فتح الباري لابن حجر

(قَوْلُهُ بَابُ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ أَتَمَّ سِيَاقًا وَاسْتَوْفَيْتُ شَرْحَهُ فِي ذَلِك الْبَاب قَوْلُهُ بَابُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كفرا أَلَمْ تَرَ أَلَمْ تَعْلَمْ كَقَوْلِهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بِلَفْظِهِ قَوْلُهُ الْبَوَارُ الْهَلَاكُ بَارَ يَبُورُ بَوْرًا قَوْمًا بُورًا هَالِكِينَ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى مَعَ شَرْحِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ مَنْ هُمْ قَالَ هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ أَخْوَالِي وَأَعْمَامِكِ فَأَمَّا أَخْوَالِي فَاسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَمَّا أَعْمَامُكُ فَأَمْلَى اللَّهُ لَهُمْ إِلَى حِينٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ قَالَ هُمُ الْأَفْجَرَانِ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو الْمُغِيرَةَ فَأَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةَ فَقَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ وَهُوَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَالنَّسَائِيِّ وَصَححهُ الْحَاكِم قلت وَالْمرَاد بَعْضُهُمْ لَا جَمِيعَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي مَخْزُومٍ فَإِنَّ بَنِي مَخْزُومٍ لَمْ يُسْتَأْصَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ بَلِ الْمُرَادُ بَعْضُهُمْ كَأَبِي جَهْلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُوم وَأبي سُفْيَان من بني أُميَّة

(8/378)


(قَوْلُهُ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحِجْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِدُونِ لَفْظِ تَفْسِيرِ وَسَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِلْبَاقِينَ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ مِثْلَهُ وَزَادَ لَا يَعْرِضُ عَلَيَّ شَيْءٌ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ وَمُحَمَّدِ بن سِيرِين وَغَيرهمَا أَنهم قرؤوا عَلَيَّ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلصِّرَاطِ أَيْ رَفِيعٌ قُلْتُ وَهِيَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ قَوْلُهُ لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُمَا لبامام مُبين قَالَ بِطَرِيقٍ مُعَلَّمٍ وَمِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ طَرِيقٌ وَاضِحٌ وَسَيَأْتِي لَهُ تَفْسِيرٌ آخَرُ تَنْبِيهٌ سَقَطَ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ لِأَبِي ذَر إِلَّا عَن الْمُسْتَمْلِي قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاس لعمرك لعيشك وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ وَصَلَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ تَنْبِيهٌ سَقَطَ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ لِأَبِي ذَرٍّ قَوْلُهُ كتاب مَعْلُوم أَجَلٌ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَلِغَيْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ كِتَابٌ مَعْلُومٌ أَجَلٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم أَيْ أَجَلٌ وَمُدَّةٌ مَعْلُومٌ أَيْ مُؤَقَّتٌ قَوْلُهُ لوما هَلَّا تَأْتِينَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ لوما تاتينا مَجَازُهَا هَلَّا تَأْتِينَا قَوْلُهُ شِيَعٌ أُمَمٌ وَالْأَوْلِيَاءُ أَيْضًا شِيَعٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ شيع الْأَوَّلين أَيْ أُمَمُ الْأَوَّلِينَ وَاحِدَتُهَا شِيعَةٌ وَالْأَوْلِيَاءُ أَيْضًا شِيَعٌ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ شِيَعٌ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شيع الْأَوَّلين يَقُول أُمَم الْأَوَّلين قَالَ الطَّبَرِيّ وَيُقَال لأولياء الرجل أَيْضا شيعَة قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ يُهْرَعُونَ مُسْرِعِينَ كَذَا أَوْرَدَهَا هُنَا وَلَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي سُورَةِ هود وَقد وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ لِلْمُتَوَسِّمِينَ لِلنَّاظِرِينَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ لُوطٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْبِيهٌ سَقَطَ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ لِأَبِي ذَرٍّ أَيْضًا قَوْلُهُ سُكِّرَتْ غُشِّيَتْ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَفْسِير بن عَبَّاسٍ لَكِنَّهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ بِمُهْمَلَةٍ ثمَّ مُعْجمَة 0 وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سُكْرِ الشَّرَابِ قَالَ وَمَعْنَاهُ غَشِيَ أَبْصَارَنَا

(8/379)


مِثْلَ السُّكْرِ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ قَوْلُهُ سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا قَالَ سُدَّتْ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ سُحِرَتْ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سُكِّرَتْ بِالتَّشْدِيدِ سُدِّدَتْ وَبِالتَّخْفِيفِ سُحِرَتِ انْتَهَى وهما قراءتان مشهورتان فقرأها بِالتَّشْدِيدِ الْجُمْهُور وبن كَثِيرٍ بِالتَّخْفِيفِ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ بِالتَّخْفِيفِ لَكِنْ بَنَاهَا لِلْفَاعِلِ قَوْلُهُ لَعَمْرُكَ لَعَيْشُكَ كَذَا ثَبَتَ هُنَا لِبَعْضِهِمْ وَسَيَأْتِي لَهُمْ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَعَ شَرحه قَوْله وَإِنَّا لَهُ لحافظون قَالَ مُجَاهِد عندنَا وَصله بن الْمُنْذر وَمن طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ بُرُوجًا مَنَازِلٌ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَوَاقِحَ ملافح حَمَأٍ جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ وَالْمَسْنُونُ الْمَصْبُوبُ كَذَا ثَبَتَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ قَوْلُهُ لَا تَوْجَلُ لَا تَخَفْ دَابِرَ آخِرَ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْأَوَّلِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَشَرْحُ الثَّانِي فِي قِصَّةِ لُوطٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَقَطَ لِأَبِي ذَرٍّ هُنَا قَوْلُهُ لَبِإِمَامٍ مُبين الإِمَام كل مَا ائْتَمَمْتُ بِهِ وَاهْتَدَيْتُ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ الصَّيْحَةُ الْهَلَكَةُ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي قِصَّةِ لُوطٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ إِلَّا من اسْترق السّمع فَأتبعهُ شهَاب مُبين)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ مسترقي السّمع

(8/380)


أوردهُ أَولا مَعنا ثُمَّ سَاقَهُ بِالْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ مُصَرِّحًا فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ وَبِالسَّمَاعِ فِي جَمِيعِهِ وَذَكَرَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَةِ فِي فزع عَن قُلُوبهم وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَأٍ وَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِهِ فِي أَوَاخِرِ الطِّبِّ وَفِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسلين)
ذكر فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُعَذَّبِينَ وَقَوله

[4702] الا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ ذكر بن التِّينِ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بَائِينَ بِهَمْزَةٍ بَدَلَ الْكَافِ قَالَ وَلَا وَجْهَ لَهُ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى فِي ذِكْرِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ مَشْرُوحًا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ أُمِّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْحَمد لله أم الْقُرْآن وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَفْعُهُ أَتَمُّ مِنْ هَذَا وَلِلطَّبَرَيْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمُقْبِرِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعُهُ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَا يَقْرَأُ فِيهَا كَالْخِدَاجِ قَالَ فَقُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعِي إِلَّا أُمُّ الْقُرْآنِ قَالَ هِيَ حَسْبُكَ هِيَ أُمُّ الْكِتَابِ وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي قَالَ الْخَطَابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ رد على بن سَيْرَيْنَ حَيْثُ قَالَ إِنَّ الْفَاتِحَةَ لَا يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَيَقُولُ أُمُّ الْكِتَابِ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ قَالَ وَأَمُّ الشَّيْءِ أَصْلُهُ وَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ كَأَنَّهَا تَؤُمُّهُ

[4703] قَوْلُهُ هِيَ السَّبْعُ

(8/381)


الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمُّ الْقُرْآنِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مَا عَدَاهَا وَلَيْسَ هُوَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ السَّبْعُ الْمَثَانِي لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَإِنَّمَا جَازَ إِطْلَاقُ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الْقُرْآنَ كُلَّهَ ثُمَّ وجدت فِي تَفْسِير بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ لَكِنْ بِلَفْظِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أُعْطِيتُمُوهُ أَيْ هُوَ الَّذِي أُعْطِيتُمُوهُ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ عَن عمر ثمَّ عَن عَلِيٍّ قَالَ السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ زَادَ عَنْ عُمَرَ تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِإِسْنَادٍ مُنْقَطع عَن بن مَسْعُود مثله وباسناد حسن عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ قَالَ وَلَقَدْ آتيناك سبعا من المثاني قَالَ هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْآيَةُ السَّابِعَةُ وَمِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ قُلْتُ لِلرَّبِيعِ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا السَّبْعُ الطِّوَالُ قَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا نَزَلَ مِنَ الطِّوَالِ شَيْءٌ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ قَوْلٌ آخَرُ مَشْهُورٌ فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ عَن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرِيِّ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ قَالَ الرَّاوِي وَذكر السَّابِعَة فنسيتها وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا يُونُسُ وَعِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهَا الْكَهْفُ وَزَادَ قِيلَ لَهُ مَا الْمَثَانِي قَالَ تُثَنَّى فِيهِنَّ الْقَصَصُ وَمِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ خُضَيْفٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المثاني قَالَ مُرْ وَانْهَ وَبَشِّرْ وَأَنْذِرْ وَاضْرِبِ الْأَمْثَالَ وَاعْدُدِ النِّعَمَ وَالْأَنْبَاءَ وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَمَا تقدم فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة
(

قَوْله بَاب الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين)
قِيلَ إِنَّ عِضِينَ جَمْعُ عُضْوٍ فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ قَالَ فِي قَوْلِهِ جَعَلُوا الْقُرْآن عضين أَيْ جَعَلُوهُ أَعْضَاءً كَأَعْضَاءِ الْجَزُورِ وَقِيلَ هِيَ جَمْعُ عِضَةٍ وَأَصْلُهَا عِضْهَةٌ فَحُذِفَتِ الْهَاءُ كَمَا حُذِفَتْ مِنَ الشَّفَةِ وَأَصْلُهَا شَفَهَةٌ وَجُمِعَتْ بَعْدَ الْحَذْفِ عَلَى عِضِينَ مِثْلُ بِرَةٍ وَبِرِينَ وَكِرَةٍ كرين وروى

(8/382)


الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ عِضِينَ عَضَهُوهُ وَبَهَتُوهُ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ الْعَضْهُ السِّحْرُ بِلِسَان قُرَيْش تَقول لِلسَّاحِرَةِ العاضهة أخرجه بن أبي حَاتِم وروى بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَلَفْظُهُ عَضُّوا الْقُرْآنَ أَعْضَاءً فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَاحِرٌ وَقَالَ آخَرُ مَجْنُونٌ وَقَالَ آخَرُ كَاهِنٌ فَذَلِكَ الْعِضِينَ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ قَسَّمُوا الْقُرْآنَ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ فَقَالُوا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْبَعُوضَ وَالذُّبَابَ وَالنَّمْلَ وَالْعَنْكَبُوتَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنَا صَاحِبُ الْبَعُوضِ وَقَالَ آخَرُ أَنَا صَاحِبُ النَّمْلِ وَقَالَ آخَرُ أَنَا صَاحِبُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَانَ الْمُسْتَهْزِئُونَ خَمْسَةً الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ وَالْعَاصِي بْنَ وَائِلٍ وَالْحَارِثَ بْنَ قَيْسٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ فِي عَدِّ الْمُسْتَهْزِئِينَ مِثْلُهُ وَمِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلُهُ وَزَادَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ هَلَاكِهِمْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلُهُ الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ حَلَفُوا وَمِنْهُ لَا أُقْسِمُ أَيْ أُقْسِمُ وَتُقْرَأُ لأقسم وقاسمها حَلَفَ لَهُمَا وَلَمْ يَحْلِفَا لَهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقَاسَمُوا تَحَالَفُوا قُلْتُ هَكَذَا جَعَلَ الْمُقْتَسِمِينَ مِنَ الْقَسَمِ بِمَعْنَى الْحَلِفِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِنَ الْقِسْمَةِ وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ

[4705] الَّذِينَ جَعَلُوا هُوَ صِفَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ قَسَمُوهُ وَفَرَّقُوهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَاسَمَهُمَا حَلَفَ لَهُمَا وَقَالَ أَيْضًا أَبُو عُبَيْدَةَ الَّذِي يُكْثِرُ الْمُصَنِّفُ نَقْلَ كَلَامِهِ مِنَ الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا وَفَرَّقُوا قَالَ وَقَوْلُهُ عِضِينَ أَيْ فَرَّقُوهُ عَضُّوهُ أَعْضَاءً قَالَ رُؤْبَةُ وَلَيْسَ دِينُ اللَّهِ بِالْمُعَضَّى أَيْ بِالْمُفَرَّقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمِنْهُ لَا أُقْسِمُ إِلَخْ فَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ فَلَيْسَ هُوَ مِنَ الِاقْتِسَامِ بَلْ هُوَ مِنَ الْقَسَمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَسِمِينَ مِنَ الْقَسْمِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة مَجَازُهَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاخْتَلَفَ الْمُعْرِبُونَ فِي لَا فَقِيلَ زَائِدَةٌ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَا تُزَادُ إِلَّا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالْكَلَامِ الْوَاحِدِ وَقِيلَ هُوَ جَوَابُ شَيْءٍ مَحْذُوفٍ وَقِيلَ نَفْيٌ عَلَى بَابِهَا وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ وَالْمَعْنَى لَا أُقْسِمُ بِكَذَا بَلْ بِكَذَا وَأَمَّا قِرَاءَةُ لَأُقْسِمُ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ بن كَثِيرٍ وَاخْتُلِفَ فِي اللَّامِ فَقِيلَ هِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَقِيلَ لَامُ التَّأْكِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي الَّتِي بَعْدَهَا وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ وَعَلَى إِثْبَاتِهَا فِي لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ اتِّبَاعًا لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ تَقَاسَمُوا تَحَالَفُوا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ أخرجه الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّه قَالَ تَحَالَفُوا عَلَى هَلَاكِهِ فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيْهِ حَتَّى هَلَكُوا جَمِيعًا وَهَذَا أَيْضًا لَا يَدْخُلُ فِي الْمُقْتَسِمِينَ إِلَّا عَلَى رَأْيِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَإِنَّ الطَّبَرِيَّ رَوَى عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ الْمُقْتَسِمِينَ قَوْمُ صَالِحٍ الَّذِينَ تَقَاسَمُوا عَلَى هَلَاكِهِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَن بن عَبَّاس الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين يَعْنِي فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا قِيلَ فِي أَصْلِ اشْتِقَاقِهَا أَوَّلَ الْبَابِ قَوْلُهُ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَوْلُهُ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ هُوَ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ بن عَبَّاس سوى هَذَا الحَدِيث

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين)
قَالَ سَالِمٌ الْيَقِينُ الْمَوْتُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ بِهَذَا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَة

(8/383)


وَغَيْرِهِمَا مِثْلِهِ وَاسْتَشْهَدَ الطَّبَرِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ أُمِّ الْعَلَاءِ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ مَشْرُوحًا وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الْبُخَارِيِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يُخَرِّجْ هُنَا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ كَانَ ذِكْرُهُ أَلْيَقَ مِنْ هَذَا قَالَ وَلِأَنَّ الْيَقِينَ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوْتِ قُلْتُ لَا يَلْزَمُ الْبُخَارِيَّ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ حَدِيثَ بَعْجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ خَيْرُ مَا عَاشَ النَّاسُ بِهِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ هُوَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ فَهَذَا شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِقَوْلِ سَالِمٍ وَمِنْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْم الدّين حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين وَإِطْلَاقُ الْيَقِينِ عَلَى الْمَوْتِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُشَكُّ فِيهِ

(قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ النَّحْلِ)
سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ قَوْلُهُ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ أَمَّا قَوْلُهُ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ فَأخْرجهُ بن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ فَذَكَرَهُ اسْتِشْهَادًا لِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِبْرِيلُ اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رَدِّ مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ رُوحُ الْقُدُسِ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يحيى بِهِ الْمَوْتَى أخرجه بن أبي حَاتِم وَإِسْنَاده ضَعِيف قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ فِي تَقَلُّبِهِمْ فِي اخْتِلَافِهِمْ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ مِثْلُهُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي تَقَلُّبِهِمْ يَقُولُ فِي أَسْفَارِهِمْ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَمِيدُ تَكَفَّأُ هُوَ بِالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ وَقِيلَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونُ الْكَافِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلُهُ وَأَلْقَى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم قَالَ تَكَفَّأُ بِكُمْ وَمَعْنَى تَكَفَّأُ تُقَلَّبُ وَرَوَى

(8/384)


الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَوْقُوفًا قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ قَمَصَتْ قَالَ فَأَرْسَى اللَّهُ فِيهَا الْجِبَالَ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعٍ قَوْلُهُ مُفْرَطُونَ منسيون وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون قَالَ مَنْسِيُّونَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ مُفْرَطُونَ أَيْ مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ مَنْسِيُّونَ فِيهَا وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ مُعَجَّلُونَ قَالَ الطَّبَرِيُّ ذَهَبَ قَتَادَةُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَفْرَطْنَا فُلَانًا إِذَا قَدَّمُوهُ فَهُوَ مُفْرَطٌ وَمِنْهُ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَقَرَأَهَا نَافِعٌ بِكَسْرِهَا وَهُوَ مِنَ الْإِفْرَاطِ وَقَرَأَهَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَكْسُورَةٍ أَيْ مُقَصِّرُونَ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ مُبَالِغُونَ فِي الْإِسَاءَةِ قَوْلُهُ فِي ضَيْقٍ يُقَالُ أَمْرٌ ضَيْقٌ وَأَمْرٌ ضَيِّقٌ مِثْلُ هَيْنٌ وَهَيِّنٌ وَلَيْنٌ وَلَيِّنٌ وَمَيْتٌ وَمَيِّتٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَكُ فِي ضيق بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ ضَيْقٍ كَمَيْتٍ وَهَيْنٍ وَلَيْنٍ فَإِذَا خَفَّفْتُهَا قُلْتُ مَيْتٌ وَهَيْنٌ وَلَيْنٌ فَإِذَا كَسَرْتَ أَوَّلِهِ فَهُوَ مَصْدَرُ ضَيَّقَ انْتَهَى وَقَرَأَ بن كَثِيرٍ هُنَا وَفِي النَّمْلِ بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ فَقِيلَ عَلَى لُغَتَيْنِ وَقِيلَ الْمَفْتُوحُ مُخَفَّفٌ مِنْ ضَيْقٍ أَيْ فِي أَمْرِ ضَيِّقٍ وَاعْتَرَضَهُ الْفَارِسِيُّ بِأَنَّ الصِّفَةَ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالْمَوْصُوفِ فَلَا يُدَّعَى الْحَذف قَوْله قَالَ بن عَبَّاسٍ تَتَفَيَّأُ ظِلَالَهُ تَتَهَيَّأُ كَذَا فِيهِ وَالصَّوَابُ تَتَمَيَّلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْله سبل رَبك ذللا لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكْتُهُ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلِهِ وَيَتَوَعَّرُ بِالْعَيْنِ الْمُهْملَة وذللا حَال من السُّبُلِ أَيْ ذَلَّلَهَا اللَّهُ لَهَا وَهُوَ جَمْعُ ذَلُولٍ قَالَ تَعَالَى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا وَمن طَرِيق قَتَادَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذُلُلًا أَيْ مُطِيعَةٌ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ ذُلُلًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ اسْلُكِي وَانْتِصَابُ سُبُلٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ قَوْلُهُ الْقَانِتُ الْمُطِيعُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ السُّورَةِ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ أَبُو عُبَيْدَةَ فَإِنَّ هَذَا كَلَامُهُ بِعَيْنِهِ وَقَرَّرَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ إِذَا وَصَلَهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا أَخَذْتُ فِي الْقِرَاءَةِ فَاسْتَعِذْ وَقِيلَ هُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَكِنْ فِيهِ إِضْمَار أَيْ إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُوجَدُ عِنْدَ الْقَصْدِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِر الْآيَة بن سِيرِينَ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ فَكَانُوا يَسْتَعِيذُونَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ قَوْلُهُ وَمَعْنَاهَا أَيْ مَعْنَى الِاسْتِعَاذَةِ الِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ تُسِيمُونَ تَرْعَوْنَ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تسيمون قَالَ تَرْعَوْنَ فِيهِ أَنْعَامَكُمْ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ تُسِيمُونَ أَيْ تَرْعَوْنَ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ مولى بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَسَمْتُ الْإِبِلَ رَعَيْتُهَا وَسَامَتْ هِيَ رَعَتْ قَوْلُهُ شَاكِلَتُهُ نَاحِيَتُهُ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي السُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَقَدْ أَعَادَهُ فِيهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ نِيَّتُهُ بَدَلَ نَاحِيَتُهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ قَوْلُهُ قَصْدُ السَّبِيلِ الْبَيَانُ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله وعَلى الله قصد السَّبِيل قَالَ الْبَيَان وَمن طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلِهِ وَزَادَ الْبَيَانُ بَيَانُ الضَّلَالَةِ وَالْهُدَى قَوْلُهُ الدِّفْءُ مَا اسْتَدْفَأْتُ بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الدِّفْءُ مَا اسْتَدْفَأْتُ بِهِ مِنْ أَوْبَارِهَا وَمَنَافِعٌ مَا سِوَى ذَلِكَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاس فِي قَوْله لكم فِيهَا دفء قَالَ الثِّيَابُ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ لِبَاسٌ يُنْسَجُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ مِثْلَهُ قَوْلُهُ تَخَوُّفُ تنقص وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي

(8/385)


قَوْله أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف قَالَ عَلَى تَنَقُّصٍ وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يجب فَقَالَ عمر مَا أرى إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا يُنْتَقَصُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ قَالَ فَخَرَجَ رَجُلٌ فَلَقِيَ أَعْرَابِيًّا فَقَالَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ قَالَ تَخَوَّفْتُهُ أَيْ تَنَقَّصْتُهُ فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ عُمَرُ فَأَعْجَبَهُ وَفِي شِعْرِ أَبِي كثير الْهُذلِيّ مَا يشْهد لَهُ وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاس على تخوف قَالَ عَلَى تَنَقُّصٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَقِيلَ التَّخَوُّفُ تَفَعُّلٌ مِنَ الْخَوْفِ قَوْلُهُ تُرِيحُونَ بِالْعَشِيِّ وَتَسْرَحُونَ بِالْغَدَاةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَلَكُمْ فِيهَا جمال حِين تريحون أَي بالْعَشي وَحين تسرحون أَيْ بِالْغَدَاةِ قَوْلُهُ الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً هِيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَكَذَلِكَ النَّعَمُ الْأَنْعَامُ جَمَاعَةُ النَّعَمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه فَذَكَّرَ وَأَنَّثَ فَقِيلَ الْأَنْعَامُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَقِيلَ الْمَعْنَى عَلَى النَّعَمِ فَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَالْعَرَبُ تُظْهِرُ الشَّيْءَ ثُمَّ تُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا هُوَ مِنْهُ بِسَبَب وَأَن لم يظهروه كَقَوْلِ الشَّاعِرِ قَبَائِلُنَا سَبْعٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ وَلَلسَّبْعُ أَوْلَى مِنْ ثَلَاثٍ وَأَطْيَبُ أَيْ ثَلَاثَةٍ أَحْيَاءٍ ثُمَّ قَالَ مِنْ ثَلَاثٍ أَيْ قَبَائِلَ انْتَهَى وَأَنْكَرَ الْفَرَّاءُ تَأْنِيثَ النَّعَمِ وَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ هَذَا نَعَمٌ وَيُجْمَعُ عَلَى نُعْمَانَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِثْلُ حَمَلٍ وَحَمَلَانِ قَوْلُهُ أَكْنَانًا وَاحِدُهَا كِنُّ مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله أكنانا قَالَ غير انا مِنَ الْجِبَالِ يُسْكَنُ فِيهَا قَوْلُهُ بِشِقٍّ يَعْنِي الْمَشَقَّةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق أَيْ بِمَشَقَّةِ الْأَنْفُسُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ إِلَّا بشق الْأَنْفس قَالَ الْمَشَقَّةُ عَلَيْكُمْ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ عَنْ قَتَادَة إِلَّا بشق الْأَنْفس إِلَّا بِجَهْدِ الْأَنْفُسِ تَنْبِيهٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الشِّينِ مِنْ شِقِّ وَقَرَأَهَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ بِفَتْحِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُمَا بِمَعْنًى وَأَنْشَدَ وَذُو إِبِلٍ تَسْعَى وَيَحْبِسُهَا لَهُ أَخُو نَصَبٍ مِنْ شِقِّهَا وَذَءُوبٍ قَالَ الْأَثْرَمُ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ سَمِعْتُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ فَبِالْكَسْرِ مَعْنَاهُ ذَابَتْ حَتَّى صَارَتْ عَلَى نِصْفِ مَا كَانَتْ وَبِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ انْتَهَى وَكَلَامُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ يُسَاعِدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ سَرَابِيلُ قُمُصٌ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَأَمَّا سَرَابِيلُ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى سرابيل تقيكم الْحر أَي قمصا وسرابيل تقيكم بأسكم أَيْ دُرُوعًا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحر قَالَ الْقطن والكتان وسرابيل تقيكم بأسكم قَالَ دُرُوعٌ مِنْ حَدِيدٍ قَوْلُهُ دَخَلًا بَيْنَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهُوَ دَخَلٌ هُوَ قَول أبي عُبَيْدَة أَيْضا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ دَخَلًا خِيَانَةً وَقِيلَ الدَّخَلُ الدَّاخِلُ فِي الشَّيْء لَيْسَ مِنْهُ قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ حَفَدَةُ مِنْ وَلَدِ الرَّجُلِ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاس فِي قَوْله بَنِينَ وحفدة قَالَ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِيهِ عَن بن عَبَّاسٍ قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ قَالَ هُمْ بَنُو امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَفِيهِ عَنْهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ الْحَفَدَةُ وَالْأَصْهَارُ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الْأَخْتَانِ وَأُخْرِجَ هَذَا الْأَخِيرُ عَنِ بن مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ مِثْلِهِ وَصَحَّحَ الْحَاكِم حَدِيث

(8/386)


بن مَسْعُود وَفِيه قَول رَابِع عَن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْهُ قَالَ مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ الْحَفَدَةُ الْخُدَّامُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ الْحَفَدَةُ الْبَنُونَ وَبَنُو الْبَنِينَ وَمَنْ أَعَانَكَ مِنْ أَهْلٍ أَوْ خَادِمٍ فَقَدْ حَفَدَكَ وَهَذَا أَجْمَعُ الْأَقْوَالِ وَبِهِ تَجْتَمِعُ وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَأَصْلُ الْحَفَدِ مُدَارَكَةُ الْخَطْوِ وَالْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَنْ يَسْعَى فِي خِدْمَةِ الشَّخْصِ ذَلِكَ قَوْلُهُ السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي النَّاسِخِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ قَالَ الرِّزْقُ الْحَسَنُ الْحَلَالُ وَالسَّكَرُ الْحَرَامُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ سُورَةُ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ السَّكَرُ خَمْرُ الْأَعَاجِمِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَقِيلَ لَهُ فِي قَوْله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا أَهُوَ هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ النَّبَطُ قَالَ لَا هَذَا خَمْرٌ وَإِنَّمَا السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ التَّمْرُ وَالْعِنَبُ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وانتصر لَهُ قَوْله وَقَالَ بن عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ أَنْكَاثًا هِيَ خَرْقَاءُ كَانَتْ إِذا أبرمت غزلها نقضته وَصله بن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن أبي عُمَرَ الْعَدَنِيِّ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ كِلَاهُمَا عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ كَانَتْ بِمَكَّةَ امْرَأَةٌ تُسَمَّى خَرْقَاءُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَفِي تَفْسِير مقَاتل أَن اسْمهَا ريطة بِنْتُ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَعِنْدَ الْبَلَاذُرِيِّ أَنَّهَا وَالِدَةُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ وَأَنَّهَا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ وَفِي غُرَرِ التِّبْيَانِ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْزِلُ هِيَ وَجَوَارِيهَا مِنَ الْغَدَاةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ تَأْمُرُهُنَّ بِنَقْضِ ذَلِكَ هَذَا دَأْبُهَا لَا تَكُفُّ عَنِ الْغَزْلِ وَلَا تُبْقِي مَا غَزَلَتْ وَرَوَى الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرِ مِثْلُ رِوَايَةِ صَدَقَةِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لمن نكث عَهده وروى بن مرْدَوَيْه بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُمِّ زُفَرٍ الْآتِي ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَصَدَقَةُ هَذَا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَقْدَمَ الْكَرْمَانِيُّ فَقَالَ صَدَقَةُ هَذَا هُوَ بن الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَهُنَا رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ وَلَا سَلَفَ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجْنَاهُ مِنْ تَفْسِير بن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ هَذَا عَنِ السُّدِّيِّ فَإِنَّ صَدَقَةَ بْنَ الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيَّ مَا أَدْرَكَ السُّدِّيُّ وَلَا أَصْحَابُ السُّدِّيِّ وَكُنْتُ أَظُنُّ أَن صَدَقَة هَذَا هُوَ بن أَبِي عِمْرَانَ قَاضِي الْأَهْوَازِ لِأَنَّ لِابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ رِوَايَةٌ إِلَى أَنْ رَأَيْتُ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ صَدَقَةَ أَبُو الْهُذَيْلِ رَوَى عَنِ السُّدِّيِّ قَوْله روى عَنهُ بن عُيَيْنَة وَكَذَا ذكره بن حِبَّانِ فِي الثِّقَاتِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَكَذَا بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ لَكِنْ قَالَ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرِ الْقَارِئُ صَاحِبُ مُجَاهِد فَظهر أَنه غير بن أَبِي عِمْرَانَ وَوَضَّحَ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا فَيَسْتَدِرْكُ عَلَى مَنْ صَنَّفَ فِي رِجَالِهِ فَإِنَّ الْجَمِيعَ أَغْفَلُوهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَالَ بن مَسْعُودٍ الْأُمَّةُ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ وَالْقَانِتُ الْمُطِيعُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْمَوَاعِظِ وَالْحَاكِمُ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قُرِئَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمة قَانِتًا لله فَقَالَ بن مَسْعُودٍ إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةٌ قَانِتًا لِلَّهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْأُمَّةُ الْأُمَّةُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَالْقَانِتُ الَّذِي يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

(8/387)


(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أرذل الْعُمر)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الدُّعَاءِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الدَّعَوَاتِ

[4707] وَشُعَيْب الرَّاوِي عَن أنس هُوَ بن الحبحاب بمهملتين وموحدتين وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ أَرْذَلُ الْعُمر هُوَ الخرف وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ مِائَةُ سَنَةٍ

(قَوْلُهُ سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِأَبِي ذَرٍّ

[4708] قَوْلُهُ سَمِعْتُ بن مَسْعُودٍ قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ عَتِيقٍ وَهُوَ الْقَدِيمُ أَوْ هُوَ كُلُّ مَا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَبِالثَّانِي جَزَمَ جَمَاعَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبِالْأُوَلِ جَزَمَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَقَوْلُهُ هُنَّ مِنْ تِلَادِي بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ مِمَّا حُفِظَ قَدِيمًا وَالتِّلَادُ قَدِيمُ الْملك وَهُوَ بِخِلَاف الطارف وَمُرَاد بن مَسْعُودٍ أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّلِ مَا تُعُلِّمَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنَ الْقَصَصِ وَأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله فسينغضون إِلَيْك رؤوسهم قَالَ بن عَبَّاسٍ يَهُزُّونَ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس وَمن طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاس قَالَ يحركونها استهزاء وَمن طَرِيق بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ نَغَضَتْ سِنَّكَ أَيْ تَحَرَّكَتْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رؤوسهم أَيْ يُحَرِّكُونَهَا اسْتِهْزَاءً يُقَالُ نَغَضَتْ سِنُّهُ أَيْ تحركت وَارْتَفَعت من أَصْلهَا وَقَالَ بن قُتَيْبَة المُرَاد أَنهم يحركون رؤوسهم اسْتِبْعَادًا وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْب فِي قَوْله فسينغضون قَالَ يحركون

(8/388)


(

قَوْله وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل)
أخبرناهم إِنَّهُم سيفسدون وَالْقَضَاء على وُجُوه قضى رَبك أَمَرَ وَمِنْهُ الْحُكْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَمِنْه الْخلق فقضاهن سبع سماوات خَلَقَهُنَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَقَضَيْنَا إِلَى بني إِسْرَائِيل أَي أخبرناهم وَفِي قَوْله وَقضى رَبك أَيْ أَمَرَ وَفِي قَوْلِهِ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَينهم أَيْ يَحْكُمُ وَفِي قَوْلِهِ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ أَيْ خَلَقَهُنَّ وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَعْضَ الْوُجُوهِ الَّتِي يَرِدُ بِهَا لَفْظُ الْقَضَاءِ وَأَغْفَلَ كَثِيرًا مِنْهَا وَاسْتَوْعَبَهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ فَقَالَ لَفْظَةُ قَضَى فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ جَاءَتْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجها الْفَرَاغ فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم وَالْأَمر إِذا قضى أمرا وَالْأَجَل فَمنهمْ من قضى نحبه والفصل لقضى الْأَمر بيني وَبَيْنكُم والمضي ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا والهلاك لقضى إِلَيْهِم أَجلهم وَالْوُجُوب لما قضى الْأَمر والإبرام فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا والإعلام وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل وَالْوَصِيَّة وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وَالْمَوْت فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ وَالنُّزُول فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت والخلق فقضاهن سبع سماوات وَالْفِعْل

[4908] كلا لما يقْض مَا أمره يَعْنِي حَقًّا لَمْ يَفْعَلْ وَالْعَهْدُ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمر وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْقَدرَ الْمَكْتُوبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَقَوْلِه وَكَانَ أمرا مقضيا وَالْفِعْل فَاقْض مَا أَنْت قَاض وَالْوُجُوب إِذْ قضى الْأَمر أَيْ وَجَبَ لَهُمُ الْعَذَابُ وَالْوَفَاءُ كَفَائِتِ الْعِبَادَةِ والكفاية وَإِن يَقْضِيَ عَنْ أَحَدِ مِنْ بَعْدِكِ انْتَهَى وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ مُتَدَاخِلٌ وَأَغْفَلَ أَنَّهُ يَرِدُ بِمَعْنَى الِانْتِهَاء فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرأ وَبِمَعْنَى الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْده وَبِمَعْنى كتب إِذا قضى أمرا وَبِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ وَمِنْه قضى دينه وَتَفْسِير قضى رَبُّكَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا بِمَعْنَى وَصَّى مَنْقُولٌ مِنْ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ هِيَ فِي مصحف بن مَسْعُودٍ وَوَصَّى وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَقَضَى قَالَ وَأَوْصَى وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَرَأَ وَوَصَّى وَقَالَ أُلْصِقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا فَقُرِئَتْ وَقَضَى كَذَا قَالَ وَاسْتَنْكَرُوهُ مِنْهُ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِالْأَمْرِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَوَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ مِثْلَهُ وَرَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ مَعْنَاهُ أَمَرَ وَلَوْ قَضَى لَمَضَى يَعْنِي لَوْ حَكَمَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْقَضَاءُ مَرْجِعُهُ إِلَى انْقِطَاعِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ وَيُمْكِنُ رَدُّ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْضًا كُلُّ مَا أَحْكَمَ عَمَلَهُ أَوْ خَتَمَ أَوْ

(8/389)


أَكْمَلَ أَوْ وَجَبَ أَوْ أَلْهَمَ أَوْ أَنْفَذَ أَوْ مَضَى فَقَدْ قَضَى وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل أَيْ أَعْلَمْنَاهُمْ عِلْمًا قَاطِعًا انْتَهَى وَالْقَضَاءُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَعَدَّى بِالْحَرْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى أَوْحَيْنَا قَوْلُهُ نَفِيرًا مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ أَكْثَرَ نفيرا قَالَ الَّذِينَ يَنْفِرُونَ مَعَهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكثر نفيرا أَيْ عَدَدًا وَمِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلُهُ قَوْلُهُ مَيْسُورًا لَيِّنًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله فَقل لَهُم قولا ميسورا أَيْ لَيِّنًا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا أَي لصام تعدهم وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ عَدَّهُمْ عِدَةً حَسَنَةً وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا ميسورا قَالَ الْعِدَةُ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ تَقُولُ نَعَمْ وَكَرَامَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحسن نقُول سَيكون إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله خطأ إِثْمًا وَهُوَ اسْم من خطئت وَالْخَطَأ مَفْتُوح مَصْدَرُهُ مِنَ الْإِثْمِ خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا أَي إمما وَهُوَ اسْمٌ مِنْ خَطِئْتُ فَإِذَا فَتَحْتَهُ فَهُوَ مَصْدَرٌ قَالَ الشَّاعِرُ دَعِينِي إِنَّمَا خَطِّئِي وَصَوِّبِي على وَإِنَّمَا اهلكت مَالِي ثُمَّ قَالَ وَخَطِئْتُ وَأَخْطَأْتُ لُغَتَانِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ خَطِئْتُ إِذَا أَذْنَبْتُ عَمْدًا وَأَخْطَأْتُ إِذَا أَذْنَبْتُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ خِطْئًا قَالَ خَطِيئَةٌ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى عَمْدٍ لَا خَطَأً فَنُهُوا عَنْ ذَلِك وَأما الْقِرَاءَة بِالْفَتْح فَهِيَ قِرَاءَة بن ذِكْوَانَ وَقَدْ أَجَابُوا عَنِ الِاسْتِبْعَادِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ غير صَوَاب تَقول أَخطَأ يخطىء خَطَأً إِذَا لَمْ يُصِبْ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ الَّذِي تَبِعَهُ فِيهِ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْد أهل اللُّغَة أَن خطيء بِمَعْنَى أَثِمَ وَأَخْطَأَ إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَوْ إِذَا لَمْ يُصِبْ قَوْلُهُ حَصِيرًا مَحْبِسًا مَحْصِرًا أما محبسا فَهُوَ تَفْسِير بن عَبَّاس وَصله بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا قَالَ مَحْبِسًا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ حَصِيرًا قَالَ مَحْصِرًا قَوْلِهِ تَخْرِقُ تَقْطَعُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تَخْرِقَ الأَرْض قَالَ لَنْ تَقْطَعَ قَوْلُهُ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ فَوَصَفَهُمْ بِهَا وَالْمَعْنَى يَتَنَاجَوْنَ كَذَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ إِذْ يَسْتَمِعُون إِلَيْك وإذهم نجوى هُوَ مَصْدَرُ نَاجَيْتُ أَوِ اسْمٌ مِنْهَا فَوَصَفَ بِهَا الْقَوْمَ كَقَوْلِهِمْ هُمْ عَذَابٌ فَجَاءَتْ نَجْوَى فِي مَوْضِعِ مُتَنَاجِينَ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَهُوَ ذَوُو نَجْوَى أَوْ هُوَ جَمْعُ نَجِيٍّ كَقَتِيلٍ وقتلى قَوْله رفانا حُطَامًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ رُفَاتًا أَيْ حُطَامًا أَيْ عِظَامًا مُحَطَّمَةً وَرَوَى الطَّبَرِيُّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ أَئِذَا كُنَّا عظاما ورفاتا قَالَ تُرَابًا قَوْلُهُ وَاسْتَفْزِزِ اسْتَخِفَّ بِخَيْلِكَ الْفُرْسَانُ وَالرَّجْلُ وَالرِّجَالُ وَالرَّجَّالَةُ وَاحِدُهَا رَاجِلٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ بِنَصِّهِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَرَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَاسْتَفْزِزْ قَالَ اسْتَنْزِلْ قَوْلُهُ حَاصِبًا الرِّيحُ الْعَاصِفُ وَالْحَاصِبُ أَيْضًا مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ وَمِنْهُ حَصَبُ جَهَنَّمَ يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ وَهُمْ حَصَبُهَا وَيُقَالُ حَصَبَ فِي الْأَرْضِ ذَهَبَ وَالْحَاصِبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَصْبَاءِ الْحِجَارَةِ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ النَّارِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله وَيُرْسل عَلَيْكُم

