فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ
لِلْعَرُوسِ)
وَغَيْرِهَا أَيْ وَغَيْرِ الثِّيَابِ ذَكَرَ فِيهِ
حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ
قِلَادَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي
كِتَابِ التَّيَمُّمِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ
جِهَةِ الْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَ الْقِلَادَةِ
وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلْبُوسِ الَّذِي
يَتَزَيَّنُ بِهِ لِلزَّوْجِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ
عِنْدَ الْعُرْسِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
كِتَابِ الْهِبَةِ لِعَائِشَةَ حَدِيثٌ أَخَصُّ مِنْ هَذَا
وَهُوَ قَوْلُهَا كَانَ لِي مِنْهُنَّ أَيْ مِنَ
الدُّرُوعِ الْقِطْنِيَّةِ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَتِ
امْرَأَةٌ تَقِينُ بِالْمَدِينَةِ أَيْ تَتَزَيَّنُ إِلَّا
أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ
الِاسْتِعَارَةُ لِلْعُرْسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَيَنْبَغِي
اسْتِحْضَارُ هَذِهِ التَّرْجَمَة وحديثها هُنَا حَدِيثَ
عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً
قد تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ
التَّيَمُّمِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ جِهَةِ
الْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَ الْقِلَادَةِ وَغَيْرِهَا
مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلْبُوسِ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ
لِلزَّوْجِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْعُرْسِ
أَوْ بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ
لِعَائِشَةَ حَدِيثٌ أَخَصُّ مِنْ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهَا
كَانَ لِي مِنْهُنَّ أَيْ مِنَ الدُّرُوعِ الْقِطْنِيَّةِ
دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تَقِينُ
بِالْمَدِينَةِ أَيْ تَتَزَيَّنُ إِلَّا أَرْسَلَتْ
إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ
الِاسْتِعَارَةُ لِلْعُرْسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَيَنْبَغِي
استحضار هَذِه التَّرْجَمَة وحديثها هُنَا قَوْلُهُ بَابُ
مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ أَيْ جَامَعَ
[5165] قَوْلُهُ عَنْ شَيْبَانَ هُوَ بن عبد الرَّحْمَن
النَّحْوِيّ وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَفِي
الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ
هُوَ أَوَّلُهُمْ قَوْلُهُ أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ
كَذَا لِلْكُشْميهَنِيِّ هُنَا وَلِغَيْرِهِ بِحَذْفِ
أَنَّ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ رِوَايَةِ
هَمَّامٍ عَنْ مَنْصُورٍ بِحَذْفِ لَوْ وَلَفْظُهُ أَمَا
أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ
جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ
لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ
أَهْلَهُ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِغَيْرِهَا مِنَ
الرِّوَايَاتِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَبْلَ
الشُّرُوعِ قَوْلُهُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ فِي رِوَايَةِ
إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
أَمَا أَنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ يَقُولُ حِينَ يُجَامع أَهله
وَهُوَ ظَاهر فِي أَنَّ الْقَوْلَ يَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ
لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ وَعِنْدَهُ فِي
رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَنْصُورٍ لَوْ
أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ ذَكَرَ
اللَّهَ قَوْلُهُ
(9/228)
بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي فِي
رِوَايَةِ رَوْحٍ ذَكَرَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ
جَنِّبْنِي وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ فِي
بَدْءِ الْخَلْقِ جَنِّبْنِي بِالْإِفْرَادِ أَيْضًا وَفِي
رِوَايَةِ هَمَّامٍ جَنِّبْنَا قَوْلُهُ الشَّيْطَانُ فِي
حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ
جَنِّبْنِي وَجَنِّبْ مَا رَزَقْتَنِي مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ قَوْلُهُ ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ
أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ كَذَا بِالشَّكِّ وَزَادَ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنُهَمَا
فِي ذَلِكَ أَيِ الْحَالِ وَلَدٌ وَفِي رِوَايَةِ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ فَإِنْ قَضَى
اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَلَدًا وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ
إِسْرَائِيلَ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَإِنْ كَانَ
بَيْنَهُمَا وَلَدٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ فَإِنَّهُ
إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ وَفِي
رِوَايَةِ جَرِيرٍ ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ وَالْبَاقِي
مِثْلُهُ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ
وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ فَرُزِقَا وَلَدًا قَوْلُهُ لَمْ
يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا كَذَا بِالتَّنْكِيرِ
وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ
شُعْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ لَمْ يُسَلَّطْ
عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ أَوْ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ
وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ
وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
وَإِسْرَائِيلَ وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ
الشَّيْطَانِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي
لَفْظِ الدُّعَاءِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْعُمِّيِّ عَنْ مَنْصُورٍ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ
الشَّيْطَانُ أَبَدًا وَفِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ أَهْلَهُ
فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا
فِيمَا رَزَقَتْنَا وَلَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبًا
فِيمَا رَزَقْتَنَا فَكَانَ يُرْجَى إِنْ حَمَلَتْ أَنْ
يَكُونَ وَلَدًا صَالِحًا وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَرِ
الْمَنْفِيِّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَا نَقَلَ
عِيَاضٌ عَلَى عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي
أَنْوَاعِ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَمْلِ
عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ مِنْ صِيغَةِ النَّفْيِ مَعَ
التَّأْبِيدِ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي
بَدْءِ الْخَلْقِ إِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ
الشَّيْطَانُ فِي بَطْنِهِ حِينَ يُولَدُ إِلَّا مَنِ
اسْتَثْنَى فَإِنَّ فِي هَذَا الطَّعْنِ نَوْعَ ضَرَرٍ فِي
الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ صُرَاخِهِ ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْمَعْنَى لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْلِ بَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ بَلْ يَكُونُ مِنْ
جُمْلَةِ الْعِبَادِ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَيُؤَيِّدُهُ
مُرْسَلُ الْحَسَنِ الْمَذْكُورُ وَقِيلَ الْمُرَادُ لَمْ
يُطَعْنَ فِي بَطْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمُنَابَذَتِهِ
ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ تَخْصِيصُهُ
بِأَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِ هَذَا وَقِيلَ الْمُرَادُ لَمْ
يَصْرَعْهُ وَقِيلَ لَمْ يضرّهُ فِي بدنه وَقَالَ بن
دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضُرَّهُ فِي
دِينِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ يُبْعِدُهُ انْتِفَاءُ
الْعِصْمَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ مَنْ خُصَّ
بِالْعِصْمَةِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ لَا بِطَرِيقِ
الْجَوَازِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُوجَدَ مَنْ لَا يَصْدُرُ
مِنْهُ مَعْصِيَةٌ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
وَاجِبًا لَهُ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى لَمْ
يَضُرَّهُ أَيْ لَمْ يَفْتِنْهُ عَنْ دِينِهِ إِلَى
الْكُفْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عِصْمَتَهُ مِنْهُ عَنِ
الْمَعْصِيَةِ وَقِيلَ لَمْ يَضُرَّهُ بِمُشَارَكَةِ
أَبِيهِ فِي جِمَاعِ أُمِّهِ كَمَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ
أَنَّ الَّذِي يُجَامِعُ وَلَا يُسَمِّي يَلْتَفُّ
الشَّيْطَانُ عَلَى إِحْلِيلِهِ فَيُجَامِعُ مَعَهُ
وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ وَيَتَأَيَّدُ
الْحَمْلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْكَثِيرَ مِمَّنْ
يَعْرِفُ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ يَذْهَلُ عَنْهُ
عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُوَاقَعَةِ وَالْقَلِيلُ الَّذِي
قَدْ يَسْتَحْضِرُهُ وَيَفْعَلُهُ لَا يَقَعُ مَعَهُ
الْحَمْلُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ نَادِرًا لَمْ يَبْعُدْ
وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ
التَّسْمِيَةِ وَالدُّعَاءِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ
حَتَّى فِي حَالَةِ الْمَلَاذِّ كَالْوِقَاعِ وَقَدْ
تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ
وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَفِيهِ الِاعْتِصَامُ بِذِكْرِ
اللَّهِ وَدُعَائِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالتَّبَرُّكِ
بِاسْمِهِ وَالِاسْتِعَاذَةُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ
الْأَسْوَاءِ وَفِيهِ الِاسْتِشْعَارُ بِأَنَّهُ
الْمُيَسِّرُ لِذَلِكَ الْعَمَلُ وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ مُلَازِمٌ
لِابْنِ آدَمَ لَا يَنْطَرِدُ عَنْهُ إِلَّا إِذَا ذَكَرَ
اللَّهَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْعِ الْمُحْدِثِ أَنْ
يَذْكُرَ اللَّهَ وَيَخْدِشُ فِيهِ الرِّوَايَةِ
الْمُتَقَدِّمَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَهُوَ
نَظِيرٌ مَا وَقَعَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَ الْخَلَاءِ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَى
الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ
وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ
بِمَا يُغْنِي عَن اعادته
(9/229)
(قَوْلُهُ بَابٌ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ
رَفَعَهُ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَالثَّانِيَةُ مَعْرُوفٌ
وَالثَّالِثَةُ فَخْرٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ
الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَعْرَجِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَرُّ
الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى الْغَنِيُّ
وَيُتْرَكُ الْمِسْكِينُ وَهِيَ حَقٌّ الْحَدِيثَ
وَلِأَبِي الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ
مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ
الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ فَمَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ
فَقَدْ عَصَى الْحَدِيثَ وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ زُهَيْرِ
بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ وَشَوَاهِدُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ
أَبْوَابٍ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ
لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ
لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ وَسَنَدُهُ لَا بَأْس بِهِ
قَالَ بن بَطَّالٍ قَوْلُهُ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ أَيْ
لَيْسَتْ بِبَاطِلٍ بَلْ يُنْدَبُ إِلَيْهَا وَهِيَ
سُنَّةٌ فَضِيلَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ
الْوُجُوبَ ثُمَّ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا
أَوْجَبَهَا كَذَا قَالَ وَغَفَلَ عَنْ رِوَايَةٍ فِي
مَذْهَبِهِ بِوُجُوبِهَا نَقَلَهَا الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ
إِنَّ مَشْهُور الْمَذْهَب أَنَّهَا مَنْدُوبَة وبن
التِّينِ عَنْ أَحْمَدَ لَكِنِ الَّذِي فِي الْمُغْنِي
أَنَّهَا سنة بل وَافق بن بَطَّالٍ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ
بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ هِيَ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهَا عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَلِأَنَّ الْإِجَابَةَ إِلَيْهَا
وَاجِبَةٌ فَكَانَتْ وَاجِبَةً وَأَجَابَ بِأَنَّهُ
طَعَامٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ
الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى
الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلِكَوْنِهِ
أَمَرَهُ بِشَاةٍ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا
وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَلَا أَصْلَ لَهُ قُلْتُ
وَسَأَذْكُرُ مَزِيدًا فِي بَابِ إِجَابَةِ الدَّاعِي
قَرِيبًا وَالْبَعْضُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ هُوَ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ
جَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ ظَاهِرُ
نَصِّ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ عَنِ النَّصِّ أَيْضًا
الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ قَول
أهل الظَّاهِر كَمَا صرح بِهِ بن حَزْمٍ وَأَمَّا سَائِرُ
الدَّعَوَاتِ غَيْرِهَا فَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ
بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ وَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ هَذَا
طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ نَفْسِهِ وَمَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا
وَسَأَذْكُرُ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَالْمُرَادُ
مِنْهُ وُرُودُ صِيغَةِ الْأَمْرِ بِالْوَلِيمَةِ
وَأَنَّهُ لَوْ رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا لَمَا وَقَعَ
الْأَمْرُ بِاسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الدُّخُولِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِهَا هَلْ هُوَ عِنْد
العقد
(9/230)
أَوْ عَقِبِهِ أَوْ عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ
عَقِبِهِ أَوْ مُوَسَّعٌ مِنِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إِلَى
انْتِهَاءِ الدُّخُولِ عَلَى أَقْوَالٍ قَالَ النَّوَوِيُّ
اخْتَلَفُوا فَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ اسْتِحْبَابُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَعَنْ
جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعند بن
حبيب عِنْد العقد وَبعد الدُّخُول وَقَالَ فِي مَوْضِعٌ
آخَرُ يَجُوزُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَذَكَرَ بن
السُّبْكِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَمْ أَرَ فِي كَلَامِ
الْأَصْحَابِ تَعَيُّنَ وَقْتِهَا وَأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ
مِنْ قَوْلِ الْبَغَوِيِّ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ
جَائِزٌ فِي الْعَقْدِ وَالزِّفَافِ قَبْلُ وَبَعْدُ
قَرِيبًا مِنْهُ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ
الْعَقْدِ قَالَ وَالْمَنْقُولُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا بَعْدَ
الدُّخُولِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ زَيْنَبَ
بِنْتِ جَحْشٍ وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ
فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ اه وَمَا نَفَاهُ مِنْ تَصْرِيحِ
الْأَصْحَابِ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ صَرَّحَ
بِأَنَّهَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي هَذَا
الْبَابِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ
لِقَوْلِهِ فِيهِ أَصْبَحَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ فَدَعَا
الْقَوْمَ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ
تَكُونَ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَيَقَعُ الدُّخُولُ عَقِبَهَا
وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَيُؤَيِّدُ
كَوْنَهَا لِلدُّخُولِ لَا لِلْإِمْلَاكِ أَنَّ
الصَّحَابَةَ بَعْدَ الْوَلِيمَةِ تَرَدَّدُوا هَلْ هِيَ
زَوْجَةٌ أَوْ سُرِّيَّةٌ فَلَوْ كَانَتِ الْوَلِيمَةُ
عِنْدَ الْإِمْلَاكِ لَعَرَفُوا أَنَّهَا زَوْجَةٌ لِأَنَّ
السُّرِّيَّةَ لَا وَلِيمَةَ لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا
عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ
[5166] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَقْدَمَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْبِ عَلَى
الظَّرْفِ أَيْ زَمَانَ قُدُومِهِ وَسَيَأْتِي فِي
الْأَشْرِبَةِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنا بن عشر سِنِين وَمَات
وَأَنا بن عِشْرِينَ وَتَقَدَّمَ قَبْلَ بَابَيْنِ فِي
الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّهُ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَيَأْتِي فِي كتاب الْأَدَب
مِنْ طَرِيقِ سَلَامِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفٍّ
قَطُّ الْحَدِيثَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي حَدِيثٍ آخِرُهُ
قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ مُدَّةَ
خِدْمَتِهِ كَانَتْ تِسْعَ سِنِينَ وَبَعْضَ أَشْهُرٍ
فَأَلْغَى الزِّيَادَةَ تَارَةً وَجَبَرَ الْكَسْرَ
أُخْرَى قَوْلُهُ فَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَعْنِي أُمَّهُ
وَخَالَتَهُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا وَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُ
مُلَيْكَةَ جَدَّتَهِ فَهِيَ مُرَادَةٌ هُنَا لَا
مَحَالَةَ قَوْلُهُ يُوَاظِبْنَنِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ
بِظَاءٍ مُشَالَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ نُونَيْنِ مِنَ
الْمُوَاظَبَةِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ
بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٍ مَهْمُوزَةٍ بَدَلَ
الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْمُوَاطَأَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ
وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يُوَطِّنَّنِي
بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنُونَيْنِ الْأُولَى
مُشَدَّدَةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْوَاوِ وَلَا حَرْفَ
آخَرَ بَعْدَ الطَّاءِ مِنَ التَّوْطِينِ وَفِي لَفْظٍ
لَهُ مِثْلُهُ لَكِنْ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا
النُّونَانِ مِنَ التَّوْطِئَةِ تَقُولُ وَطْأَتُهُ عَلَى
كَذَا أَيْ حَرَّضْتُهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَكُنْتُ
أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ تَقَدَّمَ
الْبَحْثُ فِيهِ وَبَسْطُ شَرْحِهِ فِي تَفْسِير سُورَة
الْأَحْزَاب
(9/231)
(قَوْلُهُ بَابُ الْوَلِيمَةِ وَلَوْ
بِشَاةٍ)
أَيْ لِمَنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ
فِيهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ
أَحَادِيثَ كُلَّهَا عَنْ أَنَسٍ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي
قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَطَعَهَا
قِطْعَتَيْنِ
[5167] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ بن الْمَدِينِيّ
وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ
حُمَيْدٍ لَهُ وَسَمَاعِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فَأُمِنَ
تَدْلِيسُهُمَا لَكِنَّهُ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ فَذَكَرَ
فِي الْأَوَّلِ سُؤَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ قَدْرِ
الصَّدَاقِ وَفِي الثَّانِي أَوَّلَ الْقِصَّةِ قَالَ
لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ الْمُهَاجِرُونَ
عَلَى الْأَنْصَارِ وَعَبَّرَ فِي هَذَا بِقَوْلِهِ وَعَنْ
حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا كَمَا قَالَ فِي
الَّذِي قَبْلَهُ وَهَذَا مَعْطُوفٌ فِيمَا جَزَمَ بِهِ
الْمِزِّيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ سَمِعْتُ أَنَسًا وَسَاقَ
الْحَدِيثَيْنِ مَعًا وَأَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي
الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ سُفْيَانَ بِالْحَدِيثِ كُلِّهِ
مُفَرَّقًا وَقَالَ فِي كُلِّ مِنْهُمَا حَدَّثَنَا
حُمَيْدٌ أَنَّهُ سمع أنسا وَقد أخرجه بن أَبِي عُمَرَ فِي
مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ وَمِنْ طَرِيقِهِ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ
وَسَاقَ الْجَمِيعُ حَدِيثًا وَاحِدًا وَقَدَّمَ
الْقِصَّةَ الثَّانِيَةَ على الأولى كَمَا فِي رِوَايَة
غَيْرِ سُفْيَانَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ
النِّكَاحِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ وَفِي بَابِ
الصُّفْرَةِ لِلْمُتَزَوِّجِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي
فَضْلِ الْأَنْصَارِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ وَفِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ رِوَايَةِ
زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنْ
رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ
وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ
حُمَيْدٍ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا يُدْعَى
لِلْمُتَزَوِّجِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ وَفِي بَابِ
وَآتُوا النِّسَاءَ صدقاتهن مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَقَتَادَةَ كُلُّهُمْ عَنْ
أَنَسٍ وَأَوْرَدَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نَفْسِهِ
وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ فَائِدَةٍ
زَائِدَةٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ فِي الْكَلَامِ
عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ بَيَانُ مَنْ زَادَ فِي رِوَايَتِهِ
فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ وَأَكْثَرُ الطُّرُقِ تَجْعَلُهُ مِنْ
مُسْنَدِ أَنَسٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ
الطُّرُقِ أَنَّهُ حَضَرَ الْقِصَّةَ وَإِنَّمَا نُقِلَ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ لَهُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَيِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَفِي
رِوَايَة بن سَعْدٍ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ الْمَدِينَةَ قَوْلُهُ نَزَلَ الْمُهَاجِرُونَ
عَلَى الْأَنْصَارِ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ
الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فِي رِوَايَةِ
زُهَيْرٍ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ
الْمَدِينَةُ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ
الْأَنْصَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَآخَى
وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ
وَالطَّبَرَانِيِّ آخَى
(9/232)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَآخَى بَيْنَ
سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ جَعْفَرٍ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ فَآخَى زَادَ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَته وَكَانَ سعد
ذَا غنا وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ
لَقَدْ عَلِمَتِ الْأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا
مَالًا وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فِي
فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ وَقِصَّةُ مَوْتِهِ فِي غَزْوَةِ
أَحَدٍ وَوَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ عُثْمَانُ
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِي حَائِطَيْنِ الْحَدِيثَ
وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ
قَوْلُهُ قَالَ أُقَاسِمُكَ مَالِي وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ
إِحْدَى امْرَأَتَيَّ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ فَانْطَلَقَ
بِهِ سَعْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَا
وَقَالَ لِيَ امْرَأَتَانِ وَأَنْتَ أَخِي لَا امْرَأَةَ
لَكَ فَأَنْزِلُ عَنْ إِحْدَاهُمَا فَتَتَزَوَّجَهَا قَالَ
لَا وَاللَّهِ قَالَ هَلُمَّ إِلَى حَدِيقَتِي
أُشَاطِرْكَهَا قَالَ فَقَالَ لَا وَفِي رِوَايَةِ
الثَّوْرِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاسِمَهُ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ
وَلِيَ امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ
فَأُطَلِّقُهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْهَا وَفِي
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَقْسِمُ لَكَ
نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوَيْتَ
فَأَنْزِلُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا
وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَفِي
لَفْظٍ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي
فَأُطَلِّقْهَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا
فَتَزَوَّجْهَا وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيْ
أَخِي أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالًا
فَانْظُرْ شَطْرَ مَالِي فَخُذْهُ وَتَحْتِي امْرَأَتَانِ
فَانْظُرْ أَيَّهُمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ حَتَّى
أُطَلِّقَهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ امْرَأَتَيْ
سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَّا أَن بن سَعْدٍ ذَكَرَ
أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ أُمُّ سَعْدٍ
وَاسْمُهَا جَمِيلَةُ وَأُمُّهَا عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْمٍ
وَتَزَوَّجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أُمَّ سَعْدٍ فَوَلَدَتْ
لَهُ ابْنَهُ خَارِجَةَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا تَسْمِيَةُ
إِحْدَى امْرَأَتَيْ سَعْدٍ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ
فِي التَّفْسِيرِ قِصَّةَ مَجِيءِ امْرَأَةِ سَعْدِ بْنِ
الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْ سَعْدٍ لَمَّا اسْتُشْهِدَ
فَقَالَتْ إِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مِيرَاثَهُمَا
فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ وَسَمَّاهَا إِسْمَاعِيلُ
الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِسَنَدٍ لَهُ
مُرْسَلٍ عَمْرَةَ بِنْتَ حَزْمٍ قَوْلُهُ بَارَكَ اللَّهُ
فِي أَهْلِكِ وَمَالِكِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ
تِجَارَةٌ قَالَ سُوقُ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
ضَبْطُ قَيْنُقَاعَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَكَذَا فِي
رِوَايَةِ زُهَيْرٍ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ زَادَ فِي
رِوَايَةِ حَمَّادٍ فَدَلُّوهُ قَوْلُهُ فَخَرَجَ إِلَى
السُّوقِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ
أَقِطٍ وَسَمْنٍ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ فَاشْتَرَى
وَبَاعَ فَرَبِحَ فَجَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ
وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ
فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ وَفِيهِ حَذْفٌ
بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَفِي رِوَايَةِ
زُهَيْرٍ فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا
وَسَمْنًا فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ وَنَحْوُهُ
ليحيى بن سعيد وَكَذَا لِأَحْمَد عَن بن عُلَيَّةَ عَنْ
حُمَيْدٍ قَوْلُهُ فَتَزَوَّجَ زَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ تَابَعَ الْغَدْوَ يَعْنِي
إِلَى السُّوقِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَمَكَثْنَا مَا
شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرُ صُفْرَةٍ
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عُلَيَّةَ وَفِي رِوَايَةِ
الثَّوْرِيِّ وَالْأَنْصَارِيِّ فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم زَاد بن سَعْدٍ فِي سِكَّةٍ
مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ
وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ أَثَرَ صُفْرَةٍ وَفِي
رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَلَيْهِ رَدْعُ
زَعْفَرَانٍ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ
أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ خَلُوقٍ وَأَوَّلُ
حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَاشَةَ الْعُرْسِ
وَالْوَضَرَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ
وَآخِرُهُ رَاءٌ هُوَ فِي الْأَصْلِ الْأَثَرُ وَالرَّدْعُ
بِمُهْمَلَاتٍ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ سَاكِنُ الثَّانِي
هُوَ أثر الزَّعْفَرَان وَالْمرَاد بالصفرة صفرَة
الْخَلُوقِ وَالْخَلُوقُ طِيبٌ يُصْنَعُ مِنْ زَعْفَرَانٍ
وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى
(9/233)
سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَتَزَوَّجَ
امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ
حَالِيَّةٌ أَيْ سَأَلَهُ حِينَ تَزَوَّجَ وَهَذِهِ
الْمَرْأَةُ جَزَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ
النَّسَبِ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي الْحَيْسَرِ أَنَسِ بْنِ
رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَفِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْف
من طَبَقَات بن سَعْدٍ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي الْحَشَّاشِ
وَسَاقَ نَسَبَهُ وَأَظُنُّهُمَا ثِنْتَيْنِ فَإِنَّ فِي
رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ قَالَ وَلَدَتْ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْقَاسِمَ وَعَبْدَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَة
بن سَعْدٍ وَلَدَتْ لَهُ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدَ اللَّهِ
وَذَكَرَ بن الْقَدَّاحِ فِي نَسَبِ الْأَوْسِ أَنَّهَا
أُمُّ إِيَاسٍ بِنْتُ أَبِي الْحَيْسَرِ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ
وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاسْمُهُ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ
الْأَوْسِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَسَأَلَهُ
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ
الْأَنْصَارِ وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ وبن علية وبن
سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ وَمَعْنَاهُ مَا
شَأْنُكَ أَوْ مَا هَذَا وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتِفْهَامٍ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ وَهَلْ هِيَ بَسِيطَةٌ أَوْ
مَرْكَبَةٌ قَوْلَانِ لأهل اللُّغَة وَقَالَ بن مَالِكٍ
هِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَخْبِرْ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فَقَالَ لَهُ
مَهْيَمْ وَكَانَتْ كَلِمَتَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ
يَسْأَلَ عَن الشَّيْء وَوَقع فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ
مَهْيَنْ بِنُونٍ آخِرَهُ بَدَلَ الْمِيمِ وَالْأَوَّلُ
هُوَ الْمَعْرُوفُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا فِي
رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عِنْدَ أَبِي
عَوَانَةَ قَالَ مَا هَذَا وَقَالَ فِي جَوَابِهِ
تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ
وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنَ بْنَ عَوْفٍ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خُضِبَ بِالصُّفْرَةِ
فَقَالَ مَا هَذَا الْخِضَابُ أَعْرَسْتَ قَالَ نَعَمْ
الْحَدِيثَ قَوْلُهُ كَمْ أَصْدَقْتَهَا كَذَا فِي
رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَمَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَلَى كَمْ وَفِي
رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَزُهَيْرٍ مَا سُقْتَ إِلَيْهَا
وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْسِهِ وَفِي
رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ وَزْنَ
نَوَاةٍ بِنَصْبِ النُّونِ عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيْ
أَصْدَقْتُهَا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ
مُبْتَدَأٍ أَيِ الَّذِي أَصْدَقْتُهَا هُوَ قَوْلُهُ مِنْ
ذَهَبٍ كَذَا وَقَعَ الْجَزْمُ بِهِ فِي رِوَايَة بن
عُيَيْنَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ وَفِي رِوَايَةِ
زُهَيْرٍ وبن عُلَيَّةَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ
نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ نَفْسِهِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَلَى وَزْنِ
نَوَاةٍ وَعَنْ قَتَادَةَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ
ذَهَبٍ وَمِثْلُ الْأَخِيرِ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ
رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَنَسٍ عَلَى
وَزْنِ نَوَاةٍ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ مِنْ ذَهَبٍ وَرَجَّحَ الدَّاوُدِيُّ
رِوَايَةَ مَنْ قَالَ عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ
وَاسْتَنْكَرَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى وَزْنَ نَوَاةٍ
وَاسْتِنْكَارُهُ هُوَ الْمُنْكَرُ لِأَنَّ الَّذِينَ
جَزَمُوا بِذَلِكَ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ قَالَ عِيَاضٌ لَا
وَهْمَ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَوَاةَ
تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِلنَّوَاةِ قَدْرٌ
مَعْلُومٌ صَلُحَ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَزْنُ
نَوَاةٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ نَوَاةٌ
فَقِيلَ الْمُرَادُ وَاحِدَةُ نَوَى التَّمْرِ كَمَا
يُوزَنُ بِنَوَى الْخَرُّوبِ وَأَنَّ الْقِيمَةَ عَنْهَا
يَوْمَئِذٍ كَانَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَقِيلَ كَانَ
قَدْرُهَا يَوْمَئِذٍ رُبْعُ دِينَارٍ وَرُدَّ بِأَنَّ
نَوَى التَّمْرِ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ فَكَيْفَ
يُجْعَلُ مِعْيَارًا لِمَا يُوزَنُ بِهِ وَقِيلَ لَفْظُ
النَّوَاةُ مِنْ ذَهَبٍ عِبَارَةٌ عَمَّا قِيمَتُهُ
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنَ الْوَرِقِ وَجَزَمَ بِهِ
الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَنَقَلَهُ
عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ
قُوِّمَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَقِيلَ وَزْنُهَا مِنَ
الذَّهَبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ حَكَاهُ بن قُتَيْبَة وَجزم
بِهِ بن فَارِسٍ وَجَعَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ الظَّاهِرَ
وَاسْتُبْعِدَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ
ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ
الْبَيْهَقِيِّ قُوِّمَتْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا
وَإِسْنَادُهُ
(9/234)
ضَعِيفٌ وَلَكِنْ جَزَمَ بِهِ أَحْمَدُ
وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَرُبْعٌ
وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ النَّوَاةُ عِنْدَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ رُبْعُ دِينَارٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا
وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي آخِرِ
حَدِيثٍ قَالَ أَنَسٌ جَاءَ وَزْنُهَا رُبْعَ دِينَارٍ
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ النَّوَاةُ رُبْعُ النَّشِّ
وَالنَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ
دِرْهَمًا فَيَكُونُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَكَذَا قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَهِيَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا
تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً وَبِهِ جَزَمَ أَبُو
عَوَانَةَ وَآخَرُونَ قَوْلُهُ فِي آخِرَ الرِّوَايَةِ
الثَّانِيَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ لَيْسَتْ لَوْ هَذِهِ
الِامْتِنَاعِيَّةَ وَإِنَّمَا هيَ الَّتِي لِلتَّقْلِيلِ
وَزَادَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ
بَارَكَ اللَّهُ لَكَ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْلِمْ وَكَذَا
فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ
وَحُمَيْدٍ وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا
لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَكَأَنَّهُ
قَالَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ
النَّبَوِيَّةِ بِأَنْ يُبَارِكَ اللَّهُ لَهُ وَوَقَعَ
فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْرَسْتَ
قَالَ نَعَمْ قَالَ أَوْلَمْتَ قَالَ لَا فَرَمَى إِلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِنَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ فِيهِ أَنَّ الشَّاةَ مِنْ
إِعَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ
يمكر عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ
أَقَلُّ مَا يُشْرَعُ لِلْمُوسِرِ وَلَكِنَّ الْإِسْنَادَ
ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ
ثَابِتٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ قُسِمَ لِكُلِّ
امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِائَةُ أَلْفٍ
قُلْتُ مَاتَ عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَكُونُ جَمِيعُ
تَرِكَتِهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِتَرِكَةِ الزُّبَيْرِ الَّتِي
تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي فَرْضِ الْخُمُسِ قَلِيلٌ جِدًّا
فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَنَانِيرَ وَتِلْكَ
دَرَاهِمَ لِأَنَّ كَثْرَةَ مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مَشْهُورَةٌ جِدًّا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَوْكِيدِ
أَمْرِ الْوَلِيمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ
وَعَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَا
دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا تُسْتَدْرَكُ
إِذَا فَاتَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَعَلَى أَنَّ الشَّاةَ
أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ عَنِ الْمُوسِرِ وَلَوْلَا ثُبُوتُ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى
بَعْضِ نِسَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَقَلَّ مِنَ الشَّاةِ
لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ وَمَعَ
ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَادِرِ
عَلَيْهَا وَأَيْضًا فَيُعَكِّرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ
أَنَّهُ خِطَابٌ وَاحِدٌ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ هَلْ
يَسْتَلْزِمُ الْعُمُومَ أَوْ لَا وَقَدْ أَشَارَ إِلَى
ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ
عَنْهُ قَالَ لَا أَعْلَمُهُ أَمَرَ بِذَلِكَ غَيْرَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَا أَعْلَمُهُ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الْوَلِيمَةَ فَجَعَلَ
ذَلِكَ مُسْتَنِدًا فِي كَوْنِ الْوَلِيمَةِ لَيْسَتْ
بِحَتْمٍ وَيُسْتَفَادُ مِنَ السِّيَاقِ طَلَبُ تَكْثِيرِ
الْوَلِيمَةِ لِمَنْ يَقْدِرْ قَالَ عِيَاضٌ وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَأَمَّا أَقَلُّهَا
فَكَذَلِكَ وَمَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ وَالْمُسْتَحَبُّ
أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَيَسَّرَ
عَلَى الْمُوسِرِ الشَّاةُ فَمَا فَوْقَهَا وَسَيَأْتِي
الْبَحْثُ فِي تَكْرَارِهَا فِي الْأَيَّامِ بَعْدَ
قَلِيلٍ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَنْقَبَةٌ لِسَعْدِ
بْنِ الرَّبِيعِ فِي إِيثَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا
ذَكَرَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي
تَنَزُّهِهِ عَنْ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ الْحَيَاءَ
وَالْمُرُوءَةَ اجْتِنَابُهُ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا
إِلَيْهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُؤَاخَاةِ وَحُسْنِ
الْإِيثَارِ مِنَ الْغَنِيِّ لِلْفَقِيرِ حَتَّى بِإِحْدَى
زَوْجَتَيْهِ وَاسْتِحْبَابُ رَدِّ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى
مَنْ آثَرَ بِهِ لِمَا يَغْلِبُ فِي الْعَادَةِ مِنْ
تُكَلِّفِ مِثْلِ ذَلِكَ فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ
يَتَكَلَّفْ جَازَ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ
بِقَصْدٍ صَحِيحٍ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكَسُّبِ وَأَنْ لَا نَقْصَ
عَلَى مَنْ يَتَعَاطَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ
بِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ وَكَرَاهَةُ قَبُولِ مَا يَتَوَقَّعُ
مِنْهُ الذُّلُّ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ
الْعَيْشَ مِنْ عَمَلِ الْمَرْءِ بِتِجَارَةٍ أَوْ
حِرْفَةٍ أَوْلَى لِنَزَاهَةِ الْأَخْلَاقِ مِنَ الْعَيْشِ
بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ
لِلْمُتَزَوِّجِ وَسُؤَالِ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ
أَصْحَابَهُ وَأَتْبَاعَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَلَا
سِيَّمَا إِذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا لَمْ يَعْهَدْ
وَجَوَازُ خُرُوجِ الْعَرُوسِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْعُرْسِ
مِنْ خَلُوقٍ وَغَيْرِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ
التَّزَعْفُرِ لِلْعَرُوسِ وَخَصَّ بِهِ عُمُومَ النَّهْيِ
عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ
فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ
تَكُونَ تِلْكَ الصُّفْرَة
(9/235)
كَانَتْ فِي ثِيَابِهِ دُونَ جَسَدِهِ
وَهَذَا الْجَوَابُ لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ
فِي جَوَازِهِ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْبَدَنِ وَقَدْ
نَقَلَ ذَلِكَ مَالِكٌ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ
وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَإِنَّ مَفْهُومَهَ أَنَّ مَا
عَدَا الْجَسَدَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْوَعِيدُ وَمَنَعَ
مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ
تَبِعَهُمَا فِي الثَّوْبِ أَيْضًا وَتَمَسَّكُوا
بِالْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَفِيهَا مَا
هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمُدَّعِي كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ
وَعَلَى هَذَا فَأُجِيبُ عَنْ قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ
النَّهْيِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَارِيخٍ وَيُؤَيِّدُهُ
أَنَّ سِيَاقَ قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشْعِرُ
بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَأَكْثَرُ
مَنْ رَوَى النَّهْيَ مِمَّنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ
ثَانِيهَا أَنَّ أَثَرَ الصُّفْرَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ جِهَةِ
زَوْجَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ
وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَعَزَاهُ لِلْمُحَقِّقِينَ
وَجَعَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَصْلًا رَدَّ إِلَيْهِ أَحَدَ
الِاحْتِمَالَيْنِ أَبَدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ مَهْيَمْ
فَقَالَ مَعْنَاهُ مَا السَّبَبُ فِي الَّذِي أَرَاهُ
عَلَيْكَ فَلِذَلِكَ أَجَابَ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ قَالَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ لِمَا
تَقَدَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّضَمُّخِ بِالْخَلُوقِ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ تَزَوَّجْتُ أَيْ فَتَعَلَّقَ بِي
مِنْهَا وَلَمْ أَقْصِدْ إِلَيْهِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ
كَانَ قَدِ احْتَاجَ إِلَى التَّطَيُّبِ لِلدُّخُولِ عَلَى
أَهْلِهِ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ طِيبِ الرِّجَالِ حِينَئِذٍ
شَيْئًا فَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ وَصَادَفَ
أَنَّهُ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَاسْتَبَاحَ الْقَلِيلَ
مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ جَمْعًا بَيْنَ
الدَّلِيلَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ فِي التَّطَيُّبِ
لِلْجُمْعَةِ وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ فَبَقِيَ
أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَابِعُهَا كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ
يَبْقَ إِلَّا أَثَرُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ
خَامِسُهَا وَبِهِ جَزَمَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الَّذِي
يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ زَعْفَرَانٍ
وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَأَمَّا مَا كَانَ
لَيْسَ بِطِيبٍ فَهُوَ جَائِزٌ سَادِسُهَا أَنَّ النَّهْيَ
عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ لَيْسَ عَلَى التَّحْرِيمِ
بِدَلَالَةِ تَقْرِيرِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَابِعُهَا أَنَّ الْعَرُوسَ
يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ
شَابًّا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَكَانُوا
يُرَخِّصُونَ لِلشَّابِّ فِي ذَلِكَ أَيَّامَ عُرْسِهِ
قَالَ وَقِيلَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مَنْ
تَزَوَّجَ لَبِسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا عَلَامَةً
لِزَوَاجِهِ لِيُعَانَ عَلَى وَلِيمَةِ عُرْسِهِ قَالَ
وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ قُلْتُ وَفِي اسْتِفْهَامِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَنْ
ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ
بِالتَّزْوِيجِ لَكِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ
أَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ
بِلَفْظِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَرَأَى عَلَيَّ بَشَاشَةَ الْعُرْسِ فَقَالَ
أَتَزَوَّجْتَ قُلْتُ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ
الْأَنْصَارِ فَقَدْ يُتَمَسَّكُ بِهَذَا السِّيَاقِ
لِلْمُدَّعِي وَلَكِنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَفِي
أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ مَهْيَمْ أَوْ
مَا هَذَا فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبَشَاشَةُ الْعُرْسِ
أَثَرُهُ وَحُسْنُهُ أَوْ فَرَحُهُ وَسُرُورُهُ يُقَالُ
بَشَّ فُلَانٌ بِفُلَانٍ أَيْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَرِحًا
بِهِ مُلَطِّفًا بِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صَدَاقٍ لِاسْتِفْهَامِهِ
عَلَى الْكَمْيَّةِ وَلَمْ يقل هَل اصدقتها أَولا
وَيُشْعِرُ ظَاهِرُهُ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ
لِإِطْلَاقِ لَفْظِ كَمْ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّقْدِيرِ
كَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ
لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِخْبَارَ
عَنِ الْكَثْرَةِ أَوِ الْقِلَّةِ فَيُخْبِرُهُ بَعْدَ
ذَلِكَ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِ مِثْلِهِ فَلَمَّا قَالَ
لَهُ الْقَدْرَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ بَلْ أَقَرَّهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْلِيلِ
الصَّدَاقِ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ
مِنْ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِصْدَاقِهِ
وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ
كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ الْيَسَارُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ
مُلَازَمَةِ التِّجَارَةِ حَتَّى ظَهَرَتْ مِنْهُ مِنَ
الْإِعَانَةُ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ مَا اشْتَهَرَ
وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتُدِلَّ
بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُوَاعَدَةِ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ
يَتَزَوَّجَ بِهَا إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَوْفَتِ
الْعِدَّةَ لِقَوْلِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ انْظُرْ أَيَّ
زَوْجَتَيَّ أَعْجَبُ إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا
فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَزَوَّجْتَهَا وَوَقَعَ
تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ
يُنْقَلْ أَنَّ الْمَرْأَةَ عَلِمَتْ بِذَلِكَ وَلَا
سِيَّمَا وَلَمْ يَقَعْ تَعْيِينُهَا لَكِنَّ الِاطِّلَاعَ
عَلَى أَحْوَالِهِمْ إِذْ ذَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا
عَلِمَتَا مَعًا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ
آيَةِ الْحِجَابِ
(9/236)
فَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ وَلَوْلَا وُثُوقُ
سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالرِّضَا
مَا جَزَمَ بِذَلِكَ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ لَا
يَسْتَلْزِمُ الْمُوَاعَدَةَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وُقُوعُ
الْمُوَاعَدَةِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَرْأَةِ
لِأَنَّهَا إِذَا مُنِعَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ
خِطْبَتِهَا تَصْرِيحًا فَفِي هَذَا يَكُونُ بِطَرِيقِ
الْأَوْلَى لِأَنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ دَخَلَتِ
الْعِدَّةَ قَطْعًا قَالَ وَلَكِنَّهَا وَإِنِ اطَّلَعَتْ
عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
بِالْخِيَارِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ
الْمُوَاعَدَةِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَوْ
وَلِيِّهَا لَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَفِيهِ جَوَازُ
نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا تَنْبِيهٌ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ فِي
مَكَانِهِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ لَكِنْ تَعَجَّلْتُهُ
هُنَا لِتَكْمِيلِ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ
