فتح الباري لابن حجر

 (

قَوْله بَاب وامهاتكم اللَّاتِي ارضعنكم)

(وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَثَلَاثُ تَرَاجِمَ بَعْدَهَا تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الرَّضَاعَةِ وَوَقَعَ هُنَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ كِتَابُ الرَّضَاعِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَيَحْرُمُ إِلَخْ أَنَّ الَّذِي فِي الْآيَةِ بَيَانُ بَعْضِ مَنْ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعَةِ وَقَدْ بَيَّنَتْ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ

[5099] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمِ الْأَنْصَارِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ لَكِنَّهُ اخْتَصَرَهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَتْنِ دُونَ الْقِصَّةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ أَيْ بِنْتِ عُمَرَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ قَوْلُهُ أَرَاهُ أَيْ أَظُنُّهُ قَوْلُهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ قَالَ ذَلِكَ عَنْ عَمِّ حَفْصَةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فِيهِ النفات وَكَانَ السِّيَاقِ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ قُلْتُ قَوْلُهُ لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ أَيْضًا وَوَهِمَ مَنْ فَسَّرَهُ بِأَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ لِأَنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ وَالِدُ عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأَمَّا أَفْلَحُ فَهُوَ أَخُوهُ وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ كَمَا سَيَأْتِي

(9/140)


أَنَّهُ عَاشَ حَتَّى جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ بَعْدَ أَنِ امْتَنَعَتْ وَقَوْلُهَا هُنَا لَوْ كَانَ حَيًّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَاتَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخًا لَهُمَا آخَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ظَنَّتْ أَنَّهُ مَاتَ لِبُعْدِ عَهْدِهَا بِهِ ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ وَقَالَ بن التِّينِ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا أَيْنَ هُوَ مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِيهِ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَالْأَوَّلُ ذَكَرَتْ أَنَّهُ مَيِّتٌ وَالثَّانِي ذَكَرَتْ أَنَّهُ حَيٌّ فَقَالَ هُمَا عَمَّانِ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَحَدُهُمَا وُضِعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ الَّذِي قَالَتْ فِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَالْآخَرُ أَخُو أَبِيهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ قُلْتُ الثَّانِي ظَاهِرٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْأَوَّلُ حَسَنٌ مُحْتَمِلٌ وَقَدِ ارْتَضَاهُ عِيَاضٌ إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ لكَونه جزم بِهِ قَالَ وَقَالَ بن أَبِي حَازِمٍ أَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ امْرَأَةُ أَخِي الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا قُلْتُ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى ظَنٍّ وَلَا هُوَ مُشْكِلٌ إِنَّمَا الْمُشْكِلُ كَوْنُهَا سَأَلَتْ عَنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَوَقَّفَتْ فِي الثَّانِي وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ هُمَا سُؤَالَانِ وَقَعَا مَرَّتَيْنِ فِي زَمَنَيْنِ عَنْ رَجُلَيْنِ وَتَكَرَّرَ مِنْهَا ذَلِكَ إِمَّا لِأَنَّهَا نَسِيَتِ الْقِصَّةَ الْأُولَى وَإِمَّا لِأَنَّهَا جَوَّزَتْ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ فَأَعَادَتِ السُّؤَالَ اه وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوعِ وَالثَّانِي بَعْدَ الْوُقُوعِ فَلَا اسْتِبْعَادَ فِي تَجْوِيزِ مَا ذُكِرَ مِنْ نِسْيَانٍ أَوْ تَجْوِيزِ النَّسْخِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ أَحَدَ الْعَمَّيْنِ كَانَ أَعْلَى وَالْآخَرُ أَدْنَى أَوْ أَحَدُهُمَا كَانَ شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ فَقَطْ أَوْ لِأُمٍّ فَقَطْ أَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَةُ أَخِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْآخَرُ فِي حَيَاته وَقَالَ بن الْمُرَابِطِ حَدِيثُ عَمِّ حَفْصَةَ قَبْلَ حَدِيثِ عَمِّ عَائِشَةَ وَهُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي الظَّاهِرِ لَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ عَمَّ حَفْصَةَ أَرْضَعَتْهُ الْمَرْأَةُ مَعَ عُمَرَ فَالرَّضَاعَةُ فِيهِمَا مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ كَانَتِ امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ أَرْضَعَتْهَا فَجَاءَ أَخُوهُ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا فَأَبَتْ فَأَخْبَرَهَا الشَّارِعُ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ كَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ اه فَكَأَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ عَمُّ عَائِشَةَ الَّذِي سَأَلَتْ عَنْهُ فِي قِصَّةِ عَمِّ حَفْصَةَ كَانَ نَظِيرَ عَمِّ حَفْصَةَ فِي ذَلِكَ فَلِذَلِكَ سَأَلْتُ ثَانِيًا فِي قِصَّةِ أَبِي الْقُعَيْسِ وَهَذَا إِنْ كَانَ وَجَدَهُ مَنْقُولًا فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ أَيْ وَتُبِيحُ مَا تُبِيحُ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ وَانْتِشَارِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْأَقَارِبِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ وَلَكِنْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَاقِي أَحْكَامُ الْأُمُومَةِ مِنَ التَّوَارُثِ وَوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَالشَّهَادَةِ وَالْعَقْلِ وَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ وَفِي رِوَايَةٍ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ قُلْتُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ الْحَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْقِصَّةِ وَالسَّبَبِ وَالرَّاوِي وَإِنَّمَا يَأْتِي مَا قَالَ إِذَا اتَّحَدَ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ مِنْ خَالٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ أَخٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَزَوْجِهَا يَعْنِي الَّذِي وَقَعَ الْإِرْضَاعُ بَيْنَ وَلَدِهِ مِنْهَا أَوِ السَّيِّدِ فَتَحْرُمُ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّهُ وَأُمَّهَا لِأَنَّهَا جِدَّتُهُ فَصَاعِدًا وَأُخْتَهَا لِأَنَّهَا خَالَتُهُ وَبِنْتَهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِنْتَ بِنْتِهَا فَنَازِلًا لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَبِنْتَ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِنْتَ بِنْتِهِ فَنَازِلًا لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَأُمَّهُ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا جِدَّتُهُ وَأُخْتَهُ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ وَلَا يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ قَرَابَةِ الرَّضِيعِ فَلَيْسَتْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أُخْتًا لِأَخِيهِ وَلَا بِنْتًا لِأَبِيهِ إِذْ لَا رَضَاعَ بَيْنَهُمْ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا وَهُوَ اللَّبَنُ فَإِذَا اغْتَذَى بِهِ الرَّضِيعُ صَارَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِمَا فَانْتَشَرَ التَّحْرِيمُ بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ قَرَابَاتِ الرَّضِيعِ

(9/141)


لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَلَا زَوْجِهَا نَسَبٌ وَلَا سَبَبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ

[5100] قَوْلُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَأَمَّا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ فَأَوَّلُ اسْمِ أَبِيهِ تَحْتَانِيَّةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيح شَيْء قَوْلُهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَائِلُ لَهُ ذَلِكَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالَكَ تَنَوَّقُ فِي قُرَيْشٍ وَتَدْعُنَا قَالَ وَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْتُ نَعَمِ ابْنَةُ حَمْزَةَ الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ تَنَوَّقُ ضُبِطَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالنُّونِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ تَخْتَارُ مُشْتَقٌّ مِنَ النِّيقَةِ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا قَافٌ وَهِيَ الْخِيَارُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ تَنَوَّقَ تَنَوُّقًا أَيْ بَالَغَ فِي اخْتِيَارِ الشَّيْءِ وَانْتِقَائِهِ وَعِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ تَتُوقُ بِمُثَنَّاةِ مَضْمُومَةٍ بَدَلَ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مِنَ التَّوْقِ أَيْ تَمِيلُ وَتَشْتَهِي وَوَقَعَ عِنْدَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَزَوَّجُ بِنْتَ عَمِّكَ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا مِنْ أَحْسَنِ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ وَكَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ حَمْزَةَ رَضِيعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ جَوَّزَ الْخُصُوصِيَّةَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْحُكْمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ زَادَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ لَا يَحْرُمْنَ الْأُولَى أُمُّ الْأَخِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ وَإِمَّا زَوْجُ أَبٍ وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْأَخَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَخِيهِ الثَّانِيَةُ أُمُّ الْحَفِيدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا إِمَّا بِنْتٌ أَو زوج بن وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْحَفِيدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ الثَّالِثَةُ جَدَّةُ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ أَوْ أُمُّ زَوْجَةٍ وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتِ الْوَلَدَ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الرَّابِعَةُ أُخْتُ الْوَلَدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتٌ أَوْ رَبِيبَةٌ وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْوَلَدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْوَالِدِ وَهَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْجُمْهُورُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي التَّحْقِيقِ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْعَمَّةِ وَأُمَّ الْخَالِ وَأُمَّ الْخَالَةِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ كَانَتْ ثُوَيْبَةُ يَعْنِي الْآتِي ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا أَرْضَعَتْ حَمْزَةَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ أَبَا سَلَمَةَ قُلْتُ وَبِنْتُ حَمْزَةَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَتَسْمِيَتُهَا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ فَتَبِعَتْهُمْ بِنْتُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمُّ الْحَدِيثَ وَجُمْلَةُ مَا تَحَصَّلَ لَنَا مِنَ الْخِلَافِ فِي اسْمِهَا سَبْعَةُ أَقْوَالٍ أُمَامَةُ وَعِمَارَةُ وَسَلْمَى وَعَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ وَأَمَةُ اللَّهِ وَيَعْلَى وَحَكَى الْمِزِّيُّ فِي أَسْمَائِهَا أُمَّ الْفَضْلِ لَكِنْ صَرَّحَ بن بَشْكُوَالَ بِأَنَّهَا كُنْيَةٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ وَهِيَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[5101] قَوْلُهُ انْكِحْ أُخْتِي أَيْ تَزَوَّجْ قَوْلُهُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أبي حبيب عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْكِحْ أُخْتِي عَزَّةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْكِحْ أُخْتِي عَزَّةَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حَمْنَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ أَصْنَعُ مَاذَا قَالَتْ تَنْكِحُهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ لَكِنْ لَمْ يُسَمِّ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَلَفْظُهُ فَقَالَ فَأَفْعَلُ مَاذَا وَفِيهِ شَاهِدٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَهُ مِنَ النُّحَاةِ وَعِنْدَ أَبِي مُوسَى فِي الذَّيْلِ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ

(9/142)


الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ وَقَالَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَا قَدْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ لَكِنْ حُذِفَ هَذَا الِاسْمُ وَكَأَنَّهُ عَمْدًا وَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْهَا ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ دُرَّةٌ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَجَزَمَ الْمُنْذِرِيُّ بِأَنَّ اسْمَهَا حَمْنَةُ كَمَا فِي الطَّبَرَانِيِّ وَقَالَ عِيَاضٌ لَا نَعْلَمُ لِعَزَّةَ ذِكْرًا فِي بَنَاتِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَّا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْهَرُ فِيهَا عَزَّةُ قَوْلُهُ أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ هُوَ اسْتِفْهَامُ تَعَجُّبٍ مِنْ كَوْنِهَا تَطْلُبُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا مَعَ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مِنَ الْغَيْرَةِ قَوْلُهُ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَخْلَى يُخْلِي أَيْ لَسْتُ بِمُنْفَرِدَةٍ بِكَ وَلَا خَالِيَةٍ مِنْ ضَرَّةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِوَزْنِ فَاعِلِ الْإِخْلَاءِ مُتَعَدِّيًا وَلَازِمًا مِنْ أَخْلَيْتُ بِمَعْنَى خَلَوْتُ مِنَ الضَّرَّةِ أَيْ لَسْتُ بِمُتَفَرِّغَةٍ وَلَا خَالِيَةٍ مِنْ ضَرَّةٍ وَفِي بَعْضِ الرَّوِايَّاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ بِلَفْظِ الْمَفْعُولِ حَكَاهَا الْكِرْمَانِيُّ وَقَالَ عِيَاضٌ مُخْلِيَةٌ أَيْ مُنْفَرِدَةٌ يُقَالُ أَخْلِ أَمَرَكَ وَأَخْلُ بِهِ أَيِ انْفَرِدْ بِهِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ لَمْ أَجِدْكَ خَالِيًا مِنَ الزَّوْجَاتِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمُ امْرَأَةٌ مُخْلِيَةٌ إِذَا خَلَتْ مِنَ الْأَزْوَاجِ قَوْلُهُ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ إِلَيَّ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْآتِيَةِ قَرِيبًا مَنْ شَرِكَنِي بِغَيْرِ أَلِفٍ وَكَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ فِي خَيْرٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّنْكِيرِ أَيْ أَيُّ خَيْرٍ كَانَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ فِي الْخَيْرِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ صُحْبَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ السَّاتِرَةُ لِمَا لَعَلَّهُ يَعْرِضُ مِنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمَذْكُورَة وَأحب من شركني فِيك اخى فَعَرَفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ ذَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَإِنَّا نُحَدَّثُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفتح الْحَاء على الْبَاء لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمَذْكُورَةِ قُلْتُ بَلَغَنِي وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا لِنَتَحَدَّثُ وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَخْبَرْتُ قَوْلُهُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْآتِيَةِ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ وَلَمْ أَقِفُ عَلَى اسْمِ مَنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ لَا أَصْلَ لَهُ وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمَرَاسِيلِ قَوْلُهُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ الآتيه وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ عِرَاكٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا عِيَاضٌ وَخَطَّأَهَا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ دُرَّةُ أَوْ ذَرَّةُ عَلَى الشَّكِّ شَكَّ زُهَيْرٌ رَاوِيَةً عَنْ هِشَامٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى خَطَئِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى فِي ذَيْلِ الْمَعْرِفَةِ حَمْنَةُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ خَطَأٌ وَقَوْلُهُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ هُوَ اسْتِفْهَامُ اسْتِثْبَاتٍ لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ أَوِ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَيَكُونُ تَحْرِيمُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهَا فَمِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَكَأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ إِمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ وَإِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ وَظَنَّتْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَوَّلُ يَدْفَعُهُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتَدَلَّتْ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الرَّبِيبَةَ حَرُمَتْ على التأييد وَالْأُخْتَ حَرُمَتْ فِي صُورَةِ الْجَمْعِ فَقَطْ فَأَجَابَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَأَنَّ الَّذِي بَلَغَهَا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ وَأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتَيْنِ قَوْلُهُ لَوْ أَنَّهَا لَمْ

(9/143)


تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ تَحْرِيمَهَا بِكَوْنِهَا رَبِيبَةً وَبِكَوْنِهَا بِنْتَ أَخٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَ بِهَا مَانِعٌ وَاحِد لكفى فِي التَّحْرِيم فَكيف وَبهَا العان فَلَيْسَ مِنَ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ وَصْفَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ فَإِمَّا أَنْ يَتَعَاقَبَا فَيُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا كَمَا فِي السَّبَبَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا وَمِثَالُهُ لَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَحْدَثَ بِغَيْرِ تَخَلُّلِ طَهَارَةٍ فَالْحَدَثُ الثَّانِي لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا أَوْ يُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الثَّانِي كَمَا فِي اجْتِمَاعِ السَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ يُضَافُ إِلَى أَشْبَهِهِمَا وَأَنْسَبِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلَ أَمِ الثَّانِيَ فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يُضَافُ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ يُوجَدُ فَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمَجْمُوعِ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءَ عِلَّةٍ لَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً فَلَا تَجْتَمِعُ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُصُولِ وَفِيهَا خِلَافٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالرَّبِيبَةِ أَشَدُّ مِنَ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعَةِ وَقَوْلُهُ رَبِيبَتِي أَيْ بِنْتُ زَوْجَتِي مُشْتَقَّةٌ مِنَ الرَّبِّ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَقِيلَ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ وَقَوْلُهُ فِي حِجْرِي رَاعَى فِيهِ لَفْظَ الْآيَةِ وَإِلَّا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَفِي رِوَايَةِ عِرَاكٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ لَوْ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ ربيبتي مَا حلت لي فَذكر بن حَزْمٍ أَنَّ مِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي الْحَجْرِ أَوْ لَا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالَّذِينَ زَادُوا فِيهَا لَفْظَ فِي حِجْرِي حُفَّاظٌ أَثَبَاتٌ قَوْلُهُ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ أَيْ وأرضعت أَبَا سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِل قَوْله ثويبة بمثلثة وموحدة مصغر كَانَتْ مَوْلَاةً لِأَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ فَلَا تَعْرِضْنَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُونٌ عَلَى الْخِطَابِ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَبِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ خِطَابٌ لِأُمِّ حَبِيبَةَ وَحدهَا وَالْأول أوجه وَقَالَ بن التِّينِ ضُبِطَ بِضَمِّ الضَّادِ فِي بَعْضِ الْأُمَّهَاتِ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ الْأَبْيَنُ فَهُوَ بِسُكُونِ الضَّادِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ وَلَوْ أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ التَّأْكِيدَ فَشَدَّدْتَ النُّونَ لَكَانَ تَعْرِضَنَانِّ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ ثَلَاثُ نُونَاتٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُنَّ بِأَلِفٍ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِأُمِّ حَبِيبَةَ خَاصَّةً فَتَكُونُ الضَّادُ مَكْسُورَةً وَالنُّونُ مُشَدَّدَةً وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ جَاءَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ لِاثْنَيْنِ وَهُمَا أُمُّ حَبِيبَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ رَدْعًا وَزَجْرًا أَنْ تَعُودَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَهَذَا كَمَا لَوْ رَأَى رَجُلٌ امْرَأَةً تُكَلِّمُ رَجُلًا فَقَالَ لَهَا أَتُكَلِّمِينَ الرِّجَالَ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ شَائِعٌ وَكَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ مِنَ الْأَخَوَاتِ قَرِيبَةُ زَوْجُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَقَرِيبَةُ الصُّغْرَى زَوْجُ عُمَرَ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَزَّةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَلَهَا مِنَ الْبَنَاتِ زَيْنَبُ رَاوِيَةُ الْخَبَرِ وَدُرَّةُ الَّتِي قِيلَ إِنَّهَا مَخْطُوبَةٌ وَكَانَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ مِنَ الْأَخَوَاتِ هِنْدٌ زَوْجُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ وَجُوَيْرِيَةُ زَوْجُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي حُبَيْشٍ وَأُمَيْمَةُ زَوْجُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَأُمُّ الْحَكَمِ زَوْجُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ وَصَخْرَةُ زَوْجُ سَعِيدِ بْنِ الْأَخْنَسِ وَمَيْمُونَةُ زَوْجُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَهَا مِنَ الْبَنَاتِ حَبِيبَةُ وَقَدْ رَوَتْ عَنْهَا الْحَدِيثَ وَلَهَا صُحْبَةٌ وَكَانَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَخَوَاتِ أُمُّ كُلْثُومٍ وَأُمُّ حَبِيبَةَ ابْنَتَا زَمْعَةَ أُخْتَا سَوْدَةَ وَأَسْمَاءُ أُخْتُ عَائِشَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ عُمَرَ أُخْتُ حَفْصَةَ وَغَيْرُهُنَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ قَالَ عُرْوَةُ هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ عَلَّقَ الْمُصَنِّفُ طَرَفًا مِنْهُ فِي آخِرِ النَّفَقَاتِ فَقَالَ قَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ فَذَكَرَهُ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الذُّهْلِيِّ

(9/144)


عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِإِسْنَادِهِ قَوْلُهُ وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لأبي لَهب قلت ذكرهَا بن مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ وَقَالَ اخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهَا وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ إِسْلَامَهَا غَيْرَهُ وَالَّذِي فِي السِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْرِمُهَا وَكَانَتْ تدخل عَلَيْهِ بعد مَا تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ وَكَانَ يُرْسِلُ إِلَيْهَا الصِّلَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ مَاتَتْ وَمَاتَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ قَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرُهُ أَنَّ عِتْقَهُ لَهَا كَانَ قَبْلَ إِرْضَاعِهَا وَالَّذِي فِي السِّيَرِ يُخَالِفُهُ وَهُوَ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْإِرْضَاعِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَيْضًا أَنَّ عِتْقَهَا كَانَ قَبْلَ الْإِرْضَاعِ وَسَأَذْكُرُ كَلَامَهُ قَوْلُهُ أُرِيَهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَوْلُهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ النَّائِبُ عَنِ الْفَاعِلِ وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ رَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي بَعْدَ حَوْلٍ فِي شَرِّ حَالٍ فَقَالَ مَا لَقِيتُ بَعْدَكُمْ رَاحَةً إِلَّا أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنِّي كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ بَشَّرَتْ أَبَا لَهَبٍ بِمَوْلِدِهِ فَأَعْتَقَهَا قَوْلُهُ بِشَرِّ حِيبَةٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ سوء حَال وَقَالَ بن فَارِسٍ أَصْلُهَا الْحَوْبَةُ وَهِيَ الْمَسْكَنَةُ وَالْحَاجَةُ فَالْيَاءُ فِي حِيبَةٍ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا وَوَقَعَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغْوِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فِي حَالَةٍ خَائِبَةٍ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ هُوَ تَصْحِيفٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُرْوَى بِالْمُعْجَمَةِ وَوَجَدَتْهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ عَنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِالْجِيمِ وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا تَصْحِيفًا وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ مَاذَا لَقِيتَ أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلُهُ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي كَذَا فِي الْأُصُولِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَمْ أَلْقَ بعدكم رَاحَة قَالَ بن بَطَّالٍ سَقَطَ الْمَفْعُولُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنِّي سَقَيْتُ فِي هَذِهِ كَذَا فِي الْأُصُولِ بِالْحَذْفِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ وَأَشَارَ إِلَى النُّقْرَةِ الَّتِي تَحْتَ إِبْهَامِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَأَشَارَ إِلَى النُّقْرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا مِثْلُهُ بِلَفْظِ يَعْنِي النُّقْرَةَ إِلَخْ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَقَارَةِ مَا سُقِيَ مِنَ الْمَاءِ قَوْلُهُ بِعَتَاقَتِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِعِتْقِي وَهُوَ أَوْجَهُ وَالْوَجْهُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِإِعْتَاقِي لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّخْلِيصُ مِنَ الرِّقِّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْآخِرَةِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّ الْخَبَرَ مُرْسَلٌ أَرْسَلَهُ عُرْوَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَالَّذِي فِي الْخَبَرِ رُؤْيَا مَنَامٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَثَانِيًا عَلَى تَقْدِيرِ الْقَبُولِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصًا مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْهُ فَنُقِلَ مِنَ الْغَمَرَاتِ إِلَى الضَّحْضَاحِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَا وَرَدَ مِنْ بُطْلَانِ الْخَيْرِ لِلْكُفَّارِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ لَهُمُ التَّخَلُّصُ مِنَ النَّارِ وَلَا دُخُولُ الْجَنَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَهُ عَلَى مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْجَرَائِمِ سِوَى الْكُفْرِ بِمَا عَمِلُوهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَأَمَّا عِيَاضٌ فَقَالَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَنْفَعُهُمْ أَعْمَالُهُمْ وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيفِ عَذَابٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَشَدَّ عَذَابًا مِنْ بَعْضٍ قُلْتُ وَهَذَا لَا يَرُدُّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَنْبِ الْكُفْرِ وَأَمَّا ذَنْبُ غَيْرِ الْكُفْرِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَخْفِيفِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا التَّخْفِيفُ