(8/390)


حاصبا أَيْ رِيحًا عَاصِفًا تَحْصِبُ وَيَكُونُ الْحَاصِبُ مِنَ الْجَلِيدِ أَيْضًا قَالَ الْفَرَزْدَقُ بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْنِ منثور وَفِي قَوْله حصب جَهَنَّم كُلُّ شَيْءٍ أَلْقَيْتَهُ فِي النَّارِ فَقَدْ حَصَبْتَهَا بِهِ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ أَو يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا قَالَ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ رَامِيًا يَرْمِيكُمْ بِحِجَارَةٍ قَوْلُهُ تَارَةً أَيْ مَرَّةً وَالْجَمْعُ تِيَرٌ وَتَارَاتٌ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَالْجَمْعُ تِيَرٌ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الفوقانية وَفتح الْمُثَنَّاة التحتانيه وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي تَارَة أُخْرَى قَالَ مَرَّةُ أُخْرَى قَوْلُهُ لَأَحْتَنِكَنَّ لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ يُقَالُ احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَرَوَى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ لَأَحْتَنِكَنَّ قَالَ لَأَحْتَوِيَنَ قَالَ يَعْنِي شِبْهَ الزِّنَاقِ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَصله بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بن عَبَّاسٍ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ بِإِسْنَاد آخر عَن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ وَكُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ صَلَاةٌ قَوْلُهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ لَمْ يُحَالِفْ أحدا وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يكن لَهُ ولي من الذل قَالَ لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام)
لم يخْتَلف الْقِرَاءَة فِي أَسْرَى بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ لُوطٍ فَأَسْرِ فَقُرِئَتْ بِالْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنَّ أَسْرَى وَسَرَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ السُّهَيْلِيُّ السُّرَى مِنْ سَرَيْتُ إِذَا سِرْتُ لَيْلًا يَعْنِي فَهُوَ لَازِمٌ وَالْإِسْرَاءُ يَتَعَدَّى فِي الْمَعْنَى لَكِنْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ حَتَّى ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا معنى أسرى بِعَبْدِهِ جَعَلَ الْبُرَاقَ يُسْرِي بِهِ كَمَا تَقُولُ أَمْضَيْتُ كَذَا بِمَعْنَى جَعَلْتُهُ يَمْضِي لَكِنْ حَسُنَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ لِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ أَوِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذِّكْرِ الْمُصْطَفَى لَا الدَّابَّةُ الَّتِي سَارَتْ بِهِ وَأَمَّا قِصَّةُ لُوطٍ فَالْمَعْنَى سِرْ بِهِمْ عَلَى مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ مِنْ دَابَّةٍ وَنَحْوِهَا هَذَا مَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِالْقَطْعِ وَمَعْنَى الْوَصْلُ سِرْ بِهِمْ لَيْلًا وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِسْرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ سَرَى بِعَبْدِهِ بِوَجْهٍ مِنَ

(8/391)


الْوُجُوهِ انْتَهَى وَالنَّفْيُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّهُ سَارَ لَيْلًا عَلَى الْبُرَاقِ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ سِرْتُ بِزَيْدٍ بِمَعْنَى صاحبته لَكَانَ الْمَعْنى صَحِيحا ذكر فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ كَذَّبَنِي بِغَيْرِ مُثَنَّاةٍ

[4710] قَوْلُهُ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ تَقَدَّمَ شَرْحِهِ أَيْضًا فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالَّذِي اقْتَرَحَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصِفَ لَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هُوَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ أَخْرَجَهُ أَبُو يُعْلَى مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى عَنْ بن عَبَّاسٍ هَذِهِ الْقِصَّةُ مُطَوَّلَةٌ وَقَدْ ذَكَرَتْ طَرَفًا مِنْهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مَعْزُوًّا إِلَى أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ لِمَا كَانَ لَيْلَةُ أُسَرِيَّ بِي ثُمَّ أَصْبَحَتْ بِمَكَّةَ قَطَعَتْ بِأَمْرِي وَعَرَفَتْ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِي فَقَعَدَتْ مُعْتَزِلًا حَزينًا فَمر بن عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا هُوَ قَالَ إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ قَالَ إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلَمْ يَرَ أَنْ يُكَذِّبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَ مَا قَالَ إِنَّ دَعَا قَوْمَهُ قَالَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ لَكَ تُحَدِّثُهُمْ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعَّبِ بْنِ لُؤَيٍّ هَلُمَّ قَالَ فَانْقَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ فَجَاؤُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا قَالَ حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي فَحَدَّثَهُمْ قَالَ فَمِنْ مُصَفِّقٍ وَمِنْ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا وَفِي الْقَوْمِ مَنْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَتْ أَنْعَتُ لَهُمْ قَالَ فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وُضِعَ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ أَمَّا النَّعْتُ فَقَدْ أَصَابَ قَوْلُهُ زَادَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدثنَا بن أخي بن شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أسرى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ يَعْقُوبَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَأَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظِهِ جَاءَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَة وَاحِدَة قَالَ أَبُو بكر أَو قَالَ ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَقَدْ صَدَقَ وَرَوَى الذُّهْلِيُّ أيْضًا وَأَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ بن شِهَابٍ بِسَنَدِهِ لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ الْحَدِيثَ فَلَعَلَّهُ دَخَلَ إِسْنَادٌ فِي إِسْنَادٍ أَوْ لَمَّا كَانَ الحديثان فِي قصَّة وَاحِدَة أَدخل ذَلِك

(8/392)


(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدم)
كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ أَيْ فِي الْأَصْلِ وَإِلَّا فالتشديد أبلغ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَرَّمْنَا أَيْ أَكْرَمْنَا إِلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي الْكَرَامَةِ انْتَهَى وَهِيَ مِنْ كَرُمَ بِضَمِّ الرَّاءِ مِثْلُ شَرُفَ وَلَيْسَ مِنَ الْكَرَمِ الَّذِي هُوَ فِي الْمَالِ قَوْلُهُ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَات عَذَابُ الْحَيَاةِ وَعَذَابُ الْمَمَاتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله ضعف الْحَيَاة مُخْتَصَرٌ وَالتَّقْدِيرُ ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَات وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ضِعْفَ الْحَيَاة قَالَ عَذَابهَا وَضعف الْمَمَات قَالَ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ ضِعْفَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلُهُ وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّ عَذَابَ النَّارِ يُوصَفُ بِالضِّعْفِ قَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عذَابا ضعفا من النَّار أَيْ عَذَابًا مُضَاعَفًا فَكَأَنَّ الْأَصْلَ لَأَذَقْنَاكَ عَذَابًا ضِعْفًا فِي الْحَيَاةِ ثُمَّ حَذَفَ الْمَوْصُوفَ وَأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَهُ ثُمَّ أُضِيفَتِ الصِّفَةُ إِضَافَةَ الْمَوْصُوفِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قِيلَ أَلِيمُ الْحَيَاةِ مَثْلًا قَوْلُهُ خِلَافَكَ وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلا أَي بعْدك قَالَ خِلافك وخلقك سَوَاءٌ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَقُرِئَ بِهِمَا قُلْتُ وَالْقِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَقَرَأَ خَلْفَكَ الْجُمْهُورُ وَقَرَأَ خِلَافَكَ بن عَامِرٍ وَالْإِخْوَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ قَوْلُهُ وَنَأَى تَبَاعَدَ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ ونأي بجانبه أَيْ تَبَاعَدَ قَوْلُهُ شَاكِلَتُهُ نَاحِيَتُهُ وَهِيَ مِنْ شَكَلْتُهُ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ على شاكلته قَالَ على ناحيته وَمن طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلَى طَبِيعَتِهِ وَعَلَى حِدَتِهِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ يَقُولُ عَلَى نَاحِيَتِهِ وَعَلَى مَا يَنْوِي وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شاكلته أَيْ عَلَى نَاحِيَتِهِ وَخِلْقَتِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ هَذَا مِنْ شَكْلُ هَذَا قَوْلُهُ صَرَّفْنَا وَجَّهْنَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن أَي وجهنا وَبينا قَوْله حَصِيرا محبسا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَكسر الْمُوَحدَة وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ حَصِيرًا أَيْ سِجْنًا قَوْلُهُ قَبِيلًا مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً وَقِيلَ الْقَابِلَةُ لِأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْمَلَائِكَة قبيلا مَجَازُ مُقَابَلَةٍ أَيْ مُعَايَنَةٍ قَالَ الْأَعْشَى كَصَرْخَةِ حُبْلَى بَشرَتهَا قبيلها أَي قابلتها وَقَالَ بن التِّينِ ضَبَطَ بَعْضُهُمْ تَقْبُلُ وَلَدَهَا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَلَيْسَ بِشَيْء وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَبِيلًا أَيْ جُنْدًا تُعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً قَوْلُهُ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ يُقَالُ أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَمْلَقَ وَنَفَقَ الشَّيْءِ ذَهَبَ كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إملاق أَيْ مِنْ ذَهَابِ مَالٍ يُقَالُ أَمْلَقَ فُلَانٌ ذَهَبَ مَالُهُ وَفِي قَوْلِهِ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خشيَة إملاق أَيْ فَقْرٍ وَقَوْلُهُ نَفَقَ الشَّيْءَ ذَهَبَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَة وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يُنْفِقُوا فَيَفْتَقِرُوا قَوْلُهُ قَتُورًا مُقْتِرًا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا قَوْلُهُ لِلْأَذْقَانِ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ الْوَاحِدُ ذَقَنٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَسَيَأْتِي لَهُ تَفْسِيرٌ آخَرُ قَرِيبًا وَاللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزِ كَسْرُهَا تَثْنِيَةُ لِحْيَةِ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَوْفُورًا وَافِرًا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ سَوَاءٌ قَوْلُهُ تَبِيعًا ثَائِرًا وَقَالَ بن عَبَّاسٍ نَصِيرًا أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَوَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ من طَرِيق بن أبي نجيح عَنهُ فِي قَوْله ثمَّ لاتجد لَك علينا

(8/393)


بِهِ تَبِيعًا أَيْ ثَائِرًا وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ من الثأر يُقَال لكل طَالب بثأر وَغَيْرِهِ تَبِيعٌ وَتَابِعٌ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَيْ لَا تَخَافُ أَنْ تُتْبَعَ بِشَيْءٍ من ذَلِك وَأما قَول بن عَبَّاس فوصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَبِيعًا قَالَ نَصِيرًا قَوْلُهُ لَا تُبَذِّرْ لَا تُنْفِقُ فِي الْبَاطِلِ وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَطاء الخرساني عَن بن عَبَّاس فِي قَوْله وَلَا تبذر لَا تُنْفِقُ فِي الْبَاطِلِ وَالتَّبْذِيرُ السَّرَفُ فِي غَيْرِ حَقٍّ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ الْمُبَذِّرُ الْمُنْفِقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ وَمِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ وَهُوَ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ وَالتَّثْنِيَةِ عَن بن مَسْعُودٍ مِثْلَهُ وَزَادَ فِي بَعْضِهَا كُنَّا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ نَتَحَدَّثُ أَنَّ التَّبْذِيرَ النَّفَقَةُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَوْلُهُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ رِزْقٍ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ من طَرِيق عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبك قَالَ ابْتِغَاءَ رِزْقٍ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا قَالَ فَضْلًا قَوْلُهُ مَثْبُورًا مَلْعُونًا وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ قَالَ مَغْلُوبًا وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ هَالِكًا وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ مُهْلِكًا وَمِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ قَالَ مُغَيِّرًا مُبَدِّلًا وَمن طَرِيق بن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ مَخْبُولًا لَا عَقْلَ لَهُ قَوْله فجاسوا تيمموا أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس فِي قَوْله فجاسوا خلال الديار أَيْ فَمَشَوْا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ جَاسَ يَجُوسُ أَيْ نَقَّبَ وَقِيلَ نَزَلَ وَقِيلَ قَتَلَ وَقِيلَ تَرَدَّدَ وَقِيلَ هُوَ طَلَبُ الشَّيْءِ بِاسْتِقْصَاءٍ وَهُوَ بِمَعْنَى نَقَّبَ قَوْلُهُ يُزْجِي الْفُلْكَ يَجْرِي الْفُلْكَ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ يُزْجِي الْفُلْكَ أَيْ يُسَيِّرُهَا فِي الْبَحْرِ قَوْله يخرون للاذقان لِلْوُجُوهِ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ لِلْحَيِّ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَاضِي وَالْأَوَّلُ عَلَى الْمَجَازِ

(قَوْلُهُ بَابُ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا الْآيَة)
ذكر فِيهِ حَدِيث عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ عَنْ شَيْخٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ يَعْنِي بِسَنَدِهِ قَالَ أَمَرَ فَالْأَوْلَى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهَا وَكِلَاهُمَا لُغَتَانِ وَأنكر بن التِّينِ فَتْحَ الْمِيمِ فِي أَمَرَ بِمَعْنَى كَثُرَ وَغَفَلَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ حَفِظَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَمَا سَأُوَضِّحُهُ وَضَبَطَ الْكَرْمَانِيُّ أَحَدُهُمَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَحكى أَبُو جَعْفَر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَأَثْبَتَهَا أَبُو زَيْدٍ لُغَةً وَأَنْكَرَهَا الْفَرَّاءُ وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ فِي آخَرِينَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَرُوِيَتْ عَنْ أبي عَمْرو وبن كَثِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهَا يَعْقُوبُ وَوَجَّهَهَا الْفَرَّاءُ بِمَا ورد من تَفْسِير بن مَسْعُودٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ أَمَرْنَا بِمَعْنَى كَثَّرْنَا إِلَّا بِالْمَدِّ وَاعْتَذَرَ عَنْ حَدِيثِ أَفْضَلُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ لِلْمُزَاوَجَةِ لِقَوْلِهِ فِيهِ أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ وَقَرَأَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِمَارَةِ وَاسْتَشْهَدَ الطَّبَرِيُّ بِمَا أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله أمرنَا مُتْرَفِيهَا قَالَ سلطنا

(8/394)


شِرَارَهَا ثُمَّ سَاقَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي الْعَالِيَة وَمُجاهد أَنهم قرؤوا بِالتَّشْدِيدِ وَقِيلَ التَّضْعِيفُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْأَصْلُ أَمَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ أَيْ كَثَّرْنَا كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَمِنْهُ حَدِيثُ خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَيْ كَثِيرَةُ النِّتَاجِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَيُقَالُ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ أَيْ كَثُرُوا وَأَمَّرَهُمُ اللَّهُ كَثَّرَهُمْ وَأَمِرُوا أَيْ كَثُرُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ فِي قِصَّةِ هِرقل حَيْثُ قَالَ لقد أَمر أَمر بن أَبِي كَبْشَةَ أَيْ عَظُمَ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَ فِي تَأْوِيلِهَا حَمْلُهَا عَلَى الظَّاهِرِ وَقَالَ الْمَعْنَى أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا ثُمَّ أسْندهُ عَن بن عَبَّاسٍ ثُمَّ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَدْ أَنْكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَبَالَغَ كَعَادَتِهِ وَعُمْدَةُ إِنْكَارِهِ أَنَّ حَذْفَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السِّيَاقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ كَقَوْلِكَ أَمَرْتُهُ فَعَصَانِي أَيْ أَمَرْتُهُ بِطَاعَتِي فَعَصَانِي وَكَذَا أَمرته فامتثل

(8/395)


(قَوْلُهُ بَابُ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الشَّفَاعَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْهُ وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِهِ فِي الرِّقَاقِ وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِقَوْلِهِ فِيهِ يَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا وَقَدْ مَضَى الْبَحْثُ فِي كَوْنِهِ أَوَّلَ الرُّسُلِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ فِيهِ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ دُونَ أَبِي حَيَّانَ اخْتَصَرَ ذَلِكَ وَأَبُو حَيَّانَ هُوَ الرَّاوِي لَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ كَانَ عبدا شكُورًا لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقد صحّح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ كَانَ نُوحٌ إِذَا طَعِمَ أَوْ لَبِسَ حَمِدَ اللَّهَ فَسُمِّيَ عبدا شكُورًا وَله شَاهد عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَآخَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي فَاطِمَةَ وَقَوْلُهُ يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْفَاءِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ أَيْ يَخْرِقُهُمْ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْ يُحِيطُ بِهِمْ وَالذَّالُ مُعْجَمَةٌ فِي الرِّوَايَةِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ يَبْلُغُ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُحِيطُ بِهِمُ الرَّائِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَا يَسْتَتِرُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرَّائِي وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ يَأْتِي عَلَيْهِمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ إِذْ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ الصَّعِيدُ الْمُسْتَوِي وَغَيْرِهِ وَيُقَالُ نَفَذَهُ الْبَصَرُ إِذَا بَلَغَهُ وَجَاوَزَهُ وَالنَّفَاذُ الْجَوَازُ وَالْخُلُوصُ مِنَ الشَّيْءِ وَمِنْهُ نَفَذَ السَّهْمُ إِذَا خَرَقَ الرَّمِيَّةَ وَخرج مِنْهَا

(8/396)


(

قَوْله بَاب قَوْله وآتينا دَاوُد زبورا)
ذكر فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ لِأَبِي ذَرٍّ الْقِرَاءَةُ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ مَصْدَرُ الْقِرَاءَةِ لَا الْقُرْآنِ الْمَعْهُودِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِشْبَاعُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي تَرْجَمَةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَوْلُهُ بَابُ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دونه الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ غَيْرُهُ إِلَى تَحْوِيلًا قَوْلُهُ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ هُوَ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ وَعَبْدُ الله هُوَ بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة قَالَ كَانَ نَاسٌ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة قَالَ كَانَ نَاسٌ إِلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْوَسِيلَةِ الْقُرْبَةِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى عَنْ قَتَادَةَ وَمن طَرِيق بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَوْلُهُ فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِمْ أَيِ اسْتَمَرَّ الْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ عَلَى عِبَادَةِ الْجِنِّ وَالْجِنُّ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ أَسْلَمُوا وَهُمُ الَّذِينَ صَارُوا يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن مَسْعُودٍ فَزَادَ فِيهِ وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ قَبَائِلُ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ وَيَقُولُونَ هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ وَإِلَّا فَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانُوا رَاضِينَ بِعِبَادَتِهِمْ وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ والمسيح وعزيرا تَنْبِيه اسْتشْكل بن التِّينِ قَوْلُهُ نَاسًا مِنَ الْجِنِّ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّاسَ ضِدُّ الْجِنِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مِنْ نَاسٍ إِذَا تَحَرَّكَ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّقَابُلِ حَيْثُ قَالَ نَاسٌ مِنَ الْإِنْسِ وَنَاسًا مِنَ الْجِنِّ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي عَلَى مَنْ يَعْتَرِضُ قَوْلُهُ زَادَ الْأَشْجَعِيُّ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا قَوْلُهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ قُلِ ادعوا الَّذين زعمتم أَيْ رَوَى الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ

(8/397)


وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَقُولُونَ نعْبد الْمَلَائِكَة وهم الَّذين يدعونَ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة الْآيَةَ)
ذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ قَبْلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ مُخْتَصَرًا وَمَفْعُولُ يَدْعُونَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ آلِهَةً يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة وَقَرَأَ بن مَسْعُودٍ تَدْعُونَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ للْكفَّار وَهُوَ وَاضح وَقَوله أَيهمْ أقرب مَعْنَاهُ يَبْتَغُونَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ أَقْرَبُ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ يَدْعُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِينَ وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَدْعُونَ كَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ يَدْعُونَ وَيَبْتَغُونَ وَاحِدٌ وَاللَّهُ اعْلَم قَوْلُهُ بَابُ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً للنَّاس سَقَطَ بَابُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ

[4716] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ قَوْلُهُ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً أُسْرِيَ بِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَرْئِيِّ وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ هُوَ مَا أُرِيَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قُلْتُ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ قَوْلُهُ أُرِيَهَا لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ زَادَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَتْ رُؤْيَا مَنَامٍ وَقَوْلُهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ جَاءَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ فَرَوَى بن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أُرِيَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمَّا رَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ كَانَ لِبَعْضِ النَّاسِ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ وَجَاءَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ فَرَوَى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَفْعَهُ إِنِّي أُرِيتُ كَأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَتَعَاوَرُونَ مِنْبَرِي هَذَا فَقِيلَ هِيَ دُنْيَا تَنَالُهُمْ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَمِنْ مُرْسَلِ بن الْمُسَيَّبِ نَحْوَهُ وَأَسَانِيدُ الْكُلِّ ضَعِيفَةٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِطْلَاقِ لَفْظِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا يُرَى بِالْعَيْنِ فِي الْيَقَظَةِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَقَالُوا إِنَّمَا يُقَالُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ وَأَمَّا الَّتِي فِي الْيَقَظَةِ فَيُقَالُ رُؤْيَةٌ وَمِمَّنِ اسْتَعْمَلَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ الْمُتَنَبِّي فِي قَوْلِهِ وَرُؤْيَاكَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ مِنَ الْغَمْضِ وَهَذَا التَّفْسِير يرد

(8/398)


عَلَى مَنْ خَطَّأَهُ قَوْلُهُ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن قَالَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنَ التَّابِعِينَ ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَوَلَدُهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الزَّقُّومُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنَوَرِيُّ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ الزَّقُّومُ شَجَرَةٌ غَبْرَاءُ تَنْبُتُ فِي السَّهْلِ صَغِيرَةُ الْوَرَقِ مُدَوَّرَتُهُ لَا شَوْكَ لَهَا زَفِرَةٌ مُرَّةٌ وَلَهَا نَوْرٌ أَبْيَضُ ضَعِيفٌ تُجَرِّسُهُ النَّحْلُ وَرُءُوسُهَا قِبَاحٌ جِدًّا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ يُخْبِرُنَا مُحَمَّدٌ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ فَكَانَ ذَلِكَ فِتْنَةً لَهُمْ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الزَّقُّومُ فَعُّولٌ مِنَ الزَّقْمِ وَهُوَ اللَّقْمُ الشَّدِيدُ وَفِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ كُلُّ طَعَامِ يُتَقَيَّأُ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ زَقُّومٌ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ طَعَامٍ ثَقِيلٍ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا)
قَالَ مُجَاهِدٌ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق بن أبي نجيح عَنهُ وَزَاد يجْتَمع فِيهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَأَوَّلُ مَدْعُوٍّ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ الْمَهْدِيُّ

(8/399)


من هديت عَبدك وبن عَبْدَيْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ فَهَذَا قَوْلُهُ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ بن عُمَرَ فِي الْبَابِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَأَنَّهُ مُقَدّمَة الشَّفَاعَة وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْجَبَّارِ وَبَيْنَ جِبْرِيلَ فَيَغْبِطُهُ لِمَقَامِهِ ذَلِكَ أَهْلُ الْجَمْعِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأَقُولُ أَيْ رَبِّ عِبَادُكُ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ قَالَ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ صَحَابِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ أَخْذُهُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ إِعْطَاؤُهُ لِوَاءَ الْحَمْدِ وَقِيلَ جُلُوسُهُ عَلَى الْعَرْشِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقِيلَ شَفَاعَتُهُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[4718] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ بِمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ قَوْلُهُ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ هُوَ الْعِجْلِيُّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عُمَرَ وَفِيهِ تَسْمِيَةُ بَعْضِ مَنْ أُبْهِمَ هُنَا بقوله حَدثنَا فلَان وَقَوله جثا بِضَم أَوله والتنوين جمع جثوَة كخطوة وخطا وَحكى بن الْأَثِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ جِثِيٌّ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ جَاثٍ وَهُوَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى ركبته وَقَالَ بن الْجَوْزِيّ عَن بن الْخَشَّابِ إِنَّمَا هُوَ جُثَّى بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِهَا جَمْعُ جَاثٍ مِثْلُ غَازٍ وَغُزَّى قَوْلُهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الزَّكَاةِ فَيَشْفَعَ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ وَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[4719] قَوْلُهُ رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الله أَي بن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرحه فِي أَبْوَاب الْأَذَان

(قَوْلُهُ بَابُ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ الْآيَةَ)
يَزْهَقُ يَهْلَكُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله تزهق أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَارِهُونَ أَيْ تَخْرُجُ وَتَمُوتُ وَتَهْلَكُ وَيُقَالُ زَهَقَ مَا عِنْدَكَ أَيْ ذَهَبَ كُلُّهُ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا أَيْ ذَاهِبًا وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ زهق الْبَاطِل أَي هلك قَوْله عَن بن أَبِي نَجِيحٍ كَذَا لَهُمْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدثنَا بن أَبِي نَجِيحٍ قَوْلُهُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَأَوَّلُهُ فِي قِصَّةِ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى أَن قَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ فَجَعَلَ يَمُرُّ بِتِلْكَ الْأَصْنَامِ فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِسِيَةِ الْقَوْسِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ

(8/400)


وزهق الْبَاطِل الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةٍ نُصُبٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ هُنَا بِغَيْرِ أَلِفٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ لَكِنْ بِلَفْظِ صَنَمٌ وَالْأَوْجَهُ نَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ إِذْ لَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَكَانَ صِفَةً وَالْوَاحِدُ لَا يَقَعُ صِفَةً لِلْجَمْعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ أَوْ هُوَ مَنْصُوبٌ لَكِنَّهُ كُتِبَ بِغَيْرِ ألف على بعض اللُّغَات
(

قَوْله بَاب ويسألونك عَن الرّوح)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلْقَمَة عَن عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ

[4721] قَوْلُهُ فِي حَرْثٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَضَبَطُوهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَبِالْعَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ كَانَ فِي نَخْلٍ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي حَرْثٍ لِلْأَنْصَارِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ لَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلْ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالُوا سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَرِجَاله رجال مُسلم وَهُوَ عِنْد بن إِسْحَاق من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ النُّزُولُ بِحَمْلِ سُكُوتِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى تَوَقُّعِ مَزِيدِ بَيَانٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سَاغَ هَذَا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ قَوْلُهُ يَتَوَكَّأُ أَيْ يَعْتَمِدُ قَوْلُهُ عَلَى عَسِيبٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَهِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَا خوص فِيهَا وَوَقع فِي رِوَايَة بن حبَان وَمَعَهُ جَرِيدَة قَالَ بن فَارِسٍ الْعُسْبَانُ مِنَ النَّخْلِ كَالْقُضْبَانِ مِنْ غَيْرِهَا قَوْلُهُ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ كَذَا فِيهِ الْيَهُودُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَفِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِصَامِ وَالتَّوْحِيدِ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ إِذْ مَرَرْنَا عَلَى يَهُودَ وَيُحْمَلُ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ تَلَاقَوْا فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلًّا مَرَّ بِالْآخَرِ وَقَوْلُهُ يَهُودَ هَذَا اللَّفْظُ مَعْرِفَةٌ تَدْخُلُهُ اللَّامُ تَارَةً وَتَارَةً يَتَجَرَّدُ وَحَذَفُوا مِنْهُ يَاءَ النِّسْبَةِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ مُفْرَدِهِ وَجَمْعِهِ كَمَا قَالُوا زِنْجٌ وَزِنْجِيٌّ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ قَوْلُهُ مَا رَأْيكُمْ إِلَيْهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنَ الرَّيْبِ وَيُقَالُ فِيهِ رَابَهُ كَذَا وَأَرَابَهُ كَذَا بِمَعْنًى وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ رَابَهُ إِذَا عَلِمَ

(8/401)


مِنْهُ الرَّيْبَ وَأَرَابَهُ إِذَا ظَنَّ ذَلِكَ بِهِ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ بِهَمْزَةٍ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الرَّأْبِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ يُقَالُ فِيهِ رَأَبَ بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَفِي تَوْجِيهِهِ هُنَا بُعْدٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّوَابُ مَا أَرَبَكُمْ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْأَرَبِ وَهُوَ الْحَاجَةُ وَهَذَا وَاضِحُ الْمَعْنَى لَوْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ نَعَمْ رَأَيْتُهُ فِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْد الطَّبَرِيّ كَذَلِك وَذكر بن التِّينِ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَابِسِيِّ كَرِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ لَكِنْ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الرَّأْيِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ وَفِي الِاعْتِصَامِ لَا يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ وَهِيَ بِمَعْنًى وَكُلُّهَا بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَيَجُوزُ السُّكُونُ وَكَذَا النَّصْبُ أَيْضًا قَوْلُهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فِي رِوَايَة التَّوْحِيد فَقَالَ بَعضهم لنسألنه وَاللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ قَوْلُهُ فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ وَفِي رِوَايَة الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فَقَالُوا أَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ قَالَ بن التِّينِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ رُوحُ الْإِنْسَانِ الثَّانِي رُوحُ الْحَيَوَانِ الثَّالِثُ جِبْرِيلُ الرَّابِعُ عِيسَى الْخَامِسُ الْقُرْآنُ السَّادِسُ الْوَحْيُ السَّابِعُ مَلَكٌ يَقُومُ وَحْدَهُ صَفًّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّامِنُ مَلَكٌ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ جَنَاحٍ وَوَجْهٍ وَقِيلَ مَلَكٌ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ وَقِيلَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ فِي كُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ لِكُلِّ لِسَانٍ أَلْفُ لُغَةٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ اللَّهُ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ مَلَكٌ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى وَرَأْسُهُ عِنْدَ قَائِمَةِ الْعَرْشِ التَّاسِعُ خَلْقٌ كَخَلْقِ بَنِي آدَمَ يُقَالُ لَهُمُ الرُّوحُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ لَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا نَزَلَ مَعَهُ وَقِيلَ بَلْ هُمْ صِنْفٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَهَذَا إِنَّمَا اجْتَمَعَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى لَفْظِ الرُّوحِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ لَا خُصُوصِ هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ الرّوح الْأمين وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحا من أمرنَا يلقى الرّوح من أمره وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفا تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا فَالْأَوَّلُ جِبْرِيلُ وَالثَّانِي الْقُرْآنُ وَالثَّالِثُ الْوَحْيُ وَالرَّابِعُ الْقُوَّةُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ مُحْتَمِلٌ لِجِبْرِيلَ وَلِغَيْرِهِ وَوَقَعَ إِطْلَاقُ رُوحِ اللَّهِ عَلَى عِيسَى وَقَدْ رَوَى بن إِسْحَاق فِي تَفْسِيره بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَصُوَرٌ كَبَنِي آدَمَ لَا يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّوحِ وَثَبَتَ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يُفَسِّرُ الرُّوحَ أَيْ لَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْآيَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ حَكَوْا فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ فِي الْآيَةِ أَقْوَالًا قِيلَ سَأَلُوهُ عَنْ جِبْرِيلَ وَقِيلَ عَنْ مَلَكٍ لَهُ أَلْسِنَةٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ سَأَلُوهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ مَسْلَكِ الرُّوحِ فِي الْبَدَنِ وَامْتِزَاجِهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الرَّاجِحُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ رُوحِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا تَعْتَرِفُ بِأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَلَا تَجْهَلُ أَنَّ جِبْرِيلَ مَلَكٌ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَرْوَاحٌ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَأَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الرُّوحِ يَحْتَمِلُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَهَلْ هِيَ مُتَحَيِّزَةٌ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ حَالَّةٌ فِي مُتَحَيِّزٍ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَهَلْ تَبْقَى بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنَ الْجَسَدِ أَوْ تَفْنَى وَمَا حَقِيقَةُ تَعْذِيبِهَا وَتَنْعِيمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا قَالَ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُخَصِّصُ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَهَلِ الرُّوحُ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُغَايِرٌ لِلطَّبَائِعِ وَالْأَخْلَاطِ وَتَرْكِيبِهَا فَهُوَ جَوْهَرٌ بَسِيطٌ مُجَرَّدٌ لَا يَحْدُثُ إِلَّا بمحدث

(8/402)


وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى كُنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إِفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَمر رَبِّي الْفِعْل كَقَوْلِه وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد أَيْ فِعْلُهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ الرُّوحَ مِنْ فِعْلِ رَبِّي وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِنَّهَا حَادِثَةٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ سَكَتَ السَّلَفُ عَنِ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا اه وَقَدْ تَنَطَّعَ قَوْمٌ فَتَبَايَنَتْ أَقْوَالُهُمْ فَقِيلَ هِيَ النَّفَسُ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ وَقِيلَ الْحَيَاةُ وَقِيلَ جِسْمٌ لَطِيفٌ يَحِلُّ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقِيلَ هِيَ الدَّمُ وَقِيلَ هِيَ عَرَضٌ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا بلغت مائَة وَنقل بن مَنْدَهْ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ وَأَنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ثَلَاثَةً وَلِكُلِّ حَيّ وَاحِدَة وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ وَالنَّفْسِ فَقِيلَ مُتَغَايِرَانِ وَهُوَ الْحَقُّ وَقِيلَ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ قَالَ وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالرُّوحِ عَنِ النَّفْسِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنِ الرُّوحِ وَعَنِ النَّفْسِ بِالْقَلْبِ وَبِالْعَكْسِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الرُّوحِ بِالْحَيَاةِ حَتَّى يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ بَلْ إِلَى الْجَمَادِ مَجَازًا وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ من روحي وَقَوْلُهُ تَعَالَى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفسك فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ وَلَوْلَا التَّغَايُرُ لَسَاغَ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِفْرَادِ وَفِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ قَوْلُهُ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَفِي الِاعْتِصَامِ فَقُلْتُ إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ مَشْهُورٌ وَكَذَا إِطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ وَوَقَعَ عِنْدَ بن مرْدَوَيْه من طَرِيق بن إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَامَ وَحَنَى مِنْ رَأْسِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَوْلُهُ فَقُمْتُ مَقَامِي فِي رِوَايَةِ الِاعْتِصَامِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ أَيْ أَدَبًا مَعَهُ لِئَلَّا يَتَشَوَّشَ بِقُرْبِي مِنْهُ قَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ فِي رِوَايَةِ الِاعْتِصَامِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ فَقَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَقُمْتُ فَلَمَّا انجلى قَوْله من أَمر رَبِّي قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَأَنَّ الرُّوحَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ اخْتَصَّ بِعِلْمِهِ وَلَا سُؤَالَ لأحد عَنهُ وَقَالَ بن الْقَيِّمِ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْأَمْرِ الطَّلَبَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَأْمُورُ وَالْأَمْرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَأْمُورِ كَالْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَمِنْهُ لَمَّا جَاءَ أَمر رَبك وَقَالَ بن بَطَّالٍ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الرُّوحِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي إِبْهَامِهِ اخْتِبَارُ الْخَلْقِ لِيُعَرِّفَهُمْ عَجْزَهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا لَا يُدْرِكُونَهُ حَتَّى يَضْطَرَّهُمْ إِلَى رَدِّ الْعِلْمِ إِلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إِظْهَارُ عَجْزِ الْمَرْءِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِوُجُودِهِ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْحَقِّ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وجنح بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ إِلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فِي الْآيَةِ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفا قَالَ وَأَمَّا أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَلَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا نَفْسًا كَذَا قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِمَا رَجَّحَهُ بَلِ الرَّاجِحُ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَنِ الرُّوحِ وَكَيْفُ يُعَذَّبُ الرُّوحُ الَّذِي فِي الْجَسَدِ وَإِنَّمَا الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ نَبِيَّهُ عَلَى حَقِيقَةِ الرُّوحِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنَّهُ يُطْلِعُهُمْ وَقَدْ قَالُوا فِي عِلْمِ السَّاعَةِ نَحْوَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ رَأَى الْإِمْسَاكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الرُّوحِ أُسْتَاذُ الطَّائِفَةِ أَبُو الْقَاسِمِ فَقَالَ فِيمَا نَقَلَهُ فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ النَّاسِ فِي الرُّوحِ وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّأَدُّبُ بِأَدَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْجُنَيْدِ

(8/403)


أَنَّهُ قَالَ الرُّوحُ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ فَلَا تَجُوزُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْجُودٍ وَعَلَى ذَلِك جرى بن عَطِيَّةَ وَجَمْعٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَأَجَابَ مَنْ خَاضَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا عَنْهَا سُؤَالَ تَعْجِيزٍ وَتَغْلِيطٍ لِكَوْنِهِ يُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ فَأَضْمَرُوا أَنَّهُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَجَابَ قَالُوا لَيْسَ هَذَا الْمُرَادَ فَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَهُمْ وَأَجَابَهُمْ جَوَابًا مُجْمَلًا مُطَابِقًا لِسُؤَالِهِمُ الْمُجْمَلِ وَقَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ فِي الْعَوَارِفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَاضَ فِيهَا سلك سَبِيل التَّأْوِيل لَا التَّفْسِير إِذْ لايسوغ التَّفْسِيرُ إِلَّا نَقْلًا وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَتَمْتَدُّ الْعُقُولُ إِلَيْهِ بِالْبَاعِ الطَّوِيلِ وَهُوَ ذِكْرُ مَا لَا يُحْتَمَلُ إِلَّا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ فَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَالَ وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَنْعُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهَا لِخَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلا أَيِ اجْعَلُوا حُكْمَ الرُّوحِ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لم تؤتوه فَلَا تسألوا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنَ الْأَسْرَارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَمْرُ رَبِّي كَوْنُ الرُّوحِ مِنْ عَالِمِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ عَالَمُ الْمَلَكُوتِ لَا عَالَمُ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَقَدْ خَالَفَ الْجُنَيْدَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الصُّوفِيَّةِ فَأَكْثَرُوا مِنَ الْقَوْلِ فِي الرُّوحِ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِمَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهَا وَعَابَ مَنْ أَمْسَكَ عَنْهَا وَنقل بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الرُّوحِ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْإِمَامِ الْمُطَّلِعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ الْقَوْلُ بِقِدَمِهَا عَنْ بَعْضِ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ تَفْنَى عِنْدَ فَنَاءِ الْعَالَمِ قَبْلَ الْبَعْثِ أَوْ تَسْتَمِرُّ بَاقِيَةً عَلَى قَوْلَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ رُوحَ بَنِي آدَمَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ فَقَالُوا نَسْأَلُهُ فَإِنْ فَسَّرَهَا فَهُوَ نَبِيٌّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَجِيءُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فَقَالُوا هَكَذَا نَجِدُهُ عِنْدَنَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ سَقَطَ مِنَ الْإِسْنَادِ عَلْقَمَة قَوْله وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا وَكَذَا لَهُمْ فِي الِاعْتِصَامِ وَلِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا وَمَا أُوتُوا وَكَذَا لَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَزَادَ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا قِرَاءَتُنَا وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ عَنِ الْأَعْمَشِ فِيهَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عَنِ الْأَعْمَشِ أَعْنِي بِلَفْظِ وَمَا أُوتُوا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَذْكُرَهَا بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَمَا أُوتِيتُمْ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْيَهُودُ فَتَتَّحِدُ الْقِرَاءَتَانِ نَعَمْ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ عِلْمِ الْخَلْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الله وَوَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ الْيَهُود لما سمعوها قَالُوا أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا التَّوْرَاةَ وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الْآيَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ إِلَّا قَلِيلًا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَيْ إِلَّا عِلْمًا قَلِيلًا أَوْ مِنَ الْإِعْطَاءِ أَيِ الْإِعْطَاءِ قَلِيلًا أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ أَوِ الْغَائِبِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ أَيْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْكُمْ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا سَبَقَ جَوَازُ سُؤَالِ الْعَالِمِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَمَشْيِهِ إِذَا كَانَ لَا يُثْقِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَدَبُ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَمَلُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ بِالِاجْتِهَادِ لِمَنْ يَتَوَقَّعُ النَّصَّ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَعْلُومَاتِ قَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ يَرِدُ لِغَيْرِ الطَّلَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(8/404)


(قَوْلُهُ بَابُ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بهَا)
سَقَطَ بَابُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ

[4722] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ يُونُسُ بَدَلَ قَوْلِهِ أَبُو بِشْرٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ الْفَرَبْرِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ لَمْ يُخَرِّجْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ إِلَّا مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ قُلْتُ يُرِيدُ فِي الْأُصُولِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ هُشَيْمًا مَذْكُورٌ بِتَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ كَذَا وَصَلَهُ هُشَيْمٌ وَأَرْسَلَهُ شُعْبَةُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَهُشَيْمٍ مفصلا قَوْله نزلت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَأَسْمَعَ الْمُشْرِكِينَ فَآذَوْهُ وَفَسَّرَتْ رِوَايَةُ الْبَابِ الْأَذَى بِقَوْلِهِ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالُوا لَهُ لاتجهر فَتُؤْذِيَ آلِهَتَنَا فَنَهْجُوَ إِلَهَكَ وَمِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَهَرَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِذَا خَفَضَ صَوْتَهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَ قِرَاءَتَهُ فَنَزَلَتْ قَوْلُهُ وَلَا تجْهر بصلاتك أَي بِقِرَاءَتِك وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ لاتجهر بِصَلَاتِكَ أَيْ لَا تُعْلِنْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إِعْلَانًا شَدِيدًا فَيَسْمَعَكَ الْمُشْرِكُونَ فَيُؤْذُونَكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا أَيْ لَا تَخْفِضْ صَوْتَكَ حَتَّى لَا تُسْمِعَ أذنيك وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا أَيْ طَرِيقًا وَسَطًا

[4723] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا طَلْقٌ بِفَتْحِ الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بن غَنَّامٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ النَّخَعِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ قَليلَة وَشَيْخه زَائِدَة هُوَ بن قُدَامَةَ قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ تَابَعَهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ وَأَرْسَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الِاسْكَنْدَرَانِي عَنْ هِشَامٍ وَكَذَلِكَ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ قَوْلُهُ أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ هَكَذَا أَطْلَقَتْ عَائِشَةُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَقَدْ أخرجه الطَّبَرِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَالْعُمَرِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ فِي التَّشَهُّدِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ قَالَ كَانَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِذَا سَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ ارزقنا مَا لَا وَولدا وَرجح الطَّبَرِيّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ لِأَنَّهُ أَصَحُّ مَخْرَجًا ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ يَقُولُ قَوْمٌ إِنَّهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَوْمٌ إِنَّهَا فِي الدُّعَاءِ وَقَدْ جَاءَ عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَ تَأْوِيلِ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ سِوَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ وَمِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدٍ وَمَكْحُول مثله وَرجح النَّوَوِيّ وَغَيره قَول بن عَبَّاسٍ كَمَا رَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ لَكِنْ

(8/405)


يُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ دَاخل الصَّلَاة وَقد روى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عِنْدَ الْبَيْتِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ فَنَزَلَتْ وَجَاءَ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أخرمنها مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ صَحَابِيٍّ لَمْ يُسَمِّ رَفْعُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي دُعَائِكَ فَتَذْكُرُ ذُنُوبَكَ فَتُعَيَّرُ بِهَا وَمِنْهَا مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاس لَا تجْهر بصلاتك أَي لَا تصل مراآة للنَّاس وَلَا تخَافت بهَا أَيْ لَا تَتْرُكْهَا مَخَافَةً مِنْهُمْ وَمِنْ طُرُقٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوَهُ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ لَوْلَا أَنَّنَا لَا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِيمَا جَاءَ عَنْهُم لأحتمل أَن يكون المُرَاد لَا تجْهر بصلاتك أَي بِقِرَاءَتِك نَهَارا وَلَا تخَافت بهَا أَي لَيْلًا وَكَانَ ذَلِك وَجها لايبعد مِنَ الصِّحَّةِ انْتَهَى وَقَدْ أَثْبَتَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلًا وَقِيلَ الْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بقوله ادعوا ربكُم تضرعا وخفية

(سُورَةُ الْكَهْفِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْهُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَسَقَطَ هُنَا لِأَبِي ذَرٍّ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِد وَكَانَ لَهُ ثَمَر ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِهِ وَأَخْرَجَ الْفَرَّاءُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ ثُمُرٌ بِالضَّمِّ فَهُوَ الْمَالُ وَمَا كَانَ بِالْفَتْحِ فَهُوَ النَّبَاتُ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ جَمَاعَةُ الثَّمَرُ كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ قَتَادَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الثَّمَرُ الْمَالُ كُلُّهُ وَكُلُّ مَالٍ إِذَا اجْتَمَعَ فَهُوَ ثَمَرٌ إِذَا كَانَ مِنْ لَوْنِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا من المَال كُله وروى بن الْمُنْذِرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَرَأَ بن عَبَّاسٍ ثَمَرً يَعْنِي بِفَتْحَتَيْنِ وَقَالَ يُرِيدُ أَنْوَاعَ الْمَالِ انْتَهَى وَالَّذِي قَرَأَ هُنَا بِفَتْحَتَيْنِ عَاصِمٌ وَبِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ أَبُو عَمْرٍو وَالْبَاقُونَ بِضَمَّتَيْنِ قَالَ بن التِّينِ مَعْنَى قَوْلِهِ جَمَاعَةُ الثَّمَرِ أَنَّ ثَمَرَةً يُجْمَعُ عَلَى ثِمَارٍ وَثِمَارٌ عَلَى ثُمُرٍ قَوْلُهُ بَاخِعٌ مُهْلِكٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنْشَدَ لِذِي الرُّمَّةِ أَلَا أَيُّهَذَا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ باخع نَفسك أَيْ قَاتِلٌ نَفْسَكَ قَوْلُهُ أَسِفًا نَدَمًا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَالَ قَتَادَةُ حَزِنًا

(8/406)


قَوْلُهُ الْكَهْفُ الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ وَالرَّقِيمُ الْكِتَابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ تَقَدَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَشْرُوحًا قَوْلُهُ أَمَدًا غَايَةً طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ أَمَدًا قَالَ عددا قَوْله وَقَالَ سعيد يَعْنِي بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ الرَّقِيمُ لَوْحٌ مِنْ رَصَاصٍ كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُطَوَّلًا وَقَدْ لَخَّصْتُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَوَى بن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا كُنْتُ أَعْرِفُ الرَّقِيمَ ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي هِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيره ربطنا على قُلُوبهم أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَوْله لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا أَيْ وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ هَذَا الْمَوْضِعُ ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَوْلَا أَنْ ربطنا على قَلبهَا بِالْإِيمَانِ قَوْلُهُ مِرْفَقًا كُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَقْتُ بِهِ هُوَ قَول أبي عُبَيْدَة وَزَاد ويقرؤه قَوْمٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ انْتَهَى وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وبن عَامِرٍ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُمَا بِمَعْنًى أَمْ لَا فَقِيلَ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلْجَارِحَةِ وَبِفَتْحِهَا لِلْأَمْرِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيمَا يُرْتَفَقُ بِهِ وَأَمَّا الْجَارِحَةُ فَبِالْكَسْرِ فَقَطْ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِي الْجَارِحَةِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْمَوْضِعُ كَالْمَسْجِدِ وَبِكَسْرِهَا الْجَارِحَةُ قَوْلُهُ تَزَّاوَرُ مِنَ الزُّورِ وَالْأَزْوَرُ الْأَمْيَلُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ فَجْوَةٌ مُتَّسِعٌ وَالْجَمْعُ فَجَوَاتٍ وَفِجًى كَقَوْلِكَ زَكَوَاتٌ وَزَكَاةٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا قَوْلُهُ شَطَطًا إِفْرَاطًا الْوَصِيدُ الْفِنَاءُ إِلَخْ تَقَدَّمَ كُلُّهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَوْلُهُ بَعَثْنَاهُمْ أَحْيَيْنَاهُمْ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ أَوْلَادُ مُلُوكٍ اعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ فِي الْكَهْفِ فَاخْتَلَفُوا فِي بَعْثِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَقَالَ قَائِلٌ يُبْعَثَانِ وَقَالَ قَائِلٌ تُبْعَثُ الرُّوحُ فَقَطْ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَتَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَوْلُهُ أَزْكَى أَكْثَرُ وَيُقَالُ أَحَلُّ وَيُقَالُ أَكْثَرُ رِيعًا تَقَدَّمَ أَيْضًا وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَن بن عَبَّاسٍ أَحَلُّ ذَبِيحَةٍ وَكَانُوا يَذْبَحُونَ لِلطَّوَاغِيتِ تَنْبِيهٌ سَقَطَ مِنْ قَوْلِهِ الْكَهْفُ الْفَتْحُ إِلَى هُنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِتَقْدِيمِ جُلِّ ذَلِكَ هُنَاكَ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يَظْلِمْ لَمْ يَنْقُصْ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلغيره وَقَالَ بن عَبَّاس فَذكره وَقد وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ وَكَذَا الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَوْئِلًا مُحْرِزًا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ مَوْئِلًا قَالَ مَلْجَأً وَرَجَّحَهُ بن قُتَيْبَةَ وَقَالَ هُوَ مِنْ وَأَلَ إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ وَهُوَ هُنَا مَصْدَرٌ وَأَصْلُ الْمَوْئِلِ الْمَرْجِعُ قَوْلُهُ وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله موئلا ملْجأ ومنجأ قَالَ الشَّاعِرُ فَلَا وَأَلَتْ نَفْسٌ عَلَيْهَا تُحَاذِرُ أَي لَا نجت قَوْله لايستطيعون سَمْعًا أَيْ لَا يَعْقِلُونَ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ

(8/407)


(قَوْلُهُ بَابُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَلِيٍّ مُخْتَصَرًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَقْصُودَ الْبَابِ عَلَى عَادَتِهِ فِي التَّعْمِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِيهِ ذِكْرُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ أَلَا تُصَلِّيَانِ زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْآيَة إِلَى قَوْله أَكثر بِشَيْء جَدَلًا

[4724] قَوْلُهُ رَجْمًا بِالْغَيْبِ لَمْ يَسْتَبِنْ سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَلِقَتَادَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَجْمًا بِالْغَيْبِ قَالَ قَذْفًا بِالظَّنِّ قَوْلُهُ فُرُطًا نَدَمًا وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ فِي قَوْلِهِ فُرُطًا قَالَ نَدَامَةً وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا أَيْ تَضْيِيعًا وَإِسْرَافًا وَلِلطَّبَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ضيَاعًا وَعَن السّديّ قَالَ إهلاكا وَعَن بن جُرَيْجٍ نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ قَوْلُهُ سُرَادِقُهَا مِثْلُ السُّرَادِقِ وَالْحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفَسَاطِيطِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ لَكِنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ أَحَاطَ بهم سرادقها كَسُرَادِقِ الْفُسْطَاطِ وَهِيَ الْحُجْرَةُ الَّتِي تَطُوفُ بِالْفُسْطَاطِ قَالَ الشَّاعِرُ سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودٌ وَرَوَى الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ قَالَ سُرَادِقُهَا حَائِطٌ مِنْ نَارٍ قَوْلُهُ يُحَاوِرُهُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُحَاوِرُهُ أَيْ يُكَلِّمُهُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ أَيِ الْمُرَاجَعَة قَوْله لَكنا هُوَ الله رَبِّي أَيْ لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ حُذِفَ الْأَلِفُ وَأُدْغِمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَالَ الْفَرَّاءُ تَرْكَ الْأَلِفَ مِنْ أَنَا كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ نُونُ أَنَا فِي نُونِ لَكِنْ وَأَنْشَدَ وَتَرْمُقُنِي بِالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ وَتَقْلِينَنِي لَكِنْ إِيَّاكِ لَا أَقْلِي أَيْ لَكِنْ أَنَا إِيَّاكِ لَا أَقْلِي قَالَ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُشْبِعُ أَلِفَ أَنَا فَجَاءَتِ الْقِرَاءَةُ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ قَوْله وفجرنا خلالهما نَهرا تَقُولُ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالتَّشْدِيدِ وَيَعْقُوبَ وَعِيسَى بْنِ عُمَرَ بِالتَّخْفِيفِ قَوْلُهُ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ مَصْدَرُ وَلِيَ الْوَلِيُّ وَلَاءً كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ مَصْدَرُ الْوَلْيِ وَهُوَ أَصْوَبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْأَخَوَانِ بِكَسْرِهَا وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْأَصْمَعِيُّ لِأَنَّ الَّذِي بِالْكَسْرِ الْإِمَارَةُ وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا وَقَالَ غَيْرُهُمَا الْكَسْرُ لُغَةٌ بِمَعْنَى الْفَتْحِ كَالدَّلَالَةِ بِفَتْحِ دَالِهَا وَكَسْرِهَا بِمَعْنًى تَنْبِيهٌ يَأْتِي قَوْلُهُ خَيْرٌ عُقْبًا فِي الدَّعَوَاتِ قَوْلُهُ قِبَلًا وَقُبُلًا وَقَبَلًا اسْتِئْنَافًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا أَيْ أَوَّلًا فَإِنْ فَتَحُوا أَوَّلُهَا فَالْمَعْنَى اسْتِئْنَافًا وغفل بن التِّينِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ لِلِاسْتِئْنَافِ هُنَا مَعْنًى وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِقْبَالًا وَهُوَ يَعُودُ عَلَى قَبْلًا بِفَتْحِ الْقَافِ انْتَهَى وَالْمُؤْتَنَفُ قَرِيبٌ مِنَ الْمُقْبِلِ فَلَا مَعْنَى لِادِّعَاءِ تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ لِيُدْحِضُوا لِيُزِيلُوا الدَّحْضُ الزَّلَقُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ ليدحضوا بِهِ الْحق أَيْ لِيُزِيلُوا يُقَالُ مَكَانٌ دَحَضٌ أَيْ مُزِلٌّ مُزْلِقٌ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين)
اخْتُلِفَ فِي مَكَانِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ بَحْرُ فَارِسٍ وَالرُّومِ وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلُهُ أخرجه عبد بن حميد وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ هُمَا الْكَرُّ وَالرَّسُّ حَيْثُ يَصُبَّانِ فِي الْبَحْرِ قَالَ بن عَطِيَّةَ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ ذِرَاعٌ فِي أَرْضِ فَارِسٍ مِنْ جِهَةِ أَذْرَبِيجَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ مِنْ شِمَالَيْهِ إِلَى جَنُوبَيْهِ وَطَرَفَيْهِ مِمَّا يَلِي بَرَّ الشَّامِ وَقِيلَ هُمَا بَحْرُ الْأُرْدُنِّ وَالْقَلْزَمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ بطنجة وَعَن بن الْمُبَارَكِ قَالَ قَالَ بَعْضُهُمْ بَحْرُ أَرْمِينِيَّةَ وَعَنْ أبي بن كَعْب قَالَ بإفريقية أخرجهُمَا بن أَبِي حَاتِمٍ لَكِنِ السَّنَدَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ضَعِيفٌ وَهَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِك مَا نَقله الْقُرْطُبِيّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الْمُرَادُ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اجْتِمَاعُ مُوسَى وَالْخَضِرِ لِأَنَّهُمَا بَحْرَا عِلْمٍ وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ أَنْ يُذْكَرَ فِي مُنَاسَبَةِ اجْتِمَاعِهِمَا بِهَذَا الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ كَمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ اجْتَمَعَ الْبَحْرَانِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَوْلُهُ أَو أمضى حقبا زَمَانًا وَجَمْعُهُ أَحْقَابٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا حِقْبَةٌ أَيْ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَالْجَمْعُ حِقَبٌ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ الحقب الزَّمَان وَعَن بن عَبَّاسٍ الْحِقَبُ الدَّهْرُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الحقب الْحِين أخرجهُمَا بن الْمُنْذر وَجَاء تَقْدِيره عَن غَيرهم فروى بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ ثَمَانُونَ سَنَةً وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَبْعُونَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قِصَّةَ مُوسَى وَالْخَضِرِ وَسَأَذْكُرُ شَرْحَ ذَلِكَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ

(8/408)


(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نسيا حوتهما)
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فَلَمَّا بَلَغَ مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلتِّلَاوَةِ قَوْلُهُ فَاتَّخَذَ سَبيله فِي الْبَحْر سَرَبًا مَذْهَبًا يَسْرَبُ يَسْلُكُ وَمِنْهُ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَاتَّخَذَ سَبيله فِي الْبَحْر سربا أَيْ مَسْلَكًا وَمَذْهَبًا يَسْرَبُ فِيهِ وَفِي آيَةٍ أُخْرَى وسارب بِالنَّهَارِ وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ سَالِكٌ فِي سَرَبِهِ أَيْ مَذْهَبِهِ وَمِنْهُ أَصْبَحَ فُلَانٌ آمِنًا فِي سِرْبِهِ وَمِنْهُ انْسَرَبَ فُلَانٌ إِذَا مَضَى

[4726] قَوْلُهُ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ يُسْتَفَادُ بَيَانُ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنَ الْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَقَطْ وَهُوَ أَحَدُ شَيْخي بن جُرَيْجٍ فِيهِ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ أَيْ يُحَدِّثُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَعَدَّاهُ بِغَيْرِ الْبَاءِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يُحَدِّثُ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَقد عين بن جُرَيْجٍ بَعْضَ مَنْ أَبْهَمَهُ كَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرَوَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ سعيد بن جُبَير من مَشَايِخ بن جُرَيْجٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُرْمُزَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَمِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَرِوَايَتُهُ فِي السِّيرَةِ الْكُبْرَى لِابْنِ إِسْحَاقَ وَسَأَذْكُرُ بَيَانَ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ فَائِدَةٍ قَوْلُهُ إِذْ قَالَ سَلُونِي فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْعَالِمِ ذَلِكَ وَمَحَلُّهُ إِذَا أُمِنَ الْعُجْبُ أَوْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ كَخَشْيَةِ نِسْيَانِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ هِيَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ قَوْلُهُ إِنَّ بِالْكُوفَةِ رَجُلًا قَاصًّا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ قَاصٌّ بِحَذْفِ إِنَّ مِنْ أَوَّلِهِ وَالْقَاصُّ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ الْأَخْبَارَ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ يُقَالُ لَهُ نَوْفٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ

(8/412)


بَعْدَهَا فَاءٌ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفًا وَبَعْدَ الْأَلِفِ لَامٌ وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَاسْمُ أَبِيهِ فَضَالَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي بِكَالِ بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفٍ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ وَيُقَالُ إِنَّهُ بن امْرَأَة كَعْب الْأَحْبَار وَقيل بن أَخِيهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ وَفِي التَّابِعِينَ جَبْرٌ بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمُوَحدَة بن نَوْفِ الْبَكِيلِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُخَفَّفًا بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ بَعْدَهَا لَامٌ مَنْسُوبٌ إِلَى بَكِيلِ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ وَيُكَنَّى أَبَا الْوَدَّاكِ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وَلَدُ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ فَقَدْ وَهِمَ قَوْلُهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ كنت عِنْد بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ مُوسَى الَّذِي طَلَبَ الْعِلْمَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا أَيِ بن أفرائيم بن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ بن عَبَّاسٍ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْهُ يَا سَعِيدُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَذَبَ نَوْفٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَعَارُضٌ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ سَعِيدًا أَبْهَمَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاس يدل قَوْلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أبي إِسْحَاق وَكَانَ بن عَبَّاسٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ أَكَذَاكَ يَا سعيد قلت نعم أَنا سمعته وَقَالَ بن إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ كَانَ مُوسَى بْنُ مِيشَا قَبْلَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ نَبِيًّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ الَّذِي صَحِبَ الْخضر قَوْله أما عَمْرو بن دِينَارٍ قَالَ لِي كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ أَرَادَ بن جُرَيْجٍ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ دُونَ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ سُفْيَانَ رَوَاهَا أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كَمَا مَضَى وَسَقَطَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ كَذَبَ وَقَوْلُهُ عَدُوُّ اللَّهِ مَحْمُولَانِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْ تَصْدِيقِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَارَتْ أَولا بَين بن عَبَّاسٍ وَالْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ الْفَزَارِيِّ وَسَأَلَا عَنْ ذَلِكَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ لَكِنْ لَمْ يُفْصِحْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِبَيَانِ مَا تَنَازَعَا فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ قَالَ ذَكَّرَ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ وَعَظَهُمْ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فَذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَّامُ اللَّهِ نَعْمَاؤُهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَآلَاءُ اللَّهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْقَدرَ مِنْ زِيَادَةِ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاعِظَ إِذَا أَثَّرَ وَعْظُهُ فِي السَّامِعِينَ فَخَشَعُوا وَبَكَوْا يَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ لِئَلَّا يَمَلُّوا قَوْلُهُ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ وَتَوَجَّهَ وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ تُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْخُطْبَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ لَفْظَةَ قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ قَامَ خَطِيبًا فَخَطَبَ فَفَرَغَ فَتَوَجَّهَ فَسُئِلَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ وَمُوسَى بَعْدُ لَمْ يُفَارِقِ الْمَجْلِسَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُنَازَعَةِ بن عَبَّاسٍ وَالْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ هَلْ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ لَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْقٌ

(8/413)


لِأَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ تَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالْأَعْلَمِيَّةِ لَهُ وَرِوَايَةَ الْبَابِ تَنْفِي الْأَعْلَمِيَّةَ عَنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَيَبْقَى احْتِمَالُ الْمُسَاوَاةِ وَيُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْبَابِ أَنَّ فِي قِصَّةِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا خَيْرًا وَأَعْلَمَ مِنِّي فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ عِنْدَ مَنْ هُوَ وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ الْبَحْثُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الْعِلْمِ وَوَقَعَ هُنَا فَعُتِبَ بِحَذْفِ الْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ قِيلَ بَلَى وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ وَفِي قِصَّةِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ وَعِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ عنترة عَن أَبِيه عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ مُوسَى قَالَ أَيْ رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ قَالَ الَّذِي يَبْتَغِي عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ قَالَ مَنْ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ الْخَضِرُ تَلْقَاهُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَذَكَرَ لَهُ حِلْيَتَهُ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَكَانَ مُوسَى حَدَّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ فَضْلِ عِلْمِهِ أَوْ ذَكَرَهُ عَلَى مِنْبَرِهِ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ شَرْحُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَبَيَانُ مَا فِيهَا مِنْ إِشْكَالٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مُسْتَوْفًى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ آتَيْتُهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ أُوتِكَ وَهُوَ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ أَيْضًا وَعِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَى قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ وَلَفْظُهُ لَمَّا أُوتِيَ مُوسَى التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ اللَّهُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ أَنْ قَالَ مَنْ أَعْلَمُ مِنِّي وَنَحْوَهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ وَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَلَفْظُهُ قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَبْلَغَ فِي الْخُطْبَةِ فَعَرَضَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ مَا أُوتِيَ قَوْلُهُ قَالَ أَيْ رَبِّ فَأَيْنَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَالَ يَا رَبُّ فَكَيْفَ لِي بِهِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَادْلُلْنِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى أَتَعَلَّمَ مِنْهُ قَوْلُهُ اجْعَلْ لِي عَلَمًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ أَيْ عَلَامَةً وَفِي قِصَّةِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَكَيْفَ لِي بِهِ وَفِي قِصَّةِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ قَوْلُهُ أَعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ أَيِ الْمَكَانُ الَّذِي أَطْلُبُ فِيهِ قَوْله فَقَالَ لي عَمْرو هُوَ بن دِينَار وَالْقَائِل هُوَ بن جُرَيْجٍ قَوْلُهُ قَالَ حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ يَعْنِي فَهُوَ ثَمَّ وَقَعَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو قَالَ تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ مَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ وَنَحْوَهُ فِي قِصَّةِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَلَفْظُهُ وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ قَوْلُهُ وَقَالَ لِي يَعْلَى هُوَ بن مُسلم وَالْقَائِل أَيْضا هُوَ بن جُرَيْجٍ قَوْلُهُ قَالَ خُذْ حُوتًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ نُونًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقِيلَ لَهُ تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحُوتَ كَانَ مَيِّتًا لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّحُ وَهُوَ حَيٌّ وَمِنْهُ تُعْلَمُ الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْحُوتِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُؤْكَلُ مَيِّتًا وَلَا يَرِدُ الْجَرَادُ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْقَدُ وُجُودُهُ لَا سِيَّمَا بِمِصْرَ قَوْلُهُ حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى حَيْثُ تَفْقِدُهُ قَوْلُهُ فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بن أنس عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُمَا اصْطَادَاهُ يَعْنِي مُوسَى وَفَتَاهُ قَوْلُهُ فَقَالَ لِفَتَاهُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ قَوْلُهُ مَا كُلِّفْتُ كثيرا للْأَكْثَر بِالْمُثَلثَةِ وللكشميهني بِالْمُوَحَّدَةِ قَوْله فَذَلِك قَوْله وَإِذ قَالَ مُوسَى لفتاه يُوشَعَ بْنِ نُونٍ لَيْسَتْ عَنْ سَعِيدٍ الْقَائِلُ لَيست عَن سعيد هُوَ بن جُرَيْجٍ وَمُرَادُهُ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْفَتَى لَيْسَتْ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي نَفَاهُ صُورَةَ السِّيَاقِ لَا التَّسْمِيَةَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَفْظُهُ ثمَّ انْطلق

(8/414)


وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَسَبِ يُوشَعَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ الَّذِي قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ موت مُوسَى وَنقل بن الْعَرَبِيّ أَنه كَانَ بن أُخْتِ مُوسَى وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ نَوْفُ بْنُ فَضَالَةَ مِنْ أَنَّ مُوسَى صَاحِبُ هَذِهِ الْقِصَّة لَيْسَ هُوَ بن عِمْرَانَ فَلَا يَكُونُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ نَسْمَعْ لِفَتَى مُوسَى بِذكر من حِين لَقِي الْخضر فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّ الْفَتَى شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ الْحُوتُ فَخُلِّدَ فَأَخَذَهُ الْعَالِمُ فَطَابَقَ بِهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهَا لَتَمُوجُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَلَيْسَ هُوَ يُوشَعُ قُلْتُ لَمْ يَثْبُتْ فَإِن إِسْنَاده ضَعِيف وَزعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَتَى لَيْسَ هُوَ يُوشَع وَكَأَنَّهُ أَخذه مِنْ لَفْظِ الْفَتَى أَوْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّقِيقِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْفَتَى مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَتِيِّ وَهُوَ الشَّبَابُ وَأُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَخْدُمُ الْمَرْءَ سَوَاءٌ كَانَ شَابًّا أَوْ شَيْخًا لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الْخَدَمَ تَكُونُ شُبَّانًا قَوْلُهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا قَوْلُهُ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ أَيْ مَبْلُولٍ قَوْلُهُ إِذْ تَضَرَّبَ الْحُوتُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدٍ وَهُوَ تَفَعَّلَ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ اضْطَرَبَ أَوَّلًا فِي الْمِكْتَلِ فَلَمَّا سَقَطَ فِي الْمَاءِ اضْطَرَبَ أَيْضًا فَاضْطِرَابُهُ الْأَوَّلُ فِيمَا فِي مَبْدَأِ مَا حَيِيَ وَالثَّانِي فِي سَيْرِهِ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ اتَّخَذَ فِيهِ مَسْلَكًا وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ سُفْيَانُ وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ عَمْرٍو وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ لَا يُصِيبُ من مَائِهَا شَيْء إِلَّا حَيّ فَأَصَابَ الْحُوتُ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ فَتَحَرَّكَ وانسل من المكتل فَدخل الْبَحْر وَحكى بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ فِي الْبُخَارِيِّ الْحَيَا بِغَيْرِ هَاءٍ قَالَ وَهُوَ مَا يَحْيَى بِهِ النَّاسُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّهَا فِي حَدِيث غير عَمْرو قد أخرجهَا بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ مُدْرَجَةً فِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَةِ فَقَالَ مُوسَى عِنْدَهَا أَيْ نَامَ قَالَ وَكَانَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ عَيْنُ مَاءٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ لَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مَيِّتٌ إِلَّا عَاشَ فَقُطِرَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى الْحُوتِ قَطْرَةٌ فَعَاشَ وَخَرَجَ مِنَ المكتل فَسقط فِي الْبَحْر وأظن أَن بن عُيَيْنَةَ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ بن أبي حَاتِم من طَرِيقه قَالَ فَأَنِّي عَلَى عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلَمَّا أَصَابَ تِلْكَ الْعَيْنَ رَدَّ اللَّهُ رُوحَ الْحُوتِ إِلَيْهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا حَكَاهُ بن التِّينِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَقَالَ لَا أَرَى هَذَا يَثْبُتُ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ قَالَ لَكِنْ فِي دُخُولِ الْحُوتِ الْعين دلَالَة على أَنه كَانَ حَيّ قَبْلَ دُخُولِهِ فَلَوْ كَانَ كَمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْعَيْنِ قَالَ وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَهُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ انْتَهَى قَالَ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ كَلَامِهِ دَعْوَى وَاسْتِدْلَالًا وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ الْحُوتُ هُوَ مَاءُ الْعَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْأَخْبَارُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْعَيْنَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَهِيَ غَيْرُ الْبَحْرِ وَكَأَنَّ الَّذِي أَصَابَ الْحُوتَ مِنَ الْمَاءِ كَانَ شَيْئًا مِنْ رَشَاشٍ وَلَعَلَّ هَذَا الْعَيْنَ إِنْ ثَبَتَ النَّقْلُ فِيهَا مُسْتَنَدُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَضِرَ شَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ فَخُلِّدَ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ يَنْقُلُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُنَادِي فِي ذَلِكَ كِتَابًا وَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِالنَّقْلِ فِيمَا يُوجَدُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ قَوْلُهُ وَمُوسَى نَائِمٌ فَقَالَ فَتَاهُ لَا أُوقِظُهُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ فَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ سَارَ فَنَسِيَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى نسيا حوتهما فَقيل نسب

(8/415)


النِّسْيَانُ إِلَيْهِمَا تَغْلِيبًا وَالنَّاسِي هُوَ الْفَتَى نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْفَتَى نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى بِقِصَّةِ الْحُوتِ وَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَسْتَخْبِرَهُ عَنْ شَأْنِ الْحُوتِ بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَكَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَسْأَلَهُ أَيْنَ هُوَ فَنَسِيَ ذَلِكَ وَقِيلَ بَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَسِيَا أَخَّرَا مَأْخُوذٌ مِنَ النِّسْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ التَّأْخِيرُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا أَخَّرَا افْتِقَادَهُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ فَلَمَّا احْتَاجَا إِلَيْهِ ذَكَرَاهُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ صَرِيحُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَرِيحِ الْخَبَرِ وَأَنَّ الْفَتَى اطَّلَعَ عَلَى مَا جَرَى لِلْحُوتِ وَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى بِذَلِكَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ مُوسَى تَقَدَّمَ فَتَاهُ لَمَّا اسْتَيْقَظَ فَسَارَ فَقَالَ فَتَاهُ أَلَا أَلْحَقُ نَبِيَّ اللَّهِ فَأُخْبِرُهُ قَالَ فَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ وَذكر بن عَطِيَّةَ أَنَّهُ رَأَى سَمَكَةً أَحَدُ جَانِبَيْهَا شَوْكٌ وَعَظْمٌ وَجِلْدٌ رَقِيقٌ عَلَى أَحْشَائِهَا وَنِصْفُهَا الثَّانِي صَحِيحٌ وَيَذْكُرُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهَا مِنْ نَسْلِ حُوتِ مُوسَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمَّا حَيِيَ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ مِنْهُ اسْتَمَرَّتْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ ثُمَّ فِي نَسْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ حَتَّى كَانَ أَثَرُهُ فِي حَجَرٍ كَذَا فِيهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَفِي رِوَايَةٍ جُحْرٍ بِضَمِّ الْجِيم وَسُكُون الْمُهْملَة وَهُوَ وضح قَوْله قَالَ لي عَمْرو الْقَائِل هُوَ بن جُرَيْجٍ كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَالَّتِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَاللَّتَيْنِ تَلِيَانِهِمَا يَعْنِي السَّبَّابَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ وَهُوَ يُفَسِّرُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الصِّفَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ قَوْلُهُ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا كَذَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نصبا قَالَ الدَّاوُدِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهَمٌ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْفَتَى لَمْ يُخْبِرْ مُوسَى إِلَّا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادُ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ يَوْمِ خَرَجَا لِطَلَبِهِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا تَجَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سفرنا هَذَا نصبا قَالَ وَلَمْ يُصِبْهُ نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ قَالَ قَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ النَّصَبَ لَيست هَذِه عَن سعيد هُوَ قَول بن جُرَيْجٍ وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي سَاقَهُ قَوْلُهُ أَخَّرَهُ كَذَا عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ بِهَمْزَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَهَاءٍ ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَاءُ ضَمِيرٍ أَيْ إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ وَأَحَالَ ذَلِكَ عَلَى سِيَاقِ الْآيَةِ وَفِي أُخْرَى بِفَتَحَاتٍ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ مُنَوَّنَةٍ مَنْصُوبَةٍ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ أَخْبَرَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مِنَ الْإِخْبَارِ أَيْ أَخْبَرَ الْفَتَى مُوسَى بِالْقِصَّةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فساق الْآيَة إِلَى عجبا قَالَ فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى عَجَبًا وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ عَجَبُ مُوسَى أَنْ تَسَرَّبَ حُوتٌ مُمَلَّحٌ فِي مِكْتَلٍ قَوْلُهُ فَرَجَعَا فَوَجَدَا خَضِرًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَقَالَ مُوسَى ذَلِك مَا كُنَّا نبغ أَيْ نَطْلُبُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ هَذِهِ حَاجَتُنَا وَذَكَرَ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِ يَعْنِي فِي أَمْرِ الْحُوتِ قَوْلُهُ فَارْتَدَّا عَلَى آثارهما قصصا قَالَ رجعا يقصان آثارهما أَيْ آثَارَ سَيْرِهِمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ الَّتِي فَعَلَ فِيهَا الْحُوتُ مَا فَعَلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَتَى لَمْ يُخْبِرْ مُوسَى حَتَّى سَارَا زَمَانًا إِذْ لَوْ أَخْبَرَهُ أَوَّلَ مَا اسْتَيْقَظَ مَا احْتَاجَا إِلَى اقْتِصَاصِ آثَارِهِمَا قَوْلُهُ

(8/416)


فَوَجَدَا خَضِرًا تَقَدَّمَ ذِكْرُ نَسَبِهِ وَشَرْحُ حَالِهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهَمٌ وَأَنَّهُمَا إِنَّمَا وَجَدَاهُ فِي جَزِيرَةِ الْبَحْرِ قُلْتُ وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ تَتَبَّعَاهُ إِلَى أَنْ وَجَدَاهُ فِي الْجَزِيرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأرَاهُ مَكَان الْحُوت فَقَالَ هَا هُنَا وُصِفَ لِي فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ إِنْجَابُ الْمَاءُ عَنْ مَسْلَكِ الْحُوتِ فَصَارَ كُوَّةً فَدَخَلَهَا مُوسَى عَلَى أَثَرِ الْحُوتِ فَإِذَا هُوَ بالخضر وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ فَرَجَعَ مُوسَى حَتَّى أَتَى الصَّخْرَةَ فَوَجَدَ الْحُوتَ فَجَعَلَ مُوسَى يُقَدِّمُ عَصَاهُ يُفَرِّجُ بِهَا عَنْهُ الْمَاءَ وَيَتْبَعُ الْحُوتَ وَجَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَصِيرَ صَخْرَةً فَجَعَلَ مُوسَى يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ فَلَقِيَ الْخَضِرَ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ بلغنَا عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ مُوسَى دَعَا رَبَّهُ وَمَعَهُ مَاءٌ فِي سِقَاءٍ يَصُبُّ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ فَيَصِيرُ حجرا فَيَأْخُذ فِيهِ حَتَّى انْتهى إِلَى صَخْر فَصَعِدَهَا وَهُوَ يَتَشَوَّفُ هَلْ يَرَى الرَّجُلَ ثُمَّ رَآهُ قَوْلُهُ قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَان على طنفسة خضراء الْقَائِل هُوَ بن جريج وَعُثْمَان هُوَ بن أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِمَّنْ أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ بن الْمُبَارك عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ رَأَى مُوسَى الْخَضِرَ عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ انْتَهَى وَالطِّنْفِسَةُ فُرُشٌ صَغِيرٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَبِضَمِّ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَاتٌ قَوْلُهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُسَجًّى ثَوْبًا مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ مُلْتَفًّا بِكِسَاءٍ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ السُّدِّيِّ فَرَأَى الْخَضِرَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ وَكِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَمَعَهُ عَصًا قَدْ أَلْقَى عَلَيْهَا طَعَامَهُ قَالَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقَامَ فِي مَكَانٍ نَبَتَ الْعُشْبُ حَوْلَهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْوَةِ وَجْهُ الْأَرْضِ قَوْلُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ قَوْلُهُ وَقَالَ هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلَامٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِأَرْضٍ بِالتَّنْوِينِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَالَ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ وَهِيَ بِمَعْنَى أَيْنَ أَوْ كَيْفَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ اسْتِبْعَادٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا إِذْ ذَاكَ مُسْلِمِينَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَوْلُهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَوْلُهُ مَنْ أَنْتَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ مُوسَى قَالَ مَنْ مُوسَى قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْخَضِرَ أَعَادَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ مُوسَى السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَضِرُ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا مُوسَى قَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنِّي مُوسَى قَالَ أَدْرَانِي بِكَ الَّذِي أَدْرَاكَ بِي وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ نَبِيٌّ لَكِنْ يُبْعِدُ ثُبُوتَهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّحِيحِ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ قَالَ فَمَا شَأْنُكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ مَا جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِفَتْحَتَيْنِ وَالْبَاقُونَ كُلُّهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا

(8/417)


بِمَعْنًى كَالْبُخْلِ وَالْبَخَلُ وَقِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ الدِّينُ وَبِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ صَلَاحُ النَّظَرِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتُعَلِّمَنِي وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لِقَوْلِهِ عُلِّمْتَ قَوْلُهُ أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ سَقَطَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ يَا مُوسَى إِنَّ لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ أَيْ جَمِيعَهُ وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ أَيْ جَمِيعَهُ وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْخَضِرَ كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْحُكْمِ الظَّاهِرِ مَا لَا غِنَى بِالْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَمُوسَى كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْحُكْمِ الْبَاطِنِ مَا يَأْتِيهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَهُوَ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا كَذَا أُطْلِقَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ النَّفْيِ لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُوسَى لَا يَصْبِرُ عَلَى تَرْكِ الْإِنْكَارِ إِذَا رَأَى مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ عِصْمَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْهُ مُوسَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ بَلْ مَشَى مَعَهُ لِيُشَاهِدَ مِنْهُ مَا اطَّلَعَ بِهِ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي اخْتصَّ بِهِ وَقَوله وَكَيف تصبر اسْتِفْهَامٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ قُلْتَ إِنِّي لَا أَصْبِرُ وَأَنَا سَأَصْبِرُ قَالَ كَيْفَ تَصْبِرُ وَقَوْلُهُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أعصى لَك قِيلَ اسْتَثْنَى فِي الصَّبْرِ فَصَبَرَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْعِصْيَانِ فَعَصَاهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّبْرِ أَنَّهُ صَبْرٌ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ فِيمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الشَّرْعِ وَقَوْلُهُ فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذكرا فِي رِوَايَة الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ شَأْنَهُ قَوْلُهُ فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الطَّائِرَ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ عَقِبَ قَوْلِ الْخَضِرِ لِمُوسَى مَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِهِمَا وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ مَا خَرَقَ السَّفِينَةَ وَلَفْظُهُ كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا قَالَ وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ إِلَخْ فَيُجْمَعُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مُعَقَّبٌ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ رُكُوبُهُمَا السَّفِينَةَ لِتَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِذِكْرِ السَّفِينَةِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى أَتَدْرِي مَا يَقُولُ هَذَا الطَّائِرُ قَالَ لَا قَالَ يَقُولُ مَا عِلْمُكُمَا الَّذِي تَعْلَمَانِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ مَا أَنْقُصُ بِمِنْقَارِي مِنْ جَمِيعِ هَذَا الْبَحْرِ وَفِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ أَرْسَلَ رَبُّكَ الْخَطَّافَ فَجَعَلَ يَأْخُذُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْمَاءِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ الْخَطَّافُ وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ رَأَى هَذَا الطَّائِرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ النّمْرُ وَنَقَلَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ الصُّرَدُ قَوْلُهُ وَجَدَا مَعَابِرَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَا أَنَّ قَوْلَهُ وَجَدَا جَوَابُ إِذَا لِأَنَّ وُجُودَهُمَا الْمَعَابِرَ كَانَ قَبْلَ رُكُوبِهِمَا السَّفِينَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّا فِي سَفِينَةٍ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ وَالْمَعَابِرُ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ جَمْعُ مَعْبَرٍ وَهِيَ السُّفُنُ الصِّغَارُ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ مَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةُ ذَاهِبٍ فَنَادَاهُمْ خَضِرٌ قَوْلُهُ عَرَفُوهُ فَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ قَالَ قُلْنَا لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ خَضِرٌ قَالَ نَعَمْ الْقَائِلُ فِيمَا أَظُنُّ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوا قَوْلُهُ بِأَجْرٍ أَيْ أُجْرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَحَمَلُوا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فَنَادَاهُمْ خَضِرٌ وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يُعْطِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ ضِعْفَ مَا حَمَلُوا بِهِ غَيْرَهُمْ فَقَالُوا لِصَاحِبِهِمْ إِنَّا نَرَى رِجَالًا فِي مَكَانٍ مَخُوفٍ نَخْشَى أَنْ يَكُونُوا لُصُوصًا فَقَالَ لَأَحْمِلَنَّهُمْ فَإِنِّي أَرَى عَلَى وُجُوهِهِمُ النُّورَ فَحَمَلَهُمْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَصْحَابَ السَّفِينَةِ