الْبُخَارِيَّ تَرْجَمَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ بَابُ
الْإِخَاءِ وَالْحَلِفِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ
طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ حُمَيْدٍ
وَاخْتَصَرَهُ فَاقْتَصَرَ مِنْهُ عَلَى
[5168] قَوْلِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ
عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ
بِشَاةٍ فَرَأَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فَظَنَّ
أَنَّهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِلٌّ فَتَرْجَمَ فِي أَبْوَابِ
الْوَلِيمَةِ ذِكْرُ الْوَلِيمَةِ لِلْإِخَاءِ ثُمَّ سَاقَ
هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ وَكَوْنُ هَذَا طُرَفًا مِنْ حَدِيثِ
الْبَابِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ
بِهَذَا الْفَنِّ وَالْبُخَارِيُّ يَصْنَعُ ذَلِكَ
كَثِيرًا وَالْأَمْرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
بِالْوَلِيمَةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الزَّوَاجِ لَا
لِأَجْلِ الْإِخَاءِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُحِبُّ لِشَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أَبَدَاهُ احْتِمَالًا وَلَا
يَحْتَمِلُ جَرَيَانُ هَذَا الِاحْتِمَالِ مِمَّنْ يَكُونُ
مُحَدِّثًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ الْحَدِيثُ
الثَّالِثُ حَدِيثُ مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ
مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ هِيَ بِنْتُ جَحْشٍ كَمَا فِي
الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَحَمَّادٌ الْمَذْكُورُ فِي
إِسْنَادِهِ هُوَ بن زَيْدٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
بِحَسَبِ الِاتِّفَاقِ لَا التَّحْدِيد كَمَا سأبينه فِي
الْبَاب الَّذِي بعده وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ
صَاحِبِ التَّنْبِيهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الشَّاةَ
حَدٌّ لِأَكْثَرِ الْوَلِيمَةِ لِأَنَّهُ قَالَ
وَأَكْمَلُهَا شَاةٌ لَكِنْ نَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ
على أَنه لَا حد لاكثرها وَقَالَ بن أَبِي عَصْرُونَ
أَقَلُّهَا لِلْمُوسِرِ شَاةٌ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْمَاضِي وَقَدْ
تَقَدَّمَ مَا فِيهِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ
[5169] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَارِث
وَشُعَيْب هُوَ بن الْحَبْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ
الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الْأَمَةِ
صَدَاقَهَا وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا
بِحَيْسٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ اتِّخَاذِ السَّرَارِيِّ
مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَمَرَ
بِالْأَنْطَاعِ فَأُلْقِيَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ
وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ وَلَا
مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ أَجْزَاءِ
الْحَيْسِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَيْسُ يُؤْخَذُ
التَّمْرُ فَيُنْزَعُ نَوَاهُ وَيُخْلَطُ بِالْأَقِطِ أَوِ
الدَّقِيقِ أَوِ السَّوِيقِ اه وَلَوْ جُعِلَ فِيهِ
السَّمْنُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ حَيْسًا الحَدِيث
الْخَامِس
[5170] قَوْله زُهَيْر هُوَ بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ
قَوْله عَن بَيَان هُوَ بن بشر الأحمسي وَوَقع فِي
رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عَنْ زُهَيْرٍ
حَدَّثَنَا بَيَانٌ قَوْلُهُ بِامْرَأَةٍ يَغْلِبُ عَلَى
الظَّنِّ أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ لِمَا تَقَدَّمَ
قَرِيبًا فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ
يَدْعُو رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ ثُمَّ تَبَيَّنَ ذَلِكَ
وَاضِحًا مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لِهَذَا
الْحَدِيثِ تَامًّا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ بَيَانِ
بْنِ بِشْرٍ فَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَى الطَّعَامِ
فَلَمَّا أَكَلُوا وَخَرَجُوا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ
جَالِسَيْنِ فَذَكَرَ قِصَّةَ نزُول يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِي
الْآيَةَ وَهَذَا فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ لَا
مَحَالَةَ كَمَا تَقَدَّمَ سِيَاقُهُ مُطَوَّلًا
وَشَرْحُهُ فِي تَفْسِير الْأَحْزَاب
(9/237)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَوْلَمَ عَلَى
بَعْضِ نِسَائِهِ أَكثر من بعض)
ذكر فِي حَدِيثَ أَنَسٍ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ
أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِشَاةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا
تَرْجَمَ لِمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقه وَأَشَارَ بن بَطَّالٍ
إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ قَصْدًا لِتَفْضِيلِ
بَعْضِ النِّسَاءِ عَلَى بَعْضِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا
اتَّفَقَ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الشَّاةَ فِي كُلٍّ
مِنْهُنَّ لَأَوْلَمَ بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَجْوَدَ
النَّاسِ وَلَكِنْ كَانَ لَا يُبَالِغُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِأُمُورِ الدُّنْيَا فِي التَّأَنُّقِ وَجَوَّزَ غَيْرُهُ
أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّ السَّبَبُ فِي تَفْضِيلِ زَيْنَبَ
فِي الْوَلِيمَةِ عَلَى غَيْرِهَا كَانَ لِلشُّكْرِ
لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ
تَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا بِالْوَحْيِ قُلْتُ وَنَفَى أَنَسٌ
أَنْ يَكُونَ لَمْ يُولِمْ عَلَى غَيْرِ زَيْنَبَ
بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَيْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا
انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُهُ أَوْ لِمَا وَقَعَ مِنَ
الْبَرَكَةِ فِي وَلِيمَتِهَا حَيْثُ أَشْبَعَ
الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا مِنَ الشَّاةِ
الْوَاحِدَةِ وَإِلَّا فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا
أَوْلَمَ عَلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ لَمَّا
تَزَوَّجَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ بِمَكَّةَ
وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَحْضُرُوا
وَلِيمَتَهَا فَامْتَنَعُوا أَنْ يَكُونَ مَا أَوْلَمَ
بِهِ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ شَاةٍ لِوُجُودِ
التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ
ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَدْ وَسَّعَ
اللَّهُ عَلَى الْمُسلمين مُنْذُ فتحهَا عَلَيْهِم وَقَالَ
بن الْمُنِيرِ يُؤْخَذُ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ النِّسَاءِ
عَلَى بَعْضِ فِي الْوَلِيمَةِ جَوَازُ تَخْصِيصِ
بَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ بِالْإتْحَافِ وَالْإلْطَافِ
وَالْهَدَايَا قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي
ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْهِبَة قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَوْلَمَ
بِأَقَلَّ مِنْ شَاةٍ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَإِنْ كَانَ
حُكْمُهَا مُسْتَفَادًا مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا لَكِنَّ
الَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ بِالتَّنْصِيصِ
[5172] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ
الْفِرْيَابِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا وَمَنْ
تَبِعَهُمَا وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ لِمَا
سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ أَهْلِ النَّقْدِ وَجَوَّزَ
الْكرْمَانِي أَن يكون سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْبِيكِنْدِيَّ وَأَيَّدَ
ذَلِك بِأَن السُّفْيَانَيْنِ رَوَيَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ
الْفِرْيَابِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ الْبَرْقَانِيُّ
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
وَوَكِيعٌ وَالْفِرْيَابِيُّ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ
الثَّوْرِيِّ فَجَعَلُوهُ مِنْ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ
شَيْبَةَ وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ
وَمُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ
عَنِ الثَّوْرِيِّ فَقَالُوا فِيهِ عَنْ صَفِيَّةُ بِنْتُ
شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
وَصَفِيَّةُ لَيْسَتْ بِصَحَابِيَّةٍ وَحَدِيثُهَا
مُرْسَلٌ قَالَ وَقَدْ نَصَرَ النَّسَائِيُّ قَوْلَ مَنْ
لَمْ يَقُلْ عَنْ عَائِشَةَ وَأَوْرَدَهُ عَنْ بُنْدَارٍ
عَن بن مَهْدِيٍّ وَقَالَ إِنَّهُ مُرْسَلٌ اه وَرِوَايَةُ
وَكِيعٍ أخرجهَا بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ
وَأَصْلَحَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِذِكْرِ عَائِشَةَ
وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ فَاعِلِهِ وَأَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَكِيمٍ الْعَدَنِيِّ وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي
فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ
كِلَاهُمَا عَنِ الثَّوْرِيِّ كَمَا قَالَ الْفِرْيَابِيُّ
وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ
الثَّوْرِيِّ بِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ وَزَعَمَ بن
الْمَوَّاقِ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ
رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ
لَيْسَ هُوَ بِدُونِ الْفِرْيَابِيِّ كَذَا قَالَ وَلَمْ
يُخْرِجْهُ النَّسَائِيُّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى
بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ مُؤَمِّلُ
(9/238)
بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِي حَدِيثِهِ عَنِ
الثَّوْرِيِّ ضَعْفٌ وَأَقْوَى مَنْ زَادَ فِيهِ عَائِشَةَ
أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ
وَالَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَائِشَةَ أَكْثَرُ
عَدَدًا وَأَحْفَظُ وَأَعْرَفُ بِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ
مِمَّنْ زَادَ فَالَّذِي يَظْهَرُ عَلَى قَوَاعِدِ
الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ
الْأَسَانِيدِ وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ التَّلِّ رَوَاهُ عَنْ
أَبِيهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ عَن مَنْصُور بن
صَفِيَّةَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَ وَهُوَ
غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ
بَعْضِ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ يَعْنِي مِنْ
مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ
شَيْبَةَ مَا حَضَرَتْ قِصَّةَ زَوَاجِ الْمَرْأَةِ
الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا كَانَتْ
بِمَكَّةَ طِفْلَةً أَوْ لَمْ تُولَدْ بَعْدُ وَتَزْوِيجُ
الْمَرْأَةِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي
بَيَانُهُ وَأَمَّا جَزْمُ الْبَرْقَانِيُّ بِأَنَّهُ
إِذَا كَانَ بِدُونِ ذِكْرِ عَائِشَةَ يَكُونُ مُرْسَلًا
فَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ النَّسَائِيُّ ثُمَّ
الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ
الَّتِي تُعَدُّ فِيمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ من
الْمَرَاسِيل وَكَذَا جزم بن سعد وبن حِبَّانَ بِأَنَّ
صَفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ تَابِعِيَّةٌ لَكِنْ ذَكَرَ
الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ
أَخْرَجَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ فِي تَحْرِيمِ مَكَّةَ قَالَ
وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلُهُ قَالَ وَوَصَلَهُ بن مَاجَهْ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ قُلْتُ وَكَذَا وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
التَّارِيخِ ثُمَّ قَالَ الْمِزِّيُّ لَوْ صَحَّ هَذَا
لَكَانَ صَرِيحًا فِي صُحْبَتِهَا لَكِنَّ أَبَانَ بْنَ
صَالِحٍ ضَعِيفٌ كَذَا أَطْلَقَ هُنَا وَلَمْ يَنْقُلْ فِي
تَرْجَمَةِ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ فِي التَّهْذِيبِ
تَضْعِيفُهُ عَنْ أَحَدٍ بَلْ نَقَلَ تَوْثِيقَهُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي زُرْعَةَ
وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ
التَّهْذِيبِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا ضَعَّفَ أَبَانَ بْنَ
صَالح وَكَأَنَّهُ لم يقف على قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي
التَّمْهِيدِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي
اسْتِقْبَالِ قَاضِي الْحَاجَةِ الْقِبْلَةَ مِنْ
رِوَايَةِ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ الْمَذْكُورِ هَذَا لَيْسَ
صَحِيحًا لِأَنَّ أَبَانَ بْنَ صَالِحٍ ضَعِيفٌ كَذَا
قَالَ وَكَأَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ بِأَبَانِ بْنِ
أَبِي عَيَّاشٍ الْبَصْرِيِّ صَاحِبِ أَنَسٍ فَإِنَّهُ
ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ حَدِيثًا
وَرُوَاةً مِنْ أَبَانِ بن صَالح وَلِهَذَا لما ذكر بن
حَزْمٍ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ
أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ قُلْتُ
وَلَكِنْ يَكْفِي تَوْثِيق بن مَعِينٍ وَمَنْ ذَكَرَ لَهُ
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَيْضا بن جُرَيْجٍ وَأُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَأَشْهَرُ مَنْ رَوَى
عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ ذَكَرَ
الْمِزِّيُّ أَيْضًا حَدِيثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ
قَالَتْ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ
وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ أخرجه أَبُو دَاوُد وبن مَاجَهْ
قَالَ الْمِزِّيُّ هَذَا يُضَعِّفُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ
أَنْ يَكُونَ لَهَا رُؤْيَةٌ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ حَسَنٌ
قُلْتُ وَإِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَبَطَتْ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ
أَنْ تَسْمَعَ خِطْبَتَهُ وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً
قَوْلُهُ عَن مَنْصُور بن صَفِيَّةَ هِيَ أُمُّهُ وَاسْمُ
أَبِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أبي طَلْحَة الْقرشِي الْعَبدَرِي
الحجي قُتِلَ جَدُّهُ الْأَعْلَى الْحَارِثُ يَوْمَ أُحُدٍ
كَافِرًا وَكَذَا أَبُوهُ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ
وَلِجَدِّهِ الْأَدْنَى طَلْحَةَ بْنِ الْحَارِثِ رُؤْيَةٌ
وَقَدْ أَغْفَلَ ذِكْرَهُ مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ
وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ فِي رِجَالِ
الْبُخَارِيِّ لِلْكَلَابَاذِيِّ أَنَّهُ مَنْصُورُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ كَمَا
نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّضِيُّ الشَّاطِبِيُّ فِيمَا
قَرَأْتُ بِخَطِّهِ قَوْلُهُ أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ لَمْ
أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ اسْمِهَا صَرِيحًا وَأَقْرَبُ مَا
يُفَسَّرُ بِهِ أم سَلمَة فقد أخرج بن سَعْدٍ عَنْ
شَيْخِهِ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدٍ لَهُ إِلَى أُمِّ
سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا خَطَبَنِي النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةَ تَزْوِيجِهِ
بِهَا فَأَدْخَلَنِي بَيْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ
فَإِذَا جَرَّةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ فَأَخَذْتُهُ
فَطَحَنْتُهُ ثُمَّ عَصَدْتُهُ فِي الْبُرْمَةِ وَأَخَذْتُ
شَيْئًا مِنْ إِهَالَةٍ فَأَدَمْتُهُ فَكَانَ ذَلِكَ
طَعَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ بن سَعْدٍ أَيْضًا وَأَحْمَدُ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ
أَخْبَرَتْهُ فَذَكَرَ قِصَّةَ خِطْبَتِهَا وَتَزْوِيجِهَا
وَفِيهِ قَالَتْ فَأَخَذْتُ
(9/239)
ثَفَالِي وَأَخْرَجْتُ حَبَّاتٍ مِنْ
شَعِيرٍ كَانَتْ فِي جَرَّتِي وَأَخْرَجْتُ شَحْمًا
فَعَصَدْتُهُ لَهُ ثُمَّ بَاتَ ثُمَّ أَصْبَحَ الْحَدِيثَ
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ
الْمَقْصُودَ هُنَا وَأَصْلَهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ بِدُونِهِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ أَوْلَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِتَمْرٍ
وَسَمْنٍ فَهُوَ وَهْمٌ مِنْ شَرِيكٍ لِأَنَّهُ كَانَ سيء
الْحِفْظِ أَوْ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ جَنْدَلُ
بْنُ وَالِقٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا وَالْبَزَّارَ ضَعَّفَاهُ
وَقَوَّاهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَالْبُسْتِيُّ
وَإِنَّمَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ كَذَلِكَ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ
بِلَالٍ وَغَيْرِهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مُخْتَصَرًا
وَقَدْ تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ
لِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
أَنَسٍ وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنِسَائِهِ مَا
هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَيْ مَنْ يُنْسَبُ
إِلَيْهِ مِنَ النِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ
قَالَتْ لَقَدْ أَوْلَمَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ فَمَا
كَانَتْ وَلِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَفْضَلَ مِنْ
وَلِيمَتِهِ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِشَطْرِ
شَعِيرٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُدَّيْنِ نِصْفُ الصَّاعِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ شَطْرَ صَاعٍ فَيَنْطَبِقُ عَلَى
الْقِصَّةِ الَّتِي فِي الْبَابِ وَتَكُونُ نِسْبَةُ
الْوَلِيمَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَازِيَّةً إِمَّا لِكَوْنِهِ
الَّذِي وَفَّى الْيَهُودِيَّ ثَمَنَ شَعِيرِهِ أَوْ
لِغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ كَذَا
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنِ
الثَّوْرِيِّ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِمَّنْ قَدَّمْتُ
ذِكْرَهُ إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ
فَوَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِصَاعَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ
رِوَايَتِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَحْفَظَ مَنْ رَوَاهُ
عَنِ الثَّوْرِيِّ لَكِنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ أَوْلَى
بِالضَّبْطِ مِنَ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ
فِي غَيْرِ هَذَا وَالله أعلم
(9/240)
(قَوْلُهُ بَابُ حَقِّ إِجَابَةِ
الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ)
كَذَا عَطَفَ الدَّعْوَةَ عَلَى الْوَلِيمَةِ فَأَشَارَ
بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ مُخْتَصَّةٌ بِطَعَامِ
الْعُرْسِ وَيَكُونُ عَطْفُ الدَّعْوَةِ عَلَيْهَا مِنَ
الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ
الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ وَأَمَّا اخْتِصَاصُ اسْمِ
الْوَلِيمَةِ بِهِ فَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيمَا
نَقله عَنْهُم بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ
عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمد وثعلب وَغَيرهمَا وَجزم بِهِ
الْجَوْهَرِي وبن الْأَثِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ
الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْإِمْلَاكِ وَقِيلَ
كُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِعُرْسٍ وَغَيْرِهِ وَقَالَ عِيَاضٌ
فِي الْمَشَارِقِ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ النِّكَاحِ وَقِيلَ
الْإِمْلَاكِ وَقِيلَ طَعَامُ الْعُرْسِ خَاصَّةً وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ تَقَعُ الْوَلِيمَةُ عَلَى
كُلِّ دَعْوَةٍ تُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ نِكَاحٍ
أَوْ خِتَانٍ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ الْأَشْهَرَ
اسْتِعْمَالُهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي النِّكَاحِ
وَتُقَيَّدَ فِي غَيْرِهِ فَيُقَالُ وَلِيمَةُ الْخِتَانِ
وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَلِيمَةُ
مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَزْنًا
وَمَعْنًى لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ بن
الْأَعْرَابِيِّ أَصْلُهَا مِنْ تَتْمِيمِ الشَّيْءِ
وَاجْتِمَاعِهِ وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ
الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهَا لَا تُطْلَقُ فِي غَيْرِ
طَعَامِ الْعُرْسِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ وَأَمَّا
الدَّعْوَةُ فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْوَلِيمَةِ وَهِيَ
بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَضَمَّهَا قُطْرُبٌ
فِي مُثَلَّثَتِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ وَدِعْوَةُ النَّسَبِ بِكَسْرِ
الدَّالِ وَعَكَسَ ذَلِكَ بَنُو تَيْمِ الرِّبَابِ
فَفَتَحُوا دَالَ دَعْوَةِ النَّسَبِ وَكَسَرُوا دَالَ
دَعْوَةِ الطَّعَامِ اه وَمَا نَسَبَهُ لِبَنِي تيم
الربَاب نسبه صاحبا الصِّحَاح والمحكم لِبَنِي عَدِيِّ
الرِّبَابَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ
تَبَعًا لِعِيَاضٍ أَنَّ الْوَلَائِمَ ثَمَانِيَةٌ
الْإِعْذَارُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ
لِلْخِتَانِ وَالْعَقِيقَةُ لِلْوِلَادَةِ وَالْخُرْسُ
بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ سِينٍ
مُهْمَلَةٍ لِسَلَامَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الطَّلْقِ
وَقِيلَ هُوَ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَالْعَقِيقَةُ
تَخْتَصُّ بِيَوْمِ السَّابِعِ وَالنَّقِيعَةُ لِقُدُومِ
الْمُسَافِرِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّقْعِ وَهُوَ
الْغُبَارُ وَالْوَكِيرَةُ لِلسَّكَنِ الْمُتَجَدِّدِ
مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَكْرِ وَهُوَ الْمَأْوَى
وَالْمُسْتَقَرُّ وَالْوَضِيمَةُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ لِمَا
يُتَّخَذُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالْمَأْدُبَةُ لِمَا
يُتَّخَذُ بِلَا سَبَبٍ وَدَالُهَا مَضْمُومَةٌ وَيَجُوزُ
فَتْحُهَا انْتَهَى وَالْإِعْذَارُ يُقَالُ فِيهِ أَيْضًا
الْعُذْرَةُ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ وَالْخُرْسُ يُقَالُ
فِيهِ أَيْضًا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ السِّينِ
وَقَدْ تُزَادُ فِي آخِرِهَا هَاءٌ فَيُقَالُ خُرْسَةٌ
وَخُرْصَةٌ وَقِيلَ إِنَّهَا لِسَلَامَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ
الطَّلْقِ وَأَمَّا الَّتِي لِلْوِلَادَةِ بِمَعْنَى
الْفَرَحِ بِالْمَوْلُودِ فَهِيَ الْعَقِيقَةُ وَاخْتُلِفَ
فِي النَّقِيعَةُ هَلِ الَّتِي يَصْنَعُهَا الْقَادِمُ
مِنَ السَّفَرِ أَوْ تُصْنَعُ لَهُ قَوْلَانِ وَقِيلَ
النَّقِيعَةُ الَّتِي يَصْنَعُهَا الْقَادِمُ وَالَّتِي
تُصْنَعُ لَهُ تُسَمَّى التُّحْفَةُ وَقِيلَ إِنَّ
الْوَلِيمَةَ خَاصٌّ بِطَعَامِ الدُّخُولِ وَأَمَّا
طَعَامُ الْإِمْلَاكِ فَيُسَمَّى الشُّنْدَخُ بِضَمِّ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُضَمُّ وَآخِرُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ
مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ شُنْدَخٌ أَيْ
يَتَقَدَّمُ غَيْرَهُ سُمِّيَ طَعَامٌ الْإِمْلَاكِ
بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ الدُّخُولَ وَأَغْرَبَ
شَيْخُنَا فِي التَّدْرِيبِ فَقَالَ الْوَلَائِمُ سَبْعٌ
وَهُوَ وَلِيمَةُ الْإِمْلَاكِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ
وَيُقَالُ لَهَا النَّقِيعَةُ بِنُونٍ وَقَافٍ وَوَلِيمَةُ
الدُّخُولِ وَهُوَ الْعُرْسُ وَقَلَّ مَنْ غَايَرَ
بَيْنَهُمَا انْتَهَى وَمَوْضِعُ إِغْرَابِهِ تَسْمِيَةُ
وَلِيمَةِ الْإِمْلَاكِ نَقِيعَةً ثُمَّ رَأَيْتُهُ تَبِعَ
فِي ذَلِكَ الْمُنْذِرِيَّ فِي حَوَاشِيهِ وَقَدْ شَذَّ
بِذَلِكَ وَقَدْ فَاتَهُمْ ذِكْرُ الْحِذَاقِ بِكَسْرِ
الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُعْجَمَةِ
وَآخِرُهُ قَافٌ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ عِنْدَ حذق
الصَّبِي ذكره بن الصّباغ فِي الشَّامِل وَقَالَ بن
الرِّفْعَةِ هُوَ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْخَتْمِ أَيْ
خَتْمِ الْقُرْآنِ كَذَا قَيَّدَهُ وَيَحْتَمِلُ خَتْمُ
قَدْرٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَطَّرِدَ
ذَلِكَ
(9/241)
فِي حِذْقِهِ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ وَذَكَرَ
الْمَحَامِلِيُّ فِي الرَّوْنَقِ فِي الْوَلَائِمِ
الْعَتِيرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ
مَكْسُورَةٌ وَهِيَ شَاةٌ تُذْبَحُ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ فَلَا
مَعْنَى لِذِكْرِهَا مَعَ الْوَلَائِمِ وَسَيَأْتِي
حُكْمُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَإِلَّا
فَلْتُذْكَرْ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَمَّا الْمَأْدُبَةُ
فَفِيهَا تَفْصِيلٌ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِقَوْمٍ
مَخْصُوصِينَ فَهِيَ النَّقَرَى بِفَتْحِ النُّونِ
وَالْقَافِ مَقْصُورٌ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةٌ فَهِيَ
الْجَفَلَى بِجِيمٍ وَفَاءٍ بِوَزْنِ الْأَوَّلِ قَالَ
الشَّاعِرُ نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى
لَا تَرَى الْآدِبَ مِنَّا يَنْتَقِرُ وَصَفَ قَوْمَهُ
بِالْجُودِ وَأَنَّهُمْ إِذَا صَنَعُوا مَأْدُبَةً دَعَوْا
إِلَيْهَا عُمُومًا لَا خُصُوصًا وَخَصَّ الشِّتَاءَ
لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ قِلَّةِ الشَّيْءِ وَكَثْرَةِ
احْتِيَاجِ مَنْ يُدْعَى وَالْآدِبُ بِوَزْنِ اسْمِ
الْفَاعِلِ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَيَنْتَقِرُ مُشْتَقٌّ
مِنَ النَّقَرَى وَقَدْ وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ الَّذِي أَوَّلُهُ الْوَلِيمَة حق وَسنة كَمَا
أَشرت إِلَيْهِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ قَالَ
وَالْخُرْسُ وَالْإِعْذَارُ وَالتَّوْكِيرُ أَنْتَ فِيهِ
بِالْخِيَارِ وَفِيهِ تَفْسِيرُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ
سِيَاقِهِ الرَّفْعُ وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفُ وَفِي
مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
الْعَاصِ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى
لَهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَقُّ إِجَابَةٍ
فَيُشِيرُ إِلَى وجوب الْإِجَابَة وَقد نقل بن عَبْدِ
الْبَرِّ ثُمَّ عِيَاضٌ ثُمَّ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ
عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِوَلِيمَةِ
الْعُرْسِ وَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمِ الْمَشْهُورُ مِنْ
أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْوُجُوبُ وَصَرَّحَ جُمْهُورُ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا فَرْضُ
عَيْنٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَعَنْ بَعْضِ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ
وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ
الْمَذْهَبُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي
الْوُجُوبَ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ
فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِالسُّنَّةِ
وَلَيْسَتْ فَرْضًا كَمَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ
وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هِيَ
فَرْضُ كِفَايَةٍ وَحكى بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ
الْإِلْمَامِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إِذَا عَمَّتِ
الدَّعْوَةُ أَمَّا لَوْ خُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ
بِالدَّعْوَةِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَتَعَيَّنُ وَشَرْطُ
وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُكَلَّفًا حُرًّا
رَشِيدًا وَأَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ
الْفُقَرَاءِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ
الَّذِي يَلِيهِ وَأَنْ لَا يَظْهَرَ قَصْدُ التَّوَدُّدِ
لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِرَغْبَةٍ فِيهِ أَوْ رَهْبَةٍ
مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا عَلَى
الْأَصَحِّ وَأَنْ يَخْتَصَّ بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى
الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَأَنْ لَا
يَسْبِقَ فَمَنْ سَبَقَ تَعَيَّنَتِ الْإِجَابَةُ لَهُ
دُونَ الثَّانِي وَإِنْ جَاءَا مَعًا قَدَّمَ الْأَقْرَبَ
رَحِمًا عَلَى الْأَقْرَبِ جِوَارًا عَلَى الْأَصَحِّ
فَإِنِ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ
مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مِنْ مُنْكَرٍ وَغَيْرِهِ
كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ
أَبْوَابٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ وَضَبَطَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا يُرَخَّصُ بِهِ فِي تَرْكِ
الْجَمَاعَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ
فَأَمَّا الدَّعْوَةُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ فَسَيَأْتِي
الْبَحْثُ فِيهَا بَعْدَ بَابَيْنِ قَوْلُهُ وَمَنْ
أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ يُشِيرُ إِلَى مَا
أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ
بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ لَمَّا تَزَوَّجَ أَبِي دَعَا
الصَّحَابَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
الْأَنْصَارِ دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَزَيْدَ بْنَ
ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمَا فَكَانَ أُبَيٌّ صَائِمًا فَلَمَّا
طَعِمُوا دَعَا أُبَيٌّ وَأَثْنَى وَأَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْهُ
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِلَى
حَفْصَةَ وَقَالَ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَإِلَيْهِ
أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ لِأَنَّ
الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ
الْمُصَنِّفُ لَكِنَّهُ جَنَحَ إِلَى تَرْجِيحِهِ
لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ بِغَيْرِ
تَقْيِيدٍ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي
سَأَذْكُرُهُ وَقد نبه على ذَلِك بن الْمُنِيرِ قَوْلُهُ
وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَيْ لَمْ يَجْعَلْ
لِلْوَلِيمَةِ وَقْتًا مُعَيَّنًا يَخْتَصُّ بِهِ
الْإِيجَابُ أَوِ الِاسْتِحْبَابُ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنَ
الْإِطْلَاقِ وَقَدْ أَفْصَحَ بِمُرَادِهِ فِي تَارِيخِهِ
فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي تَرْجَمَةِ زُهَيْرِ بْنِ
عُثْمَانَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
ثَقِيفٍ كَانَ
(9/242)
يُثْنَى عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُ
زُهَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ فَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ
يَقُولُهُ قَتَادَةُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ
حَقٌّ وَالثَّانِي مَعْرُوفٌ وَالثَّالِثُ رِيَاءٌ
وَسُمْعَةٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ
وَلَا يَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ يَعْنِي لزهير قَالَ وَقَالَ
بن عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى
الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ وَلَمْ يَخُصَّ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ وَلَا غَيْرَهَا وَهَذَا أصح قَالَ وَقَالَ بن
سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمَّا بَنَى بِأَهْلِهِ
أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَدَعَا فِي ذَلِكَ أُبَيَّ
بْنَ كَعْبٍ فَأَجَابَهُ اه وَقَدْ خَالَفَ يُونُسُ بْنُ
عُبَيْدٍ قَتَادَةَ فِي إِسْنَادِهِ فَرَوَاهُ عَنِ
الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ وَلَا زُهَيْرًا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ وَرَجَّحَهُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَأَشَارَ
أَبُو حَاتِمٍ إِلَى تَرْجِيحِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ
النَّسَائِيُّ عَقِبَهُ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَلَى
صَفِيَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا
فَأَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِهِ أَوْ إِلَى تَخْصِيصِهِ
وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى
بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ
عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَجَعَلَ الْوَلِيمَةَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ الْحَدِيثَ وَقَدْ وَجَدْنَا لِحَدِيثِ زُهَيْرِ
بْنِ عُثْمَانَ شَوَاهِدَ مِنْهَا عَنْ أبي هُرَيْرَة مثله
أخرجه بن مَاجَهْ وَفِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ
وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَشَرْتُ إِلَيْهَا فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ
حَقٌّ وَعَن أنس مثله أخرجه بن عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَفِيهِ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَهُوَ ضَعِيف وَله طَرِيق
أُخْرَى ذكر بن أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ
حَدِيثٍ رَوَاهُ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَوْفٍ
عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ فَقَالَ إِنَّمَا
هُوَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ وَعَن بن مَسْعُودٍ
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ طَعَامُ أَوَّلِ
يَوْمٍ حَقٌّ وَطَعَامٌ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ
وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ وَمَنْ سَمَّعَ
سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ
وَهُوَ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ قُلْتُ
وَشَيْخُهُ فِيهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَسَمَاعُ
زِيَادٍ مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ فَهَذِهِ عِلَّتُهُ
وَعَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ طَعَامٌ فِي الْعُرْسِ يَوْمٌ
سُنَّةٌ وَطَعَامُ يَوْمَيْنِ فَضْلٌ وَطَعَامُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ
كُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ فَمَجْمُوعُهَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا وَقَدْ وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارِمِيِّ فِي آخِرِ
حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ قَتَادَةُ
بَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ دُعِيَ
أَوَّلَ يَوْمٍ وَأَجَابَ وَدُعِيَ ثَانِي يَوْمٍ
فَأَجَابَ وَدُعِيَ ثَالِثَ يَوْمٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ
أَهْلُ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ فَكَأَنَّهُ بَلَغَهُ
الْحَدِيثُ فَعَمِلَ بِظَاهِرِهِ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ
عَنْهُ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا أَوْلَمَ
ثَلَاثًا فَالْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ
مَكْرُوهَةٌ وَفِي الثَّانِي لَا تَجِبُ قَطْعًا وَلَا
يَكُونُ اسْتِحْبَابُهَا فِيهِ كَاسْتِحْبَابِهَا فِي
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ التَّعْجِيزِ
فِي وُجُوبِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَجْهَيْنِ
وَقَالَ فِي شَرْحِهِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَبِهِ
قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ لِوَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ
أَوْ سُنَّةٌ وَاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ الْوُجُوبَ فِي
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالُوا
سُنَّةٌ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ لَفْظِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ
وَفِيهِ بَحْثٌ وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فِي الْيَوْمِ
الثَّالِثِ فَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ
وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ إِنَّمَا تُكْرَهُ إِذَا كَانَ
الْمَدْعُوُّ فِي الثَّالِثِ هُوَ الْمَدْعُوَّ فِي
الْأَوَّلِ وَكَذَا صَوَّرَهُ الرُّويَانِيُّ
وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَ
بِبَعِيدٍ لِأَنَّ إِطْلَاقَ كَوْنِهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً
يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ صُنِعَ لِلْمُبَاهَاةِ وَإِذَا
كَثُرَ النَّاسُ فَدَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فِرْقَةً لَمْ
يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُبَاهَاةٌ غَالِبًا وَإِلَى مَا جَنَحَ
إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ قَالَ
عِيَاضٌ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ
كَوْنَهَا أُسْبُوعًا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحِلُّهُ
إِذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ
وَلَمْ يُكَرِّرْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا
تَقَدَّمَ عَنِ الرُّويَانِيِّ وَإِذَا حَمَلْنَا
الْأَمْرَ فِي كَرَاهَةِ الثَّالِثِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ
هُنَاكَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَمُبَاهَاةٌ كَانَ الرَّابِعُ
وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا وَقَعَ
مِنَ السَّلَفِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَوْمَيْنِ
عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ
عَلَى الثَّالِثِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ
أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَحدهَا حَدِيث بن عمر أوردهُ
(9/243)
مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ
بِلَفْظِ إِذَا دعِي أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها
وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بَابَيْنِ وَقَوْلُهُ
فَلْيَأْتِهَا أَيْ فَلْيَأْتِ مَكَانَهَا وَالتَّقْدِيرُ
إِذَا دُعِيَ إِلَى مَكَانِ وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا وَلَا
يَضُرُّ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ مُؤَنَّثًا ثَانِيهَا
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَوْرَدَهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ واجيبوا
الدَّاعِي وَقد تقدم فِي الْجِهَاد قَالَ بن التِّينِ
قَوْلُهُ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ يُرِيدُ إِلَى وَلِيمَةِ
الْعرس كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي
قَبْلَهُ يَعْنِي فِي تَخْصِيصِ الْأَمْرِ بِالْإِتْيَانِ
بِالدُّعَاءِ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ
قَوْلُهُ الدَّاعِي عَامٌّ وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ
تَجِبُ فِي وَلِيمَةِ النِّكَاحِ وَتُسْتَحَبُّ فِي
غَيْرِهَا فَيَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي
الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ
وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ وَحَمَلَهُ
غَيْرُهُ عَلَى عُمُومِ الْمَجَازِ اه وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا
فَالْمُرَادُ بِهِ خَاصٌّ وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ إِجَابَةِ
طَعَامِ غَيْرِ الْعُرْسِ فَمِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ثَالِثُهَا
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَمَرَنَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا
وَفِي آخِرِهِ وَإِجَابَةُ الدَّاعِي أَوْرَدَهُ مِنْ
طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن الْأَشْعَث وَهُوَ بن أَبِي
الشَّعْثَاءَ سَلِيمٌ الْمَحَارِبِيُّ ثُمَّ قَالَ
بَعْدَهُ تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالشَّيْبَانِيُّ
عَنْ أَشْعَثَ فِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ فَأَمَّا
مُتَابَعَةُ أَبِي عَوَانَةَ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي
الْأَشْرِبَةِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي
عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَلِيمٍ بِهِ وَأَمَّا
مُتَابَعَةُ الشَّيْبَانِيِّ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ
فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ
عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ
أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ بِهِ وَسَيَأْتِي
شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَدَبِ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي
مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَةِ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ رَدِّ السَّلَامِ بدل
افشاء السَّلَام فَهَذِهِ نُكْتَة الِاقْتِصَار رابعه
حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
[5176] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي عَنْ
أَبِي حَازِمٍ وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ
فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ سَهْلٍ وَهُوَ سَهْوٌ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ وَاسِطَةٍ
بَيْنَهُمَا إِمَّا أَبُوهُ أَوْ غَيْرُهُ قُلْتُ لَعَلَّ
الرِّوَايَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
فَتَصَحَّفَتْ عَنْ فَصَارَت بن وَسَيَأْتِي شرح الحَدِيث
بعد خَمْسَة أَبْوَاب
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى
الله وَرَسُوله)
أورد فِيهِ حَدِيث بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول شَرّ الطَّعَام طَعَام
الْوَلِيمَةُ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ
الْفُقَرَاءُ وَمَنْ ترك الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله
حَدِيث بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ الْوَلِيمَةُ
يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ
وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ
الْمَسَاكِينُ بَدَلَ الْفُقَرَاءِ وَأَوَّلُ هَذَا
الْحَدِيثِ مَوْقُوفٌ وَلَكِن آخِره يَقْتَضِي رَفعه ذكر
ذَلِك بن بَطَّالٍ قَالَ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي
الشَّعْثَاءِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَبْصَرَ رَجُلًا
خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ فَقَالَ
أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا وَلِهَذَا أَدْخَلَهُ
الْأَئِمَّةُ فِي مَسَانِيدِهِمُ انْتَهَى وَذكر بن عَبْدِ
الْبَرِّ أَنَّ جُلَّ رُوَاةِ مَالِكٍ لَمْ يُصَرِّحُوا
بِرَفْعِهِ وَقَالَ فِيهِ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ بِسَنَدِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَكَذَا أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مسلمة بن قُعْنُبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ شَيْخِ مَالِكٍ كَمَا
قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ
(9/244)
رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ كَذَلِكَ وَالْأَعْرَجُ شَيْخُ الزُّهْرِيِّ
فِيهِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
سُفْيَانَ قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ وَلِسُفْيَانَ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ
بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ صَرَّحَ فِيهِ
بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
سُفْيَانَ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ
ثَابِتًا الْأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخُ
مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا صَرِيحًا وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهدا من
حَدِيث بن عُمَرَ كَذَلِكَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ
اللَّامَ فِي الدَّعْوَةِ لِلْعَهْدِ مِنَ الْوَلِيمَةِ
الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
الْوَلِيمَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى طَعَامِ
الْعُرْسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَلَائِمِ فَإِنَّهَا
تُقَيَّدُ وَقَوْلُهُ
[5177] يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ أَيْ أَنَّهَا
تَكُونُ شَرَّ الطَّعَامِ إِذَا كَانَتْ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ وَلِهَذَا قَالَ بن مَسْعُودٍ إِذَا خُصَّ
الْغَنِيُّ وَتُرِكَ الْفَقِيرُ أُمِرْنَا أَن لَا نجيب
قَالَ قَالَ بن بَطَّالٍ وَإِذَا مَيَّزَ الدَّاعِي بَيْنَ
الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فَأَطْعَمَ كُلًّا عَلَى
حِدَةٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْس وَقد فعله بن عُمَرَ
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَنْ مُقَدَّرَةٍ كَمَا يُقَالُ
شَرُّ النَّاسِ مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ أَيْ مِنْ شَرِّهِمْ
وَإِنَّمَا سَمَّاهُ شَرًّا لِمَا ذُكِرَ عَقِبَهُ
فَكَأَنَّهُ قَالَ شَرُّ الطَّعَامِ الَّذِي شَأْنُهُ
كَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ اللَّامُ فِي الْوَلِيمَةِ
لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ إِذْ كَانَ مِنْ عَادَةِ
الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَدْعُوا الْأَغْنِيَاءَ
وَيَتْرُكُوا الْفُقَرَاءَ وَقَوْلُهُ يُدْعَى إِلَخْ
اسْتِئْنَافٌ وَبَيَانٌ لِكَوْنِهَا شَرَّ الطَّعَامِ
وَقَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ إِلَخْ حَالٌ وَالْعَامِلُ
يُدْعَى أَيْ يُدْعَى الْأَغْنِيَاءُ وَالْحَالُ أَنَّ
الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ سَبَبًا
لِأَكْلِ الْمَدْعُوِّ شَرَّ الطَّعَامِ وَيَشْهَدُ لَهُ
مَا ذكره بن بطال أَن بن حَبِيبٍ رَوَى عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَنْتُمُ الْعَاصُونَ
فِي الدَّعْوَةِ تَدْعُونَ مَنْ لَا يَأْتِي وَتَدْعُونَ
مَنْ يَأْتِي يَعْنِي بِالْأَوَّلِ الْأَغْنِيَاءَ
وَبِالثَّانِي الْفُقَرَاءَ قَوْلُهُ شَرُّ الطَّعَامِ فِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ
مَالِكٍ بِئْسَ الطَّعَامُ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ
الْأَكْثَرِ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الطُّرُقِ قَوْلُهُ
يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ
الْأَعْرَجِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى
إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ
الْحَالِ لِطَعَامِ الْوَلِيمَةِ فَلَوْ دَعَا الدَّاعِي
عَامًّا لَمْ يَكُنْ طَعَامُهُ شَرَّ الطَّعَامِ وَوَقَعَ
فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِئْسَ
الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ
الشَّبْعَانُ وَيُحْبَسُ عَنْهُ الْجَيْعَانُ قَوْلُهُ
وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ أَيْ تَرَكَ إِجَابَةَ
الدَّعْوَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ
وَمَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ وَهُوَ تَفْسِيرٌ
لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
وَرَسُولَهُ هَذَا دَلِيلُ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِأَنَّ
الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي
عَوَانَةَ مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلَمْ يَأْتِهَا
فَقَدْ عصى الله وَرَسُوله
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَجَابَ إِلَى كُرَاعٍ)
بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ عَيْنٌ
مُهْمَلَةٌ هُوَ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنَ الرِّجْلِ
وَمِنْ حَدِّ الرُّسْغِ مِنَ الْيَدِ وَهُوَ مِنَ
الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنَ
الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وَقِيلَ الْكُرَاعُ مَا دون الكعب
من الدَّوَابّ وَقَالَ بن فَارِسٍ كُرَاعُ كُلِّ شَيْءٍ
طَرَفُهُ
[5178] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو حَمْزَةَ بِالْمُهْمَلَةِ
وَالزَّايِ هُوَ الْيَشْكُرِيُّ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ
عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ مَشَايِخِهِ
إِلَّا مَا ظَهَرَ لَهُ سَمَاعُهُمْ فِيهِ وَأَبُو حَازِمٍ
هَذَا هُوَ سَلْمَانُ بِسُكُونِ اللَّامِ مَوْلَى عَزَّةَ
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدٍ
(9/245)
الزَّايِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ
سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ الرَّاوِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ قَرِيبًا فَإِنَّهُمَا وَإِنْ
كَانَا مَدَنِيَّيْنِ لَكِنَّ رَاوِي حَدِيث الْبَاب أكبر
من بن دِينَارٍ قَوْلُهُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ
لَقَبِلْتُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ
وَتَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنِ
الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ ذِرَاعٌ وَكُرَاعٌ بِالتَّغْيِيرِ
وَالذِّرَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الْكُرَاعِ وَفِي الْمَثَلِ
أَنْفَقَ الْعَبْدُ كُرَاعًا وَطَلَبَ ذِرَاعًا وَقَدْ
زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْغَزالِيُّ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَغَازِي
وَزَعَمَ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ
الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِجَابَةِ وَلَوْ بَعُدَ الْمَكَانُ
لَكِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِجَابَةِ مَعَ حَقَارَةِ
الشَّيْءِ أَوْضَحُ فِي الْمُرَادِ وَلِهَذَا ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ هُنَا
كُرَاعُ الشَّاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ فِي
أَوَائِلِ الْهِبَةِ فِي حَدِيثِ يَا نِسَاءَ
الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا
وَلَوْ فِرْسَنَ شَاةٍ وَأَغْرَبَ الْغَزَالِيُّ فِي
الْإِحْيَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَلَوْ دُعِيتُ
إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ وَلَا أَصْلَ لِهَذِهِ
الزِّيَادَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ
كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ لِمِثْلِهِ لَأَجَبْتُ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَكِيمٍ
بِنْتِ وَادِعٍ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَتَكْرَهُ الْهَدِيَّةَ فَقَالَ مَا أَقْبَحَ رَدَّ
الْهَدِيَّةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَيُسْتَفَادُ سَبَبُهُ
مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَوَاضُعِهِ وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى
قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ
إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ
إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ قَالَ الْمُهَلَّبُ لَا يَبْعَثُ
عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ إِلَّا صِدْقُ
الْمَحَبَّةِ وَسُرُورُ الدَّاعِي بِأَكْلِ الْمَدْعُوِّ
مِنْ طَعَامِهِ وَالتَّحَبُّبِ إِلَيْهِ بِالْمُؤَاكَلَةِ
وَتَوْكِيدِ الذِّمَامِ مَعَهُ بِهَا فَلِذَلِكَ حَضَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِجَابَةِ
وَلَوْ نَزَرَ الْمَدْعُوُّ إِلَيْهِ وَفِيهِ الْحَضُّ
عَلَى الْمُوَاصَلَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّآلُفِ
وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ لِمَا قَلَّ أَوْ كثر وَقبُول
الْهَدِيَّة كَذَلِك
(قَوْلُهُ بَابُ إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ
وَغَيْرِهِ)
ذكر فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ
وَهَذِهِ اللَّامُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ
وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَة
بن عُمَرَ الْأُخْرَى إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى
الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ
الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَلْفَاظُهُ
وَأَمْكَنَ حَمْلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تعين ذَلِك
وَيحْتَمل أَن تكون اللَّام الغموم وَهُوَ الَّذِي
فَهِمَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ فَكَانَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ
لِلْعُرْسِ وَلِغَيْرِهِ
[5179] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْبَغْدَادِيُّ أَخْرَجَ عَنْهُ
الْبُخَارِيُّ هُنَا فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
فَضَائِلِ الْقُرْآنِ رِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَوْحِ بْنِ عِبَادَةَ فَقِيلَ هُوَ
هَذَا نَسَبُهُ إِلَى جَدِّهِ وَقِيلَ غَيْرُهُ كَمَا
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو
وَالْمُسْتَمْلِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمَّا حَدَّثَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا
سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ مُتْقِنٌ قَوْلُهُ عَنْ نَافِعٍ فِي
رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَوْلُهُ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ
الْقَائِلُ هُوَ نَافِعٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ إِذَا
دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةَ
(9/246)
عُرْسٍ فَلْيُجِبْ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ
بِلَفْظِ إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ
عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ
الزُّبَيْدِيِّ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ مَنْ دُعِيَ إِلَى
عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ وَهَذَا يُؤَيّد مَا فهمه
بن عُمَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِجَابَةِ لَا يَخْتَصُّ
بِطَعَامِ الْعُرْسِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ
إِلَى الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا عُرْسًا كَانَ أَو غَيره
بِشَرْطِهِ وَنَقله بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَري قَاضِي الْبَصْرَة
وَزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا نَقَلْنَاهُ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ مِنْ
مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي وَلِيمَةِ
الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا لَكِنْ يُمْكِنُ
الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ
الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ لَوْ دُعُوا وَعِنْدَ عَبْدِ
الرَّزَّاق بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا
بِالطَّعَامِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْم اعفني فَقَالَ
بن عُمَرَ إِنَّهُ لَا عَافِيَةَ لَكَ مِنْ هَذَا فَقُمْ
وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ عَن بن عَبَّاس أَن بن صَفْوَانَ دَعَاهُ فَقَالَ
إِنِّي مَشْغُولٌ وَإِنْ لَمْ تُعْفِنِي جِئْتُهُ وَجَزَمَ
بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ وَلِيمَةِ النِّكَاحِ
الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَالَغَ السَّرَخْسِيُّ
مِنْهُمْ فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَلَفْظُ
الشَّافِعِيِّ إِتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ
وَالْوَلِيمَةُ الَّتِي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ
وَكُلُّ دَعْوَةٍ دُعِيَ إِلَيْهَا رَجُلٌ وَلِيمَةٌ فَلَا
أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا وَلَو تَركهَا لم
يتَبَيَّن لي أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكِهَا كَمَا تَبَيَّنَ
لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ قَوْلُهُ فِي الْعُرْسِ
وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ
مُحَمَّدٍ وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَلِأَبِي
عَوَانَةَ مِنْ وَجه آخر عَن نَافِع وَكَانَ بن عُمَرَ
يُجِيبُ صَائِمًا وَمُفْطِرًا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي
دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ
الْمَرْفُوعِ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ
كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ فِي آخِرِهِ
وَالصَّلَاةُ الدُّعَاءُ وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ هِشَامٍ
رَاوِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى
وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ
إِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَشْتَغِلْ بِالصَّلَاةِ
لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُهَا وَيَحْصُلُ لِأَهْلِ
الْمَنْزِلِ وَالْحَاضِرِينَ بَرَكَتُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ
لِعُمُومِ قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ لَكِنْ
يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الصَّائِمِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي بَابِ حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنَّ
أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ لَمَّا حَضَرَ الْوَلِيمَةَ وَهُوَ
صَائِمٌ أَثْنَى وَدَعَا وَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ
طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ كَانَ بن
عُمَرَ إِذَا دُعِيَ أَجَابَ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا
أَكَلَ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا دَعَا لَهُمْ وَبَرَّكَ
ثُمَّ انْصَرَفَ وَفِي الْحُضُورِ فَوَائِدُ أُخْرَى
كَالتَّبَرُّكِ بِالْمَدْعُوِّ وَالتَّجَمُّلِ بِهِ
وَالِانْتِفَاعِ بِإِشَارَتِهِ وَالصِّيَانَةِ عَمَّا لَا
يَحْصُلُ لَهُ الصِّيَانَةُ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَفِي
الْإِخْلَالِ بِالْإِجَابَةِ تَفْوِيتُ ذَلِكَ وَلَا
يَخْفَى مَا يَقَعُ لِلدَّاعِي مِنْ ذَلِكَ مِنَ
التَّشْوِيشِ وَعُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَدْعُ لَهُمْ
حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِذَلِكَ وَأَنَّ
الْمَدْعُوَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ وَهَلْ
يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِنْ كَانَ صَوْمُهُ
تَطَوُّعًا قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ
الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ
الدَّعْوَةِ صَوْمُهُ فَالْأَفْضَلُ الْفِطْرُ وَإِلَّا
فَالصَّوْمُ وَأَطْلَقَ الرَّوْيَانِيّ وبن الْفَرَّاءِ
اسْتِحْبَابَ الْفِطْرِ وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ
يُجَوِّزُ الْخُرُوجَ مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَأَمَّا مَنْ
يُوجِبُهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْفِطْرُ كَمَا فِي
صَوْمِ الْفَرْضِ وَيَبْعُدُ إِطْلَاقُ اسْتِحْبَابِ
الْفِطْرِ مَعَ وُجُودِ الْخِلَافِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ
كَانَ وَقْتُ الْإِفْطَار قد قرب وَيُؤْخَذ من فعل بن
عُمَرَ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْكِ
الْإِجَابَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ
لِلصَّائِمِ بِالْحُضُورِ وَالدُّعَاءِ نَعَمْ لَوِ
اعْتَذَرَ بِهِ الْمَدْعُوُّ فَقَبِلَ الدَّاعِي عُذْرَهُ
لِكَوْنِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِذَا
حَضَرَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ
فِي التَّأَخُّرِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ
فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُفْطِرَ وَلَوْ حَضَرَ لَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ
(9/247)
عِنْد الشَّافِعِيَّة وَقَالَ بن
الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَوُجُوبُ أَكْلِ الْمُفْطِرِ
مُحْتَمَلٌ وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ
وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ الْوُجُوبَ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ
الظَّاهِرِ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ قَوْلُهُ فِي إِحْدَى
رِوَايَات بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ
مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَتُحْمَلُ
رِوَايَةُ جَابِرٍ عَلَى مَنْ كَانَ صَائِما وَيُؤَيِّدهُ
رِوَايَة بن مَاجَهْ فِيهِ بِلَفْظِ مَنْ دُعِيَ إِلَى
طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَيَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ
كَانَ صَائِمًا نَفْلًا وَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنِ
اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صِيَامِهِ لِذَلِكَ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ دَعَا رَجُلٌ إِلَى طَعَامٍ فَقَالَ رَجُلٌ إِنِّي
صَائِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَعَاكُمْ أَخَاكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ
أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إِنْ شِئْتَ فِي
إِسْنَادِهِ رَاوٍ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ تُوبِعَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ بَابُ ذَهَابِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِلَى
الْعُرْسِ)
كَأَنَّهُ تَرْجَمَ بِهَذَا لِئَلَّا يَتَخَيَّلَ أَحَدٌ
كَرَاهَةَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِغَيْرِ
كَرَاهَةٍ
[5180] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْمُبَارَكِ هُوَ الْعَيْشِيُّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ
وَالشِّينِ وَلَيْسَ هُوَ أَخَا عَبْدِ اللَّهِ بن
الْمُبَارك الْمَشْهُور وَعبد الْوَارِث هُوَ بن سَعِيدٍ
وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ فَقَامَ
مُمْتَنًّا بِضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ
وَمُثَنَّاةٌ مَفْتُوحَةٌ وَنُونٌ ثَقِيلَةٌ بَعْدَهَا
أَلِفٌ أَيْ قَامَ قِيَامًا قَوِيًّا مَأْخُوذٌ مِنَ
الْمُنَّةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهِيَ الْقُوَّةُ أَيْ قَامَ
إِلَيْهِمْ مُسْرِعًا مُشْتَدًّا فِي ذَلِكَ فَرِحًا
بِهِمْ وَقَالَ أَبُو مَرْوَانُ بْنُ سِرَاجٍ وَرَجَّحَهُ
الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ مِنَ الِامْتِنَانِ لِأَنَّ مَنْ
قَامَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَكْرَمَهُ بِذَلِكَ فَقَدِ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ
لَا أَعْظَمَ مِنْهُ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ
ذَلِك أَنْتُم أحب النَّاس إِلَى وَنقل بن بَطَّالٍ عَنِ
الْقَابِسِيِّ قَالَ قَوْلُهُ مُمْتَنًّا يَعْنِي
مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ
يَمْتَنُّ عَلَيْهِمْ بِمَحَبَّتِهِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى مَتِينًا بِوَزْنِ عَظِيمٍ أَيْ قَامَ
قِيَامًا مُسْتَوِيًا مُنْتَصِبًا طَوِيلًا وَوَقع فِي
رِوَايَة بن السَّكَنِ فَقَامَ يَمْشِي قَالَ عِيَاضٌ
وَهُوَ تَصْحِيفٌ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ
الْأَوَّلَ مَا تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ عَنْ
أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بِسَنَدِ حَدِيثِ
الْبَابِ بِلَفْظِ فَقَامَ مُمْثِلًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ
وَسُكُونِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ
مَكْسُورَة وَقد تفتج وَضُبِطَ أَيْضًا بِفَتْحِ الْمِيمِ
الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمعْنَى
منتصبا قَائِما قَالَ بن التِّينِ كَذَا وَقَعَ فِي
الْبُخَارِيِّ وَالَّذِي فِي اللُّغَةِ مَثُلَ بِفَتْحِ
أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهَا قَائِما
بِمثل بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مُثُولًا فَهُوَ مَاثِلٌ
إِذَا انْتَصَبَ قَائِمًا قَالَ عِيَاضٌ وَجَاءَ هُنَا
مُمَثِّلًا يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مُكَلِّفًا
نَفْسَهُ ذَلِكَ اه وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ
فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَهُمْ مَثِيلًا بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَهُوَ فَعِيلٌ مِنْ
مَاثَلَ وَعَن إِبْرَاهِيم بن هَاشم عَن إِبْرَاهِيم بن
الْحجَّاج مثله وَزَاد يَعْنِي مائلا قَوْلُهُ اللَّهُمَّ
أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ زَادَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
وَتَقْدِيمُ لَفْظِ اللَّهُمَّ يَقَعُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ
لِلِاسْتِشْهَادِ بِاللَّهِ فِي صِدْقِهِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ مُسلم من طَرِيق بن عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ
وَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَدِ اتَّفَقَا كَمَا
تقدم فِي
(9/248)
فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَلَى رِوَايَةِ
هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ
الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا
وَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَأَحَبُّ
النَّاسِ إِلَيَّ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ تَأتي فِي
كتاب النذور ثَلَاث مَرَّات وَمن فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
مُقَدَّرَةٌ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَاب
(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي
الدَّعْوَةِ)
هَكَذَا أَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ
وَلَمْ يَبُتَّ الْحُكْمَ لِمَا فِيهَا مِنَ الِاحْتِمَالِ
كَمَا سَأُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ
وَرَأى بن مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ كَذَا
فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْأَصِيلِيِّ
وَالْقَابِسِيِّ وَعَبْدُوسٍ وَفِي رِوَايَةِ البَاقِينَ
أَبُو مَسْعُودٍ وَالْأَوَّلُ تَصْحِيفٌ فِيمَا أَظُنُّ
فَإِنَّنِي لَمْ أَرَ الْأَثَرَ الْمُعَلَّقَ إِلَّا عَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَأَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا
صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَاهُ فَقَالَ أَفِي الْبَيْتِ
صُورَةٌ قَالَ نَعَمْ فَأَبَى أَنْ يَدْخُلَ حَتَّى
تُكْسَرَ الصُّورَةُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَخَالِدُ بْنُ
سَعْدٍ هُوَ مَوْلَى أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ
عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رِوَايَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
أَيْضًا لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ قَوْله ودعا بن
عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا على
الْجِدَار فَقَالَ بن عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ
النِّسَاءُ فَقَالَ مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ
أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ
طَعَامًا فَرَجَعَ وَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ
الْوَرَعِ وَمُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَعْرَسْتُ فِي عَهْدِ أَبِي
فَآذَنَ أَبِي النَّاسَ فَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ فِيمَنْ
آذَنَّا وَقَدْ سَتَرُوا بَيْتِي بِبِجَادٍ أَخْضَرَ
فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فَقَالَ يَا
عَبْدَ اللَّهِ أَتَسْتُرُونَ الْجُدُرَ فَقَالَ أَبِي
وَاسْتَحْيَا غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ يَا أَبَا
أَيُّوبَ فَقَالَ مَنْ خَشِيتُ أَنْ تَغْلِبَهُ النِّسَاءُ
فَذَكَرَهُ وَوَقَعَ لَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ
اللَّيْثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَشَجِّ عَنْ سَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ فَأَقْبَلَ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدْخُلُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ حَتَّى أَقْبَلَ
أَبُو أَيُّوبَ وَفِيهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَقْسَمْتُ
عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَقَالَ وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَى
نَفْسِي أَنْ لَا أَدْخُلَ يَوْمِي هَذَا ثُمَّ انْصَرَفَ
وَقَدْ وَقَعَ نَحْوُ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ فِيمَا بَعْدَ
فَأَنْكَرَهُ وَأَزَالَ مَا أَنْكَرَ وَلَمْ يَرْجِعْ
كَمَا صَنَعَ أَبُو أَيُّوبَ فَرُوِّينَا فِي كِتَابِ
الزُّهْدِ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الله بن عتبَة
قَالَ دخل بن عمر
(9/249)
بَيْتَ رَجُلٍ دَعَاهُ إِلَى عُرْسٍ
فَإِذَا بَيْتُهُ قد ستر بالكرور فَقَالَ بن عُمَرَ يَا
فُلَانُ مَتَى تَحَوَّلَتِ الْكَعْبَةُ فِي بَيْتِكَ ثُمَّ
قَالَ لِنَفَرٍ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَهْتِكْ كُلُّ رجل مَا
يَلِيهِ وَأخرج بن وَهْبٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ
أَنَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
دُعِيَ لِعُرْسٍ فَرَأَى الْبَيْتَ قَدْ سُتِرَ فَرَجَعَ
فَسُئِلَ فَذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي أَيُّوبَ ثُمَّ ذَكَرَ
الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي الصُّوَرِ وَسَيَأْتِي
شَرْحُهُ وَبَيَانُ حُكْمِ الصُّوَرِ مُسْتَوْفًى فِي
كِتَابِ اللِّبَاسِ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ
قَوْلُهَا قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ قَالَ بن
بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي
الدَّعْوَةِ يَكُونُ فِيهَا مُنْكَرٌ مِمَّا نَهَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ عَنْهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِظْهَارِ
الرِّضَا بِهَا وَنَقَلَ مَذَاهِبَ الْقُدَمَاءِ فِي
ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَقَدَرَ
عَلَى إِزَالَتِهِ فَأَزَالَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ
يَقْدِرْ فَلْيَرْجِعْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكْرَهُ
كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ وَمِمَّا
يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقع فِي قصَّة بن عُمَرَ مِنِ
اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي
سُتِرَتْ جُدُرَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا قعد الَّذين
قعدوا وَلَا فعله بن عُمَرَ فَيُحْمَلُ فِعْلُ أَبِي
أَيُّوبَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ
الْفِعْلَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو أَيُّوبَ
كَانَ يَرَى التَّحْرِيمَ وَالَّذِينَ لَمْ يُنْكِرُوا
كَانُوا يَرَوْنَ الْإِبَاحَةَ وَقَدْ فَصَّلَ
الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ عَلَى مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَالُوا
إِنْ كَانَ لَهْوًا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ فَيَجُوزُ
الْحُضُورُ وَالْأَوْلَى التَّرْكُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا
كَشُرْبِ الْخَمْرِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ
مِمَّنْ إِذَا حَضَرَ رُفِعَ لِأَجْلِهِ فَلْيَحْضُرْ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ
وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَحْضُرُ وَيُنْكِرُ بِحَسَبِ
قُدْرَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
وَعَلَيْهِ جَرَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَا
بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ
يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى
مَنْعِهِمْ فَلْيَخْرُجْ لِمَا فِيهِ مِنْ شَيْنِ الدِّينِ
وَفَتْحِ بَابِ الْمَعْصِيَةِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَعَدَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ
وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ
قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ فَإِنْ عَلِمَ
قَبْلَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَالْوَجْهُ
الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ تَحْرِيمُ الْحُضُورِ
لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ وَصَحَّحَهُ
الْمَرَاوِزَةُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَضَرَ
فَلْيَنْهَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلْيَخْرُجْ
إِلَّا إِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى
ذَلِكَ جَرَى الْحَنَابِلَةُ وَكَذَا اعْتَبَرَ
الْمَالِكِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ لَا
يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْهَيْئَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا
فِيهِ لَهْوٌ أَصْلًا حَكَاهُ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَنْ
مَالِكٍ وَيُؤَيِّدُ مَنْعَ الْحُضُورِ حَدِيثُ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِجَابَةِ طَعَامِ الْفَاسِقِينَ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَيُؤَيِّدُهُ
مَعَ وُجُودِ الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ مَا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ
عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ جَابِرٍ وَأَبُو دَاوُد من
حَدِيث بن عُمَرَ بِسَنَدٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَأَحْمَدُ
مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَمَّا حُكْمُ سِتْرِ الْبُيُوتِ
وَالْجُدْرَانِ فَفِي جَوَازِهِ اخْتِلَافٌ قَدِيمٌ
وَجَزَمَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ
وَصَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْمَقْدِسِيُّ مِنْهُمْ
بِالتَّحْرِيمِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ
وَالطِّينَ وَجَذَبَ السِّتْرَ حَتَّى هَتَكَهُ
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ
اللَّفْظَةُ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ سَتْرِ الْجِدَارِ
وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ أَنَّ
الْمَنْعَ كَانَ بِسَبَبِ الصُّورَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ
لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ
وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ الْأَمْرِ لِذَلِكَ وَنَفْيُ
الْأَمْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّهْيِ لَكِنْ
يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَتْكِهِ وَجَاءَ النَّهْي عَنْ
سِتْرِ الْجُدُرِ صَرِيحًا مِنْهَا فِي حَدِيثِ بن
عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَلَا
تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ وَفِي إِسْنَادِهِ
ضَعْفٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسل عَن عَليّ بن الْحُسَيْن
أخرجه بن وَهْبٍ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ
وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ
مَوْقُوفًا أَنَّهُ أَنْكَرَ سَتْرَ الْبَيْتِ وَقَالَ
أَمَحْمُومٌ بَيْتُكُمْ أَوْ تحولت الْكَعْبَة
(9/250)
عِنْدَكُمْ قَالَ لَا أَدْخُلُهُ حَتَّى
يُهْتَكَ وَتَقَدَّمَ قَرِيبا خبر أبي أَيُّوب وبن عُمَرَ
فِي ذَلِكَ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ أَنَّهُ رَأَى بَيْتًا مَسْتُورًا
فَقَعَدَ وَبَكَى وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ كَيْفَ بِكَمْ
إِذَا سترتم بُيُوتكُمْ الحَدِيث وَأَصله فِي النَّسَائِيّ
(قَوْلُهُ بَابُ قِيَامِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ فِي
الْعُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بِالنَّفْسِ)
أَيْ بِنَفْسِهَا ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
فِي قِصَّةِ عُرْسِ أَبِي أُسَيْدٍ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ
فِي الَّذِي بَعْدَهُ النقيع وَالشرَاب الَّذِي لَا يسكر
فِي الْعرس وَتَقَدَّمَ قَبْلَ أَبْوَابٍ فِي إِجَابَةِ
الدَّعْوَةِ
[5182] قَوْلُهُ عَنْ سَهْلٍ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي
بَعْدَهَا سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَوْلُهُ لَمَّا
عَرَّسَ كَذَا وَقَعَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَدْ
أَنْكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ أَعْرَسَ وَلَا تَقُلْ
عَرَّسَ قَوْلُهُ أَبُو أُسَيْدٍ فِي الرِّوَايَةِ
الْمَاضِيَةِ دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ وَزَادَ فِي
هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَصْحَابَهُ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ
فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قَوْلُهُ فَمَا
صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا
امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ
مِمَّنْ وَافَقَتْ كُنْيَتُهَا كُنْيَةَ زَوْجِهَا
وَاسْمُهَا سَلَّامَةُ بِنْتُ وُهَيْبٍ قَوْلُهُ بَلَّتْ
تَمَرَاتٍ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ لَامٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ
أَنْقَعَتْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا
وَإِنَّمَا ضبطته لِأَنِّي رَأَيْته فِي شرح بن التِّينِ
ثَلَاثَ بِلَفْظِ الْعَدَدِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَزَادَ فِي
الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَقَالَتْ أَوْ قَالَ
كَذَا بِالشَّكِّ لِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَهُ
فَقَالَتْ أَوْ مَا تَدْرُونَ بِالْجَزْمِ وَتَقَدَّمَ فِي
الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ قَالَ سَهْلٌ وَهِيَ
الْمُعْتَمَدَةُ فَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلٍ
وَلَيْسَ لِأُمِّ أُسَيْدٍ فِيهِ رِوَايَةٌ وَعَلَى هَذَا
فَقَوْلُهُ أَتَدْرُونَ مَا أَنْقَعَتْ يَكُونُ بِفَتْحِ
الْعَيْنِ وَسُكُونِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَعَلَى
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَكُونُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ
وَضَمِّ التَّاءِ قَوْلُهُ فِي تَوْرٍ بِالْمُثَنَّاةِ
إِنَاءٌ يَكُونُ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَ
هُنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ حِجَارَةٍ قَوْلُهُ أَمَاثَتْهُ
بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ قَالَ بن التِّينِ كَذَا
وَقَعَ رُبَاعِيًّا وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَهُ
ثُلَاثِيًّا مَاثَتْهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ مَرَسَتْهُ
بِيَدِهَا يُقَالُ مَاثَهُ يَمُوثُهُ وَيَمِيثُهُ
بِالْوَاوِ وَبِالْيَاءِ وَقَالَ الْخَلِيلُ مِثْتُ
الْمِلْحَ فِي الْمَاءِ مَيْثًا أَذَبْتَهُ وَقَدِ
انْمَاثَ هُوَ اه وَقَدْ أَثْبَتُ الْهَرَوِيُّ
اللُّغَتَيْنِ مَاثَهُ وَأَمَاثَهُ ثُلَاثِيًّا
وَرُبَاعِيًّا قَوْلُهُ تُحْفَةٌ بِذَلِكَ كَذَا
لِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ تُحْفَةٌ بِوَزْنِ
لُقْمَةٍ وَلِلْأَصِيلِيِّ مِثْلُهُ وَعَنْهُ بِوَزْنِ
تَخُصُّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِابْنِ السَّكَنِ بِالْخَاءِ
وَالصَّادِ الثَّقِيلَةِ وَكَذَا هُوَ لِمُسْلِمٍ وَفِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَتْحَفَتْهُ بِذَلِكَ وَفِي
رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ وَفِي
الْحَدِيثِ جَوَازُ خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَمَنْ
يَدْعُوهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ
أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَمُرَاعَاةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا
مِنَ السِّتْرِ وَجَوَازُ اسْتِخْدَامِ الرَّجُلِ
امْرَأَتَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَشُرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ
فِي الْوَلِيمَةِ وَفِيهِ جَوَازُ إِيثَارَ كَبِيرِ
الْقَوْمِ فِي الْوَلِيمَةِ بِشَيْءٍ دُونَ مَنْ مَعَه
(9/251)
(قَوْلُهُ بَابُ النَّقِيعِ وَالشَّرَابِ
الَّذِي لَا يُسْكِرُ فِي الْعُرْسِ)
تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا
يُسْكِرُ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ قُرْبِ الْعَهْدِ بِالنَّقْعِ
لِقَوْلِهِ أَنْقَعَتْهُ مِنَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ فِي
مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ أَثْنَاءِ اللَّيْلِ إِلَى
أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَتَخَمَّرُ وَإِذَا لَمْ
يَتَخَمَّرْ لم يسكر قَوْلُهُ بَابُ الْمُدَارَاةِ هُوَ
بِغَيْرِ هَمْزٍ بِمَعْنَى الْمُجَامَلَةِ
وَالْمُلَايَنَةِ وَأَمَّا بِالْهَمْزِ فَمَعْنَاهُ
الْمُدَافَعَةُ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَقَوْلُهُ مَعَ
النِّسَاءِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ أَوْرَدَهُ
فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ الْمَرْأَةِ
كَالضِّلَعِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنَ
الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ
بِلَفْظِ إِنَّمَا فِي أَوَّلِهِ وَذَلِكَ أَنَّ
الْبُخَارِيَّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْأُوَيْسِيُّ قَالَ حَدثنِي مَالك
أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ
بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ وَمِنْ
طَرِيقِ إِسْحَاق بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ
الْأُوَيْسِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَأَوَّلُهُ
إِنَّمَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ عَنِ
الْأُوَيْسِيِّ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ
مَخْلَدٍ وَأَوَّلُهُ إِنَّ الْمَرْأَةَ وَكَذَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ
ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ
[5184] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ
فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ عِنْد
الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ مَالِكٍ
أَخْبَرَنِي أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنُ هُرْمُزَ وَهُوَ الْأَعْرَجُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَاقَ الْمَتْنَ بِنَحْوِ
لَفْظِ سُفْيَانَ لَكِنْ قَالَ عَلَى خَلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ
إِنَّمَا هيَ كَالضِّلَعِ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ لَنَا
بِلَفْظِ الْمُدَارَاةِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ
خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلَعٍ فَإِنْ تُقِمْهَا
تَكْسِرْهَا فدارها تعش بهَا أخرجه بن حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
وَقَوْلُهُ وَفِيهَا عِوَجٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ
الْوَاوِ بَعْدَهَا جِيمٌ للْأَكْثَر وبالفتح لبَعْضهِم
وَقَالَ أهل اللُّغَة الموج بِالْفَتْحِ فِي كُلِّ
مُنْتَصِبٍ كَالْحَائِطِ وَالْعُودِ وَشِبْهِهِ
وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ فِي بِسَاطٍ أَوْ أَرْضٍ أَو معاش
أَو دين وَنقل بن قُرْقُولٍ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ
الْفَتْحَ فِي الشَّخْصِ الْمَرْئِيِّ وَالْكَسْرَ فِيمَا
لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بِالْفَتْحِ
فِي الْأَجْسَامِ وَبِالْكَسْرِ فِي الْمَعَانِي وَهُوَ
نَحْوُ الَّذِي قَبْلَهُ وَانْفَرَدَ أَبُو عَمْرٍو
الشَّيْبَانِيّ فَقَالَ كِلَاهُمَا بِالْكَسْرِ ومصدرهما
بِالْفَتْح
(9/252)
(قَوْلُهُ بَابُ الْوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ)
بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورٌ
وَهِيَ لُغَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي
بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْوِصَايَةُ
[5185] قَوْلُهُ عَنْ ميسرَة هُوَ بن عَمَّارٍ
الْأَشْجَعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَدْءِ
الْخَلْقِ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الْأَشْجَعِيُّ سَلْمَانُ
مَوْلَى عَزَّةَ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ
ثَقِيلَةٍ قَوْلُهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْرًا الْحَدِيثَ هُمَا حَدِيثَانِ يَأْتِي
شَرْحُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ
وقداخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ شَيْخِ شَيْخِ
الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرِ الْحَدِيثَ
الْأَوَّلَ وَذَكَرَ بَدَلَهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ امْرُؤٌ
فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ وَالَّذِي
يَظْهَرُ أَنَّهَا أَحَادِيثُ كَانَتْ عِنْدَ حُسَيْنٍ
الْجُعْفِيِّ عَنْ زَائِدَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
فَرُبَّمَا جَمَعَ وَرُبَّمَا أَفْرَدَ وَرُبَّمَا
اسْتَوْعَبَ وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ
عَلِيٍّ مُقْتَصِرًا عَلَى الثَّانِي وَكَذَا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
عَنِ بن يَعْلَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِالْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ
وَزَادَ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ قِرَى ضَيْفِهِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ
فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ بِكَسْر الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ تُسَكَّنُ
وَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى مَا أخرجه بن إِسْحَاق
فِي الْمُبْتَدَأ عَن بن عَبَّاسٍ إِنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ
مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الاقصر الْأَيْسَر وَهُوَ نَائِم
وَكَذَا أخرجه بن أَبِي حَازِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
مُجَاهِدٍ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ
لِلْفُقَهَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ
النِّسَاءَ خُلِقْنَ مِنْ أَصْلٍ خُلِقَ مِنْ شَيْءٍ
مُعْوَجٍّ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الْمَاضِيَ
مِنْ تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِالضِّلْعِ بَلْ يُسْتَفَادُ
مِنْ هَذَا نُكْتَةُ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهَا عَوْجَاءُ
مِثْلُهُ لِكَوْنِ أَصْلِهَا مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ قَوْلُهُ
وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ذَكَرَ
ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الْكَسْرِ لِأَنَّ
الْإِقَامَةَ أَمْرُهَا أَظْهَرُ فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا
أَوْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَجِ
أَجْزَاءِ الضِّلْعِ مُبَالَغَةً فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ
الصِّفَةِ لَهُنَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ
ذَلِكَ مَثَلًا لِأَعْلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ أَعْلَاهَا
رَأْسُهَا وَفِيهِ لِسَانُهَا وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ
مِنْهُ الْأَذَى وَاسْتَعْمَلَ أَعْوَجَ وَإِنْ كَانَ مِنَ
الْعُيُوبِ لِأَنَّهُ أَفْعَلَ لِلصِّفَةِ وَأَنَّهُ
شَاذٌّ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الِالْتِبَاسِ
بِالصِّفَةِ فَإِذَا تَمَيَّزَ عَنْهُ بِالْقَرِينَةِ
جَازَ الْبِنَاءُ قَوْلُهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ
كَسَرْتَهُ الضَّمِيرُ لِلضِّلْعِ لَا لِأَعْلَى الضِّلْعِ
وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهُ إِنْ أَقَمْتَهَا
كَسَرْتَهَا وَالضَّمِيرُ أَيْضًا لِلضِّلْعِ وَهُوَ
يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
لِلْمَرْأَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَإِنِ
اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
بِكَسْرِهِ الطَّلَاقَ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي
رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا
وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ
يَزَلْ أَعْوَجَ أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمْهُ وَقَوْلُهُ
فَاسْتَوْصُوا أَيْ أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا
فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا
قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا
التَّقْدِيرِ أَنَّ الِاسْتِيصَاءَ اسْتِفْعَالٌ
وَظَاهِرُهُ
(9/253)
طَلَبُ الْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ هُوَ
الْمُرَادَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ تَوْجِيهَاتٌ أُخَرُ فِي
بَدْءِ الْخَلْقِ قَوْلُهُ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا كَانَ
فِيهِ رَمْزًا إِلَى التَّقْوِيمِ بِرِفْقٍ بِحَيْثُ لَا
يُبَالِغُ فِيهِ فَيَكْسِرُ وَلَا يَتْرُكُهُ
فَيَسْتَمِرُّ عَلَى عِوَجِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ
الْمُؤَلِّفُ بِإتْبَاعِهِ بِالتَّرْجَمَةِ الَّتِي
بَعْدَهُ بَابُ قُوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا فَيُؤْخَذُ
مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا عَلَى الِاعْوِجَاجِ إِذَا
تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ إِلَى
تَعَاطِي الْمَعْصِيَةِ بِمُبَاشَرَتِهَا أَوْ تَرْكِ
الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى
اعْوِجَاجِهَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَفِي
الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى الْمُدَارَاةِ لِاسْتِمَالَةِ
النُّفُوسِ وَتَأَلُّفِ الْقُلُوبِ وَفِيهِ سِيَاسَةُ
النِّسَاءِ بِأَخْذِ الْعَفْوِ مِنْهُنَّ وَالصَّبْرِ
عَلَى عِوَجِهِنَّ وَأَنَّ مَنْ رَامَ تَقْوِيمَهُنَّ
فَإِنَّهُ الِانْتِفَاعُ بِهِنَّ مَعَ أَنَّهُ لَا غِنَى
لِلْإِنْسَانِ عَنِ امْرَأَةٍ يَسْكُنُ إِلَيْهَا
وَيَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى مَعَاشِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ
الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالصَّبْرِ
عَلَيْهَا
[5187] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ
قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَوْلُهُ
كُنَّا نَتَّقِي أَيْ نَتَجَنَّبُ وَقَدْ بَيَّنَ سَبَبَ
ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هَيْبَةً أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْءٌ
أَيْ مِنَ الْقُرْآن وَوَقع صَرِيحًا فِي رِوَايَة بن
مهْدي عَن الثَّوْريّ عِنْد بن مَاجَهْ وَقَوْلُهُ
فَلَمَّا تُوُفِّيَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الَّذِي كَانُوا
يَتْرُكُونَهُ كَانَ مِنَ الْمُبَاحِ لَكِنَّ الَّذِي
يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَكَانُوا
يَخَافُونَ أَنْ يَنْزِلَ فِي ذَلِكَ مَنْعٌ أَوْ
تَحْرِيمٌ وَبَعْدَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ أَمِنُوا
ذَلِكَ فَفَعَلُوهُ تَمَسُّكًا بِالْبَرَاءَةِ
الْأَصْلِيَّة
(
قَوْله بَاب قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا)
تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
التَّحْرِيمِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث بن عمر كلكُمْ رَاع
وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ وَمُطَابَقَتُهُ ظَاهِرَةٌ
لِأَنَّ أَهْلَ الْمَرْءِ وَنَفسه من جملَة رَعيته وَهُوَ
مسؤول عَنْهُمْ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى
وِقَايَتِهِمْ مِنَ النَّارِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِ
اللَّهِ وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ
الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ مُسْتَوْفًى
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(9/254)
(قَوْلُهُ بَابُ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ
مَعَ الْأَهْلِ)
قَالَ بن الْمُنِيرِ نَبَّهَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى
أَنَّ إِيرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ يَعْنِي حَدِيثَ أُمِّ
زَرْعٍ لَيْسَ خَلِيًّا عَنْ فَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ
الْإِحْسَانُ فِي مُعَاشَرَةِ الْأَهْلِ قُلْتُ وَلَيْسَ
فِيمَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْرَدَ
الْحِكَايَةَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي
رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَلَيْسَتِ الْفَائِدَةُ مِنَ
الْحَدِيثِ مَحْصُورَةً فِيمَا ذُكِرَ بَلْ سَيَأْتِي لَهُ
فَوَائِدُ أُخْرَى مِنْهَا مَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ
النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَدْ شَرَحَ حَدِيثَ
أُمِّ زَرْعٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ شَيْخُ
الْبُخَارِيِّ رَوَيْنَا ذَلِكَ فِي جُزْءِ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ دِيزِيلَ الْحَافِظِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ وَأَبُو
(9/255)
عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي
غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ عِدَّةٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَحْفَظُ عَدَدَهُمْ
وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ فِيهِ مَوَاضِعَ أَبُو سَعِيدٍ
الضَّرِيرُ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ
قُتَيْبَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي تَأْلِيفٍ مُفْرَدٍ
وَالْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَثَابِتُ بْنُ
قَاسِمٍ وَشَرَحَهُ أَيْضًا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ
ثُمَّ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نَاصِحٍ ثُمَّ أَبُو
بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ ثُمَّ إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ
فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَمَعَهُ عَنْ
يَعْقُوبَ بْنِ السِّكِّيتِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ
وَعَنْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ
الْحَكِيمِ بْنُ حِبَّانَ الْمِصْرِيُّ ثُمَّ
الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ ثُمَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ
وَهُوَ أَجْمَعُهَا وَأَوْسَعُهَا وَأَخَذَ مِنْهُ غَالِبُ
الشُّرَّاحِ بَعْدَهُ وَقَدْ لَخَّصْتُ جَمِيعَ مَا
ذَكَرُوهُ
[5189] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنِي وَهُوَ
الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ الدِّمَشْقِيِّ
وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ بِضِمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُون
الْجِيم وَعِيسَى بن يُونُس أَي بن أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ وَوَقَعَ مَنْسُوبًا كَذَلِكَ عَنِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ وَأَبِي يَعْلَى عَنْ أَحْمَدَ بْنَ جَنَابٍ
بِجِيمٍ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ
هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ
وَهَذَا مِنْ نَوَادِرِ مَا وَقَعَ لِهِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ حَيْثُ أَدْخَلَ
بَيْنَهُمَا أَخًا لَهُ وَاسِطَةٌ وَمِثْلُهُ مَا
سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ
هِشَامِ بَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ عَنْ
عُرْوَةَ وَمَضَت لَهُ فِي رِوَايَة بِوَاسِطَة اثْنَيْنِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى عِيسَى
بْنِ يُونُسَ فِي إِسْنَادِهِ وَسِيَاقِهِ لَكِنْ حَكَى
عِيَاضٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ الْحَرَّانِيِّ
أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عِيسَى فَقَالَ فِي أَوَّلِهِ عَنْ
عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَسَاقَهُ بِطُولِهِ مَرْفُوعًا كُلَّهُ وَكَذَا
حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ
يُونُسَ وَتَابَعَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ عَلَى رِوَايَةٍ
مُفَصَّلًا فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ سُوَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيز وَكَذَا سعيد بن سَلمَة عَن أبي الحسام
كِلَاهُمَا عَن هِشَام وَسَتَأْتِي رِوَايَته تَعْلِيقا
وأذكر من وَصلهَا عِنْد الْفَرَاغ مَنْ شَرَحَ الْحَدِيثَ
وَخَالَفَهُمُ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فِيمَا أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ
الْأَفْرَادِ فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَخِيهِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَخَطَّأَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَصَوَّبَ أَنَّهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ
وَعَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ وَرِوَايَتُهُمَا عِنْدَ
النَّسَائِيِّ وَالدَّرَاوَرْدِيِّ وَعَبْدِ الله بن مُصعب
وروايتهما عِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَأَبُو
أُوَيْسٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُهُ عَنْهُ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ
أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَأَدْخَلَ
بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً أَيْضًا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ
أَيْضًا فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ لَكِنِ اقْتَصَرَ
عَلَى الْمَرْفُوعِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْبَزَّارُ قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَدْفُوعٍ فَقَدْ
رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ أَيْضًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي
يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ اه وَرَوَاهُ عَنْ
عُرْوَةَ أَيْضًا حَفِيدُهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُرْوَةَ وَأَبُو الزِّنَادِ وَأَبُو الْأَسْوَدِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ إِلَّا
أَنَّهُ كَانَ يقْتَصِرُ عَلَى الْمَرْفُوعِ مِنْهُ
وَيُنْكِرُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ سِيَاقَهُ
بِطُولِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا كَانَ عُرْوَةُ يُحَدَّثُنَا
بِذَلِكَ فِي السَّفَرِ بِقِطْعَةٍ مِنْهُ ذَكَرَهُ أَبُو
عُبَيْدٍ الْآَجُرِّيُّ فِي أَسْئِلَتِهِ عَنْ أَبِي
دَاوُدَ قُلْتُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَرْكِ
أَحْمَدَ تَخْرِيجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مَعَ كِبَرِهِ وَقَدْ
حَدَّثَ بِهِ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَحْمَدَ لَكِنْ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَقَالَ
الْعُقَيْلِيُّ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ لَمْ يَرْفَعْهُ
إِلَّا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قُلْتُ الْمَرْفُوعُ مِنْهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ كنت لَك كَأبي زرع لَام زَرْعٍ
وَبَاقِيهِ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَجَاءَ خَارِجَ
الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا كُلُّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ
بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَسَاقَهُ بِسِيَاقٍ
لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَلَفْظُهُ قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ لَكِ
كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ بِأَبِي
وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ كَانَ أَبُو زَرْعٍ
قَالَ اجْتَمَعَ نِسَاءٌ فَسَاقَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ
وَجَاءَ مَرْفُوعًا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ
(9/256)
بْنِ مُصْعَبٍ وَالدَّرَاوَرْدِيِّ عِنْدَ
الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ
عَنْ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الَمْدِينَةِ عَنْ
عُرْوَةَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ
أَيْضًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذِكْرَ
رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ
كَذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ وَكَذَا ظِاهِرُ رِوَايَةِ
حَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ
فَإِنَّ أَوَّلَهُ عِنْدَهُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي
زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ حَدِيثَ
أُمِّ زَرْعٍ قَالَ عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
فَاعِلُ أَنْشَأَ هُوَ عُرْوَةُ فَلَا يَكُونُ مَرْفُوعًا
وَأَخَذَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَجَزَمَ
بِهِ وَزَعَمَ أَنَّ مَا عَدَاهُ وَهَمٌ وَسَبَقَهُ إِلَى
ذَلِك بن الْجَوْزِيِّ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ
فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ
وَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ
الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَلَفْظُهُ كُنْتُ لَكِ
كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ
فَانْتَفَى الِاحْتِمَالُ وَيُقَوِّي رَفْعَ جَمِيعِهِ
أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمُتَّفَقَ عَلَى رَفْعِهِ يَقْتَضِي
أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَمِعَ الْقِصَّةَ وَعَرَفَهَا فَأَقَرَّهَا
فَيَكُونُ كُلُّهُ مَرْفُوعًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ
وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الدَّارَقُطْنِيِّ
وَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ النُّقَّادِ أَنَّ
الْمَرْفُوعَ مِنْهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَالْبَاقِيَ مَوْقُوفٌ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ هُوَ أَنَّ
الَّذِي تَلَفَّظَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله وَسَلَّمَ
لَمَّا سَمِعَ الْقِصَّةَ مِنْ عَائِشَةَ هُوَ
التَّشْبِيهُ فَقَطْ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ لَيْسَ
بِمَرْفُوعٍ حُكْمًا وَيَكُونُ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ
فَنَسَبَ قَصَّ الْقِصَّةِ مِنِ ابْتِدَائِهَا إِلَى
انْتِهَائِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَاهِمًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه قَوْله جلس
إِحْدَى عشرَة قَالَ بن التِّينِ التَّقْدِيرُ جَلَسَ
جَمَاعَةٌ إِحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ مثل وَقَالَ نسْوَة فِي
الْمَدِينَة وفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ جَلَسَتْ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي مُسْلِمٍ
جَلَسْنَ بِالنُّونِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ
اجْتَمَعَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ اجْتَمَعَتْ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى اجْتَمَعْنَ قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ زِيَادَةُ النُّونِ عَلَى لُغَةِ
أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَقَدْ أَثْبَتَهَا جَمَاعَةٌ
مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا لَهَا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَقَوله تَعَالَى فعموا وصموا كثير مِنْهُم
وَحَدِيثِ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَقَوْلِ
الشَّاعِرِ بِحَوْرَانَ يعصرون السليط أَقَاربه وَقَوله
يلومونني فِي اشْتِرَاء النخيل قَوْمِي فَكُلُّهُمْ
يَعْذِلُ وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ رَدَّ هَذِهِ
اللُّغَةِ إِلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَنْ لَا
يُلْحَقَ عَلَامَةُ الْجَمْعِ وَلَا التَّثْنِيَةِ وَلَا
التَّأْنِيثِ فِي الْفِعْلِ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى
الْأَسْمَاءِ وَخَرَّجَ لَهَا وُجُوهًا وَتَقْدِيرَاتٍ فِي
غَالِبِهَا نَظَرٌ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ
ثُبُوتِهَا نَقْلًا وَصِحَّتِهَا اسْتِعْمَالًا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَقَالَ عِيَاضٌ الْأَشْهَرُ مَا وَقَعَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْفِعْلِ مَعَ الْجَمْعِ
قَالَ سِيبَوَيْهِ حُذِفَ اكْتِفَاءً بِمَا ظَهَرَ تَقُولُ
مَثَلًا قَامَ قَوْمُكَ فَلَوْ تَقَدَّمَ الِاسْمُ لَمْ
يُحْذَفْ فَتَقُولُ قَوْمُكَ قَامَ بَلْ قَامُوا وَمِمَّا
يُوَجِّهُ مَا وَقَعَ هُنَا أَنْ يَكُونَ إِحْدَى عَشْرَةَ
بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي اجْتَمَعْنَ وَالنُّونُ عَلَى
هَذَا ضَمِيرٌ لَا حَرْفٌ عَلَامَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ
خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ هُنَّ
فَقِيلَ إِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي
وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِحْدَى
عَشْرَةَ نِسْوَةً قَالَ فَإِنْ كَانَ بِالنَّصْبِ
احْتَاجَ إِلَى إِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ بِالرَّفْعِ فَهُوَ
بَدَلٌ مِنْ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا قَالَ
الْفَارِسِيُّ هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَطَّعْنَاهُمْ وَلَيْسَ
بِتَمْيِيزٍ اه وَقَدْ جَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ
تَمْيِيزًا بِتَأْوِيلٍ يَطُولُ شَرْحُهُ وَوَقَعَ لِهَذَا
الْحَدِيثِ سَبَب عِنْد انسائي مِنْ طَرِيقِ عُمَرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة
قَالَت فخرت بِمَالِ أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ
أَلْفَ أَلْفِ أُوقِيَّةٍ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْكُتِي يَا عَائِشَةُ
فَإِنِّي كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ
وَوَقَعَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو
الْقَاسِمِ عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ
(9/257)
لَهُ مُرْسَلٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
عُفَيْرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَارِث عَن الْأسود بن جبر المغاري قَالَ دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ وَقَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ
فَقَالَ مَا أَنْتِ بِمُنْتَهِيَةٍ يَا حُمَيْرَاءُ عَن
ابْنَتي أَن مثلي وَمثلك كَأَبِي زَرْعٍ مَعَ أُمِّ زَرْعٍ
فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْهُمَا
فَقَالَ كَانَتْ قَرْيَةٌ فِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ
امْرَأَةً وَكَانَ الرِّجَالُ خُلُوفًا فَقُلْنَ
تَعَالَيْنَ نَتَذَاكَرْ أَزْوَاجَنَا بِمَا فِيهِمْ وَلَا
نَكْذِبْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي
صَحِيحِهِ بِلَفْظِ كَانَ رَجُلٌ يُكَنَّى أَبَا زَرْعٍ
وَامْرَأَتُهُ أُمُّ زَرْعٍ فَتَقُولُ أَحْسَنَ لِي أَبُو
زَرْعٍ وَأَعْطَانِي أَبُو زَرْعٍ وَأَكْرَمَنِي أَبُو
زَرْعٍ وَفَعَلَ بِي أَبُو زَرْعٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي بَعْضُ
نِسَائِهِ فَقَالَ يَخُصُّنِي بِذَلِكَ يَا عَائِشَةُ
أَنَا لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا حَدِيثُ أَبِي زَرْعٍ وَأُمِّ زَرْعٍ
قَالَ إِنَّ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْيَمَنِ كَانَ بِهَا
بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ الْيَمَنِ وَكَانَ مِنْهُنَّ إِحْدَى
عَشْرَةَ امْرَأَةً وَأَنَّهُنَّ خَرَجْنَ إِلَى مَجْلِسٍ
فَقُلْنَ تَعَالَيْنَ فَلْنَذْكُرْ بُعُولَتَنَا بِمَا
فِيهِمْ وَلَا نَكْذِبْ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ مَعْرِفَةُ جِهَةِ قَبِيلَتِهِنَّ
وَبِلَادِهِنَّ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ
أَنَّهُنَّ كُنَّ بِمَكَّةَ وَأَفَادَ أَبُو مُحَمَّدِ
بْنُ حزم فِيمَا نَقله عِيَاض انه نَكُنْ مِنْ خَثْعَمٍ
وَهُوَ يُوَافِقُ رِوَايَةَ الزُّبَيْرِ أَنَّهُنَّ من أهل
الْيمن وَوَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُنَّ كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَذَا
عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ
عَنْ هِشَامٍ وَحَكَى عِيَاضٌ ثُمَّ النَّوَوِيُّ قَوْلَ
الْخَطِيبِ فِي الْمُبْهَمَاتِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا
سَمَّى النِّسْوَةَ الْمَذْكُورَاتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ
زَرْعٍ إِلَّا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي أَذْكُرُهُ وَهُوَ
غَرِيبٌ جِدًّا ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ
بْنِ بَكَّارٍ قُلْتُ وَقَدْ سَاقَهُ أَيْضًا أَبُو
الْقَاسِمِ عَبْدُ الْحَكِيمِ الْمَذْكُورُ مِنَ
الطَّرِيقِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي قَدَّمْتُ ذِكْرَهَا
فَإِنَّهُ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ
بِسَنَدِهِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنَ الطَّرِيقِ الْمُرْسَلَةِ
وَقَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ وَسَمَّى بن
دُرَيْدٍ فِي الْوِشَاحِ أُمَّ زَرْعٍ عَاتِكَةَ ثُمَّ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ يَعْنِي سِيَاقَ الزُّبَيْرِ
بْنِ بَكَّارٍ أَنَّ الثَّانِيَةَ اسْمُهَا عَمْرَةُ
بِنْتُ عَمْرٍو وَاسْمُ الثَّالِثَةِ حُبَّى بِضَمِّ
الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ مَقْصُورٌ
بِنْتُ كَعْبٍ وَالرَّابِعَةُ مَهْدَدُ بِنْتُ أَبِي
هَزُومَةَ وَالْخَامِسَةُ كَبْشَةُ وَالسَّادِسَةُ هِنْدٌ
وَالسَّابِعَةُ حُبَّى بِنْتُ عَلْقَمَةَ وَالثَّامِنَةُ
بِنْتُ أَوْسِ بْنِ عَبْدٍ وَالْعَاشِرَةُ كَبْشَةُ بِنْتُ
الْأَرْقَمِ اه وْلَمْ يُسَمِّ الْأُولَى وَلَا
التَّاسِعَةَ وَلَا أَزْوَاجَهُنَّ وَلَا ابْنَةَ أَبِي
زَرْعٍ وَلَا أُمَّهُ وَلَا الْجَارِيَةَ وَلَا الْمَرْأَة
الَّتِي تزَوجهَا أَبُو زر وَلَا الرَّجُلَ الَّذِي
تَزَوَّجَتْهُ أُمُّ زَرْعٍ وَقَدْ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ
مِنَ الشُّرَّاحِ بَعْدَهُ وَكَلَامُهُمْ يُوهِمُ أَنَّ
تَرْتِيبَهُنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ كَتَرْتِيبِ
رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ
الْأَوْلَى عِنْدَ الزُّبَيْرِ وَهِي الَّتِي لم يسمهَا
هِيَ الرَّابِعَة هُنَا وَالثَّانيَِة فِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ هِيَ الثَّامِنَةُ هُنَا والثَّالِثَةُ عِنْد
الزُّبَيْرِ هِيَ الْعَاشِرَةُ هُنَا وَالرَّابِعَةُ
عِنْدَ الزُّبَيْرِ هِيَ الْأُولَى هُنَا وَالْخَامِسَةُ
عِنْدَهُ هِيَ التَّاسِعَةُ هُنَا والسَّادِسَةُ عِنْدَهُ
هِيَ السَّابِعَةُ هُنَا وَالسَّابِعَةُ عِنْدَهُ هِيَ
الْخَامِسَةُ هُنَا وَالثَّامِنَةُ عِنْدَهُ هِيَ
السَّادِسَةُ هُنَا وَالتَّاسِعَةُ عِنْدَهُ هِيَ
الثَّانِيَةُ هُنَا وَالْعَاشِرَةُ عِنْدَهُ هِيَ
الثَّالِثَةُ هُنَا وَقَدِ اخْتَلَفَ كَثِيرٌ مِنْ رُوَاةِ
الْحَدِيثِ فِي تَرْتِيبِهِنَّ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ
وَلَا أَثَرَ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ إِذْ
لَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهُنَّ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ
بْنِ سَلَمَةَ مُنَاسَبَةٌ وَهِيَ سِيَاقُ الْخَمْسَةِ
اللَّاتِي ذَمَمْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عَلَى حِدَةٍ
وَالْخَمْسَةُ اللَّاتِي مَدَحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عَلَى
حِدَةٍ وَسَأُشِيرُ إِلَى تَرْتِيبِهِنَّ فِي الْكَلَامِ
عَلَى قَوْلِ السَّادِسَةِ هُنَا وَقَدْ أَشَارَ إِلَى
ذَلِكَ فِي قَوْلِ عُرْوَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَامِسَةِ
فَهَؤُلَاءِ خَمْسٌ يَشُكُونَ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى
رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بِخُصُوصِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ
التَّسْمِيَةِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ فِي سِيَاقِ
الْأَعْدَادِ فَيَظُنُّ مِنْ
(9/258)
لَمْ يَقِفْ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ أَنَّ
الثَّانِيَةَ الَّتِي سُمِّيَتْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَمْرٍو
هِيَ الَّتِي قَالَت زَوجي لَا أبث خَبره وَلَيْسَ كَذَلِك
بَلْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ زَوْجِيَ الْمَسُّ مَسُّ
أَرْنَبٍ وَهَكَذَا إِلَخْ فَلِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ
فَائِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَوْلُهُ
فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَيْ ألْزَمْنَ أَنْفُسَهُنَّ
عَهْدًا وَعَقَدْنَ عَلَى الصِّدْقِ مِنْ ضَمَائِرِهِنَّ
عَقْدًا قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ فِي رِوَايَةِ بن
أَبِي أُوَيْسٍ وَعُقْبَةَ أَنْ يَتَصَادَقْنَ بَيْنَهُنَّ
وَلَا يكتمن وَفِي رِوَايَة سعيد بن سَلَمَةَ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ أَنْ يَنْعَتْنَ أَزْوَاجَهُنَّ
وَيَصْدُقْنَ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ فَتَبَايِعْنَ
عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ قَالَتِ الْأَوْلَى زَوْجِي لَحْمُ
جَمَلٍ غَثٍّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ
الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ صِفَةً لِلْجَمَلِ
وَرَفعه صفة للحم قَالَ بن الْجَوْزِيّ الْمَشْهُور فِي
الرِّوَايَة الْخَفْض وَقَالَ بن نَاصِرٍ الْجَيِّدُ
الرَّفْعُ وَنَقْلَهُ عَنِ التَّبْرِيزِيِّ وَغَيْرِهِ
وَالْغَثُّ الْهَزِيلُ الَّذِي يُسْتَغَثُّ مِنْ هُزَالِهِ
أَيْ يُسْتَتْرَكُ وَيُسْتَكْرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ
قَوْلِهِمْ غَثَّ الْجُرْحُ غثًّا وَغَثِيثًا إِذَا سَالَ
مِنْهُ الْقَيْحُ وَاسْتَغَثَّهُ صَاحِبُهُ وَمِنْهُ
أَغَثُّ الْحَدِيثِ وَمِنْهُ غَثَّ فُلَانٌ فِي خُلُقِهِ
وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُقَابَلَةِ السَّمِينِ
فَيُقَالُ لِلْحَدِيثِ الْمُخْتَلِطِ فِيهِ الْغَثُّ
وَالسَّمِينُ قَوْلُهُ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي رِوَايَةِ
أَبِي عُبَيدٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَعْرٍ وَفِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ بْنِ بِكَارٍ وعث وَهِي اوفق للسجع وَالْأول
ظَاهر أَي كثير الضجر شَدِيد الغلظة يَصْعُبُ الرُّقِيُّ
إِلَيْهِ وَالْوَعْثُ بِالْمُثَلَّثَةِ الصَّعْبُ
الْمُرْتَقَى بِحَيْثُ تُوحِلُ فِيهِ الْأَقْدَامُ فَلَا
يَتَخَلَّصُ مِنْهُ ويشق فِيهِ الْمَشْيُ وَمِنْهُ
وَعْثَاءُ السَّفَرِ قَوْلُهُ لَا سَهْلَ بِالْفَتْحِ
بِلَا تَنْوِينٍ وَكَذَا وَلَا سَمِينَ وَيجوز فيهمَا
الرَّفْعُ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ أَيْ لَا هُوَ
سَهْلٌ وَلَا سَمِينٌ وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُمَا
صِفَةُ جَمَلٍ وَجَبَلٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُقْبَةَ
بْنِ خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ
بِالنَّصْبِ مِنْونًا فِيهِمَا لَا سَهْلًا وَلَا سَمِينًا
وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ
عِنْدَهُ لَا بِالسَّمِينِ وَلَا بِالسَّهْلِ قَالَ
عِيَاضٌ أَحْسَنُ الْأَوْجُهِ عِنْدِيَ الرَّفْعُ فِي
الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ
وَتَصْحِيحِ الْمَعْنَى لَا من جِهَة تَقْوِيمِ اللَّفْظِ
وَذَلِكَ أَنَّهَا أَوْدَعَتْ كَلَامَهَا تَشْبِيهَ
شَيْئَيْنِ بِشَيْئَيْنِ شَبَّهَتْ زَوْجَهَا بِاللَّحْمِ
الْغَثِّ وَشَبَّهَتْ سُوءَ خُلُقِهِ بِالْجَبَلِ
الْوَعِرِ ثُمَّ فَسَّرَتْ مَا اجملت فَكَأَنَّهَا قَالَت
لَا الْجَبَل سهلا فَلَا يَشُقُّ ارْتِقَاؤُهُ لِأَخْذِ
اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَ هزيلا لِأَن الشَّيْء المزهود
فِيهِ أَن يُؤْخَذ إِذا وجد بِغَيْر نصب ثمَّ قَالَت وَلَا
اللَّحْمُ سَمِينٌ فَيَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ فِي صُعُودِ
الْجَبَلِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِهِ قَوْلُهُ فَيُرْتَقَى أَيْ
فَيُصْعَدُ فِيهِ وَهُوَ وَصْفٌ لِلْجَبَلِ وَفِي
رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِي لَا سَهْلَ فَيُرْتَقَى إِلَيْهِ
قَوْلُهُ وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ فِي رِوَايَةِ أَبِي
عَبِيدٍ فَيُنْتَقَى وَهَذَا وَصْفُ اللَّحْمِ
وَالْأَوَّلُ مِنَ الِانْتِقَالِ أَيْ أَنَّهُ لِهُزَالِهِ
لَا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِيهِ فَيُنْتَقَلُ إِلَيْهِ يُقَالُ
انْتَقَلْتُ الشَّيْءَ أَيْ نَقَلْتُهُ وَمَعْنَى
يُنْتَقَى لَيْسَ لَهُ نِقْيٌ يُسْتَخْرَجُ وَالنِّقْيُ
الْمُخُّ يُقَالُ نَقَوْتُ الْعَظْمَ وَنَقَّيْتُهُ
وَانْتَقَيْتُهُ إِذَا اسْتَخْرَجْتَ مُخَّهُ وَقَدْ
كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي اخْتِيَارِ الْجَيِّدِ مِنَ
الرَّدِيءِ قَالَ عِيَاضٌ أَرَادَتْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
نقي فَطلب لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنَ النِّقْيِ وَلَيْسَ
الْمُرَادُ أَنَّهُ فِيهِ نِقْيٌ يُطْلَبُ اسْتِخْرَاجُهُ
قَالُوا آخَرُ مَا يَبْقَى فِي الْجَمَلِ مُخُّ عَظْمِ
الْمَفَاصِلِ وَمُخُّ الْعَيْنِ وَإِذَا نَفِدَا لَمْ
يَبْقَ فِيهِ خَيْرٌ قَالُوا وَصَفَتْهُ بِقِلَّةِ
الْخَيْرِ وَبُعْدِهِ مَعَ الْقلَّة فشبهته بِاللَّحْمِ
الَّذِي صغرت عِظَامه من النِّقْيِ وَخَبُثُ طَعْمُهُ
وَرِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي مرتقى يشق الْوُصُول إِلَيْهِ
فَلَا يرغب أحدا فِي طَلَبِهِ لِيَنْقُلَهُ إِلَيْهِ مَعَ
تَوَفُّرِ دَوَاعِي أَكْثَرِ النَّاسِ عَلَى تَنَاوُلِ
الشَّيْءِ الْمَبْذُولِ مَجَّانًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ
فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ قَلِيلُ الْخَيْرِ مِنْ
أَوْجُهٍ مِنْهَا كَوْنُهُ كَلَحْمِ الْجَمَلِ لَا
كَلَحْمِ الضَّأْنِ مَثَلًا وَمِنْهَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ
مَهْزُولٌ رَدِيءٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ
الضَّرِيرِ لَيْسَ فِي اللُّحُومِ أَشَدُّ غَثَاثَةً مِنْ
لَحْمِ الْجَمَلِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ خُبْثَ الطَّعْمِ
وَخُبْثَ الرِّيحِ وَمِنْه أَنَّهُ صَعْبُ التَّنَاوُلِ
لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ
وَذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ إِلَى أَنَّ تَشْبِيهَهَا
بِالْجَبَلِ الْوَعِرِ إِشَارَةٌ إِلَى سُوءِ خُلُقِهِ
وَأَنَّهُ يترفع ويتكبر ويسمو بِنَفسِهِ فَوق موضعهَا فِي
فَيَجْمَعُ الْبُخْلَ وَسُوءَ الْخُلُقِ وَقَالَ عِيَاضٌ
شَبَّهَتْ وُعُورَةَ خُلُقِهِ بِالْجَبَلِ
(9/259)
وَبُعْدَ خَيْرِهِ بِبُعْدِ اللَّحْمِ
عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ وَالزُّهْدَ فِيمَا يُرْجَى مِنْهُ
مَعَ قِلَّتِهِ وَتَعَذُّرِهِ بِالزُّهْدِ فِي لَحْمِ
الْجَمَلِ الْهَزِيلِ فَأَعْطَتِ التَّشْبِيهَ حَقَّهُ
وَوَفَّتْهُ قِسْطَهُ قَوْلُهُ قَالَتِ الثَّانِيَةُ
زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ
الْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا عِيَاضٌ أَنُثُّ
بِالنُّونِ بَدَلَ الْمُوَحِّدَةِ أَيْ لَا أُظْهِرُ
حَدِيثَهُ وَعَلَى رِوَايَةِ النُّونِ فَمُرَادُهَا
حَدِيثُهُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّ النَّثَّ
بِالنُّونِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ لَا أَنِمُّ
بِنُونٍ وَمِيمٍ مِنَ النَّمِيمَةِ قَوْلُهُ إِنِّي
أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ أَيْ أَخَافُ أَنْ لَا أَتْرُكَ
مِنْ خَبَرِهِ شَيْئًا فَالضَّمِيرُ لِلْخَبَرِ أَيْ
أَنَّهُ لِطُولِهِ وَكَثْرَتِهِ إِنْ بَدَأْتُهُ لَمْ
أَقَدِرْ عَلَى تكميله فاكتفت بالاشار إِلَى معيابه
خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْخَطْبُ بِإِيرَادِ جَمِيعِهَا
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ
النَّسَائِيِّ أَخْشَى أَنْ لَا أَذَرَهُ مِنْ سُوءٍ
وَهَذَا تَفْسِير بن السِّكِّيتِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي
رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا
أَذَرَهُ أَذْكُرُهُ وَأَذْكُرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ الضَّمِيرُ لِزَوْجِهَا وَعَلَيْهِ
يَعُودُ ضَمِيرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ بِلَا شَكٍّ
كَأَنَّهَا خَشِيَتْ إِذَا ذَكَّرَتْ مَا فِيهِ أَنْ
يَبْلُغَهُ فَيُفَارِقَهَا فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَخَافُ
أَنْ لَا أَقْدِرَ عَلَى تَرْكِهِ لِعَلَاقَتِي بِهِ
وَأَوْلَادِي مِنْهُ وأذره بِمَعْنى أفارقه فاكتفت
بِالْإِشَارَةِ إِلَى أَنه لَهُ مَعَايِبَ وَفَاءً بِمَا
الْتَزَمَتْهُ مِنَ الصِّدْقِ وَسَكَتَتْ عَنْ
تَفْسِيرِهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي اعْتَذَرَتْ بِهِ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ زَوْجِي مَنْ لَا
أَذْكُرُهُ وَلَا أَبُثُّ خَبَرَهُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ
بِالسَّجْعِ قَوْلُهُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ بِضَمِّ
أَوَّلِهِ وَفَتَحِ الْجِيمِ فِيهِمَا الْأَوَّلُ بِعَيْنٍ
مُهْمَلَةٍ وَالثَّانِي بِمُوَحَّدَةٍ جَمْعُ عجْرَة وبجرة
بِضَم ثمَّ سُكُون فالعجر تَعْقِدُ الْعَصَبَ وَالْعُرُوقَ
فِي الْجَسَدِ حَتَّى تَصِيرَ نَاتِئَةً وَالْبُجَرُ
مِثْلُهَا إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالَّتِي تَكُونُ
فِي الْبَطْنِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وغَيْرُهُ وَقَالَ
بن الْأَعْرَابِيِّ الْعُجْرَةُ نَفْخَةٌ فِي الظَّهْرِ
وَالْبُجْرَةُ نَفْخَةٌ فِي السُّرَّة وَقَالَ بن أَبِي
أُوَيْسٍ الْعُجَرُ الْعُقَدُ الَّتِي تَكُونُ فِي
الْبَطْنِ وَاللِّسَانِ وَالْبُجْرُ الْعُيُوبُ وَقِيلَ
الْعُجَرُ فِي الْجَنْبِ وَالْبَطْنِ وَالْبُجْرُ فِي
السُّرَّةِ هَذَا أَصْلُهُمَا ثُمَّ اسْتُعْمِلَا فِي
الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَمِنْهُ قَوْلُ عَلَيٍّ يَوْمَ
الْجَمَلِ أَشْكُو إِلَى اللَّهِ عُجَرِي وَبُجَرِي
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ اسْتُعْمِلَا فِي الْمَعَايِبِ
وَبِهِ جزم بن حَبِيبٍ وَأَبُو عُبَيدٍ الْهَرَوِيُّ
وَقَالَ أَبُو عُبَيدِ بن سَلام ثمَّ بن السّكيت استعملا
فِيمَا يَكْتُمهُ المر وَيُخْفِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَبِهِ
جَزَمَ الْمُبَرِّدُ قَالَ الْخطاب أَرَادَتْ عُيُوبَهُ
الظَّاهِرَةَ وَأَسْرَارَهُ الْكَامِنْةَ قَالَ
وَلَعَلَّهُ كَانَ مَسْتُورَ الظَّاهِرِ رَدِيءَ
الْبَاطِنِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ عَنَتْ أَنَّ
زَوْجَهَا كَثِيرُ الْمَعَايِبِ مُتَعَقِّدُ النَّفْسِ
عَنِ الْمَكَارِمِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْعُجَرُ
الْعُقَدُ تَكُونُ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ وَالْبُجْرُ
تَكُونُ فِي الْقلب وَقَالَ بن فَارِسٍ يُقَالُ فِي
الْمَثَلِ أَفْضَيْتُ إِلَيْهِ بِعُجَرِي وَبُجَرِي أَيْ
بِأَمْرِي كُلِّهِ قَوْلُهُ قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوْجِيَ
الْعَشَنَّقُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ
وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ
قَالَ أَبُو عُبَيدٍ وَجَمَاعَةٌ هُوَ الطَّوِيلُ زَادَ
الثَّعَالِبِيُّ الْمَذْمُومُ الطَّولِ وَقَالَ الْخَلِيل
هُوَ الطَّوِيل الْعُنُق وَقَالَ بن أَبِي أُوَيْسٍ
الصَّقْرُ مِنَ الرِّجَالِ الْمِقْدَامُ الْجَرِيءُ وَحكى
بن الْأَنْبَارِي عَن بن قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ
الْقَصِيرُ ثُمَّ قَالَ كَأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنَ
الْأَضْدَادِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تُصُحِّفَ عَلَيْهِ بِمَا
قَالَ بن أبي أويس قَالَه عِيَاض وَقد قَالَ بن حَبِيبٍ
هُوَ الْمِقْدَامُ عَلَى مَا يُرِيدُ الشَّرِسُ فِي
أُمُوره وَقيل السيء الْخلق وَقَالَ الْأَصْمَعِي أَرَادَت
أَنه لَيْسَ عِنْده أَكْثَرَ مِنْ طُولِهِ بِغَيْرِ نَفْعٍ
وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الْمُسْتَكْرَهُ الطُّولِ وَقِيلَ
ذَمَّتْهُ بِالطُّولِ لِأَنَّ الطُّولَ فِي الْغَالِبِ
دَلِيلُ السَّفَهِ وَعُلِّلَ بِبُعْدِ الدِّمَاغِ عَنِ
الْقَلْبِ وَأَغْرَبَ مَنْ قَالَ مَدَحَتْهُ بالطول لِأَن
الْعَرَب تتمدح بذلك وَتعقب بِأَن سياقها يَقْتَضِي
أَنَّهَا ذمَّته وَأجَاب عَنهُ بن الْأَنْبَارِيِّ
بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ مَدْحَ خَلْقِهِ
وَذَمَّ خُلُقِهِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ مَنْظَرٌ
بِلَا مَخْبَرٍ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ
الضَّرِيرُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْعَشَنَّقَ الطَّوِيلُ
النَّجِيبُ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ نَفْسِهِ وَلَا
تَحَكَّمُ النِّسَاءُ فِيهِ بَلْ يَحْكُمُ فِيهِنَّ بِمَا
شَاءَ فَزَوْجَتُهُ تَهَابُهُ
(9/260)
أَنْ تَنْطِقَ بِحَضْرَتِهِ فَهِيَ
تَسْكُتُ عَلَى مَضَضٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهِيَ مِنَ
الشِّكَايَةِ الْبَلِيغَةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ السِّكِّيتِ مِنَ
الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ عَلَى حَدِّ السِّنَانِ
الْمُذَلَّقِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ
أَيِ الْمُجَرَّدِ بِوَزْنِهِ وَمَعْنَاهُ تُشِيرُ إِلَى
أَنَّهَا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ
أَرَادَتْ بِهَذَا أَنَّهُ أَهْوَجُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى
حَالٍ كالسنان الشَّدِيدَة الْحِدَّةِ قَوْلُهُ إِنَّ
أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ أَيْ إِنْ
ذَكَرْتُ عُيُوبَهُ فَيَبْلُغُهُ طَلَّقَنِي وَإِنْ
سَكَتُّ عَنْهَا فَأَنَا عِنْدَهُ مُعَلَّقَةٌ لَا ذَاتُ
زَوْجٍ وَلَا أَيِّمٌ كَمَا وَقَعَ فِي تَفْسِير قَوْله
تَعَالَى فتذروها كالمعلقة فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَنَا
عِنْدَهُ لَا ذَاتُ بَعْلٍ فأنتفع بِهِ وَلَا مُطلقَة
فاتفرغ لغيره فهمي كَالْمُعَلَّقَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ
وَالسُّفْلِ لَا تَسْتَقِرُّ بِأَحَدِهِمَا هَكَذَا
تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ تَبَعًا لِأَبِي
عُبَيْدٍ وَفِي الشِّقِّ الثَّانِي عِنْدِي نَظَرٌ
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهَا لَانْطَلَقَتْ
لِيُطَلِّقَهَا فَتَسْتَرِيحُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي
أَيْضًا أَنَّهَا أَرَادَتْ وَصْفَ سُوءِ حَالِهَا
عِنْدَهُ فَأَشَارَتْ إِلَى سُوءِ خُلُقِهِ وَعَدَمِ
احْتِمَالِهِ لِكَلَامِهَا إِنْ شَكَتْ لَهُ حَالَهَا
وَإِنَّهَا تعلم أنهى مَتَى ذَكَرَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ بَادَرَ إِلَى طَلَاقِهَا وَهِيَ لَا تُؤْثِرُ
تَطْلِيقَهُ لِمَحَبَّتِهَا فِيهِ ثُمَّ عَبَّرَتْ
بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا إِنْ
سَكَتَتْ صَابِرَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالِ كَانَتْ
عِنْدَهُ كَالْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَا ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا
أَيِّمٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا أُعَلَّقْ
مُشْتَقًّا مِنْ عَلَاقَةِ الْحُبِّ أَوْ مِنْ عَلَاقَةِ
الْوَصْلَةِ أَيْ إِنْ نَطَقْتُ طَلَّقَنِي وَإِنَّ
سَكَتُّ اسْتمرّ لي زَوْجَةً وَأَنَا لَا أُوثِرُ
تَطْلِيقَهُ لِي فَلِذَلِكَ أَسْكُتُ قَالَ عِيَاضٌ
أَوْضَحَتْ بِقَوْلِهَا عَلَى حَدِّ السِّنَانِ
الْمُذَلَّقِ مُرَادَهَا بِقَوْلِهَا قَبْلُ إِنْ أَسْكُتْ
أُعَلَّقْ وَإِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ أَيْ أَنَّهَا إِنْ
حَادَتْ عَنِ السِّنَانِ سَقَطَتْ فَهَلَكَتْ وَإِنِ
اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَهْلَكَهَا قَوْلُهُ قَالَتِ
الرَّابِعَةُ زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا
قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ بِالْفَتْحِ بِغَيْرِ
تَنْوِينٍ مَبْنِيَّةٌ مَعَ لَا عَلَى الْفَتْحِ وَجَاءَ
الرَّفْعُ مَعَ التَّنْوِينِ فِيهَا وَهِيَ رِوَايَةُ
أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ أَبُو الْبَقَاء وَكَأَنَّهُ أشْبع
بِالْمَعْنَى أَي لَيْسَ فِي حَرٌّ فَهُوَ اسْمُ لَيْسَ
وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ قَالَ وَيُقَوِّيهِ مَا وَقَعَ مِنَ
التَّكْرِيرِ كَذَا قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْقِرَاءَاتِ
الْمَشْهُورَةِ الْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْح فِي الْجَمِيع
وَالرَّفْع مَعَ التوين وَفَتْحُ الْبَعْضِ وَرَفْعُ
الْبَعْضِ وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا
بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ وَلَا شَفَاعَةَ وَمِثْلِ
فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال فِي الْحَج
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ
النَّسَائِيِّ وَلَا بَرْدٌ بَدَلَ وَلَا قُرٌّ زَادَ فِي
رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ وَلَا خَامَةَ بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة أَي لَا ثقل عِنْدَهُ تَصِفُ زَوْجَهَا
بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيِّنُ الْجَانِبِ خَفِيفُ
الْوَطْأَةِ عَلَى الصَّاحِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ صِفَةِ اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَالْغَيْثُ غَيْثُ غَمَامَةٍ
قَالَ أَبُو عبيد أَرَادَت أَنه لَا شَرّ فِيهِ يخَاف
وَقَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا وَلَا
مَخَافَةَ أَيْ أَنَّ أَهْلَ تِهَامَةَ لَا يَخَافُونَ
لِتَحَصُّنِهِمْ بِجِبَالِهَا أَوْ أَرَادَتْ وَصْفَ
زَوْجِهَا بِأَنَّهُ حَامِي الذِّمَارِ مَانِعٌ لِدَارِهِ
وَجَارِهِ وَلَا مَخَافَةَ عِنْدَ مَنْ يَأْوِي إِلَيْهِ
ثُمَّ وَصَفَتْهُ بِالْجُودِ وَقَالَ غَيْرُهُ قَدْ
ضَرَبُوا الْمَثَلَ بِلَيْلِ تِهَامَةَ فِي الطِّيبِ
لِأَنَّهَا بِلَادٌ حَارَّةٌ فِي غَالِبِ الزَّمَانِ
وَلَيْسَ فِيهَا رِيَاحٌ بَارِدَةٌ فَإِذَا كَانَ
اللَّيْلُ كَانَ وَهَجُ الْحَرِّ سَاكِنًا فَيَطِيبُ
اللَّيْلِ لِأَهْلِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانُوا فِيهِ
مِنْ أَذَى حَرِّ النَّهَارِ فَوَصَفَتْ زَوْجَهَا
بِجَمِيلِ الْعِشْرَةِ وَاعْتِدَالِ الْحَالِ وَسَلَامَةِ
الْبَاطِنِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ لَا أَذَى عِنْدَهُ وَلَا
مَكْرُوهَ وَأَنَا آمِنْةٌ مِنْهُ فَلَا أَخَافُ مِنْ
شَرِّهِ وَلَا مَلَلَ عِنْدَهُ فَيَسْأَمُ مِنْ عِشْرَتِي
أَوْ لَيْسَ بسيء الْخُلُقِ فَأَسْأَمُ مِنْ عِشْرَتِهِ
فَأَنَا لَذِيذَةُ الْعَيْشِ عِنْدَهُ كَلَذَّةِ أَهْلِ
تِهَامَةَ بِلَيْلِهِمُ الْمُعْتَدِلِ قَوْلُهُ قَالَتِ
الْخَامِسَةُ زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ
أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ قَالَ أَبُو عبيد
فَهد بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مُشْتَقٌّ مِنَ
الْفَهْدِ وَصَفَتْهُ بِالْغَفْلَةِ عِنْدَ دُخُولِ
الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْح لَهُ وَقَالَ بن حَبِيبٍ
شَبَّهَتْهُ فِي لِينِهِ وَغَفْلَتِهِ بِالْفَهْدِ
لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِالْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الشَّرِّ
وَكَثْرَةِ النَّوْمِ وَقَوْلُهُ أَسِدَ بِفَتْحِ
الْأَلِفِ وَكَسْرِ السِّينِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأسد أَي
(9/261)
يصير بَين النَّاس مثل الْأسد وَقَالَ بن
السّكيت تصفه بالنشاط فِي الْغَزْو وَقَالَ بن أَبِي
أُوَيْسٍ مَعْنَاهُ إِنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَثْبَ عَلَيَّ
وُثُوبِ الْفَهْدِ وَإِنْ خَرَجَ كَانَ فِي الْإِقْدَامِ
مِثْلَ الْأَسَدِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ
وَثَبَ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ فَالْأَوَّلُ تُشِيرُ
إِلَى كَثْرَةِ جِمَاعِهِ لَهَا إِذَا دَخَلَ فَيَنْطَوِي
تَحْتَ ذَلِكَ تَمَدُّحُهَا بِأَنَّهَا مَحْبُوبَةٌ
لَدَيْهِ بِحَيْثُ لَا يصير عَنْهَا إِذَا رَآهَا
وَالذَّمُّ إِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَلِيظُ الطَّبْعِ
لَيْسَتْ عِنْدَهُ مُدَاعَبَةٌ وَلَا ملاعبة قبل المواقعة
بل يثبت وَثَوْبًا كَالْوَحْشِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ
كَانَ سيء الْخُلُقِ يَبْطِشُ بِهَا وَيَضْرِبُهَا وَإِذَا
خَرَجَ عَلَى النَّاسِ كَانَ أَمْرُهُ أَشَدَّ فِي
الْجَرْأَةِ وَالْإِقْدَامِ وَالْمَهَابَةِ كَالْأَسَدِ
قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ مُطَابَقَةٌ بَيْنَ خَرَجَ وَدَخَلَ
لَفْظِيَّةٌ وَبَيْنَ فَهِدَ وَأَسِدَ مَعْنَوِيَّةٌ
وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمُقَابَلَةَ وَقَوْلُهَا وَلَا
يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ يَحْتَمِلُ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ
أَيْضًا فَالْمَدْحُ بِمَعْنَى أَنَّهُ شَدِيدُ الْكَرَمِ
كَثِيرُ التَّغَاضِي لَا يَتَفَقَّدُ مَا ذَهَبَ مِنْ
مَالِهِ وَإِذَا جَاءَ بِشَيْءٍ لِبَيْتِهِ لَا يَسْأَلُ
عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَا يَرَى
فِي الْبَيْتِ مِنَ الْمَعَايِبِ بَلْ يُسَامِحُ وَيُغْضِي
وَيَحْتَمِلُ الذَّمَّ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَالٍ
بِحَالِهَا حَتَّى لَوْ عَرَفَ أَنَّهَا مَرِيضَةٌ أَوْ
مُعْوَزَّةٌ وَغَابَ ثُمَّ جَاءَ لَا يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَفَقَّدُ حَالَ أَهْلِهِ وَلَا
بَيْتِهِ بَلْ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
وَثَبَ عَلَيْهَا بِالْبَطْشِ وَالضَّرْبِ وَأَكْثَرُ
الشُّرَّاحِ شَرَحُوهُ عَلَى الْمَدْحِ فَالتَّمْثِيلُ
بِالْفَهْدِ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ التَّكَرُّمِ أَوِ
الْوُثُوبِ وَبِالْأَسَدِ مِنْ جِهَةِ الشَّجَاعَةِ
وَبِعَدَمِ السُّؤَالِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَامَحَةِ وَقَالَ
عِيَاضٌ حَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى الِاشْتِقَاقِ مِنْ
خُلُقِ الْفَهْدِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ وُثُوبِهِ
وَإِمَّا مِنْ كَثْرَةِ نَوْمِهِ وَلِهَذَا ضَرَبُوا
الْمَثَلَ بِهِ فَقَالُوا أَنْوَمُ مِنْ فَهْدٍ قَالَ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ كَسْبِهِ
لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَثَلِ أَيْضًا أَكْسَبُ مِنْ
فَهْدٍ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْفُهُودَ الْهَرِمَةَ
تَجْتَمِعُ عَلَى فَهْدٍ مِنْهَا فَتِيٍّ فَيَتَصَيَّدُ
عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يُشْبِعَهَا فَكَأَنَّهَا
قَالَتْ إِذَا دَخَلَ الْمَنْزِلَ دَخَلَ مَعَهُ
بِالْكَسْبِ لِأَهْلِهِ كَمَا يَجِيءُ الْفَهْدُ لِمَنْ
يَلُوذُ بِهِ مِنَ الْفُهُودِ الْهَرِمَةِ ثُمَّ لَمَّا
كَانَ فِي وَصْفِهَا لَهُ بِخُلُقِ الْفَهْدِ مَا قَدْ
يَحْتَمِلُ الذَّمَّ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ النَّوْمِ
رَفَعَتِ اللَّبْسَ بِوَصْفِهَا لَهُ بِخُلُقِ الْأَسَدِ
فَأَفْصَحَتْ أَنَّ الْأَوَّلَ سَجِيَّةُ كَرَمٍ
وَنَزَاهَةُ شَمَائِلَ وَمُسَامَحَةٌ فِي الْعِشْرَةِ لَا
سجية جبن وجور فِي الطَّبْعِ قَالَ عِيَاضٌ وَقَدْ قَلَبَ
الْوَصْفَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَعْنِي كَمَا وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فَقَالَ إِذَا دَخَلَ
أَسِدَ وَإِذَا خَرَجَ فَهِدَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا
فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَجْلِسِهِ كَانَ
عَلَى غَايَةِ الرَّزَانَةِ وَالْوَقَارِ وَحُسْنِ
السَّمْتِ أَوْ عَلَى الْغَايَةِ مِنْ تَحْصِيلِ الْكَسْبِ
وَإِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ كَانَ مُتَفَضِّلًا مُوَاسِيًا
لِأَنَّ الْأَسَدَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ إِذَا افْتَرَسَ
أَكَلَ مِنْ فَرِيسَتِهِ بَعْضًا وَتَرَكَ الْبَاقِيَ
لَمِنْ حَوْلَهُ مِنَ الْوُحُوشِ وَلِمَ يُهَاوِشْهُمْ
عَلَيْهَا وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ
بَكَّارٍ فِي آخِرِهِ وَلَا يَرْفَعُ الْيَوْمَ لِغَدٍ
يَعْنِي لَا يدّخر مَا حَصَلَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ مِنْ
أَجْلِ الْغَدِ فَكَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ غَايَةِ جُودِهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ
بِالْحَزْمِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَلَا يُؤَخِّرُ مَا
يَجِبُ عَمَلُهُ الْيَوْمَ إِلَى غَدِهِ قَوْلُهُ قَالَتِ
السَّادِسَةُ زَوْجِي إِنَّ أَكَلَ لَفَّ وَإِنَّ شَرِبَ
اشْتَفَّ وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ
الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِذَا أكل اقتف
وَفِيه وَإِذا نَام بدل اضجع وَزَادَ وَإِذَا ذَبَحَ
اغْتَثَّ أَيْ تَحَرَّى الْغَثَّ وَهُوَ الْهَزِيلُ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الأولى وَفِي رِوَايَة
الطَّبَرَانِيّ وَلَا يدْخل بدل يولج وَإِذا رَقَدَ بَدَلَ
اضْطَجَعَ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ
وَالطَّبَرَانِيِّ فَيَعْلَمُ بِالْفَاءِ بَدَلَ اللَّامِ
فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِاللَّفِّ
الْإِكْثَارُ مِنْهُ وَاسْتِقْصَاؤُهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَ
مِنْهُ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْإِكْثَارُ مَعَ
التَّخْلِيطِ يُقَالُ لَفَّ الْكَتِيبَةَ بِالْأُخْرَى
إِذَا خَلَطَهَا فِي الْحَرْبِ وَمِنْهُ اللَّفِيفُ مِنَ
النَّاسِ فَأَرَادَتْ أَنَّهُ يَخْلِطُ صُنُوفَ الطَّعَامِ
مِنْ نَهْمَتِهِ وَشَرَهِهِ ثُمَّ لَا يُبْقِي مِنْهُ
شَيْئًا وَحَكَى عِيَاضٌ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ رَفَّ
بِالرَّاءِ بَدَلَ اللَّام قَالَ وَهِي بمعناها وَرِوَايَة
مِنْ رَوَاهُ اقْتَفَّ بِالْقَافِ قَالَ وَمَعْنَاهُ
التَّجْمِيعُ قَالَ الْخَلِيلُ قَفَافُ
(9/262)
كُلِّ شَيْءٍ جِمَاعُهُ وَاسْتِيعَابُهُ
وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقُفَّةُ لِجَمْعِهَا مَا وُضِعَ
فِيهَا وَالِاشْتِفَافُ فِي الشُّرْبِ اسْتِقْصَاؤُهُ
مَأْخُوذٌ مِنَ الشُّفَافَةِ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ
وَهِيَ الْبَقِيَّةُ تَبْقَى فِي الْإِنَاءِ فَإِذَا
شَرِبَهَا الَّذِي شَرِبَ الْإِنَاءَ قِيلَ اشْتَفَّهَا
وَمِنْهُمْ مِنْ رَوَاهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَهِيَ
بِمَعْنَاهَا وَقَوْلُهُ الْتَفَّ أَيْ رَقَدَ نَاحِيَةً
وَتَلَفَّفَ بِكِسَائِهِ وَحْدَهُ وَانْقَبَضَ عَنْ
أَهْلِهِ إِعْرَاضًا فَهِيَ كَئِيبَةٌ حَزِينَةٌ لِذَلِكَ
وَلِذَلِكَ قَالَتْ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ
الْبَثَّ أَيْ لَا يَمُدُّ يَدَهُ لِيَعْلَمَ مَا هِيَ
عَلَيْهِ مِنَ الْحُزْنِ فَيُزِيلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ يَنَامُ نَوْمَ الْعَاجِزِ
الْفَشِلِ الْكَسِلِ وَالْمُرَادُ بِالْبَثِّ الْحُزْنُ
وَيُقَالُ شِدَّةُ الْحُزْنِ وَيُطْلَقَ الْبَثُّ أَيْضًا
عَلَى الشَّكْوَى وَعَلَى الْمَرَضِ وَعَلَى الْأَمْرِ
الَّذِي لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَنَّهُ لَا
يَسْأَلُ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي يَقَعُ اهْتِمَامُهَا
بِهِ فَوَصَفَتْهُ بقلة الشَّفَقَة عَلَيْهَا وَأَنه أَن
لَوْ رَآهَا عَلِيلَةً لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي ثَوْبِهَا
لِيَتَفَقَّدَ خَبَرَهَا كَعَادَةِ الْأَجَانِبِ فَضْلًا
عَنِ الْأَزْوَاجِ أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَرْكِ
الْمُلَاعَبَةِ أَوْ عَنْ تَرْكِ الْجِمَاعِ كَمَا
سَيَأْتِي وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ كَانَ فِي جَسَدِهَا عَيْبٌ فَكَّانِ لَا
يُدْخِلُ يَدَهُ فِي ثَوْبِهَا لِيَلْمِسِ ذَلِكَ
الْعَيْبَ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهَا فَمَدَحَتْهُ
بِذَلِكَ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ
إِلَّا النَّادِرَ وقَالُوا إِنَّمَا شَكَتْ مِنْهُ
وَذَمَّتْهُ وَاسْتَقْصَرَتْ حَظَّهَا مِنْهُ وَدَلَّ
عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهَا قَبْلُ وَإِذَا اضْطَجَعَ الْتَفَّ
كَأَنَّهَا قَالَتْ إِنَّهُ يَتَجَنَّبُهَا وَلَا
يُدْنِيهَا مِنْهُ وَلَا يدْخل يَده فِي جَنْبِهَا
فَيَلْمِسُهَا وَلَا يُبَاشِرُهَا وَلَا يَكُونُ مِنْهُ
مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ
مَحَبَّتُهَا لَهُ وَحُزْنُهَا لِقِلَّةِ حَظِّهَا مِنْهُ
وَقَدْ جَمَعَتْ فِي وَصْفِهَا لَهُ بَيْنَ اللُّؤْمِ
وَالْبُخْلِ وَالْهِمَّةِ وَالْمَهَانَةِ وَسُوءِ
الْعِشْرَةِ مَعَ أَهْلِهِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَذُمُّ
بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَتَتَمَدَّحُ
بِقِلَّتِهَمَا وبكثرة الْجِمَاع لدلالتها على صِحَة
الذكورية والفحولية وانتصر بن الْأَنْبَارِيِّ لِأَبِي
عُبَيْدٍ فَقَالَ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَجْمَعَ
الْمَرْأَةُ بَيْنَ مَثَالِبِ زَوْجِهَا ومِنْاقِبِهِ
لِأَنَّهُنَّ كُنْ تَعَاهَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ
صِفَاتِهِمْ شَيْئًا فَمِنْهُنَّ مِنْ وَصَفَتْ زَوْجَهَا
بِالْخَيْرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَمِنْهُنَّ مِنْ
وَصْفَتْهُ بِضِدِّ ذَلِكَ وَمِنْهُنَّ مِنْ جَمَعَتْ
وَارْتَضَى الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الِانْتِصَارَ
وَاسْتَدَلَّ عِيَاضٌ لِلْجُمْهُورِ بِمَا وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْحُسَامِ
أَنَّ عُرْوَةَ ذَكَرَ هَذِهِ فِي الْخَمْسِ اللَّاتِي
يَشكونَ أَزوَاجهنَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ
الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا أَوَّلًا عَلَى
الْوَلَاءِ ثُمَّ السَّابِعَةَ الْمَذْكُورَةَ عَقِبَ
هَذَا ثُمَّ السَّادِسَةَ هَذِهِ فَهِيَ خَامِسَةٌ
عِنْدَهُ وَالسَّابِعَةُ رَابِعَةٌ قَالَ وَيُؤَيِّدُ
أَيْضًا قَوْلَ الْجُمْهُورِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ
الْعَرَبِ لِهَذِهِ الْكِنَايَةِ عَنْ تَرْكِ الْجِمَاعِ
وَالْمُلَاعَبَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ
فِي قِصَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ زَوْجِ ابْنِهِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَيْثُ سَأَلَهَا عَنْ
حَالهَا مَعَ زَوجهَا فَقَالَ هُوَ كَخَيْرِ الرِّجَالِ
مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لنا كنفا وَسبق أَيْضا فِي
حَدِيثِ الْإِفْكِ قَوْلُ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ مَا
كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ فَعَبَّرَ عَنْ
الِاشْتِغَالِ بِالنسَاء بكشف الْكَتف وَهُوَ الغطاء
وَيحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ
كِنَايَةً عَنْ تَرْكِ تَفَقُّدِهِ أُمُورَهَا وَمَا
تَهْتَمُّ بِهِ مِنْ مَصَالِحِهَا وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ
لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْأَمْرِ أَيْ لَمْ يَشْتَغِلْ
بِهِ وَلَمْ يَتَفَقَّدْهُ وَهَذَا الَّذِي ذكره
احْتِمَالا جزم بِمَعْنَاهُ بن أَبِي أُوَيْسٍ فَإِنَّهُ
قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَنْظُرُ فِي أَمْرِ أَهْلِهِ وَلَا
يُبَالِي أَنْ يَجُوعُوا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ
بْنِ نَاصِحٍ مَعْنَاهُ لَا يَتَفَقَّدُ أُمُورِي
لِيَعْلَمَ مَا أَكْرَهُهُ فَيُزِيلَهُ يُقَالُ مَا
أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْأَمْرِ أَيْ لَمْ يَتَفَقَّدْهُ
قَوْلُهُ قَالَتِ السَّابِعَةُ زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ
عَيَايَاءُ كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ ثُمَّ
أُخْرَى بَعْدَ الْأَلِفِ الْأُولَى وَالَّتِي بَعْدَهَا
بِمُهْمَلَةٍ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ رَاوِي الْخَبَرِ عِيسَى
بْنِ يُونُسَ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو يُعْلَى فِي
رِوَايَتِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَبَّابٍ عَنْهُ وَوَقَعَ
فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ
النَّسَائِيِّ غَيَايَاءُ بِمُعْجَمَةٍ بِغَيْرِ شَكٍّ
والْغَيَايَاءُ الطَّبَاقَاءُ الْأَحْمَقُ الَّذِي
يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أمره وَقَالَ أَبُو عبيد العياياء
بالمهلمة الَّذِي لَا يَضْرِبُ وَلَا يُلَقِّحُ مِنَ
الْإِبِلِ وَبِالْمُعْجَمَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَالطَّبَاقَاءِ الْأَحْمَقُ الْفَدْمُ وَقَالَ بن فَارِسٍ
الطَّبَاقَاءُ الَّذِي لَا
(9/263)
يُحْسِنُ الضِّرَابَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ
تَأْكِيدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِمْ بُعْدًا
وَسُحْقًا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ قَوْلُهُ غَيَايَاءُ
بِالْمُعْجَمَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَيِّ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِيِّ
بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ أَبُو عبيد العياياء
بِالْمُهْمَلَةِ العي الَّذِي تعيبه مُبَاضَعَةُ
النِّسَاءِ وَأَرَاهُ مُبَالَغَةً مِنَ الْعِيِّ فِي ذَلِك
وَقَالَ بن السّكيت هُوَ العي الَّذِي لَا يَهْتَدِي
وَقَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْغَيَايَاءُ بِالْمُعْجَمَةِ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الْغَيَايَةِ
وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ أَظَلَّ الشَّخْصَ فَوْقَ رَأْسِهِ
فَكَأَنَّهُ مُغَطًّى عَلَيْهِ مِنْ جَهْلِهِ وَهَذَا
الَّذِي ذَكَرَهُ احْتِمَالًا جَزَمَ بِهِ
الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ غَيَايَاءُ بِالْمُعْجَمَةِ
صَحِيح وَهُوَ مَأْخُوذ من الغياية وَهِيَ الظُّلْمَةُ
وَكُلُّ مَا أَظَلَّ الشَّخْصَ وَمَعْنَاهُ لَا يَهْتَدِي
إِلَى مَسْلَكٍ أَوْ أَنَّهَا وَصَفَتْهُ بِثِقَلِ
الرُّوحِ وَأَنَّهُ كَالظِّلِّ الْمُتَكَاثِفِ الظُّلْمَةِ
الَّذِي لَا إِشْرَاقَ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا أَرَادَتْ
أَنَّهُ غُطِّيَتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ أَوْ يَكُونُ
غَيَايَاءُ مِنَ الْغَيِّ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي
الشَّرِّ أَوْ مِنَ الْغَيِّ الَّذِي هُوَ الْخَيْبَةُ
قَالَ تَعَالَى فَسَوْفَ يلقون غيا وَقَالَ بن
الْأَعرَابِي الطباقاء المطبق عَلَيْهِ حمقا وَقَالَ بن
دُرَيْدٍ الَّذِي تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أُمُورُهُ وَعَنِ
الْجَاحِظِ الثَّقِيلُ الصَّدْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ
يَنْطَبِقُ صَدْرُهُ عَلَى صَدْرِ الْمَرْأَةِ
فَيَرْتَفِعُ سُفْلُهُ عَنْهَا وَقَدْ ذَمَّتِ امْرَأَةٌ
امْرَأَ الْقَيْسِ فَقَالَتْ لَهُ ثَقِيلُ الصَّدْرِ
خَفِيف العجر سَرِيعُ الْإِرَاقَةِ بَطِيءُ الْإِفَاقَةِ
قَالَ عِيَاضٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ وَصْفِهَا لَهُ
بِالْعَجْزِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَبَين وصفهَا بثقل
الصَّدْرِ فِيهِ لِاحْتِمَالِ تَنْزِيلِهِ عَلَى
حَالَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ أَوْ يَكُونُ
إِطْبَاقُ صَدْرِهِ مِنْ جُمْلَةِ عَيْبِهِ وَعَجْزِهِ
وَتَعَاطِيهِ مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَكِنَّ
كُلَّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ عَيَايَاءَ
بِأَنَّهُ الْعِنِّينُ وَقَوْلُهَا كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ
أَيْ كُلُّ شَيْءٍ تَفَرَّقَ فِي النَّاسِ مِنَ
الْمَعَايِبِ مَوْجُودٌ فِيهِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا لَهُ دَاءٌ خَبرا لكل
أَيْ أَنَّ كُلَّ دَاءٍ تَفَرَّقَ فِي النَّاسِ فَهُوَ
فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةً لداء وداء
خير لكل أَي كل دَاء فِيهِ فِي غَايَةِ التَّنَاهِي كَمَا
يُقَالُ إِنَّ زَيْدًا لَزَيْدٌ وَإِنَّ هَذَا الْفَرَسَ
لَفَرَسٌ قَالَ عِيَاضٌ وَفِيه من لطيف الْوَحْي
وَالْإِشَارَة الْغَايَة لِأَنَّهُ انْطَوَى تَحْتَ هَذِهِ
الْكَلِمَةِ كَلَامٌ كَثِيرٌ وَقَوْلُهَا شَجَّكِ
بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلَهُ وَجِيمٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ جَرَحَكِ
فِي رَأْسِكِ وَجِرَاحَاتُ الرَّأْسِ تُسَمَّى شِجَاجًا
وَقَوْلُهَا أَوْ فَلَّكِ بِفَاءٍ ثُمَّ لَامٍ ثَقِيلَةٍ
أَيْ جَرَحَ جَسَدَكِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِهِنَّ
فُلُولٌ أَيْ ثُلَمٌ جَمْعُ ثُلْمَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ نَزَعَ مِنْكِ كُلَّ مَا عِنْدَكِ أَوْ
كَسَرَكِ بِسَلَاطَةِ لِسَانِهِ وَشِدَّةِ خُصُومَتِهِ
زَادَ بن السِّكِّيتِ فِي رِوَايَتِهِ أَوْ بَجَّكِ
بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ جِيم أَي طعنك فِي جراحتك فشقتها
وَالْبَجُّ شَقُّ الْقُرْحَةِ وَقِيلَ هُوَ الطَّعْنَةُ
وَقَوْلُهَا أَو جمع كلالك وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ إِنْ حَدَّثْتِهِ سَبَّكِ وَإِنْ مَازَحْتِهِ
فَلَّكِ وَإِلَّا جَمَعَ كُلًّا لَكِ وَهِيَ تُوَضِّحُ
أَنَّ أَوْ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ لِلتَّقْسِيمِ لَا
لِلتَّخْيِيرِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ
تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ ضَرُوبٌ لِلنِّسَاءِ فَإِذَا
ضَرَبَ إِمَّا أَن يكسر عظما أَو يشج رَأسهَا أَو يجمعهما
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْفَلِّ الطَّرْدَ
وَالْإِبْعَادَ وَبِالشَّجِّ الْكَسْرَ عِنْدَ الضَّرْبِ
وَإِنْ كَانَ الشَّجُّ إِنَّمَا يسْتَعْمل فر جِرَاحَةِ
الرَّأْسِ قَالَ عِيَاضٌ وَصَفَتْهُ بِالْحُمْقِ
وَالتَّنَاهِي فِي سُوءِ الْعِشْرَةِ وَجَمْعِ
النَّقَائِصِ بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْ قَضَاءِ وَطَرِهَا مَعَ
الْأَذَى فَإِذَا حَدَّثَتْهُ سبها وَإِذا مازحته شجها
وَإِذا أَغْضَبَتْهُ كَسَرَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا
أَوْ شَقَّ جِلْدَهَا أَوْ أَغَارَ عَلَى مَالِهَا أَوْ
جَمَعَ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الضَّرْبِ وَالْجَرْحِ وَكَسْرِ
الْعُضْوِ وَمُوجِعِ الْكَلَامِ وَأَخَذِ الْمَالِ
قَوْلُهُ قَالَتِ الثَّامِنْةُ زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ
أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ زَادَ الزُّبَيْرُ فِي
رِوَايَتِهِ وَأَنَا أَغْلِبُهُ وَالنَّاسَ يَغْلِبُ
وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُقْبَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ
وَفِي رِوَايَة عمر عِنْده وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ لَكِن
بِلَفْظ وتغلبه بِنُونِ الْجَمْعِ وَالْأَرْنَبُ
دُوَيْبَةٌ لَيِّنَةُ الْمَسِّ نَاعِمَةُ الْوَبَرِ جِدًّا
وَالزَّرْنَبُ بِوَزْنِ الْأَرْنَبِ لَكِنَّ أَوَّلَهُ
زَايٌ وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ وَقِيلَ هُوَ
شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ بِالشَّامِ بِجَبَلِ لُبْنَانَ لَا
تُثْمِرُ لَهَا وَرَقٌ بَيْنَ الْخُضْرَةِ وَالصُّفْرَةِ
كَذَا ذَكَرَهُ
(9/264)
عِيَاض واستنكره بن الْبَيْطَارِ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ هُوَ
حَشِيشَةٌ دَقِيقَةٌ طَيِّبَةُ الرَّائِحَةِ وَلَيْسَتْ
بِبِلَادِ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانُوا ذَكَرُوهَا قَالَ
الشَّاعِرُ يَا بِأَبِي أَنْتَ وَفُوكَ الْأَشْنَبُ
كَأَنَّمَا ذُرَّ عَلَيْهِ الزَّرْنَبُ وَقِيلَ هُوَ
الزَّعْفَرَانُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَاللَّامُ فِي الْمَسِّ
وَالرِّيحِ نَائِبَةٌ عَنِ الضَّمِيرِ أَيْ مَسُّهُ
وَرِيحُهُ أَوْ فِيهِمَا حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ الرِّيحُ
مِنْهُ وَالْمَسُّ مِنْهُ كَقَوْلِهِمْ السَّمْنُ
مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ وَصَفَتْهُ بِأَنَّهُ لَيِّنُ
الْجَسَدِ نَاعِمُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كَنَّتْ
بِذَلِكَ عَنْ حُسْنِ خُلُقِهِ وَلِينِ عَرِيكَتِهِ
بِأَنَّهُ طَيَّبُ الْعَرَقِ لِكَثْرَةِ نَظَافَتِهِ
وَاسْتِعْمَالِهِ الطِّيبَ تَظَرُّفًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ
تَكُونَ كَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ طِيبِ حَدِيثِهِ أَوْ طِيبِ
الثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِجَمِيلِ مُعَاشَرَتِهِ وَأَمَّا
قَوْلُهَا وَأَنَا أَغْلِبُهُ وَالنَّاسَ يَغْلِبُ
فَوَصَفَتْهُ مَعَ جَمِيلِ عِشْرَتِهِ لَهَا وَصَبْرِهِ
عَلَيْهَا بِالشَّجَاعَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ مُعَاوِيَةُ
