسَارِعُوا إِلَيْهِ فَقُلْنَا مَا اسْمُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا وُلِدَ لِكُلٍّ مِنَّا وَلَدٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ بن سَعْدٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ السَّكَنِ قَالَ كَانَ فِي بَنِي تَمِيمٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ قِيلَ لِأَبِيهِ إِنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيٌّ فِي الْعَرَبِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَسَمَّى ابْنَهُ مُحَمَّدًا فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ إِلَّا مُحَمَّدُ بن عدي وَقد قَالَ بن سَعْدٍ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ وَذَكَرَ عَبْدَانُ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ أَوَّلُ مَنْ تَسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا وَكَأَنَّهُ تَلَقَّى ذَلِكَ مِنْ قِصَّةِ تُبَّعٍ لَمَّا حَاصَرَ الْمَدِينَةَ وَخَرَجَ إِلَيْهِ أُحَيْحَةُ الْمَذْكُورُ هُوَ وَالْحَبْرُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُمْ بِيَثْرِب فَأخْبرهُ الْحَبْرُ أَنَّ هَذَا بَلَدُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَسَمَّى ابْنَهُ مُحَمَّدًا وَذَكَرَ الْبِلَاذُرِيُّ مِنْهُمْ مُحَمَّدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ فَلَا أَدْرِي أَهُمَا وَاحِدٌ نُسِبَ مَرَّةً إِلَى جَدِّهِ أَمْ هُمَا اثْنَانِ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْبَرَاءِ الْبَكْرِيُّ ذكره بن حَبِيبٍ وَضَبَطَ الْبِلَاذُرِيُّ أَبَاهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بر بتَشْديد الرَّاء لَيْسَ بعْدهَا ألف بن طَرِيفِ بْنِ عُتْوَارَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَلِهَذَا نسبوه أَيْضا العتواري وغفل بن دِحْيَةَ فَعَدَّ فِيهِمْ مُحَمَّدَ بْنَ عُتْوَارَةَ وَهُوَ هُوَ نُسِبَ لِجَدِّهِ الْأَعْلَى وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْيَحْمَدَ الْأَزْدِيُّ ذَكَرَهُ الْمُفَجَّعُ الْبَصْرِيُّ فِي كِتَابِ المعقد وَمُحَمّد بن خولي الْهَمدَانِي وَذكره بن دُرَيْدٍ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ حِرْمَازَ بْنِ مَالِكٍ الْيَعْمُرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي الذَّيْلِ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ بْنِ أَبِي حُمْرَانَ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ مَالِكٍ الْجُعْفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالشُّوَيْعِرِ ذَكَرَهُ الْمَرْزُبَانِيُّ فَقَالَ هُوَ أَحَدُ مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَعَ امْرِئِ الْقَيْسِ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ حرابة السّلمِيّ من بني ذكْوَان ذكره بن سَعْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ

(6/556)


عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ سُمِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ طَمَعًا فِي النُّبُوَّةِ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَبْرَهَةَ الْحَبَشِيَّ تَوَجَّهَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْزُوَ بَنِي كِنَانَةَ فَقَتَلُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ قِصَّةِ الْفِيلِ وَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ فِيمَنْ تَسَمَّى مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَذكر بن سَعْدٍ لِأَخِيهِ قَيْسِ بْنِ خُزَاعِيٍّ يَذْكُرُهُ مِنْ أَبْيَاتٍ يَقُولُ فِيهَا فَذَلِكُمْ ذُو التَّاجِ مِنَّا مُحَمَّدٌ وَرَايَتُهُ فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ تَخْفِقُ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُغْفِلٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ثُمَّ لَامٍ وَهُوَ وَالِدُ هُبَيْبٍ بِمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْمَذْكُورِينَ فَإِنَّ لِوَلَدِهِ صُحْبَةٌ وَمَاتَ هُوَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ حُدَيْجِ بْنِ حُوَيْصٍ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ فِي كتاب المعمرين وَذكر لَهُ قصَّة مَعَ عَمْرو وَقَالَ إِنَّهُ أَحَدُ مَنْ سُمِّيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا وَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ الْفُقَيْمِيُّ وَمُحَمَّدُ الْأُسَيْدِيُّ ذَكَرَهُمَا بن سَعْدٍ وَلَمْ يَنْسِبْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُرِفَ بِهَذَا وَجْهُ الرَّدِّ عَلَى الْحَصْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَكَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَعَجَبٌ مِنَ السُّهَيْلِيِّ كَيْفَ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ قَبْلَهُ وَقَدْ تَحَرَّرَ لَنَا مِنْ أَسْمَائِهِمْ قَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَرَّتَيْنِ بَلْ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّتَّةِ الَّذِينَ جَزَمَ بِهِمْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مِيلَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَّةٍ فَفَضَلَ لَهُ خَمْسَةٌ وَقَدْ خَلَصَ لَنَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قَوْلُهُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ قِيلَ الْمُرَادُ إِزَالَةُ ذَلِكَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَمَعْمَرٍ يَمْحُو بِيَ اللَّهُ الْكَفَرَةَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِزَالَةُ الْكُفْرِ بِإِزَالَةِ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَا انْمَحَى مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ وَقِيلَ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَغْلَبِ أَوْ أَنَّهُ يَنْمَحِي بِسَبَبِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ فِي زَمَنِ عِيسَى بن مَرْيَمَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْجِزْيَةَ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَيُجَابُ بِجَوَازِ أَنْ يَرْتَدَّ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى وَتُرْسَلَ الرِّيحُ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَارُ وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَنَا الْمَاحِي فَإِنَّ اللَّهَ يَمْحُو بِهِ سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَول الرَّاوِي قَوْلُهُ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي أَيْ عَلَى أَثَرِي أَيْ إِنَّهُ يُحْشَرُ قَبْلَ النَّاسِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ الزَّمَانَ أَيْ وَقْتَ قِيَامِي عَلَى قَدَمِي بِظُهُورِ عَلَامَاتِ الْحَشْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ وَلَا شَرِيعَةٌ وَاسْتُشْكِلَ التَّفْسِيرُ بِأَنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّهُ مَحْشُورٌ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهِ حَاشِرٌ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الْفَاعِلِ إِضَافَةٌ وَالْإِضَافَةُ تَصِحُّ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَلَمَّا كَانَ لَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ نُسِبَ الْحَشْرُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَقِبَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَقِيلَ مَعْنَى الْقَدَمِ السَّبَبُ وَقِيلَ الْمُرَادُ عَلَى مُشَاهَدَتِي قَائِمًا لِلَّهِ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَنَا حَاشِرٌ بُعِثْتُ مَعَ السَّاعَةِ وَهُوَ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ عَلَى عَقِبِي بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفًا عَلَى الْإِفْرَادِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَفْتُوحَةٌ قَوْلُهُ وَأَنَا الْعَاقِبُ زَادَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ قَوْلُهُ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ إِلَخْ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قُلْتُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ فَظَاهِرُهُ الْإِدْرَاجُ أَيْضًا لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ عَقِبُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلرَّفْعِ وَالْوَقْفِ وَمِمَّا وَقَعَ مِنْ أَسْمَائِهِ فِي الْقُرْآنِ بِالِاتِّفَاقِ الشَّاهِدُ الْمُبَشِّرُ النَّذِيرُ الْمُبِينُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ السِّرَاجُ الْمُنِير وَفِيه

(6/557)


أَيْضًا الْمُذَكِّرُ وَالرَّحْمَةُ وَالنِّعْمَةُ وَالْهَادِي وَالشَّهِيدُ وَالْأَمِينُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُدَّثِّرُ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمُتَوَكِّلُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْمَشْهُورَةِ الْمُخْتَارُ وَالْمُصْطَفَى وَالشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ وَغير ذَلِك قَالَ بن دِحْيَةَ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ مُفْرَدٌ فِي الْأَسْمَاءِ النَّبَوِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا قَالَ وَلَوْ بَحَثَ عَنْهَا بَاحِثٌ لَبَلَغَتْ ثَلَاثَمِائَةِ اسْمٍ وَذَكَرَ فِي تَصْنِيفِهِ الْمَذْكُورِ أَمَاكِنَهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ وَضَبَطَ أَلْفَاظَهَا وَشَرَحَ مَعَانِيَهَا وَاسْتَطْرَدَ كَعَادَتِهِ إِلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ وَغَالِبُ الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وُصِفَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرِدِ الْكَثِيرُ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّسْمِيَةِ مِثْلُ عَدِّهِ اللَّبِنَةَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ النُّونِ فِي أَسْمَائِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ فِي الْقَصْرِ الَّذِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ قَالَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةُ كَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَوْضِعُ اللبنة وَهُوَ المُرَاد وَنقل بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ لِلَّهِ أَلْفَ اسْمٍ وَلِرَسُولِهِ أَلْفَ اسْمٍ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا أَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الحَدِيث الثَّانِي