(9/145)


خَاصٌّ بِهَذَا وَبِمَنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ هُنَا قَضِيَّتَانِ إِحْدَاهُمَا مُحَالٌ وَهِيَ اعْتِبَارُ طَاعَةِ الْكَافِرِ مَعَ كُفْرِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّاعَةِ أَنْ تَقَعَ بِقَصْدٍ صَحِيحٍ وَهَذَا مَفْقُودٌ مِنَ الْكَافِرِ الثَّانِيَةُ إِثَابَةُ الْكَافِرِ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا لَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِتْقُ أَبِي لَهَبٍ لِثُوَيْبَةَ قُرْبَةً مُعْتَبَرَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ وَالْمُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا قُلْتُ وَتَتِمَّةُ هَذَا أَنْ يَقَعَ التَّفَضُّلُ الْمَذْكُورُ إِكْرَامًا لِمَنْ وَقَعَ مِنَ الْكَافِرِ الْبِرُّ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم

(قَوْله بَاب من قَالَ لارضاع بَعْدَ حَوْلَيْنِ)
لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا أَيِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَقْدِيرُ مُدَّةِ أَقَلِّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَإِلَى ذَلِكَ صَارَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ إِنَّ أَقْصَى الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةٌ تُوَافِقُ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنَّ مَنْزَعَهَمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةً يُدْمِنُ الطِّفْلُ فِيهَا عَلَى الْفِطَامِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُفْطَمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ عَلَى التَّدْرِيجِ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَاتٍ فَلِلْأَيَّامِ الَّتِي يُحَاوَلُ فِيهَا فِطَامُهُ حُكْمُ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قِيلَ يُغْتَفَرُ نِصْفُ سَنَةٍ وَقِيلَ شَهْرَانِ وَقِيلَ شَهْرٌ وَنَحْوُهُ وَقِيلَ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ وَقِيلَ شَهْرٌ وَقِيلَ لَا يُزَادُ على الْحَوْلَيْنِ وَهِي رِوَايَة بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْ حجتهم حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَمْ يُسْنِدْهُ عَن بن عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافظ وَأخرجه بن عدي وَقَالَ غير الْهَيْثَم يوقفه على بن عَبَّاسٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَعِنْدَهُمْ مَتَى وَقَعَ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَوِ ابْتَدَأَ الْوَضْعُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ جُبِرَ الْمُنْكَسِرُ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ زُفَرُ يَسْتَمِرُّ إِلَى ثَلَاثِ سِنِين إِذا كَانَ يجتزئ بِاللَّبنِ وَلَا يجتزيء بِالطَّعَامِ وَحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَن يكون يجتزيء بِاللَّبَنِ وَحَكَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُفْطَمَ فَمَتَى فُطِمَ وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَمَا رَضَعَ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا قَوْلُهُ وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ هَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي الْأَخْبَارِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ مَا زَادَ عَلَى الرَّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْ حَفْصَةَ كَذَلِكَ وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا سَبْعُ رَضعَات أخرجه بن أَبِي خَيْثَمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا

(9/146)


وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَا يُحَرِّمُ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ أَوْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْهَا كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِخَتْ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهَا قَالَتْ لَا يُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ بِهِ بن حَزْمٍ وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وبن الْمُنْذر وَدَاوُد وَأَتْبَاعه الا بن حَزْمٍ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا دَاوُدُ وَيَخْرُجُ مِمَّا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ يَقُولُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالثَّلَاثُ وَأَنَّ الْأَرْبَعَ هِيَ الَّتِي تُحَرِّمُ وَالثَّابِتُ مِنَ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْخَمْسِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ فَلَعَلَّهُ مِثَالٌ لِمَا دُونَ الْخَمْسِ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ بِالثَّلَاثِ فَمَا فَوْقَهَا إِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ بِالْمَفْهُومِ وَقَدْ عَارَضَهُ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُخَرَّجِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْخَمْسُ فَمَفْهُومُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُ وَمَفْهُومُ خَمْسِ رَضَعَاتٍ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْأَرْبَعِ لَا يُحَرِّمُ فَتَعَارَضَا فَيَرْجِعُ إِلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَفْهُومَيْنِ وَحَدِيثُ الْخَمْسِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ وَحَدِيثُ الْمَصَّتَانِ جَاءَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ لَكِنْ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ مُضْطَرِبٌ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عَن الزبير أَو عَن بن الزُّبَيْرِ أَوْ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ لَكِنْ لَمْ يَقْدَحْ الِاضْطِرَابُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبَّاسِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَلَا الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ أَنَصُّ مَا فِي الْبَابِ إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهُ إِلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ وَقَوَّى مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْأَخْبَارِ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ وَعَائِشَةُ الَّتِي رَوَتْ ذَلِكَ قَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهَا فِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَيُعَضِّدُهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّهُ مَعْنًى طَارِئٌ يَقْتَضِي تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالصِّهْرِ أَوْ يُقَالُ مَائِعٌ يَلِجُ الْبَاطِنَ فَيُحَرِّمُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْمَنِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَيْضًا فَقَوْلُ عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لَا خَبَرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا وَلَا ذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهُ خَبَرٌ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهِ وَاللَّهُ أعلم قَوْله عَن الْأَشْعَث هُوَ بن أَبِي الشَّعْثَاءِ وَاسْمُهُ سَلِيمُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْمُحَارِبِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَأَظُنُّهُ ابْنًا لِأَبِي الْقُعَيْسِ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ رَضِيعُ عَائِشَةَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَذَا تَابِعِيٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَكَأَنَّ أُمَّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ عَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَلَدَتْهُ فَلِهَذَا قِيلَ لَهُ رَضِيعُ عَائِشَةَ قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ كَذَا فِيهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَفِي رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمَاضِيَةِ فِي الشَّهَادَاتِ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا قَوْلُهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ أَخِي فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ بِدُونِهَا وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ فَذَكَرَهَا وَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ جَمِيعًا عَنِ الْأَشْعَثِ قَوْلُهُ انْظُرْنَ مَا إِخْوَانُكُنَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ إِخْوَانِكُنَّ وَهِيَ

(9/147)


أَوْجَهٌ وَالْمَعْنَى تَأَمَّلْنَ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ رَضَاعٌ صَحِيحٌ بِشَرْطِهِ مِنْ وُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الرَّضَاعَةِ وَمِقْدَارِ الِارْتِضَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ الرَّضَاعِ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا وَقَعَ الرَّضَاعُ الْمُشْتَرَطُ قَالَ الْمُهَلَّبُ مَعْنَاهُ انْظُرْنَ مَا سَبَبُ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ إِنَّمَا هِيَ فِي الصِّغَرِ حَتَّى تَسُدَّ الرَّضَاعَةُ الْمَجَاعَةَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جَاعَ كَانَ طَعَامُهُ الَّذِي يُشْبِعُهُ اللَّبَنَ مِنَ الرَّضَاعِ لَا حَيْثُ يَكُونُ الْغِذَاءُ بِغَيْرِ الرَّضَاعِ قَوْلُهُ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ فِيهِ تَعْلِيلُ الْبَاعِثِ عَلَى إِمْعَانِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تُثْبِتُ النَّسَبَ وَتَجْعَلُ الرَّضِيعَ مُحَرَّمًا وَقَوْلُهُ مِنَ الْمَجَاعَةِ أَيِ الرَّضَاعَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْحُرْمَةُ وَتَحِلُّ بِهَا الْخَلْوَةُ هِيَ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضِيعُ طِفْلًا لِسَدِّ اللَّبَنِ جَوْعَتَهُ لِأَنَّ مَعِدَتَهُ ضَعِيفَةٌ يَكْفِيهَا اللَّبَنُ وَيَنْبُتُ بِذَلِكَ لَحْمُهُ فَيَصِيرُ كَجُزْءٍ مِنَ الْمُرْضِعَةِ فَيَشْتَرِكُ فِي الْحُرْمَةِ مَعَ أَوْلَادِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا رَضَاعَةَ مُعْتَبَرَةٌ إِلَّا الْمُغْنِيَةَ عَنِ الْمَجَاعَةِ أَوِ الْمُطْعِمَةِ مِنَ الْمَجَاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اطعمهم من جوع وَمن شواهده حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّضْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُحَرِّمُ لِأَنَّهَا لَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ وَإِذَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ فَأَوْلَى مَا يُؤْخَذُ بِهِ مَا قَدَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّغْذِيَةَ بِلَبَنِ الْمُرْضِعَةِ يُحَرِّمُ سَوَاءٌ كَانَ بِشُرْبٍ أَمْ أَكْلٍ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ حَتَّى الْوَجُورُ وَالسَّعُوطُ وَالثَّرْدُ وَالطَّبْخُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْعَدَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَطْرُدُ الْجُوعِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فَيُوَافِقُ الْخَبَرَ وَالْمَعْنَى وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ لَكِنِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْحُقْنَةَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا إِنَّ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْتِقَامِ الثَّدْيِ وَمَصِّ اللَّبَنِ مِنْهُ وَأَوْرَدَ عَلِيُّ بْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ إِشْكَالٌ فِي الْتِقَامِ سَالِمٍ ثَدْيَ سَهْلَةَ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فَإِنَّ عِيَاضًا أَجَابَ عَنِ الْإِشْكَالِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ احْتِمَالٌ حسن لكنه لَا يُفِيد بن حَزْمٍ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي الرَّضَاعِ إِلَّا بِالْتِقَامِ الثَّدْيِ لَكِنْ أَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ عُفِيَ عَن ذَلِك للْحَاجة وَأما بن حَزْمٍ فَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ سَالِمٍ عَلَى جَوَازِ مَسِّ الْأَجْنَبِيِّ ثَدْيَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْتِقَامِ ثَدْيِهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْتَضِعَ مِنْهَا مُطْلَقًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَةَ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِأَنَّهَا الْحَالُ الَّذِي يُمْكِنُ طَرْدَ الْجُوعِ فِيهَا بِاللَّبَنِ بِخِلَافِ حَالِ الْكِبَرِ وَضَابِطُ ذَلِكَ تَمَامُ الْحَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّرْجَمَةِ وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلُهُ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ تَثْبِيتُ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ صَرِيحَةٍ فِي اعْتِبَارِ الرَّضَاعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُسْتَغْنَى بِهِ الرَّضِيعُ عَنِ الطَّعَامِ بِاللَّبَنِ وَيُعْتَضَدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ أَقْصَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ عَادَةً الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عَادَةً فَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا إِذْ لَا حُكْمَ لِلنَّادِرِ وَفِي اعْتِبَارِ إِرْضَاعِ الْكَبِيرِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الْمَرْأَةِ بِارْتِضَاعِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى عَوْرَتِهَا وَلَوْ بِالْتِقَامِهِ ثَدْيَهَا قُلْتُ وَهَذَا الْأَخِيرُ عَلَى الْغَالِبِ وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْتِقَامَ الثَّدْيِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ لَا تُفَرِّقُ فِي حُكْمِ الرَّضَاعِ بَيْنَ حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَتِهَا وَاحْتَجَّتْ هِيَ بِقِصَّةِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ اعْتِبَارَ مِقْدَارِ مَا يَسُدُّ الْجَوْعَةَ مِنْ لَبَنِ الْمُرْضِعَةِ لِمَنْ يَرْتَضِعُ مِنْهَا وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَضِعُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ نَصًّا فِي مَنْعِ اعْتِبَارِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ مَعَ تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَلَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ

(9/148)


لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامَ مَمْنُوعٌ ثُمَّ لَوْ وَقَعَ رُتِّبَ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّحْرِيمِ فَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَدْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَلِهَذَا عَمِلَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ عَنْ دَاوُدَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَذَا نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ دَاوُدَ أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُفِيدُ رَفْعَ الِاحْتِجَابِ مِنْهُ وَمَال إِلَى هَذَا القَوْل بن الْمَوَّازِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي نِسْبَةِ ذَلِكَ لِدَاوُدَ نظر فَإِن بن حَزْمٍ ذَكَرَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ مَعَ الْجُمْهُورِ وَكَذَا نَقَلَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُمْ أَخْبَرُ بِمَذْهَبِ صَاحِبِهِمْ وَإِنَّمَا الَّذِي نَصَرَ مَذْهَبَ عَائِشَة هَذَا وَبَالغ فِي ذَلِك هُوَ بن حَزْمٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِث الْأَعْوَر عَنهُ وَلذَلِك ضعفه بن عبد الْبر وَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءٍ إِنَّ امْرَأَةً سَقَتْنِي من لَبنهَا بعد مَا كَبرت أفأنكحها قَالَ لَا قَالَ بن جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لَهُ هَذَا رَأْيُكَ قَالَ نَعَمْ كَانَتْ عَائِشَةَ تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتِ أَخِيهَا وَهُوَ قَول اللَّيْث بن سعد وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قُلْتُ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَسَاقَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ حَفْصَةَ مِثْلُ قَوْلِ عَائِشَةَ وَهُوَ مِمَّا يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ فِي آخَرِينَ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ حَيْثُ خَصَّ الْجَوَازَ بَعْدَ عَائِشَةَ بِدَاوُدَ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اعْتِبَارِ الصِّغَرِ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ سَالِمٍ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ حُكْمٌ مَنْسُوخٌ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ وَقَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قِصَّةَ سَالِمٍ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ عَلَى تَأَخُّرِهَا وَهُوَ مُسْتَنَدٌ ضَعِيفٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إِسْلَامِ الرَّاوِي وَلَا صِغَرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا رَوَاهُ مُتَقَدِّمًا وَأَيْضًا فَفِي سِيَاقِ قِصَّةِ سَالِمٍ مَا يُشْعِرُ بِسَبْقِ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْحَوْلَيْنِ لِقَوْلِ امْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ حَيْثُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ قَالَ أَرْضِعِيهِ وَهَذَا يعشر بِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ الصِّغَرَ مُعْتَبَرٌ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ وَمِنْهَا دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ بِسَالِمٍ وَامْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّة وَقَررهُ بن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ أَصْلَ قِصَّةِ سَالِمٍ مَا كَانَ وَقَعَ مِنَ التَّبَنِّي الَّذِي أَدَّى إِلَى اخْتِلَاطِ سَالِمٍ بِسَهْلَةَ فَلَمَّا نَزَلَ الِاحْتِجَابُ وَمُنِعُوا مِنَ التَّبَنِّي شَقَّ ذَلِكَ عَلَى سَهْلَةَ فَوَقَعَ التَّرْخِيصُ لَهَا فِي ذَلِكَ لِرَفْعِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إِلْحَاقَ مَنْ يُسَاوِي سَهْلَةَ فِي الْمَشَقَّةِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهَا فَتَنْفِي الْخُصُوصِيَّةَ وَيَثْبُتُ مَذْهَبُ الْمُخَالِفِ لَكِنْ يُفِيدُ الِاحْتِجَاجَ وَقَرَّرَهُ آخَرُونَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الرَّضَاعَ لَا يُحَرِّمُ فَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصِّغَرِ خُولِفَ الْأَصْلُ لَهُ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَقِصَّةُ سَالِمٍ وَاقِعَةُ عَيْنٍ يَطْرُقُهَا احْتِمَالُ الْخُصُوصِيَّةِ فَيَجِبُ الْوُقُوفُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَا وَرَأَيْتُ بِخَطِّ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ أَنَّهُ رَأَى فِي تَصْنِيفٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ خَلِيلٍ الْأَنْدَلُسِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي أَنَّ عَائِشَةَ وَإِنْ صَحَّ عَنْهَا الْفُتْيَا بِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهَا إِدْخَالُ أَحَدٍ مِنَ الْأَجَانِبِ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ قَالَ تَاجُ الدِّينِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدِي فِيهِ قَوْلٌ جَازِمٌ لَا مِنْ قَطْعٍ وَلَا مِنْ ظَنٍّ غَالِبٍ كَذَا قَالَ وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَمَّا ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بَنَاتِ إِخْوَتِهَا وَبَنَاتِ أَخَوَاتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَيَرَاهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ صَرِيحٌ فَأَيُّ ظَنٍّ غَالِبٍ وَرَاءَ هَذَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا جَوَازُ

(9/149)


دُخُولِ مَنِ اعْتَرَفَتِ الْمَرْأَةُ بِالرَّضَاعَةِ مَعَهُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ يَصِيرُ أَخًا لَهَا وَقَبُولُ قَوْلِهَا فِيمَنِ اعْتَرَفَتْ بِهِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يَسْأَلُ زَوْجَتَهُ عَنْ سَبَبِ إِدْخَالِ الرِّجَالِ بَيْتَهُ وَالِاحْتِيَاطِ فِي ذَلِكَ وَالنَّظَرِ فِيهِ وَفِي قِصَّةِ سَالِمٍ جَوَازُ الْإِرْشَادِ إِلَى الْحِيَل وَقَالَ بن الرِّفْعَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ تَعَاطِي مَا يُحَصِّلُ الْحِلَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ حَلَالًا فِي الْحَال

(قَوْلُهُ بَابُ لَبَنِ الْفَحْلِ)
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ الرَّجُلِ وَنِسْبَةُ اللَّبَنِ إِلَيْهِ مَجَازِيَّةٌ لكَونه السَّبَب فِيهِ

[5103] قَوْله عَن بن شِهَابٍ لِمَالِكٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَسِيَاقُهُ لِلْحَدِيثِ عَنْ عُرْوَةَ أَتَمُّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ بِقَافٍ وَعَيْنٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ عُرْوَةَ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ فَلَمْ آذَنْ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ وَالْمَحْفُوظُ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ أَبِيهِ قُعَيْسًا أَوِ اسْمُ جَدِّهِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ فَتَكُونُ كُنْيَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَافَقَتِ اسْمَ أَبِيهِ أَوِ اسْمَ جَدِّهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ فَإِنَّ أَخَا بَنِي الْقُعَيْسِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ وَقَدْ مَضَى فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَن بن شِهَابٍ بِلَفْظِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ وَكَذَا الْمُسلم مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ مُسلم من رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبُو الْجَعْدِ قَالَ فَقَالَ لِي هِشَامٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا أَبُو القعيس وَسَائِر للرواة عَنْ هِشَامٍ قَالُوا أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَكَذَا قَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ عُرْوَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد أَن أَب القعيس أَتَى عَائِشَةَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي قُعَيْسٍ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ الَّذِي اسْتَأْذَنَ هُوَ أَفْلَحُ وَأَبُو الْقُعَيْسِ هُوَ أَخُوهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَهْمٌ إِلَّا مَنْ قَالَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ أَوْ قَالَ أَبُو الْجَعْدِ لِأَنَّهَا كُنْيَةُ أَفْلَحَ قُلْتُ وَإِذَا تَدَبَّرْتَ مَا حَرَّرْتُ عَرَفْتَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الرِّوَايَاتِ لَا وَهْمَ فِيهِ وَلَمْ يُخْطِئْ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ أَبُو الْجَعْدِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَفِظَ كُنْيَةَ أَفْلَحَ وَأَمَّا اسْمُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا فِي كَلَامِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَقَالَ هُوَ وَائِلُ بْنُ أَفْلَحَ الْأَشْعَرِيُّ وَحَكَى هَذَا بن عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ حَكَى أَيْضًا أَنَّ اسْمَهُ الْجَعْدُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَخُوهُ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ أَبِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْقُعَيْسِ نُسِبِ لِجَدِّهِ وَيَكُونَ اسْمُهُ وَائِلَ بْنَ قُعَيْسِ بْنِ أَفْلَحَ بْنِ الْقُعَيْسِ وَأَخُوهُ أَفْلَحُ بْنُ قعيس بن أَفْلح أَبُو الْجَعْد قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ لَا أَعْلَمُ لِأَبِي الْقُعَيْسِ ذِكْرًا إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فِيهِ الْتِفَاتٌ وَكَانَ السِّيَاق بقتضي أَنْ يَقُولَ وَهُوَ

(9/150)


عَمِّي وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَخَا عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ قَوْلُهُ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فِي رِوَايَةِ عِرَاكٍ الْمَاضِيَةِ فِي الشَّهَادَاتِ فَقَالَ أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا مَضَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ فَقُلْتُ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَفِي رِوَايَةِ معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ قَوْلُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ يَدَاكِ أَوْ يَمِينُكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي بَابِ الْأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ صَدَقَ أَفْلَحُ ائْذَنِي لَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ فَقَالَ أَتَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ قُلْتُ مِنْ أَيْنَ قَالَ أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي قُلْتُ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ الْحَدِيثَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا أَوَّلًا فَاسْتَتَرَتْ وَدَارَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا قَبِلَتْ قَوْلَهُ فَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي آخِرِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ عُرْوَةُ فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا مَرْفُوعَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي أَوَّلِ أَبْوَابِ الرَّضَاعِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يحرم فتنتشر الْحُرْمَة لمن ارْتَضَعَ الصَّغِيرُ بِلَبَنِهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِنْتُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ مِنْ غَيْرِهَا مَثَلًا وَفِيه خلاف قديم حكى عَن بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَزَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلمَة وَغَيرهم وَنَقله بن بَطَّالٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَة أخرجهَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وبن الْمُنْذر وَعَن بن سِيرِينَ نُبِّئْتُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا الرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا وَقَالَ بِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ وَإِبْرَاهِيمُ بن علية وبن بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ وَأَغْرَبَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَخْصِيصِهِمْ ذَلِكَ بِدَاوُدَ وَإِبْرَاهِيمَ مَعَ وُجُودِ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ ذَكَرْنَا بِذَلِكَ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى وامهاتكم اللَّاتِي ارضعنكم وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَمَّةَ وَلَا الْبِنْتَ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ وَأُجِيبُوا بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَنْفَصِلُ مِنَ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَكَيْفَ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ إِلَى الرَّجُلِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا كَالْجَدِّ لَمَّا كَانَ سَبَبُ الْوَلَدِ أَوْجَبَ تَحْرِيمُ وَلَدِ الْوَلَدِ بِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِوَلَدِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اللِّقَاحُ وَاحِدٌ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَطْءَ يُدِرُّ اللَّبَنَ فَلِلْفَحْلِ فِيهِ نَصِيبٌ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ وبن جُرَيْجٍ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَالِكٍ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَتْبَاعِهِمْ إِلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الحَدِيث