يَغْلِبْنَ الْكِرَامَ وَيَغْلِبُهُنَّ اللِّئَامُ قَالَ
عِيَاضٌ هَذَا مِنَ التَّشْبِيهِ بِغَيْرِ أَدَاةٍ وَفِيهِ
حُسْنُ الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُوَازِنَةِ وَالتَّسْجِيعِ
وَأَمَّا قَوْلُهَا وَالنَّاسَ يَغْلِبُ فَفِيهِ نَوْعٌ
مِنَ البديع يُسمى التنميم لِأَنَّهَا لَوِ اقْتَصَرَتْ
عَلَى قَوْلِهَا وَأَنَا أَغْلِبُهُ لَظُنَّ أَنَّهُ
جَبَانٌ ضَعِيفٌ فَلَمَّا قَالَتْ وَالنَّاسَ يَغْلِبُ
دَلَّ عَلَى أَنَّ غَلْبَهَا إِيَّاهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ
كَرَمِ سَجَايَاهُ فَتَمَّمَتْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ
الْمُبَالغَة فِي حُسْنِ أَوْصَافِهِ قَوْلُهُ قَالَتِ
التَّاسِعَةُ زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ
النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ
النَّادِ زَادَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ
لَا يَشْبَعُ لَيْلَةً يُضَافُ وَلَا يَنَامُ لَيْلَةً
يَخَافُ وَصَفَتْهُ بِطُولِ الْبَيْتِ وَعُلُوِّهِ فَإِنَّ
بُيُوتَ الْأَشْرَافِ كَذَلِكَ يُعْلُونَهَا
وَيَضْرِبُونَهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُرْتَفِعَةِ
لِيَقْصِدَهُمُ الطَّارِقُونَ وَالْوَافِدُونَ فَطُولُ
بُيُوتِهِمْ إِمَّا لِزِيَادَةِ شَرَفِهِمْ أَوْ لِطُولِ
قَامَاتِهِمْ وَبُيُوتُ غَيْرِهِمْ قِصَارٌ وَقَدْ لَهِجَ
الشُّعَرَاءُ بِمَدْحِ الْأَوَّلِ وَذَمِّ الثَّانِي
كَقَوْلِهِ قِصَارُ الْبُيُوتِ لَا تَرَى صِهْوَاتِهَا
وَقَالَ آخَرُ إِذَا دَخَلُوا بُيُوتَهُمْ أَكَبُّوا عَلَى
الرُّكْبَاتِ مِنْ قِصَرِ الْعِمَادِ وَمِنْ لَازِمِ طُولِ
الْبَيْتِ أَنْ يَكُونَ مُتَّسِعًا فَيَدُلُّ عَلَى
كَثْرَةِ الْحَاشِيَةِ وَالْغَاشِيَةِ وَقِيلَ كَنَّتْ
بِذَلِكَ عَنْ شَرَفِهِ وَرِفْعَةِ قَدْرِهِ وَالنِّجَادُ
بِكَسْرٍ النُّونِ وَجِيمٍ خَفِيفَةٍ حَمَّالَةُ السَّيْفِ
تُرِيدُ أَنَّهُ طَوِيلُ الْقَامَةِ يَحْتَاجُ إِلَى طُولِ
نِجَادِهِ وَفِي ضِمْنِ كَلَامِهَا أَنَّهُ صَاحِبُ سَيْفٍ
فَأَشَارَتْ إِلَى شَجَاعَتِهِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ
تَتَمَادَحُ بِالطُّولِ وَتَذُمُّ بِالْقِصَرِ وَقَوْلُهَا
عَظِيمُ الرَّمَادِ تَعْنِي أَنَّ نَارَ قِرَاهُ
لِلْأَضْيَافِ لَا تطفأ لنهتدي الضِّيفَانُ إِلَيْهَا
فَيَصِيرُ رَمَادُ النَّارِ كَثِيرًا لِذَلِكَ وَقَوْلُهَا
قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادْ وَقَفَتْ عَلَيْهَا
بِالسُّكُونِ لِمُؤَاخَاةِ السَّجْعِ وَالنَّادِي
وَالنَّدِّيُّ مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَصَفَتْهُ بِالشَّرَفِ
فِي قَوْمِهِ فَهُمْ إِذَا تَفَاوَضُوا واتشوروا فِي أَمر
وَأتوا فَجَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ بَيْتِهِ فَاعْتَمَدُوا
عَلَى رَأْيِهِ وَامْتَثَلُوا أَمْرَهُ أَوْ أَنَّهُ
وَضَعَ بَيْتَهُ فِي وَسَطِ النَّاسِ لِيَسْهُلَ لِقَاؤُهُ
وَيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْوَارِدِ وَطَالِبِ الْقِرَى
قَالَ زُهَيْرٌ بَسَطَ الْبُيُوتَ لِكَيْ يَكُونَ
مَظِنَّةً مِنْ حَيْثُ تُوضَعُ جَفْنَةُ المسترفد
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ أَنْ أَهْلَّ النَّادِي إِذَا
أَتَوْهُ لَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِمْ لِقَاؤُهُ لِكَوْنِهِ
لَا يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ وَلَا يَتَبَاعَدُ مِنْهُمْ بَلْ
يَقْرُبُ ويتلقاهم ويبادر لاكرامهم وضد مَنْ يَتَوَارَى
بِأَطْرَافِ الْحُلَلِ وَأَغْوَارِ الْمَنَازِلِ
وَيَبْعُدُ عَنْ سَمْتِ الضَّيْفِ لِئَلَّا يَهْتَدُوا
إِلَى مَكَانِهِ فَإِذَا اسْتَبْعَدُوا مَوْضِعَهُ صَدُّوا
عَنْهُ وَمَالُوا إِلَى غَيره ومحصل كَلَامهَا أَنه
وَصَفَتْهُ بِالسِّيَادَةِ وَالْكَرَمِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ
وَطِيبِ الْمُعَاشَرَةِ قَوْلُهُ قَالَتِ الْعَاشِرَةُ
زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ
لَهُ إِبِلٌ
(9/265)
كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ
الْمَسَارِحِ وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ
أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ
وَالزُّبَيْرِ الْمَبَارِحُ بَدَلَ الْمَبَارِكِ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَزَاهِرُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ
وَعِنْدَ الزُّبَيْرِ الضَّيْفُ بَدَلَ الْمِزْهَرِ
وَالْمَبَارِكُ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ مَبْرَكٍ وَهُوَ
مَوْضِعُ نُزُولِ الْإِبِلِ وَالْمَسَارِحُ جَمْعُ
مَسْرَحٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُطْلَقُ لِتَرْعَى
فِيهِ وَالْمِزْهَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ
وَفَتْحِ الْهَاءِ آلَةٌ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ وَقِيلَ
هِيَ الْعُودُ وَقِيلَ دُفٌّ مُرَبَّعٌ وَأَنْكَرَ أَبُو
سَعِيدٍ الضَّرِيرُ تَفْسِيرَ الْمِزْهَرِ بِالْعُودِ
فَقَالَ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ الْعُودَ إِلَّا
مَنْ خَالَطَ الْحَضَرَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ بِضَمِّ
الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُوقِدُ
النَّارَ فَيُزْهِرُهَا لِلضَّيْفِ فَإِذَا سَمِعَتِ
الْإِبِلُ صَوْتَهُ وَمَعْمَعَانَ النَّارِ عَرَفَتْ أَنَّ
ضَيْفًا طَرَقَ فَتَيَقَّنَتِ الْهَلَاكَ وَتَعَقَّبَهُ
عِيَاضٌ بِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ رَوَوْهُ بِكَسْرِ
الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ ثُمَّ قَالَ وَمِنَ الَّذِي
أَخْبَرَهُ أَنَّ مَالِكًا الْمَذْكُورَ لَمْ يُخَالِطِ
الْحَضَرَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ
طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ كُنَّ مِنْ قَرْيَةٍ
من قرى الْيمن وَفِي الْأُخْرَى انهن مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ الْمِزْهَرِ فِي اشعار الْعَرَب
جَاهِلِيَّتهَا واسلامها ببدويها وَحَضَرِيِّهَا اه
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا وُرُودُهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ
فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ لِلْآلَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
يَعْقُوب بن السّكيت وبن الْأَنْبَارِي من الزِّيَادَة
وَهُوَ إِمَام الْقَوْمُ فِي الْمَهَالِكِ فَجَمَعَتْ فِي
وَصْفِهَا لَهُ بَيْنَ الثَّرْوَةِ وَالْكَرَمِ وَكَثْرَةِ
الْقِرَى وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ وَالْمُبَالَغَةِ فِي
صِفَاتِهِ وَوَصَفَتْهُ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ
بِالشَّجَاعَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَهَالِكِ
الْحُرُوبُ وَهُوَ لِثِقَتِهِ بِشَجَاعَتِهِ يَتَقَدَّمُ
رُفْقَتَهُ وَقِيلَ أَرَادَتْ أَنَّهُ هَادٍ فِي السُّبُلِ
الْخَفِيَّةِ عَالِمٌ بِالطَّرْقِ فِي الْبَيْدَاءِ
فَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا بِالْمَهَالِكِ الْمَفَاوِزُ
وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ وَالله أعلم وَمَا فِي قَوْلِهَا
وَمَا مَالِكٌ اسْتِفْهَامِيَّةٌ يُقَالُ للِتَّعْظِيمِ
وَالتَّعَجُّبِ وَالْمَعْنَى وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ مَالِكٌ
مَا أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ وَتَكْرِيرُ الِاسْمِ
أُدْخِلَ فِي بَابِ التَّعْظِيمِ وَقَوْلُهَا مَالِكٌ
خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْإِعْظَامِ
وَتَفْسِيرٌ لِبَعْضِ الْإِبْهَامِ وَأَنَّهُ خَيْرٌ
مِمَّا أُشِيرَ إِلَيْهِ مِنْ ثَنَاءٍ وَطِيبِ ذِكْرٍ
وَفَوْقَ مَا اعْتُقِدَ فِيهِ مِنْ سُؤْدُدٍ وَفَخْرٍ
وَهُوَ أجل مِمَّن أَصِفُهُ لِشُهْرَةِ فَضْلِهِ وَهَذَا
بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهَا ذَلِكَ
إِلَى مَا تَعْتَقِدُهُ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَدْحِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ
كُلِّ مَالِكٍ وَالتَّعْمِيمُ يُسْتَفَادُ مِنَ الْمَقَامِ
كَمَا قِيلَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ أَيْ كُلُّ
تَمْرَةٍ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ جَرَادَةٍ وَهَذَا إِشَارَةٌ
إِلَى مَا فِي ذِهْنِ الْمُخَاطَبِ أَيْ مَالِكٌ خَيْرٌ
مِمَّا فِي ذِهْنِكَ مِنْ مَالِكِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ
خَيْرٌ مِمَّا سَأَصِفُهُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ
الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تُقُدِّمُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى
الَّذِينَ قَبِلَهُ وَأَنْ مَالِكًا أَجْمَعُ مِنَ
الَّذِينَ قَبْلَهُ لِخِصَالِ السِّيَادَةِ وَالْفَضْلِ
وَمَعْنَى قَوْلِهَا قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ أَنَّهُ
لِاسْتِعْدَادِهِ لَلضِّيفَانِ بِهَا لَا يُوَجِّهُ
مِنْهُنَّ إِلَى الْمَسَارِحِ إِلَّا قَلِيلًا وَيَتْرُكُ
سَائِرَهُنَّ بِفِنَائِهِ فَإِنْ فَاجَأَهُ ضَيْفٌ وَجَدَ
عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ بِهِ مِنْ لُحُومِهَا
وَأَلْبَانِهَا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ حَبَسْنَا
وَلَمْ نُسَرِّحْ لِكَيْ لَا يَلُومَنَا عَلَى حُكْمِهِ
صَبْرًا معودة الْحَبْس وَيحْتَمل أَن تُرِيدُ بِقَوْلِهَا
قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ الْإِشَارَةَ إِلَى كَثْرَةِ
طُرُوقِ الضِّيفَانِ فَالْيَوْمَ الَّذِي يَطْرُقُهُ
الضَّيْفُ فِيهِ لَا تُسَرَّحُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهَا
حَاجَتَهُ لِلضِّيفَانِ وَالْيَوْمَ الَّذِي لَا
يَطْرُقُهُ فِيهِ أَحَدٌ أَوْ يَكُونُ هُوَ فِيهِ غَائِبًا
تُسَرَّحُ كُلُّهَا فَأَيَّامُ الطُّرُوقِ أَكْثَرُ مِنْ
أَيَّامِ عَدَمِهِ فَهِيَ لِذَلِكَ قَلِيلَاتُ
الْمَسَارِحِ وَبِهَذَا ينْدَفع اعْتِرَاض من قَالَ لَوْ
كَانَتْ قَلِيلَاتِ الْمَسَارِحِ لَكَانَتْ فِي غَايَةِ
الْهُزَالِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِكَثْرَةِ الْمَبَارِكِ
أَنَّهَا كَثِيرًا مَا تُثَارُ فَتَحْلِبُ ثُمَّ تُتْرَكُ
فَتَكْثُرُ مَبَارِكُهَا لذَلِك وَقَالَ بن السِّكِّيتِ
إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَبَارِكَهَا عَلَى الْعَطَايَا
وَالْحَمَّالَاتِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَقِرَى
الْأَضْيَافِ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا يَسْرَحُ مِنْهَا مَا
فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ
كَثِيرَةٌ وَلِذَلِكَ كَانَتْ مَبَارِكُهَا كَثِيرَةً
ثُمَّ إِذَا سَرَحَتْ
(9/266)
صَارَتْ قَلِيلَةً لِأَجْلِ مَا ذَهَبَ
مِنْهَا وَأَمَّا رِوَايَةُ مِنْ رَوَى عَظِيمَاتُ
الْمَبَارِكِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون الْمَعْنى أَنَّهَا
من سمنها وَعظم جثتها تَعْظُمُ مَبَارِكُهَا وَقِيلَ
الْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا بَرَكَتْ كَانَت كَثِيرَة لكثر
مَنْ يَنْضَمُّ إِلَيْهَا مِمَّنْ يَلْتَمِسُ الْقِرَى
وَإِذَا سَرَحَتْ سَرَحَتْ وَحْدَهَا فَكَانَتْ قَلِيلَةً
بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِقِلَّةِ مَسَارِحِهَا قِلَّةَ الْأَمْكِنَةِ
الَّتِي تَرْعَى فِيهَا مِنَ الْأَرْضِ وَأَنَّهَا لَا
تُمَكَّنُ مِنَ الرَّعْيِ إِلَّا بِقُرْبِ الْمَنَازِلِ
لِئَلَّا يَشُقَّ طَلَبُهَا إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهَا
وَيَكُونُ مَا قَرُبَ مِنَ الْمَنْزِلِ كَثِيرَ الْخِصْبِ
لِئَلَّا تهزل وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بْنِ سَلَمَةَ
عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَبُو مَالِكٍ وَمَا أَبُو مَالِكٍ
ذُو إِبِلٍ كَثِيرَةِ الْمَسَالِكِ قَلِيلَةِ الْمَبَارِكِ
قَالَ عِيَاضٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ
وَهْمًا فَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَثِيرَةٌ فِي حَالِ
رَعْيِهَا إِذَا ذَهَبَتْ قَلِيلَةٌ فِي حَالِ
مَبَارِكِهَا إِذَا قَامَتْ لِكَثْرَةِ مَا يَنْحَرُ
مِنْهَا وَمَا يَسْلُكُ مِنْهَا فِيهِ مِنْ مَسَالِكَ
الْجُودِ مِنْ رَفْدٍ وَمَعُونَةٍ وَحَمْلٍ وَحَمَّالَةٍ
وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهَا أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ
هَوَالِكُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَثُرَتْ عَادَتُهُ
بِنَحْرِ الْإِبِلِ لِقِرَى الضِّيفَانِ وَمِنْ عَادَتِهِ
أَنْ يَسْقِيَهُمْ وَيُلْهِيَهُمْ أَوْ يَتَلَقَّاهُمْ
بِالْغِنَاءِ مُبَالَغَةً فِي الْفَرَحِ بِهِمْ صَارَتِ
الْإِبِلُ إِذَا سَمِعَتْ صَوْتَ الْغِنَاءِ عَرَفَتْ
أَنَّهَا تُنْحَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ
فَهْمَ الْإِبِلِ لِهَلَاكِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ
ذَلِكَ يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْقِلُ أُضِيفَ إِلَى الْإِبِل
وَالْأول أولي قَوْله قَالَت الْحَادِيَة عشرَة قَالَ
النَّوَوِيُّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَادِي عَشْرَةَ
وَفِي بَعْضِهَا الْحَادِيَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ وَهِيَ أُمُّ
زَرْعٍ بِنْتُ أُكَيْمِلِ بْنِ سَاعِدَةَ قَوْلُهُ زَوْجِي
أَبُو زَرْعٍ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ نَكَحْتُ أَبَا
زَرْعٍ قَوْلُهُ فَمَا أَبُو زَرْعٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي
ذَرٍّ وَمَا أَبُو زَرْعٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ
لِلْأَكْثَرِ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَةٍ صَاحِبُ
نَعَمٍ وَزَرْعٍ قَوْلُهُ أَنَاسَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُهْمَلَةٌ أَيْ
حَرَّكَ قَوْلُهُ مِنْ حُلِيٍّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ
وَكَسْرِ اللَّامِ أُذُنَيَّ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ
أَنَّهُ مَلَأَ أُذُنَيْهَا بِمَا جَرَتْ عَادَةُ
النِّسَاءُ مِنَ التَّحَلِّي بِهِ مِنْ قُرْطٍ وَشَنْفٍ
مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤٍ وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ بن
السِّكِّيتِ أَنَاسَ أَيْ أَثْقَلَ حَتَّى تَدَلَّى
وَاضْطَرَبَ وَالنَّوْسُ حَرَكَةُ كُلِّ شَيْءٍ مُتَدَلٍّ
وَقَدْ تَقَدَّمُ حَدِيث بن عمر أَنه دخل على حَفْصَة
وساتها تَنْطِفُ مَعَ شَرْحِ الْمُرَادِ بِهِ فِي
الْمُغَازِي وَوَقع فِي رِوَايَة بن السِّكِّيتِ أُذُنَيَّ
وَفَرْعَيَّ بِالتَّثْنِيَةِ قَالَ عِيَاضُ يُحْتَمَلُ
أَنْ تُرِيدَ بِالْفَرْعَيْنِ الْيَدَيْنِ لِأَنَّهُمَا
كَالْفَرْعَيْنِ مِنَ الْجَسَدِ تَعْنِي أَنَّهُ حَلَّى
أُذُنَيْهَا وَمِعْصَمَيْهَا أَوْ أَرَادَتِ الْعُنُقَ
وَالْيَدَيْنِ وَأَقَامَتِ الْيَدَيْنِ مَقَامَ فَرْعٍ
وَاحِدٍ أَوْ أَرَادَتِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
كَذَلِكَ أَوِ الْغَدِيرَتَيْنِ وَقَرْنَيِ الرَّأْسِ
فَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُتْرَفَاتُ بِتَنْظِيمِ
غَدَائِرِهِنَّ وَتَحْلِيَةِ نَوَاصِيهِنَّ وَقُرِونِهِنَّ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن أَبِي أُوَيْسٍ فَرْعِي
بِالْإِفْرَادِ أَيْ حَلَّى رَأْسِي فَصَارَ يَتَدَلَّى
مِنْ كَثْرَتِهِ وَثِقَلِهِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي شَعْرَ
الرَّأْسِ فَرْعًا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَفَرْعٍ
يَغْشَى الْمَتْنَ أَسْوَدَ فَاحِمٍ قَوْلُهُ وَمَلَأَ
مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَمْ تُرِدِ
الْعَضُدَ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَتِ الْجَسَدَ
كُلَّهُ لِأَنَّ الْعَضُد إِذا سمنت سمن سَائِر الْجَسَد
وخصت الْعَضُدُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَا يَلِي بَصَرَ
الْإِنْسَانِ مِنْ جَسَدِهِ قَوْلُهُ وَبَجَّحَنِي
بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ جِيمٍ خَفِيفَةٍ وَفِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيِّ ثَقِيلَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ قَوْلُهُ
فَبَجِحَتْ بِسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ فتبجحت إِلَيّ بِالتَّشْدِيدِ نَفسِي هَذَا
هُوَ الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيِّ وَبَجَّحَ نَفْسِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ وَفِي
أُخْرَى لَهُ وَلِأَبِي عُبَيْدٍ فَبَجِحْتُ بِضَمِّ
التَّاءِ وَإِلَى بِالتَّخْفِيفِ وَالْمَعْنَى أَنه فرحها
فَفَرِحت وَقَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ الْمَعْنَى
عَظَّمَنِي فَعَظُمَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَقَالَ بن السّكيت
الْمَعْنى فخرني ففخرت وَقَالَ بن أَبِي أُوَيْسٍ
مَعْنَاهُ وَسَّعَ عَلِيَّ وَتَرَّفَنِي قَوْلُهُ
وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِالْمُعْجَمَةِ
وَالنُّونِ مُصَغَّرٌ قَوْلُهُ بِشِقٍّ بِكَسْرِ
الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ
وَالصَّوَابُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ مَوْضِعٌ
بِعَيْنِهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَصَوَّبَهُ
الْهَرَوِيُّ وَقَالَ بن الْأَنْبَارِي هُوَ بِالْفَتْح
وَالْكَسْر مَوضِع
(9/267)
وَقَالَ بن أبي أويس وبن حَبِيبٍ هُوَ
بِالْكَسْرِ وَالْمُرَادُ شِقُّ جَبَلٍ كَانُوا فِيهِ
لِقِلَّتِهِمْ وَسِعَهُمْ سُكْنَى شِقِّ الْجَبَلِ أَيْ
نَاحِيَتِهِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ فَالْمُرَادُ
شِقٌّ فِي الْجَبَل كالغار وَنَحْوه وَقَالَ بن قُتَيْبَةِ
وَصَوَّبَهُ نِفْطَوَيْهِ الْمَعْنَى بِالشِّقِّ
بِالْكَسْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي شَظَفٍ مِنَ الْعَيْشِ
يُقَالُ هُوَ بِشِقٍّ مِنَ الْعَيْشِ أَيْ بِشَظَفٍ
وَجُهْدٍ وَمِنْهُ لم تَكُونُوا بالغيه الا بشق الْأَنْفس
وَبِهَذَا جزم الزَّمَخْشَرِيّ وَضعف غَيْرُهُ قَوْلُهُ
فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ أَيْ خَيْلٍ وَأَطِيطٍ
أَيْ إِبِلٍ زَادَ فِي رِوَايَةٍ النَّسَائِيّ وَجَامِلٍ
وَهُوَ جَمْعٌ جَمَلٍ وَالْمُرَادُ اسْمُ فَاعِلٍ
لِمَالِكِ الْجَمَالِ كَقَوْلِهِ لَابِنٌ وَتَامِرٌ
وَأَصْلُ الْأَطِيطِ صَوْتُ أَعْوَادِ الْمَحَامِلِ
وَالرِّجَالِ عَلَى الْجِمَالِ فَأَرَادَتْ أَنَّهُمْ
أَصْحَابُ مَحَامِلَ تُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى
رَفَاهِيَتِهِمْ وَيُطْلَقُ الْأَطِيطُ عَلَى كُلِّ صَوْتٍ
نَشَأَ عَنْ ضغط كَمَا فِي حَدِيث بَاب الْجنَّة
ليَأْتِيَن عَلَيْهِ زَمَانٌ وَلَهُ أَطِيطٌ وَيُقَالُ
الْمُرَادُ بِالْأَطِيطِ صَوْتُ الْجَوْفِ مِنَ الْجُوعِ
قَوْلُهُ وَدَائِسٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الدَّوْسِ وَفِي
رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَدِيَاسٍ قَالَ بن السِّكِّيتِ
الدَّائِسُ الَّذِي يَدُوسُ الطَّعَامَ وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ دِيَاسِ الطَّعَامِ
وَهُوَ دِرَاسُهُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ
الدِّيَاسُ وَأَهْلُ الشَّامِ الدِّرَاسُ فَكَأَنَّهَا
أَرَادَتْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَقَالَ أَبُو سعيد
المُرَاد أَن عِنْدهم طَعَاما منتقى وَهُمْ فِي دِيَاسِ
شَيْءٍ آخَرَ فَخَيْرُهُمْ مُتَّصِلٌ قَوْلُهُ ومِنَقٍّ
بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ لَا أَدْرِي مَعْنَاهُ وَأَظُنُّهُ بِالْفَتْحِ
من تنقى الطَّعَام وَقَالَ بن أَبِي أُوَيْسٍ الْمِنَقُّ
بِالْكَسْرِ نَقِيقُ أَصْوَاتِ الْمَوَاشِي تصف كَثْرَة
مَاله وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِيرُ هُوَ بِالْكَسْرِ
مِنْ نَقِيقَةِ الدَّجَاجِ يُقَالُ أَنَقَّ الرَّجُلُ
إِذَا كَانَ لَهُ دَجَاجٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا
يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ أَصْوَاتِ الْمَوَاشِي نَقٌّ
وَإِنَّمَا يُقَالُ نَقَّ الضِّفْدِعُ وَالْعَقْرَبُ
وَالدَّجَاجُ وَيُقَالُ فِي الْهِرِّ بِقِلَّةٍ وَأَمَّا
قَوْلُ أَبِي سعيد فبعيد لِأَن الْعَرَب لَا تتمدح بالدجاج
وَلَا تذكرها فِي الْأَمْوَال وَهَذَا الَّذِي أنكرهُ
الْقُرْطُبِيّ لم يردهُ أَبُو سَعِيدٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ
مَا فَهِمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ كَأَنَّهَا
أَرَادَتْ مَنْ يَطْرُدُ الدَّجَاجَ عَنِ الْحَبِّ
فَيَنِقُّ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ أَنَّ الْمَنَقَّ
بِالْفَتْحِ الْغِرْبَالُ وَعَنْ بَعْضِ الْمَغَارِبَةِ
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ
الْقَافِ أَيْ لَهُ أَنْعَامٌ ذَاتُ نَقًى أَيْ سِمَانٌ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ
شَظَفِ عَيْشِ أَهْلِهَا إِلَى الثَّرْوَةِ الْوَاسِعَةِ
مِنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ والزَرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَحَلَبْتَ
قَاعِدًا أَيْ صَارَ مَالُكَ غَنَمًا يَحْلِبُهَا
الْقَاعِدُ وَبِالضِّدِّ أَهُلِ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ
قَوْلُهُ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فِي رِوَايَة للنسائي
أَنْطِقُ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ أَتَكَلَّمُ
قَوْلُهُ فَلَا أُقَبَّحُ أَيْ فَلَا يُقَالُ لِي
قَبَّحَكِ اللَّهُ أَوْ لَا يُقَبَّحُ قَوْلِي وَلَا
يَرُدُّ عَلَيَّ أَيْ لِكَثْرَةِ إِكْرَامِهِ لَهَا
وَتَدَلُّلِهَا عَلَيْهِ لَا يرد لَهَا قولا وَلَا
يُقَبِّحُ عَلَيْهَا مَا تَأْتِي بِهِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ أَنَامُ
إِلَخْ قَوْلُهُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ أَيْ أَنَامُ
الصُّبْحَةَ وَهِيَ نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَا
أُوقَظُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا
مُؤْنَةَ بَيْتِهَا وَمِهْنَةَ أَهْلِهَا قَوْلُهُ
وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ كَذَا وَقَعَ بِالْقَافِ
وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ قَالَ
عِيَاضٌ لَمْ يَقَعْ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا بِالنُّونِ
وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمَا بِالْمِيمِ قُلْتُ
وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى
هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ
بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْمِيمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ
أَتَقَمَّحُ أَيْ أُرْوَى حَتَّى لَا أُحِبَّ الشُّرْبَ
مَأْخُوذٌ مِنَ النَّاقَةِ الْقَامِحِ وَهِي الَّتِي ترد
الْحَوْض فَلَا تَشْرَبُ وَتَرْفَعُ رَأْسَهَا رِيًّا
وَأَمَّا بِالنُّونِ فَلَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى وَأَثْبَتَ
بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى أَتَقَنَّحُ بِمَعْنَى
أَتَقَمَّحُ لِأَنَّ النُّونَ وَالْمِيمَ يَتَعَاقَبَانِ
مِثْلَ امْتَقَعَ لَوْنُهُ وَانْتَقَعَ وَحَكَى شِمْرٌ
عَنْ أبي زيد التقنح الشّرْب بعد الرّيّ وَقَالَ بن
حَبِيبٍ الرِّيُّ بَعْدَ الرِّيِّ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ
هُوَ الشُّرْبُ عَلَى مَهَلٍ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ
لِأَنَّهَا كَانَتْ آمِنْةً مِنْ قِلَّتِهِ فَلَا
تُبَادِرُ إِلَيْهِ مَخَافَةَ عَجْزِهِ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ الدَّيْنُوَرِيُّ قَنَحَتْ مِنَ الشَّرَابِ
تَكَارَهَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الرِّيِّ وَحَكَى الْقَالِي
قَنَحَتِ الْإِبِلُ تَقَنَّحُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي
الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ قَنْحًا
(9/268)
بِسُكُونِ النُّونِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا
إِذَا تَكَارَهَتِ الشُّرْبَ بعد الرّيّ وَقَالَ أَبُو زيد
وبن السِّكِّيتِ أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ تَقَنَّحْتُ
تَقَنُّحًا بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ بن السِّكِّيتِ مَعْنَى
قَوْلِهَا فَأَتَقَنَّحُ أَيْ لَا يَقْطَعُ عَلَيَّ
شُرْبِي فَتَوَارَدَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ
الْمَعْنَى أَنَّهَا تَشْرَبُ حَتَّى لَا تَجِدَ مَسَاغًا
أَوْ أَنَّهَا لَا يُقَلَّلُ مَشْرُوبُهَا وَلَا يُقْطَعُ
عَلَيْهَا حَتَّى تَتِمَّ شَهْوَتُهَا مِنْهُ وَأَغْرَبَ
أَبُو عُبَيْدٍ فَقَالَ لَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ
إِلَّا لعزة المَاء عِنْدهم أَي فَلذَلِك فخرت بِالرِّيِّ
مِنَ الْمَاءِ وَتَعْقُبُوهُ بِأَنَّ السِّيَاقَ لَيْسَ
فِيهِ التَّقْيِيدُ بِالْمَاءِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ
أَنْوَاعَ الْأَشْرِبَةِ مِنْ لَبَنٍ وَخَمْرٍ وَنَبِيذٍ
وَسَوِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْبَغَوِيِّ فانفتح بِالْفَاءِ
والمثناة قَالَ عِيَاضٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَهْمًا
فَمَعْنَاهُ التَّكَبُّرُ وَالزَّهْوُ يُقَالُ فِي فُلَانٍ
فُتْحَةٌ إِذَا تَاهَ وَتَكَبُّرَ وَيَكُونُ ذَلِكَ
تَحَصَّلَ لَهَا مِنْ نَشْأَةِ الشَّرَابِ أَوْ يَكُونُ
رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَشَارَتْ بِهِ
إِلَى عِزَّتِهَا عِنْدَهُ وَكَثْرَةِ الْخَيْرِ لَدَيْهَا
فَهِيَ تَزْهُو لِذَلِكَ أَوْ مَعْنَى أَتَقَنَّحُ
كِنَايَةٌ عَنْ سِمَنِ جِسْمِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْهَيْثَمِ وَآكُلُ فَأَتَمَنَّحُ أَيْ أُطْعِمُ غَيْرِي
يُقَالُ مَنَحَهُ يَمَنَحُهُ إِذَا أَعْطَاهُ وَأَتَتْ
بِالْأَلْفَاظِ كُلِّهَا بِوَزْنِ أَتَفَعَّلُ إِشَارَةً
إِلَى تَكْرَارِ الْفِعْلِ وَمُلَازَمَتِهِ وَمُطَالَبَةِ
نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ فَإِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ
الرِّوَايَةُ وَإِلَّا فَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ
الشُّرْبِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللَّبن
لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الشَّرَابِ
وَالطَّعَامِ قَوْلُهُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ
أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ فِي
رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ فَيَاحٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ
خَفِيفَةٍ مِنْ فَاحَ يَفِيحُ إِذَا اتَّسَعَ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْعُذْرِيِّ فِيمَا حَكَاهُ
عِيَاضٌ أُمُّ زَرْعٍ وَمَا أُمُّ زَرْعٍ بِحَذْفِ أَدَاةِ
الْكُنْيَةِ قَالَ عِيَاضٌ وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ
كَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهَا قُلْتُ وَالْأَوَّلُ هُوَ
الَّذِي تَضَافَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ
فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِ الْعَاشِرَةِ
وَالْعُكُومُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ عِكْمٍ
بِكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْكَافِ هِيَ الْأَعْدَالُ
وَالْأَحْمَالُ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ
وَقِيلَ هِيَ نَمَطٌ تَجْعَلُ الْمَرْأَةُ فِيهَا
ذَخِيرَتَهَا حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَرَدَاحٌ بِكَسْرِ
الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ أَيْ عِظَامٌ
كَثِيرَةُ الْحَشْوِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ
الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ ثَقِيلَةٌ يُقَالُ لِلْكَتِيبَةِ
الْكَبِيرَةِ رَدَاحٌ إِذَا كَانَتْ بَطِيئَةَ السَّيْرِ
لِكَثْرَةِ مَنْ فِيهَا وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا
كَانَتْ عَظِيمَةَ الكفل ثَقيلَة الورك رداح وَقَالَ بن
حَبِيبٍ إِنَّمَا هُوَ رَدَاحٌ أَيْ مَلْأَى قَالَ عِيَاضٌ
رَأَيْتُهُ مَضْبُوطًا وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنِ بن
أَبِي أُوَيْسٍ كَذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَهُ
شُرَّاحُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ عِيَاضٌ وَمَا أَدْرِي
مَا أنكرهُ بن حَبِيبٍ مَعَ أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِمَا
فَسَّرَهُ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ مَعَ مُسَاعَدَةِ سَائِرِ
الرُّوَاةِ لَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مُرَادَهُ أَنْ يَضْبِطَهَا بِكَسْرِ الرَّاءِ لَا
بِفَتْحِهَا جَمْعُ رَادِحٍ كَقَائِمٍ وَقِيَامٍ وَيَصِحُّ
أَنْ يَكُونَ رَدَاحٌ خَبَرَ عُكُومٍ فَيُخْبِرُ عَنِ
الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خبر
الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ عُكُومُهَا كُلُّهَا رَدَاحٌ
عَلَى أَنَّ رَدَاحٌ وَاحِدٌ جَمْعُهُ رُدُحٌ
بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ سُمِعَ الْخَبَرُ عَن الْجمع
بِالْوَاحِدِ مِثْلَ أَدْرُعُ دِلَاصٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا مِنْهُ وَمِنْه أولياؤهم الطاغوت أَشَارَ
إِلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مَصْدَرًا مِثْلَ طَلَاقٍ وَكَمَالٍ أَوْ عَلَى حَذْفِ
الْمُضَافِ أَيْ عُكُومُهَا ذَاتُ رَدَاحٍ قَالَ
الزَّمَخْشَرِيُّ لَوْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ فِي عَكُومٍ
بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَكَانَ الْوَجْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِهَا الْجَفْنَةَ الَّتِي لَا تَزُولُ عَنْ
مَكَانِهَا إِمَّا لِعَظَمِهَا وَإِمَّا لِأَنَّ الْقِرَى
مُتَّصِلٌ دَائِمٌ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَدَ وَلَمْ يَعْكِمْ
أَيْ لَمْ يَقِفْ أَوِ الَّتِي كَثُرَ طَعَامُهَا
وَتَرَاكَمَ كَمَا يُقَالُ اعْتَكَمَ الشَّيْءُ
وَارَتْكَمَ قَالَ وَالرَّدَاحُ حِينَئِذٍ تَكُونُ
وَاقِعَةً فِي مُصَابِهَا مِنْ كَوْنِ الْجَفْنَةِ
مَوْصُوفَةً بِهَا وَفَسَاحٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ
وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ وَاسِعٌ يُقَالُ بَيْتٌ فَسِيحٌ
وَفَسَاحٌ وفَيَاحٌ بِمَعْنَاهُ وَمِنْهُمْ مِنْ شَدَّدَ
الْيَاءَ مُبَالَغَةً وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَصَفَتْ
وَالِدَةَ زَوْجِهَا بِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْآلَاتِ
وَالْأَثَاثِ وَالْقُمَاشِ وَاسِعَةُ الْمَالِ كَبِيرَةُ
الْبَيْتِ إِمَّا حَقِيقَةٌ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ
الثَّرْوَةِ وَإِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْخَيْرِ
وَرَغَدِ الْعَيْشِ وَالْبِرِّ بمَنْ يَنْزِلُ بِهِمْ
لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فُلَانٌ رَحْبُ الْمَنْزِلِ أَيْ
يُكْرِمُ مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ
(9/269)
وَأَشَارَتْ بِوَصْفِ وَالِدَةِ زَوْجِهَا
إِلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَثِيرَ الْبِرِّ لِأُمِّهِ
وَأَنَّهُ لَمْ يَطْعَنْ فِي السن لِأَن ذَلِك هُوَ
الْغَالِبِ مِمَّنْ يَكُونُ لَهُ وَالِدَةٌ تُوصَفُ
بِمِثْلِ ذَلِك قَوْله بن أبي زرع فَمَا بن أَبِي زَرْعٍ
مَضْجَعُهُ كَمِسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ
الْجَفْرَةِ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ
وَتَرَوِيهِ فَيْقَةُ الْيَعْرَةِ وَيَمِيسُ فِي حَلْقِ
النَّتْرَةِ فَأَمَّا مِسَلُّ الشَّطْبَةِ فَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ أَصْلُ الشَّطْبَةِ مَا شَطَبَ مِنَ الْجَرِيدِ
وَهُوَ سَعَفَةٌ فَيُشَقُّ مِنْهُ قُضْبَانٌ رِقَاقٌ
تُنْسَجُ مِنْهُ الْحُصْرُ وَقَالَ بن السّكيت الشطبة من
سدى الْحَصِير وَقَالَ بن حبيب هِيَ الْعود المحدد كالمسلة
وَقَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ أَرَادَتْ بِمِسَلِّ
الشَّطْبَةِ سَيْفًا سُلَّ مِنْ غِمْدِهِ فَمَضْجَعُهُ
الَّذِي يَنَامُ فِيهِ فِي الصِّغَرِ كَقَدْرِ مِسَلِّ
شَطْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا عَلَى مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ
فَعَلَى قَدْرِ مَا يُسَلُّ مِنَ الْحَصِيرِ فَيَبْقَى
مَكَانُهُ فَارِغًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ بن
الْأَعْرَابِيِّ فَيَكُونُ كَغِمْدِ السَّيْفِ وَقَالَ
أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ شَبَّهَتْهُ بِسَيْفٍ مَسْلُولٍ
ذِي شُطَبٍ وَسُيُوفُ الْيَمَنِ كُلُّهَا ذَاتُ شُطَبٍ
وَقَدْ شَبَّهْتِ الْعَرَبُ الرِّجَالَ بِالسُّيُوفِ
إِمَّا لِخُشُونَةِ الْجَانِبِ وَشِدَّةِ الْمَهَابَةِ
وَإِمَّا لِجَمَالِ الرَّوْنَقِ وَكَمَالِ اللَّأْلَاءِ
وَإِمَّا لِكَمَالِ صُورَتِهَا فِي اعْتِدَالِهَا
وَاسْتِوَائِهَا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْمَسَلُّ
مَصْدَرٌ بِمَعْنَى السَّلِّ يُقَامُ مَقَامَ الْمَسْلُولِ
وَالْمَعْنَى كَمَسْلُولِ الشَّطْبَةِ وَأَمَّا
الْجَفْرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ فَهِيَ
الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ إِذَا كَانَ بن
أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ وَأُخِذَ فِي
الرَّعْي قَالَه أَبُو عبيد وَغَيره وَقَالَ بن
الْأَنْبَارِي وبن دُرَيْد وَيُقَال لِوَلَدِ الضَّأْنِ
أَيْضًا إِذَا كَانَ ثَنِيًّا وَقَالَ الْخَلِيل الجفر من
أَوْلَاد الشَّاة مَا اسْتَجْفَرَ أَيْ صَارَ لَهُ بَطْنٌ
وَالْفَيْقَةُ بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة
بعْدهَا قَاف مَا يجْتَمع فِي الضَّرع بَين الحلبتين
والفواق بِضَم الْفَاء الزَّمَانُ الَّذِي بَيْنَ
الْحَلْبَتَيْنِ وَالْيَعْرَةُ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ
وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ الْعِنَاقُ
وَيَمِيسُ بِالْمُهْمَلَةِ أَي يتبختر وَالْمرَاد يحلق
النَّتْرَةِ وَهِيَ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ
الْمُثَنَّاةِ السَّاكِنَةِ الدِّرْعُ اللَّطِيفَةُ أَوِ
الْقَصِيرَةُ وَقِيلَ اللَّيِّنَةُ الْمَلْمَسِ وَقِيلَ
الْوَاسِعَةُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا وَصَفَتْهُ بِهَيْفِ
الْقَدِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِبَطِينٍ وَلَا جَافٍّ قَلِيلِ
الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مُلَازِمٍ لِآلَةِ الْحَرْبِ
يَخْتَالُ فِي مَوْضِعِ الْقِتَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا
تَتَمَادَحُ بِهِ الْعَرَبُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا
وَصَفَتْهُ بِأَنَّهُ خَفِيفُ الْوَطْأَةِ عَلَيْهَا
لِأَنَّ زَوْجَ الْأَبِ غَالِبًا يَسْتَثْقِلُ وَلَدَهُ
مِنْ غَيْرِهَا فَكَانَ هَذَا يُخَفِّفُ عَنْهَا فَإِذَا
دخل بَيتهَا فانفق أَنَّهُ قَالَ فِيهِ مَثَلًا لَمْ
يَضْطَجِعْ إِلَّا قَدْرَ مَا يُسَلُّ السَّيْفُ مِنْ
غِمْدِهِ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ مُبَالَغَةً فِي التَّخْفِيفِ
عَنْهَا وَكَذَا قَوْلُهَا يُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ
أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ مَا عِنْدَهَا بِالْأَكْلِ فَضْلًا
عَنِ الْأَخْذِ بَلْ لَوْ طَعِمَ عِنْدَهَا لَاقْتَنَعَ
بِالْيَسِيرِ الَّذِي يَسُدُّ الرَّمَقَ مِنَ الْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ قَوْلُهُ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ
أَبِي زَرْعٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَا بِالْوَاوِ
بَدَلَ الْفَاءِ قَوْلُهُ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ
أُمِّهَا أَيْ أَنَّهَا بَارَّةٌ بِهِمَا زَادَ فِي
رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ وَزَيْنُ أَهْلِهَا وَنِسَائِهَا
أَيْ يَتَجَمَّلُونَ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ
زَيْنُ أُمِّهَا وَزَيْنُ أَبِيهَا بَدَلَ طَوْعُ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ
وَقُرَّةُ عَيْنٍ لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا وَزَيْنٌ
لأَهْلهَا وَزَاد الكاذي فِي رِوَايَته عَن بن السّكيت
وصفر ردائها وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ قَبَّاءُ هَضِيمَةُ
الْحَشَا جَائِلَةُ الوشاح عكناء فعماء تجلاء دعجاء رَجَاء
فنواء مُؤَنَّقَةٌ مُفَنَّقَةٌ قَوْلُهُ وَمِلْءُ
كِسَائِهَا كِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ شَخْصِهَا وَنِعْمَةِ
جِسْمِهَا قَوْلُهُ وَغَيْظُ جَارَتِهَا فِي رِوَايَةِ
سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَقْرُ
جَارَتِهَا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ
أَيْ دَهَشِهَا أَوْ قَتْلِهَا وَفِي رِوَايَةٍ
لِلنَّسَائِيِّ والطَّبَرَانِيِّ وَحَيْرُ جَارَتِهَا
بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ مِنَ الْحَيْرَةِ
وَفِي أُخْرَى لَهُ وَحَيْنُ جَارَتِهَا بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا
نُونٌ أَيْ هَلَاكُهَا وَفِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ
عَدِيٍّ وَعُبْرُ جَارَتِهَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ
وَسُكُونِ الْمُوَحِّدَةِ وَهُوَ مِنَ الْعَبْرَةِ
بِالْفَتْحِ أَيْ تَبْكِي حَسَدًا لِمَا تَرَاهُ مِنْهَا
أَوْ بِالْكَسْرِ أَيْ تَعْتَبِرُ بِذَلِكَ وَفِي
رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَحِبْرُ نِسَائِهَا
وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ
وَالْمُوَحَّدَةِ مِنَ التَّحْبِيرِ وَقِيلَ
بِالْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ مِنَ الْخَيْرِيَّةِ
وَالْمُرَادُ
(9/270)
بِجَارَتِهَا ضَرَّتُهَا أَوْ هُوَ عَلَى
حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْجَارَاتِ مِنْ شَأْنِهِنَّ ذَلِكَ
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
وَغَيْرُ جَارَتِهَا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ
التَّحْتَانِيَّةِ مِنَ الْغَيْرَةِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا
قَوْلُ عُمَرَ لِحَفْصَةَ لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ
جَارَتُكِ أَضْوَأَ مِنْكِ يَعْنِي عَائِشَةَ وَقَوْلُهَا
صِفْرٌ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ
الْفَاءِ أَيْ خَالٍ فَارِغٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ
رِدَاءَهَا كَالْفَارِغِ الْخَالِي لِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ
مِنْ جِسْمِهَا شَيْئًا لِأَنَّ رَدْفَهَا وَكَتِفَيْهَا
يَمنَعُ مَسَّهُ مِنْ خَلْفِهَا شَيْئًا مِنْ جِسْمِهَا
وَنَهْدَهَا يَمْنَعُ مَسَّهُ شَيْئًا مِنْ مُقَدَّمِهَا
وَفِي كَلَام بن أبي أويس وَغَيره معنى قَوْلهَا صفر
ردائها تَصِفُهَا بِأَنَّهَا خَفِيفَةُ مَوْضِعِ
التَّرْدِيَةِ وَهُوَ أَعْلَى بَدَنِهَا وَمَعْنَى
قَوْلِهِ مِلْءُ كِسَائِهَا أَيْ مُمْتَلِئَةُ مَوْضِعِ
الْأَزْرَةِ وَهُوَ أَسْفَلُ بَدَنِهَا وَالصِّفْرُ
الشَّيْءُ الْفَارِغُ قَالَ عِيَاضٌ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ
أَرَادَ أَنَّ امْتِلَاءَ مَنْكِبَيْهَا وَقِيَامَ
نَهْدِيهَا يَرْفَعَانِ الرِّدَاءَ عَنْ أَعْلَى جَسَدِهَا
فَهُوَ لَا يَمَسُّهُ فَيَصِيرُ كَالْفَارِغِ مِنْهَا
بِخِلَافِ أَسْفَلِهَا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَبَتِ
الرَّوَادِفُ وَالنُّهُودُ لِقُمُصِهَا مِنْ أَنْ تَمَسَّ
بُطُونَهَا وَظُهُورَهَا وَقَوْلُهَا قَبَّاءُ بِفَتْحِ
الْقَافِ وَبِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَي ضامرة الْبَطن
وهضيمة الحسا هُوَ بِمَعْنى الَّذِي قبله وجائلة الوشاح
أَي يَدُور وشاحها لضمور بَطنهَا وعكناء أَي ذَات اعكان
وفعماء بِالْمُهْمَلَةِ أَي ممتلئة الْجِسْم ونجلاء بنُون
وجين أَي وَاسِعَة الْعين ودعجاء أَي شَدِيدَة سَواد
الْعين ورجاء بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ كَبِيرَةُ
الْكِفْلِ تَرْتَجُّ مِنْ عَظَمَةٍ إِنْ كَانَتِ
الرِّوَايَةُ بِالرَّاءِ فَإِنْ كَانَتْ بالزاي
فَالْمُرَاد فِي حاجبيها تقويس ومونقة بنُون ثَقيلَة وقاف
ومفنقة بِوَزْنِهِ أَيْ مُغَذَّيَةٌ بِالْعَيْشِ
النَّاعِمِ وَكُلُّهَا أَوْصَافٌ حسان وَفِي رِوَايَة بن
الْأَنْبَارِيِّ بُرُودُ الظِّلِّ أَيْ أَنَّهَا حَسَنَةُ
الْعِشْرَةِ كَرِيمَةُ الْجِوَارِ وَفِيُّ الْإِلَى
بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْإِلَى بِكَسْرِ
الْهَمْزَةِ أَيِ الْعَهْدِ أَوِ الْقَرَابَةِ كَرِيمُ
الْخِلِّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الصَّاحِبُ زَوْجًا
كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ هَذِهِ
الْأَوْصَافَ مَعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُؤَنَّثٌ
لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِهِ مَذْهَبَ التَّشْبِيهِ أَيْ هِيَ
كَرَجُلٍ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْ حَمَلَتْهُ عَلَى
الْمَعْنَى كَشَخْصٍ أَوْ شَيْءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ عُرْوَةَ
بْنِ حَرَامٍ وَعَفْرَاءُ عَنِّي الممرض الْمُتَوَانِي
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ
الرُّوَاةِ نَقَلَ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنَ الِابْنِ إِلَى
الْبِنْتِ وَفِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ رَدٌّ عَلَى
الزَّجَّاجِيِّ فِي إِنْكَارِهِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسَنِ وَجْهِهِ وَزَعَمَ أَنَّ
سِيبَوَيْهِ انْفَرَدَ بِإِجَازَةِ مِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ
مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الشَّيْءَ إِلَى نَفْسِهِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَخْطَأَ الزَّجَّاجِيُّ فِي
مَوَاضِعَ فِي مَنْعِهِ وَتَعْلِيلِهِ وَتَخْطِئَتِهِ
وَدَعْوَاهُ الشُّذُوذَ وَقد نقل بن خَرُوفٍ أَنَّ
الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ وَكَيف يخطىء
مَنْ تَمَسَّكَ بِالسَّمَاعِ الصَّحِيحِ كَمَا جَاءَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ
وَكَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَئْنٌ أَصَابِعُهُ تَنْبِيهٌ سَقَطَ
مِنْ رِوَايَةِ الزبير ذكر بن أَبِي زَرْعٍ وَوَصْفُ
بِنْتِ أَبِي زَرْعٍ فَجَعْلَ وصف بن أَبِي زَرْعٍ
لِبِنْتِ أَبِي زَرْعٍ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى
وَأَتَمُّ قَوْلُهُ جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا
جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ
خَادِمُ أَي زَرْعٍ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ وَلِيدُ
أَبِي زَرْعٍ وَالْوَلِيدُ الْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى
الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَوْلُهُ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا
تَبْثِيثًا بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي
رِوَايَةٍ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَهُمَا
بِمَعْنَى بَثَّ الْحَدِيثَ وَنَثَّ الْحَدِيثَ أَظْهَرَهُ
وَيُقَالُ بِالنُّونِ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً كَمَا
تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الأولى وَقَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ
النَّثَّاثُ الْمُغْتَابُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ لَوْلَا تخرج قَوْله وَلَا تنفث بِتَشْدِيدِ
الْقَافِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أَيْ تُسْرِعُ فِيهِ
بالخيانة تذهبه بِالسَّرِقَةِ كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ
وَضَبَطَهُ عِيَاضٌ فِي مُسْلِمٍ بِفَتْحٍ أَوَّلِهِ
وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ قَالَ وَجَاءَ
تَنْقِيثًا مَصْدَرًا عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ وَهُوَ
جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَتَقَبَّلَهَا
رَبهَا بقول حسن وأنبتها نباتا حسنا وَوَقَعَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ فِي
(9/271)
الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ
رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَلَا تُنَقِّثُ
بِالتَّشْدِيدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ
انْتَهَى وَضَبَطَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالْفَاءِ
الثَّقِيلَةِ بَدَلَ الْقَافِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ
النَّفْثُ وَالتَّفْلُ بِمَعْنًى وَأَرَادَتِ
الْمُبَالَغَةَ فِي بَرَاءَتِهَا مِنَ الْخِيَانَةِ
فَيَحْتَمِلُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُسْلِمٍ بِالْقَافِ كَمَا فِي
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالْأُخْرَى بِالْفَاءِ
وَالْمِيرَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ
التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا رَاءٌ الزَّادُ وَأَصْلُهُ
مَا يُحَصِّلُهُ الْبَدَوِيُّ مِنَ الْحَضَرِ وَيَحْمِلُهُ
إِلَى مَنْزِلِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ أَهْلُهُ وَقَالَ
أَبُو سَعِيدٍ التَّنْقِيثُ إِخْرَاجُ مَا فِي مَنْزِلِ
أَهْلِهَا إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ بن حَبِيبٍ مَعْنَاهُ
لَا تُفْسِدُهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ رِوَايَةَ الزُّبَيْرِ
وَلَا تُفْسِدُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ
سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بِالْفَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ وَلَا تَنْقُلُ وَكَذَا
لِلزُّبَيْرِ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبٍ وَلِأَبِي عَوَانَةَ
وَلَا تنْتَقل وَفِي رِوَايَة عَن بن الْأَنْبَارِيِّ
وَلَا تُغِثُّ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ أَيْ تُفْسِدُ
وَأَصْلُهُ مِنَ الْغُثَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ
الْوَسْوَسَةُ وَفِي رِوَايَة للنسائي وَلَا تفتش
مِيرَتَنَا تَفْشِيشًا بِفَاءٍ وَمُعْجَمَتَيْنِ مِنَ
الْإِفْشَاشِ طَلَبُ الْأَكْلِ مِنْ هُنَا وَهُنَا
وَيُقَالُ فَشَّ مَا عَلَى الْخِوَانِ إِذَا أَكَلَهُ
أَجْمَعَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وَلَا تُفْسِدُ
مِيرَتَنَا تَغْشِيشًا بِمُعْجَمَاتٍ وَقَالَ مَأْخُوذ من
غشيش الْخَبَر إِذَا فَسَدَ تُرِيدُ أَنَّهَا تُحْسِنُ
مُرَاعَاةَ الطَّعَامِ وَتَتَعاهَدُهُ بِأَنْ تُطْعِمَ
مِنْهُ أَوَّلًا طَرِيًّا وَلَا تُغْفِلَهُ فَيَفْسَدَ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ
بِأَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الطَّعَامَ الْمَخْبُوزَ بَلْ
تَتَعَهَّدُهُ بِأَنْ تُطْعِمَهُمْ مِنْهُ أَوَّلًا
فَأَوَّلًا وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا إِنَّمَا
يَتَمَشَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ
لِلْخَطَّابِيِّ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الصَّحِيحِ
وَلَا تَمْلَأُ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ
أَنَّهَا تَتَعَهَّدُهُ بِالتَّنْظِيفِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الرِّوَايَةَ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْأَصْلِ وَلَا
تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا وَعِنْدَ الْخَطَّابِيِّ
وَلَا تُفْسِدُ مِيرَتَنَا تَغْشِيشًا بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ وَاتَّفَقَتَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى وَلَا
تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا وَهِيَ بِالْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ هِيَ
أَقْعُدُ بِالسَّجْعِ أَعْنِي تَعْشِيشًا مِنْ تَنْقِيثًا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا
تَعْشِيشًا بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ
أَنَّهَا مُصْلِحَةٌ لِلْبَيْتِ مُهْتَمَّةٌ بِتَنْظِيفِهِ
وَإِلْقَاءِ كُنَاسَتِهِ وَإِبْعَادِهَا مِنْهُ وَأَنَّهَا
لَا تَكْتَفِي بِقَمِّ كُنَاسَتِهِ وَتَرْكِهَا فِي
جَوَانِبِهِ كَأَنَّهَا الْأَعْشَاشُ وَفِي رِوَايَةِ
الطَّبَرَانِيِّ وَلَا تُعِشُّ بَدَلَ وَلَا تَمْلَأُ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ الَّتِي
عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ بَعْدُ بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مِنَ الْغِشِّ
ضِدُّ الْخَالِصِ أَيْ لَا تَمْلَؤُهُ بِالْخِيَانَةِ بَلْ
هِيَ مُلَازِمَةٌ لِلنَّصِيحَةِ فِيمَا هِيَ فِيهِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عِفَّةِ فَرَجِهَا
وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَمْلَأُ الْبَيْتَ وَسَخًا
بِأَطْفَالِهَا مِنَ الزِّنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ
كِنَايَةٌ عَنْ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا لَا تَأْتِيهِمْ
بِشَرٍّ وَلَا تُهْمَةٍ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي
تَعْشِيشًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مِنْ عَشَّشَتِ النَّخْلَةُ إِذَا قَلَّ سَعَفُهَا
أَيْ لَا تَمْلَؤُهُ اخْتِزَالًا وَتَقْلِيلًا لِمَا فِيهِ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ وَلَا تُنَجِّثُ
أَخْبَارَنَا تَنْجِيثًا بِنُونٍ وَجِيمٍ وَمُثَلَّثَةٍ
أَيْ تَسْتَخْرِجُهَا وَأَصْلُ التَّنْجِثَةِ مَا يَخْرُجُ
مِنَ الْبِئْرِ مِنْ تُرَابٍ وَيُقَالُ أَيْضًا
بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْجِيمِ زَادَ الْحَارِثُ بْنُ
أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّد بن جَعْفَر الوكاني عَنْ
عِيسَى بْنِ يُونُسَ قَالَتْ عَائِشَةُ حَتَّى ذَكَرَتْ
كَلْبَ أَبِي زَرْعٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنِ الْوَرْكَانِيِّ وَزَادَ
الْهَيْثَمُ بْنُ عدي فِي رِوَايَتِهِ ضَيْفُ أَبِي زَرْعٍ
فَمَا ضَيْفُ أَبِي زَرْعٍ فِي شِبَعٍ وَرَيٍّ وَرَتَعٍ
طُهَاةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا طُهَاةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تفتر
وَلَا تعدى تقدح قدرا وَتُنْصَبُ أُخْرَى فَتَلْحَقُ
الْآخِرَةُ بِالْأُولَى مَالُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا مَالُ
أَبِي زَرْعٍ عَلَى الْجَمَمِ مَعْكُوسٌ وَعَلَى
الْعُفَاةِ مَحْبُوسٌ وَقَوْلُهُ رَيٍّ وَرَتَعٍ بِفَتْحِ
الرَّاءِ وَبِالْمُثَنَّاةِ أَيْ تَنَعُّمٍ وَمَسَرَّةٍ
وَالطُّهَاةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الطَّبَّاخُونَ
وَقَوْلُهُ لَا تَفْتُرُ بِالْفَاءِ السَّاكِنَةِ ثُمَّ
الْمُثَنَّاةِ الْمَضْمُومَةِ
(9/272)
أَيْ لَا تَسْكُنُ وَلَا تَضْعُفُ
وَقَوْلُهُ وَلَا تعدى بِمُهْملَة أَيْ تُصْرَفُ
وَتُقْدَحُ بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ
تُفَرَّقُ وَتُنْصَبُ أَيْ تُرْفَعُ عَلَى النَّارِ
وَالْجَمَمُ بِالْجِيمِ جَمْعُ جَمَّةٍ هُمُ الْقَوْمُ
يَسْأَلُونَ فِي الدِّيَةِ وَمَعْكُوسٌ أَيْ مَرْدُودٌ
وَالْعُفَاةُ السَّائِلُونَ وَمَحْبُوسٌ أَيْ مَوْقُوفٌ
عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ فِي
رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي وَفِي
رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ ثُمَّ خَرَجَ
مِنْ عِنْدِي قَوْلُهُ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ
الْأَوْطَابُ جَمْعُ وَطْبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ
وِعَاءُ اللَّبَنِ وَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ جَمْعَهُ
عَلَى أَوْطَابٍ عَلَى خِلَافِ قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ
لِأَنَّ فَعْلًا لَا يَجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ بَلْ عَلَى
فِعَالٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَالَ الْخَلِيلُ جَمْعُ
الْوَطْبِ وِطَابٌ وَأَوْطَابٌ وَقَدْ جُمِعَ فَرْدٌ عَلَى
أَفْرَادٍ فَبَطَلَ الْحَصْرُ الَّذِي ادَّعَاهُ نَعَمِ
الْقِيَاسُ فِي فِعْلٍ أَفْعُلٌ فِي الْقِلَّةِ وَفِعَالٌ
أَوْ فُعُولٌ فِي الْكَثْرَةِ قَالَ عِيَاضٌ وَرَأَيْتُ
فِي رِوَايَةِ حَمْزَةَ عَنِ النَّسَائِيّ والأوطاب