[3533] قَوْله سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي رِوَايَةٍ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ قَوْلُهُ أَلَا تَعْجَبُونَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّارِيخِ يَا عِبَادَ اللَّهِ انْظُرُوا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ قَوْلُهُ يَشْتُمُونَ مُذَمَّمًا كَانَ الْكُفَّارُ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهَتِهِمْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَمُّونَهُ بِاسْمِهِ الدَّالِّ عَلَى الْمَدْحِ فَيَعْدِلُونَ إِلَى ضِدِّهِ فَيَقُولُونَ مُذَمَّمٌ وَإِذَا ذَكَرُوهُ بِسُوءٍ قَالُوا فَعَلَ اللَّهُ بِمُذَمَّمٍ وَمُذَمَّمٌ لَيْسَ هُوَ اسْمُهُ وَلَا يُعْرَفُ بِهِ فَكَانَ الَّذِي يَقَعُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَصْرُوفًا إِلَى غَيْرِهِ قَالَ بن التِّينِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ أَسْقَطَ حَدَّ الْقَذْفِ بِالتَّعْرِيضِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ بَلِ الْوَاقِعُ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ النَّسَائِيُّ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُنَافٍ لِمَعْنَى الطَّلَاقِ وَمُطْلَقِ الْفُرْقَةِ وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ كَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلِي وَقَصَدَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الطَّلَاقُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَمَا أَنَّ مُذَمَّمًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ

(6/558)


(قَوْلُهُ بَابُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ)
أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَاتَمِ فِي أَسْمَائِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَلَمَّحَ بِمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ وَأَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ فِي التَّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَفَعَهُ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضا أَحْمد وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَسِيَاقُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَمُّ وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ

[3534] قَوْلُهُ مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا قِيلَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَاحِدٌ وَالْمُشَبَّهُ جَمَاعَةٌ فَكَيْفَ صَحَّ التَّشْبِيهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَنْبِيَاءَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ مَا أَرَادَ مِنَ التَّشْبِيهِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ الْكُلِّ وَكَذَلِكَ الدَّارُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْبُنْيَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّشْبِيه التمثيلي وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ الْمُشَبَّهِ وَيُشَبَّهُ بِمِثْلِهِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْأَنْبِيَاءَ وَمَا بُعِثُوا بِهِ مِنْ إِرْشَادِ النَّاسِ بِبَيْتٍ أُسِّسَتْ قَوَاعِدُهُ وَرُفِعَ بُنْيَانُهُ وَبَقِيَ مِنْهُ مَوْضِعٌ بِهِ يَتِمُّ صَلَاحُ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَزعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ اللَّبِنَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا كَانَتْ فِي أُسِّ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّهَا لَوْلَا وَضْعُهَا لَانْقَضَّتْ تِلْكَ الدَّارُ قَالَ وَبِهَذَا يَتِمُّ الْمُرَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى وَهَذَا إِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ حَسَنٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ نَعَمْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنْ تَكُونَ اللَّبِنَةُ فِي مَكَانٍ يَظْهَرُ عَدَمُ الْكَمَالِ فِي الدَّارِ بِفَقْدِهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ مُحَسِّنَةٌ وَإِلَّا لَاسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِدُونِهَا كَانَ نَاقِصًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ شَرِيعَةَ كُلِّ نَبِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَامِلَةٌ فَالْمُرَادُ هُنَا النَّظَرُ إِلَى الْأَكْمَلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ مَا مَضَى مِنَ الشَّرَائِعِ الْكَامِلَةِ قَوْلُهُ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَبِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الطِّينِ تُعْجَنُ وَتُجْبَلُ وَتُعَدُّ لِلْبِنَاءِ وَيُقَالُ لَهَا مَا لَمْ تُحْرَقْ لَبِنَةٌ فَإِذَا أُحْرِقَتْ فَهِيَ آجُرَّةٌ وَقَوْلُهُ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ يُوهِمُ النَّقْصَ لَكَانَ بِنَاءُ الدَّارِ كَامِلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَوْلَا تَحْضِيضِيَّةٌ وَفِعْلُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْلَا أُكْمِلَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ أَحْمد أَلا وضعت هَا هُنَا لَبِنَةً فَيَتِمُّ بُنْيَانُكَ وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلتَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ وَفَضْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ وَأَنَّ اللَّهَ خَتَمَ بِهِ الْمُرْسلين وأكمل بِهِ شرائع الدّين

(قَوْلُهُ بَابِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
كَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَفِي ثُبُوتِهَا هُنَا نَظَرٌ فَإِنَّ مَحَلَّهَا فِي آخِرِ الْمَغَازِي كَمَا سَيَأْتِي وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ بِإِيرَادِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هُنَا بَيَانَ مِقْدَارِ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ لَا خُصُوصَ زَمَنِ وَفَاتِهِ وَأَوْرَدَهُ فِي الْأَسْمَاءِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ مُدَّةَ عُمْرِهِ الْقَدْرُ الَّذِي عَاشَهُ وَسَيَأْتِي نَقْلُ الْخِلَافِ فِي مِقْدَارِهِ فِي آخِرِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[3536] قَوْله قَالَ بن شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ أَيْ مِثْلَ مَا أَخْبَرَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَوْلُ بن شِهَابٍ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن بن شِهَابٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا مُفَرَّقًا وَهُوَ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَعِيدٌ أَيْضًا سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

(6/559)


(قَوْلُهُ بَابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
الْكُنْيَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ النُّونِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكِنَايَةِ تَقُولُ كَنَّيْتُ عَنِ الْأَمْرِ بِكَذَا إِذَا ذَكَرْتُهُ بِغَيْرِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَقَدِ اشْتَهَرَتِ الْكُنَى لِلْعَرَبِ حَتَّى رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَسْمَاءِ كَأَبِي طَالِبٍ وَأَبِي لَهَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ كُنْيَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَكْثَرُ وَقَدْ يَشْتَهِرُ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ جَمِيعًا فَالِاسْمُ وَالْكُنْيَةُ وَاللَّقَبُ يَجْمَعُهَا الْعَلَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَتَغَايَرُ بِأَنَّ اللَّقَبَ مَا أَشْعَرَ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ وَالْكُنْيَةُ مَا صُدِّرَتْ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ اسْم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكنى أَبَا الْقَاسِمِ بِوَلَدِهِ الْقَاسِمِ وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ مَاتَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَدْ وُلِدَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ مَارِيَةَ وَمَضَى شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ مَضَى فِي الْبُيُوعِ بِأَتَمَّ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَهُ لَمْ أَعْنِكَ وَحِينَئِذٍ نَهَى عَنِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ ثَانِيهَا حَدِيثُ جَابِرٍ وَسَالِمٌ الرَّاوِي عَنهُ هُوَ بن الْجَعْدِ وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا مُخْتَصَرًا وَقَدْ مَضَى فِي الْخُمُسِ بِأَتَمَّ مِنْهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ

[3538] فِي أَوَّلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ سُفْيَانُ بَدَلَ شُعْبَةَ وَمَالَ الْجَيَّانِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ ثَالِثُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

[3539] قَوْلُهُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَهُوَ لَطِيفٌ وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِزَمَانِهِ وَقِيلَ بِمَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ وَتَوْجِيهُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(6/560)


(قَوْلُهُ بَابُ كَذَا)
لِلْأَكْثَرِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ كَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي زَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ عَنْهُ وَكَرِيمَةَ وَكَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَضَمَّهُ بَعْضُهُمْ إِلَى الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لَهُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا مِنَ الَّذِيَ قَبْلَهُ بَلْ هُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ نَعَمْ وَجَّهَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيَّ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ ذَا اسْمٍ وَكُنْيَةٍ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَادَى بِشَيْءٍ مِنْهُمَا بَلْ يُقَالُ لَهُ يَا رَسُول الله كَمَا خَاطَبَتْهُ خَالَةُ السَّائِبِ لَمَّا أَتَتْ بِهِ إِلَيْهِ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ

[3540] قَوْلُهُ جَلْدًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ قَوِيًّا صُلْبًا قَوْلُهُ بن أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَآهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانُ سِنِينَ كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِهِ فَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الْوَاقِدِيِّ إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ مَاتَ قَبْلَ التِّسْعِينَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتّ وَتِسْعين وَهُوَ أشبه قَالَ بن أَبِي دَاوُدَ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقِيلَ بَلْ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ فَإِنَّهُ مَاتَ سنة تسع وَتِسْعين

(قَوْلُهُ بَابُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)
أَيْ صِفَتُهُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ عَلَامَاتِهِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَعْرِفُونَهُ بِهَا وَادَّعَى عِيَاضٌ هُنَا أَنَّ الْخَاتَمَ هُوَ أَثَرُ شَقِّ الْمَلَكَيْنِ لِمَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الشَّقَّ إِنَّمَا كَانَ فِي صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَأَثَرُهُ إِنَّمَا كَانَ خَطًّا وَاضِحًا مِنْ صَدْرِهِ إِلَى مَرَاقِّ بَطْنِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ قَطُّ أَنَّهُ بَلَغَ بِالشَّقِّ حَتَّى نَفَذَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَلَوْ ثَبَتَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيلًا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ إِلَى قُطْنَتِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُحَاذِي الصَّدْرَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى مَرَاقِّ بَطْنِهِ قَالَ فَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ نُسَّاخِ كِتَابِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْتُ كَذَا قَالَ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى مُسْتَنَدِ الْقَاضِي وَهُوَ حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي ارْتِضَاعِهِ فِي بَنِي سَعْدٍ وَفِيهِ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لَمَّا شَقَّا صَدَرَهُ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ خِطْهُ فَخَاطَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ انْتَهَى فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ حَمَلَ ذَلِكَ عِيَاضٌ عَلَى أَنَّ الشَّقَّ لَمَّا وَقَعَ فِي صَدْرِهِ ثُمَّ خِيطَ حَتَّى الْتَأَمَ كَمَا كَانَ وَوَقَعَ الْخَتْمُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَانَ ذَلِكَ أَثَرَ الشِّقِّ وَفَهِمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّقِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَثَرِ الْخَتْمِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَالدَّلَائِلُ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ الْمَلَكَ لَمَّا أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَغَسَلَهُ خَتَمَ ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَيْهِ بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ فَامْتَلَأَ نُورًا

(6/561)


وَذَلِكَ نُورُ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ عِنْدَ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَالْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَالدَّلَائِلِ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا أَنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَمَّا تَرَاءَيَا لَهُ عِنْدَ الْمَبْعَثِ هَبَط جِبْرِيل فسلقني لحلاوة الغفا ثُمَّ شَقَّ عَنْ قَلْبِي فَاسْتَخْرَجَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَلْقَانِي وَخَتَمَ فِي ظَهْرِي حَتَّى وَجَدْتُ مَسَّ الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي وَقَالَ اقْرَأْ الْحَدِيثَ هَذَا مُسْتَنَدُ الْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْخَاتَمَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ وِلَادَتِهِ فَفِيهِ تَعْقِيبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ بِهِ وَهُوَ قَوْلٌ نَقَلَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ بِلَفْظِ قِيلَ وُلِدَ بِهِ وَقِيلَ حِينَ وُضِعَ نَقَلَهُ مُغَلْطَايْ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَائِذٍ وَالَّذِي تَقَدَّمَ أَثْبَتُ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَفِيهِ وَجَعَلَ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفِي كَمَا هُوَ الْآنَ وَفِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ عَائِدٍ فِي قِصَّةِ شَقِّ صَدْرِهِ وَهُوَ فِي بِلَادِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَأَقْبَلَ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ لَهُ شُعَاعٌ فَوَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَدْيَيْهِ الْحَدِيثَ وَهَذَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخَتْمَ وَقَعَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ جَسَدِهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ

[3541] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَأَصْلُ شَيْخِهِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ كُوفِيٌّ قَوْلُهُ ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَأَمَّا أُمُّهُ فَاسْمُهَا عُلْبَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ بِنْتُ شُرَيْحٍ أُخْتُ مَخْرَمَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَوْلُهُ وَقِعٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ وَجِعٌ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ مَضَى فِي الطَّهَارَةِ بِلَفْظِ وَجِعَ وَجَاءَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ قَوْلُهُ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ سَيَأْتِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ إِلَى جِهَةِ كَتِفهِ الْيُسْرَى قَوْله قَالَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ مِثْلُ زِرِّ الْحُجْلَةِ قُلْتُ هَكَذَا وَقَعَ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنْ يُفَسِّرَ الْحُجْلَةَ وَلَمْ يَقَعْ لَهَا فِي سِيَاقِهِ ذِكْرٌ وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مِثْلُ زِرِّ الْحُجْلَةِ ثُمَّ فَسَرَّهَا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي أَصْلِ النَّسَفِيِّ تَضْبِيبٌ بَيْنَ قَوْلِهِ بَين كَتفيهِ وَبَين قَوْله قَالَ بن عبيد الله وَأما التَّعْلِيق عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ عَنْهُ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَقد زعم بن التِّين أَنَّهَا فِي رِوَايَة بن عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفِي رِوَايَة بن حَمْزَة بفتحهما وَحكى بن دِحْيَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِي الْأَوَّلِ كَسْرَ الْمُهْمَلَةِ مَعَ ضمهَا وَقيل الْفرق بَين رِوَايَة بن حَمْزَة وبن عبيد الله أَن رِوَايَة بن عُبَيْدِ اللَّهِ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُور وَرِوَايَة بن حَمْزَةَ بِالْعَكْسِ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ ارْتُزَّ الشَّيْءُ إِذَا دَخَلَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُ الرَّزَّةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْبَيْضَةُ يُقَالُ ارْتَزَّتِ الْجَرَادَةُ إِذَا أَدْخَلَتْ ذَنَبَهَا فِي الْأَرْضِ لِتَبِيضَ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْحُجْلَةِ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ وَجَزَمَ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجْلَةِ هُنَا الْكِلَّةُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَى السَّرِيرِ وَيُزَيَّنُ بِهَا لِلْعَرُوسِ كَالْبَشْخَانَاتِ وَالزِّرُّ عَلَى هَذَا حَقِيقَةٌ لِأَنَّهَا تكون ذَات أزرار وعرى واستبعد قَول بن عُبَيْدِ اللَّهِ بِأَنَّهَا مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ بِأَنَّ التَّحْجِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَوَائِمِ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْوَجْهِ فَهُوَ الْغُرَّةُ وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُهُ عَلَى ذَلِكَ مَجَازًا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا قَدْرُ الزِّرِّ وَإِلَّا فَالْغُرَّةُ لَا زِرَّ لَهَا وَجَزَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجْلَةِ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِزِرِّهَا بَيْضُهَا وَيُعَضِّدُهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ مِثْلُ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ وَقَدْ وَرَدَتْ فِي صِفَةِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَحَادِيثُ مُتَقَارِبَةٌ لِمَا ذُكِرَ هُنَا

(6/562)


مِنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَأَنَّهُ بَيْضَة حمامة وَوَقع فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ كَبَيْضَةِ نعَامَة وَنبهَ على أَنَّهَا غلط وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ نَظَرْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّة جمعا عَلَيْهِ خيلان وَعند بن حبَان من حَدِيث بن عُمَرَ مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ مِنَ اللَّحْمِ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ كَبَضْعَةٍ نَاشِزَةٍ مِنَ اللَّحْمِ وَعِنْدَ قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ مِثْلُ السَّلْعَةِ وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ كَأَثَرِ مِحْجَمٍ أَوْ كَالشَّامَةِ السَّوْدَاءِ أَوِ الْخَضْرَاءِ أَوْ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ سِرْ فَأَنْتَ الْمَنْصُورُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ وَقَدْ أَطْنَبَ الْحَافِظُ قُطْبُ الدِّينِ فِي اسْتِيعَابِهَا فِي شَرْحِ السِّيرَةِ وَتَبِعَهُ مُغَلْطَايْ فِي الزَّهْرِ الْبَاسِمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ حَالِهَا وَالْحَقُّ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقع مِنْهَا فِي صَحِيح بن حِبَّانَ فَإِنَّهُ غَفَلَ حَيْثُ صَحَّحَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اتَّفَقَتِ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ عَلَى أَنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَانَ شَيْئًا بَارِزًا أَحْمَرَ عِنْدَ كَتِفهِ الْأَيْسَرِ قَدْرُهُ إِذَا قُلِّلَ قَدْرُ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ وَإِذَا كُبِّرَ جُمْعُ الْيَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَفِي حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كَأَنَّهُ رُكْبَةُ عَنْزٍ عَلَى طَرَفِ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَلَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ السِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَقَدْ وَرَدَ فِي خَبَرٍ مَقْطُوعٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ فَرَأَى الشَّيْطَانَ فِي صُورَةِ ضِفْدَعٍ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ حِذَاءَ قلبه لَهُ خرطوم كالبعوضة أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ إِلَى مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرَهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي م ص ر وَلَهُ شَاهِدٌ مَرْفُوعٌ عَنْ أنس عِنْد أبي يعلى وبن عَدِيٍّ وَلَفْظُهُ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قلب بن آدم الحَدِيث وَأورد بن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنَ بن آدَمَ قَالَ فَإِذَا بِرَأْسِهِ مِثْلُ الْحَيَّةِ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى تَمْرَةِ الْقَلْبِ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ قُلْتُ وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدٌ فِي آخِرِ التَّفْسِيرِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وُضِعَ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَان وَذَلِكَ الْموضع يدْخل مِنْهُ الشَّيْطَان

(6/563)


(قَوْلُهُ بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيْ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ وَأَوْرَدَ فِيهِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الْمُشْتَمِلُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يُشْبِهُ جَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[3542] قَوْلُهُ عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَخْبَرَنِي وَفِي أُخْرَى حَدثنِي بن أَبِي مُلَيْكَةَ قَوْلُهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَوْلُهُ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَةٍ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ وَعَلِيٌّ يَمْشِي إِلَى جَانِبِهِ قَوْلُهُ بِأَبِي فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَفْدِيهِ بِأَبِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَارْتَجَزَ فَقَالَ وَابِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا رَجَزًا نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْزُونٍ وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى السَّجْعِ رَجَزًا وَوَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ تَغْيِيرٌ وَتَصْحِيفُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ وَابِأَبِي وَابِأَبِي كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ

(6/567)


الْمَذْكُورَةُ فَهَذَا يَكُونُ مِنْ مَجْزُوءِ الرَّجَزِ لَكِنَّ قَوْلَهُ شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ قَبْلَهُ فَلَعَلَّهُ كَانَ شَخْصٌ أَوْ أَنْتَ شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَوْزُونٌ قَوْلُهُ وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَلِيٌّ يَتَبَسَّمُ أَيْ رِضًا بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَتَصْدِيقًا لَهُ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُشْبِهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جُحَيْفَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَنَاقِبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَذْكُرُ فِيهِ مَنْ شَارَكَهُمَا فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَحَبَّتُهُ لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي فِي الْمَنَاقِبِ قَوْلُهُ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَفِيهِ تَرْكُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يَلْعَبُ لِأَنَّ الْحَسَنَ إِذْ ذَاك كَانَ بن سَبْعِ سِنِينَ وَقَدْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَفِظَ عَنْهُ وَلَعِبُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ بَلْ عَلَى مَا فِيهِ تمرين وتنشيط وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم الحَدِيث الثَّانِي وَحَدِيث أَبِي جُحَيْفَةَ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَإِسْمَاعِيلُ فِيهِمَا هُوَ بن أبي خَالِد وبن فُضَيْلٍ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ مُحَمَّدٌ

[3544] قَوْلُهُ كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ صَارَ سَوَادُ شَعْرِهِ مُخَالِطًا لِبَيَاضِهِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذَا أَنَّ مَوْضِعَ الشَّمَطِ كَانَ فِي الْعَنْفَقَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ وَالْعَنْفَقَةُ مَا بَيْنَ الذَّقَنِ وَالشَّفَةِ السُّفْلَى سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا شَعْرٌ أَمْ لَا وَتُطْلَقُ عَلَى الشَّعْرِ أَيْضًا وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ وَأَشَارَ إِلَى عَنْفَقَتِهِ قِيلَ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ قَالَ أَبْرِي النَّبْلَ وَأُرَيِّشُهَا قَوْلُهُ وَأَمَرَ لَنَا أَيْ لَهُ وَلِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ وَآخره هَاء تَأْنِيث بن عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَكَانَ أَمَرَ لَهُمْ بِذَلِكَ على سَبِيل جَائِزَة الْوَفْد قَوْله فلوصا بِفَتْحِ الْقَافِ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ وَقِيلَ الشَّابَّةُ وَقِيلَ الطَّوِيلَةُ الْقَوَائِمِ وَقَوْلُهُ فَقُبِضَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قُرْبَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَهِدَ أَبُو جُحَيْفَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَفَّى لَهُمْ بِالْوَعْدِ الْمَذْكُورِ كَمَا صَنَعَ بِغَيْرِهِمْ ثُمَّ وَجَدْتُ ذَلِكَ مَنْقُولًا صَرِيحًا فَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَذَهَبْنَا نَقْبِضُهَا فَأَتَانَا مَوْتُهُ فَلَمْ يُعْطُونَا شَيْئًا فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ فليجيء فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَ لَنَا بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهِبَةِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ أَيْضًا

[3545] قَوْلُهُ عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ هُوَ اسْمُ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اسْمِهِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا وَهْبُ اللَّهِ وَوَهْبُ الْخَيْرِ قَوْلُهُ وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ بِالْكَسْرِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الشَّفَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بَيَاضًا وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى مِثْلُ مَوْضِعِ إِصْبَعٍ الْعَنْفَقَةِ وَإِصْبَعٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالتَّنْوِينِ وَإِعْرَابُ الْعَنْفَقَةِ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ شَبَّابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عِنْدَهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَابَتْ عَنْفَقَتُهُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَهُوَ مِنْ ثُلَاثِيَّاتِهِ 9

[3546] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الْحِمْصِيُّ الْحَضْرَمِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهُ وَأَمَّا حَرِيزٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَأَيْت بِمَعْنى أَخْبرنِي وَالنَّبِيّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَالتَّقْدِيرُ أَخْبِرْنِي أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَأَيْتَ اسْتِفْهَامًا مِنْهُ هَلْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ النَّبِيُّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَقَوْلُهُ كَانَ شَيْخًا

(6/568)


اسْتِفْهَامٌ ثَانٍ حُذِفَتْ مِنْهُ أَدَاةُ الِاسْتِفْهَامِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَأَنَا غُلَامٌ فَقُلْتُ أَنْتَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ شَيْخٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ شَابٌّ قَالَ فَتَبَسَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم صبغ قَالَ يَا بن أَخِي لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ قَوْلُهُ قَالَ كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ إِنَّمَا كَانَتْ شَعَرَاتٌ بِيضٌ وَأَشَارَ إِلَى عَنْفَقَتِهِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ حَدِيثَيْنِ قَوْلُ أَنَسٍ إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أنس من رِوَايَة ربيعَة عَنهُ وَهُوَ بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرُّوخَ الْفَقِيهُ الْمَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةِ الرَّأْيِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا من رِوَايَة خَالِد وَهُوَ بن يَزِيدَ الْجُمَحِيُّ الْمِصْرِيُّ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ لَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ اللَّيْثُ