(9/151)


الصَّحِيحُ وَأَلْزَمَ الشَّافِعِيُّ الْمَالِكِيَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِرَدِّ أَصْلِهِمْ بِتَقْدِيمِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَوْ خَالَفَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ إِذَا كَانَ مِنَ الْآحَادِ لِمَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ مِنْ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا رَأْيُ فُقَهَائِنَا إِلَّا الزُّهْرِيِّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْخَاصَّةِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ عَامًّا ظَاهِرًا مِنْ هَذَا وَقَدْ تَرَكُوهُ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا إِمَّا أَنْ يردوا هَذَا الْخَبَر وهم وَلم يَرُدُّوهُ أَوْ يَرُدُّوا مَا خَالَفَ الْخَبَرَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ الْمَطْلُوبُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يُتَصَوَّرُ تَجْرِيدُ لَبَنِ الْفَحْلِ بِرَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ تُرْضِعُ إِحْدَاهُمَا صَبِيًّا وَالْأُخْرَى صَبِيَّةً فَالْجُمْهُورُ قَالُوا يَحْرُمُ عَلَى الصَّبِيِّ تَزْوِيجُ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ مَنْ خَالَفَهُمْ يَجُوزُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى الرَّضَاعَ وَصَدَّقَهُ الرَّضِيعُ يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ لِأَنَّ أَفْلَحَ ادَّعَى وَصَدَّقَتْهُ عَائِشَةُ وَأَذِنَ الشَّارِعُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى أَفْلَحَ وَتَسْلِيمِ عَائِشَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ كَمَا يُحَرِّمُ كَثِيرُهُ لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَمِ الْمَحْضِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي حُكْمٍ يَتَوَقَّفُ عَنِ الْعَمَلِ حَتَّى يَسْأَلَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ وَأَنَّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ طَالَبَ الْمُدَّعِي بِبَيَانِهِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَأَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ يُصَدِّقُ مَنْ قَالَ الصَّوَابَ فِيهَا وَفِيهِ وُجُوبُ احْتِجَابِ الْمَرْأَةِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَمَشْرُوعِيَّةُ اسْتِئْذَانِ الْمَحْرَمِ عَلَى مَحْرَمِهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَفْلَحَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ إِذَا بَادَرَ بِالتَّعْلِيلِ قَبْلَ سَمَاعِ الْفَتْوَى أَنْكَرَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ لَهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَسْأَلَ عَنِ الْحُكْمِ فَقَطْ وَلَا تُعَلِّلَ وَأَلْزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ مَنْ أَطْلَقَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَصَحَّ عَنْهُ ثُمَّ صَحَّ عَنْهُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا رَأَى لَا بِمَا رَوَى لِأَنَّ عَائِشَةَ صَحَّ عَنْهَا أَنْ لَا اعْتِبَارَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي السُّنَنِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَخَذَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَعَمِلُوا بِرِوَايَتِهَا فِي قِصَّةِ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ وَحَرَّمُوهُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ فَكَانَ يَلْزَمُهُمْ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوا عَمَلَ عَائِشَةَ وَيُعْرِضُوا عَنْ رِوَايَتِهَا وَلَوْ كَانَ رَوَى هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ عَائِشَةَ لَكَانَ لَهُمْ مَعْذِرَةٌ لَكِنَّهُ لم يروه غَيرهَا وَهُوَ الزام قوي

(قَوْلُهُ بَابُ شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ)
أَيْ وَحْدَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَات وَأغْرب بن بَطَّالٍ هُنَا فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لَا تَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ وَشِبْهِهِ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ

(9/152)


مِنَ السَّلَفِ حَتَّى إِنَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةً أَنَّهَا تُقْبَلُ وَحْدَهَا لَكِنْ بِشَرْطِ فُشُوِّ ذَلِكَ فِي الْجِيرَانِ

[5104] قَوْلُهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن الْمَدِينِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ وَعبيد بن أبي مَرْيَم مكي مَاله فِي الصَّحِيحِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَعْرِفُ من حَاله شَيْئا الا أَن بن حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ فِي الشَّهَادَاتِ بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَأَنَّ الْعُمْدَةَ فِيهِ عَلَى سَمَاعِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ لَهُ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ نَفْسِهِ وَتَقَدَّمَ تَسْمِيَةُ الْمَرْأَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا هُنَا بِفُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ وَتَسْمِيَةُ أَبِيهَا وَأَمَّا الْمُرْضِعَةُ السَّوْدَاءُ فَمَا عَرَفْتُ اسْمَهَا بَعْدُ قَوْلُهُ فَأَعْرَضَ عَنِّي فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ قَوْلُهُ دَعْهَا عَنْكَ وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَحْكِي أَيُّوبُ يَعْنِي يَحْكِي إِشَارَةَ أَيُّوبَ وَالْقَائِلُ عَلِيٌّ وَالْحَاكِي إِسْمَاعِيلُ وَالْمُرَادُ حِكَايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِلِسَانِهِ دَعْهَا عَنْكَ فَحَكَى ذَلِكَ كُلُّ رَاوٍ لِمَنْ دُونِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَدُ الرَّضَعَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ تَقْرِيرِ حُكْمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوْ بَعْدَ اشْتِهَارِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِهِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَمْرَ بِفِرَاقِهَا لَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْمُرْضِعَةِ بَلْ لِلِاحْتِيَاطِ أَنْ يَحْتَاطَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُزَوِّجَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَنْ زَنَى بِهَا أَوْ بَاشَرَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ زَنَى بِهَا أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ أَوْ خُلِقَتْ مِنْ زِنَاهُ بِأُمِّهَا أَوْ شَكَّ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِصِهْرٍ أَوْ قرَابَة وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم

(9/153)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ الْآيَةَ إِلَى عَلِيمًا حَكِيمًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ثُمَّ قَالَ إِلَى قَوْلِهِ عَلِيمًا حَكِيمًا وَذَلِكَ يَشْمَل الْآيَتَيْنِ فَإِن الأولى إِلَى قَوْلِهِ غَفُورًا رَحِيمًا قَوْلُهُ وَقَالَ أَنَسٌ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرِ حَرَامٌ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُم فَإِذَا هُوَ لَا يَرَى بِمَا مَلَكَ الْيَمِينُ بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ مِنْ عَبْدِهِ فيطأها وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ التَّيْمِيِّ بِلَفْظِ ذَوَاتِ الْبُعُولِ وَكَانَ يَقُولُ بَيْعُهَا طَلَاقُهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ يَعْنِي أَنَّهُنَّ حَرَامٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله الا مَا ملكت ايمانكم الْمَسْبِيَّاتُ إِذَا كُنَّ مُتَزَوِّجَاتٍ فَإِنَّهُنَّ حَلَالٌ لِمَنْ سَبَاهُنَّ قَوْلُهُ وَقَالَ أَيْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجل وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن أَشَارَ بِهَذَا إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْآيَتَيْنِ فَذَكَرَ الْمُشْرِكَةَ وَقَدِ اسْتُثْنِيَتِ الْكِتَابِيَّةُ وَالزَّائِدَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الَّذِي فِي قَول بن الْعَبَّاسِ الَّذِي بَعْدَهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ حَصْرَ مَا فِي الْآيَتَيْنِ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهُوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ ايمانكم لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَوْقَ أَرْبَعِ نسْوَة فَمَا زَاد مِنْهُنَّ فهن عَلَيْهِ حَرَامٌ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا فِيمَا قِيلَ أَخَذَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُذَاكَرَةِ أَوِ الْإِجَازَةِ وَالَّذِي ظَهَرَ لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي الْمَوْقُوفَاتِ وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا فِيهِ قُصُورٌ مَا عَنْ شَرْطِهِ وَالَّذِي هُنَا مِنَ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ فِي آخِرِ الْمَغَازِي حَدِيثًا بِوَاسِطَةٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي رِحْلَتِهِ الْقَدِيمَةِ لَقِيَ كَثِيرًا مِنْ مَشَايِخِ أَحْمَدَ فَاسْتَغْنَى بِهِمْ وَفِي رِحْلَتِهِ الْأَخِيرَةِ كَانَ أَحْمَدُ قَدْ قَطَعَ التَّحْدِيثَ فَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا نَادِرًا فَمِنْ ثَمَّ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ دُونَ أَحْمَدَ وَسُفْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ هُوَ الثَّوْرِيُّ وحبِيب هُوَ بن أَبِي ثَابِتٍ قَوْلُهُ حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ فِي رِوَايَة بن مهْدي عَن سُفْيَان عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَرُمَ عَلَيْكُمْ وَفِي لَفْظٍ حَرُمَتْ عَلَيْكُمْ قَوْله ثمَّ قَرَأَ حرمت عَلَيْكُم امهاتكم الْآيَةَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى عَلِيمًا حَكِيمًا فَإِنَّهَا آخِرُ الْآيَتَيْنِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُمَيْر مولى بن عَبَّاس عَن بن عَبَّاسٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَرَأَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُم امهاتكم حَتَّى بلغ وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت ثُمَّ قَالَ هَذَا النَّسَبُ ثُمَّ قَرَأَ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي ارضعنكم حَتَّى بلغ وَأَن تجمعُوا بَين الاختين وَقَرَأَ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاء فَقَالَ هَذَا الصِّهْرُ انْتَهَى فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَتِ الْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَفِي تَسْمِيَةِ مَا هُوَ بِالرَّضَاعِ صِهْرًا تَجَوُزُ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْغَيْرِ وَجَمِيعُهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ إِلَّا الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَامْرَأَةِ الْغَيْرِ وَيَلْتَحِقُ بِمَنْ ذكر

(9/154)


مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَوْ عَلَتْ وَكَذَا أُمُّ الْأَبِ وَبِنْتُ الِابْنِ وَلَوْ سَفَلَتْ وَكَذَا بِنْتُ الْبِنْتِ وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ وَلَوْ سَفَلَتْ وَكَذَا بِنْتُ بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ بن الْأَخِ وَالْأُخْتُ وَعَمَّةُ الْأَبِ وَلَوْ عَلَتْ وَكَذَا عَمَّةُ الْأُمِّ وَخَالَةُ الْأُمِّ وَلَوْ عَلَتْ وَكَذَا خَالَةُ الْأَبِ وَجَدَّةُ الزَّوْجَةِ وَلَوْ عَلَتْ وَبِنْتُ الرَّبِيبَةِ وَلَوْ سَفَلَتْ وَكَذَا بِنْتُ الرَّبِيبِ وَزَوْجَةُ بن الابْن وبن الْبِنْتِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَبَيَانُ مَا قِيلَ إِنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَي بن أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ بِنْتِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى دَفْعِ مَنْ يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْقَطِيعَةِ فَيَطْرُدُهُ إِلَى كُلِّ قَرِيبَتَيْنِ وَلَوْ بِالصُّهَارَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ قَالَ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةُ عَلِيٍّ لَيْلَى بِنْتِ مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودٍ النَّهْشَلِيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ فَكَانَتَا امْرَأَتَيْهِ وَقَوْلُهُ لِفَاطِمَةَ أَيْ مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي زَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهُمَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ بَقَاءِ لَيْلَى فِي عِصْمَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مُبينًا عِنْد بن سعد قَوْله وَقَالَ بن سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِهِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور عَنهُ بِسَنَد صَحِيح وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَابْنَتَهُ أَيْ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ أَيُّوبُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِك بن سِيرِينَ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ نُبِّئْتُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِمِصْرَ اسْمُهُ جَبَلَةَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَبِنْتَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أَيُّوب أَيْضا عَن بن سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يُقَالُ لَهُ جَبَلَةُ فَذَكَرَهُ قَوْلُهُ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي آخِرِ الْأَثَرِ الَّذِي قَبْلَهُ بِلَفْظِ وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ الْحَسَنَ إِذْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبِنْتِ وَامْرَأَةِ زَوْجِهَا فَكَرِهَهُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ هَلْ تَرَى بِهِ بَأْسًا فَنَظَرَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ قَوْلُهُ وَجَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهَذَا وَزَادَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَبِنْتَ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُمَا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَالشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَلَمْ يَنْسُبِ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّد بن عَليّ وَزَاد فَأصْبح النِّسَاء لايدرين أَيْنَ يَذْهَبْنَ قَوْلُهُ وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ وَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَزَادَ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم هَذَا مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَتَادَة قبله كَمَا ترى وَقد قَالَ بن الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْطَلَ هَذَا النِّكَاحَ قَالَ وَكَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِدُخُولِ الْقِيَاسِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُحَرِّمَهُ وَقَدْ أَشَارَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ لِلْقَطِيعَةِ أَيْ لِأَجْلِ وُقُوعِ الْقَطِيعَةِ بَيْنَهُمَا لِمَا يُوجِبُهُ التَّنَافُسُ بَيْنَ الضَّرَّتَيْنِ فِي الْعَادَةِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا بَلْ جَاءَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي جَمِيع الْقرَابَات فَأخْرج أَبُو دَاوُد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ وَأَخْرَجَ الْخَلَّالُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ

(9/155)


أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ مَخَافَةَ الضغائن وَقد نقل الْعَمَل بذلك عَن بن أَبِي لَيْلَى وَعَنْ زُفَرَ أَيْضًا وَلَكِنِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاع على خلَافَة وَقَالَهُ بن عبد الْبر وبن حزم وَغَيرهمَا قَوْله وَقَالَ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس إِذا زنى بأخت امْرَأَته لم تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته هَذَا مصير من بن عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِذَا كَانَ الْجَمْعُ بِعَقْدِ التَّزْوِيجِ وَهَذَا الْأَثر وَصله عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ قَالَ تَخَطَّى حُرْمَةً إِلَى حُرْمَةٍ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَته قَالَ بن جريج وَبَلغنِي عَن عِكْرِمَة مثله وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ جَاوَزَ حُرْمَتَيْنِ إِلَى حُرْمَةٍ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ قَوْلُهُ وَيُرْوَى عَنْ يحيى الْكِنْدِيّ عَن الشّعبِيّ وَأبي جَعْفَر فِيمَن يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلَا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وبن جَعْفَرٍ يَدُلُّ قَوْلُهُ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمد وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن نَصْرِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي كَالْجَمَاعَةِ وَهَكَذَا وَصَلَهُ وَكِيعٌ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى قَوْلُهُ وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلم يُتَابع عَلَيْهِ انْتهى وَهُوَ بن قَيْسٍ رَوَى أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَشَرِيكٌ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَيْ غَيْرُ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَاسْمُ الْجَهَالَةِ ارْتَفَعَ عَنْهُ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وبن أَبِي حَاتِمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَعَادَتِهِ فِيمَنْ لَمْ يُجَرَّحْ وَالْقَوْلُ الَّذِي رَوَاهُ يَحْيَى هَذَا قَدْ نُسِبَ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَزَادَ وَكَذَا لَوْ تَلَوَّطَ بِأَبِي امْرَأَتِهِ أَوْ بِأَخِيهَا أَوْ بِشَخْصٍ ثُمَّ وُلِدَ لِلشَّخْصِ بِنْتٌ فَإِن كلا مِنْهُنَّ تحرم على الواطيء لِكَوْنِهَا بِنْتَ أَوْ أُخْتَ مَنْ نَكَحَهُ وَخَالَفَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ فَخَصُّوهُ بِالْمَرْأَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهر الْقُرْآن لقَوْله وَأُمَّهَات نِسَائِكُم وَأَن تجمعُوا بَين الاختين وَالذَّكَرُ لَيْسَ مِنَ النِّسَاءِ وَلَا أُخْتًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَاطَ بِهَا هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا أَمْ لَا وَجْهَانِ وَاللَّهُ أعلم قَوْله وَقَالَ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ إِذَا زَنَى بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ فِي رَجُلٍ غَشِيَ أُمَّ امْرَأَتِهِ قَالَ تَخَطَّى حُرْمَتَيْنِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا ثُمَّ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا أَوِ الْبِنْتُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا قَالَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ إِنَّمَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بِنِكَاحٍ حَلَالٍ وَفِي إِسْنَادِهِمَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَدْ أَخْرَجَ بن ماجة طرفا مِنْهُ من حَدِيث بن عُمَرَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ وَإِسْنَادُهُ أَصْلَحُ مِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَرَّمَهُ وَصَلَهُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظِهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ أَنَّهُ أصَاب أم امْرَأَته فَقَالَ لَهُ بن عَبَّاسٍ حَرُمَتْ عَلَيْكَ امْرَأَتُكَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ مِنْهُ سَبْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ بَلَغَ مَبَالِغَ الرِّجَالِ قَوْلُهُ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بسماعة من بن عَبَّاس كَذَا للْأَكْثَر وَفِي رِوَايَة بن الْمَهْدِيِّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي لَا يُعْرَفُ سَمَاعُهُ وَهِيَ أَوْجُهٌ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا بَصْرِيٌّ أَسَدِيٌّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا بِنْتُهَا وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَمَّا قَوْلُ عِمْرَانَ فَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ قَالَ فِيمَنْ فَجَرَ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا وَلَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عِمْرَانَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحسن فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ

(9/156)


عَنْهُمَا قَالَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَالَ قَتَادَةُ لَا تَحْرُمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَغْشَى امْرَأَتَهَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الَّتِي زَنَى بِهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ بِلَفْظِ إِذَا فَجَرَ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أَوِ ابْنَةِ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ لِلشَّعْبِيِّ وَاللَّهِ مَا حَرَّمَ حَرَامٌ قَطُّ حَلَالًا قَطُّ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ بَلَى لَوْ صَبَبْتَ خَمْرًا عَلَى مَاءٍ حَرُمَ شُرْبُ ذَلِكَ الْمَاءِ قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَلَعَلَّهُ عَنَى بِهِ الثَّوْرِيَّ فَإِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَدْ أَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَة عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا وَمِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أُمِّ امْرَأَتِهِ قَالَ حَرُمَتَا عَلَيْهِ كِلْتَاهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا إِذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَبِهِ قَالَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الشَّرْعِ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَطْءِ وَأَيْضًا فَالزِّنَا لَا صَدَاقَ فِيهِ وَلَا عِدَّةَ وَلَا مِيرَاثَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى مِنَ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي تَزَوُّجُ مَنْ زَنَى بِهَا فَنِكَاحُ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا أَجْوَزُ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْزَقَ بِالْأَرْضِ يَعْنِي حَتَّى يُجَامِعَ قَالَ بن التِّينِ يَلْزَقُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ أَوْجَهُ وَبِالْفَتْحِ لَازِمٌ وَبِالضَّمِّ مُتَعَدٍّ يُقَالُ لَزِقَ بِهِ لُزُوقًا وَأَلْزَقَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِمُجَرَّدِ لَمْسِ أُمِّهَا وَالنَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إِلَّا إِنْ وَقَعَ الْجِمَاعُ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالْجِمَاعِ مَعَ الْعَقْدِ وَالْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ تَلْتَحِقُ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ بِالْجِمَاعِ لِكَوْنِهِ اسْتِمْتَاعًا وَمَحِلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمُبَاشَرَةُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ أَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالزِّنَا وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إِذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ حَلَالًا أَوْ زِنًا أَثَّرَ بِخِلَافِ مُقَدِّمَاتِهِ قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ أَيْ أَجَازُوا لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَلَوْ زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا سَوَاءٌ فَعَلَ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ أَوْ جَامَعَ وَلِذَلِكَ أَجَازُوا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَوْ أُمَّ مَنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا فَقَالَا لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ أَيَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا فَقَالَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُفْسِدُ اللَّهُ حَلَالًا بِحَرَامٍ قَوْلُهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عَلِيٌّ لَا يُحَرِّمُ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَن رجل وطىء أُمَّ امْرَأَتِهِ فَقَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهَذَا مُرْسَلٌ فَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ فَأَطْلَقَ الْمُرْسَلَ عَلَى الْمُنْقَطِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ وَالله أعلم

(9/157)


(قَوْلُهُ بَابُ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِتَفْسِيرِ الرَّبِيبَةِ وَتَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالدُّخُولِ فَأَمَّا الرَّبِيبَةُ فَهِيَ بِنْتُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ هُوَ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَأَمَّا الدُّخُولُ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلْوَةُ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالتَّغَشِّي وَالْإِفْضَاءُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالرَّفَثُ وَاللَّمْسُ الْجِمَاع الا أَن الله حَيّ كَرِيمٌ يَكُنِّي بِمَا شَاءَ عَمَّا شَاءَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ بَنَاتُ وَلَدِهَا هُنَّ مِنْ بَنَاتِهَا فِي التَّحْرِيمِ سَقَطَ مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ التَّرْجَمَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةٍ إِلَخْ قَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ بَنَاتِكُنَّ لِأَن بنت الِابْنَ بِنْتٌ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ هُنَّ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ أَيْ مِثْلُهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ بَنَاتُ الْأَبْنَاءِ وَبَنَاتُ الْبَنَاتِ قَوْلُهُ وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ فِي حُجُورِكُمْ هَلْ هُوَ لِلْغَالِبِ أَوْ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَمَاتَتْ فَوَجَدْتُ عَلَيْهَا فَلَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِي مَالك فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَلِهَا ابْنَةٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَانَتْ فِي حِجْرِكَ قُلْتُ لَا هِيَ فِي الطَّائِفِ قَالَ فَانْكِحْهَا قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمْ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِكَ وَقَدْ دَفَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا الْأَثَرَ وَادَّعَى نَفْيَ ثُبُوتِهِ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدٍ لَا يُعْرَفُ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْأَثر الْمَذْكُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَإِبْرَاهِيمُ ثِقَةٌ تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيَّانِ وَالْأَثَرُ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَكَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى مَنْ سَأَلَهُ إِذْ تَزَوَّجَ بِنْتَ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ جِدَّتُهَا وَلَمْ تَكُنِ الْبِنْتُ فِي حِجْرِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدِ احْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ لِلْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ قَالَ نَعَمْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحِجْرِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ الْحَادِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنُدْرَةُ الْمُخَالِفِ لَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ مَشْرُوطًا بِأَمْرَيْنِ أَنْ تَكُونَ فِي الْحِجْرِ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي يُرِيدُ التَّزْوِيجَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَلَا تَحْرُمُ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ

(9/158)


وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي وَهَذَا وَقع فِي بعض طرق الحَدِيث كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي فَقَيَّدَ بِالْحِجْرِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْقُرْآنُ فَقَوِيَ اعْتِبَارُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ إِلَيْهِ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ إِنَّمَا أَنْتَ ظِئْرِي قَالَ فَذَهَبَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ مَا فعلت الجويرة بِهِ قَالَ عِنْدَ أُمِّهَا يَعْنِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَجِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيمَا يُقْرَأُ عِنْدَ النَّوْمِ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ بِدُونِ الْقِصَّةِ وَأَصْلُ قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْد أَحْمد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَتِ الْقِصَّةَ فِي هِجْرَتِهَا ثُمَّ مَوْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ فَلَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَنِي الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَعَلَ يَأْتِينَا فَيَقُولُ أَيْنَ زُنَابُ حَتَّى جَاءَ عَمَّارٌ هُوَ بن يَاسِرٍ فَاخْتَلَجَهَا وَقَالَ هَذِهِ تَمْنَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ زُنَابُ فَقَالَتْ قُرَيْبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وَافَقْتُهَا عِنْدَمَا أَخَذَهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي آتِيكُمُ اللَّيْلَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَجَاءَ عَمَّارٌ وَكَانَ أَخَاهَا لِأُمِّهَا يَعْنِي أُمَّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَانْتَشَطَهَا مِنْ حِجْرِهَا وَقَالَ دَعِي هَذِهِ الْمَقْبُوحَةَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن ابْنَتِهِ ابْنًا هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَفِيهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا إِلَى تَقْوِيَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي التَّرْجَمَةِ أَنَّ بِنْتَ بن الزَّوْجَةِ فِي حُكْمِ بِنْتِ الزَّوْجَةِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قَبْلَ هَذَا وَقَوْلُهُ

[5106] أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَثُوَيْبَةُ بِالرَّفْعِ الْفَاعِلُ وَالضَّمِيرُ لِبِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَالْمَعْنَى أَرْضَعَتْنِي ثُوَيْبَةُ وَأَرْضَعَتْ وَالِدَ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَشَارِقِ نَقَلَ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ فَصَحَّفَ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الرِّوَايَةَ فِي الْأُخْرَى إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا أَبَا سَلَمَةَ قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ دُرَّةُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي أَنَّ اللَّيْثَ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَسَمَّى بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ دُرَّةَ وَكَأَنَّهُ رَمَزَ بِذَلِكَ إِلَى غَلَطِ مَنْ سَمَّاهَا زَيْنَبَ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهَا فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ فَلَمْ يُسَمِّهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْث أَيْضا عَن بن شهَاب عَن عُرْوَة فسماها أَيْضا درة

(9/159)


(

قَوْله بَاب وَأَن تجمعُوا بَين الاختين)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ الْمَذْكُورَ لِقَوْلِهِ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي التَّزْوِيجِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءً كَانَتَا شَقِيقَتَيْنِ أَمْ مِنْ أَبٍ أَمْ مِنْ أُمٍّ وَسَوَاءٌ النَّسَبُ وَالرَّضَاعُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَتَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَأَجَازَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمَنْعِ وَنَظِيرُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتهَا وَحَكَاهُ الثَّوْريّ عَن الشِّيعَة قَوْله بَاب وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ الْمَذْكُورَ لِقَوْلِهِ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي التَّزْوِيجِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءً كَانَتَا شَقِيقَتَيْنِ أَمْ مِنْ أَبٍ أَمْ مِنْ أُمٍّ وَسَوَاءٌ النَّسَبُ وَالرَّضَاعُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَتَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَأَجَازَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمَنْعِ وَنَظِيرُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتهَا وَحَكَاهُ الثَّوْريّ عَن الشِّيعَة قَوْلُهُ بَابُ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَيْ وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ أبي بكر أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

[5108] قَوْله عَاصِم هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ الْأَحْوَلُ قَوْلُهُ الشَّعْبِيُّ سَمِعَ جَابِرًا كَذَا قَالَ عَاصِمٌ وَحْدَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ دَاوُدُ وبن عَوْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمَّا رِوَايَة دَاوُد وَهُوَ بن أَبِي هِنْدَ فَوَصَلَهَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ من طَرِيقه قَالَ حَدثنَا عَامر هوالشعبي أَنْبَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوِ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا أَوِ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا أَوِ الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى لَفْظُ الدَّارِمِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ نَحْوُهُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَانَ لداود فِيهِ شيخين وَهُوَ مَحْفُوظٌ لِابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَأما رِوَايَة بن عَوْنٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ

(9/160)


عَنْهُ بِلَفْظِ لَا تُزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَوَقَعَ لَنَا فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شُرَيْحٍ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَوْنٍ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا أَوِ ابْنَةِ أُخْتِهَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ مَحْفُوظَانِ وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُرْوَ مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ لَا يُثْبِتُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ كَمَا قَالَ قد جَاءَ من حَدِيث عَليّ وبن مَسْعُود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَائِشَةَ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى إِثْبَاتِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَبَيَّنَ الِاخْتِلَافَ عَلَى الشَّعْبِيِّ فِيهِ قَالَ وَالْحُفَّاظُ يَرَوْنَ رِوَايَةَ عَاصِمٍ خَطَأً وَالصَّوَابُ رِوَايَة بن عَوْنٍ وَدَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ اه وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَمْ يَقْدَحْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ أَشْهَرُ بِجَابِرٍ مِنْهُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ أَيْضًا مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلِكُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَقَوْلُ مَنْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمْ تَضْعِيفَ حَدِيثِ جَابِرٍ مُعَارَضٌ بتصحيح التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ وَكَفَى بِتَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ لَهُ مَوْصُولا قُوَّة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَحِّحْ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَدِيثَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ وَأَمَّا مَنْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ هَذَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَفِي الْبَاب لَكِن لم يذكر بن مَسْعُود وَلَا بن عَبَّاسٍ وَلَا أَنَسًا وَزَادَ بَدَلَهُمْ أَبَا مُوسَى وَأَبَا أُمَامَةَ وَسَمُرَةَ وَوَقَعَ لِي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءَ وَمِنْ حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمن حَدِيث زَيْنَب امْرَأَة بن مَسْعُودٍ فَصَارَ عِدَّةُ مَنْ رَوَاهُ غَيْرَ الْأَوَّلِينَ ثَلَاثَة عشر نفسا واحاديثهم مَوْجُودَة عِنْد بن أبي شيبَة وَأحمد وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وَأبي يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَأَوْرَدْتُهَا مُفَصَّلَةً لَكِن فِي لفظ حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْد بن حِبَّانَ نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَقَالَ إِنَّكُنَّ إِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ هُوَ قَوْلُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنَ الْمُفْتِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَلَا أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ على عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ لَسْتُ أَعْلَمُ فِي مَنْعِ ذَلِكَ اخْتِلَافًا الْيَوْمَ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْجَوَازِ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالسُّنَّةِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَمْ يَضُرَّهُ خِلَافُ مَنْ خَالفه وَكَذَا نقل الْإِجْمَاع بن عبد الْبر وبن حزم والقرطبي وَالنَّوَوِيّ لَكِن اسْتثْنى بن حَزْمٍ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَاسْتَثْنَى الْقُرْطُبِيُّ الْخَوَارِجَ وَلَفْظُهُ اخْتَارَ الْخَوَارِجُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ اه وَفِي نَقْلِهِ عَنْهُمْ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ غَلَطٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ عُمْدَتَهُمُ التَّمَسُّكُ بِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ لَا يُخَالِفُونَهَا الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَرُدُّونَ الْأَحَادِيثَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الثِّقَةِ بِنَقَلَتِهَا وَتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بنصوص الْقُرْآن وَنقل بن دَقِيقِ الْعِيدِ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمُخَالِفَ

[5109] قَوْلُهُ لَا يَجْمَعُ وَلَا يَنْكِحُ كُلُّهُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ عَنِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ

(9/161)


[5110] قَوْلُهُ عَلَى عَمَّتِهَا ظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِمَا إِذَا تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَنْعُ تَزْوِيجِهِمَا مَعًا فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِعَقْدٍ بطلا أَو مُرَتبا بَطل الثَّانِي قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ فَنُرَى بِضَمِّ النُّونِ أَيْ نَظُنُّ وَبِفَتْحِهَا أَيْ نَعْتَقِدُ قَوْلُهُ خَالَةُ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ أَيْ مِنَ التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ لِأَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي إِلَخْ فِي أَخْذِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ إِلْحَاقَ مَا يُحَرَّمُ بِالصِّهْرِ بِمَا يُحَرَّمُ بِالنَّسَبِ كَمَا يُحَرَّمُ بِالرَّضَاعِ مَا يُحَرُّمُ بِالنَّسَبِ وَلَمَّا كَانَتْ خَالَةُ الْأَبِ مِنَ الرَّضَاعِ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا فَكَذَلِكَ خَالَةُ الْأَبِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَين بنت بن أَخِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ قَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَخَصُّوا بِهَا عُمُومَ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُم وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَانْفَصَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهَا وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ الشِّغَارِ)
بِمُعْجَمَتَيْنِ مَكْسُورُ الْأَوَّلِ

[5112] قَوْلُهُ نهى عَن الشّغَار فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ مُرَادُ مَنْ حَذَفَهُ قَوْلُهُ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ إِلَخْ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ جَمِيعُ رُوَاةِ مَالِكٍ عَنْهُ قُلْتُ وَلَا يَرُدُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَهُ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ فَلَمْ يَذْكُرِ التَّفْسِيرَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى لِأَنَّهُمَا اخْتَصَرَا ذَلِكَ فِي تَصْنِيفِهِمَا وَإِلَّا فَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ بِالتَّفْسِيرِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ نَعَمُ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ فَالْأَكْثَرُ لَمْ يَنْسُبُوهُ لِأَحَدٍ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لَا أَدْرِي التَّفْسِيرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَن بن عُمَرَ أَوْ عَنْ نَافِعٍ أَوْ عَنْ مَالِكٍ وَنَسَبَهُ مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ وَغَيْرُهُ لِمَالِكٍ قَالَ الْخَطِيبُ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وُصِلَ بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوعِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بن مَهْدِيٍّ وَالْقَعْنَبِيُّ وَمُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ ثُمَّ سَاقَهُ كَذَلِكَ عَنْهُمْ وَرِوَايَةُ مُحْرِزِ بْنِ عَوْنٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْمُوَطَّآتِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَّ الشِّغَارِ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ إِلَخْ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ مَنْقُولِ مَالِكٍ لَا مِنْ مَقُولِهِ ووقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ تَرْكِ الْحِيَلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ وَلَفْظُهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا الشِّغَارُ فَذَكَرَهُ فَلَعَلَّ مَالِكًا أَيْضًا نَقَلَهُ عَنْ نَافِعٍ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَهُوَ نَافِعٌ قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَرْفَعْهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَرْفُوعًا فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ فَعِنْدَ مُسلم من رِوَايَة أبي أُسَامَة وبن نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مثله سَوَاء قَالَ وَزَاد بن نمير

(9/162)


وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجَكَ ابْنَتِي وَزَوَّجَنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجَكَ أُخْتِي وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَيَرْجِعُ إِلَى نَافِعٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ وُرُودُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ وَأَبَانٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بن يزِيد عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نُهِيَ عَنِ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يَنْكِحَ هَذِهِ بِهَذِهِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ بُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ وَبُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُشَاغَرَةِ وَالْمُشَاغَرَةُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْ هَذَا مِنْ هَذِهِ وَهَذِهِ مِنْ هَذَا بِلَا مَهْرٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَهُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَمَقْبُولٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ اه وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الشِّغَارِ الْمَمْنُوعِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِهِ فَإِنَّ فِيهِ وصفين أَحدهمَا تَزْوِيج كل مِنَ الْوَلِيَّيْنِ وَلِيَّتَهُ لِلْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ وَالثَّانِي خُلُوُّ بُضْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الصَّدَاقِ فَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا حَتَّى لَا يَمْنَعَ مِثْلًا إِذَا زَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الصَّدَاقَ أَوْ زَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالشَّرْطِ وَذَكَرَ الصَّدَاقَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبُضْعِ لِأَنَّ بُضْعَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَجَعْلُ الْبُضْعِ صَدَاقًا مُخَالِفٌ لَا يُرَادُ عَقْدُ النِّكَاحِ وَلَيْسَ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ تَرْكَ ذِكْرِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِذِكْرِ الْبُضْعِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمُ الصِّحَّةُ وَلَكِنْ وُجِدَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى خِلَافِهِ وَلَفْظُهُ إِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوِ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ لِآخَرَ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بُضْعُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنْهُمَا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ هَكَذَا سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّفْسِيرِ الْمَنْقُولِ فِي الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إِذَا سَمَّى مَعَ ذَلِكَ مَهْرًا فَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى الْبُطْلَانِ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ الصِّحَّةُ وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي النَّقْلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَنْ يَنْقُلُ الْخِلَافَ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ وَقَالَ الْقَفَّالُ الْعِلَّةُ فِي الْبُطْلَانِ التَّعْلِيقُ وَالتَّوْقِيفُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا يَنْعَقِدُ لَكَ نِكَاحُ بِنْتِي حَتَّى يَنْعَقِدَ لِي نِكَاحُ بنتك وَقَالَ الْخطابِيّ كَانَ بن أبي هُرَيْرَة يُشبههُ بِرَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَيَسْتَثْنِي عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِي فَسَادِهِ وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ وَيَسْتَثْنِي بُضْعَهَا حَيْثُ يَجْعَلُهُ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ صُورَتُهُ الْكَامِلَةُ أَنْ يَقُولَ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَمَهْمَا انْعَقَدَ نِكَاحُ ابْنَتِي انْعَقَدَ نِكَاحُ ابْنَتِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلَا يَكُونَ مَعَ الْبُضْعِ شَيْءٌ آخَرُ لِيَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ الْخَرَقِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْبُطْلَانِ تَرْكُ ذكر الْمهْر وَرجح بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْعِلَّةَ التَّشْرِيكُ فِي الْبضْع وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ هُوَ ظَاهِرُ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ فِيهِ وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذُكِرَ لِمُلَازَمَتِهِ لِجِهَةِ الْفَسَادِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَفِيهِ شُعُورٌ بِأَنَّ عَدَمَ الصَّدَاقِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَة الَّذِي تقدم ذكره وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ لَا يَجُوزُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْبُطْلَانِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ يفْسخ قبل الدُّخُول لَا بعده وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ

(9/163)


إِلَى صِحَّتِهِ وَوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ أَوْ مِلْكَ يَمِينٍ فَإِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ نِكَاحٍ تَأَكَّدَ التَّحْرِيمُ تَنْبِيهٌ ذِكْرُ الْبِنْتِ فِي تَفْسِيرِ الشِّغَارِ مِثَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ذِكْرُ الْأُخْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَغَيْرِهِنَّ كالبنات فِي ذَلِك وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِأَحَدٍ أَيْ فَيَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ)
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مُجَرَّدُ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ ذكر مهر وَالثَّانِي الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَالصُّورَةُ الْأُولَى ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَلَكِنْ قَالُوا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ تَزَوَّجَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَشَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ فَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ وَأَجَابَ الْمُجِيزُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَاهِبَةَ تَخْتَصُّ بِهِ لَا مُطْلَقُ الْهِبَةِ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَطَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُمَا الصَّرِيحَانِ اللَّذَانِ وَرَدَ بِهِمَا الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْكِنَايَاتِ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لَهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِصَرَائِحِهِ وَبِكِنَايَاتِهِ مَعَ الْقَصْد

[5113] قَوْله حَدثنَا هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ خَوْلَةُ هَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكِ زَمَنَ الْقِصَّةِ لَكِنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذِهِ الطَّرِيقِ رِوَايَةَ مَنْ صَرَّحَ فِيهِ بِذِكْرِ عَائِشَةَ تَعْلِيقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ كَذَلِكَ مَوْصُولًا قَوْلُهُ بِنْتُ حَكِيم أَي بن أُمَيَّةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السِّلَمِيَّةُ وَكَانَتْ زَوْجَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَهِيَ مِنَ السَّابِقَاتِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأُمُّهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ قَوْلُهُ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ الْمَذْكُورَةِ قَالَتْ كُنْتُ أَغَارُ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَعَدُّدِ الْوَاهِبَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُنَّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ الْآتِي ذِكْرُهَا فِي الْمُعَلَّقَاتِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّهَا السَّابِقَةُ إِلَى ذَلِكَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي الْحَصْرَ الْمُطْلَقَ قَوْلُهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْمَوْصُولَةِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُعَيِّرُ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ قَوْلُهُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ بِغَيْرِ صَدَاقٍ قَوْله فَلَمَّا نزلت ترجئ من تشَاء فِي رِوَايَةِ عَبَدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ترجئ وَهَذَا

(9/164)


أَظْهَرُ فِي أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ بِهَذَا السَّبَبِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَمَلَتْ عَائِشَةَ عَلَى هَذَا التَّقْبِيحِ الْغَيْرَةُ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لِنَبِيِّهِ ذَلِكَ وَأَنَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ لَوْ مُلِكْنَ لَهُ رِقَّهُنَّ لَكَانَ قَلِيلًا قَوْلُهُ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ إِنِّي لِأَرَى رَبَّكَ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ أَيْ فِي رِضَاكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا قَوْلٌ أَبْرَزَهُ الدَّلَالُ وَالْغَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ نَوْعِ قَوْلِهَا مَا أَحْمد كَمَا وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ وَإِلَّا فَإِضَافَةُ الْهَوَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى وَلَا يَفْعَلُ بِالْهَوَى وَلَوْ قَالَتْ إِلَى مَرْضَاتِكَ لَكَانَ أَلْيَقَ وَلَكِنَّ الْغَيْرَةَ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا إِطْلَاقُ مِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبَدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بن مُسلم بن أبي الوضاح فوصلها بن مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ عَنْهُ مُخْتَصَرًا كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ قَالَتِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ حَسْبُ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ فَوَصَلَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ بِتَمَامِ الْحَدِيثِ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ وَفَائِدَةٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبَدَةَ وَهُوَ بن سُلَيْمَان فوصلها مُسلم وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ وَهِيَ نَحْوُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن بشر 3

(قَوْلُهُ بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ)
كَأَنَّهُ يَحْتَجُّ إِلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ شَيْئًا غير حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ الْمَنْعِ كَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ عَلَى شَرْطِهِ

[5114] قَوْلُهُ أخبرنَا عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ قَوْلُهُ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ مِنْ طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَفِي رِوَايَة عَطاء الْمَذْكُورَة عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ وَتَقَدَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ وَزَاد وبنا بِهَا وَهِيَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ إِنَّ أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ بِأَيِّ شَيْء يدْفع حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْ مَعَ صِحَّتِهِ قَالَ فَقَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَان بن الْمسيب يَقُول وهم بن عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةُ تَقُولُ تَزَوَّجَنِي وَهُوَ حَلَالٌ اه وَقد عَارض حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدِيثُ عُثْمَانَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ بن عَبَّاس يحمل حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ جَاءَتْ من طرق شَتَّى وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّ الْوَهْمَ إِلَى الْوَاحِدِ أَقْرَبُ إِلَى الْوَهْمِ مِنَ الْجَمَاعَةِ فَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْخَبَرَيْنِ أَنْ يَتَعَارَضَا فَتُطْلَبُ الْحُجَّةُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَحَدِيثُ عُثْمَانَ صَحِيحٌ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اه وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ مُلَخَّصًا وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ عُثْمَانَ عَلَى الْوَطْءِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوله لَا يُنْكَحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَلَا يَخْطُبُ وَوَقَعَ فِي صَحِيح بن حِبَّانَ زِيَادَةٌ وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ وَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ عُثْمَان بِأَنَّهُ تقعيد قَاعِدَة وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ وَاقِعَةُ عَيْنٍ تَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ فَمِنْهَا أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ يَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَلَّدَ الْهَدْيَ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ الَّتِي تَزَوَّجَ فِيهَا مَيْمُونَةَ فَيَكُونُ

(9/165)


إِطْلَاقُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ قَلَّدَ الْهَدْي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَبَا رَافِعٍ يَخْطُبُهَا فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَزَوَّجَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَطَرٍ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ مُرْسلا وَمِنْهَا أَن قَول بن عَبَّاسٍ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ دَاخِلَ الْحَرَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَالَ الْأَعْشَى قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا أَيْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَام وَقَالَ آخر قتلوا بن عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا أَيْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيل جنح بن حِبَّانَ فَجَزَمَ بِهِ فِي صَحِيحِهِ وَعَارَضَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَكَانَت خَاله كَمَا كَانَت خَالَة بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَال قَالَ وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَة بن عَبَّاس وَأما أثر بن الْمُسَيَّبِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ذهل بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَتْ خَالَتَهُ مَا تَزَوَّجَهَا إِلَّا بعد مَا أَحَلَّ قَالَ الطَّبَرِيُّ الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ فَاسِدٌ لِصِحَّةِ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَأَمَّا قِصَّةُ مَيْمُونَةَ فَتَعَارَضَتِ الْأَخْبَارَ فِيهَا ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ قَالَ أُنْبِئْتُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي زَوَاجِ مَيْمُونَةَ إِنَّمَا وَقَعَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ إِلَى الْعَبَّاسِ لِيُنْكِحَهَا إِيَّاهُ فَأَنْكَحَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْكَحَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بعد مَا أَحْرَمَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ مُحْرِمٍ نَكَحَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا عَنْ ثَبْتٍ تَنْبِيه قدمت فِي الْحَج أَن حَدِيث بن عَبَّاسٍ جَاءَ مِثْلُهُ صَحِيحًا عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَزَّارُ من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَأَكْثَرُ مَا أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فِيهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأسود عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قُلْتُ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنْتَ أَمْلَيْتَ عَلَيْنَا مِنَ الرُّقْعَةِ لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ فَقَالَ دَعْ عَائِشَةَ حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَوْلَا هَذِهِ الْقِصَّةُ لَكِنْ هُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ وَفِيهِ ضعف لكنه يعتضد بحديثي بن عَبَّاس وَعَائِشَة وَفِيه رد على قَول بن عبد الْبر أَن بن عَبَّاسٍ تَفَرَّدَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ مُرْسَلًا مِثْلُهُ أَخْرَجَهُمَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهَلْ هُوَ إِلَّا كَالْبَيْعِ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَكَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عُثْمَان

(9/166)