بِغَيْرِ وَاوٍ فَإِنْ كَانَ مَضْبُوطًا فَهُوَ عَلَى
إِبْدَالِ الْوَاوِ هَمْزَةً كَمَا قَالُوا إِكَافٌ
وَوِكَافٌ قَالَ يَعْقُوب بن السِّكِّيتِ أَرَادَتْ
أَنَّهُ يُبَكِّرُ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهَا غُدْوَةً
وَقْتَ قِيَامِ الْخَدَمِ وَالْعَبِيدِ لِأَشْغَالِهِمْ
وَانْطَوَى فِي خَبَرِهَا كَثْرَةُ خَيْرِ دَارِهِ
وَغَزْرُ لَبَنِهِ وَأَنَّ عِنْدَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ
وَيَفَضَلُ حَتَّى يَمْخَضُوهُ ويستخرجوا زبده وَيحْتَمل
أَنْ يَكُونَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي
خَرَجَ فِيهِ كَانَ فِي زَمَنِ الْخِصَبِ وَطِيبِ
الرَّبِيعِ قُلْتُ وَكَأَنَّ سَبَبَ ذِكْرِ ذَلِكَ
تَوْطِئَةٌ لِلْبَاعِثِ عَلَى رُؤْيَةِ أَبِي زَرْعٍ
لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي رَآهَا عَلَيْهَا
أَيْ أَنَّهَا مِنْ مَخْضِ اللَّبَنِ تَعِبَتْ
فَاسْتَلْقَتْ تَسْتَرِيحُ فَرَآهَا أَبُو زَرْعٍ عَلَى
ذَلِكَ قَوْلُهُ فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ
لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ
فَأَبْصَرَ امْرَأَة لَهَا ابْنَانِ كالفهدين وَفِي
رِوَايَة بن الْأَنْبَارِيِّ كَالصَّقْرَيْنِ وَفِي
رِوَايَةِ الْكَاذِيِّ كَالشِّبْلَيْنِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ سَارَّيْنِ
حَسَنَيْنِ نَفِيسَيْنِ وَفَائِدَةُ وَصْفِهَا لَهُمَا
التَّنْبِيهُ عَلَى أَسْبَابِ تَزْوِيجِ أَبِي زَرْعٍ
لَهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْغَبُونَ فِي أَنْ تَكُونَ
أَوْلَادُهُمْ مِنَ النِّسَاءِ الْمُنْجِبَاتِ فَلِذَلِكَ
حَرَصَ أَبُو زَرْعٍ عَلَيْهَا لَمَّا رَآهَا وَفِي
رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فَإِذَا هُوَ بِأُمِّ
غُلَامَيْنِ وَوَصْفُهَا لَهُمَا بِذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ
إِلَى صِغَرِ سنهما واشداد خَلْقِهِمَا وَتَوَارَدَتِ
الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُمَا ابْنَاهَا إِلَّا مَا
رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ فَإِنَّهُ قَالَ
فَمَرَّ عَلَى جَارِيَةٍ مَعَهَا أَخَوَاهَا قَالَ عِيَاضٌ
يَتَأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا وَلَدَاهَا
وَلَكِنَّهُمَا جُعِلَا أَخَوَيْهَا فِي حُسْنِ الصُّورَةِ
وَكَمَالِ الْخِلْقَةِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ
كَانَ أَدَلَّ عَلَى صِغَرِ سِنِّهَا وَيُؤَيِّدُهُ
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ فَمَرَّ بِجَارِيَةٍ
شَابَّةٍ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ لِغُنْدَرٍ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ وَإِنَّمَا هَذِهِ رِوَايَةُ
الْحَارِث بن أبي أُسَامَة عَن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ
وَهُوَ الْوَرْكَانِيُّ وَلَمْ يُدْرِكِ الْحَارِثُ
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرًا وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ
الْوَرْكَانِيُّ أَنَّ غُنْدَرًا مَا لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ
عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ
الْوَرْكَانِيِّ وَلَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ ثُمَّ
إِنَّ كَوْنَهُمَا أَخَوَيْهَا يَدُلُّ عَلَى صِغَرِ
سِنِّهَا فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا مِنْ
أَبِيهَا وَوُلِدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ طَعَنَ فِي السِّنِّ
وَهِيَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ فَلَا تَكُونُ شَابَّةً
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهِمَا أَخَوَيْهَا
وَوَلَدَيْهَا بِأَنْ تَكُونَ لَمَّا وَضَعَتْ وَلَدَيْهَا
كَانَتْ أُمُّهَا ترْضع فأرضعتهما قَوْله يلعبان من تَحت
خصرها بِرُمَّانَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ مِنْ
تَحْتِ دِرْعِهَا وَفِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ مِنْ تَحْتِ
صَدْرِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُرِيدُ أَنَّهَا ذَاتُ
كِفْلٍ عَظِيمٍ فَإِذَا اسْتَلْقَتِ ارْتَفَعَ كِفْلُهَا
بِهَا مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى يَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةٌ
تَجْرِي فِيهَا الرُّمَّانَةُ قَالَ وَذَهَبَ بَعْضُ
النَّاسِ إِلَى الثَّدْيَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ
اه وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا جَزَمَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ
بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ
مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهِيَ
مُسْتَلْقِيَةٌ عَلَى قَفَاهَا وَمَعَهُمَا رُمَّانَةٌ
يَرْمِيَانِ بِهَا مِنْ تَحْتِهَا فَتَخْرُجُ مِنَ
الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ عِظَمِ إِلْيَتَيْهَا لَكِنْ
رَجَّحَ عِيَاضٌ تَأْوِيلَ الرُّمَّانَتَيْنِ
بِالنَّهْدَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ سِيَاقَ أَبِي
مُعَاوِيَةَ هَذَا لَا يُشْبِهُ كَلَامَ أُمِّ زَرْعٍ
قَالَ فَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ رُوَاتِهِ
أَوْرَدَهُ عَلَى
(9/273)
سَبِيلِ التَّفْسِيرِ الَّذِي ظَنَّهُ
فَأُدْرِجَ فِي الْخَبَرِ وَإِلَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ
بِلَعِبِ الصِّبْيَانِ وَرَمْيِهِمُ الرُّمَّانَ تَحْتَ
أَصْلَابِ أُمَّهَاتِهِمْ وَمَا الْحَامِلُ لَهَا على
الاستلقاء حَتَّى يصفان ذَلِكَ وَيَرَى الرِّجَالُ مِنْهَا
ذَلِكَ بَلِ الْأَشْبَهُ أَن يكون قَوْلهَا يلعبان من تَحت
خصرها أَو صدرها أَي أَن ذَلِك مَكَان الْوَلَدَيْنِ
مِنْهَا وَأَنَّهُمَا كَانَا فِي حِضْنَيْهَا أَوْ
جَنْبَيْهَا وَفِي تَشْبِيهِ النَّهْدَيْنِ
بِالرُّمَّانَتَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى صِغَرِ سِنِّهَا
وَأَنَّهَا لَمْ تَتَرَهَّلْ حَتَّى تَنْكَسِرَ ثَدْيَاهَا
وَتَتَدَلَّى اه وَمَا رَدَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَمَّا
نَفِيُ الْعَادَةِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُ
أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعِ اتِّفَاقًا بِأَنْ تَكُونَ
لَمَّا اسْتَلْقَتْ وَوَلَدَاهَا مَعَهَا شَغَلَتْهُمَا
عَنْهَا بِالرُّمَّانَةِ يَلْعَبَانِ بِهَا لِيَتْرُكَاهَا
تَسْتَرِيحُ فَاتَّفَقَ أَنَّهُمَا لَعِبَا بِالْهَيْئَةِ
الَّتِي حُكِيَتْ وَأَمَّا الْحَامِلُ لَهَا عَلَى
الِاسْتِلْقَاءِ فَقَدْ قَدَّمْتُ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ
مِنَ التَّعَبِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا مِنَ الْمَخْضِ
وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ لِلشَّخْصِ فَيَسْتَلْقِي فِي غَيْرِ
مَوْضِعِ الِاسْتِلْقَاءِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ
الَّذِي تَخَيَّلَهُ وَإِنْ كَانَ مَا اخْتَارَهُ مِنْ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّمَّانَةِ ثَدْيُهَا أَوْلَى
لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي وَصْفِ الْمَرْأَةِ بِصِغَرِ
سِنِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَطَلَّقَنِي
وَنَكَحَهَا فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فَأَعْجَبَتْهُ
فَطَلَّقَنِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ
فَخَطَبَهَا أَبُو زَرْعٍ فَتَزَوَّجَهَا فَلَمْ تَزَلْ
بِهِ حَتَّى طَلَّقَ أُمَّ زَرْعٍ فَأَفَادَ السَّبَبَ فِي
رَغْبَةِ أَبِي زَرْعٍ فِيهَا ثُمَّ فِي تَطْلِيقِهِ أُمَّ
زَرْعٍ قَوْلُهُ فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا فِي
رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَاسْتَبْدَلْتُ وَكُلُّ بَدَلٍ
أَعْوَرُ وَهُوَ مَثَلٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَدَلَ مِنَ
الشَّيْءِ غَالِبًا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ
مِنْهُ بَلْ هُوَ دُونَهُ وَأَنْزَلُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ
بِالْأَعْوَرِ الْمَعِيبُ قَالَ ثَعْلَبٌ الْأَعْوَرُ
الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يُقَالُ كَلِمَةٌ
عَوْرَاءُ أَيْ قَبِيحَةٌ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى
الْغَالِبِ وَبِالنِّسْبَةِ فَأَخْبَرَتْ أُمُّ زَرْعٍ
أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَمْ يَسُدَّ مَسَدَّ أَبِي
زَرْعٍ قَوْلُهُ سَرِيًّا بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ
تَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ مِنْ سَرَاةِ النَّاسِ
وَهُمْ كُبَرَاؤُهُمْ فِي حُسْنِ الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ
وَالسَّرِيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خِيَارُهُ وَفَسَّرَهُ
الْحَرْبِيُّ بِالسَّخِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الزبير
شَابًّا سريا قَوْلُهُ رَكِبَ شَرِيًّا بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ
رَاءٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّة ثَقيلَة قَالَ بن السِّكِّيتِ
تَعْنِي فَرَسًا خِيَارًا فَائِقًا وَفِي رِوَايَةِ
الْحَارِثِ رَكِبَ فَرَسًا عَرَبِيًّا وَفِي رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِ أَعْوَجِيًّا وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَعْوَجَ
فَرَسٌ مَشْهُورٌ تَنْسُبُ إِلَيْهِ الْعَرَبُ جِيَادَ
الْخَيْلِ كَانَ لِبَنِي كِنْدَةَ ثُمَّ لِبَنِي سُلَيْمٍ
ثُمَّ لِبَنِي هِلَالٍ وَقِيلَ لِبَنِي غَنِيٍّ وَقِيلَ
لِبَنِي كِلَابٍ وَكُلُّ هَذِهِ الْقَبَائِلِ بَعْدَ
كِنْدَةَ مِنْ قَيْسٍ قَالَ بن خَالَوَيْهِ كَانَ لِبَعْضِ
مُلُوكِ كِنْدَةَ فَغَزَا قَوْمًا مِنْ قَيْسٍ فَقَتَلُوهُ
وَأَخَذُوا فَرَسَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ رُكِبَ صَغِيرًا
رَطْبًا قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ فَاعْوَجَّ وَكَبُرَ عَلَى
ذَلِكَ وَالشَّرِيُّ الَّذِي يَسْتَشْرِي فِي سَيْرِهِ
أَيْ يَمْضِي فِيهِ بِلَا فُتُورٍ وَشَرَى الرَّجُلُ فِي
الْأَمْرِ إِذَا لَجَّ فِيهِ وَتَمَادَى وَشَرَى الْبَرْقُ
إِذَا كَثُرَ لَمَعَانُهُ قَوْلُهُ وَأَخَذَ خَطِّيًّا
بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الطَّاءِ
الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إِلَى الْخَطِّ صِفَةُ مَوْصُوفٍ
وَهُوَ الرُّمْحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ
وَأَخَذَ رُمْحًا خَطِّيًّا وَالْخَطُّ مَوْضِعٌ
بِنَوَاحِي الْبَحْرِينِ تُجْلَبُ مِنْهُ الرِّمَاحُ
وَيُقَالُ أَصْلُهَا مِنَ الْهِنْدِ تُحْمَلُ فِي
الْبَحْرِ إِلَى الْخَطِّ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ
إِنْ سَفِينَةً فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ كَانَتْ
مَمْلُوءَةً رِمَاحًا قَذَفَهَا الْبَحْرُ إِلَى الْخَطِّ
فَخَرَجَتْ رِمَاحُهَا فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهَا
وَقِيلَ إِنَّ الرِّمَاحَ إِذَا كَانَتْ عَلَى جَانِبِ
الْبَحْرِ تَصِيرُ كَالْخَطِّ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
فَقِيلَ لَهَا الْخَطِّيَّةُ لِذَلِكَ وَقِيلَ الْخَطُّ
مَنْبَتُ الرِّمَاحِ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا يَصِحُّ وَقِيلَ
الْخَطُّ السَّاحِل وكل سَاحل خطّ قَوْله الرواح
بِمُهْمَلَتَيْنِ مِنَ الرَّوَاحِ وَمَعْنَاهُ أَتَى بِهَا
إِلَى المراح وَهُوَ مَوضِع مبيت الْمَاشِيَة قَالَ بن
أَبِي أُوَيْسٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَزَا فَغَنِمَ فَأَتَى
بِالنَّعَمِ الْكَثِيرَةِ قَوْلُهُ عَلَيَّ بِالتَّشْدِيدِ
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَأَرَاحَ عَلَى بَيْتِي
قَوْلُهُ نَعَمًا بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ جَمْعٌ لَا
وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ الْإِبِلُ خَاصَّةً
وَيُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْمَوَاشِي إِذَا كَانَ فِيهَا
إِبِلٌ وَفِي رِوَايَةٍ حَكَّاهَا عِيَاضٌ نِعَمًا
بِكَسْرٍ أَوَّلِهِ جَمْعُ نِعْمَةٍ وَالْأَشْهُرُ
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ ثَرِيًّا بِمُثَلَّثَةٍ أَيْ
كَثِيرَةً وَالثَّرِيُّ المَال الْكثير من الْإِبِل
وَغَيرهَا يُقَال أَثْرَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا
كَثَّرَهُ فَكَانَ
(9/274)
فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَكْثَرَ
مِنْهُ وَذَكَرَ ثَرِيًّا وَإِنْ كَانَ وَصْفَ مُؤَنَّثٍ
لِمُرَاعَاةِ السَّجْعِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ
تَأْنِيثُهُ حَقِيقِيًّا يَجُوزُ فِيهِ التَّذْكِيرُ
وَالتَّأْنِيثُ قَوْلُهُ وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَة
برَاء وتحتانية ومهملة فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ذَابِحَةٍ
بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ أَيْ
مَذْبُوحَةٍ مِثْلُ عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرَضِيَّةٍ
فَالْمَعْنَى أَعْطَانِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُذْبَحُ
زَوْجًا وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ كُلِّ
سَائِمَةٍ وَالسَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَالرَّائِحَةُ
الْآتِيَةُ وَقْتَ الرَّوَاحِ وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ
قَوْلُهُ زَوْجًا أَيِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ
الْحَيَوَانِ الَّذِي يَرْعَى وَالزَّوْجُ يُطْلَقُ عَلَى
الِاثْنَيْنِ وَعَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا وَأَرَادَتْ
بِذَلِكَ كَثْرَةَ مَا أَعْطَاهَا وَأَنَّهُ لَمْ
يَقْتَصِرْ عَلَى الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَالَ
كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ أَيْ صِلِيهِمْ
وَأَوْسَعِي عَلَيْهِمْ بِالْمِيرَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ
وَهِيَ الطَّعَامُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا وَصَفَتْهُ
بِالسُّؤْدُدِ فِي ذَاتِهِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَضْلِ
وَالْجُودِ بِكَوْنِهِ أَبَاحَ لَهَا أَنْ تَأْكُلَ مَا
شَاءَت من مَاله وتهدي مِنْهُ مَا شَاءَت لِأَهْلِهَا
مُبَالَغَةً فِي إِكْرَامِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَتْ
أَحْوَالُهُ عِنْدَهَا مُحْتَقَرَةً بِالنِّسْبَةِ لِأَبِي
زَرْعٍ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنْ أَبَا زَرْعٍ كَانَ
أَوَّلَ أَزْوَاجِهَا فَسَكَنَتْ مَحَبَّتُهُ فِي
قَلْبِهَا كَمَا قِيلَ مَا الْحبّ الا للحبيب الأول زَاد
أبي مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ
آخَرُ فَأَكْرَمَهَا أَيْضا فَكَانَت تَقول أكرمني وَفعل
لي وَتَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ لَوْ جُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ
قَوْلُهُ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ فِي رِوَايَةِ
الْهَيْثَمِ فَجَمَعْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَفِي رِوَايَةِ
الطَّبَرَانِيِّ فَقُلْتُ لَوْ كَانَ هَذَا أُجْمِعَ فِي
أَصْغَرِ قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ فِي رِوَايَةٍ
لِلنَّسَائِيِّ كُلُّ الَّذِي قَوْلُهُ أَعْطَانِيهِ فِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَعْطَانِي بِلَا هَاءٍ قَوْلُهُ مَا
بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أبي زرع فِي رِوَايَة بن أَبِي
أُوَيْسٍ مَا مَلَأَ إِنَاءً مِنْ آنِيَةِ أبي زرع وَفِي
رِوَايَة للنسائي مَا بَلَغَتْ إِنَاءَ وَفِي رِوَايَةِ
الطَّبَرَانِيِّ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَصَبْتُهُ
مِنْهُ فَجَعَلْتُهُ فِي أَصْغَرِ وِعَاءٍ مِنْ أَوْعِيَةِ
أَبِي زَرْعٍ مَا مَلَأَهُ لِأَنَّ الْإِنَاءَ أَوِ
الْوِعَاءَ لَا يَسَعُ مَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ أَعْطَاهَا
مِنْ أَصْنَافِ النِّعَمِ وَيَظْهَرُ لِي حَمْلُهُ عَلَى
مَعْنًى غَيْرِ مُسْتَحِيلٍ وَهِيَ أَنَّهَا أَرَادَتْ
أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهَا جُمْلَةً أَرَادَ أَنَّهَا
تُوَزِّعُهُ عَلَى الْمُدَّةِ إِلَى أَنْ يَجِيءَ أَوَانُ
الْغَزْوِ فَلَوْ وَزَّعَتْهُ لَكَانَ حَظُّ كُلِّ يَوْمٍ
مَثَلًا لَا يَمْلَأُ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ
الَّتِي كَانَ يُطْبَخُ فِيهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى
الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ بِغَيْرِ نَقْصٍ وَلَا
قَطْعٍ قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الكاذي فِي رِوَايَته
يَا عائش وَفِي رِوَايَة بن أَبِي أُوَيْسٍ يَا عَائِشَةُ
قَوْلُهُ كُنْتُ لَكِ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ
فَكُنْتُ لَكِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ أَنَا لَكِ
وَهِيَ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِرِوَايَةِ كُنْتُ كَمَا
جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى كُنْتُم خير أمة
أَيْ أَنْتُمْ وَمِنْهُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ أَيْ
مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كَانَ
هُنَا عَلَى بَابِهَا وَالْمُرَادُ بِهَا الِاتِّصَالُ
كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رحِيما إِذِ الْمُرَادُ بَيَانُ زَمَانٍ مَاضٍ فِي
الْجُمْلَةِ أَيْ كُنْتُ لَكِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ
قَوْلُهُ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ زَادَ فِي
رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدَيٍّ فِي الْأُلْفَةِ
وَالْوَفَاءِ لَا فِي الْفُرْقَةِ وَالْجَلَاءِ وَزَادَ
الزُّبَيْرُ فِي آخِرِهِ إِلَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا
وَإِنِّي لَا أُطَلِّقُكِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةٍ
لِلطَّبَرَانِيِّ وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ
لَهُ وَالطَّبَرَانِيِّ قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي زَرْعٍ وَفِي أول
رِوَايَة للزبير بِأَبِي وَأُمِّي لَأَنْتَ خَيْرٌ لِي
مِنْ أَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ وَكَأَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لَهَا
وَطُمَأْنِينَةً لِقَلْبِهَا وَدَفْعًا لِإِيهَامِ عُمُومِ
التَّشْبِيهِ بِجُمْلَةِ أَحْوَالِ أَبِي زَرْعٍ إِذْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ مَا تَذُمُّهُ النِّسَاءُ سِوَى ذَلِكَ
وَقَدْ وَقَعَ الْإِفْصَاحُ بِذَلِكَ وَأَجَابَتْ هِيَ
عَنْ ذَلِكَ جَوَابَ مِثْلِهَا فِي فَضْلِهَا وَعِلْمِهَا
تَنْبِيهٌ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى عَنْ سُوَيْدِ بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ
شَابُورَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ
عَنْ جَدِّهِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ أَبِي زَرْعٍ وَأُمِّ زَرْعٍ وَذَكَرَتْ شِعْرَ أَبِي
زَرْعٍ فِي أُمِّ زَرْعٍ كَذَا فِيهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفظه
وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ
(9/275)
طرقه عَلَى هَذَا الشِّعْرِ وَأَخْرَجَهُ
أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عِمْرَانَ والطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق بن أبي عمر
كِلَاهُمَا عَن بن عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادِهِ وَلَمْ يَسُقْ
لَفْظَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ قَالَ سعيد بن سَلمَة هُوَ بن
أَبِي الْحُسَامِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ صَدُوقٌ مَا لَهُ فِي
الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ قَوْلُهُ قَالَ
هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ يَعْنِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ وَلَمْ يَسُقْ
لَفْظَهُ بِتَمَامِهِ بَلْ ذَكَرَ أَنَّ عِنْدَهُ عِيَانًا
وَلَمْ يَشُكَّ وَأَنَّهُ قَالَ وَصِفْرُ رِدَائِهَا
وَخَيْرُ نِسَائِهَا وَعَقْرُ جَارَتِهَا وَقَالَ وَلَا
تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا وَقَالَ وَأَعْطَانِي
مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ
وَهَذَا الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ
قَوْلِهِ وَلَا تعشش بيتنا تعشيشا اخْتلف فِي ضَبْطِهِ
فَقِيلَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ
بِالْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَقَدْ
وَصَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ
بِطُولِهِ وَإِسْنَادُهُ مُوَافِقٌ لِعِيسَى بْنِ يُونُسَ
وَأَشَرْتُ إِلَى مَا فِي رِوَايَتِهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ
فِيمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا وَذَكَرَ الْجَيَّانِيُّ
أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ
بِلَفْظِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
وعشش بَيْتَنَا تَعْشِيشًا وَهُوَ خَطَأٌ فِي السَّنَدِ
وَالْمَتْنِ وَالصَّوَابُ وَلَا تُعَشِّشُ وَقَالَ مُوسَى
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ هِشَامٍ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ بَعضهم فانقمح بِالْمِيمِ وَهَذَا
أَصَحُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ هُوَ
الْبُخَارِيُّ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ يُوَضِّحُ أَنَّ
الَّذِي وَقع فِي أصل رِوَايَته انقنح بالنُّون وَقد
رَوَاهُ انقمح بِالْمِيمِ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ
يُونُسَ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وبن حِبَّانَ
وَالْجَوْزَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَةِ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ
بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ضَبْطِهَا وَمَعْنَاهَا وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ
حُسْنُ عِشْرَةِ الْمَرْءِ أَهْلَهُ بِالتَّأْنِيسِ
وَالْمُحَادَثَةِ بِالْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مَا لَمْ
يُفْضِ ذَلِكَ إِلَى مَا يَمْنَعُ وَفِيهِ الْمَزْحُ
أَحْيَانًا وَبَسْطُ النَّفْسِ بِهِ وَمُدَاعَبَةُ
الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَإِعْلَامُهُ بِمَحَبَّتِهِ لَهَا مَا
لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى مَفْسَدَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى
ذَلِكَ مِنْ تَجَنِّيهَا عَلَيْهِ وَإِعْرَاضِهَا عَنْهُ
وَفِيهِ مَنْعُ الْفَخْرِ بِالْمَالِ وَبَيَانُ جَوَازِ
ذِكْرِ الْفَضْلِ بِأُمُورِ الدِّينِ وإِخْبَارُ الرَّجُلِ
أَهْلَهُ بِصُورَةِ حَالِهِ مَعَهُمْ وَتَذْكِيرُهُمْ
بِذَلِكَ لَا سِيَّمَا عِنْدَ وُجُودِ مَا طُبِعْنَ
عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِ الْإِحْسَانِ وَفِيهِ ذِكْرُ
الْمَرْأَةِ إِحْسَانَ زَوْجِهَا وَفِيهِ إِكْرَامُ
الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ بِحُضُورِ ضَرَائِرِهَا بِمَا
يَخُصُّهَا بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَمَحِلُّهُ
عِنْدَ السَّلَامَةِ مِنَ الْمَيْلِ الْمُفْضِي إِلَى
الْجَوْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْهِبَةِ
جَوَازُ تَخْصِيصِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ بِالتُّحَفِ
وَاللُّطْفِ إِذَا اسْتَوْفَى لِلْأُخْرَى حَقَّهَا
وَفِيهِ جَوَازُ تَحَدُّثِ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي
غَيْرِ نَوْبَتِهَا وَفِيهِ الْحَدِيثُ عَنِ الْأُمَمِ
الْخَالِيَةِ وَضَرْبُ الْأَمْثَالِ بِهِمُ اعْتِبَارًا
وَجَوَازُ الِانْبِسَاطِ بِذِكْرِ طَرَفِ الْأَخْبَارِ
وَمُسْتَطَابَاتِ النَّوَادِرِ تَنْشِيطًا لِلنُّفُوسِ
وَفِيهِ حَضُّ النِّسَاءِ عَلَى الْوَفَاءِ
لِبُعُولَتِهِنَّ وَقَصْرُ الطَّرْفِ عَلَيْهِمْ
وَالشُّكْرُ لِجَمِيلِهِمْ وَوَصْفُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا
بِمَا تَعْرِفُهُ مِنْ حُسْنٍ وَسُوءٍ وَجَوَازُ
الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَوْصَافِ وَمَحِلُّهُ إِذَا لَمَّ
يَصِرْ ذَلِكَ دَيْدَنًا لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى خَرْمِ
الْمُرُوءَةِ وَفِيه تَفْسِير مَا يجمله الْمُخْبِرُ مِنَ
الْخَبَرِ إِمَّا بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَإِمَّا ابْتِدَاءً
مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَ الْمَرْءِ
بِمَا فِيهِ مِنَ الْعَيْبِ جَائِزٌ إِذَا قُصِدَ
التَّنْفِيرُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ
غَيْبَةً أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ شَيْخُ
عِيَاضٍ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ إِنَّمَا
يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ الْمَرْأَةَ تَغْتَابُ
زَوْجَهَا فَأَقَرَّهَا وَأَمَّا الْحِكَايَةُ عَمَّنْ
لَيْسَ بِحَاضِرٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ
نَظِيرُ مَنْ قَالَ فِي النَّاسِ شَخْصٌ يُسِيءُ وَلَعَلَّ
هَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الْخَطَّابِيُّ فَلَا
تَعَقُّبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ
بَعْضُهُمْ ذَكَرَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ
أَزْوَاجَهُنَّ بِمَا يَكْرَهُونَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
غِيبَةً لِكَوْنِهِمْ لَا يُعْرَفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ
وَأَسْمَائِهِمْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ
إِلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ لَوْ كَانَ مَنْ تُحُدِّثَ
عِنْدَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَمِعَ كَلَامَهُنَّ فِي
اغْتِيَابِ أَزْوَاجِهِنَّ فَأَقَرَّهُنَّ عَلَى ذَلِكَ
فَأَمَّا وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ
عَائِشَةَ حَكَتْ قِصَّةً عَنْ نِسَاءٍ مَجْهُولَاتٍ
غَائِبَاتٍ فَلَا وَلَو أَن
(9/276)
امْرَأَة وصفت زَوجهَا بِمَا يكرههُ
لَكَانَ غيبَة مجرمة عَلَى مَنْ يَقُولُهُ وَيَسْمَعُهُ
إِلَّا إِنْ كَانَتْ فِي مَقَامِ الشَّكْوَى مِنْهُ عِنْدَ
الْحَاكِمِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ فَأَمَّا
الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَلَا حَرَجَ فِي
سَمَاعِ الْكَلَامِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى إِلَّا
إِذَا عَرَفَ أَنَّ مَنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ يَعْرِفُهُ ثُمَّ
إِنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ مَجْهُولُونَ لَا تُعْرَفُ
أَسْمَاؤُهُمْ وَلَا أَعْيَانُهُمْ فضلا عَن أسمائهم وَلم
يثبت النسْوَة إِسْلَام حَتَّى يجْرِي عَلَيْهِم حُكْمُ
الْغِيبَةِ فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِمَا ذُكِرَ
وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَنْ كَرِهَ نِكَاحَ مِنْ كَانَ
لَهَا زَوْجٌ لِمَا ظَهَرَ مِنِ اعْتِرَافِ أُمِّ زَرْعٍ
بِإِكْرَامِ زَوْجِهَا الثَّانِي لَهَا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ
وَمَعَ ذَلِكَ فَحَقَّرَتْهُ وَصَغَّرَتْهُ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَنْ الْحُبَّ
يَسْتُرُ الْإِسَاءَةَ لِأَنَّ أَبَا زَرْعٍ مَعَ
إِسَاءَتِهِ لَهَا بِتَطْلِيقِهَا لِمَ يَمْنَعْهَا ذَلِكَ
مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ إِلَى أَنْ بَلَغَتْ
حَدَّ الْإِفْرَاطِ وَالْغُلُوِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي بعض
طرقه إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَبَا زَرْعٍ نَدِمَ عَلَى
طَلَاقِهَا وَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا فَفِي رِوَايَةِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ جَدِّهِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي زَرْعٍ وَأُمِّ
زَرْعٍ وَذَكَرَتْ شِعْرَ أَبِي زَرْعٍ عَلَى أُمِّ زَرْعٍ
وَفِيهِ جَوَازُ وَصْفِ النِّسَاءِ وَمَحَاسِنِهِنَّ
لِلرَّجُلِ لَكِنَّ مَحِلَّهُ إِذَا كُنَّ مَجْهُولَاتٍ
وَالَّذِي يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَصَفُ الْمَرْأَةِ
الْمُعَيَّنَةِ بِحَضْرَةِ الرَّجُلِ أَوْ أَنْ يُذْكَرَ
مِنْ وَصْفِهَا مَا لَا يَجُوزُ للرِّجَال تَعَمُّدُ
النَّظَرِ إِلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ لَا
يَسْتَلْزِمُ مُسَاوَاةَ الْمُشَبَّهِ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ
مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ وَالْمُرَادُ مَا
بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ فِي
الْأُلْفَةِ إِلَى آخِرِهِ لَا فِي جَمِيعِ مَا وُصِفَ
بِهِ أَبُو زرع من الثروة الزَّائِدَةِ وَالِابْنِ
وَالْخَادِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يذكر من أُمُور
الدّين كلهَا وفه أَنَّ كِنَايَةَ الطَّلَاقِ لَا
تُوقِعُهُ إِلَّا مَعَ مُصَاحَبَةِ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبَّهَ بَأَبِي
زَرْعٍ وَأَبُو زَرْعٍ قَدْ طَلَّقَ فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ
ذَلِكَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ
إِلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّأَسِّي بِأَهْلِ الْفَضْلِ
مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ لِأَنَّ أُمَّ زَرْعٍ أَخْبَرَتْ عَنْ
أَبِي زَرْعٍ بِجَمِيلِ عِشْرَتِهِ فَامْتَثَلَهُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَ
الْمُهَلَّبُ وَاعْتَرضهُ عِيَاضٌ فَأَجَادَ وَهُوَ
أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ
تَأَسَّى بِهِ بَلْ فِيهِ أَنه أخبر انحاله مَعَهَا مِثْلُ
حَالِ أُمِّ زَرْعٍ نَعَمْ مَا اسْتَنْبَطَهُ صَحِيحٌ
بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا سِيقَ وَظَهَرَ مِنَ
الشَّارِعِ تَقْرِيرُهُ مَعَ الِاسْتِحْسَانِ لَهُ جَازَ
التَّأَسِّي بِهِ وَنَحْوٌ مِمَّا قَالَهُ الْمُهَلَّبُ
قَوْلٌ آخَرُ إِنَّ فِيهِ قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ
لِأَنَّ أُمَّ زَرْعٍ أَخْبَرَتْ بِحَالِ أَبِي زَرْعٍ
فَامْتَثَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ أَيْضًا فَأَجَادَ نَعَمْ
يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَبُولُ بِطَرِيقِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُ وَلَمْ
يُنْكِرْهُ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ بِأَبِي وَأُمِّي
وَمَعْنَاهُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَسَيَأْتِي
تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَفِيهِ مَدْحُ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ إِذَا
عَلِمَ أَن ذَلِك لَا يُفْسِدهُ وفه جَوَازُ الْقَوْلِ
لِلْمُتَزَوِّجِ بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ إِنْ ثَبَتَتِ
اللَّفْظَةُ الزَّائِدَةُ أَخِيرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلُ بِأَبْوَابٍ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ
شَأْنِ النِّسَاءِ إِذَا تَحَدَّثْنَ أَنْ لَا يَكُونَ
حَدِيثُهُنَّ غَالِبًا إِلَّا فِي الرِّجَالِ وَهَذَا
بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَإِنَّ غَالِبَ حَدِيثِهِمْ
إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الْمَعَاشِ
وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بِالْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ
وَاسْتِعْمَالِ السَّجْعِ فِي الْكَلَامِ إِذَا لَمْ
يَكُنْ مُكَلَّفًا قَالَ عِيَاضٌ مَا مُلَخَّصُهُ فِي
كَلَامِ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ مِنْ فَصَاحَةِ
الْأَلْفَاظِ وَبَلَاغَةِ الْعِبَارَةِ وَالْبَدِيعِ مَا
لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا كَلَامَ أُمِّ زَرْعٍ
فَإِنَّهُ مَعَ كَثْرَةِ فُصُولِهِ وَقِلَّةِ فُضُولِهِ
مُخْتَار الْكَلِمَات وَاضح السمات نير النسمات قد
قُدِّرَتْ أَلْفَاظُهُ قَدْرَ مَعَانِيهِ وَقُرِّرَتْ
قَوَاعِدُهُ وَشُيِّدَتْ مَبَانِيهِ وَفِي كَلَامِهِنَّ
وَلَا سِيَّمَا الْأُولَى وَالْعَاشِرَةَ أَيْضًا مِنْ
فُنُونِ التَّشْبِيهِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَالْكِنَايَةِ
وَالْإِشَارَةِ وَالْمُوَازَنَةِ وَالتَّرْصِيعِ
وَالْمُنَاسَبَةِ وَالتَّوْسِيعِ وَالْمُبَالَغَةِ
وَالتَّسْجِيعِ وَالتَّوْلِيدِ وَضَرْبِ الْمَثَلِ
وَأَنْوَاعِ الْمُجَانَسَةِ وَإِلْزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ
وَالْإِيغَالِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُطَابَقَةِ
وَالِاحْتِرَاسِ وَحُسْنِ التَّفْسِيرِ وَالتَّرْدِيدِ
وَغَرَابَةِ التَّقْسِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَشْيَاءُ
ظَاهِرَةٌ لَمِنْ تَأَمَّلَهَا وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى
بَعْضِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَمَّلَ ذَلِكَ أَنَّ
غَالِبَ ذَلِكَ أُفْرِغَ فِي قَالَبِ الِانْسِجَامِ
وَأَتَى بِهِ الْخَاطِرُ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَجَاءَ
لَفْظُهُ تَابِعًا لِمَعْنَاهُ مُنْقَادًا لَهُ غَيْرَ
مُسْتَكْرَهٍ وَلَا مُنَافِرٍ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى
مَنْ يَشَاءُ بِمَا شَاءَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
[5190] قَوْله حَدثنَا
(9/277)
هِشَام هُوَ بن يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ
قَوْلُهُ قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ أَيِ
الْقَرِيبَةِ الْعَهْدِ بِالصِّغَرِ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي
شَرْحِ الْمَتْنِ فِي الْعِيدَيْنِ أَنَّهَا كَانَتْ
يَوْمَئِذٍ بِنْتَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَزْيَدَ
وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْجَارِيَةُ الْعَرِبَةُ
وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي صِفَةِ
الْجَنَّةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ
(9/278)
(قَوْلُهُ بَابُ مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ
ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا)
أَي لأجل زَوجهَا
[5191] قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا
عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ
حُنَيْنٍ الْمَاضِيَة فِي تَفْسِير التَّحْرِيم عَن بن
عَبَّاسٍ مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ
قَوْله عَن
(9/279)
الْمَرْأَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدٍ
عَنْ آيَةٍ قَوْلُهُ اللَّتَيْنِ كَذَا فِي جَمِيعِ
النُّسَخِ وَوَقَعَ عِنْدَ بن التِّينِ الَّتِي
بِالْإِفْرَادِ وَخَطَّأَهَا فَقَالَ الصَّوَابُ
اللَّتَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ قُلْتُ وَلَوْ كَانَتْ
مَحْفُوظَةً لَأَمْكَنَ تَوْجِيهُهَا قَوْلُهُ حَتَّى
حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدٍ فَمَا
أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ حَتَّى خَرَجَ
حَاجًّا وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَان عِنْد بن
مرْدَوَيْه عَن بن عَبَّاسٍ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ
فَكُنْتُ أَهَابُهُ حَتَّى حَجَجْنَا مَعَهُ فَلَمَّا
قَضَيْنَا حَجَّنَا قَالَ مَرْحَبًا بِابْنِ عَمِّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَاجَتُكَ
قَوْلُهُ وَعَدَلَ أَيْ عَنِ الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ
الْمَسْلُوكَةِ إِلَى طَرِيقٍ لَا يُسْلَكُ غَالِبًا
لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدٍ
فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ
الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ
وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ
مِنْ طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة وبن عُيَيْنَةَ أَنَّ
الْمَكَانَ الْمَذْكُورَ هُوَ مَرُّ الظَّهْرَانِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي الْمَغَازِي قَوْلُهُ وَعَدَلْتُ
مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ أَيْ قَضَى حَاجَتَهُ
وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ الْإِدَاوَةِ وَتَفْسِيرِهَا فِي
كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَصْلُ تَبَرَّزَ مِنَ الْبَرَازِ
وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْخَالِي الْبَارِزُ عَنِ الْبُيُوتِ
ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى نَفْسِ الْفِعْلِ وَفِي رِوَايَةِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ
الطَّيَالِسِيِّ فَدَخَلَ عُمَرُ الْأَرَاكَ فَقَضَى
حَاجَتَهُ وَقَعَدْتُ لَهُ حَتَّى خَرَجَ فَيُؤْخَذُ
مِنْهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذا لم يَجِدُ الْفَضَاءَ
لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ اسْتَتَرَ بِمَا يُمْكِنُهُ السِّتْرُ
بِهِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ قَوْلُهُ فَسَكَبْتُ عَلَى
يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَةِ فِي الْمَظَالِمِ فَسَكَبْتُ
مِنَ الْإِدَاوَةِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ فِي رِوَايَةِ
الطَّيَالِسِيِّ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ حَدِيثٍ مُنْذُ سَنَةٍ
فَتَمْنَعُنِي هَيْبَتُكَ أَنْ أَسْأَلَكَ وَتَقَدَّمَ فِي
التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ
فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ
فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ
تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ تِلْكَ حَفْصَةُ
وَعَائِشَةُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ
أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا
أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ مَا
ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي فَإِنْ
كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ مَا
تَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنِّي
قَوْلُهُ اللَّتَانِ كَذَا فِي الْأُصُولِ وَحَكَى بن
التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ الَّتِي بِالْإِفْرَادِ
قَالَ وَالصَّوَابُ اللَّتَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَقَوْلُهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ
فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا أَيْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
لَهُمَا إِنْ تَتُوبَا مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَإِنْ تظاهرا عَلَيْهِ أَيْ
تَتَعَاوَنَا كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي تَفْسِيرِ
السُّورَةِ وَمَعْنَى تَظَاهُرِهِمَا أَنَّهُمَا
تَعَاوَنَتَا حَتَّى حَرَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا حَرَّمَ
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ قُلُوبُكُمَا كَثُرَ
اسْتِعْمَالُهُمْ فِي مَوْضِعِ التَّثْنِيَةِ بِلَفْظِ
الْجَمْعِ كَقَوْلِهِمْ وَضَعَا رِحَالَهُمَا أَيْ
رَحْلَيْ رَاحِلَتَيْهِمَا قَوْله وَاعجَبا لَك يَا بن
عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْعِلْمِ وَأَنَّ عُمَرَ
تعجب من بن عَبَّاسٍ مَعَ شُهْرَتِهِ بِعِلْمِ
التَّفْسِيرِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرُ مَعَ
شُهْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِ عُمَرَ وَتَقَدُّمِهِ
فِي الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ
ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّصْر وَمَعَ
مَا كَانَ بن عَبَّاسٍ مَشْهُورًا بِهِ مِنَ الْحِرْصِ
عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَمُدَاخَلَةِ كِبَارِ
الصَّحَابَةِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ أَوْ
تَعَجَّبَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى طَلَبِ فُنُونِ
التَّفْسِيرِ حَتَّى مَعْرِفَةِ الْمُبْهَمِ وَوَقَعَ فِي
الْكَشَّافِ كَأَنَّهُ كَرِهَ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ قُلْتُ
وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ قَالَ
عُمَرُ وَاعَجَبًا لَكَ يَا بن عَبَّاسٍ قَالَ
الزُّهْرِيُّ كَرِهَ وَاللَّهِ مَا سَأَلَهُ عَنهُ وَلم
يَكْتُمهُ واستبعد الْقُرْطُبِيُّ مَا فَهِمَهُ
الزُّهْرِيُّ وَلَا بُعْدَ فِيهِ قُلْتُ وَيَجُوزُ فِي
عَجَبًا التَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ قَالَ بن مَالك وَا فِي
قَوْله وَاعجَبا إِنْ كَانَ مُنَوَّنًا فَهُوَ اسْمُ
فِعْلٍ بِمَعْنَى أعجب وَمثله واما روى وَقَوْلُهُ
بَعْدَهُ عَجَبًا جِيءَ بِهَا تَعَجُّبًا تَوْكِيدًا وَأَن
كَانَ بِغَيْر تَنْوِين فَالْأَصْل فِيهِ واعجبي
فَأُبْدِلَتِ الْكَسْرَةُ فَتْحَةً فَصَارَتِ
(9/280)
الْيَاءُ أَلِفًا كَقَوْلِهِمْ يَا أَسَفَا
وَيَا حَسْرَتَا وَفِيهِ شَاهِدٌ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ
وَا فِي مُنَادًى غَيْرِ مَنْدُوبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ
الْمُبَرِّدِ وَهُوَ مَذْهَبٌ صَحِيح اه وَوَقع فِي
رِوَايَة معمر واعجبي لَكَ قَوْلُهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ
كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحْدَهُ عَنْهُ حَفْصَةُ وَأُمُّ
سَلَمَةَ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ فَقَالَ عَائِشَةُ
وَحَفْصَةُ مِثْلُ الْجَمَاعَةِ تَنْبِيهٌ هَذَا هُوَ
الْمُعْتَمد أَن بن عَبَّاسٍ هُوَ الْمُبْتَدِئُ بِسُؤَالِ
عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ وَوَقع عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ عِمْرَانَ بن الحكم السّلمِيّ
حَدثنِي بن عَبَّاسٍ قَالَ كُنَّا نَسِيرُ فَلَحِقَنَا
عُمَرُ وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ فِي شَأْنِ حَفْصَةَ
وَعَائِشَةَ فَسَكَتْنَا حِينَ لَحِقَنَا فَعَزَمَ
عَلَيْنَا أَنْ نُخْبِرَهُ فَقُلْنَا تَذَاكَرْنَا شَأْنَ
عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَسَوْدَةَ فَذَكَرَ طَرَفًا مِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِتَمَامِهِ وَيُمْكِنُ
الْجَمْعُ بِأَنَّ هَذِه الْقِصَّة كَانَت سَابِقَة وَلم
يتَمَكَّن بن عَبَّاسٍ مِنْ سُؤَالِ عُمَرَ عَنْ شَرْحِ
الْقِصَّةِ عَلَى وَجْهِهَا إِلَّا فِي الْحَالِ الثَّانِي
قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ
أَيِ الْقِصَّةَ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ
الْمَسْئُولِ عَنْهَا قَوْلُهُ كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي
مِنَ الْأَنْصَارِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْعِلْمِ
وَمَضَى فِي الْمَظَالِمِ بِلَفْظِ إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ
لِي بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى
الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي قَوْلِهِ إِنِّي قَوْلُهُ فِي
بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زيد أَي بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنَ الْأَوْسِ قَوْلُهُ وَهُمْ
مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ أَيِ السُّكَّانِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَهِيَ أَيِ الْقَرْيَةِ وَالْعَوَالِي
جَمْعُ عَالِيَةٍ وَهِيَ قُرًى بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ
مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَكَانَتْ مَنَازِلَ الْأَوْسِ
وَاسْمُ الْجَارِ الْمَذْكُورِ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيِّ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ
بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ
وَكَانَ عُمَرُ مُؤَاخِيًا أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ لَا
يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ وَلَا يَسْمَعُ عُمَرُ
شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ عَمَّنْ قَالَ
إِنَّهُ عِتْبَانُ بن مَالك فَهُوَ من تركيب بن
بَشْكُوَالَ فَإِنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ
الْمَذْكُورُ عِتْبَانَ لِأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ لَكِنْ
لَا يَلْزَمْ مِنَ الْإِخَاءِ أَنْ يَتَجَاوَرَا
وَالْأَخْذُ بِالنَّصِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخْذِ
بِالِاسْتِنْبَاطِ وَقَدْ صَرَّحَتِ الرِّوَايَةُ
الْمَذْكُورَةُ عَن بن سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ
مُؤَاخِيًا لِأَوْسٍ فَهَذَا بِمَعْنَى الصَّدَاقَةِ لَا
بِمَعْنَى الْإِخَاءِ الَّذِي كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِهِ
ثُمَّ نُسِخَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بن سَعْدٍ بِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ
أَوْسِ بْنِ خَوْلِيٍّ وَشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ بِأَنَّهُ آخَى بَيْنَ عُمَرَ وَعِتْبَانَ
بْنِ مَالِكٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَانَ
مُؤَاخِيًا أَيْ مُصَادِقًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي
رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَكَانَ لِي صَاحِبٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ قَوْلُهُ فَإِذَا نَزَلْتُ الظَّاهِرُ
أَنَّ إِذَا شَرْطِيَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ
ظَرْفِيَّةً قَوْلُهُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرٍ
ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ مِنَ
الْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ بن سَعْدٍ
الْمَذْكُورَةِ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ
بِهِ وَلَا يَسْمَعُ عُمَرُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ
وَسَيَأْتِي فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ
بْنِ حُنَيْنٍ بِلَفْظِ إِذَا غَابَ وَشَهِدْتُ أَتَيْتُهُ
بِمَا يَكُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ
يَحْضُرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا غِبْتُ وَأَحْضُرُهُ إِذَا غَابَ
وَيُخْبِرُنِي وَأُخْبِرُهُ قَوْلُهُ وَكُنَّا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ أَيْ نَحْكُمُ عَلَيْهِنَّ
وَلَا يَحْكُمْنَ عَلَيْنَا بِخِلَافِ الْأَنْصَارِ
فَكَانُوا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ كُنَّا وَنَحْنُ بِمَكَّةَ لَا
يُكَلِّمُ أَحَدٌ امْرَأَتَهُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ لَهُ
حَاجَةٌ قَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ
بْنِ حُنَيْنٍ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا وَفِي
رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ كُنَّا لَا نَعْتَدُّ
بِالنِّسَاءِ وَلَا نُدْخِلُهُنَّ فِي أُمُورِنَا قَوْلُهُ
فَطَفِقَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقَدْ تَفَتَّحَ أَيْ جَعَلَ
أَوْ أَخَذَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُنَّ أَخَذْنَ فِي
تَعَلُّمِ ذَلِكَ قَوْلُهُ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ
الْأَنْصَارِ أَيْ مِنْ سِيرَتِهِنَّ وَطَرِيقَتِهِنَّ
وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمَظَالِمِ مِنْ أَرَبِ
بِالرَّاءِ وَهُوَ الْعَقْلُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَفِي
(9/281)
رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فَلَمَّا
قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجْنَا مِنْ نِسَاءِ
الْأَنْصَارِ فَجَعَلْنَ يُكَلِّمْنَنَا وَيُرَاجِعْنَنَا
قَوْلُهُ فَسَخِبْتُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ خَاءٍ
مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ
السِّينِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَالصَّخَبُ وَالسَّخَبُ
الزَّجْرُ مِنَ الْغَضَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَةِ فِي الْمَظَالِمِ فَصِحْتُ
بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنَ الصِّيَاحِ وَهُوَ رَفْعُ
الصَّوْتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ
فَبَيْنَمَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ أَيْ
أَتَفَكَّرُ فِيهِ وَأُقَدِّرُهُ فَقَالَتِ امْرَأَتِي
لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ فَأَنْكَرْتُ أَنْ
تُرَاجِعَنِي أَيْ تُرَادِدَنِي فِي الْقَوْلِ
وَتُنَاظِرَنِي فِيهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ
بْنِ حُنَيْنٍ فَقُلْتُ لَهَا وَمَا تَكَلُّفُكِ فِي
أَمْرٍ أُرِيدُهُ فَقَالَت لي عجبا لَك يَا بن الْخَطَّابِ
مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَلَمَّا جَاءَ
الْإِسْلَامُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَ لَهُنَّ
بِذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ
فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ
امْرَأَتِي كَلَامٌ فَأَغْلَظَتْ لِي وَفِي رِوَايَةِ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فَقُمْت إِلَيْهَا بقضيب فضربتها
بِهِ فَقَالَ يَا عجبا لَك يَا بن الْخَطَّابِ قَوْلُهُ
وَلِمَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ قَوْلُهُ
تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ أَنَّ أَزْوَاجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ
الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ
حُنَيْنٍ وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ
يَوْمَهُ غَضْبَانَ وَوَقَعَ فِي الْمَظَالِمِ بِلَفْظِ
غَضْبَانًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي رِوَايَتُهُ الَّتِي فِي
اللِّبَاسِ قَالَتْ تَقُولُ لِي هَذَا وَابْنَتُكَ تُؤْذِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ فَقُلْتُ مَتَى كُنْتِ
تَدْخُلِينَ فِي أُمُورِنَا فَقَالَت يَا بن الْخَطَّابِ
مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَكَ وَابْنَتُكَ
تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ غَضْبَانَ قَوْلُهُ لَتَهْجُرُهُ
الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْل النصب فِيهِمَا وَبِالْجَرِّ
فِي اللَّيْلِ أَيْضًا أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى
أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ حَتَّى أَنَّهَا لَتَهْجُرُهُ اللَّيْلَ
مُضَافًا إِلَى الْيَوْمِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لَهَا قَدْ
خَابَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ خَابَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ
مُوَحَّدَةٍ وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فَقُلْتُ قَدْ
جَاءَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ
بِالْجِيمِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْمَجِيءِ
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي
فِيهَا بِعَظِيمٍ وَأَمَّا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ فَفِيهَا
خَابَتْ وَخَسِرَتْ فَخَابَتْ بِالْخَاءِ الْمُعَجَّمَةِ
لِعَطْفِ وَخَسِرَتْ عَلَيْهَا وَقَدْ أَغْفَلَ مَنْ
جَزَمَ أَنَّ الصَّوَابَ بِالْجِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ
مُطْلَقًا قَوْلُهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ
أُخْرَى مَنْ فَعَلَتْ فَالتَّذْكِيرُ بِالنَّظَرِ إِلَى
اللَّفْظِ وَالتَّأْنِيثُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى
قَوْلُهُ ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي أَيْ
لَبِسْتُهَا جَمِيعَهَا فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ
الْعَادَةَ أَنَّ الشَّخْصَ يَضَعَ فِي الْبَيْتِ بَعْضَ
ثِيَابِهِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَى النَّاسِ لَبِسَهَا
قَوْلُهُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ يَعْنِي ابْنَتَهُ
وَبَدَأَ بِهَا لِمَنْزِلَتِهَا مِنْهُ قَوْلُهُ قَالَتْ
نَعَمْ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ إِنَّا