[3547] قَوْلُهُ كَانَ رَبْعَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَرْبُوعًا وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ يُقَالُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ وَامْرَأَةٌ رَبْعَةٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَالْمُرَادُ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ الْمُفْرِطُ فِي الطُّولِ مَعَ اضْطِرَابِ الْقَامَةِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بَعْدَ قَلِيلٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الذُّهْلِيِّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَانَ رَبْعَةً وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ قَوْلُهُ أَزْهَرَ اللَّوْنِ أَيْ أَبْيَضُ مُشَرَّبٌ بِحُمْرَةٍ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالطَّيَالِسِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ مُشَرَّبًا بَيَاضُهُ بِحُمْرَةٍ وَهُوَ عِنْد بن سَعْدٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ جَابِرٍ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ وَفِي الشَّمَائِلِ مِنْ حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ أَنَّهُ أَزْهَرُ اللَّوْنِ قَوْلُهُ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ كَذَا فِي الْأُصُولِ وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّاوُدِيِّ تَبَعًا لِرِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ أَمْهَقُ لَيْسَ بِأَبْيَضَ وَاعْتَرَضَهُ الدَّاوُدِيُّ وَقَالَ عِيَاضٌ إِنَّهُ وَهْمٌ قَالَ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ وَلَا الْآدَمِ لَيْسَ بِصَوَابٍ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فِي هَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ وَلَا بِالْآدَمِ الشَّدِيدِ الْأُدْمَةِ وَإِنَّمَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ الْحُمْرَةُ وَالْعَرَبُ قَدْ تُطْلِقُ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَسْمَرَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أنس عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار وبن مَنْدَه بِإِسْنَاد صَحِيح وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسْمَرَ وَقَدْ رَدَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالْآدَمِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ الصّفة النَّبَوِيَّة قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ وَفِي حَدِيثِ يزِيد الرقاشِي عَن بن عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ أَحْمَرُ وَفِي لَفْظٍ أَسْمَرَ إِلَى الْبَيَاضِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَتَبَيَّنَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّمْرَةِ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُخَالِطُ الْبَيَاضَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيَاضِ الْمُثْبَتِ مَا يُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ وَالْمَنْفِيُّ مَا لَا يُخَالِطُهُ وَهُوَ الَّذِي تَكْرَهُ الْعَرَبُ لَوْنَهُ وَتُسَمِّيهِ أَمْهَقَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ رِوَايَةَ الْمَرْوَزِيِّ أَمْهَقَ لَيْسَ بِأَبْيَضَ مَقْلُوبَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْهَقِ الْأَخْضَرُ اللَّوْنِ الَّذِي لَيْسَ بَيَاضُهُ فِي الْغَايَةِ وَلَا سُمْرَتُهُ وَلَا حُمْرَتُهُ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ رُؤْبَةَ أَنَّ الْمَهَقَ خُضْرَةُ الْمَاءِ فَهَذَا التَّوْجِيهُ يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ إِطْلَاقُ كَوْنِهِ أَبْيَضَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا أَنْسَى شِدَّةَ بَيَاضِ وَجْهِهِ مَعَ شِدَّةِ سَوَادِ شَعْرِهِ وَكَذَا فِي شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ وَفِي حَدِيثِ سُرَاقَةَ عِنْد بن إِسْحَاق فَجعلت

(6/569)


أَنْظُرَ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ فِي عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ أَنَّهُ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُقَالُ إِنَّ الْمُشَرَبَ مِنْهُ حُمْرَةٌ وَإِلَى السُّمْرَةِ مَا ضَحَى مِنْهُ لِلشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَأَمَّا مَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَر قلت وَهَذَا ذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَزَادَ وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي زِيَادَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ أَبْيَضُ مُشَرَّبٌ شَدِيدُ الْوَضَحِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ لَيْسَ بِالْأَمْهَقِ وَهُوَ أَصَحُّ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ مَا فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَلَى مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِمَّا لَا يُلَاقِي الشَّمْسَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبِطٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجُعُودَةُ فِي الشَّعْرِ أَنْ لَا يَتَكَسَّرَ وَلَا يَسْتَرْسِلَ وَالسُّبُوطَةُ ضِدُّهُ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا وَوَقَعَ فِي حَدِيث عَليّ عِنْد التِّرْمِذِيّ وبن أَبِي خَيْثَمَةَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجِلًا وَقَوْلُهُ رَجِلٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا أَيْ مُتَسَرِّحٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَيْ هُوَ رَجِلٌ وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ بِالْخَفْضِ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَنْفِيِّ وَقَدْ وُجِّهَ عَلَى أَنَّهُ خَفَضَهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ قَوْلُهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بَعَثَهُ الله قَوْله وَهُوَ بن أَرْبَعِينَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بُعِثَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ حِينَ بُعِثَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ فَمَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْغَى الْكَسْرَ أَوْ جَبَرَ لَكِنْ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً سَوَاءً وَقَالَ بَعْضُهُمْ بُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الْجِعَابِيِّ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ شَاذٌّ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا وَضُمَّ إِلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَبْعَثَ فِي رَمَضَانَ فَيَصِحُّ أَنَّهُ بُعِثَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ أَيْضًا وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بُعِثَ فِي رَمَضَان وَهُوَ بن أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي تَارِيخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُتَقِيِّ وَعَزَاهُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَزَادَ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَهُوَ شَاذٌّ وَمِنَ الشَّاذِّ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ وَتَبِعَهُ الْبِلَاذُرِيُّ وبن أَبِي عَاصِمٍ وَفِي تَارِيخِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قَوْلُهُ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَاضِي قَرِيبًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَحَدَهُمَا وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْوَفَاةِ آخِرَ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ أَيْ بَلْ دُونَ ذَلِكَ وَلِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قُلْتُ لِرَبِيعَةَ جَالَسْتَ أَنَسًا قَالَ نَعَمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ شَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ شيبَة هَا هُنَا يَعْنِي العنفقة ولإسحاق بن رَاهَوَيْه وبن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ وَقَدِ اقْتَضَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ شَيْبَهُ كَانَ لَا يَزِيدُ على عشر

(6/570)


شَعَرَاتٍ لِإِيرَادِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ لَكِنْ خُصَّ ذَلِكَ بِعَنْفَقَتِهِ فَيُحْمَلُ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ فِي صُدْغَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْد بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ وَلَمْ يَبْلُغْ مَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الشَّيْبِ عِشْرِينَ شَعْرَةً قَالَ حُمَيْدٌ وَأَوْمَأَ إِلَى عَنْفَقَتِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقَدْ روى بن سَعْدٍ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا كَانَ فِي رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَلِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَكُنْ فِي لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ قَالَ حُمَيْدٌ كُنَّ سَبْعَ عَشْرَةَ وَفِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عشرَة شَعْرَة وَعند بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ شَعْرَةً وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً وَفِي حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ زُهَيْرٍ عِنْد ثَلَاثُونَ عَدَدًا قَوْلُهُ قَالَ رَبِيعَةُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ لَمْ أَعْرِفِ الْمَسْئُولَ الْمُجِيبَ بِذَلِكَ إِلَّا أَن فِي رِوَايَة بن عَقِيلٍ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَبْلُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لِأَنَسٍ هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ فَقَالَ إِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَبِيعَةُ سَأَلَ أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ وَوَقَعَ فِي رِجَالِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضَبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ لِيَكُونَ أَبْقَى لَهَا قُلْتُ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اسْتَقَامَ إِنْكَارُ أَنَسٍ وَيَقْبَلُ مَا أَثْبَتَهُ سِوَاهُ التَّأْوِيلَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ

[3549] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن يُوسُف أَي بن إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ وَأَحْسَنُهُ خلقا بِفَتْح الْمُعْجَمَة للْأَكْثَر وَضَبطه بن التِّينِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّكَ لعَلي خلق عَظِيم وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِالشَّكِّ وَأَحْسَنُهُ خَلْقًا أَوْ خُلُقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْحُسْنِ الْحِسِّيِّ فَيَكُونُ فِي الثَّانِي إِشَارَةٌ إِلَى الْحُسْنِ الْمَعْنَوِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِفَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي قَالَ فِيهِ إِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا وَهُوَ عِنْدَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّ فِي أَوَّلِهِ فِي بَابِ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَى الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِيَّةِ وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوية وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَى الْعَقْلِ فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ وَمَضَى فِي الْجِهَادِ وَالْخُمُسِ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا فَأَشَارَ بِعَدَمِ الْجُبْنِ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَهِيَ الشَّجَاعَةُ وَبِعَدَمِ الْكَذِبِ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ الْحِكْمَةُ وَبِعَدَمِ الْبُخْلِ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَهُوَ الْجُودُ قَوْلُهُ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ رَبْعَةً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُمَاشِيهِ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ إِلَّا طَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَرُبَّمَا اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ الطَّوِيلَانِ فَيَطُولُهُمَا فَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَا إِلَى الطُّولِ وَنُسِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّبْعَةِ وَقَوْلُهُ الْبَائِنِ بِالْمُوَحَّدَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَانَ أَيْ ظَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ أَو فَارق من سَوَاء الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا

(6/571)


هَلْ خَضَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ الصُّدْغُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَيُقَالُ ذَلِكَ أَيْضًا لِلشَّعْرِ الْمُتَدَلِّي مِنَ الرَّأْسِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّ الشَّعْرَ الْأَبْيَضَ كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمْ يَخَضِبْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَفِي الصُّدْغَيْنِ وَفِي الرَّأْسِ نُبَذٌ أَيْ مُتَفَرِّقٌ وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي شَابَ مِنْ عَنْفَقَتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا شَابَ مِنْ غَيْرِهَا وَمُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَعْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضَبَ قَالَ لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شمطات كن فِي رَأسه لفَعَلت زَاد بن سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ مَا شَانَهُ بِالشَّيْبِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَقَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَإِذَا لَمْ يَدَّهِنْ تَبَيَّنَ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لقَوْل بن عُمَرَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَضِّبُ بِالصُّفْرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ يُحْمَلَ نَفْيُ أَنَسٍ عَلَى غَلَبَةِ الشَّيْبِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى خِضَابِهِ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنَّهُ رَآهُ وَهُوَ مُخَضِّبٌ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ مَنْ أَثْبَتَ الْخَضْبَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِإِرَادَةِ بَيَانِ الْجَوَازِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا شَانَهُ اللَّهُ بِبَيْضَاءَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ الْبِيضِ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ حُسْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ إِنْكَارَ أَنَسٍ أَنَّهُ خَضَبَ وَذَكَرَ حَدِيثَ بن عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخَضِبُ بِالصُّفْرَةِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَوَافَقَ مَالِكٌ أَنَسًا فِي إِنْكَارِ الْخِضَابِ وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ

[3551] قَوْلُهُ بَعِيدٌ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ أَيْ عَرِيضٌ أَعْلَى الظَّهْرِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْد بن سَعْدٍ رَحْبُ الصَّدْرِ قَوْلُهُ لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أُذُنَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ تَكَادُ جُمَّتُهُ تُصِيبُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ قَوْلُهُ وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ يُوسُف بن إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ قَوْلُهُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ أَيْ زَادَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ وَطَرِيقُ يُوسُفَ هَذِهِ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ قَبْلَ هَذَا بِحَدِيث لكنه اختصرها قَالَ بن التِّينِ تَبَعًا لِلدَّاوُدِيِّ قَوْلُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مُعْظَمَ شَعْرِهِ كَانَ عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَمَا اسْتَرْسَلَ مِنْهُ مُتَّصِلٌ إِلَى الْمَنْكِبِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَتَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ أَنَّ شَعْرَهُ كَانَ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ وَفِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ وَمِثْلُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنهُ وَعند بن سَعْدٍ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ لَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ أُذُنَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ أَوْ عَلَى أَحْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ وَفِي حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ أَيْ جَعَلَهُ وَفْرَةً فَهَذَا الْقَيْدُ يُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الْمُتَقَدِّمَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ أَيْضًا

[3552] قَوْلُهُ حَدثنَا زُهَيْر هُوَ بن مُعَاوِيَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ سُئِلَ الْبَرَاءُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ لَهُ رَجُلٌ قَوْلُهُ

(6/572)


مِثْلَ السَّيْفِ قَالَ لَا بَلْ مِثْلُ الْقَمَرِ كَأَنَّ السَّائِلَ أَرَادَ أَنَّهُ مِثْلُ السَّيْفِ فِي الطُّولِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَرَاءُ فَقَالَ بَلْ مِثْلُ الْقَمَرِ أَيْ فِي التَّدْوِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مِثْلَ السَّيْفِ فِي اللَّمَعَانِ وَالصِّقَالِ فَقَالَ بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ وَعَدَلَ إِلَى الْقَمَرِ لِجَمْعِهِ الصِّفَتَيْنِ مِنَ التَّدْوِيرِ وَاللَّمَعَانِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ الْمَذْكُورَةِ أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيدًا مِثْلَ السَّيْفِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ أَكَانَ وَجْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ السَّيْفِ قَالَ لَا بَلْ مِثْلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا وَإِنَّمَا قَالَ مُسْتَدِيرًا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ الصِّفَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِثْلَ السَّيْفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطُّولَ أَوِ اللَّمَعَانَ فَرَدَّهُ الْمَسْئُولُ رَدًّا بَلِيغًا وَلَمَّا جَرَى التَّعَارُفُ فِي أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالشَّمْسِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ غَالِبًا الْإِشْرَاقُ وَالتَّشْبِيهُ بِالْقَمَرِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمَلَاحَةُ دُونَ غَيْرِهِمَا أَتَى بِقَوْلِهِ وَكَانَ مُسْتَدِيرًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِالصِّفَتَيْنِ مَعًا الْحسن والإستدارة وَلأَحْمَد وبن سعد وبن حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي جَبْهَتِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ شَبَّهَ جَرَيَانَ الشَّمْسِ فِي فَلَكِهَا بِجَرَيَانِ الْحُسْنِ فِي وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ عَكْسُ التَّشْبِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَنَاهِي التَّشْبِيهِ جَعْلُ وَجْهِهِ مقرى وَمَكَانًا لِلشَّمْسِ وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي يَعْفُورَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ قَالَتْ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهَا شَبِّهِيهِ قَالَتْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَفِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ لَوْ رَأَيْتَهُ لَرَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ الرَّقَّاشِيِّ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا عَن بن عَبَّاسٍ جَمِيلُ دَوَائِرِ الْوَجْهِ قَدْ مَلَأَتْ لِحْيَتُهُ مِنْ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ حَتَّى كَادَتْ تَمْلَأُ نَحْرَهُ وَرَوَى الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّ قَوْلَهُ أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى مَنْ سَأَلَ أَكَانَ وَجْهُهُ مِثْلَ السَّيْفِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي غَايَةٍ مِنَ التَّدْوِيرِ بَلْ كَانَ فِيهِ سُهُولَةٌ وَهِيَ أَحْلَى عِنْدَ الْعَرَبِ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ

[3553] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ الشَّطَوِيُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ لَمْ يُخَرِّجْ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلُهُ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ سَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ بِزِيَادَتِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فَمَسَحَ صَدْرِي فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُونَةِ عَطَّارٍ وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ لَقَدْ كُنْتُ أُصَافِحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَهُ فَأَتَعَرَّفُهُ بَعْدُ فِي يَدِي وَإِنَّهُ لَأَطْيَبَ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ وَفِي حَدِيثِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ ثُمَّ فِي الْبِئْرِ فَفَاحَ مِنْهُ مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ وَرَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي جَمْعِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَرَقَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعْلِهَا إِيَّاهُ فِي الطِّيبِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي اسْتَعَانَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَجْهِيزِ ابْنَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَاسْتَدْعَى بِقَارُورَةٍ فَسَلَتْ لَهُ فِيهَا مِنْ عَرَقِهِ وَقَالَ لَهُ مُرْهَا فَلْتَطَّيَّبْ بِهِ فَكَانَتْ إِذَا تَطَيَّبَتْ بِهِ شَمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَائِحَةَ ذَلِكَ الطِّيبِ فَسُمُّوا بَيْتَ الْمُطَيَّبِينَ وروى أَبُو

(6/573)


يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا مَرَّ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ فَيُقَالُ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ الْحَادِي عَشَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَصْفُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْجُودِ الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْقَائِفِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهَا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ وَالْأَسَارِيرُ جَمْعُ أَسْرَارٍ وَهِي جمع سر وَهِي الخطوط الَّتِي تكون فِي الْجَبْهَةِ الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ تَوْبَتِهِ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الْمَغَازِي مُسْتَوْفًى شَرْحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[3556] قَوْلُهُ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ أَيِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَبِينُ فِيهِ السُّرُورُ وَهُوَ جَبِينُهُ فَلِذَلِكَ قَالَ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَلَعَلَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ مُلَثَّمًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ قِطْعَةُ قَمَرٍ الْقَمَرَ نَفْسَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ مِثْلَ شُقَّةِ الْقَمَرِ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الِالْتِفَاتِ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ طُرُقٍ فِي بَعْضِهَا كَأَنَّهُ دَارَةُ قَمَرٍ الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

[3557] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرٍو هُوَ بن أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ قَوْلُهُ بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا الْقَرْنُ الطَّبَقَةُ مِنَ النَّاسِ الْمُجْتَمِعِينَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَقِيلَ بِسَبْعِينَ وَقِيلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَحَكَى الْحَرْبِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ تَعَقَّبَ الْجَمِيعَ وَقَالَ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْقَرْنَ كُلُّ أُمَّةٍ هَلَكَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ وَقَوْلُهُ قَرْنًا بِالنَّصْبِ حَالٌ لِلتَّفْصِيلِ قَوْلُهُ حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ حَدِيث بن عَبَّاس

[3558] قَوْله عَن بن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن بن شِهَابٍ وَعَنْهُ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسٍ سَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَخْطَأَ فِيهِ وَالصَّوَابُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الصَّوَابُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ قَوْلُهُ يَسْدُلُ شَعْرَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا أَيْ يَتْرُكُ شَعْرَ نَاصِيَتِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ إِرْسَالُهُ عَلَى الْجَبِينِ وَاتِّخَاذُهُ كَالْقُصَّةِ أَيْ بِضَمِّ الْقَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ أَلْقَى شَعْرَ رَأْسِهِ إِلَى جَانِبَيْ رَأْسِهِ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى جَبْهَتِهِ وَيَفْرُقُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِكَسْرِهَا وَقَدْ رَوَى بن إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَنَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ عَنْ يَافُوخِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ الَّذِي عَلَى نَاصِيَتِهِ فَرَقٌ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شعره شحمة أُذُنه قَالَ بن قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ الْعَقِيقَةُ شَعْرُ رَأْسِ الصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُحْلَقَ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَلْقِ مَجَازًا وَقَوْلُهُ كَانَ لَا يَفْرُقُ شَعْرَهُ إِلَّا إِذَا انْفَرَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ أَولا لما بَينه حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ وَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ حَيْثُ كَانَ عُبَّادُ الْأَوْثَانِ كَثِيرِينَ قَوْلُهُ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ أَيْ فِيمَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْعَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي زَمَانِهِ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِبَقَايَا مِنْ شَرَائِعِ الرُّسُلِ فَكَانَتْ مُوَافَقَتُهُمْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مُوَافَقَةِ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا أَسْلَمَ غَالِبُ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ أَحَبَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لم يَجِيء فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ وَتُعُقِّبَ

(6/574)


بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْمَحَبَّةِ وَلَوْ كَانَ كذَلِكَ لَعَبَّرَ بِالْوُجُوبِ وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَفِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ آخِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَي بن الْعَاصِ

[3559] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ هُوَ السُّكَّرِيُّ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ سِوَى طَرَفَيْهِ وَقَدْ دَخَلَاهَا قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيِ بن الْعَاصِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِسَنَدِهِ دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ الْكُوفَةَ فَذَكَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَوْلُهُ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا أَيْ نَاطِقًا بِالْفُحْشِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ على الْحَد فِي الْكَلَام السيء وَالْمُتَفَحِّشُ الْمُتَكَلِّفُ لِذَلِكَ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفُحْشُ خُلُقًا وَلَا مُكْتَسِبًا وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا متفحشا وَلَا سخابا فِي الْأَسْوَاق وَلَا يُجزئ بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ وَقَدْ رَوَى الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المعتبة مَاله تَرِبَتْ جَبِينُهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُول وَلَكِن يَقُول مَا بَال أَقوام يَقُولُونَ قَوْلُهُ وَكَانَ يَقُولُ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَحَاسِنَكُمْ وَحُسْنُ الْخُلُقِ اخْتِيَارُ الْفَضَائِلِ وَتَرْكُ الرَّذَائِلِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ مَكَارِمَ بَدَلَ صَالِحَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ وَيَرْضَى لِرِضَاهُ الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ

[3560] قَوْلُهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَيْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا لِأَنَّ أُمُورَ الدِّينِ لَا إِثْمَ فِيهَا وَأُبْهِمَ فَاعِلُ خَيْرٌ لِيَكُونَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِينَ وَقَوْلُهُ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا أَيْ أَسْهَلَهُمَا وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا أَيْ مَا لَمْ يَكُنِ الْأَسْهَلُ مُقْتَضِيًا لِلْإِثْمِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَخْتَارُ الْأَشَدَّ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ سَخَطٌ وَوُقُوعُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ مَا فِيهِ إِثْم ومالا إِثْمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِينَ وَاضِحٌ وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ جَائِزَيْنِ لَكِنْ إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا يُفْضِي إِلَى الْإِثْمِ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُ بَيْنَ أَنْ يُفْتَحَ عَلَيْهِ مِنْ كُنُوزِ الْأَرْضِ مَا يُخْشَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ مَثَلًا وَبَيْنَ أَنْ لَا يُؤْتِيَهُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا الْكَفَافَ فَيَخْتَارَ الكفاف وَأَن كَانَت السعَة أسهل مِنْهُ وَالْإِثْم على هَذَا أَمر نسبي لايراد مِنْهُ مَعْنَى الْخَطِيئَةِ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لَهُ قَوْلُهُ وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ أَيْ خَاصَّةً فَلَا يَرِدُ أَمْرُهُ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَنْتَهِكُونَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَقِيلَ أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِمُ إِذَا أُوذِيَ فِي غَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي يُخْرِجُ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا عَفَا عَنِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَفَا فِي رَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ وَعَنِ الْآخَرِ الَّذِي جَبَذَ بِرِدَائِهِ حَتَّى أَثَّرَ فِي كَتِفِهِ وَحَمَلَ الدَّاوُدِيُّ عَدَمَ الِانْتِقَامِ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ قَالَ وَأَمَّا الْعِرْضُ فَقَدِ اقْتَصَّ مِمَّنْ نَالَ مِنْهُ قَالَ وَاقْتَصَّ مِمَّنْ لَدَّهُ فِي مَرَضِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَمَرَ بِلَدِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ذَلِكَ تَأَوَّلُوا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ عَادَةِ الْبَشَرِيَّةِ

(6/575)


من كَرَاهَة النَّفس للدواء كَذَا قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ مَا لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا بِذِكْرٍ أَيْ بِصَرِيحِ اسْمِهِ وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا سُئِلَ فِي شَيْءٍ قَطُّ فَمَنَعَهُ إِلَّا أَنْ يُسْأَلَ مَأْثَمًا وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَكُونَ لِلَّهِ يَنْتَقِمُ الْحَدِيثَ وَهَذَا السِّيَاقُ سِوَى صَدْرِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَإِنِ انْتُهِكَتْ حُرْمَةُ اللَّهِ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ غَضَبًا لِلَّهِ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِالشَّيْءِ الْعَسِرِ وَالِاقْتِنَاعِ بِالْيُسْرِ وَتَرْكِ الْإِلْحَاحِ فِيمَا لَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ النَّدْبُ إِلَى الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ مَا لَمْ يَظْهَرِ الْخَطَأُ وَالْحَثُّ عَلَى الْعَفْوِ إِلَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّدْبُ إِلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ وَفِيهِ تَرْكُ الْحُكْمِ لِلنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ مِنْهُ الْحَيْفُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَكِنْ لِحَسْمِ الْمَادَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ

[3561] قَوْلُهُ مَا مَسِسْتُ بِمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي مِيمِ شَمِمْتُ قَوْلُهُ وَلَا دِيبَاجًا هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الدِّيبَاجَ نَوْعٌ مِنَ الْحَرِيرِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْفَتْحُ مُوَلَّدٌ أَيْ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ قَوْلُهُ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ هَذَا يُخَالِفُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إنَّهُ كَانَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَالْقَدَمَيْنِ وَفِي رِوَايَة لَهُ شئن الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ وَفِي حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ شئن الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ أَيْ غَلِيظَهُمَا فِي خُشُونَةٍ وَهَكَذَا وَصَفَهُ عَلِيٌّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وبن أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا فِي صِفَةِ عَائِشَةَ لَهُ عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ اللِّينُ فِي الْجِلْدِ وَالْغِلَظُ فِي الْعِظَامِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ نُعُومَةُ الْبَدَنِ وَقُوَّتُهُ أَوْ حَيْثُ وُصِفَ بِاللِّينِ وَاللَّطَافَةِ حَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِهِمَا شَيْئًا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَحَيْثُ وُصِفَ بِالْغِلَظِ وَالْخُشُونَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى امْتِهَانِهِمَا بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ يَتَعَاطَى كَثِيرًا مِنْ أُمُورِهِ بِنَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَزَّارِ أَرْدَفَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ فِي سَفَرٍ فَمَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ جِلْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ أَوْ عَرْفًا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَهُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ وَالْعَرْفُ الرِّيحُ الطَّيِّبُ وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَات بِفَتْح الرَّاء وبالقاف وأو عَلَى هَذَا لِلتَّنْوِيعِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ عَنْبَرَةً ضُبِطَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِسُكُونِ النُّونِ

(6/576)


بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَالْآخَرُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَالْأَوَّلُ مَعْرُوفٌ وَالثَّانِي طِيبٌ مَعْمُولٌ مِنْ أَخْلَاطٍ يَجْمَعُهَا الزَّعْفَرَانُ وَقِيلَ هُوَ الزَّعْفَرَانُ نَفْسُهُ وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا وَلَا عَبِيرًا ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الْعَاشِرِ وَقَوْلُهُ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ بِخَفْضِ رِيحٍ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُضَافِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ وَمَا مَسِسْتُ إِلَخْ الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبي سَعِيدٍ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ

[3562] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ مَوْلَى أَنَسٍ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِهِ قَوْلُهُ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ أَيِ الْبِكْرِ وَقَوْلُهُ فِي خِدْرِهَا بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فِي سِتْرِهَا وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ لِأَنَّ الْعَذْرَاءَ فِي الْخَلْوَةِ يَشْتَدُّ حَيَاؤُهَا أَكْثَرَ مِمَّا تَكُونُ خَارِجَةً عَنْهُ لِكَوْنِ الْخَلْوَةِ مَظِنَّةَ وُقُوعِ الْفِعْلِ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَقْيِيدُهُ بِمَا إِذَا دُخِلَ عَلَيْهَا فِي خِدْرِهَا لَا حَيْثُ تَكُونُ مُنْفَرِدَةً فِيهِ وَمَحَلُّ وُجُودِ الْحَيَاءِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ وَلِهَذَا قَالَ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِالزِّنَا أَنِكْتَهَا لَا يكني كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْحُدُودِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَكَانَ يَقُولُ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَأَخْرَجَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وَمَا رَأَى أَحَدٌ عَوْرَتَهُ قَطُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا يحيى وبن مَهْدِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ يَعْنِي سَنَدًا وَمَتْنًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِسَنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول وَأخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ يَا أَبَا سَعِيدٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا قَالَ نَعَمْ عَنْ مِثْلِ هَذَا فَسَلْ يَا شُعْبَة ف ذكره بِتَمَامِهِ قَوْلُهُ وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجهه أَي أَن بن بَشَّارٍ زَادَ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَحْدَهُ وَأَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى أَيْضًا وَلَمْ يَقَعْ لِمُسَدَّدٍ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْمُقَدَّمِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَة وبن خَلَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَلَيْسَ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فَذَكَرَهَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَأَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ كلهم عَن بن مَهْدِيٍّ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِك وَأخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَصْحِيحِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُهُ بَلْ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ فَيَفْهَمُ أَصْحَابُهُ كَرَاهِيَتَهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

[3563] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ هُوَ الْأَشْجَعِيُّ وَاسْمُهُ سَلْمَانُ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ صَاحِبُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَوْلُهُ مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَابَ طَعَامًا قَطُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّعَامِ الْمُبَاحِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالك بن بُحَيْنَة وَهُوَ بتنوين مَالك واعراب بن بُحَيْنَة إِعْرَاب بن مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا أَبُوهُ وَبُحَيْنَةَ أُمُّهُ

[3564] قَوْلُهُ الْأَسْدِيُّ هُوَ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِسُكُونِ الزَّايِ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ يُقَالُ بِالزَّايِ وَبِالسِّينِ وَغَفَلَ الدَّاوُدِيُّ فَقَرَأَهُ بِفَتْحِ السِّينِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كتاب الصَّلَاة وَكَذَا قَوْله قَالَ بن بُكَيْرٍ أَيْ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بكر أَي بن مُضَرَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ أَيْ أَنَّ يَحْيَى زَادَ لَفْظَ بَيَاضُ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ حَتَّى يَرَى إِبْطَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِوَصْفِ إِبْطَيْهِ بِالْبَيَاضِ فَقِيلَ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا شَعْرٌ فَكَانَا كَلَوْنِ جَسَدِهِ ثُمَّ قِيلَ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ إِبْطَيْهِ شَعْرٌ الْبَتَّةَ وَقِيلَ كَانَ لِدَوَامِ تَعَهُّدِهِ لَهُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَعْرٌ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَعْفَرَ مَا بَيَاضُهُ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ وَهَذَا شَأْنُ الْمَغَابِنِ يَكُونُ لَوْنُهَا فِي الْبَيَاضِ دُونَ لَوْنِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ

(6/577)


فِي الِاسْتِسْقَاءِ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ مَشْرُوحًا وَالْغَرَضُ مِنْهُ ذكر بَيَاض إِبْطَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْحَصْرِ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا أَصْلُ الرَّفْعِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي بَعْدَهُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى ذَكَرَ مِنْهُ طَرَفًا مُعَلَّقًا هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الْمَنَاقِبِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ عَلَّقَ طَرَفًا مِنْهُ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا

[3566] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ هُوَ الْبَزَّارُ الَّذِي أَخْرَجَ عَنْهُ الْحَدِيثَ الَّذِي بَعْدَهُ وَقِيلَ بَلْ هَذَا هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ لِأَنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَوْنٍ سَمِعْتُ أَبِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ دُفِعْتُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَالْأَبْطَحُ هُوَ الَّذِيِ خَارِجَ مَكَّةَ يَنْزِلُ فِيهِ الْحَاجُّ إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَقَوْلُهُ وَكَانَ بِالْهَاجِرَةِ اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ وَالْوَبِيصُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْبَرِيقُ وَزْنًا وَمَعْنًى الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ عَائِشَةَ

[3567] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ وَهُوَ وَاسِطِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ وَكَانَ مِنْ أَئِمَّة الحَدِيث وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ مَا لَحِقَ الثَّوْرِيَّ وَالثَّوْرِيُّ لَا يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ قَوْلُهُ لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ أَيْ لَوْ عَدَّ كَلِمَاتِهِ أَوْ مُفْرَدَاتِهِ أَوْ حُرُوفَهُ لَأَطَاقَ ذَلِكَ وَبَلَغَ آخِرَهَا وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّرْتِيلِ وَالتَّفْهِيمِ هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي سِيَاقِهِ بَسْطًا وَاخْتِصَارًا

[3568] قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَصَلَهُ الذُّهَلِيُّ فِي الزَّهْرِيَّاتِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ قَوْلُهُ أَلَا يُعْجِبُكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ مِنَ الْإِعْجَابِ وَبِفَتْحِ ثَانِيهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْجِيبِ قَوْلُهُ أَبَا فُلَانٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ مُنَادَى بِكُنْيَتِهِ قُلْتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَأَذْكُرُهُ وَإِنَّمَا خَاطَبَتْ عَائِشَةُ عُرْوَةَ بِقَوْلِهَا أَلَا يُعْجِبُكَ وَذَكَرَتْ لَهُ الْمُتَعَجَّبَ مِنْهُ فَقَالَتْ أَبَا فُلَانٍ وَحَقُّ السِّيَاقِ أَنْ تَقُولَ أَبُو فُلَانٍ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ لَكِنَّهُ جَاءَ هَكَذَا عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ ثُمَّ حَكَتْ وَجْهَ التَّعَجُّبِ فَقَالَتْ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَخْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ أَبُو فُلَانٍ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا وَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ لَكِنْ قَالَ هَارُونُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَالَ الطُّوسِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يَعْلَى وَعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَكَأَنَّ لِسُفْيَانَ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ أَبُو هُرَيْرَة وَوَقع فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَقَعَ لِلْقَابِسِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مَفْتُوحَةٌ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْإِتْيَانِ وَفُلَانٌ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْكُنْيَةِ لَا بِلَفْظِ الِاسْمِ الْمُجَرَّدِ عَنْهَا وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَابِسِيَّ أَنْكَرَ عَيْنَ رِوَايَتِهِ وَقَالَ عِيَاضٌ هِيَ الصَّوَابُ لَوْلَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ جَاءَ قُلْتُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَكْرَارًا قَوْلُهُ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ أَيْ أُصَلِّي نَافِلَةً أَوْ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ أَذْكُرُ اللَّهَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ قَوْلُهُ وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَيْ لَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ وَبَيَّنْتُ لَهُ أَنَّ التَّرْتِيلَ فِي التَّحْدِيثِ أَوْلَى مِنَ السَّرْدِ قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ أَيْ يُتَابِعُ الْحَدِيثَ اسْتِعْجَالًا بَعْضَهُ إِثْرَ بَعْضٍ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْمُسْتَمِعِ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ إِنَّمَا كَانَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصْلًا فَهْمًا تَفْهَمُهُ الْقُلُوبُ وَاعْتَذَرَ

(6/578)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ فَكَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَهَلِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحْدِيثِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ أُرِيدُ أَنْ أَقْتَصِرَ فَتَتَزَاحَمُ الْقَوَافِي عَلَى فِيَّ