(8/418)


كَانُوا سَبْعَةً بِكُلِّ وَاحِدٍ زَمَانَةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ قَوْلُهُ فَخَرَقَهَا وَوَتَّدَ فِيهَا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ جَعَلَ فِيهَا وَتَدًا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَلَمَّا رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يُفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقُدُومِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ قَلَعَ اللَّوْحَ وَجَعَلَ مَكَانَهُ وَتَدًا وَعِنْدَ عَبْدِ بن حميد من رِوَايَة بن الْمُبَارك عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ جَاءَ بِوَدٍّ حِينَ خَرَقَهَا وَالْوَدُّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ لُغَةٌ فِي الْوَتَدِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَالِيَةِ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ إِلَّا مُوسَى وَلَوْ رَآهُ الْقَوْمُ لَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ قَوْله لقد جِئْت شَيْئا أمرا قَالَ مُجَاهِد مُنْكرا هُوَ من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد مثله وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ إِمْرًا قَالَ عَجَبًا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَخْرٍ فِي قَوْلِهِ إِمْرًا قَالَ عَظِيمًا وَفِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ مُوسَى لَمَّا رَأَى ذَلِكَ امْتَلَأَ غَضَبًا وَشَدَّ ثِيَابَهُ وَقَالَ أَرَدْتَ إِهْلَاكَهُمْ سَتَعْلَمُ أَنَّكَ أَوَّلُ هَالِكٍ فَقَالَ لَهُ يُوشَعُ أَلَا تَذْكُرُ الْعَهْدَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْخَضِرُ فَقَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ فَأَدْرَكَ مُوسَى الْحِلْمُ فَقَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي وَإِنَّ الْخَضِرَ لَمَّا خَلَصُوا قَالَ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْخَيْرَ فَحَمِدُوا رَأْيَهُ وَأَصْلَحَهَا اللَّهُ عَلَى يَدِهِ قَوْلُهُ كَانَتِ الْأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَالَ وَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا وَلم يذكر الْبَاقِي وروى بن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ الْأُولَى نِسْيَانٌ وَالثَّانِيَةُ عُذْرٌ وَالثَّالِثَة فِرَاق وَعند بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى إِنْ عَجِلْتَ عَلَيَّ فِي ثَلَاثٍ فَذَلِكَ حِينَ أُفَارِقُكَ وَرَوَى الْفَرَّاءُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ لَمْ يَنْسَ مُوسَى وَلَكِنَّهُ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا لَاعْتَذَرَ مُوسَى عَنِ الثَّانِيَةِ وَعَنِ الثَّالِثَةِ بِنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَقِيَا غُلَامًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى الساحلي إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ الْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى لَقِيَا وَجَزَاءُ الشَّرْطِ قَالَ أَقَتَلْتَ وَالْقَتْلُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرْطِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قَتْلَ الْغُلَامِ يَعْقُبُ لِقَاءَهُ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَهُوَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة خرقها فَإِنَّ الْخَرْقَ وَقَعَ جَوَابَ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ تَرَاخَى عَن الرّكُوب قَوْله قَالَ يعلى هُوَ بن مُسْلِمٍ وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَالَ سَعِيدٌ هُوَ بن جُبَيْرٍ وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظريفا فِي رِوَايَة أُخْرَى عَن بن جُرَيْجٍ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ غُلَامًا وَضِيءَ الْوَجْهِ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ وَفِي رِوَايَتِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَقَطَعَهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ ذَبَحَهُ ثُمَّ اقْتَلَعَ رَأْسَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فَأَخَذَ صَخْرَةً فثلغ رَأسه وَهِي بمثلثة ثمَّ مُعْجَمَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالصَّخْرَةِ ثُمَّ ذَبَحَهُ وَقَطَعَ رَأْسَهُ قَوْلُهُ قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لَمْ تَعْمَلِ الْحِنْثَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ وَلِأَبِي ذَرٍّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَقَوْلُهُ لَمْ تَعْمَلْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ زَكِيَّةً وَالتَّقْدِيرُ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً لَمْ تَعْمَلِ الْحِنْثَ بِغَيْرِ نفس قَوْله وبن عَبَّاسٍ قَرَأَهَا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ وَكَانَ بن عَبَّاس يقْرؤهَا زكية وَهِي قِرَاءَة الْأَكْثَر وَقَرَأَ نَافِع وبن كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو زَاكِيَةً وَالْأُولَى أَبْلَغُ لِأَنَّ فَعِيلَةً مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ زَاكِيَةً مُسْلِمَةً كَقَوْلِكَ غُلَامًا زَاكِيًا هُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي وَيُشِير إِلَى الْقِرَاءَتَيْن أَي أَن قِرَاءَة بن عَبَّاسٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ وَالْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى بِاسْمِ الْفَاعِلِ بِمَعْنى مسلمة وَإِنَّمَا أطلق ذَلِك مُوسَى عَلَى حَسَبِ ظَاهِرِ حَالِ الْغُلَامِ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ مُسْلِمَةً فَالْأَكْثَرُ بِسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَلِبَعْضِهِمْ بِفَتْحِ السِّينِ

(8/419)


وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَزَادَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ هُنَا أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صبرا قَالَ وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى لَوْلَا أَنَّهُ عَجِلَ لَرَأَى الْعَجَبَ وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ ذَمَامَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَاسْتَحْيَا عِنْدَ ذَلِكَ مُوسَى وَقَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ أَكْثَرَ مِمَّا قَصَّ قَوْلُهُ فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أهل قَرْيَة وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا قِيلَ هِيَ الْأُبُلَّةُ وَقِيلَ إِنْطَاكِيَةُ وَقِيلَ أَذْرَبِيجَانُ وَقِيلَ بُرْقَةُ وَقِيلَ نَاصِرَةُ وَقِيلَ جَزِيرَةُ الْأَنْدَلُسِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ قَرِيبٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشِدَّةُ الْمُبَايَنَةِ فِي ذَلِكَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُوثَقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ هُوَ من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدٍ وَلِهَذَا قَالَ بعده قَالَ يعلى هُوَ بن مُسْلِمٍ حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ قَالَ مَائِلٌ فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ عُرْضَ ذَلِكَ الْجِدَارِ كَانَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا فِي مِائَةِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِهِمْ قَوْلُهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ سَعِيدٌ أَجْرًا نَأْكُلُهُ زَادَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بيني وَبَيْنك فَأَخَذَ مُوسَى بِطَرَفِ ثَوْبِهِ فَقَالَ حَدِّثْنِي وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى أَتَلُومُنِي عَلَى خَرْقِ السَّفِينَةِ وَقَتْلِ الْغُلَامِ وَإِقَامَةِ الْجِدَارِ وَنَسِيتَ نَفْسَكَ حِينَ أُلْقِيتَ فِي الْبَحْرِ وَحِينَ قَتَلْتَ الْقِبْطِيَّ وَحِينَ سَقَيْتَ أَغْنَامَ ابْنَتَيْ شُعَيْبٍ احْتِسَابًا قَوْله وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك وَكَانَ أمامهم قَرَأَهَا بن عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَكَانَ بن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي وَرَاءَ فِي تَفْسِيرِ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ أَنَّهُ هُدَدُ بْنُ بَدَدٍ الْقَائِلُ ذَلِك هُوَ بن جُرَيْجٍ وَمُرَادُهُ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ السُّفُنَ لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ قلت وَقد عزاهُ بن خَالَوَيْهِ فِي كِتَابٍ لَيْسَ لِمُجَاهِدٍ قَالَ وَزَعَمَ بن دُرَيْدٍ أَنَّ هُدَدَ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ زَوَّجَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بِلْقِيسَ قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ مُدَّةِ مُوسَى وَسُلَيْمَانَ وَهُدَدُ فِي الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَحَكَى بن الْأَثِيرِ فَتْحَهَا وَالدَّالُ مَفْتُوحَةٍ اتِّفَاقًا وَوَقَعَ عِنْدَ بن مَرْدَوَيْهِ بِالْمِيمِ بَدَلَ الْهَاءِ وَأَبُوهُ بَدَدٌ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ أَنَّ اسْمَهُ مَنُولَةُ بْنُ الْجَلَنْدِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْجَلَنْدِيُّ وَكَانَ بِجَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ قَوْلُهُ الْغُلَامُ الْمَقْتُول اسْمه يَزْعمُونَ حيسور الْقَائِل ذَلِك هُوَ بن جُرَيْجٍ وَحَيْسُورُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلِهِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثمَّ مُهْملَة مَضْمُومَة وَكَذَا فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِجِيمٍ أَوَّلِهِ وَعِنْدَ الْقَابِسِيِّ بِنُونٍ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ وَعِنْدَ عَبْدُوسٍ بِنُونٍ بَدَلَ الرَّاءِ وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَآهُ فِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ بَيْنَهُمَا الْوَاوُ السَّاكِنَةُ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ الْجُبَّائِيِّ كَالْقَابِسِيِّ وَفِي تَفْسِيرِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ اسْمُهُ حَشْرَدُ وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ اسْمُ الْغُلَامِ شَمْعُونُ قَوْلُهُ مَلِكٌ يَأْخُذُ كل سفينة غصبا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَكَانَ

(8/420)


أُبَيٌّ يَقْرَأُ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ وَكَانَ بن مَسْعُودٍ يَقْرَأُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا قَوْلُهُ فَأَرَدْتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا لِعَيْبِهَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا قَوْلُهُ فَإِذَا جَاوَزُوا أَصْلَحُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَإِذَا جَاوَزُوهُ رَقَّعُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا وَبَقِيَتْ لَهُمْ قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْقَارِ أَمَّا الْقَارُ فَهُوَ بِالْقَافِ وَهُوَ الزِّفْتُ وَأَمَّا قَارُورَةٌ فَضُبِطَتْ فِي الرِّوَايَاتِ بِالْقَافِ لَكِنْ فِي رِوَايَة بن مَرْدَوَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ ثَارُورَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ تَقَعُ فِي مَوْضِعِ الْفَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَلَا تَقَعُ بَدَلَ الْقَافِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ فَارَ فَوْرَةً مِثْلَ ثَارَ ثَوْرَةً فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهُ فَاعُولَةٌ مِنْ ثَوَرَانِ الْقِدْرِ الَّذِي يَغْلِي فِيهَا الْقَارُ أَوْ غَيْرُهُ وَقَدْ وُجِّهَتْ رِوَايَةُ الْقَارُورَةِ بِالْقَافِ بِأَنَّهَا فَاعُولَةٌ مِنَ الْقَارِ وَأَمَّا الَّتِي مِنَ الزُّجَاجِ فَلَا يُمْكِنُ السَّدُّ بِهَا وَجَوَّزَ الْكَرْمَانِيُّ احْتِمَالَ أَنْ يُسْحَقَ الزُّجَاجُ وَيُلَتَّ بِشَيْءٍ وَيُلْصَقَ بِهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا قَوْلُهُ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ كَافِرًا يَعْنِي الْغُلَامَ الْمَقْتُولَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُبْتَدَأِ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ كَانَ اسْمُ أَبِيهِ مَلَّاسَ وَاسْمُ أُمِّهِ رَحْمَا وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهِ كَارِدِي وَاسْمُ أُمِّهِ سَهْوَى قَوْلُهُ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكفرا أَن يحملهَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينِهِ هَذَا من تَفْسِير بن جُرَيْجٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَير وَأخرج بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ يُرْهِقَهُمَا أَيْ يَغْشَاهُمَا قَوْلُهُ خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما لقَوْله أقتلت نفسا زكية يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ زَكَاةً ذُكِرَ لِلْمُنَاسَبَةِ الْمَذْكُورَةِ وروى بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ

(8/421)


بن مُحَمَّد عَن بن جريج فِي قَوْله خيرا مِنْهُ زَكَاة قَالَ إِسْلَامًا وَمِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ دِينًا قَوْلُهُ وَأَقْرَبَ رُحْمًا هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالْأولِ الَّذِي قتل خضر وروى بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ نَحْوَهُ وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ الرَّحِمُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْقَرَابَةُ وَبِسُكُونِهَا فَرْجُ الْأُنْثَى وَبِضَمِّ الرَّاءِ ثُمَّ السُّكُونِ الرَّحْمَةُ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ الرُّحْمُ وَالرَّحْمُ يَعْنِي بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَعَ السُّكُونِ فِيهِمَا بِمَعْنًى وَهُوَ مِثْلُ الْعُمْرِ وَالْعَمْرِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ رُحْمًا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدِ أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَة هُوَ قَول بن جريج وروى بن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ وَقَالَ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِنَّهَا جَارِيَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِنَّهَا جَارِيَةٌ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فَأَبْدَلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً قَالَ أَبْدَلَهُمَا جَارِيَةً فَوَلَدَتْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِلطَّبَرَيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ نَحْوَهُ وَلِابْنِ الْمُنْذر من طَرِيق بسطَام بن حميل قَالَ أَبْدَلَهُمَا مَكَانَ الْغُلَامِ جَارِيَةً وَلَدَتْ نَبِيَّيْنِ وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَلَدَتْ جَارِيَةً وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ وَلَدَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ نَبِيًّا وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَعْدُ مُوسَى فَقَالُوا لَهُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيل الله وَاسْمُ هَذَا النَّبِيِّ شَمْعُونُ وَاسْمُ أُمِّهِ حِنَةُ وَعند بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهَا ولدت غُلَاما لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف وَأخرجه بن الْمُنْذر بِإِسْنَاد حسن عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس نَحوه وَفِي تَفْسِير بن الْكَلْبِيِّ وَلَدَتْ جَارِيَةً وَلَدَتْ عِدَّةَ أَنْبِيَاءَ فَهَدَى اللَّهُ بِهِمْ أُمَمًا وَقِيلَ عِدَّةُ مَنْ جَاءَ مِنْ وَلَدِهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا قَوْلُهُ وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ غير وَاحِد إِنَّهَا جَارِيَة هُوَ قَول بن جُرَيْجٍ أَيْضًا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بن مُحَمَّد عَن بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سعيد بن جُبَير إِنَّهَا جَارِيَة قَالَ بن جُرَيْجٍ وَبَلَغَنِي أَنَّ أُمَّهُ يَوْمَ قُتِلَ كَانَتْ حُبْلَى بِغُلَامٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَاصِمٍ هُوَ أَخُو دَاوُدَ وَهُمَا ابْنَا عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ اسْتِحْبَابُ الْحِرْصِ عَلَى الِازْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ وَلِقَاءِ الْمَشَايِخِ وَتَجَشُّمِ الْمَشَاقِّ فِي ذَلِكَ وَالِاسْتِعَانَةِ فِي ذَلِكَ بِالْأَتْبَاعِ وَإِطْلَاقِ الْفَتَى عَلَى التَّابِعِ وَاسْتِخْدَامِ الْحُرِّ وَطَوَاعِيَةِ الْخَادِمِ لِمَخْدُومِهِ وَعُذْرِ النَّاسِي وَقَبُولِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ نَبِيٌّ لِعِدَّةِ مَعَانٍ قَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ كَقَوْلِهِ وَمَا فعلته عَن أمرى وَكَاتِّبَاعِ مُوسَى رَسُولِ اللَّهِ لَهُ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ وَكَإِطْلَاقِ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ وَكَإِقْدَامِهِ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ لِمَا شَرَحَهُ بَعْدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ أَغْلَظِ الضَّرَرَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَالْإِغْضَاءِ عَلَى بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَشَدُّ وَإِفْسَادِ بَعْضِ الْمَالِ لِإِصْلَاحِ مُعْظَمِهِ كَخِصَاءِ الْبَهِيمَةِ لِلسِّمَنِ وَقَطْعِ أُذُنِهَا لِتَتَمَيَّزَ وَمِنْ هَذَا مُصَالَحَةُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ السُّلْطَانَ عَلَى بَعْضِ مَالِ الْيَتِيمِ خَشْيَةَ ذَهَابِهِ بِجَمِيعِهِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ فِيمَا لَا يُعَارِضُ مَنْصُوصَ الشَّرْعِ فَلَا يَسُوغُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ أَنْ يَقْتُلَ أَنْفُسًا كَثِيرَةً قَبْلَ أَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَ الْخَضِرُ ذَلِكَ لِاطِّلَاعِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ قَوْلُ الْخَضِرِ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ أَنْ لَوْ عَاشَ حَتَّى يَبْلُغَ وَاسْتِحْبَابُ مِثْلِ هَذَا الْقَتْلِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَلِلَّهِ أَنْ يَحْكُمَ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ كَانَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ بِالتَّعَبِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْأَلَمُ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ سَخَطٍ مِنَ الْمَقْدُورِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَوَجِّهَ إِلَى رَبِّهِ يُعَانُ فَلَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ النَّصَبُ وَالْجُوعُ بِخِلَافِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي قِصَّةِ مُوسَى فِي تَوَجُّهِهِ إِلَى مِيقَاتِ رَبِّهِ وَذَلِكَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ تَعِبَ وَلَا طَلَبَ غَدَاءً وَلَا رَافَقَ أَحَدًا وَأَمَّا فِي تَوَجُّهِهِ إِلَى مَدْيَنَ فَكَانَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَأَصَابَهُ الْجُوعُ وَفِي تَوَجُّهِهِ إِلَى الْخَضِرِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَيْضًا فَتَعِبَ وَجَاعَ وَفِيهِ جَوَازُ طَلَبِ الْقُوتِ وَطَلَبِ الضِّيَافَةِ وَفِيهِ قِيَامُ الْعُذْرِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَة وَقيام الْحجَّة بِالثَّانِيَةِ قَالَ بن عَطِيَّةَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلُ مَالِكٍ فِي ضَرْبِ الْآجَالِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي التَّلَوُّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ وَأَنْ لَا يُضَافَ إِلَيْهِ مَا يُسْتَهْجَنُ لَفْظُهُ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ بِتَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ لِقَوْلِ الْخَضِرِ عَنِ السَّفِينَةِ فَأَرَدْتُ أَنْ أعيبها وَعَن الْجِدَار فَأَرَادَ رَبك وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيْر بِيَدِك وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك

(8/422)


(قَوْلُهُ بَابُ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غداءنا إِلَى قَوْله قصصا)
سَاقَ فِيهِ قِصَّةَ مُوسَى عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ

[4727] عَنْ عَمْرو بن دِينَار تقدم قبل بِبَاب مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ بن الْمَدِينِيِّ قَالَ حَجَجْتُ حَجَّةً وَلَيْسَ لِي هِمَّةٌ إِلَّا أَنْ أَسْمَعَ مِنْ سُفْيَانَ الْخَبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُهُ بِالْعَنْعَنَةِ قَوْلُهُ يَنْقَضُّ يَنْقَاضُ كَمَا يَنْقَاضُ السِّنُّ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ الشَّيْءُ بِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أَيْ يَقَعَ يُقَالُ انْقَضَّتِ الدَّارُ إِذَا انْهَدَمَتْ قَالَ وقرأه قوم ينقاض أَي يَنْقَلِعُ مِنْ أَصْلِهِ كَقَوْلِكَ انْقَاضَتِ السِّنُّ إِذَا انْقَلَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ أَبِي ذَرٍّ وَقِرَاءَةُ يَنْقَاضُ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي ضَادِهَا فَقِيلَ بِالتَّشْدِيدِ بِوَزْنِ يَحْمَارُّ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ يَنْقَضُّ وَيَنْقَضُّ بِوَزْنِ يَفْعَلُّ مِنِ انْقِضَاضِ الطَّائِرِ إِذَا سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ يَنْقَاصُ بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ بن خَالَوَيْهِ يَقُولُونَ انْقَاصَتِ السِّنُّ إِذَا انْشَقَّتْ طُولًا وَقيل إِذا تصدعت كَيفَ كَانَ وَقَالَ بن فَارِسٍ قِيلَ مَعْنَاهُ كَالَّذِي بِالْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ الشَّقُّ طولا وَقَالَ بن دُرَيْدٍ انْقَاضَ بِالْمُعْجَمَةِ انْكَسَرَ وَبِالْمُهْمَلَةِ انْصَدَعَ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ تَبَعًا لِابْنِ مَسْعُودٍ يُرِيدُ لِيُنْقَضَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الضَّادِ مِنَ النَّقْضِ قَوْلُهُ نُكْرًا دَاهِيَةً كَذَا فِيهِ وَالَّذِي عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ لَقَدْ جِئْت شَيْئا إمرا دَاهِيَةً وَنُكْرًا أَيْ عَظِيمًا وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّهِمَا أَبْلَغُ فَقِيلَ إِمْرًا أَبْلَغُ مِنْ نُكْرًا لِأَنَّهُ قَالَهَا بِسَبَبِ الْخَرْقِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى هَلَاكِ عِدَّةِ أَنْفُسٍ وَتِلْكَ بِسَبَبِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ نُكْرًا أَبْلَغُ لِكَوْنِ الضَّرَرِ فِيهَا نَاجِزًا بِخِلَافِ إِمْرًا لِكَوْنِ الضَّرَرِ فِيهَا مُتَوَقَّعًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي نُكْرًا أَلَمْ أَقُلْ لَكَ وَلَمْ يَقُلْهَا فِي إِمْرًا قَوْلُهُ لَتَخِذْتَ وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا لَتَخِذْتَ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ لَاتَّخَذْتَ قَوْلُهُ رُحْمًا مِنَ الرُّحْمِ وَهِيَ أَشَدُّ مُبَالَغَةٍ مِنَ الرَّحْمَةِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الرَّحِيمِ وَتُدْعَى مَكَّةَ أُمُّ رُحْمٍ أَيِ الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِهَا هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَوَقَعَ عِنْدَهُ مُفَرَّقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ رُحْمًا مِنَ الرَّحِمِ الَّتِي هِيَ الْقَرَابَةُ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُهَا غَالِبًا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَقَوْلُهُ وَيُظَنُّ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَقَوْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّحْمَةِ أَيِ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا الرَّحِيمُ وَقَوْلُهُ أُمُّ رُحْمٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالسُّكُونِ وَذَلِكَ لِتَنْزِلَ الرَّحْمَةُ بِهَا فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ الرُّحْمَ مِنَ الْقَرَابَةِ لَا مِنَ الرِّقَّةِ قَوْله بَاب قَوْله تَعَالَى قَالَ أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة الخ ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِأَبِي ذَرٍّ وَذَكَرَ فِيهِ قصَّة مُوسَى وَالْخضر عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَقد تقدّمت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَة فِي كتاب الْعلم وَقَوله فِي آخرهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ علينا أَمرهمَا تقدم فِي الْعلم بِلَفْظ يرحم الله مُوسَى لَوَدِدْنَا لَو صَبر وَتقدم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَن سُفْيَان كَرِوَايَة قُتَيْبَة لَكِن قَالَ بعْدهَا قَالَ سُفْيَان قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرحم الله مُوسَى الخ فَهَذَا يحْتَمل أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة وَهُوَ يرحم الله مُوسَى لم تكن عِنْد بن عُيَيْنَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلكنه أرسلها وَيحْتَمل أَن يكون على سَمعه مِنْهُ مرَّتَيْنِ

(8/424)


مرّة بإثباتها وَمرَّة بحذفها وَهُوَ أولى فقد أخرجه مُسلم عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وبن أبي عمر وَعبيد الله بن سعيد وَالتِّرْمِذِيّ عَن بن أبي عمر وَالنَّسَائِيّ عَن بن أبي عمر كلهم عَن سُفْيَان بِلَفْظ يرحم الله مُوسَى الخ مُتَّصِلا بالْخبر وَأخرجه مُسلم من طَرِيق رَقَبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِزِيَادَة وَلَفظه وَلَو صَبر لرأي الْعجب وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفسِهِ رَحْمَة الله علينا وعَلى أخي كَذَا وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حَمْزَة الزيات عَن أبي إِسْحَاق مُخْتَصرا وَأَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه مطولا وَلَفظه وَكَانَ إِذا دَعَا بَدَأَ بِنَفسِهِ وَقَالَ رَحْمَة الله علينا وعَلى مُوسَى وَقد ترْجم المُصَنّف فِي الدَّعْوَات من خص أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دون نَفسه وَذكر فِيهِ عدَّة أَحَادِيث وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن هَذِه الزِّيَادَة وَهِي كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ لم تثبت عِنْده وَقد سُئِلَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَن زِيَادَة وَقعت فِي قصَّة مُوسَى وَالْخضر من رِوَايَة بن إِسْحَاق هَذِه عَن سعيد بن جُبَير وَهِي قَوْله فِي صفة أهل الْقرْيَة أَتَيَا أهل الْقرْيَة لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمجَالِس فأنكرها وَقَالَ هِيَ مدرجة فِي الْخَبَر فقد يُقَال وَهَذِه الزِّيَادَة مدرجة فِيهِ أَيْضا وَالْمَحْفُوظ رِوَايَة بن عُيَيْنَة الْمَذْكُورَة وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ سَأَلْتُ أَبِي يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نُنَبِّهُ عَلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سَأَلَ رَجُلٌ أَبِي فَكَأَنَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ اسْمَ السَّائِلِ فَأَبْهَمَهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مُصْعَبٌ رَاوِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ هُمْ الْحَرُورِيَّةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى حَرُورَاءَ وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي كَانَ ابْتِدَاءُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ مِنْهَا وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ لَمَّا خَرَجَتْ الْحَرُورِيَّةُ قُلْتُ لِأَبِي أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَظُنُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ الْحَرُورِيَّةُ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ أَصْحَابُ النَّهْرَوَانِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا وَأَصْلُهُ عِنْدَ عبد الرَّزَّاق بِلَفْظ قَامَ بن الْكَوَّاءِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ مَا الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا قَالَ وَيْلَكَ مِنْهُمْ أَهْلُ حَرُورَاءَ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي سُؤَالِ مُصْعَبٍ أَبَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ عَلِيٌّ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَخْصُوصًا قَوْلُهُ قَالَ لَا هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلِلْحَاكِمِ قَالَ لَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ مُصْعَبٍ هُمْ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَمِيصَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ قَالَ هُمُ الرُّهْبَانُ الَّذِينَ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَارِي قَوْلُهُ وَأَمَّا النَّصَارَى كَفَرُوا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا لَيْسَ فِيهَا طَعَامٌ وَلَا شراب

(8/425)


فِي رِوَايَة بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ هُمْ عُبَّادُ النَّصَارَى قَالُوا لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ قَوْلُهُ وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ إِلَخْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصل إِلَى الْفَاسِقِينَ قَالَ يَزِيدُ هَكَذَا حَفِظْتُ قُلْتُ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ حَفِظَهُ عَنْهُ وَكَذَا وَقع عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَالصَّوَابُ الْخَاسِرُونَ وَوَقَعَ عَلَى الصَّوَابِ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ قَوْلُهُ وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ لَعَلَّ هَذَا السَّبَبَ فِي الْغَلَطِ الْمَذْكُورِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ الْخَوَارِجُ قَوْمٌ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي آخِرُهَا الْفَاسِقِينَ فَلَعَلَّ الِاخْتِصَارَ اقْتَضَى ذَلِكَ الْغَلَطَ وَكَأَنَّ سَعْدًا ذَكَرَ الْآيَتَيْنِ مَعًا الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ وَالَّتِي فِي الصَّفِّ وَقَدْ روى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ نَظَرَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ كَذَبْتَ أَنَا قَاتَلْتَ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ هَذَا مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ كَذَبْتَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبهم الْآيَة قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَجْهُ خُسْرَانِهِمْ أَنَّهُمْ تَعَبَّدُوا عَلَى غَيْرِ أصل فابتدعوا فخسروا الْأَعْمَار والأعمال

(قَوْلُهُ بَابُ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ولقائه الْآيَةَ)
تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الَّذِي قَبْلَهُ بَيَانُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا

[4729] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الذُّهْلِيُّ نِسْبَةً إِلَى جَدِّ أَبِيهِ وَقَوْلُهُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ هُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ أَكْثَرَ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَرُبَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَمَا هُنَا قَوْلُهُ الرجل الْعَظِيم السمين فِي رِوَايَة بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الطَّوِيل الْعَظِيم الأكول الشروب قَوْله وَقَالَ اقرأوا فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا الْقَائِلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ أَوْ هُوَ مَرْفُوعٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَالتَّقْدِيرُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو مَسْعُودٍ وَيحيى بن بكير هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَرُبَّمَا أُدْخِلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ كَهَذَا وَجَوَّزَ غَيْرُ أَبِي مَسْعُودٍ أَنْ تَكُونَ طَرِيقُ يَحْيَى هَذِهِ مُعَلَّقَةً وَقَدْ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيِّ عَنْهُ

(8/426)


 (قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ كهيعص)
سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهِيَ لَهُ بَعْدَ التَّرْجَمَةِ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ الْكَافُ مِنْ كَرِيمٍ وَالْهَاءُ مِنْ هَادِي وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ يَمِينُ بَدَلَ حَكِيمٍ وعزيز بَدَلَ عَلِيمٍ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سعيد نَحوه لَكِن قَالَ الْكَاف من كَبِير وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كهيعص قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ وَمِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ قَالَتْ كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ يَا كهيعص اغْفِرْ لِي وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ هِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاس أسمع بهم وَأبْصر الله يَقُوله وهم الْيَوْم لَا يسمعُونَ وَلَا يبصرون فِي ضلال مُبين يَعْنِي قَوْله أسمع بهم وَأبْصر الْكفَّار يَوْمئِذٍ أسمع شَيْء وأبصره وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ أَسْمِعْ بهم وَأبْصر يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعُوا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ السَّمْعُ وَأَبْصَرُوا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْبَصَرُ قَوْلُهُ لأرجمنك لأشتمنك وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَمِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الرَّجْمُ الْكَلَامُ قَوْلُهُ وَرِئْيًا مَنْظَرًا وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ بِهِ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أبي ظبْيَان عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ وَالرِّئْيُ الْمَنْظَرُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ قَالَ الثِّيَابُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ الصُّوَرُ وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ إِلَخْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء قَوْله وَقَالَ بن عُيَيْنَة تؤزهم أزا تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا كَذَا هُوَ فِي تَفْسِير بن عُيَيْنَةَ وَمِثْلُهُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ قَالَ تغريهم إغراء وَمثله عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَن بن عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ تُطْغِيهِمْ طُغْيَانًا قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِدًّا عِوَجًا سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ وِرْدًا عِطَاشًا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ قَوْله أثاثا مَا لَا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَة أحسن أثاثا ورئيا قَالَ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَحْسَنُ صُوَرًا قَوْلُهُ إِدًّا قولا عَظِيما وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ غَيًّا خُسْرَانًا ثَبَتَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس وَقَالَ بن مَسْعُودٍ الْغَيُّ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ بَعِيدُ الْقَعْرِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ قَوْلُهُ ركزا صَوتا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ الرِّكْزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ بُكِيًّا جَمَاعَةُ بَاكٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قِيَاسَ جَمْعِ بَاكٍ بُكَاةٌ مِثْلُ قَاضٍ وَقُضَاةٍ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ أَصْلَهُ بُكُوًّا

(8/427)


بِالْوَاوِ الثَّقِيلَةِ مِثْلُ قَاعِدٍ وَقُعُودٍ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِمَجِيئِهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ وَقِيلَ هُوَ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فُعُولٍ مِثْلُ جَلَسَ جُلُوسًا ثُمَّ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبُكِيِّ نَفْسُ الْبُكَاءِ ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ هَذَا السُّجُودُ فَأَيْنَ الْبُكَاءُ كَذَا قَالَ وَكَلَامُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْجَمَاعَةَ أَيْضًا أَيْ أَيْنَ الْقَوْمُ الْبُكِيُّ قَوْلُهُ صِلِيًّا صَلِيَ يَصْلَى هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَزَادَ وَالصِّلِيُّ فُعُولٌ وَلَكِنِ انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ قَوْلُهُ نَدِيًّا وَالنَّادِي وَاحِدٌ مَجْلِسًا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ وَأَحْسَنُ نَدِيًّا قَالَ مَجْلِسًا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَأحسن نديا أَيْ مَجْلِسًا وَالنَّدِيُّ وَالنَّادِي وَاحِدٌ وَالْجَمْعُ أَنْدِيَةٌ وَقِيلَ أُخِذَ مِنَ النَّدَى وَهُوَ الْكَرْمُ لِأَنَّ الْكُرَمَاءُ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مجْلِس وَقَالَ بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلْيَدْعُ نَادِيَةَ النَّادِي الْمَجْلِسُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْجُلَسَاءِ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَلْيَمْدُدْ فَلْيَدَعْهُ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِ فَلْيَدَعْهُ اللَّهُ فِي طُغْيَانِهِ أَيْ يُمْهِلُهُ إِلَى مُدَّةٍ وَهُوَ بِلَفْظِ الْأَمر وَالْمرَاد بِهِ الْإِخْبَار وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ فِي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قل من كَانَ فِي الضَّلَالَة فَإِنَّ اللَّهَ يَزِيدُهُ ضَلَالَةً

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ عز وَجل وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي ذَبْحِ الْمَوْتِ وَسَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ مَشْرُوحًا وَقَوْلُهُ فِيهِ فَيَشْرَئِبُّونَ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءَ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةٍ مَضْمُومَةٍ أَيْ يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ يَنْظُرُونَ وَقَوْلُهُ أَمْلَحُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ صِفَتَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ السَّوَادُ وَالْبَيَاضُ قَوْلُهُ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْذِرْهُمْ فِي رِوَايَةِ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْإِدْرَاجِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة فَقَالَ يُؤْتى بِالْمَوْتِ الخ

(8/428)


! !

(قَوْلُهُ بَابُ)
[4731] قَوْلِهِ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَين ذَلِك قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا الْآخِرَةُ وَمَا خَلْفَنَا الدُّنْيَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ قَوْلُهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق الْعَوْفِيّ وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سعيد بن جُبَير كِلَاهُمَا عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ فِي النُّزُولِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا جِبْرِيلُ مَا نَزَلْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ قَالَ أَنَا كُنْتُ أَشْوَقَ إِلَيْكَ وَلَكِنِّي مَأْمُورٌ وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرِيلَ قُلْ لَهُ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْر رَبك وروى بن مَرْدَوَيْهِ فِي سَبَبِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْبِقَاعُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَأَيُّهَا أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ قَالَ مَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَكَانَ قَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ الحَدِيث وَعند بن إِسْحَاق من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا سَأَلُوا عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَمَكَثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللَّهَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَحْيًا فَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ أَبْطَأت فَذكره وَحكى بن التِّينِ لِلدَّاوُدِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَلَامًا فِي اسْتِشْكَالِ نُزُولِ الْوَحْيِ فِي الْقَضَايَا الْحَادِثَةِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ فَلَمْ أَتَشَاغَلْ بِهِ هُنَا لَكِنْ أَلْمَمْتُ بِهِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ تَنْبِيهٌ الْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَاهُ الْإِذْنُ بِدَلِيلِ سَبَبِ النُّزُولِ الْمَذْكُورِ وَيَحْتَمِلُ الْحُكْمُ أَيْ نَتَنَزَّلُ مُصَاحِبِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ عِبَادَهُ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ حَرَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا)
قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْكُوفِيِّينَ سِوَى عَاصِمٍ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ قَالَ الطَّبَرِيُّ لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَتْحِ أَشْمَلُ وَهِيَ أَعْجَبُ إِلَيَّ

[4732] قَوْلُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى كَذَا رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى وَغير وَاحِد عَن الْحميدِي وَأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بَدَلَ أَبِي الضُّحَى وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَشَذَّ حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ فَقَالَ أَيْضًا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ جِئْتُ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ هُوَ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يوفق للأسلام قَالَ بن الْكَلْبِيِّ كَانَ مِنْ حُكَّامِ قُرَيْشٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَجَارَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ أَسْلَمَ

(8/429)


وَقَدْ أَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً وَفِيهَا أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ قَالَ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَا لَكُمْ وَلَهُ فَرَدَّ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْمُسْتَهْزِئِينَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ عَاشَ أَبِي خَمْسًا وَثَمَانِينَ وَإِنَّهُ لَيَرْكَبُ حِمَارًا إِلَى الطَّائِفِ فَيَمْشِي عَنْهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَرْكَبُ وَيُقَالُ إِنَّ حِمَارَهُ رَمَاهُ عَلَى شَوْكَةٍ أَصَابَتْ رِجْلَهُ فَانْتَفَخَتْ فَمَاتَ مِنْهَا قَوْلُهُ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ بَين فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعد هَذِهِ أَنَّهُ أَجَّرَهُ سَيْفًا عَمِلَهُ لَهُ وَقَالَ فِيهَا كُنْتَ قَيْنًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ الْحَدَّادُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَاجْتَمَعَتْ لِي عِنْدَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمُ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لَا أَيْ لَا أَكْفُرُ قَوْلُهُ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَكْفُرُ أَبَدًا وَالنُّكْتَةُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْبَعْثِ تَعْيِيرُ الْعَاصِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلِهِ هَذَا فَقَالَ عَلَّقَ الْكُفْرَ وَمَنْ عَلَّقَ الْكُفْرَ كَفَرَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْعَاصَ بِمَا يَعْتَقِدهُ فَعَلَّقَ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ بِزَعْمِهِ وَالتَّقْرِيرُ الْأَوَّلُ يُغْنِي عَنْ هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُهُ فَأَقْضِيكَ فَنَزَلَتْ زَاد بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ قَوْلُهُ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَحَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ أَمَّا رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ فَوَصَلَهَا بَعْدَ هَذَا وَكَذَا رِوَايَةُ شُعْبَةَ وَوَكِيعٍ وَأما رِوَايَة حَفْص وَهُوَ بن غِيَاثٍ فَوَصَلَهَا فِي الْإِجَارَةِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهِ وَفِيهِ قَالَ فَإِنِّي إِذَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ جِئْتَنِي وَلِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأُعْطِيكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا إِلَى قَوْله ويأتينا فَردا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَة

(قَوْلُهُ بَابُ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَن عهدا)
قَالَ مَوْثِقًا سَقَطَ قَوْلُهُ مَوْثِقًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ الْمُؤَلِّفُ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَن عهدا قَالَ موثقًا وَكَذَا أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ

[4733] قَوْلُهُ لَمْ يَقُلِ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ سَيْفًا وَلَا مَوْثِقًا هُوَ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الثَّوْرِيِّ رِوَايَةُ الْأَشْجَعِيِّ عَنْهُ