لِنُرَاجِعُهُ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
فَقُلْتُ أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ قَوْلُهُ
أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِي
كَذَا هُوَ بِالنَّصْبِ لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فَتَهْلِكِينَ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ
مَحْذُوفٍ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ
كِتَابِ الْمَظَالِمِ أَفَتَأْمَنِ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ
لِغَضَبِ رَسُولِهِ فَتَهْلِكِينَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ
الصَّدَفِيُّ الصَّوَابُ أَفَتَأْمَنِينَ وَفِي آخِرِهِ
فَتَهْلِكِي كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ لِإِمْكَانِ
تَوْجِيهِهِ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ
فَتَهْلَكْنَ بِسُكُونِ الْكَافِ عَلَى خِطَابِ جَمَاعَةِ
النِّسَاءِ وَعِنْدَهُ فَقُلْتُ تَعَلَّمِينَ وَهُوَ
بِتَشْدِيدِ اللَّامِ إِنِّي أُحَذِّرُكَ عُقُوبَةَ
اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ قَوْلُهُ لَا تَسْتَكْثِرِي
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَا
تَطْلُبِي مِنْهُ الْكَثِيرَ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ
رُومَانَ لَا تُكَلِّمِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ
عِنْدَهُ دَنَانِيرُ وَلَا دَرَاهِمُ فَمَا كَانَ لَكِ
مِنْ حَاجَةٍ حَتَّى دُهْنَةٍ فَسَلِينِي قَوْلُهُ وَلَا
تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ أَيْ لَا تُرَادِدِيهِ فِي
الْكَلَامِ وَلَا تَرُدِّي عَلَيْهِ قَوْلَهُ قَوْلُهُ
وَلَا تَهْجُرِيهِ أَيْ وَلَوْ هَجَرَكِ قَوْلُهُ مَا
بَدَا لَكِ أَيْ ظهر لَك قَوْله وَلَا يغرنك أَن بِفَتْحِ
الْأَلِفِ وَبِكَسْرِهَا أَيْضًا قَوْلُهُ
(9/282)
جَارَتُكِ أَيْ ضَرَّتُكِ أَوْ هُوَ عَلَى
حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً لَهَا
وَالْأَوْلَى أَنْ يَحْمِلَ اللَّفْظُ هُنَا عَلَى
مَعْنَيَيْهِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى الضَّرَّةِ جَارَةً
لِتَجَاوُرِهِمَا الْمَعْنَوِيِّ لِكَوْنِهِمَا عِنْدَ
شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِسِّيًّا وَقَدْ
تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ حَدِيثِ
أُمِّ زَرْعٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ
كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ
فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ
امْرَأتَيْنِ وَكَانَ بن سِيرِينَ يَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا
ضَرَّةً وَيَقُولُ إِنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ
وَلَا تَذْهَبُ مِنْ رِزْقِ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ
وَإِنَّمَا هِيَ جَارَةٌ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي صَاحِبَ
الرَّجُلِ وَخَلِيطَهُ جَارًا وَتُسَمِّي الزَّوْجَةَ
أَيْضًا جَارَةً لِمُخَالَطَتِهَا الرَّجُلَ وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ اخْتَارَ عُمَرُ تَسْمِيَتَهَا جَارَةً
أَدَبًا مِنْهُ أَنْ يُضَافَ لَفْظُ الضَّرَرِ إِلَى
أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ أَوْضَأُ
مِنَ الْوَضَاءَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ
أَوْسَمُ بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ الْوَسَامَةِ وَهِيَ
الْعَلَامَةُ وَالْمُرَادُ أَجْمَلُ كَأَنَّ الْجَمَالَ
وَسَمَهُ أَيْ أَعْلَمَهُ بِعَلَامَةٍ قَوْلُهُ وَأَحَبُّ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَعْنَى لَا تَغْتَرِّي بِكَوْنِ عَائِشَةَ تَفْعَلُ
مَا نَهَيْتُكِ عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذُهَا بِذَلِكَ
فَإِنَّهَا تَدِلُّ بِجَمَالِهَا وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَلَا
تَغْتَرِّي أَنْتِ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا
تَكُونِي عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يَكُونُ
لَكِ مِنَ الْإِدْلَالِ مِثْلُ الَّذِي لَهَا وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا
وَلَفْظُهُ وَلَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا
حُسْنُهَا حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِيَّاهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ
بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا
وَحُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهِيَ أَبْيَنُ وَفِي
رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ لَا تَغْتَرِّي بِحُسْنِ
عَائِشَةَ وَحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا وَعند بن
سَعْدٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنَّهُ لَيْسَ لَكِ مِثْلُ
حُظْوَةِ عَائِشَةَ وَلَا حُسْنُ زَيْنَبَ يَعْنِي بِنْتَ
جَحْشٍ وَالَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ
بِلَالٍ وَالطَّيَالِسِيِّ يُؤَيِّدُ مَا حَكَاهُ
السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ جَعَلَهُ
مِنْ بَابِ حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَاسْتَحْسَنَهُ مَنْ
سَمِعَهُ وَكَتَبُوهُ حَاشِيَةً قَالَ السُّهَيْلِيُّ
وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْبَدَلِ
مِنَ الْفَاعِلِ الَّذِي فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَهُوَ
هَذِهِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يغرنك هَذِه فَهَذِهِ فَاعل
وَالَّتِي نعت وَحب بَدَلُ اشْتِمَالٍ كَمَا تَقُولُ
أَعْجَبَنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَوْمٌ فِيهِ وَسَرَّنِي
زَيْدٌ حُبُّ النَّاسِ لَهُ اه وَثُبُوتُ الْوَاوِ يَرُدُّ
عَلَى رَدِّهِ وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ يَجُوزُ فِي حُبِّ
الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلُ
اشْتِمَالٍ أَوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ قَالَ
وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالنّصب على نزع الْخَافِض وَقَالَ
بن التِّينِ حُبٌّ فَاعِلٌ وَحُسْنَهَا بِالنَّصْبِ
مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ وَالتَّقْدِيرُ أَعْجَبَهَا حُبُّ
رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا مِنْ أَجْلِ حُسْنِهَا قَالَ
وَالضَّمِيرُ الَّذِي يَلِي أَعْجَبَهَا مَنْصُوبٌ فَلَا
يَصِحُّ بَدَلُ الْحُسْنِ مِنْهُ وَلَا الْحُبِّ وَزَادَ
عُبَيْدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا
يَعْنِي لِأَنَّ أُمَّ عُمَرَ كَانَتْ مَخْزُومِيَّةً
مِثْلَ أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي
أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَوَالِدَةُ عُمَرَ
حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةَ فَهِيَ
بِنْتُ عَمِّ أُمِّهِ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ
رُومَانَ وَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ
خَالَتِي وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا خَالَةً
لِكَوْنِهَا فِي دَرَجَةِ أُمِّهِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ارْتَضَعَتْ مَعَهَا أَوْ
أُخْتَهَا مِنْ أُمِّهَا قَوْلُهُ دَخَلْتَ فِي كُلِّ
شَيْءٍ يَعْنِي مِنْ أُمُورِ النَّاسِ وَأَرَادَتِ
الْغَالِبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ
تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي
عُمُومِ قَوْلِهَا كُلِّ شَيْءٍ لَكِنَّهَا لَمْ تَرُدَّهُ
قَوْلُهُ فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا أَيْ
مَنَعَتْنِي مِنَ الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُهُ تَقُولُ أَخَذَ
فُلَانٌ عَلَى يَدِ فُلَانٍ أَيْ مَنَعَهُ عَمَّا يُرِيدُ
أَنْ يَفْعَلَهُ قَوْلُهُ كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا
كُنْتُ أَجِدُ أَيْ أَخَذَتْنِي بِلِسَانِهَا أَخْذًا
دَفَعَنِي عَنْ مَقْصِدِي وَكَلَامِي وَفِي رِوَايَةٍ
لِابْنِ سَعْدٍ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَيْ وَاللَّهِ
إِنَّا لِنُكَلِّمُهُ فَإِنْ تَحَمَّلَ ذَلِكَ فَهُوَ
أَوْلَى بِهِ وَإِنْ نَهَانَا عَنْهُ كَانَ أَطْوَعَ
عِنْدَنَا مِنْكَ قَالَ عُمَرُ فَنَدِمْتُ عَلَى كَلَامِي
لَهُنَّ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ مَا
يَمْنَعُنَا أَنْ نَغَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُكُمْ يَغَرْنَ
عَلَيْكُمْ وَكَانَ الْحَامِلُ لِعُمَرِ عَلَى مَا وَقَعَ
مِنْهُ شِدَّةَ شَفَقَتِهِ وَعِظَمِ نَصِيحَتِهِ
(9/283)
فَكَانَ يَبْسُطُ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ لَهُ افْعَلْ كَذَا
وَلَا تَفْعَلْ كَذَا كَقَوْلِهِ احْجُبْ نِسَاءَكَ
وَقَوْلِهِ لَا تُصَلِّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ
بِصِحَّةِ نَصِيحَتِهِ وَقُوَّتِهِ فِي الْإِسْلَامِ
وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ
وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ
وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ فَدَخَلْتُ
عَلَيْهِنَّ فَقُلْتُ لَئِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ
لَيُبَدّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ خَيْرًا مِنْكُنَّ حَتَّى
أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ فَقَالَتْ يَا عُمَرُ أَمَا
فِي رَسُولِ اللَّهِ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى
تَعِظَهُنَّ أَنْتَ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ زَيْنَبُ
بِنْتُ جَحْشٍ كَمَا أَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي
الْمُبْهَمَاتِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا أم سَلمَة
لكلامها الْمَذْكُور فِي رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ
هُنَا لَكِنَّ التَّعَدُّدَ أَوْلَى فَإِنَّ فِي بَعْضِ
طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمد وبن مَرْدَوَيْهِ
وَبَلَغَنِي مَا كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ لَتَكُفُّنَّ الْحَدِيثَ
وَيُؤَيِّدُ التَّعَدُّدَ اخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ فِي
جَوَابَيْ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ
تَنْعَلُ الْخَيْلَ فِي الْمَظَالِمِ بِلَفْظِ تَنْعَلُ
النِّعَالَ أَيْ تَسْتَعْمِلُ النِّعَالَ وَهِيَ نِعَالُ
الْخَيْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْمُوَحَّدَةِ
ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ الْخَيل فِي
هَذِه الرِّوَايَة وتنعل فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْحِ
أَوَّلِهِ وَأَنْكَرَ الْجَوْهَرِيُّ ذَلِكَ فِي
الدَّابَّةِ فَقَالَ أَنْعَلْتُ الدَّابَّةَ وَلَا تَقُلْ
نَعَلْتُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَحَكَى
عِيَاضٌ فِي تَنْعَلُ الْخَيْلَ الْوَجْهَيْنِ وَغَفَلَ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ
الْمَوْجُودُ فِي الْبُخَارِيِّ تَنْعَلُ النِّعَالَ
فَاعْتَمَدَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمَظَالِمِ
وَلَمْ يَسْتَحْضِرِ الَّتِي هُنَا وَهِيَ الَّتِي
تَكَلَّمَ عَلَيْهَا عِيَاضٌ قَوْلُهُ لِتَغْزُونَا وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَنَحْنُ
نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا
أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا فَقَدِ
امْتَلَأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ وَفِي رِوَايَتِهِ الَّتِي
فِي اللِّبَاسِ وَكَانَ مَنْ حَوْلِ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَقَامَ لَهُ
فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّامِ كُنَّا
نَخَافُ أَنْ يَأْتِيَنَا وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَخْوَفَ عِنْدَنَا مِنْ أَنْ
يَغْزُوَنَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ قَوْلُهُ
فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ
فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا
شَدِيدًا وَقَالَ أَثَمَّ هُوَ أَيْ فِي الْبَيْتِ
وَذَلِكَ لِبُطْءِ إِجَابَتِهِمْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ
خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ أَنَائِمٌ
هُوَ وَهِيَ أَوْلَى قَوْلُهُ فَفَزِعْتُ أَيْ خِفْتُ مِنْ
شِدَّةِ ضَرْبِ الْبَابِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ قَوْلُهُ
فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ
عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هُوَ أَجَاءَ غَسَّانُ فِي رِوَايَةِ
مَعْمَرٍ أَجَاءَتْ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ
حُنَيْنٍ أَجَاءَ الْغَسَّانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ
تَسْمِيَتُهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ لَا بَلْ
أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
عُمَرَ لِكَوْنِ حَفْصَةَ بِنْتَهُ مِنْهُنَّ قَوْلُهُ
طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
ثَوْرٍ طَلَّقَ بِالْجَزْمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عمْرَة
عَن عَائِشَة عِنْد بن سَعْدٍ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ
أَمْرٌ عَظِيمٌ فَقَالَ عُمَرُ لَعَلَّ الْحَارِثَ بْنَ
أَبِي شِمْرٍ سَارَ إِلَيْنَا فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ
أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَا هُوَ قَالَ مَا أَرَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا
قَدْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مِنْ
رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
وَسَمَّى الْأَنْصَارِيَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ كَمَا
تَقَدَّمَ وَوَقَعَ قَوْلُهُ طَلَّقَ مَقْرُونًا
بِالظَّنِّ قَوْله وَقَالَ عبيد بن حنين سمع بن عَبَّاسٍ
عَنْ عُمَرَ يَعْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يَعْنِي
الْأَنْصَارِيَّ اعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ لَمْ يَذْكُرِ
الْبُخَارِيُّ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ
حُنَيْنٍ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ
وَهُوَ قَوْلُهُ فَقُلْتُ خَابَتْ حَفْصَة وخسرت فَهُوَ
بَقِيَّة رِوَايَة بن أَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّ هَذَا
التَّعْلِيقَ قَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَفْسِيرِ
سُورَةِ التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ فَقُلْتُ جَاءَ
الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ
اعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَزْوَاجَهُ فَقُلْتُ رَغِمَ أَنْفِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ
وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ اعْتَزَلَ
إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ سِيَاقِ الطَّرِيقِ
الْمُعَلَّقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنْتُهُ
وَالْمُوقِعُ فِي ذَلِكَ
(9/284)
إِيرَادُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ
اللَّفْظَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ
فِي أَثْنَاءِ الْمَتْنِ الْمُسَاقِ مِنْ رِوَايَة بن
أَبِي ثَوْرٍ فَصَارَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى
سِيَاقِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذَا
الْإِشْكَالِ النَّسَفِيُّ فَلَمْ يَسُقِ الْمَتْنَ وَلَا
الْقَدْرَ الْمُعَلَّقَ بَلْ قَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَاجْتَزَأَ بِمَا وَقع من طَرِيق بن أَبِي ثَوْرٍ فِي
الْمَظَالِمِ وَمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ فِي
تَفْسِيرِ التَّحْرِيمِ وَوَقَعَ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي
نُعَيْمٍ ذِكْرُ الْقَدْرُ الْمُعَلَّقُ عَنْ عُبَيْدِ
بْنِ حُنَيْنٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ
وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ
هَذَا اللَّفْظَ وَهُوَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ لَمْ تَتَّفِقِ
الرِّوَايَاتُ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهَا
بِالْمَعْنَى نَعَمْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ
سِمَاكِ بن زميل عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ
فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَقُولُونَ
طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَعند بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ
قَالَ لَقِيَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِبَعْضِ
طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَهَذَا
إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ بن عُمَرَ
لَاقَى أَبَاهُ وَهُوَ جَاءٍ مِنْ مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَهُ
بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ وَلَعَلَّ
الْجَزْمَ وَقَعَ مِنْ إِشَاعَةِ بَعْضِ أَهْلِ النِّفَاقِ
فَتَنَاقَلَهُ النَّاسُ وَأَصْلُهُ مَا وَقَعَ مِنِ
اعْتِزَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نِسَاءَهُ وَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِذَلِكَ فَظَنُّوا
أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَاتِبْ عُمَرُ
الْأَنْصَارِيَّ عَلَى مَا جَزَمَ لَهُ بِهِ مِنْ وُقُوعِ
ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ
عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي آخِرِهِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ إِلَى قَوْله يستنبطونه مِنْهُم قَالَ
فَكُنْتُ أَنَا أَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ الْأَمْرَ
وَالْمَعْنَى لَوْ رَدُّوهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ
الْمُخْبِرَ بِهِ أَوْ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ كَأَكَابِرِ
الصَّحَابَةِ لَعَلِمُوهُ لِفَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهُ
بِاسْتِخْرَاجِهِمْ بِالْفَهْمِ وَالتَّلَطُّفِ مَا
يَخْفَى عَنْ غَيْرِهِمْ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ
بِالْإِذَاعَةِ قَوْلُهُمْ وَإِشَاعَتُهُمْ أَنَّهُ
طَلَّقَ نِسَاءَهُ بِغَيْرِ تَحَقُّقٍ وَلَا تَثَبُّتٍ
حَتَّى شَفَى عُمَرُ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى حَقِيقَةِ
ذَلِكَ وَفِي الْمُرَادِ بِالْمُذَاعِ وَفِي الْآيَةِ
أَقْوَالٌ أُخْرَى لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا
قَوْلُهُ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ إِنَّمَا خَصَّهَا
بِالذِّكْرِ لِمَكَانَتِهَا مِنْهُ لِكَوْنِهَا بِنْتَهُ
وَلِكَوْنِهِ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِتَحْذِيرِهَا مِنْ
وُقُوعِ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ
حَنِينٍ فَقُلْتُ رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ
وَكَأَنَّهُ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمَا
كَانَتَا السَّبَبَ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ
قَوْلُهُ قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ
بِكَسْرِ الشِّينِ مِنْ يُوشِكُ أَيْ يَقْرُبُ وَذَلِكَ
لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُنَّ
قَدْ تُفْضِي إِلَى الْغَضَبِ الْمُفْضِي إِلَى
الْفُرْقَةِ قَوْلُهُ فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
رِوَايَةِ سِمَاكٍ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ
يَنْكُثُونَ الْحَصَا وَيَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ
وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ كَذَا فِي
هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ
نُزُولَ الْحِجَابِ كَانَ فِي أَوَّلِ زَوَاجِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ
كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
الْأَحْزَابِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ
آيَةِ التَّخْيِيرِ وَكَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ
فِيمَنْ خُيِّرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عُمَرَ لَهَا فِي
قَوْلِهِ وَلَا حُسْنُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَسَيَأْتِي
بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيق أبي الضُّحَى
عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِينَ
فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَ عُمَرُ فَصَعِدَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ فَذَكَرَ هَذِه الْقِصَّة
مُخْتَصرا فحضور بن عَبَّاسٍ وَمُشَاهَدَتُهُ لِذَلِكَ
يَقْتَضِي تَأَخُّرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَن الْحجاب فَإِن
بَين الْحجاب وانتقال بن عَبَّاسٍ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ
أَبَوَيْهِ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ لِأَنَّهُمْ قَدِمُوا
بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَآيَةُ التَّخْيِيرِ عَلَى هَذَا
نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ لِأَنَّ الْفَتْحَ كَانَ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَالْحِجَابُ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ
وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ
بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِمٌ أَيْضًا
قَوْلَ أَبِي سُفْيَانَ عِنْدِي أَجْمَلُ الْعَرَبِ أُمُّ
حَبِيبَةَ أُزَوِّجُكَهَا قَالَ نَعَمْ وَأَنْكَرَهُ
الْأَئِمَّةُ وَبَالغ بن حَزْمٍ فِي إِنْكَارِهِ
وَأَجَابُوا بِتَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ
لِهَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَأَحْسَنُ مَحَامِلِهِ عِنْدِي
أَنْ
(9/285)
يَكُونَ الرَّاوِي لَمَّا رَأَى قَوْلَ
عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ
كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ فَجَزَمَ بِهِ لَكِنَّ جَوَابَهُ
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الدُّخُولِ رَفْعُ الْحِجَابِ
فَقَدْ يدْخل مِنَ الْبَابِ وَتُخَاطِبُهُ مِنْ وَرَاءِ
الْحِجَابِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وَهْمِ الرَّاوِي فِي
لَفْظَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثُهُ كُلُّهُ
وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَوْضِعٌ آخَرُ
مُشْكِلٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَعْدَ
قَوْلُهُ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ وَنَزَلْتُ
أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى
الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعًا
وَعِشْرِينَ فَإِنَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَقِبَ مَا خَاطَبَهُ
عُمَرُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ تَأَخَّرَ
كَلَامُهُ مَعَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَسِيَاقُ
غَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَكَيْفَ يُمْهِلُ عُمَرَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
يَوْمًا لَا يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُصَرَّحٌ
بِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِرْ سَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى
يَقُومَ وَيَرْجِعَ إِلَى الْغُرْفَةِ وَيَسْتَأْذِنَ
وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ هَذَا سَهْلٌ وَهُوَ أَنْ يَحْمِلَ
قَوْلَهُ فَنَزَلَ أَيْ بَعْدَ أَنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ
الْمُدَّةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا فَاتَّفَقَ أَنَّهُ
كَانَ عِنْدَهٌ عِنْدَ إِرَادَتِهِ النُّزُولَ فَنَزَلَ
مَعَهُ ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ فَذَكَّرَهُ
كَمَا ذكرته عَائِشَة كَمَا سَيَأْتِي وَمِمَّا يُؤَيِّدُ
تَأَخُّرَ قِصَّةِ التَّخْيِيرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ
عُمَرَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ الَّتِي
قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا فِي الْمَظَالِمِ
وَكَانَ مَنْ حَوْلِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَقَامَ لَهُ إِلَّا مَلِكَ
غَسَّانَ بِالشَّامِ فَإِنَّ الِاسْتِقَامَةَ الَّتِي
أَشَارَ إِلَيْهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ وَقَدْ مَضَى فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنْ حَدِيثِ
عَمْرِو بن سَلمَة الْجرْمِي وَكَانَت الْعَرَب تقوم
بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ
وَقَوْمَهُ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ
فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ
بِإِسْلَامِهِمْ اه وَالْفَتْحُ كَانَ فِي رَمَضَانَ
سَنَةَ ثَمَانٍ وَرُجُوعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ ذِي
الْقَعْدَةِ مِنْهَا فَلِهَذَا كَانَتْ سَنَةُ تِسْعٍ
تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ لِكَثْرَةِ مَنْ وَفَدَ
عَلَيْهِ مِنَ الْعَرَبِ فَظَهَرَ أَنَّ اسْتِقَامَةَ مَنْ
حَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا
كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ
التَّخْيِيرَ كَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ كَمَا
قَدَّمْتُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ
كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَتْبَاعُهُ
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ
فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ أَنَّهُ
دَخَلَ أَوَّلًا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ يَا بِنْتَ أَبِي
بَكْرٍ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا
لي وَلَك يَا بن الْخَطَّابِ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ وَهِيَ
بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ
سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ أَيْ
عَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَمَوْضِعِ سِرِّكَ وَأَصْلُ
الْعَيْبَةِ الْوِعَاءُ الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ الثِّيَابُ
وَنَفِيسُ الْمَتَاعِ فَأَطْلَقَتْ عَائِشَةُ عَلَى
حَفْصَةَ أَنَّهَا عَيْبَةُ عُمَرَ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ
وَمُرَادُهَا عَلَيْكَ بِوَعْظِ ابْنَتِكَ قَوْلُهُ أَلَمْ
أَكُنْ حَذَّرْتُكِ زَادَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ لَقَدْ
عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يُحِبُّكِ وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ
فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ لِمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا
مِنَ الْحُزْنِ عَلَى فِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا تَتَوَقَّعُهُ مِنْ
شِدَّةِ غَضَبِ أَبِيهَا عَلَيْهَا وَقد قَالَ لَهَا
فِيمَا أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ وَاللَّهِ إِنْ كَانَ
طَلَّقَكِ لَا أُكَلِّمُكِ أبدا وَأخرج بن سَعْدٍ
وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ
رَاجَعَهَا وَلِابْنِ سعد مثله من حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَنْ
عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ
زَيْدٍ مِثْلُهُ وَزَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي
فَقَالَ لِي رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ
قَوَّامَةٌ وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ وَقَيْسٌ
مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَنَحْوُهُ عِنْدَهُ مِنْ
مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَوْلُهُ هَا هُوَ ذَا
مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ فِي رِوَايَةِ سَمَاكٍ
فَقُلْتُ لَهَا أَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي
الْمَشْرُبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ الْمَشْرُبَةِ
وَتَفْسِيرُهَا فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ وَأَنَّهَا
بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَجَمْعُهَا مَشَارِبُ
وَمَشْرُبَاتٌ قَوْلُهُ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى
الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ
لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ سِمَاكِ
بْنِ الْوَلِيدِ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ
يَنْكُثُونَ بِالْحَصَا أَيْ يَضْرِبُونَ بِهِ الْأَرْضَ
كَفِعْلِ الْمَهْمُومِ الْمُفَكِّرِ قَوْلُهُ ثُمَّ
غَلَبَنِي
(9/286)
مَا أَجِدُ أَيْ مِنْ شُغُلِ قَلْبِهِ
بِمَا بَلَغَهُ مِنِ اعْتِزَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ
إِلَّا عَنْ غَضَبٍ مِنْهُ وَلِاحْتِمَالِ صِحَّةِ مَا
أُشِيعَ مِنْ تَطْلِيقِ نِسَائِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِنَّ
حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ فَتَنْقَطِعُ الْوُصْلَةُ
بَيْنَهُمَا وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ مَا
لَا يَخْفَى قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ
فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ فَإِذَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَةٍ
يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ وَغُلَامٍ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدَ عَلَى رَأْسِ
الْعَجَلَةِ وَاسْمُ هَذَا الْغُلَامِ رَبَاحٌ بِفَتْحِ
الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ سَمَّاهُ سِمَاكٌ فِي
رِوَايَتِهِ وَلَفْظُهُ فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا
بِرَبَاحٍ غُلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ
الْمَشْرُبَةِ مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ
خَشَبٍ وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ وَعُرِفَ
بِهَذَا تَفْسِيرُ الْعَجَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي
رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي الضُّحَى
الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ بَحْثٍ فِي ذَلِكَ
وَالْأُسْكُفَّةُ فِي رِوَايَتِهِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
وَالْكَافِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ ثُمَّ فَاءٌ
مُشَدَّدَةٌ هِيَ عَتَبَةُ الْبَابِ السُّفْلَى وَقَوْلُهُ
عَلَى نَقِيرٍ بِنُونٍ ثُمَّ قَافٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ أَيْ
مَنْقُورٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ
بِفَاءٍ بَدَلَ النُّونِ وَهُوَ الَّذِي جُعِلَتْ فِيهِ
فِقَرٌ كَالدَّرَجِ قَوْلُهُ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فِي
رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ فَقُلْتُ لَهُ قُلْ
هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَوْلُهُ فَصَمَتَ بِفَتْحِ
الْمِيمِ أَيْ سَكَتَ وَفِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ فَنَظَرَ
رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ
يَقُلْ شَيْئًا وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَتَانِ عَلَى
أَنَّهُ أَعَادَ الذَّهَابَ وَالْمَجِيءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ بَلْ
ظَاهِرُ رِوَايَتِهِ أَنَّهُ أَعَادَ الِاسْتِئْذَانَ
فَقَطْ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ
عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ
لَمْ يَحْفَظْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرَّتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ كَانَ نَائِمًا أَوْ ظَنَّ أَنَّ عُمَرَ
جَاءَ يَسْتَعْطِفُهُ عَلَى أَزَوَاجِهِ لِكَوْنِ حَفْصَةَ
ابْنَتِهِ مِنْهُنَّ قَوْلُهُ فَنَكَسْتُ مُنْصَرِفًا أَيْ
رَجَعْتُ إِلَى وَرَائِي فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي
وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا وَفِي
رِوَايَةِ سِمَاكٍ ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ يَا
رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي
جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِي
بِضَرْبِ عُنُقِهَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا وَهَذَا
يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ لَمَّا
صَرَّحَ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ بِمَا قَالَ كَانَ أَبْعَدَ
أَنْ يَسْتَعْطِفَهُ لِضَرَائِرِهَا قَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ
مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ
تُضَمُّ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى رَمْلٍ بِسُكُونِ
الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّسْجُ تَقُولُ رَمَلْتُ
الْحَصِيرَ وَأَرْمَلْتُهُ إِذَا نَسَجْتُهُ وَحَصِيرٌ
مَرْمُولٌ أَيْ مَنْسُوجٌ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ
سَرِيرَهُ كَانَ مَرْمُولًا بِمَا يُرْمَلُ بِهِ
الْحَصِيرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَلَى رِمَالِ
سَرِيرٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ عَلَى حَصِيرٍ
وَقَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ فِي جَنْبِهِ وَكَأَنَّهُ
أَطْلَقَ عَلَيْهِ حَصِيرًا تَغْلِيبًا وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ رِمَالُ الْحَصِيرِ ضُلُوعُهُ
الْمُتَدَاخِلَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخُيُوطِ فِي الثَّوْبِ
فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ وَقَوْلُهُ لَيْسَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ
بِجَنْبِهِ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّهُ أُطْلِقَ
عَلَى نَسْجِ السَّرِيرِ حَصِيرًا قَوْلُهُ فَقُلْتُ
وَأَنَا قَائِمٌ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ فَرَفَعَ إِلَيَّ
بَصَرَهُ فَقَالَ لَا فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ لَمَّا ظَنَّ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ
الِاعْتِزَالَ طَلَاق أَو ناشيء عَنْ طَلَاقٍ أَخْبَرَ
عُمَرَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ جَازِمًا بِهِ فَلَمَّا
اسْتَفْسَرَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ
حَقِيقَةً كَبَّرَ تَعَجُّبًا مِنْ ذَلِكَ اه وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ كَبَّرَ اللَّهَ حَامِدًا لَهُ عَلَى مَا
أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْد بن سَعْدٍ فَكَبَّرَ
عُمَرُ تَكْبِيرَةً سَمِعْنَاهَا وَنَحْنُ فِي بُيُوتِنَا
فَعَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ
فَقَالَ لَا فَكَبَّرَ حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَرُ بَعْدُ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَطَلَّقْتَهُنَّ قَالَ لَا قُلْتُ إِنِّي
دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُثُونَ
الْحَصَا يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ أَفَأَنْزِلُ
فَأُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ قَالَ نَعَمْ
إِنْ شِئْتَ وَفِيهِ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ
فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ
قَوْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
قَوْلُهُ اسْتِفْهَامًا بطرِيق الاسْتِئْذَان
(9/287)
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ
الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ
هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ
لِلِاسْتِفْهَامِ فَيَكُونُ أَصْلُهُ بِهَمْزَتَيْنِ
تُسَهَّلُ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ تُحْذَفُ تَخْفِيفًا
وَمَعْنَاهُ انْبَسَطَ فِي الْحَدِيثِ وَاسْتَأْذَنَ فِي
ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا
لِعِلْمِهِ بِأَنَّ بِنْتَهُ كَانَتِ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ
فَخَشِيَ أَنْ يَلْحَقَهُ هُوَ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْتَبَةِ
فَبَقِيَ كَالْمُنْقَبِضِ عَنْ الِابْتِدَاءِ بِالْحَدِيثِ
حَتَّى اسْتَأْذَنَ فِيهِ قَوْلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ
النِّسَاءَ فَسَاقَ مَا تَقَدَّمَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ
عُقَيْلٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنَّ قَوْلَهُ
أَسْتَأْنِسُ بَعْدَ سِيَاقِ الْقِصَّةِ وَلَفْظُهُ
فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَسَاقَ الْقِصَّةَ
فَقُلْتُ أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ
وَهَذَا يُعَيِّنُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَهُوَ
أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِي الِاسْتِئْنَاسِ فَلَمَّا أَذِنَ
لَهُ فِيهِ جَلَسَ قَوْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ إِلَى
قَوْلِهِ فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَةً أُخْرَى الْجُمْلَةُ
حَالِيَّةٌ أَيْ حَالَ دُخُولِي عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَةِ
عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي قُلْتُ
لَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ فَضَحِكَ وَفِي رِوَايَةِ
سِمَاكٍ فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ
الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ وَحَتَّى كَشَّرَ فَضَحِكَ
وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ تَحَسَّرَ بِمُهْمَلَتَيْنِ
أَيْ تَكَشَّفَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَقَوْلُهُ كَشَّرَ
بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَبْدَى
أَسْنَانَهُ ضَاحِكًا قَالَ بن السِّكِّيتِ كَشَّرَ
وَتَبَسَّمَ وَابْتَسَمَ وَافَتَرَّ بِمَعْنًى فَإِذَا
زَادَ قِيلَ قَهْقَهَ وَكَرْكَرَ وَقَدْ جَاءَ فِي
صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
ضَحِكُهُ تَبَسُّمًا قَوْلُهُ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسُّمَةً
بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ تَبْسِيمَةً
قَوْلُهُ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ أَيْ نَظَرْتُ
فِيهِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ ثَلَاثٍ الْأَهَبَةُ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا بِمَعْنَى
الْأُهُبِ وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ جَمْعُ
إِهَابٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ
الدِّبَاغِ وَقِيلَ هُوَ الْجِلْدُ مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ
لَمْ يُدْبَغْ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
هُنَا جِلْدٌ شُرِعَ فِي دَبْغِهِ وَلَمْ يَكْمُلْ
لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ فَإِذَا
أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ وَالْأَفِيقُ بِوَزْنِ عَظِيمٍ
الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ دِبَاغُهُ يُقَالُ أَدَمٌ
وَأَدِيمٌ وَأَفَقٌ وَأَفِيقٌ وَإِهَابٌ وَأَهَبٌ
وَعِمَادٌ وَعَمُودٌ وَعُمُدٌ وَلَمْ يَجِيء فَعِيلٌ
وَفَعُولٌ عَلَى فَعَلٍ بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْجَمْعِ
إِلَّا هَذِهِ الْأَحْرُفُ وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَجِيءَ
فُعُلٌ بِضَمَّتَيْنِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ
حُنَيْنٍ وَأَنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا بِقَافٍ
وَظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَصْبُوبًا بِمُوَحَّدَتَيْنِ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مَصْبُورًا بِرَاءٍ قَالَ
النَّوَوِيُّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مَضْبُورًا
بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ لُغَةٌ وَالْمُرَادُ
بِالْمَصْبُورِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ
الْمَجْمُوعُ وَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَصْبُوبًا بَلِ
الْمُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَثِرٍ وَإِنْ كَانَ فِي
غَيْرِ وِعَاءٍ بَلْ هُوَ مَصْبُوبٌ مُجْتَمِعٌ وَفِي
رِوَايَةِ سِمَاكٍ فَنَظَرْتُ فِي خِزَانَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا
بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا
قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ قَوْلُهُ ادْعُ اللَّهَ
فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ
بْنِ حُنَيْنٍ فَبَكَيْتُ فَقَالَ وَمَا يُبْكِيكَ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ
فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَفِي
رِوَايَةِ سِمَاكٍ فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ فَقَالَ مَا
يبكيك يَا بن الْخَطَّابِ فَقُلْتُ وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي
وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ
خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى وَذَاكَ
قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الْأَنْهَارِ وَالثِّمَارِ
وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ قَوْلُهُ فَجَلَسَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مُتكئا
فَقَالَ أَو فِي هَذَا أَنْت يَا بن الْخطاب فِي رِوَايَة
معمر عِنْد مُسلم أَو فِي شكّ أَنْت يَا بن الْخَطَّابِ
وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ
الْمَظَالِمِ وَالْمَعْنَى أَأَنْتَ فِي شَكٍّ فِي أَنَّ
التَّوَسُّعَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي
الدُّنْيَا وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّهُ بَكَى مِنْ جِهَةِ
الْأَمْرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَهُوَ غَضَبُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى
اعْتَزَلَهُنَّ فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ أَمْرَ الدُّنْيَا
أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ قَوْلُهُ إِنَّ أُولَئِكَ
قَوْمٌ قَدْ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَلَا
تَرْضَى أَنْ
(9/288)
تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا
الْآخِرَةُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ
عَلَى إِرَادَةِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ لِتَخْصِيصِهِمَا
بِالذِّكْرِ وَالْأُخْرَى بِإِرَادَتِهِمَا وَمَنْ
تَبِعَهُمَا أَوْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمَا زَادَ فِي
رِوَايَةِ سِمَاكٍ فَقُلْتُ بَلَى قَوْلُهُ فَقُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي أَيْ عَنْ جَرَاءَتِي
بِهَذَا الْقَوْلِ بِحَضْرَتِكَ أَوْ عَنِ اعْتِقَادِي
أَنَّ التَّجَمُّلَاتِ الدُّنْيَوِيَّةَ مَرْغُوبٌ فِيهَا
أَوْ عَنْ إِرَادَتِي مَا فِيهِ مُشَابَهَةُ الْكُفَّارِ
فِي مَلَابِسِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ قَوْلُهُ فَاعْتَزَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ
حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ كَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ
لَمْ يُفَسِّرِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الَّذِي
أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ وَفِيهِ أَيْضًا وَكَانَ قَالَ مَا
أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ
مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ وَهَذَا
أَيْضًا مُبْهَمٌ وَلَمْ أَرَهُ مُفَسَّرًا وَكَانَ
اعْتِزَالُهُ فِي الْمَشْرُبَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ بن
عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ فَأَفَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْمَخْزُومِيُّ فِي كِتَابِهِ أَخْبَارُ الْمَدِينَةِ
بِسَنَدٍ لَهُ مُرْسَلٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَشْرُبَةِ وَيَقِيلُ
عِنْدَ أَرَاكَةٍ عَلَى خَلْوَةِ بِئْرٍ كَانَتْ هُنَاكَ
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ
بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ الا مَا رَوَاهُ بن
إِسْحَاقَ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
التَّحْرِيم وَالْمرَاد بالمعاتبة قَوْله تَعَالَى يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ الْآيَاتِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الَّذِي حَرَّمَ
عَلَى نَفْسِهِ وَعُوتِبَ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا
اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ حَلِفِهِ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ
عَلَى نِسَائِهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَالَّذِي فِي
الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ الْعَسَلُ كَمَا مَضَى فِي سُورَةِ
التَّحْرِيمِ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ وَسَيَأْتِي بِأَبْسَطَ مِنْهُ
فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَذَكَرْتُ فِي التَّفْسِيرِ
قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ فِي تَحْرِيمِ جَارِيَتِهِ
مَارِيَةَ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ كَثِيرًا مِنْ طُرُقِهِ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ
عَائِشَة عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ مَا يَجْمَعُ
الْقَوْلَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ حَفْصَةَ أُهْدِيَتْ لَهَا
عُكَّةٌ فِيهَا عَسَلٌ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا
حَبَسَتْهُ حَتَّى تُلْعِقَهُ أَوْ تَسْقِيَهُ مِنْهَا
فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِجَارِيَةٍ عِنْدَهَا حَبَشِيَّةٍ
يُقَالُ لَهَا خَضْرَاءُ إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ
فَانْظُرِي مَا يَصْنَعُ فَأَخْبَرَتْهَا الْجَارِيَةُ
بِشَأْنِ الْعَسَلِ فَأَرْسَلَتْ إِلَى صَوَاحِبِهَا
فَقَالَتْ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكُنَّ فَقُلْنَ إِنَّا
نَجْدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ فَقَالَ هُوَ عَسَلٌ
وَاللَّهِ لَا أَطْعَمَهُ أَبَدًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ
حَفْصَةَ اسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَأْتِيَ أَبَاهَا فَأَذِنَ
لَهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْسَلَ إِلَى جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ
فَأَدْخَلَهَا بَيْتَ حَفْصَةَ قَالَتْ حَفْصَةُ
فَرَجَعْتُ فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا فَخَرَجَ
وَوَجْهُهُ يَقْطُرُ وَحَفْصَةُ تَبْكِي فَعَاتَبَتْهُ
فَقَالَ أُشْهِدُكِ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ انْظُرِي لَا
تُخْبِرِي بِهَذَا امْرَأَةً وَهِيَ عِنْدَكِ أَمَانَةٌ
فَلَمَّا خَرَجَ قَرَعَتْ حَفْصَةُ الْجِدَارَ الَّذِي
بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ أَلَا أُبَشِّرُكِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ حَرَّمَ أَمَتَهُ فَنَزَلَتْ وَعند بن سعد من طَرِيق
شُعْبَة مولى بن عَبَّاسٍ عَنْهُ خَرَجَتْ حَفْصَةُ مِنْ
بَيْتِهَا يَوْمَ عَائِشَةَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ
بِجَارِيَتِهِ الْقِبْطِيَّةِ بَيْتَ حَفْصَةَ فَجَاءَتْ
فَرَقَبَتْهُ حَتَّى خَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ لَهُ
أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَا صَنَعْتَ قَالَ فَاكْتُمِي
عَلَيَّ وَهِيَ حَرَامٌ فَانْطَلَقَتْ حَفْصَةُ إِلَى
عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ
أَمَّا يومي فتعرس فِيهِ بِالْقِبْطِيَّةِ وَيَسْلَمُ
لِنِسَائِكَ سَائِرُ أَيَّامِهِنَّ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ
وَجَاءَ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ قَوْلٍ ثَالِثٍ أخرجه بن
مرْدَوَيْه من طَرِيق الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ
دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهَا فَوَجَدَتْ مَعَهُ مَارِيَةَ
فَقَالَ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرْكِ
بِبِشَارَةٍ إِنَّ أَبَاكَ يَلِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ
أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مِتُّ فَذَهَبَتْ إِلَى
عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ
ذَلِكَ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحَرِّمَ مَارِيَةَ
فَحَرَّمَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَفْصَةَ فَقَالَ
أَمَرْتُكِ أَلَّا تُخْبِرِي عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتِهَا
فَعَاتَبَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعَاتِبْهَا عَلَى
أَمْرِ الْخِلَافَةِ فَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
عَرَّفَ بَعْضَهُ واعرض عَن بعض وَأَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي عِشْرَةِ
النِّسَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ بِتَمَامِهِ
وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ وَجَاءَ فِي سَبَبِ غَضَبِهِ
مِنْهُنَّ وَحَلِفِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ
شَهْرًا
(9/289)
قصَّة أُخْرَى فَأخْرج بن سَعْدٍ مِنْ
طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُهْدِيَتْ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَدِيَّةٌ فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ
نِسَائِهِ نصِيبهَا فَلم ترض زَيْنَب بنت جحش بنصيها
فَزَادَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَلَمْ تَرْضَ فَقَالَتْ
عَائِشَةُ لَقَدْ أَقْمَأَتْ وَجْهَكَ تَرُدُّ عَلَيْكَ
الْهَدِيَّةَ فَقَالَ لَأَنْتُنَّ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ
مِنْ أَنْ تُقْمِئْنَنِي لَا أَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ شَهْرًا
الْحَدِيثَ وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ وَفِيهِ ذَبَحَ ذَبْحًا
فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْنَبَ
بِنَصِيبِهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ زِيدُوهَا ثَلَاثًا
كُلُّ ذَلِكَ تَرُدُّهُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ قَوْلٌ
آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ
جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ بِبَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ
مِنْهُمْ فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ جَاءَ
عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَحَوْلَهُ
نِسَاؤُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ هُنَّ حَوْلِي
كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو
بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ
ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا فَذَكَرَ نُزُولَ آيَةِ
التَّخْيِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ كَانَ سَبَبًا لِاعْتِزَالِهِنَّ وَهَذَا
هُوَ اللَّائِقُ بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَةِ صَدْرِهِ وَكَثْرَةِ صَفْحِهِ
وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ حَتَّى تَكَرَّرَ
مُوجِبُهُ مِنْهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ورضى
عَنْهُن وَقصر بن الْجَوْزِيِّ فَنَسَبَ قِصَّةَ الذَّبْحِ
لِابْنِ حَبِيبٍ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَهِيَ مُسْنَدَةٌ
عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ وَأَبْهَمَ قِصَّةَ النَّفَقَةِ
وَهِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالرَّاجِحُ مِنَ
الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قِصَّةُ مَارِيَةَ لِاخْتِصَاصِ
عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَسَلِ فَإِنَّهُ
اجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَابُ جَمِيعُهَا
اجْتَمَعَتْ فَأُشِيرَ إِلَى أَهَمِّهَا وَيُؤَيِّدُهُ
شُمُولُ الْحَلِفِ لِلْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مَثَلًا فِي
قِصَّةِ مَارِيَةَ فَقَطْ لَاخْتَصَّ بِحَفْصَةَ
وَعَائِشَةَ وَمَنِ اللَّطَائِفِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي
الشَّهْرِ مَعَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْهَجْرِ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ أَنَّ عِدَّتَهُنَّ كَانَتْ تِسْعَةً فَإِذَا
ضُرِبَتْ فِي ثَلَاثَةٍ كَانَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ
وَالْيَوْمَانِ لِمَارِيَةَ لِكَوْنِهَا كَانَتْ أَمَةً
فَنَقَصَتْ عَنِ الْحَرَائِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ
تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً الْعَدَدُ مُتَعَلِّقٌ
بِقَوْلِهِ فَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ قَوْلُهُ وَكَانَ قَالَ
مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا فِي رِوَايَةِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي طَرِيقِ
عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا
أَيْ حَلَفَ أَوْ أَقْسَمَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ
الْإِيلَاءَ الَّذِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ اتِّفَاقًا
وَسَيَأْتِي بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ حَدِيثُ
أَنَسٍ قَالَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَهَذَا
مُوَافِقٌ لِلَفْظِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
هُنَا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ لَمْ يُعَبِّرُوا بِلَفْظِ الْإِيلَاءِ قَوْلُهُ
مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ أَيْ غَضَبِهِ
قَوْلُهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فِيهِ أَنَّ مَنْ غَابَ
عَنْ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ حَضَرَ يَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ
مِنْهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ
بَلَغَ وَلَا أَنْ يُقْرِعَ كَذَا قِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ
تَكُونَ الْبَدَاءَةُ بِعَائِشَةَ لِكَوْنِهِ اتَّفَقَ
أَنَّهُ كَانَ يَوْمَهَا قَوْلُهُ فَقَالَتْ لَهُ
عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ
أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا تَقَدَّمَ
أَنَّ فِي رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ عُمَرَ
ذَكَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَّرَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ
الْغُرْفَةِ وَعَائِشَةُ ذَكَّرَتْهُ بِذَلِكَ حِينَ
دَخَلَ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُمَا تَوَارَدَا عَلَى ذَلِكَ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ قَالَ فَقُلْنَا فَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ
يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ حَدِيثِ عُمَرَ فَيَكُونُ
عُمَرُ حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ عَائِشَةَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ
عِنْدِي لَكِنْ يَقْوَى أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ
تَعَالِيقِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ فَإِنَّ
هَذَا الْقَدْرَ عِنْدَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ
أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا قَالَ
الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ فَذَكَرَهُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَصْبَحْتُ مِنْ
تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ
لِتِسْعٍ بِاللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ
فِيهَا بِتِسْعٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ
الْحَدِيثِ وَقَعَ مُدْرَجًا فِي رِوَايَةِ
(9/290)
شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ
مُفَصَّلًا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ
فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا
مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ
قُلْتُ وَنِسْبَةُ الْإِدْرَاجِ إِلَى شُعَيْبٍ فِيهِ
نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِمِ مِنْ رِوَايَةِ
عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ
طَرِيقَ مَعْمَرٍ كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
مُفَصَّلَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَكَى
الِاخْتِلَافَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ
التَّخْيِيرِ هَلْ هِيَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَوْلُهُ فَقَالَ
الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً وَكَانَ ذَلِكَ
الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فِي هَذَا
إِشَارَةٌ إِلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ
وَأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ الْحَصْرُ أَوْ أَنَّ اللَّامَ
فِي قَوْلِهِ الشَّهْرُ لِلْعَهْدِ مِنَ الشَّهْرِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ
تَكُونَ الشُّهُورُ كُلُّهَا كَذَلِك وَقد أنْكرت عَائِشَة
على بن عُمَرَ رِوَايَتَهُ الْمُطْلَقَةُ أَنَّ الشَّهْرَ
تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ
الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ
لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ إِنَّمَا قَالَ الشَّهْرُ قَدْ يَكُونُ
تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْأَخِيرِ
الَّذِي جَزَمَتْ بِهِ عَائِشَةُ وَبَيَّنْتُهُ قَبْلَ
هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ مِنَ الْإِشْكَالِ قَوْلُهُ
قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ
التَّخْيِيرِ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فَأُنْزِلَتْ
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ
الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ
سُؤَالُ الْعَالِمِ عَنْ بَعْضِ أُمُورِ أَهْلِهِ وَإِنْ
كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَةٌ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ
سُنَّةٌ تُنْقَلُ وَمَسْأَلَةٌ تُحْفَظُ قَالَهُ
الْمُهَلَّبُ قَالَ وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْعَالِمِ
وَمَهَابَتُهُ عَنِ اسْتِفْسَارِ مَا يخْشَى من تغيره
عِنْد ذِكْرِهِ وَتَرَقُّبُ خَلَوَاتِ الْعَالِمِ
لِيُسْأَلَ عَمَّا لَعَلَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ
بِحَضْرَةِ النَّاسِ أَنْكَرَهُ عَلَى السَّائِلِ
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الْمُرُوءَةِ وَفِيهِ
أَنَّ شِدَّةَ الْوَطْأَةِ عَلَى النِّسَاءِ مَذْمُومٌ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخَذَ بِسِيرَةِ الْأَنْصَارِ فِي نِسَائِهِمْ وَتَرَكَ
سِيرَةَ قَوْمِهِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ
وَقَرَابَتَهُ بِالْقَوْلِ لِأَجْلِ إِصْلَاحِهَا
لِزَوْجِهَا وَفِيهِ سِيَاقٌ الْقِصَّةِ عَلَى وَجْهِهَا
وَإِنْ لَمْ يَسْأَلِ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ
فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ مِنْ زِيَادَةِ شَرْحٍ وَبَيَانٍ
وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ الْعَالِمُ يَعْلَمُ أَنَّ
الطَّالِبَ يُؤْثِرُ ذَلِكَ وَفِيهِ مَهَابَةُ الطَّالِبِ
لِلْعَالِمِ وَتَوَاضُعُ الْعَالِمِ لَهُ وَصَبْرُهُ عَلَى
مُسَاءَلَتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ غَضَاضَةٌ وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْبَابِ
وَدَقِّهِ إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الدَّاخِلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ
وَدُخُولُ الْآبَاءِ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَوْ كَانَ
بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ وَالتَّنْقِيبُ عَنْ
أَحْوَالِهِنَّ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّقُ
بِالْمُتَزَوِّجَاتِ وَفِيهِ حسن تلطف بن عَبَّاسٍ
وَشِدَّةُ حِرْصِهِ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى فُنُونِ
التَّفْسِير وَفِيه طلب علو الْإِسْنَاد لِأَن بن عَبَّاسٍ
أَقَامَ مُدَّةً طَوِيلَةً يَنْتَظِرُ خَلْوَةَ عُمَرَ
لِيَأْخُذَ عَنْهُ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَخْذُ ذَلِكَ
بِوَاسِطَةٍ عَنْهُ مِمَّنْ لَا يَهَابُ سُؤَالَهُ كَمَا
كَانَ يَهَابُ عُمَرَ وَفِيهِ حِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى
طَلَبِ الْعِلْمِ وَالضَّبْطِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّ طَالِبَ
الْعِلْمِ يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ وَقْتًا يَتَفَرَّغُ فِيهِ
لِأَمْرِ مَعَاشِهِ وَحَالِ أَهْلِهِ وَفِيهِ الْبَحْثُ
فِي الْعِلْمِ فِي الطُّرُقِ وَالْخَلَوَاتِ وَفِي حَالِ
الْقُعُودِ وَالْمَشْيِ وَفِيهِ إِيثَارُ الِاسْتِجْمَارِ
فِي الْأَسْفَارِ وَإِبْقَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ
وَفِيهِ ذِكْرُ الْعَالِمِ مَا يَقَعُ مِنْ نَفْسِهِ
وَأَهْلِهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ
دِينِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ حِكَايَةُ مَا
يُسْتَهْجَنُ وَجَوَازُ ذِكْرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَبَيَانُ ذِكْرِ
وَقْتِ التَّحَمُّلِ وَفِيهِ الصَّبْرُ عَلَى الزَّوْجَاتِ
وَالْإِغْضَاءِ عَنْ خِطَابِهِنَّ وَالصَّفْحُ عَمَّا
يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ زَلَلٍ فِي حَقِّ الْمَرْءِ دُونَ
مَا يَكُونُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ جَوَازُ
اتِّخَاذِ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْخَلْوَةِ بَوَّابًا
يَمْنَعُ مَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
وَيَكُونُ قَوْلُ أَنَسٍ الْمَاضِي فِي كِتَابِ
الْجَنَائِزِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي وَعَظَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ
تَعْرِفْهُ ثُمَّ جَاءَتْ إِلَيْهِ فَلَمْ تَجِدْ لَهُ
بَوَّابِينَ مَحْمُولًا عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي
يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ
أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْتَجِبَ عَنْ بِطَانَتِهِ
وَخَاصَّتِهِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِطَرْقِهِ مِنْ جِهَةِ
أَهْلِهِ حَتَّى يَذْهَبَ غَيْظُهُ وَيَخْرُجَ إِلَى
النَّاسِ وَهُوَ مُنْبَسِطٌ
(9/291)
إِلَيْهِمْ فَإِنَّ الْكَبِيرَ إِذَا
احْتَجَبَ لَمْ يَحْسُنِ الدُّخُولُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ
إِذْنٍ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ
جَلِيلَ الْقَدْرِ عَظِيمَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ وَفِيهِ
الرِّفْقُ بِالْأَصْهَارِ وَالْحَيَاءُ مِنْهُمْ إِذَا
وَقَعَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ مَا يَقْتَضِي
مُعَاتَبَتَهُمْ وَفِيهِ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ
أَبْلَغَ مِنَ الْكَلَامِ وَأَفْضَلَ فِي بَعْضِ
الْأَحَايِينِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
لَوْ أَمَرَ غُلَامَهُ بِرَدِّ عُمَرَ لَمْ يَجُزْ
لِعُمَرَ الْعَوْدُ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ مَرَّةً بَعْدَ
أُخْرَى فَلَمَّا سَكَتَ فَهِمَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ
أَنَّهُ لَمْ يُؤْثِرْ رَدَّهُ مُطْلَقًا أَشَارَ إِلَى
ذَلِكَ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجِبَ إِذَا
عَلِمَ مَنْعَ الْإِذْنِ بِسُكُوتِ الْمَحْجُوبِ لَمْ
يَأْذَنْ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى
الْإِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ عَلَى حَالَةٍ يُكْرَهُ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا
وَفِيهِ جَوَازُ تَكْرَارِ الِاسْتِئْذَانِ لِمَنْ لَمْ
يُؤْذَنْ لَهُ إِذَا رَجَا حُصُولَ الْإِذْنِ وَأَنْ لَا
يَتَجَاوَزَ بِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا سَيَأْتِي
إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ فِي قِصَّةِ أَبِي
مُوسَى مَعَ عُمَرَ وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَى عُمَرَ مِنْ
هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنَ الْإِذْنِ
لَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا
وَلَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ
كَانَ يَعُودُ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ
كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ
الْحُكْمُ وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ لَذَّةٍ أَوْ شَهْوَةٍ
قَضَاهَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ اسْتِعْجَالٌ
لَهُ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ
ذَلِكَ لَادُّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ أَشَارَ إِلَى
ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ
إِيثَارَ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى وَخَصَّهُ الطَّبَرِيُّ
بِمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي وُجُوهِهِ وَيُفَرِّقْهُ فِي
سُبُلِهِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِوَضْعِهِ فِيهَا قَالَ
وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَنَازِلِ
الِامْتِحَانِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمِحَنِ مَعَ الشُّكْرِ
أَفْضَلُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الضَّرَّاءِ وَحْدَهُ
انْتَهَى قَالَ عِيَاضٌ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِمَّا
يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُفَضِّلُ الْفَقِيرَ عَلَى
الْغَنِيِّ لِمَا فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ إِنَّ مَنْ
تَنَعَّمَ فِي الدُّنْيَا يَفُوتُهُ فِي الْآخِرَةِ
بِمِقْدَارِهِ قَالَ وَحَاوَلَهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ
الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ حَظَّ الْكُفَّارِ هُوَ
مَا نَالُوهُ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا إِذْ لَا حَظَّ
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ انْتَهَى وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ وَالْخَلَفُ
وَهِيَ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ سَيَكُونُ لَنَا بِهَا
إِلْمَامٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ
الرِّقَاقِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ
مَهْمُومًا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِمَا
يُزِيلُ هَمَّهُ وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ لِقَوْلِ عُمَرَ
لَأَقُولَنَّ شَيْئًا يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
بَعْدَ اسْتِئْذَانِ الْكَبِيرِ فِي ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ
عُمَرُ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوضُوء
بالصب على المتوضيء وَخِدْمَةُ الصَّغِيرِ الْكَبِيرَ
وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ أَشْرَفَ نَسَبًا مِنَ الْكَبِيرِ
وَفِيهِ التَّجَمُّلُ بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ عِنْدَ
لِقَاءِ الْأَكَابِرِ وَفِيهِ تَذْكِيرُ الْحَالِفِ
بِيَمِينِهِ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا ظَاهِرُهُ
نِسْيَانُهَا لَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّقٌ
بِذَلِكَ لِأَنَّ عَائِشَةَ خَشِيَتْ أَنْ يَكُونَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ مِقْدَارَ مَا حَلَفَ
عَلَيْهِ وَهُوَ شَهْرٌ وَالشَّهْرُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا
أَوْ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَمَّا نَزَلَ فِي
تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ظَنَّتْ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنِ
الْقَدْرِ أَوْ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَهُلَّ
فَأَعْلَمَهَا أَنَّ الشَّهْرَ اسْتَهَلَّ فَإِنَّ الَّذِي
كَانَ الْحَلِفُ وَقَعَ فِيهِ جَاءَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
يَوْمًا وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ
يَمِينَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتُّفِقَ
أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلِهَذَا
اقْتَصَرَ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَإِلَّا فَلَوِ
اتُّفِقَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْجُمْهُورُ
عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْبِرُّ إِلَّا بِثَلَاثِينَ
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِتِسْعَةٍ
وَعِشْرِينَ أَخْذًا بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ
الِاسْم قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ
حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ يَبَرُّ بِفِعْلِ أَقَلِّ مَا
يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالْقِصَّةُ مَحْمُولَةٌ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ
أَوَّلَ الْهِلَالِ وَخَرَجَ بِهِ فَلَوْ دَخَلَ فِي
أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَبَرَّ إِلَّا بِثَلَاثِينَ
وَفِيهِ سُكْنَى الْغُرْفَةِ ذَاتِ الدَّرَجِ وَاتِّخَاذُ
الْخِزَانَةِ لِأَثَاثِ الْبَيْتِ وَالْأَمْتِعَةِ وَفِيهِ
التَّنَاوُبَ فِي مَجْلِسِ الْعَالِمِ إِذَا لَمْ
تَتَيَسَّرِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى حُضُورِهِ لِشَاغِلٍ
شَرْعِيٍّ مِنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَفِيهِ
قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ فَاضِلًا
وَالْمَأْخُوذُ عَنْهُ مَفْضُولًا وَرِوَايَةُ الْكَبِيرِ
عَنِ الصَّغِيرِ وَأَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي تُشَاعُ
وَلَوْ كَثُرَ نَاقِلُوهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُهَا
إِلَى أَمْرٍ حِسِّيٍّ مِنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ لَا
تَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ فَإِنَّ جَزْمَ الْأَنْصَارِيِّ
فِي
(9/292)
رِوَايَةٍ بِوُقُوعِ التَّطْلِيقِ وَكَذَا
جَزْمُ النَّاسِ الَّذِينَ رَآهُمْ عُمَرُ عِنْدَ
الْمِنْبَرِ بِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَاعَ
بَيْنَهُمْ ذَلِكَ مِنْ شَخْصٍ بِنَاءً عَلَى التَّوَهُّمِ
الَّذِي تَوَهَّمَهُ مِنِ اعْتِزَالِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَظَنَّ لِكَوْنِهِ
لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ
فَأَشَاعَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ فَشَاعَ ذَلِكَ
فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ وَأَخْلَقُ بِهَذَا الَّذِي
ابْتَدَأَ بِإِشَاعَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنَ
الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ الِاكْتِفَاءُ
بِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ بِأَخْذِهِ عَنِ الْقَرِينِ مَعَ
إِمْكَانِ أَخْذِهِ عَالِيًا عَمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ
الْقَرِينُ وَأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْعُلُوِّ حَيْثُ لَا
يَعُوقُ عَنْهُ عَائِقٌ شَرْعِيٌّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْهُ أُصُولَ مَا
يَقَعُ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ
ذَلِكَ مُشَافَهَةً وَهَذَا أَحَدُ فَوَائِدِ كِتَابَةِ
أَطْرَافِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ
عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَحْوَالِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّتْ
أَوْ قَلَّتْ وَاهْتِمَامُهُمْ بِمَا يَهْتَمُّ لَهُ
لِإِطْلَاقِ الْأَنْصَارِيِّ اعْتِزَالَهُ نِسَاءَهُ
الَّذِي أَشْعَرَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ طلقهن الْمُقْتَضِيَ
وُقُوعَ غَمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ طُرُوقِ مَلِكِ الشَّامِ
الْغَسَّانِيِّ بِجُيُوشِهِ الْمَدِينَةَ لِغَزْوِ مَنْ
بِهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ
الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ عَدُوَّهُمْ
وَلَوْ طَرَقَهُمْ مَغْلُوبٌ وَمَهْزُومٌ وَاحْتِمَالُ
خِلَافِ ذَلِكَ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بِمَا
تَوَهَّمَهُ مِنَ التَّطْلِيقِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَعَهُ
حُصُولُ الْغَمِّ وَكَانُوا فِي الطَّرَفِ الْأَقْصَى مِنْ
رِعَايَةِ خَاطِرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَحْصُلَ لَهُ تَشْوِيشٌ وَلَوْ قَلَّ وَالْقَلَقُ
لِمَا يُقْلِقُهُ وَالْغَضَبُ لِمَا يُغْضِبُهُ وَالْهَمُّ
لِمَا يُهِمُّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِيهِ أَنَّ
الْغَضَبَ وَالْحُزْنَ يَحْمِلُ الرَّجُلَ الْوَقُورَ
عَلَى تَرْكِ التَّأَنِّي الْمَأْلُوفِ مِنْهُ لِقَوْلِ
عُمَرَ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
وَفِيهِ شِدَّةُ الْفَزَعِ وَالْجَزَعِ لِلْأُمُورِ
الْمُهِمَّةِ وَجَوَازُ نَظَرِ الْإِنْسَانِ إِلَى
نَوَاحِي بَيْتِ صَاحِبِهِ وَمَا فِيهِ إِذَا عَلِمَ
أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ
مَا وَقَعَ لِعُمَرَ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ
عَنْ فُضُولِ النَّظَرِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُ عُمَرَ فِي بَيْتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ
أَوَّلًا اتِّفَاقًا فَرَأَى الشَّعِيرَ وَالْقَرَظَ
مَثَلًا فَاسْتَقَلَّهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِيَنْظُرَ هَلْ
هُنَاكَ شَيْءٌ أَنْفَسُ مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إِلَّا
الْأُهُبَ فَقَالَ مَا قَالَ وَيَكُونُ النَّهْيُ
مَحْمُولًا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ
وَالتَّفْتِيشِ ابْتِدَاءً وَفِيهِ كَرَاهَةُ سُخْطِ
النِّعْمَةِ وَاحْتِقَارِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ
وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْ وُقُوعِ
ذَلِكَ وَطَلَبُ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ
وَإِيثَارُ الْقَنَاعَةِ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إِلَى مَا
خُصَّ بِهِ الْغَيْرُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا
الْفَانِيَةِ وَفِيهِ الْمُعَاقَبَةُ عَلَى إِفْشَاءِ
السِّرِّ بِمَا يَلِيقُ بِمن أفشاه
(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا
تَطَوُّعًا)
هَذَا الْأَصْلُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي
كِتَابِ الصِّيَامِ وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي
أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبَى هُرَيْرَةَ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَهُ فِي
أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَوَقَعَ
لِلْمِزَّيِّ فِي الْأَطْرَافِ فِيهِ وَهْمٌ بَيَّنْتُهُ
فِيمَا كَتَبْتُهُ عَلَيْهِ
[5192] قَوْلُهُ لَا تَصُومُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ
بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْي وَأغْرب بن
التِّينِ وَالْقُرْطُبِيُّ فَخَطَّأَ رِوَايَةَ الرَّفْعِ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْمُسْتَمْلِي لَا تَصُومَنَّ
بِزِيَادَةِ نُونِ التَّوْكِيدِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِلَفْظِ لَا تَصُمْ
وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى بَعْدَ بَاب وَاحِد
(9/293)
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ
مُهَاجِرَةً فِرَاشِ زَوْجِهَا)
أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ
[5193] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ هُوَ
بُنْدَارٌ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ
وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ
الْمَرْوَزِيِّ بن سِنَانٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونَيْنِ
وَهُوَ غَلَطٌ قَوْلُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ
وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ وَقَوْلُهُ
فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ زُرَارَة هُوَ بن
أَبِي أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ يُكَنَّى أَبَا حَاجِبٍ
لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثَانِ
فَقَطْ هَذَا وَآخَرُ مَضَى فِي الْعِتْقِ وَلَهُ فِي
الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ آخَرُ
يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي تَفْسِيرِ
عَبَسَ حَدِيثٌ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ
عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا جَمِيعُ مَا لَهُ فِي الصَّحِيحِ
وَكُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ قَوْلُهُ
إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فرَاشه قَالَ بن
أَبِي جَمْرَةَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْفِرَاشَ كِنَايَةٌ
عَنِ الْجِمَاعِ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ أَيْ لِمَنْ يَطَأُ فِي الْفِرَاشِ
وَالْكِنَايَةُ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَحَى
مِنْهَا كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ اللَّعْنِ بِمَا إِذَا
وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ لَيْلًا لِقَوْلِهِ حَتَّى تُصْبِحَ
وَكَأَنَّ السِّرَّ تَأَكُّدُ ذَلِكَ الشَّأْنِ فِي
اللَّيْلِ وَقُوَّةُ الْبَاعِثِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ
مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِي
النَّهَارِ وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّيْلُ بِالذِّكْرِ
لِأَنَّهُ الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ اه وَقَدْ وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا
مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا
فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ
سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا وَلِابْنِ
خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ
ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ وَلَا يَصْعَدُ
لَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ الْعَبْدُ الْآبِقُ
حَتَّى يَرْجِعَ وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ
وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى
يَرْضَى فَهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ تَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ قَوْلُهُ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ زَادَ أَبُو
عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ
الْخَلْقِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا وَبِهَذِهِ
الزِّيَادَةِ يُتَّجَهُ وُقُوعُ اللَّعْنِ لِأَنَّهَا
حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُ مَعْصِيَتِهَا بِخِلَافِ
مَا إِذَا لَمْ يَغْضَبْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ
إِمَّا لِأَنَّهُ عَذَرَهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَرَكَ
حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ
زُرَارَةَ إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ
زَوْجِهَا فَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي لَفْظِ
الْمُفَاعَلَةِ بَلِ المُرَاد أَنَّهَا هِيَ الَّتِي هجرت
وَقد تَأتي لَفْظُ الْمُفَاعَلَةِ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ
الْفِعْلِ وَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهَا اللَّوْمُ إِلَّا
إِذَا بَدَأَتْ هِيَ بِالْهَجْرِ فَغَضِبَ هُوَ لِذَلِكَ
أَوْ هَجَرَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَلَمْ تَسْتَنْصِلْ مِنْ
ذَنْبِهَا وَهَجَرَتْهُ أَمَّا لَوْ بَدَا هُوَ
بِهَجْرِهَا ظَالِمًا لَهَا فَلَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةُ
مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ إِذَا
بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ
قَوْلُهُ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ فِي
رِوَايَةِ زُرَارَةُ حَتَّى تَرْجِعَ وَهِيَ أَكْثَرُ
فَائِدَةً وَالْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا
تَقَدَّمَ وللطبراني من حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ
اثْنَانِ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمَا رُءُوسَهُمَا عَبْدٌ
آبِقٌ وَامْرَأَةٌ غَضِبَ زَوْجُهَا حَتَّى تَرْجِعَ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا
الْحَدِيثُ يُوجِبُ أَنَّ مَنْعَ الْحُقُوقِ فِي
الْأَبْدَانِ كَانَتْ أَوْ فِي الْأَمْوَالِ مِمَّا
يُوجِبُ سُخْطَ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَهَا
بِعَفْوِهِ وَفِيهِ جَوَازُ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ
إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِرْهَابِ عَلَيْهِ لِئَلَّا
يُوَاقِعَ الْفِعْلَ فَإِذَا وَاقَعَهُ فَإِنَّمَا يُدْعَى
لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْهِدَايَةِ قُلْتُ لَيْسَ هَذَا
التَّقْيِيدُ مُسْتَفَادًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ
مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى وَقد
(9/294)
ارْتَضَى بَعْضُ مَشَايِخُنَا مَا ذَكَرَهُ
الْمُهَلَّبُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ
عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ وَفِيهِ
نَظَرٌ وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ مَنَعَ اللَّعْنَ أَرَادَ
بِهِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْإِبْعَادُ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ أَنْ يُدْعَى بِهِ عَلَى
الْمُسْلِمِ بَلْ يُطْلَبُ لَهُ الْهِدَايَةُ
وَالتَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالَّذِي
أَجَازَهُ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ وَهُوَ
مُطْلَقُ السَّبِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ إِذَا
كَانَ بِحَيْثُ يَرْتَدِعُ الْعَاصِي بِهِ وَيَنْزَجِرُ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ
جَوَازُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِيهِ أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَدْعُو عَلَى أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ مَا
دَامُوا فِيهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ
يَدْعُونَ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ مَا دَامُوا فِيهَا كَذَا
قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيه نظر أَيْضا قَالَ بن أَبِي
جَمْرَةَ وَهَلِ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي تَلْعَنُهَا هُمُ
الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ
قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ
مُوَكَّلًا بِذَلِكَ وَيُرْشِدُ إِلَى التَّعْمِيمِ
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّذِي فِي السَّمَاءِ
إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ سُكَّانَهَا قَالَ وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ خَيْرٍ
أَوْ شَرٍّ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَوَّفَ بِذَلِكَ وَفِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى مُسَاعَدَةِ
الزَّوْجِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَفِيهِ أَنَّ صَبْرَ
الرَّجُلِ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ أَضْعَفُ مِنْ صَبْرِ
الْمَرْأَةِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ أَقْوَى التَّشْوِيشَاتِ
عَلَى الرَّجُلِ دَاعِيَةُ النِّكَاحِ وَلِذَلِكَ حَضَّ
الشَّارِعُ النِّسَاءَ عَلَى مُسَاعَدَةِ الرِّجَالِ فِي
ذَلِكَ اه أَوِ السَّبَبُ فِيهِ الْحَضُّ عَلَى
التَّنَاسُلِ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ الْأَحَادِيثُ
الْوَارِدَةُ فِي التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ
فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ قَالَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
مُلَازَمَةِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى
عِبَادَتِهِ جَزَاءً عَلَى مُرَاعَاتِهِ لِعَبْدِهِ حَيْثُ
لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِهِ إِلَّا جَعَلَ لَهُ
مَنْ يَقُومُ بِهِ حَتَّى جَعَلَ مَلَائِكَتَهُ تَلْعَنُ
مَنْ أَغْضَبَ عَبْدَهُ بِمَنْعِ شَهْوَةٍ مِنْ
شَهَوَاتِهِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُوَفِّيَ حُقُوقَ
رَبِّهِ الَّتِي طَلَبَهَا مِنْهُ وَإِلَّا فَمَا أَقْبَحَ
الْجَفَاءَ مِنَ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ إِلَى الْغَنِيِّ
الْكَثِيرِ الْإِحْسَانِ اه مُلَخَّصًا من كَلَام بن أبي
جَمْرَة رَحمَه الله
(قَوْلُهُ بَابُ لَا تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا لِأَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
الْمُرَادُ بِبَيْتِ زَوْجِهَا سكنة سَوَاء كَانَ ملكه
أَولا
[5195] قَوْلُهُ عَنِ الْأَعْرَجِ كَذَا يَقُولُ شُعَيْبٌ
عَنْ أبي الزِّنَاد وَقَالَ بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ
بَعْدُ قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ
وَزَوْجُهَا يَلْتَحِقُ بِهِ السَّيِّدُ بِالنِّسْبَةِ
لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَبَعْلُهَا وَهِيَ أَفْيَدُ لِأَنَّ
بن حَزْمٍ نَقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْبَعْلَ
اسْمٌ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَإِنْ ثَبَتَ وَإِلَّا
أُلْحِقَ السَّيِّدُ بِالزَّوْجِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي
الْمَعْنَى قَوْلُهُ شَاهِدٌ أَيْ حَاضِرٌ قَوْلُهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ يَعْنِي فِي غَيْرِ صِيَامِ أَيَّامِ رَمَضَانَ
وَكَذَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْوَاجِبِ إِذَا
تَضَيَّقَ الْوَقْتُ وَقَدْ خَصَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي
التَّرْجَمَةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ بَابٍ بِالتَّطَوُّعِ
وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ
عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَإِنَّ فِيهَا لَا
تَصُومُ الْمَرْأَةُ غَيْرَ رَمَضَانَ وَأَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي
أَثْنَاءِ حَدِيثِ وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى
زَوْجَتِهِ أَنْ لَا
(9/295)
تَصُومَ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِ
فَإِنْ فَعَلَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَقَدْ قَدَّمْتُ
اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي لَفْظِ وَلَا تَصُومُ
وَدَلَّتْ رِوَايَةُ الْبَابِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ
الْمَذْكُورِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ
فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَحَّ وَأَثِمَتْ
لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَأَمْرُ قَبُولِهِ إِلَى اللَّهِ
قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمُقْتَضَى
الْمَذْهَبِ عَدَمُ الثَّوَابِ وَيُؤَكِّدُ التَّحْرِيمَ
ثُبُوتُ الْخَبَرِ بِلَفْظِ النَّهْيِ وَوُرُودُهُ
بِلَفْظِ الْخَبَرِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ
أَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ الْأَمْرِ
فِيهِ فَيَكُونُ تَأَكُّدُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى
التَّحْرِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
وَسَبَبُ هَذَا التَّحْرِيمِ أَنَّ لِلزَّوْجِ حَقَّ
الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَقُّهُ وَاجِبٌ
عَلَى الْفَوْر فَلَا يفوتهُ بالتطوع وَلَا وَاجِب عَلَى
التَّرَاخِي وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهَا الصَّوْمُ
بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا
جَازَ وَيُفْسِدُ صَوْمَهَا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ
الْمُسْلِمَ يَهَابُ انْتَهَاكَ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ إِنْ
لَمْ يُثْبِتْ دَلِيلَ كَرَاهَتِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ
مُسَافِرًا فَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ فِي تَقْيِيدِهِ
بِالشَّاهِدِ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّطَوُّعِ لَهَا إِذَا
كَانَ زَوْجُهَا مُسَافِرًا فَلَوْ صَامَتْ وَقَدِمَ فِي
أَثْنَاءِ الصِّيَامِ فَلَهُ إِفْسَادُ صَوْمِهَا ذَلِكَ
مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَفِي مَعْنَى الْغَيْبَةِ أَنْ
يَكُونَ مَرِيضًا بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعَ
وَحَمَلَ الْمُهَلَّبُ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ عَلَى
التَّنْزِيهِ فَقَالَ هُوَ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ
وَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ مِنْ غَيْرِ الْفَرَائِضِ بِغَيْرِ
إِذْنِهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ
وَاجِبَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ شَيْئًا مِنْ
طَاعَةِ اللَّهِ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
اه وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ
حَقَّ الزَّوْجِ آكَدُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ
التَّطَوُّعِ بِالْخَيْرِ لِأَنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ
وَالْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَامِ
بِالتَّطَوُّعِ قَوْلُهُ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ
زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَهَذَا
الْقَيْدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ
الْغَالِبِ وَإِلَّا فَغَيْبَةُ الزَّوْجِ لَا تَقْتَضِي
الْإِبَاحَةَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْذَنَ لِمَنْ يَدْخُلُ
بَيْتَهُ بَلْ يَتَأَكَّدُ حِينَئِذٍ عَلَيْهَا الْمَنْعُ
لِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ
الدُّخُولِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ أَيْ مَنْ غَابَ عَنْهَا
زَوْجُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَفْهُومٌ
وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ تَيَسَّرَ اسْتِئْذَانُهُ
وَإِذَا غَابَ تَعَذَّرَ فَلَوْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى
الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى
اسْتِئْذَانِهِ لِتَعَذُّرِهِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا أَمَّا مُطْلَقُ
دُخُولِ الْبَيْتِ بِأَنْ تَأْذَنَ لِشَخْصٍ فِي دُخُولِ
مَوْضِعٍ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَوْ
إِلَى دَارٍ مُنْفَرِدَةٍ عَنْ سَكَنِهَا فَالَّذِي
يَظْهَرُ أَنَّهُ مُلْتَحِقٌ بِالْأَوَّلِ وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى
أَنَّهُ لَا يَفْتَاتُ عَلَى الزَّوْجِ بِالْإِذْنِ فِي
بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مَحْمُول على مَا لَا
نعلم رِضَا الزَّوْجِ بِهِ أَمَّا لَوْ عَلِمَتْ رِضَا
الزَّوْجِ بِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا كَمَنْ جَرَتْ
عَادَتُهُ بِإِدْخَالِ الضِّيفَانِ مَوْضِعًا مُعَدًّا
لَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَمْ غَائِبًا فَلَا
يَفْتَقِرْ إِدْخَالُهُمْ إِلَى إِذْنٍ خَاصٍّ لِذَلِكَ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ إِذْنِهِ
تَفْصِيلًا أَوْ إِجْمَالًا قَوْلُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ
أَيِ الصَّرِيحِ وَهَلْ يَقُومُ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ
عَلَامَةُ رِضَاهُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالرِّضَا فِيهِ
نَظَرٌ قَوْلُهُ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ
غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ
أَيْ نِصْفُهُ وَالْمُرَادُ نِصْفُ الْأَجْرِ كَمَا جَاءَ
وَاضِحًا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
فِي الْبُيُوعِ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ بِلَفْظِ إِذَا
أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ
أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُدَ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ وَأَغْرَبَ
الْخَطَّابِيُّ فَحَمَلَ قَوْلَهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ
شَطْرُهُ عَلَى الْمَالِ الْمُنْفَقِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ
الْمَرْأَةَ إِذَا أَنْفَقَتْ بِغَيْرِ أَمْرِ زَوْجِهَا
زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ لَهَا أَنْ تَغْرَمَ الْقَدْرَ
الزَّائِدَ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ فِي
الْخَبَرِ لِأَنَّ الشَّطْرَ يُطْلَقُ عَلَى النِّصْفِ
وَعَلَى الْجُزْءِ قَالَ وَنَفَقَتُهَا مُعَاوَضَةٌ
فَتُقَدَّرُ بِمَا يُوَازِيهَا مِنَ الْفَرْضِ وَتَرُدُّ
الْفَضْلَ عَنْ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا جَازَ
لَهَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ لِقِصَّةِ هِنْدٍ خُذِي مِنْ
مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ اه وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَرُدُّ عَلَيْهِ وَقَدِ
اسْتَشْعَرَ الْإِيرَادَ فَحُمِلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ
عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَجَعَلَهُمَا حَدِيثَيْنِ
(9/296)
مُخْتَلِفَيِ الدَّلَالَةِ وَالْحَقُّ
أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ رُوِيَا بِأَلْفَاظٍ
مُخْتَلِفَةٍ وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ عَنْ غَيْرِ
أَمْرِهِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ
الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا
يَنْفِي ذَلِكَ وُجُودَ إِذْنٍ سَابِقٍ عَامٍّ يَتَنَاوَلُ
هَذَا الْقَدْرَ وَغَيْرَهُ إِمَّا بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا
بِالْعُرْفِ قَالَ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ
لِجَعْلِ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَعْلُومٌ
أَنَّهَا إِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
لَا الصَّرِيحِ وَلَا الْمَأْخُوذِ مِنَ الْعُرْفِ لَا
يَكُونُ لَهَا أَجْرٌ بَلْ عَلَيْهَا وِزْرٌ فَيَتَعَيَّنُ
تَأْوِيلُهُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ
مَفْرُوضٌ فِي قَدْرٍ يَسِيرٍ يَعْلَمُ رِضَا الْمَالِكِ
بِهِ عُرْفًا فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ يَعْنِي كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالْبُيُوعِ إِذَا
أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ
مُفْسِدَةٍ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ قَدْرٌ يُعْلَمُ رِضَا
الزَّوْجِ بِهِ فِي الْعَادَةِ قَالَ وَنَبَّهَ
بِالطَّعَامِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا
يُسْمَحُ بِهِ عَادَةً بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فِي حَقِّ
كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ قُلْتُ
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي
الزَّكَاةِ مَبَاحِثُ لَطِيفَةٌ وَأَجْوِبَةٌ فِي هَذَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّنْصِيفِ فِي
حَدِيثِ الْبَابِ الْحَمْلَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي
يُعْطِيهِ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَإِذَا
أَنْفَقَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَانَ الْأَجْرُ
بَيْنَهُمَا لِلرَّجُلِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ فِي
اكْتِسَابِهِ وَلِكَوْنِهِ يُؤْجَرُ عَلَى مَا يُنْفِقُهُ
عَلَى أَهْلِهِ كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرِهِ وَلِلْمَرْأَةِ لِكَوْنِهِ مِنَ
النَّفَقَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا
الْحَمْلَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ
مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ لَا إِلَّا مِنْ قُوتِهَا
وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ
تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ
أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ
الْعَبْدِ عَقِبَهُ هَذَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ هَمَّامٍ اه
وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُضَعِّفُ حَمْلَهُ عَلَى
التَّعْمِيمِ أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا دَلَّ
عَلَيْهِ هَذَا الثَّانِي فَلَا وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ قَالَ
قَالَتِ امْرَأَةٌ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كَلٌّ عَلَى
آبَائِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَأَبْنَائِنَا فَمَا يَحِلُّ
لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ قَالَ الرطب تأكلنه وتهدينه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
رَفَعَهُ لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ
زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ قِيلَ وَلَا الطَّعَامَ قَالَ
ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا وَظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّطَبِ مَا
يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فَأَذِنَ فِيهِ بِخِلَافِ
غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ طَعَامًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا عَنْ مُوسَى
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ يُشِيرُ
إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
عَنِ الْأَعْرَجِ اشْتَمَلَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ
وَأَنَّ لِأَبِي الزِّنَادِ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ
وَهُوَ صِيَامُ الْمَرْأَة إِسْنَادًا آخر ومُوسَى
الْمَذْكُور هُوَ بن أَبِي عُثْمَانَ وَأَبُوهُ أَبُو
عُثْمَانَ يُقَالُ لَهُ التَّبَّانُ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ
مُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةٍ وَاسْمُهُ سَعْدٌ وَيُقَالُ
عِمْرَانَ وَهُوَ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ
وَقَدْ وَصَلَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ
طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى
بْنِ أَبِي عُثْمَانَ بِقِصَّةِ الصَّوْمِ فَقَط والدارمي
أَيْضا وبن خُزَيْمَة وَأَبُو عوَانَة وبن حِبَّانَ مِنْ
طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
عَنِ الْأَعْرَجَ بِهِ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ فِي
رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا بِهِ
سُفْيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ
مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ فَرَاجَعْتُهُ فِيهِ فَثَبَتَ
عَلَى مُوسَى وَرَجَعَ عَنِ الْأَعْرَجِ وَرَوَيْنَاهُ
عَالِيًا فِي جُزْءِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نُجَيْدٍ مِنْ
رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى
الْمَالِكِيَّةِ فِي تَجْوِيزِ دُخُولِ الْأَبِ وَنَحْوِهِ
بَيْتَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَأَجَابُوا
عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِصِلَةِ الرَّحِمِ
وَإِنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا
وَجْهِيًّا فَيَحْتَاجُ إِلَى مُرَجِّحِ وَيُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ صِلَةُ الرَّحِمِ إِنَّمَا تُنْدَبُ بِمَا
يَمْلِكُهُ الْوَاصِلُ وَالتَّصَرُّفُ فِي بَيْتِ
الزَّوْجِ لَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ
الزَّوْجِ فَكَمَا لِأَهْلِهَا أَنْ لَا تَصِلَهُمْ
بِمَالِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِذْنُهَا لَهُمْ فِي
دُخُولِ الْبَيْتِ كَذَلِكَ
(9/297)
(قَوْلُهُ بَابٌ كَذَا)
لَهُمْ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ
أُسَامَةَ لِقَوْلِهِ فِيهِ وَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ
فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ وَسَقَطَ
لِلنَّسَفِيِّ لَفْظُ بَابٌ فَصَارَ الْحَدِيثُ الَّذِي
فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ
وَمُنَاسَبَتُهُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْإِشَارَةِ إِلَى
أَنَّ النِّسَاءَ غَالِبًا يَرْتَكِبْنَ النَّهْيَ
الْمَذْكُورَ وَمِنْ ثَمَّ كُنَّ أَكثر من دخل النَّار
وَالله أعلم قَوْلُهُ بَابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَهُوَ
الزَّوْجُ وَالْعَشِيرُ هُوَ الْخَلِيطُ مِنَ
الْمُعَاشَرَةِ أَيْ أَنَّ لَفْظَ الْعَشِيرِ يُطْلَقُ
بِإِزَاءِ شَيْئَيْنِ فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الزَّوْجُ
وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى
ولبئس العشير الْمُخَالِطُ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي
(9/298)
عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى لَبِئْسَ
الْمَوْلَى ولبئس العشير الْمولى هُنَا بن الْعَمِّ
وَالْعَشِيرُ الْمُخَالِطُ الْمُعَاشِرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ ثُمَّ ذَكَرَ
فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ بِطُولِهِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ
أَبْوَابِ الْكُسُوفِ وَقَوْلُهُ
[5197] فِيهِ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ
الدَّهْرَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُودِ سَبَبِ
التَّعْذِيبِ لِأَنَّهَا بِذَلِكَ كَالْمُصِرَّةِ عَلَى
كُفْرِ النِّعْمَةِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ
مِنْ أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ
الْمُهَلَّبُ وَذكر بعده حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
بِمَعْنَى حَدِيثِ أُسَامَةَ الْمَاضِي فِي الْبَابِ
قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ
[5198] تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ يَعْنِي
أَنَّهُمَا تَابَعَا عَوْفًا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ وَهُوَ
الْعُطَارِدِيُّ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ فَضْلِ
الْفَقْرِ مِنَ الرِّقَاقِ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ نَجِيحٍ
وَصَخْرَ بْنَ جُوَيْرِيَةَ خَالَفَا فِي ذَلِكَ عَنْ
أَبِي رَجَاءٍ فَقَالَا عَنْهُ عَن بن عَبَّاسٍ
وَمُتَابَعَةُ أَيُّوبَ وَصَلَهَا النَّسَائِيُّ
وَاخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى أَيُّوبَ فَقَالَ عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْهُ هَكَذَا وَقَالَ الثَّقَفِيّ وبن
عُلَيَّةُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ
عَن بن عَبَّاسٍ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ
فَوَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ
بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي بَابِ فَضْلِ الْفَقْرِ مِنَ
الرِّقَاقِ وَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ مَعَ حَدِيثِ
أُسَامَةَ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ
كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى |